غرفة كنوز سايمون هارلو
على غرار بقية غرف جناح الاستقبال على طول الممر، كانت هذه الغرفة طويلة أكثر منها عريضة، وأشبه بمعرض منها بغرفة. لكنها كانت مُعدة للسكن وليس للزيارات العرضية. فقد كانت مُجهزة بوسائل رفاهية مترفة ولم تكُن مكتظة. في ألواح الجدران ذات اللون البني الفاتح كانت هناك بعض اللوحات الرائعة لفراجونار معلقة بأطر؛ وعلى طاولة الكتابة من الطراز الشيبيندالي الصيني بجانب النافذة، كانت كل الأدوات، من حاملة الحبر، ووعاء الأقلام، وحامل الشموع، ومِذرَّة الرمل، كلها مصنوعة من مينا باترسي المتقن ذي اللون الوردي. لكنها كانت موضوعة بغرض الاستخدام لا العرض. علاوةً على ذلك، كان ثمة مدفأة كبير ناتئة في منتصف الجدار على جانب القاعة، تَبرُز في الغرفة وتُضفي عليها مظهرًا وكأنها مقسومة إلى غرفتَين متصلتين. في حقيقة الأمر، كان العنصر الوحيد في الغرفة الذي يشي بشخصية الجامع هي الكرسي الموضوع في تجويف الجدار بجانب المدفأة وبمواجهة الباب الواصل بغرفة نوم السيدة هارلو. كان ذا لون رمادي فاتح، وبه زخارف ذهبية منحوتة بإتقان حول الألواح وصور بارزة تمثل راعيات ورعاة أنيقين، مرسومة بدقة في وسطها. وكان به نوافذ زجاجية على الجوانب لإظهار الجالس فيه، وكان مبطنًا بالساتان الرمادي الفاتح، ومطرزًا بالذهب ليتناسب مع لون الألواح. وأما سقف المقعد، القابل للرفع بمفصلة خلفية، فقد زُيِّن بزركشة ذهبية متداخلة، وكان له باب زجاجي في جزئه العلوي. بشكل عام، كان الكرسي قطعة جميلة ومتألِّقة من أبدع أعمال فن بناء المحفَّات، وكان ثَم حاجز مذهب يحميه بشكل ملائم للغاية. حتى هانو أُعجب بأناقته. إذ وقف ويداه على الحاجز يفحصه بابتسامة تنمُّ عن الاستمتاع، حتى بدأ جيم يعتقد أنه قد نسي تمامًا العمل الذي أتى من أجله. لكن هانو أيقظ نفسه من غشيته.
وقال: «طوبى للأثرياء بهذا العالم يا سيد فروبيشر. ما أجمل صور السيدات الفاتنات في التنانير المنفوخة والسادة الأنيقة مع الجوارب الحريرية! وكم من طينٍ غاص فيه البؤساء الذين قُدِّرَ عليهم المسير!»
ثم أدار ظهره للمحفَّة وقلَّب نظره في أرجاء الغرفة. ووجه سؤالًا لآن: «أهذه هي الساعة التي أشارت إلى العاشرة والنصف خلال اللحظة التي أضأتِ فيها الأنوار يا آنسة؟»
أجابته بسرعة: «نعم.» ثم نظرت إليها مرة أخرى. وأردفت: «نعم، تلك هي.»
وقد رصد جيم أو تخيَّل أنه لاحظ تغيرًا طفيفًا في نبرة صوتها عندما كررت تأكيدها، لم يكُن تشكيكًا — إذ لم يكُن هذا التغيُّر علامة كافية على ذلك — لكنه كان نوعًا من الحيرة. إلا أنه اتضح أن هذا كان من نسج خياله، لأن هانو لم يلاحظ أي شيء. فوبخ جيم نفسه باستنكار صامت. وقال لنفسه محذِّرًا: «احذر! متى ما ساورك الشك في الناس، فلن ترى في أقوالهم أو أفعالهم إلا ما يزيدك ريبة.»
أما هانو فكان راضيًا بلا شك. كانت الساعة بهيئة صغيرة وجميلة ومذهبة من عصر لويس الخامس عشر، شكل خصرها يشبه الكمان؛ فكانت واجهتها بيضاء، وكانت فوق خزانة مطعَّمة من طراز بولي، تعلو عن مستوى الخصر بقليل، أمام مرآة فينيسية طويلة. وقف هانو مباشرة أمام الساعة وقارنها بساعته.
