هانو يضحك
في أسفل الدرج، شكر هانو مفوض الشرطة على مساعدته.
فقال: «أما بالنسبة إلى العقد، فسنفتش بالطبع أمتعة كل من في المنزل. لكننا لن نجد شيئًا. يمكننا أن نكون واثقين من ذلك. لأنه إذا كان العقد قد سُرق، فقد مر وقت طويل منذ سرقته بحيث لا يمكننا أن نأمل في العثور عليه هنا.»
وأومأ باحترام كبير لجيراردو فيما يرحل من المنزل، فيما تنحى بالسيد بيكس جيم فروبيشر جانبًا قليلًا.
وقال: «كنت أفكر في أن الآنسة آن ينبغي أن تحصل على بعض المساعدة القانونية. فأنا وأنت الآن مرتبطان بمسألة الآنسة هارلو. من الصعب قول الآتي بشكل لطيف؛ لكن مصالح هاتين الشابتين قد تكون مختلفة. لذلك وعلى أي حال، لن يكون من الصائب على الإطلاق أن أقدم لها خدماتي. لكنني أستطيع أن أوصي بمحامٍ جيد جدًّا في ديجون، وهو صديق لي. فقد يكون الأمر مهمًّا كما ترى.»
وافقه فروبيشر.
قائلًا: «قد يكون الأمر كذلك بالفعل. هلا أعطيتني عنوان صديقك؟»
وبينما كان يدوِّن العنوان، أدهشه هانو بضحكة عالية مفاجئة. الغريب في الأمر أنه لم يكن هناك أي شيء يبرر ذلك. كان هانو يقف منفردًا بينهم وبين الباب الأمامي. وفي الفناء الخارجي، لم يكن أحدٌ مرئيًّا. وبداخل القاعة، كان جيم والسيد بيكس يتحدثان بجدية وبصوت منخفض. فكان هانو يضحك دون سبب، وضحكته كانت تعبر عن شعور قوي بالراحة.
وهتف بنوع من الدهشة: «أعيش كل هذه السنوات ولم ألاحظ ذلك من قبل» كأن هناك شيئًا ينبغي أن يلاحظه ولم يفعل.
سأل جيم: «ما الأمر؟»
لكن هانو لم يجب على الإطلاق. بل اندفع عائدًا عبر القاعة متجاوزًا فروبيشر ورفيقه، واختفى داخل غرفة الكنوز، وأغلق الباب خلفه وأوصده بالقفل.
رفع السيد بيكس ذقنه عاليًا.
وقال: «إن ذلك الرجل لغريب الأطوار. لن يناسب ديجون.»
وأراد جيم الدفاع عن هانو.
فأجاب بيكس: «هذا ضروري في سياق عمله. هذا صحيح. إنه يرى أمامه صفًّا من الأضواء المسرحية في أي شيء يفعله وبأي درجة من الحماس.»
وافقه السيد بيكس قائلًا: «هناك رجال مثل هؤلاء.» ومثل كل الفرنسيين، يكون الرجل هادئ البال إذا استطاع أن يصنف الشخص ضمن فئة معينة.
لكن جيم استمر في المبالغة قليلًا بشيء من الفخر: «لكنه يفعل شيئًا مهمًّا جدًّا.» شعر جيم وكأنه قضى ١٥ دقيقة في حلبة مصارعة الثيران. وأردف: «إنه يبحث عن شيء ما في مكان ما. أخبرته أنا عنه. وكان هو قد أغفله تمامًا. وبخته هذا الصباح على تردده في قبول الاقتراحات من أشخاص متحمسين لمساعدته. لكنني بالتأكيد ظلمته. إنه مستجيب تمامًا.»
كان السيد بيكس منبهرًا وغيورًا قليلًا.
فقال: «يجب أن أفكر في بعض الاقتراحات لأقدمها لهانو. نعم، نعم! ألم تعرف إنجلترا مرة عقد لؤلؤ وُضِع في علبة ثقاب وأُسقط في قنوات الصرف عندما حميت المطاردة؟ ا يساورني شكٌّ في أنني قد مررتُ على ذلك. أرى لزامًا عليَّ أن أُخطر هانو بأنه سيُضطر لقضاء يومٍ أو نحو يومٍ في التنقيب عن علب الثقاب داخل قنوات الصرف. فقد يحالفه الحظ كثيرًا في العثور على عقد السيدة هارلو. نعم، بالتأكيد.»
