ترجمة حضرة الشهم الوطني الغيور عفيفي بك حسين البربري

مقدمة للمؤرخ

أعيتنا كل حيلة ووسيلة للحصول على معلومات وافية بالمقصود يكون لها علاقة بتاريخ حياة هذا الوطني والعامل المجد، صاحب المبدأ الثابت والوطنية الصادقة والذي لا يمكن لمصري تظله سماء مصر، وشرب جرعة من نيلها المبارك أن يجحد فضله وعظيم خدماته نحو بلاده.

وقد أبى علينا حضرته معاونتنا بإعطائنا هذه المعلومات الهامة؛ لنقوم بإثباتها هنا خدمة للتاريخ، رغمًا من كثرة ترددنا على سرايه العامرة بمصر القديمة؛ ذلك لأن الرجل بعيد كل البعد عن حب الظهور والتبجح بالوطنية قائلًا: إنه لم يقم بأي عمل يستحق أي شكر وثناء، وإن هو إلا فرد عمل مع العاملين على نهضة بلاده ورفع لواء مجد الكنانة.

وإننا وإن شكرناه على هذا التواضع وإنكار الذات ونفوره الشديد من التنويه بجلائل أعماله وصدق خدماته إلا أننا نعارضه في فكرته هذه التي أحرمت حضرات القراء الكرام من الاطلاع على صحيفة نقية بيضاء، خالية من كل شائبة ناطقة له بالشكر والثناء؛ لتدوم في بطون التاريخ بالفخر والإعجاب ما دامت السماوات والأرض.
figure
حضرة صاحب العزة الوطني الغيور عفيفي بك حسين البربري كبير وجهاء مصر القديمة والعضو بمجلس الشيوخ المصري.

وليعذرنا حضرة القارئ الكريم، والحالة هذه إذا نحن اقتصرنا على ذكر القليل من الكثير من أعمال هذا الشهم الغيور، وأثبتنا قطرة من بحر خدماته فنقول:

مولده ونشأته

ولد هذا الشهم الفاضل في مصر «القاهرة» عام ١٨٨٠ ميلادية من أبوين كريمين شريفين، اشتهرا بالفضيلة والتقوى فالوالد هو المرحوم حسين أحمد البربري، الذي اتصف بالوداعة وكرم الأخلاق وعلو النفس، والعطف على البؤساء والبر بالفقراء، فأدخله المدارس الأميرية المصرية، فأقبل على ارتشاف العلوم بشغف عظيم، حتى إذا ما كملت صفاته وتجلت مواهبه ترك دور العلوم ليعمل لمستقبله، ففضل الاشتغال بالشؤون الزراعية لعلمه أن عليها وحدها تتوقف ثروة البلاد، فشمر عن ساعد الجد وأخذ يعمل في أطيانه الخاصة بعزيمة ماضية، وهمة عالية واكتسب خبرة عظيمة مكنته من مضاعفة مقدارها، وأصبح موضع احترام وإعجاب الجميع خصوصًا لشرف معاملاته وصدقه، وطهارة ذمته لدى الجميع ولطفه وعالي مروءته.

خدماته الوطنية الصادقة

وقد بدأت وطنيته تتجلى بأجلى معانيها منذ قامت مصر بحركتها الوطنية العامة، وقامت قيامتها لنوال حقها في الاستقلال التام، فتألفت لجان كثيرة من رجال الوفد المصري المخلصين في جميع أنحاء القطر المصري، فما كان من اللجنة التي ألفت بدائرة مصر القديمة إلا وانتخبت من بينها حضرة صاحب الترجمة رئيسًا، وأخذت تجاهد وتناضل وتعمل عمل الأبطال المخلصين حتى نال شهرة لا حد لها، وأصبح يشار إليه بأطراف البنان وقد اتصلت هذه الشهرة، وتلك البطولة بأسماع الزعيم الجليل حضرة صاحب الدولة سعد زغلول باشا، وتحقق من صدق إخلاصه وكبير وطنيته، فلم يبخسه حقه في المدح والثناء عليه، بل صرح في كثير من خطبة التي ألقاها على المخلصين من رجاله باستحالة وجود من يضارعه، أو يشبهه في ثبات المبدأ وصدق الإيمان الوطني الراسخ والجهاد المتواصل.

وقد انتخب حضرته عضوًا عن دائرة مصر القديمة لمجلس النواب المصري في الانتخابات البرلمانية الأولى بأغلبية ساحقة، ولكن أبى تواضعه وكرهه الشديد للأنانية وحب الذات قبولها، بل تنازل عنها للأستاذ عبد الحليم البيلي المحامي، وفي هذا التنازل لأكبر دليل على بعده عن الخيلاء الكاذبة والجعجعة الفارغة، وأن لا مقصد له من دخوله ميدان الجهاد الوطني سوى أن يرى بلاده قد نالت حقها من الاستقلال التام، مهما كلفه هذا الجهاد من متاعب ومشاق وذاق في سبيله كل اضطهاد.

وليس في مقدورنا مهما أوتينا من قوة الإدراك وصفاء الذهن أن نأتي على كل ما أدّاهُ من جلائل الخدم نحو بلاده، مما يخلد له في بطون التاريخ بمداد الفخر والإعجاب ما دامت السماوات والأرض.

وقد حفظ له أهالي مصر القديمة تلك الخدمات العظيمة والوطنية الحقة، فأجمعوا على انتخابه عضوًا لمجلس الشيوخ لعلمهم أنه الشهم الوحيد الذي يمكنه أن يقوم بواجب النيابة عنهم، كما لحضرته من المكانة السامية والاحترام الكلي لدى جميع مواطنيه الكرام.

مآثره الخيرية الخالدة

ومما يخلد بالفخر والشكر والثناء لحضرة صاحب الترجمة تشييده مسجدًا فخمًا بمصر القديمة، قلَّ وجود نظيره في كبرى عواصم القطر في البهجة والرواء وضخامة البناء، وجميل الأثاث وكذا تأسيسه مدرسة لتثقيف عقول النشء من بنين وبنات، وقد أوقف عليهما وقفًا خيريًّا عظيمًا يقوم بحاجاتهما، فاستحق شكر الخالق والمخلوق، وإنه وايم الحق لعمل جليل وأثر خالد يدوم لحضرة صاحبهما المفضال بالثناء أبد الدهر.

صفاته وأخلاقه

آية من آيات الله في اللطف والمروءة وكرم الأخلاق وعلو النفس والشهامة، يتقد غيرة على مصالح بلاده، ويتمنى لها الخلاص من قيود الذل والاستعباد، وقد اشتهر بثبات المبدأ، والعمل على كل ما فيه الخير لمنفعة البلاد بعيدًا عن حب الظهور، والتبجح بما يقوم به من جلائل الخدم، وبالإجمال فقد خصه الرحمن بمميزات قلَّ أن تجمع في إنسان.

أدامه الحق وأبقاه وأكثر من أمثاله الغيورين على مصلحة البلاد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