الفصل الخامس عشر

العثور على السهم

كانت غرفة آن تقع في الطابق الثاني، ونوافذها تطل على الحديقة، وتتكون من غرفة نوم وغرفة جلوس متصلتين مباشرة ببعضهما. كان السقف منخفضًا لكنه فسيح، وبينما تأمل هانو أرجاء غرفة النوم، قال بنبرة ملأها الشك:

«نعم … في نهاية المطاف، إن شعر المرء هنا فجأة بالخوف وفقد صوابه، فربما يتعثر في هذه الغرفة في الظلام ويضل طريقه إلى مفتاح الإضاءة. لا يوجد مفتاح فوق الفراش.» ثم هزَّ كتفيه. واستطرد: «لكن بالتأكيد، سيكون المرء حريصًا على أن يكون بالإمكان التحقق من تفاصيله. لذا …» واختفت نبرة الشك من صوته.

كانت كلمات هانو غامضة تمامًا بالنسبة لمفوض الشرطة وسكرتيره والسيد بيكس. بل إن موريس ثيفينيه نظر إليه بحدة، وكأنه على وشك أن يطرح أحد تلك الأسئلة التي دُعي لطرحها. بيدَ أن جيراردو، المفوض الذي كان يلهث بشدة إثر صعوده طابقين من السلالم، هو من بادر بالحديث.

فقال: «لن نجد هنا شيئًا يثير اهتمامنا. لم تكن تلك الفتاة الجميلة لتدعونا للبحث بين متعلقاتها الأنيقة لو كان هناك شيء يمكن اكتشافه.»

أجاب هانو: «من يدري! دعنا نرى!»

ابتعد عنهم جيم فدخل إلى غرفة الجلوس. إذ لم يجد رغبة في تتبع هانو والمفوض خطوة بخطوة أثناء بحثهما؛ وقد استبان له على الطاولة، في منتصف الغرفة، نشَّافة حبر وبعض أدوات الكتابة وأوراقها كان يرغب في تنظيم كل التخمينات والحقائق والأكاذيب التي عاشها خلال اليومين الماضيين وفرزها وترتيبها في ذهنه؛ ولم يكن يعرف طريقة أفضل لفعل ذلك إلا بتسجيلها باختصار على طريقة «الإيجابيات والسلبيات» التي اتبعها روبنسون كروزو في جزيرته المهجورة. سيكون لديه ساعة من الهدوء أو نحو ذلك بينما يواصل هانو بحثه بلا كلل. فأخذ ورقة، واختار قلمًا عشوائيًّا من علبة الأقلام وبدأ الكتابة. إلا أن ذلك كلَّف آن أبكوت العديد من أوراق الكتابة، وقد سقطت ريشة الكتابة من حاملها أكثر من مرة وأعادها إلى مكانها قبل أن ينتهي. لكنه في النهاية استطاع اختصار المشكلة إلى النقاط التالية:

الحجج المؤيدة الحجج المعارضة
(١) على الرغم من أن الشك في وقوع جريمة قتل نشأ في البداية فقط بسبب عودة كتاب «رسالة عن اسبورانثوس هسبيدوس» إلى رفِّه في المكتبة، فإن التطورات اللاحقة، مثل اختفاء السهم المسموم، وظهور جان كلاديل سيئ السمعة في المسألة، وقصة آن أبكوت عن زيارتها لغرفة الكنوز، والآن لغز سرقة عقد اللؤلؤ الخاص بالسيدة هارلو، تشكل جميعها دعوى ظاهرة الوجاهة للتحقيق.

(١) لكن في غياب أي أثر للسم في جثة المرأة الميتة، يصعب رؤية كيف يمكن تقديم المجرم إلى العدالة، إلا من خلال:

(أ) اعتراف.

(ب) ارتكاب جريمة أخرى مشابهة. نظرية هانو: من يستخدم السم مرة، يعود لاستخدامه دائمًا.

