ترجمة حضرة صاحب العزة السري الشهير إبراهيم بك فرج أبو الجدايل

كلمة للمؤرخ

إن مصر لسعيدة الحظ بصفوة رجالها المفكرين العاملين على رفع شأنها الذين يسعون بإخلاص وغيرة إلى ما فيه الخير والنفع لبلادهم ومواطنيهم، وجدير بكل امرئ احترام أمثال هؤلاء المخلصين وإجلالهم وإكبارهم، وتقدير خدماتهم ومجهوداتهم في سبيل بذل الخير والبر والمعروف للناس، وحق لنا والحالة هذه أن تهنئ أنفسنا وبلادنا المحبوبة في شخص هذا الشهم الجليل الذي تتجلى غيرته وإخلاصه وتفانيه نحو أمته ضارعين إلى الله تعالى أن يكثر من أمثاله لتعميم النفع والخير.
figure
حضرة صاحب العزة السري الشهير إبراهيم بك فرج أبو الجدايل من وجهاء السويس والعضو بمجلس الشيوخ عن دائرتها.

مولده ونشأته

هو إبراهيم بك فرج أبو الجدايل بن مصطفى أبو الجدايل، ولد بمحافظة السويس سنة ١٢٧٥ﻫ من أبوين كريمين، اهتما بأمره وربياه التربية المنزلية على أحسن منوال وكان الذكاء منذ الطفولة يبدو عليه بأجلى معانيه، فأحضر له المرحوم والده المعلمين الأكفاء المشهورين بالتقوى والعلم الغزير، فلقنوه أصول الدين الحنيف، وقاموا بتثقيف مداركه فشب على حب التفكير والجد لا يمر على نظره شيء إلا ويتخذ لنفسه منه درسًا صحيحًا؛ ونظرًا لميله إلى الاشتغال بالشؤون التجارية فقد فضل الاشتغال بها، وكان سنه حينذاك الخامسة عشرة فابتدأ أعماله بالاشتراك مع أحد مشاهير تجار السويس المدعو الشيخ محمد المنشاوي، الذي رأى فيه من الصفات والمميزات ما يبشر بحسن المستقبل، فأوفده إلى بلاد الحجاز واختار بلدة ضبا مركزًا لأعماله حيث ذاع ذكره وفاح شذى طهارة ذمته، ومكث بها مدة سنتين كان في خلالهما محل ثقة كل إنسان بها، ومن ثم عاد إلى مصر حاملًا معه الأرباح الطائلة، ولظروف خصوصية طرأت إليه عدل عن الاستمرار في الاشتغال بالتجارة مؤقتًا، وفضل أن يكون وكيلًا لأحد البيوتات، وفعلًا تم له ما أراد، فقام بوظيفة وكيل لتجارة المرحوم إبراهيم بك جليدان في أوائل سنة ١٢٩٣ﻫ، وظل في وظيفته هذه مدة سنتين ومن ثم عاد إلى الاشتغال بتجارته الخصوصية عملًا بمبدئه الخاص، وميله إلى الحرية وعدم التقيد بقيود الوظيفة، وفي ذلك الميدان الفسيح تتحرر النفس، وتتجلى المواهب فيظهر النبوغ الصحيح بمعناه، ونظرًا للشهرة التي حازها، وما هو عليه من طهارة الذمة وحسن المعاملة؛ اختاره أحد تجار القاهرة وهو إبراهيم عبد النبي لأن يكون شريكًا له، واتفق أن يكون مركز عمله التجاري بمدينة جده من أعمال الحجاز، وقد سافر إليها في أوائل سنة ١٢٩٥ﻫ برأس مال قدره اثنا عشر ألفًا من الجنيهات المصرية، وأدار أعماله التجارية بكفاءته المعهودة وهمته التي لا تعرف الكلل، وبمهارة فائقة أعجب بها كل من عرفه أو كان له به احتكاك في أعماله التجارية، حتى أصبح موضع إعجاب واحترام كبار التجار، وقد عاد من تلك المدينة بالأرباحات الطائلة بعد أن مكث بها ست سنوات حتى أواخر سنة ١٣٠٠، وكان سنه وقتئذ لا يتجاوز الخمسة والعشرين ربيعًا، ولقد رأى من أهم واجباته عدم مبارحة مصره العزيزة خصوصًا وهي في أشد الحاجة لمن كان له مثل مزاياه النادرة وهمته العالية؛ ليسد فراغًا عظيمًا بها، وعلى ذلك اشترك مع أكبر تجار السويس ألا وهو الحاج محمد مصطفى أبو الجدايل، وبعد أن تزوج من كريمته ترك للمترجم الانفراد بأعمال تجارته، فشمر عن ساعد الجد واستحضر البضائع من البلاد الأجنبية، مثل: الهند وأستراليا واليمن وغيرها، وعمل توكيلًا خاصًّا لحساب كبار التجار فاتجهت نحوه الأنظار، وسارت تجارته بفضل جهوده واعتماده على نفسه بعد الله تعالى إلى أقصى درجات التقدم حتى الآن.

ولقد أنعم عليه سمو الخديوي السابق عباس حلمي باشا بالمجيدي الخامس في ١٢ شوال سنة ١٣٢٨، كما جادت مكارم صاحب الجلالة مولانا الملك فؤاد الأول حرسه الله فأنعم عليه بالرتبة الثانية في ١٠ جمادى الثانية سنة ١٣٣٦ﻫ.

ولم تقتصر مجهودات هذا العامل النشيط إلى هذا الحد، بل أراد أن يكون له يدًا فعالة في الأعمال الخيرية، ورأى من العار أن تخلو محافظة كبيرة كالسويس من مدرسة لتعليم البنات وأمهات المستقبل، فقام باستنهاض الهمم مشجعًا ذوي الرأي والمكانة، وتبرع بالمبالغ الطائلة لذلك العمل النافع، فحذا حذوه من كان مثله من رجال الفضل والنبل، وهكذا تم له ما أراد وتم هذا المعهد العلمي على أحدث طراز، ولقد كان الرأس المفكر في مشروع إنشاء الطريق الجبلي الموصل إلى القاهرة، ومن أوائل المتبرعين له، وقد كاد يتم في العام المنصرم لولا ظروف قهرية حالت دون ذلك.

ونظرًا لسمو مركزه الأدبي ومكانته العظمى لدى عموم أهالي محافظة السويس، وكان من الضروري انتخاب عضو ينوب عن المدينة في مجلس الشيوخ، فقد قر الرأي على انتخابه بأغلبية ساحقة، وهكذا قبِل أن يتحمل هذه المسئولية العظيمة واقفًا جهوده على خدمة لبلاده.

صفاته وأخلاقه

رجل الجد والنشاط والإقدام وديع الأخلاق لين الجانب، شديد في الحق، محب للخير سباق إلى ما فيه نفع البلاد، ميال بفطرته السامية إلى العطف على البؤساء والفقراء جاعلًا مصلحة بلاده فوق كل مصلحة.

أبقاه الله لمصر العزيزة ولا أحرمها من صادق جهوده.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