ثم قال لبيتي: «إنها مضبوطة بالدقيقة يا آنسة» وهو يبتسم ويعيد ساعته إلى جيبه.
استدار هانو حتى وقف وظهره إلى الساعة. كان يواجه المدفأة على الجهة المقابلة من عنق الغرفة الضيق. وكان لهذه المدفأة رف بتصميم أنيق من طراز الأخوة آدم، كان الرف مصنوعًا من خشب الألواح نفسه ذي اللون البني الفاتح، مع أعمدة ممشوقة وبعض النقوش الجميلة على اللوح أسفل الرف. وفوق الرف، كانت إحدى لوحات فراجونار معلقة بإطار في الجدار وعلى ما يبدو أن ذلك كي لا يحجبها أي شيء، فلم تكُن هناك أي عناصر تزيين مرتفعة على الرف نفسه. لم تكُن تزينه سوى علبتين صغيرتين من مينا باترسي الوردي، وإطار زجاجي مسطح. تقدَّم هانو إلى رف الموقد، وبعد أن فحصه للحظة، رفع الإطار الزجاجي المسطح وهو يطلق صفارة خفيضة تنم عن الإعجاب.
وقال لبيتي: «عذرًا آنستي. لكن على الأرجح أنني لن أنال مرة أخرى في حياتي أبدًا فرصة رؤية شيء لا يُضاهَى كهذا. هذا بالإضافة إلى أن رف المدفأة مرتفع قليلًا بالنسبة إليَّ فلا أراه على النحو الملائم.»
وبدون انتظار موافقة الفتاة، حمله نحو النافذة.
وهتف يقول: «هل ترى هذا، يا سيد فروبيشر؟» فتقدَّم جيم إلى جانبه.
كان الإطار يحتوي على حلية مشغولة من الذهب والعقيق الأبيض والمينا الشفافة من صنع بنفينوتو تشيليني. وأقرَّ جيم بأنه لم يرَ أبدًا حِرَفية بهذا الإتقان والدقة، لكنه كان يشعر بالضيق من انشغال هانو عن عمله.
قال المحقق: «يمكن للمرء أن يقضي يومًا طويلًا في هذه الغرفة في إظهار إعجابه بهذه الكنوز.»
أجاب جيم بنبرة جافة: «بلا شك. لكنني كنت أظن أننا سنقضي فترة الظهيرة في البحث عن سهم.»
هنا ضحك هانو.
وقال: «يا صديقي، أنت تذكرني بواجبي.» ثم عاود النظر إلى الجوهرة وتنهد. واستأنف قائلًا: «نعم، كما تقول، لسنا زوارًا هنا بهدف الاستمتاع.»
ثم حمل الإطار عائدًا إلى رف المدفأة ووضعه في مكانه. ثم تغيرت طريقته على نحو مفاجئ. كان منحنيًا إلى الأمام ويداه لا تزالان حول الإطار الزجاجي. لكنه كان ينظر إلى الأسفل. كانت شبكة المدفأة مخفية عن الغرفة بواسطة حاجز منخفض طُليَ بورنيش أزرق؛ وقد نجح هانو من موقعه في النظر فوق الحاجز إلى داخل المدفأة نفسها.
فسأل: «ما كل هذا؟»
ورفع الحاجز من المدفأة ووضعه بعناية جانبًا. أمكن للجميع الآن رؤية ما أزعجه — كومة من الرماد الأبيض في الموقد.
انحنى هانو على ركبتيه وأخذ المجرفة من سياج المدفأة ودفعها بين القضبان وأخرجها مرة أخرى وعليها طبقة صغيرة من الرماد. كان الرماد أبيض اللون وقد انطحن إلى جسيمات صغيرة. لم تكُن هناك ولو حتى قطعة واحدة يمكن أن تغطي ظفر إصبع. لمس هانو الرماد بحذر، كما لو كان يتوقع أن يجده ساخنًا.
قال جيم فروبيشر بسخرية ثقيلة: «أُغلقت هذه الغرفة صباح الأحد ونحن اليوم بعد ظهر الخميس. لا يبقى الرماد حارًّا لأكثر من ثلاثة أيام في العادة يا سيد هانو.»
نظر موريس ثيفينيه إلى فروبيشر باستياء. كيف يجرؤ على السخرية من هانو! لم يكُن يعامل شرطة باريس باحترام أكثر مما قد يعامل … لنقل، سكوتلانديارد.