(٢) إذا تم ارتكاب جريمة قتل، فمن المحتمل أنها وقعت في الساعة العاشرة والنصف مساءً عندما سمعت آن أبكوت في غرفة الكنوز صوت شجار وهمسًا يقول: «هذا سيفي بالغرض.» قد تكون قصة آن أبكوت كاذبة جزئيًّا أو كليًّا. فقد كانت تعلم أن غرفة نوم السيدة هارلو ستفتح وتفحص. فإذا كانت تعلم أيضًا أن عقد اللؤلؤ قد اختفى، فلا بد أنها أدركت أن من الحكمة أن تروي قصة قبل اكتشاف اختفائه، لإبعاد الشك عنها.
(٣) بغض النظر عن هوية مرتكب الجريمة — إذا كانت جريمة قتل قد وقعت — يتضح أن بيتي هارلو لا علاقة لها بها. فقد كانت تحصل على مصروف كبير. وكانت في حفل السيد بوياك ليلتها. علاوة على ذلك، بمجرد وفاة السيدة هارلو، أصبح العقد ملكًا لبيتي هارلو. لو كانت هي من ارتكبت الجريمة، لما اختفى العقد. من الممكن أن يكون اختفاء العقد غير مرتبط بجريمة القتل، إذا كانت هناك جريمة قتل.
(٤) إذن، من هم المشتبه بهم المحتملون؟
(أ) الخدم. (أ) يُحسب لجميع الخدم أنهم يعملون لسنوات طويلة في الخدمة في المنزل. ومن غير المحتمل أن أيًّا منهم كان يفهم ما يكفي عن كتاب «رسالة عن اسبورانثوس هسبيدوس» لاستخدامه.

(ب) جين بودان الممرضة.

ربما نوليها المزيد من الاهتمام. فقد قبلنا بسهولة كبيرة أنها ليس لها علاقة بالأمر.

لا أحد يشك في جين بودين. فسجلها جيد ونظيف.

(ﺟ) فرانسين رولار. لا شك أنها كانت خائفة ظهيرة اليوم. قد يكون العقد مصدر غواية بالنسبة لها.

أكانت هي من انحنت فوق آن أبكوت في الظلام؟

كانت فرانسين خائفة من الشرطة كفئة، وليس بالضرورة من اتهامها بجريمة. وقد أدت دورها في المشهد التمثيلي من دون أن تنهار. ولو كانت قلقة، فإن السبب الوحيد لذلك هو السبب الذي ذكرته بالأعلى، وهو أنها مساعدة.

(د) آن أبكوت.

تقديمها لأهل منزل كرينيل جرى من خلال وابرسكي وفي ظل ظروف مريبة. وهي فقيرة، وتعمل مرافقة بأجر، كما أن العقد يساوي ثروة كبيرة.

قد يكون تقديم آن أبكوت لأهل المنزل قابل للتفسير بشكل إيجابي.

من المستحيل أن نصدر حكمًا بشأنها حتى نعرف المزيد عن تاريخها.

وكانت في المنزل ليلة وفاة السيدة هارلو. وقد أخبرت جاستون أن بإمكانه إطفاء الأنوار وأن يذهب لفراشه مبكرًا ذلك المساء. كان بمقدورها أن تُدخل وابرسكي بسهولة إلى المنزل وتأخذ العقد ثمنًا لتواطئها. وربما تكون روايتها عما حدث ليلة السابع والعشرين من أبريل صحيحة من بدايتها إلى آخرها.
وربما تكون القصة التي أخبرتنا بها في الحديقة هي القصة الحقيقية لما حدث بعد تعديلها. وربما كانت هي من همست «هذا سيفي بالغرض». ربما همست بها إلى وابرسكي. في تلك الحال، تصبح نظرية وقوع جريمة قتل نظرية قوية للغاية. لكن من الذي همس «هذا سيفي بالغرض»؟ ومَن كان ينحني فوق آن أبكوت حين استيقظت؟
صلتها بوابرسكي كانت وثيقة لأن تجعله يعوِّل عليها في دعم اتهامه لبيتي.
(ﻫ) وابرسكي. الوغد والمبتز المحتمل.
كان في ضائقة مالية ويحتاج المال، وكان يتوقع إرثًا كبيرًا من السيدة هارلو. وربما كان قد أحضر آن أبكوت إلى المنزل وهو ينوي تنفيذ جريمة قتل. ولمَّا أخفق في التربح والاستفادة من جريمته، اتهم بيتي بالجريمة ذاتها كتمهيد للابتزاز.

