الجامعة المفتوحة … والمخاوف المطروحة

مع أنني واحد من الذين يؤيدون مشروع الجامعة المفتوحة من ناحية المبدأ، إلا أنني انزعجت أشد الانزعاج من تصريحات وزير التعليم الدكتور فتحي سرور حول هذا الموضوع، والتي ظهرت في الصحف الحكومية في أواخر شهر مارس، وقد بدت هذه التصريحات في شكلها الفج وكأنها لون من ألوان الدعاية الانتخابية! ولقد تصادف أنني كنت أحضر إحدى اللجان الجامعية في نفس الصباح الذي صدرت فيه هذه التصريحات، وكانت هذه اللجنة تضم أساتذة جامعيين من جامعاتٍ مختلفة، ومن توجهات فكرية مختلفة، وحرصتُ على أن أسأل كلَّ واحد منهم عن رأيه في تصريحات الوزير عن الجامعة المفتوحة؛ فكان الرد الذي لم يختلف عليه اثنان من هؤلاء الأساتذة الكبار واحدًا، يتلخص في كلمتَين «دعاية انتخابية»!

والمأساة هنا تتعلق بقضيتَين كبيرتَين في هذا الموضوع، لا يبدو أن الوزير على وعي صحيح بهما؛ القضية الأولى تتعلق بالإعداد للمشروع الذي يحتاج في أقل القليل إلى ثلاث سنوات من البحث والتدارس وحسمٍ للتوجهات الأساسية للموضوع، وبناء الجهاز التنظيمي الذي سيشرف على المشروع قبل بدء التنفيذ، وإلا تعرض العمل كله للانهيار السريع إذا لم يتوفر له الإعداد الجيد، فكيف إذن يقول الوزير إن المشروع سوف يبدأ في العام الدراسي المقبل؟ هل هذا معقول؟

نحن في حاجة عند دراسة مثل هذا المشروع إلى عشرات من اللجان من الأساتذة المتخصصين من التربويين والأكاديميين وخبراء تخطيط القوى العاملة كي يجيبوا أولًا على أسئلة من نوع: أي تخصصات تخرجها هذه الجامعة؟ وإلى مَن تتوجه؟ وهل تكرر هذه الجامعة ما تفعله كليات التربية من تخريج مدرسين للتعليم العام على أن الوزير يعلم — لا شك — أن وزارة التربية والتعليم توشك أن تنصح بإغلاق العديد من كليات التربية؛ لأنها لم تعد في حاجة إلى معظم تخصصات هذه الكليات للتعليم الإعدادي والثانوي؟ وهل معامل الجامعات الخالية قادرة على أن تمنح بعضًا من وقتها لطلاب الجامعة المفتوحة، وهو أمر مطلوب لا شك على الأقل أربع فترات في السنة، إذا كان من المفروض أن يأخذ مشروع الجامعة المفتوحة الجدية الواجبة، ثم أي مقررات هذه التي تُوضَع، وأي نظام للكتب تستقر، علمًا بأن وضع الكتب للجامعات المفتوحة هو أمر مختلف تمامًا عن أسلوب وضع الكتب الخاصة بالتعليم النظامي العادي، كما توضح تجربة الجامعة المفتوحة في بريطانيا، أين هذه الكتب التي تسمح ببدء الدراسة العام الدراسي القادم؟

إن الجامعات المفتوحة تعتمد اعتمادًا رئيسيًّا على برامج خاصة في التليفزيون والإذاعة، وهذه البرامج في حاجة إلى إعدادٍ دقيق، واستعانة بأحدث الأساليب المرئية في التوضيح، وفي علمي أن كل هذا لم يبدأ الإعداد له، كما تعتمد على وجود نظام بريدي منضبط سريع وكفء؛ لأن المتابعة بين الأساتذة والطلبة عن طريق البريد بإرسال التمارين والتوضيحات وتحضير الاجتماعات الفصلية هي أيضًا عنصر جوهري في هذا النظام من التعليم.

