بين التعليم والسياسة: من هو جيمس هوكر
تحرص المخابرات الأمريكية على تجنيد عددٍ من العناصر الأكاديمية ذات التاريخ الراديكالي السياسي في بلدان العالم الثالث، وفي الولايات المتحدة ذاتها شخصيات أكاديمية أمريكية تعمل مع المخابرات الأمريكية، وتدرك المخابرات أن هذا العمل مفيد لها من زوايا متعددة؛ فهو بمثابة غطاء لكثيرٍ من عملياتها، يلعب دورًا في تضليل كثير من العناصر السياسية التي لا تدرك شيئًا عن هذه الخلفيات، وهو أيضًا يتيح للمخابرات فرصة التسلُّل المأمون مؤقتًا إلى أوساط العمل السياسي الراديكالي، واليساري خصوصًا، وهو يعطي واجهة «محترمة» لعديدٍ من أنشطة المخابرات، ما دامت عناصر يسارية التاريخ قد استُوعبَت ضمن هذه الأنشطة الأكاديمية.
ويعترف جاي مولين الذي ورد ذِكره في التعليق الماضي، المتخصص في شئون شرق أفريقيا، والذي عمل في جامعة ماكريري في أوغندا، وكان صديقًا لعيدي أمين … أنه عندما استُدعي لمقابلة لجنة في المخابرات عند أول تجنيده، كان قلقًا من أن يكون أعضاء اللجنة من النوع المكارثي الفاشيتي الذين سوف يرفضون طلبه باعتبار أن نشاطه أيام الدراسة ضد حرب فيتنام عمل غير وطني من وجهة نظرهم، لكنه فوجئ أن معظم أعضاء اللجنة عبَّروا في اللقاء عن وجهات نظر تتعلق بفيتنام مشابهة لوجهة نظره.
أما جيمس هوكر — الأستاذ بمركز الدراسات الأفريقية بجامعة ميتشجان — فيذكر لزوجته أن الحُجة الأساسية التي استُخدمت عند تجنيده في المخابرات هي على النحو التالي:
إذا لم يلتحق أمثالك بالمخابرات، فمعنى هذا أن العناصر الفاشية واليمينية والمهووسين السياسيين هم الذين سوف يلتحقون بهذه الأجهزة؛ وبهذا لن تكون لأمريكا فرصة عمل تقييم واقعي وعاقل للأوضاع في أفريقيا.
كان هوكر — طالبًا ثم مدرسًا — معروفًا بمواقفه اليسارية ونشاطه الضخم ضد حرب فيتنام، وكان محل احترام وتقدير العديد من العناصر الأكاديمية وغير الأكاديمية بسبب مواقفه هذه، وهو الذي أحضر يوجن مكارثي — مرشح الرئاسة، والمعروف بعدائه لحرب فيتنام — إلى جامعة ميتشجان، وقدَّمه في اجتماع انتخابي مشهور، كما أن هوكر كان معروفًا بصلاته الواسعة بقادة حركات التحرير في أفريقيا، بل وبعض رؤساء الحكومات الأفريقية ذوي التوجهات النضالية.
ولقد مات هوكر سنة ١٩٧٦م، وبعد وفاته تكلمت أرملته نوامي وير عن عمله في المخابرات الأمريكية، ولو لم تتكلم أرملته، فربما لم نكن لنعرف شيئًا عن هذا التاريخ العجيب.
ووفقًا لرواية نوامي وير فإن هوكر تم تجنيده في المخابرات الأمريكية خلال أول عملٍ له كمدرسٍ بكلية كنوكس في إلينوي، وأنه قضى سنة في واشنطن، تم تدريبه خلالها داخل جهاز المخابرات، ثم أُرسل إلى لندن لاستكمال رسالة الدكتوراه … وبعد حصوله على الشهادة أُرسِل إلى روديسيا وتياسالاند في منحة لإحدى المؤسسات الثقافية الأمريكية … وكانت التعليمات التي زُوِّد بها عند سفره أن مهمته تنحصر في «تقييم وضع الأحزاب السياسية الأفريقية، وقادة هذه الأحزاب، من كافة النواحي السياسية وغير السياسية» وعندما احتاجت المخابرات إلى معلومات عن نقابات أفريقيا كُلِّف هوكر عام ١٩٦٣م بالسفر إلى هناك مستثمرًا صِلاته العديدة بالقادة والنقابيين الأفريقيين، ووفقًا لزوجته فإنه ذهب في تلك المرة تحت ستار منحة من معهد البترول الأمريكي.
ولقد ذكر هوكر لزوجته أنه ترك المخابرات الأمريكية قبل أن يتزوجها عام ١٩٦٩م، لكنَّ كثيرين من زملائه في جامعة ميتشجان يشكُّون في ذلك، وهم يقولون، في التدليل على هذه الشكوك، إن هوكر حتى وفاته في مايو ١٩٧٦م كان على صِلة وثيقة بشاب من جنوب أفريقيا كان يتدرب على أعمال الإدارة البوليسية في جامعة ميتشجان، ويقول اثنان من زملاء هوكر إن هذا الشاب كان في الحقيقة ضابط أمن لهولدن روبرتو، العميل الأنجولي للمخابرات الأمريكية في أوساط حرب العصابات بأنجولا، والذي يقيم في جنوب أفريقيا الآن.
وعندما مات هوكر وجدت زوجته، ضمن أوراقه، رسائل مرسَلة لهذا الشاب عن الحرب في أنجولا، وقالت إنها قامت بتسليمها له لأن «نشرها كان سيسيء إلى العديد من الأشخاص هنا»!
وأخيرًا يذكر الأستاذ وليم ديرمان أن هوكر كان يعتبر قوات هولدن روبرتو، وقوات سافيمبي في أنجولا بمثابة الخلاص الحقيقي لهذا البلد، وأنه كثيرًا ما أعلن تأييده لهما، كما تؤكد أرملته أنه كثيرًا ما أعطى أموالًا لرجال هولدن روبرتو.
بقي أن نعرف أن من المتفق عليه بين جميع مؤرخي حرب أنجولا أن روبرتو كان عميلًا للمخابرات الأمريكية، بينما كان سافيمبي عميلًا للمخابرات البرتغالية، ثم للمخابرات البريطانية بعد ذلك، وهو اليوم من العملاء الأمريكيين المعروفين.