بمجرد أن عرف أن جثة السيدة هارلو استُخرِجت وجرى عليها تشريح لتحديد سبب الوفاة، انهار. وكان يعرف أنه لن يوجد أثر للسم في جثتها إن كان قد استخدم السهم المسموم بنفسه.

كان يعرف بأمر جان كلاديل، ووفق روايته، كان يمُرُّ بالقرب من متجر كلاديل في شارع جامبيتا. من المحتمل أنه كان في زيارة لكلاديل بنفسه ليدفع ثمن محلول سم اسبورانثوس.

لكن وابرسكي كان لينهار بنفس الشكل لو أنه اعتقد أن جريمة قتل لم تحدث من الأساس.

إذا كانت جريمة قتل قد ارتكبت، فإن أبرز المشتبه بهم هم آن أبكوت ووابرسكي، اللذين يعملان بالتنسيق فيما بينهما.

وصل جيم فروبيشر إلى هذا الاستنتاج على مضض، لكن حتى أثناء كتابته، كانت هناك أسئلة تدور في ذهنه ولم يجد لها إجابة. كان يدرك جيدًا أنه مبتدئ تمامًا في مثل هذه الأمور المتعلقة بالتحقيق في الجرائم؛ وكان يعرف أنه لو كانت إجابات هذه الأسئلة معروفة له، لربما اتخذت أفكاره اتجاهًا آخر.

لذلك كتب تلك الأسئلة المزعجة تحت ملاحظته كالتالي:

لكن

  • (١)

    لماذا لا يهتم هانو بعودة كتاب «رسالة عن اسبورانثوس هسبيدوس» إلى مكانه في المكتبة؟

  • (٢)

    ما الذي أثار دهشته على قمة برج تيراس؟

  • (٣)

    ما الذي كان ينوي قوله لي في المقهى في ساحة دارم ولم يقُلْه في النهاية؟

  • (٤)

    لماذا فتش هانو كل زاوية في غرفة الكنوز عن السهم السام المفقود، باستثناء داخل المحفَّة؟

أفاق جيم من تأملاته على صوت باب يُغلَق بهدوء. فنظر عبر الغرفة. كان هانو قد دخل الغرفة للتو من غرفة النوم، مغلقًا الباب الفاصل خلفه. وقد وقف ممسكًا بمقبض الباب وهو يحدِّق إلى فروبيشر بنظرة تجمع بين الفضول والذهول. ثم تحرك بسرعة إلى طرف الطاولة حيث كان جيم جالسًا.

قال بصوت منخفض وهو يبتسم: «كم تساعدني! كم تعاونني بحق!»

ورغم أن أذني جيم قد انتبهتا لنبرة السخرية، فإنه لم يلاحظ منه أي تلميح أو إشارة عليها. كان هانو يتحدث بأقصى درجات الصدق، وعيناه متقدتان ووجهه الضخم قد تغير تمامًا بفضل ذلك التعبير الحاد الغريب الذي ارتبط في ذهن جيم باكتشاف جديد في مجريات القضية.

قال هانو: «هل يمكنني رؤية ما كتبته؟»

أجاب جيم بتواضع: «قد لا يكون ذا قيمة بالنسبة لك»، لكن هانو لم يقبل بذلك.

إذ قال: «من المفيد دائمًا معرفة ما يفكر فيه الآخرون، والأهم ما يراه الآخرون. ماذا قلت لك في باريس؟ آخر شيء يراه المرء هو الشيء الموجود أمامه مباشرة»؛ ثم بدأ يُطلق ضحكات خفيفة ولكنها مستمرة وبكثير من الاستمتاع، وهو ما لم يفهمه جيم. ومع ذلك، رضخ وسلم هانو المذكرة، مدفوعًا بالخجل من أنها تبدو كشيء طفولي، لكنه كان يأمل في الحصول على إجابات عن بعض هذه الأسئلة المكتوبة.

