هل تضيق أبواب الجامعة أمام الفقراء؟

في كل عامٍ من الأعوام الأخيرة يرتفع كورس التصريحات والمقالات في الصحف القومية إثر امتحانات الثانوية العامة تُطالِب بما يُسمَّى «إصلاح التعليم»، وقد يدهش المرء إزاء هذه التصريحات المتجددة؛ لأن إصلاح التعليم هو في يد الحكومة أساسًا، وليس في يد الشعب، وتزداد دهشته عندما يتذكر أن وزارة التربية والتعليم قد أصدرت في يوليو سنة ۱۹۸۰م تقريرًا عن «تطوير وتحديث التعليم: سياسته وخُططه وبرامج تحقيقه» بعد مناقشاتٍ مطوَّلة في مجلس الشعب وغيره من الهيئات، مما قد يوحي أن الوزارة قد انتهت إذن من وضع سياسات إصلاح التعليم، وأن الأمور قد استقرت بشكلٍ من الأشكال، على الأقل من وجهة نظر الحكومة.

لكن لا يبدو أن هذا الاستنتاج صحيح؛ لأن خُطب رئيس الجمهورية ما زالت تؤكد على ضرورة «إصلاح التعليم»، والمطبخ الصحفي اليميني لجريدة الأهرام ما زال يخرج علينا بالمقالات والتحقيقات على يد صحفيين لا يعرفون الفارق بين الألف وكوز الذرة في قضايا التعليم، وكلها تطالب بضرورة الحزم في مواجهة الضغوط الشعبية في التعليم، وذلك بتوسيع قاعدة التعليم الثانوي الفني، وخفض أعداد الداخلين إلى الجامعة.

وفيما يتعلق بقضية التعليم الفني (نظام الثلاث سنوات، ونظام الخمس سنوات) سوف تكون لنا عودة في مقالٍ مستقل لدراسة ظروفه ومشاكله بالتفصيل، لكن يكفي أن نذكر الآن أن نسبة مَن يدخلون (بعد الإعدادية) التعليم الثانوي الفني، إلى مَن يدخلون التعليم الثانوي العام قد ارتفعت في السنوات الأخيرة، كما هو واضح من تصريحاتٍ سابقة للدكتور مصطفى كمال حلمي وزير التربية والتعليم السابق، وأن هذه النسبة في ازديادٍ مستمر في السنوات الأخيرة؛ ففي تقرير الوزارة الصادر في عام ۱۹۷۹م (ص۲۲) نجد أن نسبة المقبولين في التعليم الثانوي الفني إلى نسبة المقبولين في التعليم الثانوي العام هي ٥٧: ٤٣٪، ثم ازدادت في السنوات الأخيرة إلى حوالي ٦٠: ٤٠٪، كما تقول تصريحات المسئولين. ومن المعروف أن التعليم الثانوي الفني يشكِّل أساسَ التعليم للفقراء؛ فلا يوجد أحدٌ في الطبقات المتوسطة ولا طبقات الأغنياء مستعد لإرسال ابنه إلى التعليم الثانوي الفني، والوزارة لا تذكر في تقريرها السالف أنه بالرغم من التوسُّع الكبير في التعليم الفني في السنوات الأخيرة فإنه من المعروف أن طلبة مدارس هذا النوع من التعليم هم مِن الحاصلين على أدنى المجاميع في امتحانات المرحلة الإعدادية (ص۲۹).

ولا يبقى إلا أن نضيف أن المجاميع في الإعدادية تتبع نمطًا طبقيًّا واضحًا؛ بمعنى أن الغالبية الساحقة من أصحاب المجاميع الصغيرة هم أبناء الفقراء، العاجزون عن تكاليف الدروس الخصوصية وشراء الكتب الخارجية … إلخ، وقد يكفي أن يقف الإنسان أمام أي مدرسة ثانوية فنية ليدرك من ملابس الطلبة والطالبات ولون سحنتهم من أي طبقاتٍ يأتون!

