صرخة استغاثة
شرع السيد هاسلت يقول: «كان سايمون هارلو مالكًا لكرمة كلو دو برنس الشهيرة في إقليم كوت دور شرق ديجون. كان يملك عقارًا في نورفولك، بيتًا كبيرًا يحمل اسم منزل كرينيل في ديجون، وفيلَّا في مونت كارلو. لكنه أمضى معظم وقته في ديجون، حيث تزوَّج وهو في سن الخامسة والأربعين من سيدة فرنسية، اسمها جين ماري رافيار. أظنُّ أن مسألة زواجهما كانت تنطوي على قدر من الرومانسية. كانت جين ماري مُتزوِّجة ومنفصلة عن زوجها، وقد انتظر سايمون هارلو مدة ١٠ سنوات على ما أعتقد حتى مات زوج رافيار.»
انتفض جيم فروبيشر على نحو مفاجئ، فرفع السيد هاسلت نظره لأعلى؛ إذ بدا وكأنه كان يقرأ هذه الأحداث في النمط المرسوم على السجادة.
وقال ردًّا على حركة جيم: «نعم، أفهم ما تعنيه. نعم، ربما كان هناك علاقة غرامية من نوع ما بينهما قبل أن يُتاح لهما الزواج. لكن في أيامنا هذه يا عزيزي جيم! أصبحت الأحكام مصبوغة بنظرة أكثر إنسانية مما كانت عليه في شبابي. بالإضافة إلى ذلك، ألا ترى أنه في سبيل أن يكون لهذا السر الصغير أي قيمة لدى بوريس وابرسكي، ينبغي أن يكون له علاقة ببيتي هارلو بما فيه الكفاية؛ لا أقول ليصبح ذا تأثير عليها إذا ما ذاع بين الناس، ولكن بالقدر الذي يكفي لجعل وابرسكي يعتقد أنها ستكره أن يشيع. والآن، لا تظهر بيتي هارلو في الصورة على الإطلاق إلا بعد سنتين من زواج سايمون وجين ماري، عندما أصبح واضحًا أن مسألة إنجابهما مستبعدة. كلا، مسألة علاقات سايمون هارلو العاطفية طفيفة بما يكفي لننحيها جانبًا.»
تقبَّل جيم فروبيشر تقويض فكرته باحمرار وجهه خجلًا.
وقال: «كنت أحمقَ لأنني فكرت في ذلك.»
فأجابه السيد هاسلت بمرح: «لا بأس. دعنا ننظر في كل الاحتمالات. هذه هي الطريقة الوحيدة التي ستساعدنا في الحصول على لمحة عن الحقيقة. أعود لأُكمِل إذَن. كان سايمون هارلو من هواة جمع المقتنيات. نعم، كان لديه شغف شديد بجمعها. كانت غرفة المعيشة الوحيدة في منزل كرينيل تحوي ثروة حقيقية، فلم تكُن تحتوي فقط على الأشياء الجميلة، ولكن أيضًا على أشياء غريبة. كان يحبُّ أن يعيش ويمارس عمله بين تلك الأشياء. لكن حياته الزوجية لم تدُم طويلًا. إذ تُوفي قبل خمس سنوات في سن ٥١ عامًا.»
عادت عيون السيد هاسلت مرة أخرى للبحث عن الذكرى بين تجاعيد السجادة.
«هذا حقًّا هو كل ما أعرفه عنه. كان رجلًا لطيفًا بما فيه الكفاية، ولكنه لم يكُن اجتماعيًّا كثيرًا. كلا، يؤسفني القول إنه ما من شيء يمكن أن يهدينا إلى ضالتنا.»
ثم حوَّل السيد هاسلت أفكاره إلى الأرملة.
فقال: «جين ماري هارلو. غريب أنني لا أعرف عنها إلا القليل، هذا ما يبدو لي الآن. لكن هذا الأمر طبيعي أيضًا. فقد باعت منزل نورفولك ومنذ ذلك الحين وهي تمضي كل وقتها بين مونت كارلو وديجون و— أوه، نعم — ثمة بيت صيفي صغير في كوت دور وسط الكروم.»
سأل فروبيشر: «تركها زوجها ثرية، على ما أظن.»
أجاب السيد هاسلت: «ميسورة الحال كثيرًا، على أي حال. كان لنبيذ كلو دو برنس سمعة طيبة، ولكنه لم يكُن ذائع الصيت كثيرًا.»
«هل زارت إنجلترا من قبل؟»
قال السيد هاسلت: «لم تفعل أبدًا. كانت قانعة بديجون على ما يبدو، رغم أن المدن الفرنسية الإقليمية الصغيرة في نظري مملة بما يكفي لتجعل المرء يصرخ. ومع ذلك، اعتادت الأمر، وبعدها بدأ قلبها يتعبها، فكانت مريضة على مدى العامين المنقضيين. ليس ثمة شيء يمكن أن يساعدنا في هذا أيضًا.» ثم نظر السيد هاسلت إلى جيم طلبًا لتأكيده.
فقال جيم: «لا أجد شيئًا.»
«إذَن لا يتبقى لنا إلا الصبية بيتي هارلو و… أوه، نعم، مراسلتك أيضًا، مراسلتك غزيرة الكتابة، آن أبكوت. من هي يا جيم؟ من أين جاءت؟ كيف وجدت نفسها في منزل كرينيل؟ هيا، اعترف لي أيها الشاب» ونظر السيد هاسلت بدهاء إلى شريكه الأصغر. «لماذا يتوقع بوريس وابرسكي دعمًا منها؟»
باعد جيم فروبيشر بين ذراعَيه.