وكان السيد بيكس مبتهجًا جدًّا بالفكرة الرائعة التي خطرت له. فقد شعر أنه عاد إلى مستوى زميله الإنجليزي. تخيل بيكس هانو وهو يتجول في شوارع ديجون ويشرح لكل من يسأله: «هذه فكرة السيد بيكس، الكاتب العدل. كما تعلمون، السيد بيكس من ساحة إتيان دوليه.» حتى يقترب من … لكن السيد بيكس لم يحدد بالضبط قنوات الصرف التي سيكتشف فيها هانو علبة الثقاب التي تحتوي على حبات الخرز الثمينة، وذلك عندما انفتح باب المكتبة وخرجت بيتي إلى القاعة.
نظرت بيتي إلى الرجلين بدهشة.
وقالت: «وأين السيد هانو؟ لم أرَه يغادر.»
أجاب جيم: «إنه في غرفة الكنوز الخاصة بك.»
هتفت بيتي بصوت يعبر عن اهتمامها: «عاد إلى هناك!»
ثم مشت بسرعة إلى الباب وحاولت فتحه.
وصاحت بدهشة: «مقفل!» ثم قالت دون أن تلتفت: «لقد أغلق الباب على نفسه! لماذا؟»
أجاب السيد بيكس: «بسبب الأضواء المسرحية» فالتفتت إليه بيتي وراحت تنظر إليه. وأردف هو: «نعم، توصلنا إلى هذا الاستنتاج، أنا والسيد فروبيشر. ينبغي بكل ما يفعله أن يسدل الستار.» وفي تلك اللحظة، دار المفتاح في القفل مرة أخرى.
عاودت بيتي الالتفات عند سماع الصوت فوقفت في مواجهة هانو. نظر هانو من فوق كتفها إلى فروبيشر وهز رأسه بحزن.
سأل جيم: «إذن لم تجده؟»
أجاب هانو: «كلا.»
ثم حوَّل هانو نظره بعيدًا عن جيم إلى بيتي هارلو.
وقال: «وضع السيد فروبيشر فكرة في رأسي يا آنسة. لم أكن قد بحثت في تلك المحفَّة الرائعة. ربما كان العقد مخبَّأً خلف الوسائد. لكنه ليس هناك.»
فقالت بيتي ببرودة: «وقد أغلقت الباب يا سيدي. باب غرفتي، كما أريد أن أنوِّه.»
وقف هانو بكل وقار.
وأجاب: «نعم، آنسة. ثم ماذا؟»
تمهَّلت بيتي وكانت على وشك أن ترد برد حاد. لكنها لم تنطق به. بل هزت كتفيها وقالت ببرود وهي تبتعد عنه:
«لديك الحق في ذلك بلا شك يا سيدي.»
ابتسم هانو بود. لقد أساء إليها مرة أخرى. كانت تُظهِر له مرة أخرى الطفلة العنيدة التي رآها صباح اليوم السابق. لكن الابتسامة بقيت على وجهه. وفي مدخل المكتبة، كانت آن أبكوت واقفة، وجهها لا يزال شاحبًا، والنيران تستعر في عينيها.
قالت بنبرة تحدٍّ: «آمل أن تكون قد فتَّشت غرفتي يا سيدي.»
أجاب هانو: «بكل دقة يا آنسة.»
فقالت: «ولم تجد العقد؟»
أجاب: «كلا!» ثم اجتاز القاعة مشيًا نحوها وقد بدا صارمًا فجأةً.
وقال: «آنستي، أود أن تجيبي عن سؤال. لكنك لست مضطرة لذلك. أريدك أن تفهمي ذلك. لديك الحق في الاحتفاظ بإجاباتك حتى تقفي في مكتب قاضي التحقيق ثم تقدميها فقط بحضور وموافقة مستشارك القانوني. السيد بيكس سيؤكد لك ذلك.»
فضعفت روح التحدي والجموح لدى الفتاة.
وسألته: «ماذا تريد أن تسألني؟»
قال: «كيف أتيت بالضبط إلى منزل كرينيل؟»
خبت النار في عينيها؛ إذ ارتعش جفناها وهي تغلقهما. وبسطت يدها على عِضادة الباب لتسند نفسها. وفكَّر جيم ما إذا كانت قد خمنت أن رأس سهم سايمون هارلو مخبأ الآن في جيب هانو.
