التعليم والحوار الوطني
أعترف أنني واحد من المشفقين من حماس وزير التعليم د. فتحي سرور، ومن ناحية المبدأ فإن الحماس مطلوب في كل عمل ناجح، بشرط ألَّا نخلط بين الحماس والتسرُّع والاندفاع دون تفكير كافٍ وتشاور واسع في قضايا لها أهمية قضايا التعليم. ومشاكل التعليم في العالم الثالث ذات صلة وثيقة بالتوجهات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للدولة قبل أن تكون مشاكل فنية، وهي بهذه الصفة قضايا شديدة التعقيد، ترتبط بعشرات القضايا الأخرى مثل العمالة وميزانية الدولة ومشاكل التكنولوجيا، ومستقبل البحث العلمي، وأهداف الخطة الاقتصادية، إن وجدت، كما ترتبط بقضية الديمقراطية، وموقفنا من التراث والمعاصرة … إلخ. وهي تستدعي مرونة في التوجهات خصوصًا في المجتمعات التي تؤثر على مسارها، بشكلٍ حاد، أوضاعٌ غير خاضعة للتنبؤ، كما هو الحال عندنا، وربما يذكر بعض القراء أنني كتبت منذ عدة أسابيع أناشد الوزير التريُّث في مشروع الجامعة المفتوحة عندما نشرت الصحف إن هذا المشروع سوف يبدأ في العام الدراسي القادم، وكانت حُجتي الرئيسية أن المشروع يحتاج لكي ينجح إلى سنوات من الإعداد للمقررات والبرامج والأساتذة والمَعامِل والجهاز الإداري، وبحث صلة المشروع بقضية العمالة ونوعية الجمهور الذي تتجه إليه … إلخ، وكل هذا لم يحدث حتى اليوم، هذا فضلًا عن أن هناك مشروعًا مشابهًا بدأ منذ أربع سنوات وهو يتعثر اليوم — أعني مشروع إعادة تأهيل معلمي المرحلة الابتدائية — ولذلك فإن من الصحيح أن يحدث تقييم جاد لهذا المشروع لمعرفة أسباب تعثُّره قبل الإقدام على مشروع الجامعة المفتوحة.
ولقد أكد لي وزير التعليم في لقاءٍ وقع بعد نشر المقال بأيامٍ بأن الصحفيين لم يفهموا ما يعنيه، وأنه لا توجد نية لبدء مشروع الجامعة المفتوحة في العام الدراسي القادم. ثم فوجئت بعد ذلك بأيام بتصريحات له تناقض ما قاله لي. والآن نسمع أن هناك مؤتمرًا للتعليم ينعقد يوم ١٤ يوليو الجاري لبحث قضية إصلاح التعليم العام والعالي، ووضع استراتيجية لهذا الإصلاح، وأن من المفروض أن تشارك الأحزاب في هذا المؤتمر، والمسألة بشكلٍ واضحٍ لا تخرج عن أحد أمرَين:
فإما أن يكون المقصود هو إدارة حوار وطني حقًّا حول قضايا التعليم، والاستماع إلى رأي كافة القُوى السياسية فيها، وعندئذٍ كان من المفروض أن تُنشَر الوثائق المقدمة إلى المؤتمر قبل انعقاده بزمنٍ كافٍ، وأن يبدأ الحوار في كافة أجهزة الإعلام وفي أندية الأحزاب.
وإما أن تكون دعوة الأحزاب لهذا المؤتمر هي استكمالًا للشكل، لا أكثر ولا أقل، وفي هذه الحالة فإن المطلوب هو الحصول على موافقة الحاضرين لأفكار الحكومة في التعليم، بصرف النظر عن صحتها وخطئها، والشكوك تساورني في أن هذا هو المستهدَف فعلًا من ذلك المؤتمر؛ لأن مؤتمرًا ينعقد في ثلاثة أيام لا يستطيع مناقشة جوهر قضايا التعليم العالي والعام مناقشةً جادة خلال هذه الفترة القصيرة؛ ولأن الرأي العام والأحزاب لا يعلمان شيئًا، حتى هذه اللحظة، عن هذا الذي سوف يُطرَح في المؤتمر.
وفي عام ۱۹۷۹م أصدر وزير التعليم وثيقةً مشابهة سُميَت «استراتيجية التعليم»، وُضعَت أيضًا على عجل، وعُرضَت على الأحزاب ومجلس الشعب على عجلٍ، ولا أحد يذكرها اليوم أو يعلق عليها أيَّ أهمية، وهذا مصير كل وثيقة تُعَد على عجل وتختفي بمجرد أن يترك الوزير مقعده، لقد حمدنا لوزير التعليم الحالي موقفه الحازم في مشكلة الغش في الامتحانات العامة، وحمدنا موقفه في فضيحة الشهادات الأجنبية، التي عن طريقها يتسلل أبناء القادرين إلى الجامعة، وفي هذا السياق نلح عليه بتأجيل هذا المؤتمر إلى الخريف القادم على الأقل، وطرح التقارير المُعدَّة على الرأي العام والأحزاب لمناقشته دون عجلة.
هذا إن كان المقصود حقًّا إدارة حوار وطني حول التعليم، وليس تعبئة الرأي العام التعليمي حول خطواتٍ تنوي الحكومة اتخاذها إثر اتفاقها مع صندوق النقد الدولي!