ترجمة حضرة صاحب العزة الشهم المفضال الأميرالاي عبد الفتاح بك رفعت

مقدمة للمؤرخ

عرفنا في هذا الإداري الحازم قوة الإرادة والكفاءة الإدارية والدأب على الأعمال والنشاط والإقدام، وزرناه مرارًا في مكتبه فشاهدنا ما لم نشاهده في كثير من كبار الموظفين من التدقيق في كل شاردة وواردة، وتوقيع الجزاءات على من يراه مقصرًا من الموظفين والعمال الذين تحت رئاسته، رأيناه مكبًّا على الأعمال بنفسه دون أن يحيل شيئًا منها على أحد ممن تحت إدارته، شأن الإداري الحازم الذي يتلقى كل مسئولية على نفسه، وعرفنا فيه الذكاء المفرط عند توليه مديرًا لمخازن عموم البوليس، وكيف أظهر بفراسته تلك الألاعيب والاختلاسات المشينة، وقدم فاعليها لمجالس التأديب وقضى عليهم بالرفت بعد ثبوت تهمة الاختلاس ثبوتًا لا يدع مجالًا للشك، فهذا هو عبد الفتاح بك رفعت الذي نسطر تاريخه بقلم الفخر والإعجاب في سفرنا التاريخي، سائلين الحق أن يكثر من أمثاله بين كبار موظفي الإدارة.
figure
حضرة صاحب العزة الشهم المفضال الأميرالاي عبد الفتاح بك رفعت المدير العام لقوة نظام البوليس والخفر بوزارة الداخلية.

مولده ونشأته

ولد بمدينة القاهرة يوم ٢ أكتوبر سنة ١٨٧٢ بشارع المغربلين بعطفة عبد الله بك من أبوين شريفين، فوالده هو البكباشي عبد الرحمن أفندي طلعت بن المرحوم يوسف أفندي عصمت باشمهندس مديرية البحيرة. دخل أولًا مكتب السلطان مصطفى الكائن في أول شارع الكومي بالقرب من السيدة زينب، ومكث به سنتين ثم انتقل إلى مكتب الفراش الكائن أمام قسم بوليس السيدة — وكان هذا المكتب متممًا لمكتب السلطان مصطفى — فمكث به سنة واحدة، ثم التحق بمدرسة المبتديان — التي مكانها الآن المدرسة السنية — وذلك عام ١٨٨٢م ومكث بها أربع سنوات، ثم انتقل إلى المدرسة الخديوية سنة ١٨٨٦م في عهد ناظرها المرحوم صادق بك شنن، فمكث بها ثلاث سنوات وكان في كل مدة الدراسة عنوان النجابة والذكاء الفطري، ثم ألحق بالمدرسة الحربية في سنة ١٨٩٠ من وترقى منها إلى رتبة ملازم ثان في ٣٠ يونيو سنة ١٨٩٢، وتعين في ١٣ جي أورطة بيادة في سواكن، وفي سنة ١٨٩٤ ألحق بوزارة الداخلية، ونقل ملاحظًا لبوليس مركز السنطة فمكث بها سنة واحدة، ثم نقل ملاحظًا لبوليس بندر شبين الكوم، وكانت مديرية المنوفية مقسمة إلى بنادر ومراكز غير مراكزها الحالية، فلما غير المرحوم محمود صبري باشا حدود مراكز المديرية وأوضاعها بأن نقل مركز مليج إلى شبين الكوم، وسماه مركزًا وضم إليه بندر شبين، ونقل مركز سبك إلى أشمون وسماه أشمون؛ تعين صاحب الترجمة بعد إلغاء بندر شبين — وكان يرؤسه ملاحظ بوليس فقط — إلى نقطة بركة السبع، فمكث بها إلى أكتوبر سنة ١٨٩٦ حيث رقي إلى رتبة معاون بوليس قبل أقدميته بنحو ٥٤ ملاحظًا، وهذا أكبر دليل على نشاطه خصوصًا في حوادث السرقات، التي أظهر فاعلوها أثناء وجوده بنقطة بركة السبع، ونقل لمركز بلبيس ومكث به مدة خمسة عشر يومًا فقط، ونقل منه إلى ههيا لمناسبة كثرة حوادث السطو والسرقات، ومكث حتى أبريل سنة ١٨٩٧م وكان حضرة صاحب الدولة عدلي يكن باشا مديرًا إذ ذاك للشرقية فأحسن شهادته فيه، ونقلته وزارة الداخلية إلى مركز مغاغة عقب حادثة قتل المستر كمب السائح الإنجليزي المشهور، وكان لحادثة قتله هذه أهمية عظمى في دوائر الحكومة عمومًا والداخلية خصوصًا؛ لأن اللورد كرومر اهتم بها اهتمامًا فوق العادة فلم يمض أكثر من عشرين يومًا حتى أظهر القاتلين، وكانوا من طائفة الأعراب المقيمين بعزبة المرحوم علي باشا فهمي المجاورة لمغاغة، وقدمهم للقضاء وحكم عليهم بالأشغال الشاقة المؤبدة بعد أن ضبطت عندهم معظم السرقات، ويرجع الفضل ليقظة صاحب الترجمة وما أبداه من الهمة والإقدام.