قالت: «كنت في مونت كارلو» ثم توقفت.
فواصل هانو بلا هوادة: «كنتِ وحدك تمامًا؟»
«نعم.»
«وبدون مال؟»
فصححت له آن: «بل كان معي القليل.»
رد هانو: «وقد خسرته.»
«نعم.»
«وتعرفت على بوريس وابرسكي في مونت كارلو؟»
«نعم.»
«وهكذا أتيت إلى منزل كرينيل؟»
«نعم.»
قال هانو بجدية: «الأمر برمته مدعاة للاستغراب يا آنسة» وتمنى جيم فروبيشر من كل قلبه: «لو أن الأمر كان مدعاة للاستغراب فقط!» لأن آن أبكوت ارتعدت أمام نظرة المحقق. بدا له أنها بعد سؤال آخر منه، سترتبك وسيتساقط من شفتيها اعتراف حقيقي. اعتراف بالتورط مع بوريس وابرسكي! ثم بعد ذلك؟ رأى جيم لمحة مرعبة عن المستقبل الذي ينتظرها. المقصلة؟ ربما مصير أسوأ من هذا بكثير. لأنه مع المقصلة سينتهي كل شيء سريعًا وستستريح. ستقضي بضعة أسابيع حادة ومؤلمة، ثم ستعاني الانتظار، تارة ستكون في نشوة من الأمل، وتارة في درك الجحيم؛ ثم تمُرُّ ببضع دقائق مرعبة عند بزوغ فجر أحد الأيام … ثم تحل النهاية! سيكون ذلك أفضل في نهاية المطاف من قضاء سنوات طويلة جدًّا بين المجرمين المدانين بالسجون في فرنسا في العمل المرهق وتناول طعام رديء وارتداء ملابس خشنة.
أشاح جيم بعينيه عنها وهو يرتجف من عدم الارتياح وأصابته صدمة صغيرة لمَّا رأى أن بيتي كانت تراقبه باهتمام غريب؛ وكأن ما أهمَّها لم يكن النازلة التي نزلت بآن بقدر ما كانت مشاعره هو حيال ذلك.
في هذه الأثناء، كانت آن قد اتخذت قرارها.
فقالت: «سأخبرك على الفور بالقليل الذي لديَّ لأقوله.» كانت الكلمات شجاعة بما يكفي، لكن الشجاعة انتهت مع انتهاء كلماتها. كانت آن قد بدأت الاستجواب بتحدٍّ واضح. وأنهته بهمس بالكاد مسموع. ومع ذلك، استطاعت أن تحكي قصتها وهي تستند على عِضادة الباب. والواقع أن صوتها أصبح أقوى مع مواصلتها الحكي، وقد ظهرت على شفتَيها وفي عينَيها لمحة ابتسامة من استمتاع حقيقي أبرزت الغمازات في خديها.
قبل ١٨ شهرًا، كانت آن تعيش مع والدتها الأرملة في دورستشير، على بعد بضعة أميال من ويماوث. كانتا تعيشان حياة صعبة. والسبب في ذلك أن السيدة أبكوت وجدت نفسها في الوضع اليائس الذي توفره إنجلترا للسيدات النبيلات. كانت مالكة لقطعة صغيرة من الأرض، تدفع عليها الكثير من الضرائب، ثم يجري تقييم ملكيتها بأكثر من ثمنها بكثير مما يُفضي إلى المزيد من الضرائب. أما آن، فقد كانت تعتبر في الحي صاحبة موهبة فنية. عند وفاة والدتها، باعت العقار لصانع بثمن بخس، وانطلقت آن بالقليل من المال والكثير من الطموح إلى لندن.
«استغرق الأمر مني عامًا كاملًا لأفهم أنني كنت وسأبقى هاوية. أحصيت نقودي. وكان لديَّ ٣٠٠ جنيه متبقية. ماذا سأفعل بها؟ لم تكن كافية لإقامة متجر خاص بي. من ناحية أخرى، كنت أكره فكرة الاعتماد على الآخرين. لذا قررت أن أقضي ١٠ أيام مليئة بالمرح والمغامرة في مونت كارلو، فإما أن أحقق ثروة، أو أخسر كل شيء.»
وهنا تراقصت عيناها بابتسامة.