حتى السيد بيكس كان يبدو عليه الاستياء. لم يكُن سلوك هذا الرجل قويمًا بالنسبة لشريك في شركة فروبيشر وهاسلت. أما هانو، فكان متساهلًا للغاية.
إذ أجاب بوداعة: «لقد لاحظت ذلك» ثم جلس على كعبَيه والمجرفة لا تزال في يديه.
ونادى: «يا آنسة!» فتقدمت بيتي ومالت على رف المدفأة بجانبه. فسألها: «من حرق هذه الأوراق بعناية شديدة؟»
أجابت بيتي: «أنا.»
«متى؟»
«بعضها ليلة السبت، والباقي صباح الأحد، قبل وصول السيد المفوض.»
«وما كانت هذه الأوراق يا آنسة؟»
«كانت رسائل يا سيدي.»
نظر هانو إلى وجهها بسرعة.
وقال بهدوء: «أوه! رسائل! نعم! وما نوع هذه الرسائل، من فضلك؟»
كان جيم فروبيشر يومئ بيدَيه تعبيرًا عن استيائه. ماذا أصاب هانو؟ في لحظة ينسى تمامًا العمل الذي كان معهودًا إليه به أثناء استمتاعه بمجموعة سايمون هارلو. وفي اللحظة التالية ينشغل باستقصاء عبثي عن رسائل مجهولة. لم يكُن لدى جيم أي شك في أنه كان يفكر في تلك الرسائل الآن. فلا يقول أحدهم «رسائل» إلا ويحيد هانو عن مساره على الفور وهو على استعداد لاتهام أي شخص بكتابتها كما يظهر من الأمر.
أجابت بيتي بينما اكتسبت وجنتاها لونًا ببطء: «كانت رسائل خاصة جدًّا. لن تكون مفيدة لك.»
قال هانو: «حسنًا» وقد شاب صوته شيء من الغضب بينما هزَّ المجرفة ورمى الرماد مرة أخرى في المدفأة. لكنه أضاف: «لكنني أسألك يا آنسة، ما كان نوع هذه الرسائل؟»
لم تجبه بيتي. ونظرت بشرود إلى الأرض، ثم من الأرض إلى النوافذ؛ ورأى جيم وهو يتألَّم أن عينيها تلمعان بالدموع.
فتدخَّل قائلًا: «أعتقد يا سيد هانو أننا وصلنا إلى مرحلة يجب أن نتشاور فيها أنا والآنسة.»
قال السيد بيكس: «هذا من حق الآنسة بالتأكيد.»
لكن الآنسة تنازلت عن حقها بحركة صغيرة من كتفيها.
إذ قالت: «حسنًا.»
كشفت عن وجهها للجميع. وعيناها الواسعتان تترقرقان بالدموع، وأشارت إلى جيم برأسها إيماءة امتنان وتقدير.
وقالت بصوت مُتقطِّع: «سأجيبك يا سيد هانو. يبدو أنه لن يبقى شيء وإلا سيُكشَف، مهما بلغت درجة خصوصيته. وأكرِّر القول بأن تلك الرسائل لن تُجديَك نفعًا.»
ثم نظرت على الجانب الآخر من المجموعة إلى كاتب العدل.
وقالت: «سيد بيكس» فتحرك ليقف على الجانب الآخر من هانو.
وقال: «في غرفة نوم السيدة، بين فراشها وباب الحمام، كان ثمة خزانة صغيرة تحتفظ فيها بالعديد من الأوراق غير المهمة، مثل الفواتير المدفوعة القديمة التي لم يكُن من الحكمة التخلُّص منها بعد. أخذتُ هذه الخزانة إلى مكتبي بعد وفاة السيدة، بموافقة الآنسة بالطبع، بقصد أن أفحص الأوراق في وقت فراغي وأوصي بالتخلُّص من كل ما ليس مهمًّا. بيدَ أنني كنت منشغلًا، كما أسلفتُ، ولم أفتح الخزانة حتى يوم الجمعة الموافق السادس من مايو. وحين فتحتها، ذُهلتُ لما وجدتُ فوق كل شيء رزمة رسائل بدأ حبرها يتلاشى، وقد رُبطت بشريط. كانت نظرة واحدة كافية لأتأكد أنها أشياء خاصة وشخصية وليس لكاتب العدل الخاص بالآنسة أي علاقة بها. وفقًا لذلك، في صباح السبت، أحضرتها بنفسي إلى الآنسة بيتي.»
ثم انسحب السيد بيكس بإيماءة، وتابعت بيتي القصة.