جلس هانو عند طرف الطاولة بالقرب من جيم وقرأ العناصر والأسئلة بتأنٍّ شديد، مع همهمات عرضية وتعبيرات عن الموافقة والاستحسان بين الحين والآخر، لكن بتعبيرات وجه ثابتة إلى حدٍّ كبير. كان جيم في حيرة من أمره، بين أن ينتزع الورقة من يد هانو ويمزقها، أو أن يتمعَّن بفخر كبير في عباراتها التي استحضرها. لكن شيئًا واحدًا كان واضحًا: وهو أن هانو أخذ الأمر بجدية.

جلس هانو يتأمل الورقة برهة.

ثم قال: «نعم، هذه أسئلة ومعضلات.» ثم نظر إلى فروبيشر بنظرات ودية. وأضاف: «سأقدم لك تشبيهًا. لدي صديق يصارع الثيران في إسبانيا. أخبرني صديقي هذا عن الثيران وكيف أن أولئك الذين يعتقدون أن الثور ليس ذكيًّا هم حمقى. نعم، لكن لا تقفز وتنظر إليَّ باستنكار وتخبرني كم أنا مبتذل وكم ذوقي سيئ. فأنا أعرف كل ذلك جيدًا. لكن استمع إلى صديقي مصارع الثيران! يقول إن كل ما يريده الثور، ليقتل جميع مصارعي الثيران في إسبانيا دون أن يخفق، هو القليل من الخبرة. وهو يتعلم بسرعة كبيرة. انظر! بين دخول الثور إلى الحلبة وموته، هناك ٢٠ دقيقة. ولا يجب أن يكون أكثر من ذلك، إذا كان المصارع حكيمًا. فالثور يتعلم قتال الحلبة بسرعة. وفي واقع الحال، أنا ثور عجوز خاض معارك في الحلبة مرات عديدة. وهذه هي أول مصارعة لك. لكن لم يمُرَّ من العشرين دقيقة إلا ١٠ دقائق فقط. وقد تعلمتَ الكثير بالفعل. نعم، فهذه بعض الأسئلة الذكية التي لم أتوقع منك أن تطرحها. وعندما تنقضي الدقائق العشرون، ستجيب عنها جميعًا بنفسك. في هذه الأثناء …» هنا أخذ هانو قلمًا آخر وأضاف إضافة صغيرة إلى العنصر الأول «سأنتقل بهذه خطوة إلى ما هو أبعد. انظر!»

ثم أعاد وضع المذكرة أمام عيني جيم. فقرأ جيم:

«… التطورات اللاحقة، مثل اختفاء السهم المسموم، وظهور جان كلاديل سيئ السمعة في المسألة، وقصة آن أبكوت عن زيارتها لغرفة الكنوز، والآن لغز عقد اللؤلؤ الخاص بالسيدة هارلو، و«العثور على السهم»، تشكل جميعها دعوى ظاهرة الوجاهة للتحقيق.»

فقفز جيم من مكانه بحماس.

وصاح: «أعثرت على السهم إذن؟» وهو يلقي نظرة نحو باب غرفة نوم آن أبكوت.

أجاب هانو بابتسامة: «لم أكن أنا من وجده يا صديقي.»

«هو المفوض إذن؟»

«كلا، ليس المفوض.»

«هو سكرتيره إذن؟»

ثم عاود جيم الجلوس في كرسيه.

وقال: «أنا آسف. إنه يرتدي خواتم رخيصة. ولا يروق لي.»

فانفجر هانو ضاحكًا في ابتهاج وسرور.

وقال: «هوِّن عليك! أنا أيضًا لا أحب ذلك الشاب الذي يفخرون به جميعًا. لم يعثر موريس ثيفينيه على شيء.»

فنظر جيم إلى هانو في حيرة.

وقال: «هذا لغز.»

فرك هانو يديه ببعضهما.

وقال: «أثبت لي أنك قضيت ١٠ دقائق في حلبة الثيران.»

فأجاب جيم بابتسامة: «أعتقد أنني قضيت خمس دقائق فقط. دعني أفكر! لم يُعثر على السهم عندما دخلنا هذه الغرفة لأول مرة؟»

«كلا.»

«وعُثِر عليه الآن؟»

«نعم.»

«ولم تعثر عليه أنت؟»

«كلا.»

