ترجمة حضرة صاحب الفضيلة الإمام العلامة الأستاذ الجليل الشيخ محمد أبو الفضل

مقدمة للمؤرخ

لقد هيأ الله تعالى لكنانته من رجال العلم والفضل والصلاح ما لم يهيئه لأمة من الأمم، إذ كثيرًا ما طالعنا كتب التاريخ وتصفحنا أخبار من سلفوا من رجال العلم، وأولي الفضل فلم يقع نظرنا على سيرة تحاكي سير علماء هذا العصر الزاهر، الذين امتازوا بالكفاءة العلمية والأدبية، وتفرقوا في الشؤون الدينية أصولها وفروعها لدرجة استوجبت إعجاب سائر الأمم.

وإننا نسطر اليوم بقلم الفخر والإعجاب تاريخ حضرة صاحب الفضيلة الإمام العالم العلامة الأستاذ الكبير الشيخ محمد أبي الفضل شيخ الجامع الأزهر الشريف، ورئيس مجلسه الأعلى اعترافًا بفضله وعلمه الموفور فنقول:

مولده ونشأته

نشأ فضيلته ببلدة وراق الخضر مركز إمبابة مديرية الجيزة عام ١٢٦٤ﻫ، وهي السنة التي جرى فيها تعداد القطر المصري، ودخل المكتب المعد لحفظ القرآن الكريم بذلك البلد سنة ١٢٦٩ﻫ، وحفظ القرآن بتمامه في أواخر سنة ١٢٧٢ﻫ، ثم دخل الأزهر الشريف في أواخر سنة ١٢٧٣ﻫ، وكانت سنه إذ ذاك عشر سنوات فاشتغل أولًا بتجويد القرآن الكريم، وحفظ المتون، وتلقى بعض الدروس، ثم لازم الفقه على مذهب الإمام مالك بن أنس، وتلقى العلوم العربية من نحو، ووضع، وصرف، وبيان، ومعان، وبديع، وعلم أصول الفقه وأصول الدين، والتفسير والحديث والمنطق على أكابر المشايخ الموجودين في ذاك الوقت، فممن تلقى عليه الفقه والحديث العلامة المحقق والفهامة المدقق شيخ السادة المالكية في ذاك الوقت المرحوم الشيخ محمد عليش، والعلامة العامل الشيخ علي مرزوق العدوي، ومن الذين تلقى عليهم علوم البلاغة وأصول الفقه والمنطق والحديث علامة الوقت الشيخ إبراهيم السقا والعالم العلامة الشيخ الأنبابي، وممن تلقى عليهم أيضًا الحديث والتفسير الشيخ شرف الدين الموصفي، والأستاذ الشيخ محمد العشماوي وغيرهم من أجلاء الأساتذة الأعلام.
figure
حضرة صاحب الفضيلة الإمام العالم العلامة الأستاذ الأكبر الشيخ أبي الفضل الجيزاوي شيخ الجامع الأزهر الشريف ورئيس مجلسه الأعلى.

وداوم على الاشتغال مطالعة وحضورًا إلى سنة ١٢٨٧ﻫ فأمره الأستاذ الشيخ الإمبابي بالتدريس فاعتذر، فألح عليه فامتثل أمره، واستأذن شيخه العلامة الشيخ عليش وكذا الشيخ السقا، وجمع رسالة في البسملة وحديثها المشهور وابتدأ بقراءة كتاب الأزهرية في النحو في أواخر شهر صفر من تلك السنة، وقرأ تلك الرسالة من حفظه في ثلاث ليال، بحضور جمع من أكابر العلماء من مشايخه الأعلام وغيرهم وجميع الطلبة الذين يحضرون معه، وكان ذلك في أواخر أيام مشيخة المرحوم الشيخ مصطفى العروسي شيخ الجامع الأزهر حينذاك.

وقد كان العمل في تدريس المدرس جاريًا على ما تقدم من الاستئذان وحضور أكابر العلماء في أول درس يقرأه من يريد التدريس، حتى زمن المرحوم العلامة الشيخ المهدي الذي سن الامتحانات بالطريق المعلوم.

ثم لازم التدريس وقرأ جميع كتب الفقه المتداول قراءتها في ذلك الوقت مرارًا عديدة، وكذلك كتب العلوم العربية، وعلم أصول الدين، وعلم أصول الفقه والمنطق مرارًا عديدة لطبقات كثيرة، ورزقه الله حظوة إقبال الكثير من الطلبة في كل درس، وقد تخرج عليه غالب أهل الأزهر، وكان حفظه الله أول من أحيا كتاب الخبيصي في المنطق بتدريسه مرارًا، وكتاب القطب على الشمسية، وكتاب ابن الحاجب، في الأصول بشرح العضد وحاشيتي السعد والسيد، فقد درسه في الأزهر مرتين لجمع عظيم من الطلبة، الذين هم الآن من أكابر العلماء، ومرة في الإسكندرية في مدة مشيخته لعلمائها، وكتب على الشرح والحاشيتين حاشية قد طبعت في سنة ١٢٣٢ﻫ وتداولت بين العلماء والطلاب، وقرأ المطول في الدور الثاني وكتب على شرحه وحاشيته نحوًا من خمس وأربعين كراسة، وقرأ البيضاوي ولم يتم، وكتب على أوائله نحوًا من عشر كراسات.

وفي ٣ ربيع الأول سنة ١٣١٣ﻫ عين عضوًا في إدارة الأزهر في مدة مشيخة المرحوم الشيخ سليم البشري، ثم استقال منها وعين ثانيًا في ٩ ذي القعدة سنة ١٣٢٤ﻫ الموافق ديسمبر سنة ١٩٠٨ في أواخر مشيخة المرحوم الشيخ الشربيني، ثم عين وكيلًا للأزهر في ١٨ صفر سنة ١٣٢٦ﻫ.

ثم صدر الأمر بتعيينه شيخًا للإسكندرية ومكث بها ٨ سنوات، ثم صدر الأمر بتعيينه شيخًا للأزهر الشريف في ١٤ ذي الحجة سنة ١٣٣٥ﻫ الموافق أول أكتوبر سنة ١٩١٧، ثم أضيف إليه مشيخة السادة المالكية في ٢٠ صفر سنة ١٣٣٦ﻫ.

وقد كان في مدة وكالة الجامع الأزهر وعضوية مجلس الإدارة، ومشيخة علماء الإسكندرية ملازمًا التدريس للكتب المطولة، منها كتاب المواقف، في علم الكلام، وكتاب ابن الحاجب في علم أصول الفقه، وغيرهما.

وصاحب الفضيلة واسع الاطلاع في العلوم العقلية والنقلية والفلسفية، وخصوصًا فلسفة تاريخ الإسلام والتمدن الإسلامي وسائر الأمور الدينية.

صفاته وأخلاقه

دمث الأخلاق، لين الجانب، ذو ورع وتقوى، قوي الإيمان، قدير في معلوماته العلمية والأدبية والدينية، لطيف الحديث وقد أجمعت القلوب على محبته وإكباره وعلو شأنه.

حفظه الله وأبقاه وأكثر من أمثاله بين هيئة كبار العلماء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