وابور الزلط يدخل الجامعة!

ما من أمر أثار سخط أساتذة الجامعات المصرية قدر هذا التعديل الأخير على قانون الجامعات الذي مرَّ «خطفًا» في مجلس الشعب، والذي اقتحم مناقشة مشروع موازنة الدولة للموافقة عليه بصفة عاجلة.

ورغم رجاء وتوسلات زعيم المعارضة الأستاذ خالد محيي الدين بتأجيل مناقشة هذا التعديل بضعة أيام حتى تُتاح فرصة عرض هذه التعديلات على أساتذة الجامعات لاستطلاع رأيهم فيها، فإن هذه التوسلات لم تجد شيئًا، وتحركت «المقصلة السرورية» لتضع نواب المعارضة وأساتذة الجامعات والرأي العام أمام الأمر الواقع.

والحقيقة أنه لا ينبغي للوزير أن يسمح لحفنة من مستشاريه من أساتذة الجامعات أن يضلِّلوه بإيهامه أن هناك تأييدًا داخل الجامعات لهذا التعديل؛ فالغالبية العظمى من الأساتذة من كافة التوجُّهات والميول، سواء أكانت إسلامية أو قومية أو ليبرالية أو يسارية، يعتبرون هذا الذي جرى إهانةً لهم وللجامعة وللتعليم، ونذير سوء بما ينتظر الجامعة على يد الوزير، الذي هو أحد أساتذتها مع الأسف الشديد!

وليس مصدر هذا السخط هو موضوع التعديلات وحده، وإنما هو أيضًا الطريقة التمثيلية الهزلية التي حدثت بها التعديلات داخل مجلس الشعب، وتوزيع الأدوار المفضوح بين الوزير ومقرر لجنة التعليم بالمجلس؛ إذ يتقدم الوزير بالتعديل الخاص بتشكيل المجلس الأعلى، بينما يتقدم مقرر لجنة التعليم بالتعديل الخاص بتعيين العمداء وعزلهم وعزل الأساتذة!

فإذا احتجت المعارضة، وقف الوزير مدعيًا أن اقتراح تعيين العمداء وعزلهم جاء من لجنة التعليم وليس منه، وعندما يتصدى الأستاذ ضياء الدين داود للاقتراح مهاجمًا ينبري الوزير للدفاع عن الاقتراح مدعيًا أن أساتذة الجامعة قد استُشيروا.

الأمر الآخر الذي ينبغي ملاحظته قبل الدخول في مناقشة جوهر هذه التعديلات هو توقيت إقرار هذه التعديلات؛ فليس خافيًا أن الجامعات على أبواب الامتحانات، وبالتالي فإن أي تحرك من جانب أساتذة الجامعة لمعارضة هذا التعديل سوف يكون محدودًا بسبب هذه الظروف، ولا بد أن هذا هو تقدير الوزير ومن يدبرون معه شئون الجامعة بليلٍ!

والآن يمكن تلخيص جوهر اعتراضاتنا على هذه التعديلات كما يلي:

  • أولًا: أن عملية تضييق عضوية المجلس الأعلى للجامعات من نحو ٥٠ عضوًا إلى نحو ١٥ عضوًا هي عملية مسيئة للمجلس وللديمقراطية فيه؛ فالمجلس بتشكيله الحالي (حيث يتمتع بعضويته نواب رئيس الجامعة الثلاثة الذين يمثِّلون أنشطة مختلفة) أفضل تعبيرًا وتمثيلًا لأنشطة المجلس منه في الصورة المعدَّلة؛ حيث تقتصر عضويته على رؤساء الجامعات فقط، وخمسة يعيِّنهم الوزير من الخارج، وغني عن البيان أن هؤلاء الخمسة هم من رجاله وأنصاره. وإذا كان المجلس في حاجة إلى دم جديد من خارج الجامعة حقًّا، فينبغي أن يتم ذلك على أساس تمثيلهم لأنشطة إنتاجية وثقافية مختلفة، وأن يتم تعيينهم بقرار من رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء.

    ولقد قيل في معرض تبرير هذا التشكيل الجديد للمجلس الأعلى أن مجلسًا يضم أكثر من خمسين عضوًا يستحيل إدارته بكفاءة، والرد على ذلك بسيط؛ إذ يكفي أن تكون للمجلس أمانة فنية مكوَّنة من رؤساء الجامعات والأمين العام برئاسة الوزير، تجتمع مثلًا مرة كل أسبوع لتصريف الأمور العادية، على أن تترك قضايا الجامعة الهامة للعرض على المجلس بتشكيله الواسع، ويمكن عقده مرةً كل ثلاثة أشهر مثلًا.

  • ثانيًا: أن هذا التعديل في قانون الجامعات باطلٌ من الناحية الدستورية في رأي العديدين من أساتذة الفقه الدستوري؛ لأنه يتعارض مع المادة ۱۸ من الدستور التي تنص على أن الدولة تكفل استقلال الجامعات، وليس المقصود من استقلال الجامعات هو إنكار صلتها بالمجتمع ومطالبه وأحداثه، وإنما المقصود هنا الاستقلال النسبي داخل الإطار العام لمؤسسات الدولة، ويعني هذا أن يكون للجامعات آلياتٌ خاصة بها، تضمن ألَّا يكون رؤساء الجامعات أو عمداء الكليات صورة طبق الأصل من السلطة السياسية القائمة؛ إن هذا ضرورة إذا أريد للجامعات أن تكون حقًّا منارة للبحث العلمي، ورافعة حاسمة من روافع التقدم، ولا يضمن هذا الاستقلال النسبي غير انتخاب القيادات داخل الجامعة.
  • ثالثًا: أن الوضع الجديد سوف يجعل من عميد الكلية موظفًا إداريًّا، يتلقَّى أوامره من رئيس الجامعة، الذي يتلقَّى بدوره من الوزير وأجهزة الأمن، وإذا كنا نشكو اليوم من ضغط أجهزة الدولة الإدارية والأمنية على الجامعات، فنستطيع أن نتصور كيف يكون الحال وعمداء الكليات ورؤساء الجامعات هم رجال السلطان وسوطه داخل الجامعة.
  • رابعًا: من الواضح لي أن هذه التعديلات إنما قُصد بها في المحل الأول مواجهة تيار المعارضة، وخصوصًا التيار الإسلامي، وهو استمرار للاعتماد الحكومي على الإجراءات الأمنية والإدارية أساسًا في مواجهة هذا التيار، نتيجة ضعف العمل السياسي للحزب الوطني أو عجزه وفشله، ورأيي أن مثل هذه التعديلات لن تؤدي إلى إضعاف هذا التيار، وإنما إلى توسيع هُوة الخلاف بين النظام الحالي والتيارات الأخرى، من ليبرالية أو قومية، ومعنى هذا أن العزلة السياسية للنظام الحاكم سوف تتسع ولن تضيق، والمفارقة هنا أن هذا يحدث بينما يرى النظام رغبته في الحوار مع القوى السياسية الأخرى، ويشكِّل لجنة لإعداد هذا الحوار.

ألم يكن من الأنسب مناقشة هذه التعديلات إذن ضمن إطار الحوار الوطني، أو على الأقل تأجيلها إلى أن يتضح مصير الحوار …

أم أن النظام الحاكم مصمم على أن يمضي مثل وابور الزلط مكتسحًا أمامه كل شيء مهما كانت النتائج؟!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