ترجمة نيافة الحبر الجليل والراعي الصالح الأنبا أثناثيوس

كلمة وجيزة للمؤرخ

يغتبط القارئ الكريم سرورًا أن يجد بين حضرات رجال الدين والآباء الروحيين مثل هذا الراعي الصالح، والتقي الورع الذي اقتفى آثار القديسين، ونهج منهجهم في الطهر والورع منذ نشأته حيث شب على الفضيلة والاستقامة والاعتكاف بالصوم والصلاة والانقطاع الكلي لعبادة الخالق، فاكتسب رضاه وحب رعيته واحترامها الكلي لشخصه الكريم، خصوصًا وقد تجلت صفاته العالية ومزاياه النادرة، بعد أن رسم أسقفًا لكرسي بني سويف والبهنسا في يوم الأحد ٢٧ برمهات سنة ١٦٤١ للشهداء/٥ أبريل سنة ١٩٢٥ بمعرفة غبطة البابا المعظم الأنبا كيرلس الخامس والثاني عشر بعد المئة بالكنيسة المرقسية الكبرى، حيث أمطره البرق والبريد رسائل الشكر وآيات التهاني لهذا التعيين الذي صادف أهله وحل محله، ونحن نسطر هنا بقلم الفخر والإعجاب تاريخه المجيد، سائلين الحق تعالى أن يكثر من أمثال نيافته بين حضرات الآباء الروحيين في عموم الطوائف والمذاهب لفائدة الشعوب وخير الأمم.
figure
نيافة الحبر الجليل والراعي الصالح الأنبا أثناسيوس مطران كرسي بني سويف والبهنسا.

مولده ونشأته

ولد نيافته بأسيوط عام ١٦٠٠ للشهداء الموافقة لسنة ١٨٨٣ ميلادية، فأدخله المرحوم والده الطيب الذكر والأثر المعلم حنين عبد الملك في أحد الكتاتيب، فتعلم فيه المزامير واللغة القبطية، ثم أدخله مدرسة الأقباط الكبرى فارتشف من بحور علومها ما هو ضروري لأمثاله، وتاقت نفسه الطاهرة إلى الرهبنة، وتكريس نفسه للعزة الإلهية والابتعاد بها عن أباطيل هذا العالم وزخرفه، فذهب إلى عزبة دير البروموس بطوخ النصارى، وذلك في شهر أبيب عام ١٦١٩ للشهداء الموافق ٨ يوليو سنة ١٩٠٣، وتمت رهبنته في ٢٤ مسري سنة ١٦١٩ الموافق ٣٠ أغسطس سنة ١٩٠٣، ثم برحه إلى الإسكندرية في شهر مارس سنة ١٩٠٥، حيث دخل مدرسة الرهبان الأكليرية المؤسسة بمعرفة حضرة صاحب النيافة الحبر الأقدس الأنبا يؤانس مطران البحيرة والمنوفية ووكيل الكرازة المرقسية لتلقي العلوم اللاهوتية، فأظهر ذكاءً وورعًا وصلاحًا، بل كان مثال الاستقامة بين عموم أقرانه، ثم رسم قسًّا يوم ٩ هاتور سنة ١٦٢٧ للشهداء، الموافق ١٨ نوفمبر سنة ١٩١٠، وظل بها لغاية ١٩١٢م ونظرًا لكفاءته العلمية والأدبية والدينية عين مدرسًا بها، ولمدرسة الأقباط المرقسية بالقسم الديني ومكث مدرسًا لهذا القسم حتى أغسطس سنة ١٩١٧، ومن ثم تعين وكيلًا لبطريريكية الأقباط الأرثوذكس بالإسكندرية في ٢٩ أبيب سنة ١٦٣٣ للشهداء الموافق (٥ أغسطس سنة ١٩١٧)، وظل أمينًا ووكيلًا وعاملًا مجدًّا حتى أبريل سنة ١٩٢٥، حيث رسم أسقفًا لكرسي بني سويف والبهنسا في الشهر المذكور باسم الأنبا أثناثيوس، وكان يدعى قبلًا القمص باخوم البرموسي، وفي شهر ديسمبر سنة ١٩٢٥ رقي إلى رتبة المطرانية.