«ولا المفوض؟»

«كلا.»

«ولا موريس ثيفينيه؟»

«كلا.»

فحدَّق به جيم وهز رأسه.

ثم قال: «لم أقضِ ولو دقيقة واحدة حتى في حلبة الثيران. أنا لا أفهم شيئًا.»

كان وجه هانو مشرقًا بالاستمتاع.

فقال: «إذَن سآخذ مذكرتك وسأكتب مرة أخرى.»

ثم وارى الورقة عن ناظري جيم فروبيشر بكفه اليسرى، بينما كان يخط بيمينه. ثم بإيماءة تعبِّر عن الانتصار، وضعها مرة أخرى أمام جيم. كان هانو قد أجاب عن السؤال الأخير بخطه الصغير المنمَّق.

وقرأ جيم:

(٤) لماذا فتش هانو كل زاوية في غرفة الكنوز عن السهم المسموم المفقود، باستثناء داخل المحفَّة؟

وتحت السؤال، كتب هانو كما لو كان جيم فروبيشر نفسه هو من يجيب:

«كان خطأ هانو أن نسي فحص المحفَّة، لكن لحسن الحظ لم ينتج عن هذا الإغفال المؤسف أي ضرر. فالحياة، ككاتب مسرحي يعصى على التقييم، قد دبَّرت أن يكون نصلُ السهم هو القلم الذي سُطرت به هذه المذكرة.»

نظر جيم إلى حامل القلم ثم أسقطه بصيحة فزع وذهول.

ها هو السهم، بعموده النحيف الشبيه بالقلم والذي يتضخَّم قليلًا حيثما تمسك به الأصابع، وسن الكتابة المثبت في الشق الصغير لساق السهم الحديدي! تذكر جيم أن سن الكتابة انفصل مرة أو نحو ذلك ونثر الحبر على الصفحة، حتى أعاد هو تثبيته بعنف.

ثم واتته فكرة مروعة. فانفغر فاه؛ وحدق في هانو بذهول.

وتمتم قائلًا: «يُهيَّأ لي أنني وضعت طرفه في فمي بينما كنت أفكر في الجُمل التي سأكتبها.»

فصاح هانو: «يا إلهي!»، ثم انتزع حامل القلم وفركه في منديله بقوة. ثم نشر المنديل على الطاولة، وأحضر عدسة مكبرة صغيرة من جيبه، وراح يفحص المنديل بعناية شديدة. ثم رفع نظره بارتياح.

وقال: «لا يوجد أدنى أثر لذلك الطين البني المحمر الذي صنع عجينة السم. لقد جرى تنظيف السهم تمامًا قبل وضعه في علبة الأقلام. أنا مسرور. إذ لا يمكنني الآن أن أتحمَّل خسارة زميلي المبتدئ.»

تنفَّس فروبيشر نفَسًا عميقًا وأشعل سيجارة، وأعطى دليلًا آخر على أنه مبتدئ تمامًا في حلبة الثيران.

فقال: «يا له من جنون أن يوضع نصل السهم في علبة أقلام مفتوحة دون أي محاولة لإخفائه، وهو الذي يسهل على أي طفل التعرف عليه بمجرد نظرة إلى رسوم الكتاب!»

بدا الأمر كما لو أن آن أبكوت كانت تدفع عنقها عمدًا نحو حلقة المقصلة.

هز هانو رأسه.

وقال: «ليس الأمر بهذا الجنون يا صديقي! القواعد القديمة هي الأفضل. إذا أخفيت شيئًا في زاوية منعزلة، فسيُعثر عليه بالتأكيد. أما إذا وضعته عشوائيًّا أمام أنظار الجميع، فلن يراه أحد. كلا، كلا! كان هذا تصرفًا ذكيًّا. أنى لأحد أن يخطر بباله أنك ستجلس وتدوِّن مذكرتك الثمينة على ورق الآنسة آن، عوضًا عن متابعتنا في بحثنا؟ ولم تدرك القلم حتى تلك اللحظة. فما الذي قد يحملك على ملاحظته؟»

لكن جيم لم يكُن مقتنعًا.