وهتفت في غير ندم: «لو عاد بي الوقت، لفعلت الشيء نفسه مرة أخرى! لم أكُن قد غادرت إنجلترا في حياتي، لكنني كنت أعرف القليل من الفرنسية التي تتعلمها الفتيات في المدرسة. فاشتريت بعض الفساتين والقبعات وانطلقت. قضيت أجمل الأوقات. كنت في التاسعة عشرة من عمري. كان كل شيء يسحرني، من عربات النوم في القطار إلى مديري طاولات القمار. أقمت في أحد الفنادق الصغيرة على التل. وقد قابلت أشخاصًا كنت أعرفهم، وقدموني إلى نادي سبورتينج. أوه، كان هناك الكثير والكثير ممَّن أرادوا أن يكونوا رءوفين بحالي!»
قال هانو بجفاف: «هذا مفهوم تمامًا.»
ردَّت آن: «أوه، لكنهم كانوا لطفاء أيضًا.» وكان وجهها متوهجًا من ذكريات تلك الفترة القصيرة المبهجة: لقد نسيت تمامًا للحظة المأزق الذي كانت فيه، أو ربما كانت تتصرف بمكر لم يسبق لهانو أن رأى ما يتفوق عليه في كل خبرته مع المجرمين.
قالت: «على سبيل المثال، كان هناك موزع أوراق على طاولة الأحمر والأسود في القاعة الكبيرة لنادي سبورتينج. كنت دائمًا أحاول الجلوس بجانبه. ذلك لأنه كان يحرص على ألا يسرق أحد أموالي، كما كان يحرص، عندما أفوز، على تأميني لرهاني وعلى احتفاظي بالقليل من المكاسب من وقت لآخر. مكثت هناك خمسة أسابيع، وربحت ٤٠٠ جنيه … ثم مررت بليالٍ ثلاث مروعات خسرت فيها كل شيء غير ٣٠ جنيهًا كنت قد خبأتها في خزانة الفندق.» ثم أومأت إلى جيم عند الجانب الآخر من القاعة. «يمكن للسيد فروبيشر أن يحكي لك عن الليلة الأخيرة. ذلك لأنه جلس بجانبي وحاول أن يهديني ١٠٠٠ فرنك بطريقة لطيفة.»
لكن هانو لم ينشغل بذلك.
إذ قال: «سيخبرني لاحقًا» ثم استأنف أسئلته. «هل قابلتِ وابرسكي قبل تلك الليلة؟»
«نعم، كنت قد قابلته قبل أسبوعين. لكنني لا أتذكر من قدمني له.»
«والآنسة هارلو؟»
«قدمني السيد بوريس إلى بيتي بعد يوم أو نحو ذلك في وقت الشاي في صالة فندق باريس.»
قال هانو: «آها!» ثم نظر إلى جيم وقد هزَّ كتفه هزَّة لم تكد تُلاحَظ. لقد أصبح واضحًا أكثر فأكثر أن وابرسكي كان قد أدخل آن أبكوت إلى هذا المنزل عن عمد، كجزء من خطة مدروسة بعناية وسيجري تنفيذها في الوقت المناسب.
فسألها هانو: «متى اقترح وابرسكي عليكِ الانضمام إلى الآنسة هارلو لأول مرة؟»
أجابت آن: «في تلك الليلة الأخيرة. كان يقف مقابلًا لي على الجانب الآخر من طاولة الأحمر والأسود. وقد رأى أنني أخسر.»
فقال هانو وهو يومئ برأسه: «نعم. لقد اعتقد أن اللحظة المناسبة قد حانت.»
مدَّ هانو ذراعَيه وترك يديه تسقطان على فخذيه. كان يشبه طبيبًا يواجه حالة ميئوسًا منها. ثم التفت قليلًا إلى الجانب عن آن، وكتفاه منحنيان، وعيناه المضطربتان مثبتتان على مربعات الرخام على الأرض. ولم يسع جيم إلا أن ظن أن هانو كان في هذه اللحظة يفكر فيما إذا كان يجب عليه أن يأخذ الفتاة إلى الحجز. لكن بيتي تدخلت.
فقالت بسرعة: «تمهَّل يا سيد هانو. لا شك في أن السيد بوريس ذكر الموضوع لآن لأول مرة في تلك الليلة. لكنني كنت قد أخبرت عمتي والسيد بوريس بالفعل أنني أود أن أعيش مع صديقة في عمري، وكنت قد ذكرت آن.»
نظر هانو إليها بتشكك.