وكان مركز مغاغة من أكثر المراكز حوادثًا حتى قد لا تمر ليلة إلا ويقع فيه أكثر من حادثين جنائيتين، غير أن حسن التفاهم بين حضرة صاحب الترجمة ومأمور المركز، وهو حضرة محمد بك وهبي حكمدار المنوفية سابقًا جعل الأمن مستتبًّا في ذاك المركز، وساد السلام وحلت الطمأنينة في قلوب الأهلين.

ومكث في ذاك المركز ثلاث سنوات ونصف سنة كان في خلالها مثال الجد والهمة والنزاهة واليقظة، ثم نقل معاونًا لبوليس مدينة الإسكندرية في شهر مارس سنة ١٩٠١ ومكث بها ستة شهور، ثم رُقي معاونًا لبوليس بندر المنصورة — الآن وظيفة مأمور بندر — وكان ذلك في عهد صاحب المعالي أحمد حشمت باشا ومكث بها ستة شهور، ثم رقي مأمورًا لمركز واحة سيوه ومكث بها سنة واحدة. وفي ديسمبر سنة ١٩٠٣ عين مفتشًا لبوليس الإسكندرية في عهد سعادة هوبكنسون باشا، وكان من اختصاصه التفتيش على أقسام محرم بك والكمرك وكرموس ومينا البصل، ومكث في هذه الوظيفة سنة كاملة، وفي ديسمبر سنة ١٩٠٤ تعين مأمورًا لمركز شبين الكوم حيث كان معالى محمد شكري باشا مديرًا للمنوفية إذ ذاك، واشتغل في وظيفته هذه بضعة شهور فلم تطب نفسه للبقاء فيها، وطلب العودة إلى الكادر العسكري، وبعد إلحاح ومساعدات من سعادة المدير تعين حكمدارًا لمديرية بني سويف في يناير سنة ١٩٠٦ ومنح رتبة البكباشي، وعقب نقله لهذه الوظيفة مباشرة منح النيشان المجيدي الرابع نظير خدماته الصادقة وكفاءته الشخصية التي أداها منذ كان مأمورًا لمركز شبين الكوم، ومكث في بني سويف عامي ١٩٠٦ و١٩٠٧م وكان المرحوم مصطفى بك سري مديرًا لها في ذاك العهد، ثم أخلفه عبد الرحمن بك فهمي ثم خليل نايل بك، وفي ديسمبر سنة ١٩٠٧ منح رتبة القائمقام وتعين حكمدارًا للشرقية، وكان مديرها إذ ذاك المرحوم خليل جمال الدين باشا ثم أخلفه صاحب المعالي حسن حسيب باشا، وفي يناير سنة ١٩١٠ عين حكمدارًا للغربية وكان صاحب المعالي محمد محب باشا مديرًا لها، وفي أبريل سنة ١٩١١ نقل حكمدارًا لأسيوط بسبب خلاف حدث بين سعادة إبراهيم صبري باشا مدير أسيوط وأحمد حمدي بك حكمدار أسيوط عقب انعقاد المؤتمر القبطي، وعقب نقله لأسيوط منح النيشان العثماني الرابع، وقد أخلفه صاحب المعالي المرحوم إبراهيم فتحي باشا، وفي فبراير سنة ١٩١٤ منح رتبة الأميرالاي وتعين باشمفتشًا لنظام الخفر بوزارة الداخلية، وفي سنة ١٩١٦ منح نيشان النيل من الطبقة الثالثة جزاء خدماته الصادقة وشهامته العالية. ثم عين مديرًا لعموم مخازن البوليس، فأظهر نشاطًا واقتدارًا وكفاءة واكتشف اختلاسات في مخزن المهمات كادت تندثر لولا شدة يقظته وفائق ذكائه، وقدم مرتكبيها لمجالس التأديب، وقضى عليهم بالرفت لثبوت تهمة الاختلاس.

وعندما استقال جناب وايز بك المدير العام لقوة نظام البوليس والخفر بوزارة الداخلية، رأت حكومتنا السنية العادلة أن تسند هذا المنصب الكبير لصاحب الترجمة نظرًا لجدارته وكفاءته في هذه الشؤون.

أخلاقه وصفاته

لين العريكة، دمث الأخلاق، على جانب عظيم من الوداعة، يميل بفطرته لعمل الخير وتعضيد البؤساء وهو والحق يقال نصير للفقراء يتألم لمصابهم ويتوجع لبؤسهم، ومن مميزاته الصراحة في القول والإقدام في العمل أكثر الله من أمثاله بين رجال الأمة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