فهتف: «لقد مرَّ أسبوعان منذ مقتل السيدة هارلو، إذا كانت قد قُتلت. ما لا أفهمه هو لماذا لم يتسنَّ التخلص من السهم بالكلية!»

ردَّ هانو: «لكن حتى هذا الصباح، لم يكُن هناك أي حديث أو أي شيء بشأن السهم. كان مجرد تحفة وقطعة أثرية في مجموعة … فلماذا قد يتحمَّل المرء عناء تدميره؟ لكن في هذا الصباح، أصبح امتلاك السهم أمرًا خطيرًا. لذا وجب إخفاؤه على عجل. إذ لم تكُن ثم فسحة من الوقت. كانت مجرد ساعة كنا أنا وأنت خلالها نعجب بجبل مون بلان من أعلى برج تيراس.»

وأضاف جيم بسرعة: «وبينما كانت بيتي خارج المنزل.»

قال هانو: «نعم … هذا صحيح. لم أفكر في ذلك. يمكنك إضافة هذه النقطة يا سيد فروبيشر إلى الأسباب التي تستبعد الآنسة هارلو من قائمة المشتبه بهم. نعم.»

جلس هانو يفكر لبعض الوقت، ويتحدث بين الحين والآخر بعبارات تبدو موجهة لنفسه أكثر منها لصاحبه: «أن تصعد إلى هنا … وتفكِّك السهم … وتصقل طرفه بأفضل ما يمكن لأحدهم أن يفعل وهو في عجلة من أمره … ثم تصبغه بشيء من الورنيش … ثم تخلطه مع الأقلام الأخرى في العلبة. ليس سيئًا!» وأومأ برأسه تقديرًا للحيلة. «لكن مع ذلك، بدأت الأمور تبدو قاتمة ومنذرة بالشر لآن، تلك الفتاة الرائعة صاحبة البشرة المتورِّدة والأسلوب الظريف.»

وجذب انتباهه صوت تحريك الأثاث في غرفة النوم المجاورة. فأزال سن الكتابة من رأس السهم.

وقال بسرعة: «سنحتفظ بهذا الأمر الصغير لأنفسنا في الوقت الراهن»، ثم لف حامل القلم المرتَجَل في ورقة من أوراق الكتابة. «أنا وأنت فقط من سنعرف عنه. ولا أحد غيرنا. هذه قضيتي أنا، وليست قضية جيراردو. لن نسبب الكثير من الألم والمتاعب إلى أن نصبح واثقين.»

ثم أجاب جيم بحماس: «أوافقك الرأي. هذا صائب، أنا متأكد.»

وضع هانو رأس السهم بعناية في جيبه.

ثم قال: «وهذه أيضًا»، وأخذ مذكرة جيم فروبيشر. «ليس من الجيد الاحتفاظ بها معك، فقد تفقدها. سأحفظها في مقر الشرطة مع الأشياء الصغيرة الأخرى التي جمعتها.»

ووضع المذكرة في حافظة رسائله ونهض من كرسيه.

وقال: «ستكون بقية قصبة السهم في مكان ما في هذه الغرفة، بلا شك، وسيكون من السهل رؤيتها. لكننا لن نجد الوقت للبحث عنها، كما أن الجزء المهم منه بحوزتنا في نهاية المطاف.»

والتفت نحو رف المدفأة، إذ كانت بعض بطاقات الدعوة مثبتة في إطار المرآة، وذلك تمامًا حين فُتح الباب وخرج المفوض مع سكرتيره من غرفة النوم.

وقال السيد جيراردو بصوت حاسم: «العقد ليس في تلك الغرفة.»

وأجاب هانو بتأكيد قاطع: «ولا هنا أيضًا. هلم بنا إلى الطابق السفلي.»

كان جيم في حالة ذهول تام. لم يجرِ تفتيش هذه الغرفة على الإطلاق بحثًا عن العقد. أولًا يتجاهل المحفَّة، ثم يتجاهل غرفة الجلوس هذه. وقد تقدَّمهم هانو في طريقهم نحو الدرج حتى دون أن يلقي نظرة خلفه. لا عجب أنه وصف نفسه وإخوانه في باريس بأنهم «خدم الصدفة.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