«وضعتُ الرسائل جانبًا حتى أقرأها بهدوء بعد العشاء. فما حدث أنني لم أكُن أستطيع في أي حال أن أعطيها أي اهتمام قبل ذلك. لأن السيد بوريس قدَّم اتهامه ضدي في ذلك الصباح، وفي الظهيرة كنتُ قد استدعيتُ إلى مكتب قاضي التحقيق. كما تفهم، كنت … لا أقول خائفة، لكن مضطربة بسبب هذا الاتهام؛ ولم أنظر في الرسائل إلا في ساعة متأخرة من المساء، وكان ذلك بدافع تشتيت أفكاري أكثر من أي سبب آخر. لكن بمجرد أن نظرت فيها، فهمت أنه يجب تدميرها. كانت هناك أسباب …» وهنا تداعى صوتها، لكنه عاد إلى الثبات بعد محاولة جاهدة منها «أشعر أن في تفسيرها وقاحة. كانت رسائل تبادلها العم سايمون والسيدة هارلو خلال الفترة التي كانت فيها تعيسة في زيجتها من السيد رافيار وتعيش منفصلة عنه … كانت الرسائل طويلة أحيانًا، وأحيانًا تكون ملاحظات صغيرة مكتوبة بسرعة — دون تحفُّظ — في لحظة من رفع الكلفة والتحرُّر. كانت رسائل …» ومرَّة أخرى تداعى صوتها وخفت فأصبح همسًا، حتى لا يُساء فهم المعنى الذي ترمي إليه — «بين عاشقين … عاشقين يتحدثان بأشياء حميمية، ويعتزان بحبهما. أوه، لم يكن ثمة ريب في وجوب التخلص من تلك الرسائل! لكني عقدت العزم على قراءتها كاملة أولًا، خشية أن تحوي شيئًا يجدر بي علمه. فقرأت جلَّها تلك الليلة، وأحرقت ما طالعت. لكن الوقت كان قد تأخر … فتركت الباقي حتى صباح الأحد. وقد أنهيت قراءتها صباح الأحد فعلًا، وأحرقت ما تبقى حينها. وبعد أن انتهيت من حرقها بفترة قصيرة، وصل السيد المفوض لوضع الأختام. إن الرماد الذي تراه يا سيد هانو هو رماد الرسائل التي أحرقتها صباح الأحد.»
تحدثت بيتي بتوقير جميل وبسيط أثار تعاطفًا حارًّا لدى مستمعيها. ثم أمال هانو الرماد بلطف معيدًا إياه إلى المدفأة.
وقال بنبرة تنم عن الندم: «أنا دائمًا ما أخطئ بحقك يا آنستي. ذلك لأنني أجبرك دائمًا على إعطاء إفادات تجعلني أشعر بالخجل وتضفي عليك الإجلال.»
شعر جيم بأن هانو يمكنه أن يفعل الشيء اللائق بكل تلطُّف عندما يرغب في ذلك. لكن لسوء الحظ، يبدو أن التلطف لم يكُن أبدًا صفة دائمة فيه؛ كما هي الحال الآن. كان هانو لا يزال على ركبتَيه أمام الموقد. وبينما كان يعتذر، أخذ يقلب الرماد بالمجرفة دون أن يبدو أنه يفكر فيما يفعله. لكن شيئًا استحوذ على انتباهه الآن. كشفت المجرفة عن قطعة صغيرة من الورق لم تحترق، لونها أبيض يميل إلى الزرقة. فتصلَّب جسم هانو. وانحنى إلى الأمام والتقط قطعة الورق من الموقد، بينما انحنت بيتي أيضًا بحركة فضولية بسيطة.
جلس هانو مرة أخرى على كعبيه.
وقال: «إذَن! لم تحرقي الرسائل فقط صباح الأحد الماضي.»
كانت بيتي في حيرة وارتباك، وقد مدَّ هانو إليها قطعة الورق.
وقال: «لقد حرقت فواتير أيضًا، يا آنسة.»
أخذت بيتي القطعة بيدها وهزَّت رأسها وهي تطالعها. كان من الواضح لها أنها قطعة ورق من الزاوية العلوية اليمنى من فاتورة. كان يظهر بها جزء مثير للاهتمام من عنوان مطبوع، وأسفله رقم أو رقمان في عمود.
فقالت بيتي: «لا بد أن هناك فاتورة أو نحو ذلك اختلطت بالرسائل. لا أتذكر ذلك.»