وقال: «بعد معرفة قصيرة جدًّا بهذا الشكل يا آنسة؟»
لكن بيتي تمسكت بموقفها.
«نعم. لقد راقت لي كثيرًا منذ البداية. كانت وحيدة. وكان واضحًا أنها تنتمي إلى عالمنا. كانت هناك كل الأسباب القوية التي تجعلني أرغب في رفقتها. والأشهر الأربعة التي قضتها معي أثبتت لي أنني كنت على حق.»
ثم اجتازت الغرفة نحو آن بإيماءة صغيرة من التحدي تجاه هانو، الذي رد بابتسامة ودية وتحول إلى الحديث بالإنجليزية.
فقال: «يمكنني إذن التغاضي عن هذا، كما يقول صديقي العزيز ريكاردو. أهذا ما ترمين إليه؟ حسنًا، العالم كله يقف عاجزًا أمام الموالاة والإخلاص.» ثم انحنى لها انحناءة ودية. لم يكُن بإمكانه أن يخبر بيتي بعبارة أوضح أن تدخلها قد منع اعتقال آن؛ أو أن يخبر آن نفسها أنه يعتقد أنها مذنبة.
كل مَن كان في القاعة قد فهمه في هذا الصدد. وقد وقفوا بسفاهة يقلبون أنظارهم هنا وهناك ولا يعرفون أين ينظرون؛ وفي خضم انزعاجهم، وقع شيء طفيف وغير لائق أضاف إلى الموقف لمسة من الغرابة. صعدت فتاة ما الدرجتين إلى الباب المفتوح وهي تحمل صندوقًا كبيرًا مستطيلًا من الورق المقوى خاص ببائعة القبعات. كان إصبعها على الجرس عندما تقدم هانو.
قال: «لا حاجة للجرس. ماذا لديكِ هنا؟»
دخلت الفتاة إلى القاعة ونظرت إلى آن.
وقالت: «هذا فستان الآنسة للحفل الراقص ليلة الغد. كان من المفترض أن تعرج الآنسة لتجربته تجربة أخيرة لكنها لم تأتِ. لكن سيدتي جرولين تعتقد أنه سيكون على ما يرام.» ثم وضعت الصندوق على صندوق جانبي في الغرفة وخرجت مرة أخرى.
قالت آن: «كنت قد نسيت أمره تمامًا. لقد طلبناه قبل وفاة سيدتي ولم نجربه سوى مرة واحدة.»
أومأ هانو.
وقال: «هذا من أجل حفل السيدة لو فاي التنكرية، بلا شك. لاحظت بطاقة الدعوة على رف المدفأة في غرفة جلوس الآنسة. وبأي شخصية كانت الآنسة تنوي الذهاب؟»
فاجأت آن الجميع. إذ رفعت رأسها بينما اندفعت الدماء إلى وجنتيها وعيناها تلمعان.
وقالت: «ليس بشخصية السيدة دي برانفيلييه على أي حال يا سيدي.»
حتى هانو أُخِذ بردها.
ثم قال ببرود: «لم أقترح ذلك. لكن دعيني ألقي نظرة!» وفي لحظة، وبينما كان وجهه محمرًّا من الغضب، كانت يداه تعملان بسرعة على فك أربطة الصندوق المعبَّأ فيه الفستان.
فتقدمت بيتي.
وقالت: «ناقشنا هذا الفستان الصغير معًا يا سيدي منذ أكثر من شهر. من المفترض أن يمثل زنابق الماء.»
فقال هانو: «كم سيكون ساحرًا!» لكن أصابعه لم تتوقف عن العمل.
تساءل جيم فروبيشر: «هل يمكن أن يفضح الشك نفسه بوحشية أكبر؟» ماذا كان يتوقع أن يجد في ذلك الصندوق؟ هل كان يتخيل أن السيدة جرولين، بائعة القبعات تلك، متواطئة مع وابرسكي أيضًا؟ كان الحادث هزليًّا وتشوبه الفظاعة. رفع هانو الغطاء وقلب ورق التغليف. فظهر من تحته ثوب قصير من قماش الكريب دو شين بلون أخضر ناعم وحزام ذهبي ووردة ذهبية كبيرة على جانبه. وكانت التنورة مبطنة لتبرز عند منطقة الوركين، ومحاطة بصف من الورود البيضاء من الساتان وبها قلوب ذهبية. ولاستكمال الفستان، كان هناك زوج من الجوارب الحريرية البيضاء مزخرف بزخارف ذهبية رقيقة، وأحذية بيضاء من الساتان بأشرطة فردية تمر عبر مشط القدم وأهداب صغيرة متألِّقة تتدلى من حيث تزرر الأشرطة، وأربعة خطوط ذهبية في الخلف حول الكعبين.