وقبل هذا كله لا شك أن مثل هذا المشروع في حاجة إلى جهاز تنظيمي متكامل ومتفرغ لمثل هذا العمل، وتلك إحدى بديهيات العمل الجامعي، وفي حدود علمي فإن مثل هذا الجهاز غير موجود.

إنني أريد من كل هذا أن أحذِّر من خطورة الاستهانة بالإعداد الضروري لمثل هذا المشروع الوطني الكبير، واستسهال البدء في التنفيذ دون التخطيط الواضح الطويل الأجل، وحسم التوجهات الأساسية لأهداف المشروع وخطط تنفيذه قبل بدء هذا التنفيذ، أقول هذا والوزير يعلم دون شك ما حدث من تعثُّر في مشروعٍ مشابِه بدأ منذ أربع سنوات، وهو مشروع إعادة تأهيل معلمي المرحلة الابتدائية. لقد بدأ هذا المشروع في عهد الدكتور مصطفى كمال حلمي، ولأنني كنت عضوًا في اللجنة التوجيهية لهذا المشروع عند بداية تنفيذه، وما زلت عضوًا في اللجنة الوزارية للمستشارين الأكاديميين للمشروع، فإنني أتحدث في الموضوع عن خبرة حقيقية، وليس مجرد السماع. ولقد جرى الإعداد للمشروع قبل بداية التنفيذ بعام، واجتمعت لجان عديدة تتعلق بالكتب والمناهج والامتحانات وبرامج الإذاعة والتليفزيون، وكان الدكتور عبد السلام عبد الغفار عميد كلية التربية آنذاك عند بداية المشروع هو الدينامو الحقيقي لهذا العمل الكبير، ثم عُيِّن الدكتور عبد الغفار بعد ذلك وزيرًا للتعليم؛ فاكتسب المشروع دفعة حماس جديدة بوجوده على رأس الوزارة، وبعد خروج الدكتور عبد الغفار بدأ المشروع في التدهور والتعثُّر.

وعندما أتأمل أسباب هذا التعثُّر أجد أشياء كثيرة، منها أن الإعداد له لم يكن كافيًا، خصوصًا أننا أصحاب خبرة محدودة في هذا اللون الجديد من أشكال التعليم، وحتى اليوم، وطلبة المشروع في سنته الرابعة، ترفض جامعة عين شمس منح خريجيه شهادة بما حصَّلوه، ونظام الامتحانات الذي اعتمد على الأسئلة الموضوعية يتعثر هو الآخر.

ويتسع أسلوب الغش في الامتحانات، والكتب التي أُلفَت هي هي الكتب الجامعية العادية، دون أدنى مراعاة للاحتياجات الحقيقية لطلاب مثل هذا النظام من التعليم، وبرامج التليفزيون والإذاعة لا تشجع في معظمها على المتابعة والتحصيل من خلالها، والاجتماعات الفصلية تتحوَّل إلى إجراءات شكلية، ومصدر للمكافآت للأساتذة دون وجه حقٍّ في كثير من الأحيان. ومن أسباب هذا التعثُّر عدم توفُّر جهاز تنظيمي في الوزارة يشرف على المشروع؛ مما أدى إلى مفارقات عديدة، ومشاكل لا حصر لها. إنني أعلم أن في وزارة التربية والتعليم رجالًا أفاضل يبذلون كل جهدهم من أجل نجاح المشروع، لكن اليد الواحدة لا تصفق، ولقد طالبنا — وما زلنا — بأن يجري تقييم لكل ما حدث في هذا المشروع خصوصًا أنه دخل سنته الرابعة؛ لكن هذا الطلب لم يجد استجابة حتى اليوم لأسباب لا أعرفها.

أليس من المعقول أن نقوم أولًا بتقييمٍ لما جرى في مشروع إعادة تأهيل معلمي المرحلة الابتدائية قبل أن نبدأ في مشروع الجامعة المفتوحة، ولا سيما أن المشروعَين متشابهان، حتى نستفيد من دروس هذا التقييم في تنفيذ المشروع الجديد؟ أم أننا مصممون على تكرار نفس الأخطاء مرة أخرى؟

سؤال أتوجه به إلى وزير التعليم فتحي سرور!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