وأعادت قطعة الورق إلى هانو الذي جلس ينظر إليها. كان جيم فروبيشر يقف خلفه مباشرة ويقرأ نهايات الأسماء والكلمات المطبوعة والأرقام تحتها، وصادف أن تذكر شكلها تمامًا، حيث أمسكها هانو لفترة طويلة في يده؛ الجزء العلوي من الاسم بأحرف كبيرة، والكلمات تحتها بأحرف أصغر، ثم الأرقام في الأعمدة، وكلها محاطة بما يشبه شكل المثلث مع خط قطري محروق وممزق بفعل النار … هكذا على النحو التالي:
قال هانو: «حسنًا، لحسن الحظ، هذا ليس مهمًّا.» ثم ألقى قطعة الورق مرة أخرى في المدفأة. وسأل: «هل لاحظت هذا الرماد يا سيد جيراردو صباح الأحد؟» ثم أضاف تفسيرًا بغرض تفادي أي إساءة قد تبدو أن السؤال يلقيها على مصداقية بيتي.
فقال: «من الأفضل دائمًا يا آنسة أن يكون هناك إمكانية لإيجاد التأييد.»
أومأت بيتي، لكن جيراردو كان في حيرة. وقد تمكن من أن يبدو جادًّا للغاية، لكن الجدية لم تكن مطلوبة.
فقال: «لا أتذكر.»
ومع ذلك، جاء التأييد من مصدر آخر.
إذ قال موريس ثيفينيه بحماس: «إذا سمحت لي بالكلام، يا سيد هانو؟»
أجاب هانو: «بكل تأكيد.»
فقال: «دخلت هذه الغرفة خلف السيد جيراردو مباشرة صباح الأحد. لم أرَ أي رماد في المدفأة، هذا صحيح. لكن الآنسة هارلو كانت تضع ذلك الحاجز المطلي بورنيش أزرق أمام المدفأة، تمامًا كما رأيناه اليوم. وضعته الآنسة في مكانه وعندما رأت زوارها طفرت فجأة ووقفت.»
قال هانو بحرارة: «آها!» ثم ابتسم لبيتي. «هذه الشهادة قيمة تمامًا كما لو أخبرنا أنه رأى الرماد نفسه.»
ثم نهض واقترب منها.
وقال: «لكن هناك رسالة أخرى كنتِ طيبة بما يكفي لتعديني بها.»
بدأت بيتي تقول: «الرسالة اﻟﻤﺠ …» لكن هانو أوقفها بسرعة.
وقال: «من الأفضل أن نلتزم الصمت» بابتسامة وإيماءة أوضحا أنهما شريكان ومتواطئان في هذا الأمر. ثم أضاف: «هذا سيكون سرنا الصغير الحصري بيننا، وسنشاركه مع السيد المفوض إذا كان جديرًا بذلك.»
ثم شرع يضحك طويلًا على نكتته، بينما فتحت بيتي درجًا في طاولة الكتابة الصينية. وقد شاركه جيراردو المفوض ضحكة فاترة، لم يُخفِ تردده في استساغتها. أما السيد بيكس، فقد ازداد وجهه جدية، مبيِّنًا بوضوح أن الدعابة لم تكن لائقة في نظره.
أخرجت بيتي ورقة مطوية من ورق عادي وسلمتها إلى هانو الذي أخذها إلى النافذة وقرأها بعناية. ثم بإشارة، استدعى جيراردو إلى جانبه.
وأضاف: «يمكن للسيد فروبيشر أن يأتي أيضًا. إذ هو مشارك في السر» ووقف الرجال الثلاثة منفصلين عند النافذة ينظرون إلى الورقة. كانت مؤرخة في السابع من مايو، وموقعة ﺑ «السوط»، مثل الرسائل الأخرى من هذه السلسلة البشعة، وقد بدأت دون أي مقدمة. كانت الرسالة تحمل بضع كلمات مكتوبة عليها، وبعضها كان ألفاظًا بذيئة لا يمكن إعادة ذكرها، مما جعل دم جيم يغلي لأن فتاة مثل بيتي كان عليها أن تقرأها.
«قد حانت ساعتكِ الآن، أيتها …» ثم تبع ذلك سلسلة من الكلمات البذيئة. «لقد حان دورك يا بيتي هارلو. المحقق هانو من باريس قادم ليتولى أمرك وهو يحمل الأصفاد في جيبه. ستبدين جميلة بالأصفاد، أليس كذلك يا بيتي؟ نحن نريد عنقك العاجي! ثلاثة أنخاب لوابرسكي؟ السوط.»