ما المشكلة إذن؟

لقد نجحت الوزارة في السنوات الأخيرة في أن تحشر في التعليم الثانوي الفني نسبةً أكبر من الفقراء حتى لا يقتربوا من أبواب الجامعة، وهذا «النصر» الذي حققته الوزارة كان جديرًا بتهنئة المسئولين، فلماذا إذن الصياح بخفض أعداد الداخلين إلى الجامعة عن طريقٍ جديد، وهو عمل امتحانات قبولٍ في الكليات؛ بحيث تقول كل كلية في أول العام الدراسي «إن طاقتها مائتان من التلاميذ الجدد» مثلًا؛ فتقبل المائتَين الأوائل في امتحان القبول، وعلى الباقين أن يبحثوا عن شيء آخر.

المشكلة هي أنه رغم ما حدث؛ فإن الأعداد المطلَقة من المتقدمين إلى الجامعة ما زالت في ازديادٍ، أو على الأقل لم تنقص، وذلك بطبيعة نمو السكان، ومن هنا جاءت خطوات «الإصلاح» المرتقَب برد أبواب الجامعة بعض الشيء، وخفض أعداد المقبولين فيها.

وهؤلاء الذين يدعون إلى هذه السياسة يقولون إن جامعاتنا قد أصبحت جامعاتِ أعدادٍ كبيرة، وإن أعداد الطلبة فيها «أكثر من اللازم!»

دعونا نرد إذن على هذا الكلام الذي لا صلة له بالحقائق.

  • أولًا: إذا كانت جامعاتنا هي جامعات أعدادٍ كبيرة، وهذا صحيح، فإن مما ينساه المسئولون في هذا المجال، أن هذه ظاهرة عالمية عامة، ولا تتعلق بمصر فقط، وهي تعبير عن الزيادة التي حدثت في ديمقراطية التعليم العالي في العالم كله بعد الحرب العالمية الثانية، وأستطيع أن أستشهد هنا بعشراتٍ من الوثائق الدولية، لكني سوف أكتفي بالإشارة إلى تقرير د. عزت عبد الموجود المرفوع إلى مؤتمر وزراء التعليم العالي العربي في البلاد العربية المنعقد في الجزائر سنة ۱۹۸۱م؛ إذ يقول:

    لقد شهد القرن العشرون تطوراتٍ كثيرة في أنظمة التعليم العالي، سواء من حيث أهدافه أو محتواه أو تقنياته، ومن أهم العوامل المسئولة عن تلك التطورات زيادة أعداد الطلاب نتيجة ديمقراطية التعليم العالي، وإتاحة الفرصة للقاعدة العريضة من الجماهير؛ فلم تعُد الجامعات معاهد للأقلية القادرة اقتصاديًّا، بل أصبحت جامعة الأعداد الكبيرة.

  • ثانيًا: إن الدول الأوروبية التي واجهت مشاكل جامعات الأعداد الكبيرة لم تلجأ إلى خفض أعداد الطلاب الداخلين إلى الجامعة، بل لجأت إلى الحل المعقول الوحيد، وهو التوسُّع في بناء جامعات جديدة في المحافظات المختلفة، وإلى التوسُّع في تكوين هيئات التدريس، وإلى إدخال تخصصات جديدة في التعليم الجامعي، كما تشهد بذلك تجربة بريطانيا، بل إلى إنشاء «الجامعة المفتوحة» للطبقات العاملة في المصانع، ولربات البيوت في المنازل، وحدث شيء مشابه في فرنسا.

فلنتوقف ونسأل إذن: أعداد طلابنا في الجامعة كبيرة بالنسبة لماذا؟ إذا قصد بالنسبة للإمكانيات المتاحة من ناحية المدرجات والمعامل وهيئات التدريس، فإن هذا صحيح، ويكون من المطلوب إعداد مشروع وطني لزيادة عدد جامعاتنا وإمكانياتها البشرية والتقنية، أما إذا كان المقصود أن الأعداد كبيرة بالنسبة لاحتياجات المجتمع المصري وطلبات البلاد العربية، فهذا غير صحيح، وإذا كان المقصود أن الأعداد كبيرة بالنسبة لمن هم في شريحة السن الخاصة بالتعليم الجامعي، فهذا أيضًا غير صحيح.