تحسس هانو الجزء تحت الفستان وحوله من جوانبه، ثم أعاد الغطاء وانتصب مرة أخرى. لم ينظر إلى آن أبكوت أبدًا. لكنه توجه مباشرة إلى بيتي هارلو.
وقال بمشاعر عميقة: «أنا آسف جدًّا يا آنستي لأنني تسببت في إزعاجك كثيرًا وشغلت الكثير من ساعات يومك.» ثم انحنى لها انحناءة مهذبة، واعتمر قبعته وأخذ عصاه من على الطاولة التي كان قد وضعها عليها، وتوجه مباشرة إلى باب الغرفة. بدا أن عمله في منزل كرينيل قد انتهى.
لكن السيد بيكس لم يكُن راضيًا. كان يحتفظ باقتراحه منذ ما يقرب من نصف ساعة. وكان هذا الاقتراح يقتضي التعبير عنه، وكأنه قصيدة.
فنادى: «سيد هانو! سيد هانو! يجب أن أخبرك عن علبة ثقاب.»
أجاب هانو وقد وقف مستنفرًا: «آها! علبة ثقاب! سأصحبك مشيًا إلى مكتبك، وستخبرني بينما نسير.»
أسرع السيد بيكس في اعتمار قبعته وعصاه. لكن كان لديه وقت لإلقاء نظرة فخر إلى زميله الإنجليزي. وقال: «اقتراحك عن غرفة الكنوز لم يكُن ذا قيمة، يا صديقي. دعنا نرى ماذا يمكنني أن أصنع!» وكانت نظرة الفخر وحركة اليد في الهواء تعبِّر عما لم تعبر عنه الكلمات. وفي لحظة كان السيد بيكس بجانب هانو، وأخذ يتحدث بطلاقة بينما كانا يخرجان من البوابة إلى شارع تشارلز روبرت.
التفتت بيتي إلى جيم فروبيشر.
وقالت: «والآن بعد أن سُمح لي باستخدام سيارتي، سآخذك غدًا في جولة وأريك شيئًا من منطقتنا. أما ظهيرة اليوم، فعليَّ أن أكون مع آن … أنا أعلم أنك ستتفهم هذا.»
أخذت بيتي آن أبكوت من ذراعها وخرجت الفتاتان إلى الحديقة. بقي جيم وحده في الغرفة … كما أراد في تلك اللحظة. كان المكان الآن في غاية الهدوء والصمت. وكان تغريد الطيور وطنين النحل خارج الأبواب المفتوحة من معيَّة الصمت لا قاطعين له. وقف جيم حيث كان هانو يقف في تلك اللحظة التي ضحك فيها بشكل غريب؛ في منتصف المسافة بين أسفل الدرج حيث كان هو والسيد بيكس يقفان، والباب الأمامي مفتوحًا. لكن جيم لم يستطِع اكتشاف أي شيء يستدعي الضحك. لقد هتف هانو: «عشت كل هذه السنوات ولم ألاحظ ذلك من قبل!» لم يلاحظ ماذا؟ لم يكن هناك شيء ليلاحظه. طاولة، كرسي أو اثنان، بارومتر معلق على الحائط على أحد الجوانب ومرآة على الحائط على الجانب الآخر؛ كلا، لم يكُن هناك شيء. فكر جيم بالطبع أن هانو ربما كان يجرب خدعة. ربما كان كل ذلك المشهد الصغير من تدبيره وكيده، فقط لإزعاجه وإثارة قلقه هو والسيد بيكس. كان هانو قادرًا جدًّا على الإتيان بخدعة كهذه! كانت هذه حيلة بالفعل! هو يتسم بالاحتيال. ربما كان هانو محتالًا. بل ربما هو محتال خبيث!
هتف جيم: «أوه، تبًّا لهذا الرجل! ماذا لاحظ بحق السماء؟ ماذا لاحظ من أعلى البرج؟ ماذا لاحظ في هذه الغرفة؟ لماذا دائمًا ما يلاحظ شيئًا؟» ثم اعتمر قبعته ضاغطًا عليها بغضب، وخرج من المنزل.