حدق جيراردو في الكلمات الوحشية وعدل نظارته على أنفه ثم حدق مرة أخرى.
وقال بتلعثم: «لكن … لكن …» وأشار إلى التاريخ. لكنه توقف فجأة بسبب إشارة تحذيرية من هانو، بيد أن جيم لم يكن لديه شك في الغرض من هذا التعجب غير المكتمل. كان جيراردو مندهشًا — مثل هانو نفسه — من أن هذه الأخبار تسربت بسرعة كبيرة.
طوى هانو الرسالة والتفت ليواجه الغرفة.
وقال لبيتي: «شكرًا لك يا آنسة» وأخرج ثيفينيه السكرتير دفتر ملاحظاته من جيبه.
وسأل يقول: «هل تريدني أن أنسخ لك نسخة من الرسالة يا سيد هانو؟» ثم جلس ومد يده.
فأجاب هانو: «ما كنت لأعيدها، وليس ثمة حاجة للحصول على نسخة في هذه المرحلة. ربما أطلب معونتك لاحقًا.»
ووضع الرسالة في حافظة رسائله، ثم وضع الحافظة في جيبه الصدري. وعندما رفع نظره مرة أخرى، رأى أن بيتي تمد إليه مفتاحًا.
وقالت: «هذا يفتح الخزانة في نهاية الغرفة.»
فقال هانو: «عظيم! دعونا نبحث الآن عن السهم الشهير، وإلا فسنُغضب السيد فروبيشر مرة أخرى.»
في نهاية الغرفة، كانت الخزانة تقف أمام الحائط المقابل للنوافذ وبالقرب من الباب المؤدي إلى القاعة. أخذ هانو المفتاح، وفتح باب الخزانة وتراجع فجأة وهو يصيح: «عجبًا!» كان قد فُوجئ حقًّا، حيث كان أمامه على الرف رأسان بشريان صغيران كاملا الملامح والشعر والعيون، لكنهما بحجم برتقالتين كبيرتين. كانا رأسين لرجُلينِ من قبائل الأمازون، قتلهما غُزاتهما على ضفاف النهر، واحتفظوا بهما بعد تصغيرهما بالعملية الشائعة في تلك الغابات.
قال هانو: «إذا كان السهم موجودًا في أي مكان في هذه الغرفة، فينبغي أن نجده هنا» لكن على الرغم من أنه وجد العديد من الأشياء الغريبة في تلك الخزانة، فإنه لم يجد أي أثر لسهم مسموم. فالتفت مبتعدًا وقد بدت عليه خيبة الأمل.
وقال بأسًى: «في الواقع يا آنسة، لا يوجد شيء آخر يمكن فعله» وبعد ذلك، قضى ساعة في البحث في الغرفة، فقلب السجادة، وفحص أغطية الكراسي، والستائر، وعاين كل مزهرية، وأخيرًا ركز على طاولة بيتي. فحص كل زاوية فيها؛ واكتشف الآلية البسيطة لأدراجها السرية؛ وأفرغ كل قسم؛ كان يعمل بسرعة فائقة، ويعيد كل شيء إلى موضعه الصحيح. ولما انقضت الساعة، كانت الغرفة مرتبة كما كانت عندما دخلها؛ رغم أنه فحصها بدقة كبيرة.
قال هانو: «كلا، إنه ليس هنا.» ثم جلس في كرسي وتنفس بعمق. «لكن من ناحية أخرى، وكما تعلم السيدات ويعلم السيد فروبيشر، كنت مستعدًّا لئلا أجده هنا.»
فسألت بيتي: «هل انتهينا إذن؟» لكن هانو لم يتحرك.
وأجاب: «سأكون ممتنًّا يا سيد جيراردو إذا نزعت الأختام من على الباب في نهاية الغرفة.»
غادر المفوض ومساعده عبر غرفة نوم السيدة هارلو. وبعد دقيقة، سُمع صوت احتكاك المفتاح بالقفل وانفتح الباب، ليعودا بعدها إلى الغرفة من القاعة.
قال هانو: «عظيم!»
ثم نهض من كرسيه ونظر حوله إلى المجموعة الصغيرة التي أصبحت الآن في حيرة وقلق، وقال بجدية شديدة:
«من أجل مصلحة العدالة، أطلب الآن ألا يقاطعني أي منكم بكلمة أو إيماءة، لأن لديَّ تجربة لأجريها.»
وفي صمت تام، مشى إلى المدفأة ودق الجرس.