ولنأخذ كمثالٍ دراسة الطب في الجامعة … لقد ارتكبنا في العام الماضي (وفي هذا العام) جريمة خفض المقبولين في كليات الطب من ۷۰۰۰ إلى ٣٠٥٠، ومن يعرف هذا قد يظن أن احتياج المجتمع المصري إلى الأطباء قد انخفض؛ لأن الشعب يعيش في بحبوحة الصحة والهناء، أما الحقيقة في مجتمعٍ مثل مصر — حيث هناك طبيب واحد لكل ۱۳۰۰ من السكان، وممرضة واحدة لكل ١٠٧٤ من السكان — فهي مختلفة عن هذا بالمرة، والحقيقة أننا خضعنا لابتزاز نقابة الأطباء بدلًا من أن نتوسَّع في إمكانيات تعليم الطب وإدخال تقنيات جديدة، بدلًا من أن نتوسَّع في بناء المستشفيات والوحدات الصحية ومراكز الأمومة والطفولة ومراكز مكافحة الأمراض المتوطنة، وكانت النتيجة هذه المفارقة … أي أنه بينما تتدهور الحالة الصحية لمعظم طبقات هذا الشعب، نضيِّق نحن من القبول في كليات الطب.

  • ثالثًا: إذا كان المقصود من مقولة «الأعداد الكبيرة» أنها كبيرة بالنسبة لمن هم في شريحة السن الخاصة بالتعليم الجامعي، فهذا أيضًا بعيد عن الحقيقة، في العالم تُتخَذ النسبة بين أعداد السكان الواقعين في شريحة السن الخاصة بالتعليم الجامعي كأحد المقاييس لديمقراطية التعليم العالي، وهذه النسبة هي ٥٥٪ في الولايات المتحدة، وهي من ٢٦٪ إلى ٣٥٪ في بلدان أوروبا، وهي حوالي ٢٥٪ في الاتحاد السوفييتي، أما في مصر فلا يعرف أحد بالضبط، وقد قيل إنها ١٢٪ تارة، وإنها ١٤٪ تارة أخرى، وهذه النسبة محسوبة على أساس أن مَن هم في شريحة السن الخاصة بالتعليم الجامعي هم من يقعون في فترة العمر «٢٠–٢٤» سنة، وهذا خطأ؛ فالطلبة في مصر يدخلون الجامعة في سن الثامنة عشرة، وإذا انتبهنا إلى أن بعض الكليات أربع سنوات، وبعضها خمس سنوات، فإن من المعقول أن ننسب إلى أعداد من يقعون في فترة العمر «۱۸–٢٤» سنة، ولو فعلنا هذا لوجدنا أن النسبة في مصر هي أقل من ١٢٪ قطعًا، وربما تقل عن عشرة في المائة.

    ومع ذلك نفترض أنها ١٢٪ أو ١٤٪؛ فمن الواضح أن بيننا وبين الأمم المتقدمة بَونًا شاسعًا في هذا المجال.

    فإذا مددنا البصر إلى أفق الوطن العربي، الذي يتغذى من خريجي جامعاتنا، فسوف نجد أن الوضع العام أسوأ من هذا بكثيرٍ، ويمكن الرجوع في هذا إلى كتاب أنطوان زحلان «الوطن العربي عام ٢٠٠٠، بيروت سنة ۱۹۷٥م»؛ حيث يقرر أن ۱٫٥٪ فقط ممن هم في سن الالتحاق بالجامعة ملتحقون بالفعل بالجامعات العربية!

  • رابعًا: لا يعني دفاعنا عن «الأعداد الكبيرة» في جامعاتنا أننا لا ندرك أن التوسُّع في التعليم الجامعي في حاجة إلى أموالٍ واعتماداتٍ من الدولة (وسوف نعود إلى هذه النقطة)، ولا أننا ندافع عن التوزيع الحالي لأعداد الطلاب على الكليات والتخصصات المختلفة؛ فواقع الحال، ووَفق بيانات المجلس القومي للتعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا، الذي يشرف عليه د. عبد القادر حاتم، يوجد في جامعاتنا المختلفة حوالي نصف مليون طالب، ربعهم في كليات التجارة، ونحو ۳۳۰ ألفًا في الكليات النظرية (الآداب، الحقوق، التجارة، التربية … إلخ)، ونحو ۱۷۰ ألفًا فقط في الكليات العملية، وهو خلل واضح في مجتمعٍ يقول إنه يتطلع إلى التنمية واستزراع التكنولوجيا المتقدمة.

