ترجمة حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الإمام الشيخ محمد بخيت

كلمة للمؤرخ

هذا هو نابغة عصره، وإمام دهره، والعالم الفرد، والإداري الأوحد، حلال المشكلات، ورجل المعضلات، الاختصاصي الأشهر في استنباط الأحكام الشرعية وإسنادها إلى أصولها، وتطبيقها على مختلف حوادث هذا الزمان، ولا تزال أحكامه ومبادئه، وآراؤه نبراس المشتغلين بالعلم والقضاء، كما اشتهر عنه شدة تمسكه بالحق وأنه ينسى مصلحته الشخصية، في سبيل نصرته، لا يعرف للمحاباة رسمًا، ولا يعرف الباطل إليه سبيلًا.

مولده ونشأته

ولد صاحب الفضيلة ببلدة المطيعة بمركز ومديرية أسيوط سنة ١٢٧١ﻫ الموافقة سنة ١٨٥٦م، وتعلم القراءة والكتابة والقرآن الكريم بكتاب البلدة المذكورة وهو في الرابعة من عمره، ومن ثَمَّ رحل إلى مصر القاهرة ودخل الأزهر الشريف عام ١٨٨٢م بعد أن أتم حفظ القرآن وجَوَّدَهُ وأخذ في تلقي العلوم الشرعية التي منها الفقه على مذهب أبي حنيفة النعمان، وتلقى العلوم الفلسفية خارج الأزهر الشريف على السيد جمال الدين الأفغاني والشيخ حسن الطويل رحمة الله عليهما إلى أن امتحن في شهادة العالمية في أواخر سنة ١٢٩٢ﻫ، وحاز الدرجة الأولى، وقد أنعم عليه بكسوة التشريفة من الدرجة الثالثة مكافأة له على نبوغه وغزارة علمه، وبعد ذلك استمر على تلقي العلوم على شيوخه الذين هم من كبار علماء الأزهر الشريف.
figure
حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الإمام الشيخ محمد بخيت «مفتي الديار المصرية سابقًا».

وفي سنة ١٢٩٥ﻫ اشتغل بتدريس علوم الفقه والتوحيد والمنطق إلى أن توظف قاضيًا لمديرية القليوبية في سنة ١٢٩٧ﻫ، ثم نقل منها قاضيًا بمديرية المنيا في سنة ١٢٩٨، ثم نقل إلى قضاء محافظة بور سعيد سنة ١٣٠٠ﻫ، ثم إلى قضاء محافظة السويس سنة ١٣٠٢، ثم إلى قضاء مديرية الفيوم سنة ١٣٠٤ﻫ، ثم إلى قضاء مديرية أسيوط سنة ١٣٠٩ﻫ، ثم إلى التفتيش الشرعي بنظارة الحقانية في سنة ١٣١٠ﻫ، ثم قاضيًا لمدينة الإسكندرية الشرعية ورئيسًا لمجلسها الشرعي في سنة ١٣١١ﻫ.

ثم عين عضوًا أول بمحكمة مصر الشرعية ورئيسًا للمجلس العلمي بها في أوائل سنة ١٣١٥ﻫ، ثم عضوًا أول بمحكمة مصر العليا الشرعية في سنة ١٨٩٧م، بعد التشكيل الجديد للمحاكم الشرعية بمقتضى لائحة سنة ١٨٩٧م، وفي هذه الأثناء ناب عن قاضي مصر الشيخ عبد الله جمال الدين ستة أشهر حال مرضه إلى أن عين بدله، ثم انفصل منها في أواخر سنة ١٩٠٥م.

ثم عاد إلى خدمة الحكومة وعين رئيسًا لمحكمة إسكندرية الشرعية في أواخر سنة ١٩٠٧م، ونقل منها إلى إفتاء وزارة الحقانية في أوائل سنة ١٩١٢م، وأحيل عليه قضاء مصر نيابة عن القاضي نسيب أفندي، ثم أحيل عليه مع إفتاء الحقانية رئاسة التفتيش الشرعي بها.

وفي ٢١ ديسمبر سنة ١٩١٤ عين مفتيًا للديار المصرية، وظل مدة إلى أن أحيل على المعاش.

ومن مزايا فضيلته أنه في أي بلد حل به لم ينقطع عن تدريس العلوم الشرعية النقلية والعقلية وغيرهما لطلبة العلم الشريف، خصوصًا وهو في مصر، فإنه درس الكتب المطولة في علوم التفسير والحديث والفقه وأصول الفقه والتوحيد والفلسفة والمنطق وغير ذلك، وتخرج على يديه كثير من أفاضل العلماء الذين نفعوا الأزهر الشريف بعلمهم وفضلهم، وتخرج عليهم كثير من العلماء الأفاضل أيضًا، وكان لا يزال يتلقى عليه العلم المتقدمون من الطلبة، وكثير من العلماء وغيرهم من المشتغلين بالعلم داخل الأزهر الشريف وخارجه.

مؤلفاته

وفضلًا عن كل ما تقدم ومع كثرة مشاغله بأعماله الرسمية، فإنه لم يهمل التأليف بل كان نصيبه منه الشيء الكثير، فمن تأليفه:
  • (١)

    الدرر البهية في الصيغة الكمالية.

  • (٢)

    حاشية على شرح خريدة الدردير.

  • (٣)

    إرشاد الأمة إلى أحكام أهل الذمة.

  • (٤)

    حسن البيان في دفع ما ورد من الشبه على القرآن.

  • (٥)

    القول الجامع في الطلاق البدعي والمتتابع.

  • (٦)

    رسالتا الفوتوغراف والسوكرتاه.

  • (٧)

    إزالة الاشتباه عن رسالتي الفوتوغراف والسوكرتاه.

  • (٨)

    الكلمات الحسان في الأحرف السبع وجمع القرآن.

  • (٩)

    القول المفيد في علم التوحيد.

  • (١٠)

    أحسن القرا في الصلاة الجمعة في القرى.

  • (١١)

    الأجوبة المصرية عن الأسئلة التونسية.

  • (١٢)

    مقدمة شفاء السقام للسبكي.

  • (١٣)

    حل الرمز عن معمى اللغز.

  • (١٤)

    إرشاد أهل الملة إلى إثبات الأهلة.

  • (١٥)

    البدر الساطع على جمع الجوامع في أصول الفقه.

  • (١٦)

    إرشاد العباد إلى الوقف على الأولاد.

صفاته وأخلاقه

وفضيلته موصوف بالتقوى والورع والصلاج ومساعدة الفقراء، والأخذ بيد البؤساء كريم الطباع دمث الأخلاق على جانب عظيم من الكفاءة العلمية والدينية والأدبية، حفظه الله وأبقاه بدوام الصحة والهناء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