وقد اشتهر بين أقباط الثغر الإسكندري بكثير من الصفات السامية والأخلاق الفاضلة، والعمل على إحياء الوعظ ونشر الفضيلة، وتعضيد الأعمال الخيرية والمشروعات الإصلاحية والعلمية، فكانت له في نفوسهم مكانة عالية، ووقفوا على شريف نواياه وعظيم أعماله، فصار محبوبًا منهم وصاروا محبوبين منه.

وما كاد يقترب يوم رحيله منها حتى أقام له حضرات زملائه المحترمين أعضاء المجلس الملي الفرعي بالثغر حفلة تكريم شيقة، مظهرين لنيافته ما تكنه أفئدتهم نحوه من الحب والإخلاص، مظهرين له شكرهم العميق على ما قام به من الأعمال، التي وكلت إليه وأتمها بكل همة وأمانة ونشاط مع سرورهم المتناهي لترقيته لرتبة الأسقفية وأسفهم الشديد لفراقه.

وكذلك أقامت له جمعية الثبات والاتحاد بالثغر بمركزها حفلة تكريمية أخرى، حضرها عدد كبير من الوجهاء والفضلاء والأدباء وذوي الحيثيات، وقد تبارى فيها كثيرون من الشعراء والخطباء معددين أعمال نيافة المحتفل به مظهرين السرور الكامل بترقيته، والحزن المفرط لفراقه، وكانت تقابل خطبهم بالتصفيق الحاد، وأخيرًا وقف حضرة الوجيه الكبير السيد بك مرسي، وألقى كلمة اقترح فيها أن تقدم الجمعية باقة زهور لحضرة المحتفل به إكرامًا له نظير خدماته الجليلة لها، وقد تبرع حفظه الله بمبلغ عشرة جنيهات مصرية، وقد اقتفى أثره حضرة صاحب العزة بشارة بك نصحي المفتش العام لأقسام الإسكندرية وغيرهما، حتى بلغت قيمة التبرعات نيفًا وأربعين جنيهًا، ولأجل أن يكون هذا التذكار دائمًا، فقد قدم للجمعية المذكورة ليصير توزيعه على الفقراء والمعوزين تذكارًا لترقية المحتفل به.

وأخيرًا وقف نيافة الأب المحتفل به وشكر الجميع بأرق عبارات الشكر والثناء؛ لما لاقاه منهم من المحبة الحقيقية والإخلاص المتناهي والعطف الشديد والإكرام العظيم.

مؤلفاته الدينية

وقد قام بوضع عدة مؤلفات دينية قيمة نذكر بعضها هنا للإدلال على غزارة علمه:
  • (١)

    السر الجلي لاهوتي، طبع سنة ١٩١٩ وقد نفذت نسخه.

  • (٢)

    طروحات وإيصاليات برموني وعيدي الميلاد والغطاس، طبع سنة ١٩٢٠.

  • (٣)

    الثلاثة اللقانات والسجدة، طبع سنة ١٩٢١.

  • (٤)

    البصخة المقدسة قبطي وعربي، طبعت سنة ١٩٣٢.

  • (٥)

    قطمارس الصوم الكبير قبطي وعربي، طبع سنة ١٩٢٣.

صفاته وأخلاقه

مثال الزهد والجد والاستقامة والتقوى فصيح اللسان قوي الجنان ذو تأثير في أقواله، حكيم في منطقة لطيف في معاشرته، دمث في أخلاقه على جانب عظيم من الكفاءة العلمية والدينية والأدبية.

أدامه المولى لأمته نبراسًا وللفضيلة نورًا وهاجًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