    وواقع الحال أن هناك تخصصاتٍ عديدة موجودة في جامعات العالم المتقدمة ليست موجودة في جامعاتنا، وأن هناك بحوثًا عابرة للتخصصات تجري في جامعات العالم المتقدم، ولم تسمع بها جامعاتنا … فقضية إصلاح الجامعة في مصر قضية تتعدَّى مجرد أعداد الطلاب؛ لكن المسئولين في بلادنا لا يشغلون أنفسهم كثيرًا بالتفكير في هذه القضايا بقدر ما يؤرقهم موضوع أعداد الطلاب أساسًا، وضرورة خفضها.

  • خامسًا: وإذا كنا نتسلَّح بالنظرة الاجتماعية-السياسية لقضية التعليم (وهي في رأيي النظرة الوحيدة الصحيحة)، فإن من الطبيعي أن نستنتج أن خفض أعداد طلاب الجامعة لا بد أن يصيب، أساسًا، الفقراء منهم؛ لأن معظمهم لا تُتاح له فرصة الحصول على مجموعٍ كبيرٍ في الثانوية العامة أصلًا لعدم قدرتهم على تكاليف الدروس الخصوصية والكتب الخارجية … إلخ، وانعدام الوسط المنزلي المساعد، كما هو الحال لأبناء الطبقات الوسطى، ومَن فوقهم مِن الشرائح والفئات، وكأنه لا يكفي ما يحدث لأبناء الشرائح الاجتماعية الدنيا في هذا الوطن، ابتداءً من أول السُّلم التعليمي إلى نهاية المرحلة الثانوية من فرزٍ اجتماعي مبكر.

هل نحن نبالغ في هذا القول؟

حسنًا … سوف أستشهد هنا لا بتقريرٍ من هيئة أو دولة اشتراكية، وإنما بتقرير اللجنة المصرية الأمريكية الصادر في أغسطس سنة ۱۹۷۹م، وهو تقرير رسمي صادر من هيئة رسمية شكَّلتها وزارة التربية والتعليم وهيئة المعونة الأمريكية لبحث موضوع التعليم الأساسي. ومن الطريف أنه عندما صدر هذا التقرير في صيغته النهائية منعت الوزارة تداوله بكل الطرق، ونبَّهت على هيئة المعونة الأمريكية بذلك؛ ولذلك وجدتُ صعوبة بالغة في الحصول على نسخة من هذا التقرير، واستنتاجي الخاص أن الوزارة منعت تداوله لأنه يحوي على حقائق وبياناتٍ تناقض بيانات الوزارة، وهو يتكلم بصراحة أكثر مما تحتمل الوزارة!

مثلًا ينص التقرير صراحةً (ص٥٥) أن عدد المسجَّلين في التعليم الابتدائي يمثِّلون ٦٨٫٢٪ من أطفال الشريحة العمرية «٦–١٢ سنة»، بينما تقول الوزارة في نفس العام في تقريرها «تطوير وتحديث التعليم» أن هذه النسبة هي ٧٥٪. أكثر من هذا يقول التقرير (ص٥٩) إن ٣٢٪ من شريحة «٦–۱۲ سنة»، ٤٢٪ من شريحة عمر المرحلة الإعدادية (۱۲–١٥ سنة) ليسوا أصلًا في المدارس!

ومعنى هذا أن هناك ٣ ملايين طفلٍ وصبي من ذوي العمر (٦–١٥ سنة) ليسوا في المدارس أصلًا، وهي نسبة ذات دلالة في مجتمعٍ تعداده ٤٠ مليونًا.

كما يشير التقرير (ص٤٩) إلى رسالة دكتوراه في إحدى الجامعات الأمريكية لمصري هو «محمود عبد الرازق شفشق»، وإلى بحثٍ له عن «دور الجامعة في تدريب الصفوة المصرية» حيث أجرى استبيانًا على عينة عشوائية ضمَّت ٤٧٥ طالبًا بجامعة القاهرة، يسأل فيه عن صناعة الوالد.

ومن هذا الاستبيان يتبيَّن أن نسبة الطلاب من أبناء العُمال والفلاحين هي ١١٫٤٪، كان هذا في عام ١٩٦٨م، وتستطيع أن تتصور الحال إذا أُجري مثل هذا الاستبيان اليوم!

ثم يقول تقرير اللجنة المصرية الأمريكية التالي بالنص (ص٤٩):

«إن عددًا من العوامل قد منع الأطفال من أصولٍ عُمالية أو فلاحية من الانتفاع بأكثر من المستويات الابتدائية للتعليم؛ فقد وجد الآباء أن إرسال أبنائهم إلى المدارس المجانية مكلِّف؛ فهم في حاجة إلى زيٍّ خاص، وإلى أدواتٍ مدرسية ودروس خصوصية، وإلى التضحية بإمكانية عمل أطفالهم، وإلى تكاليف أخرى تُعتبَر ذات أهمية لأناسٍ ذوي دخل محدود، وفي أوساط الناس ذوي الدخل الأدنى لم يكن دائمًا واضحًا كيف يمكن أن يعوض مرتب الموظف البيروقراطي في نهاية الدراسة كلَّ هذه التضحيات، وقد وجدت العائلات التي أرسلت أبناءها إلى المدرسة في السنين الأولى أنه من الصعب استمرارهم في الدراسة كلما زادت الإمكانية في دخلٍ من عمل الطفل، خصوصًا عندما يتبيَّن — كما هو الحادث غالبًا — ضعف أداء الابن في المدرسة.

ومثل هذه المجموعة من العوامل جعلت من المفروغ منه أن يحافظ أطفال العائلات المتعلمة والصفوة على احتكارهم لفرص التعليم طويل المدى.»

  • سادسًا: يبقى السؤال الأخير:

    إذا كنا ندعو إلى التوسُّع في التعليم الجامعي مع تصحيح الأوضاع فيما يتعلق باحتياجات المجتمع من التخصصات المختلفة، إذا كنا ندعو إلى الإنفاق بسخاءٍ على الدراسات العليا، وترشيدها واستخدامها كالوسيلة الأساسية في تكوين أعضاء هيئات التدريس، وإذا كنا ندعو إلى إعطاء عناية مماثلة لقضية الصحة في هذا المجتمع، فمن أين نأتي بالمال والاعتمادات، والدولة تجاهد لخفض النفقات لتقليل العجز في الميزانية؟

إن إجابتنا على ذلك بطبيعة الحال هي حزبية سياسية، لقد دعا حزب التجمع — وما زال يدعو — إلى إنهاء سياسة الانفتاح التي هي رهن لاقتصاد البلاد لحساب الأجانب والطفيليين، وإلى زيادة الموارد عن طريق فرض ضرائب عالية على أنشطة الطفيليين والمهرِّبين والمتاجرين في قوت الشعب، وإلى خفض الإنفاق في مجالاتٍ ليس لها أهمية التعليم والصحة، وإلى فرض رسوم جمركية عالية على السلع الترفيهية والكمالية … إلخ (برنامج حزب التجمع الانتخابي المعروف).

إن بلادنا محدودة الموارد الطبيعية؛ ولذلك فإن الاستثمار في تكوين البشر قد يكون من أهم نقاط قوتنا إذا أحسنَّا استغلاله، وانتبهنا أيضًا إلى احتياجات بقية الوطن العربي؛ فكما يقول محضر اجتماع شعبة التعليم الجامعي من المجلس القومي للتعليم والبحث العلمي المنعقد في ٣١/ ١ /١٩٨٤م:

«إن ما يُنفَق على التعليم الجامعي هو في حقيقته استثمار مضمون العائد إذا أُحسِن ترشيده، بل هو أبقى مما يُصرَف على استيراد الآلات أو تصنيعها، وفي ضوء هذه الحقيقة؛ فإن الإمكانات التي توفرها معظم الدول المتقدمة في العالم للتعليم الجامعي تفُوق بكثيرٍ ما توفره لكثيرٍ من المَرافق، بل تفُوق في بعض الأحيان مخصصات الدفاع.»

إن مشاكل الجامعة المصرية الحادة ليست قضية الأعداد الكبيرة فقط؛ فهناك قضية المناهج والتخصصات، وهناك قضية الدراسات العليا وتكوين هيئات التدريس، وهناك قضية الحرية الأكاديمية داخل الجامعة، وهناك قضية دور الجامعات في المشروع الوطني للتنمية … إلخ، هذه القضايا التي دار النقاش حولها في السنوات الأخيرة، أليس من صميم الديمقراطية أن يُستطلَع رأي أساتذة الجامعات على الأقل قبل اتخاذ قرارات في شئون الجامعة قد نندم عليها في المستقبل …؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