وقال: «ليس لديَّ فكرة. لم أرَها أبدًا. ولم أسمع عنها أبدًا. ولم أعرف بوجودها حتى جاءت تلك الرسالة هذا الصباح المنتهية بتوقيع باسمها.»
نهض السيد هاسلت. وسار في الغرفة نحو طاولته ووضع نظارته القابلة للطي على أنفه، ثم انحنى على الرسالة.
وقال معارضًا: «لكنها تكتب لك بصفة شخصية يا جيم. تقول: «عزيزي السيد فروبيشر». هي لا توجه حديثها إلى الشركة على الإطلاق»، ثم سكت برهة وهو ينظر إلى جيم، يتوقع منه أن يسحب هذا الإنكار.
ومع ذلك، لم يكُن من جيم إلا أن هزَّ رأسه.
وأجابه: «هذا أغرب شيء. لا يمكنني أن أفهم تصرفها هذا بأي حال»، فلم يعُد لدى السيد هاسلت بعد ذلك شك في أنه يتحدَّث بصدق، فالشاب كان مرتبكًا تمامًا ويتحدَّث بكل صراحة. أردف جيم: «لماذا تكتب آن أبكوت لي شخصيًّا؟ كنت أطرح على نفسي هذا السؤال طَوال النصف ساعة الماضية. ولماذا لم تراسلك بيتي هارلو مباشرة، فأنت القائم على شئونها؟»
«آه!»
هذا السؤال الأخير ساعد السيد هاسلت في الوصول إلى تفسير. وقد ارتسم على وجهه تعبير أكثر حيوية.
«تكمن الإجابة على ذلك في رسالة وابرسكي الثانية. بيتي تستهزئ بالمتاعب التي سيتسبَّب بها. هي لا تأخذ التهمة على محمل الجد. لا شك أنها تركت الأمر لكاتب العدل الفرنسي ليتصرف بشأنه. نعم … أعتقد أن هذا يجعل خطاب آن أبكوت إليك مفهومًا أيضًا. من شأن الرسميات القانونية في بلد أجنبي أن تخيف الغريب عنها — كما هي حال هذه الفتاة على ما يبدو — أكثر مما ستخيف بيتي هارلو التي عاشت فيها طَوال أربع سنوات. لذا فهي تراسل الاسم الأول في عنوان الشركة، وتكتب له كرجل. هذا هو التفسير يا جيم»، وأخذ العجوز يفرك يديه وهو يشعر بالارتياح.
«فتاة في حالة من الرعب لن تشعر بأي ارتياح في الكتابة إلى كيان مجرد. فهي تود أن تكون على تواصل مع شخص حقيقي. لذا تكتب، «عزيزي السيد فروبيشر». هذا هو الأمر! يمكنك أن تثق بكلمتي.»
ثم سار السيد هاسلت عائدًا إلى كرسيه. لكنه لم يجلس فيه؛ بل وقف ويداه في جيبيه، ينظر من النافذة من فوق رأس فروبيشر.
وقال بأسًى: «لكن هذا لا يقربنا من معرفة البطاقة القوية التي بيد بوريس وابرسكي، أليس كذلك؟ ليس لدينا أي فكرة عنها أو دليل عليها.»
في واقع الأمر وبالنسبة إلى كلا الرجلَين، بدا السرد الرتيب والمُبهَم من السيد هاسلت للحقائق — دون تقديم لمحة عن شخصيات أي من المشاركين في هذه الدراما الصغيرة — غير مفيد إلى حدٍّ كبير. ومع ذلك، كان يحوي الحقيقة كلها؛ ليس فقط حقيقة الخطوة التي أقدم عليها وابرسكي، ولكن أيضًا حقيقة كل الأهوال والألغاز الغريبة التي كان الأصغر سنًّا بين الرجلين الآن على وشك الغوص فيها. سيدرك جيم فروبيشر ذلك عندما يستأنف عمله في المكتب وقد أصابته الصدمة واهتز من أعماقه. ذلك أن هذا السرد قد انقطع الآن.
كان السيد هاسلت يطلُّ من النافذة فوق رأس شريكه حين رأى صبي توصيل البرقيات آتيًا عَبْر الميدان وهو يسير مُتمهِّلًا في الطريق أسفل منهما.
فقال: «أتوقَّع أن هذه برقية لنا» بترقُّب مُفعَم بالأمل، كترقُّب من هم في متاعب وينتظرون حدوث شيء من الخارج يُعدِّل أوضاعهم.
التفت جيم بسرعة. كان الصبي لا يزال على الرصيف يفحص أرقام المنازل.
فقال جيم بشيء من نفاد الصبر: «ينبغي أن نُعلِّق لوحة نحاسية على الباب»؛ فاندهش السيد هاسلت حتى إن حاجبيه ارتفعا كثيرًا على جبهته نحو شعره الأبيض الكثيف. كان الرجل مضطربًا حقًّا بسبب حادثة وابرسكي، ولكن سماعه لهذا الاقتراح من شريكه في الشركة، جعله مصدومًا كما لو أن أحدًا انتهك حرمته.
وقال معاتبًا: «أيها الشاب العزيز، ما الذي تُفكِّر فيه؟ آمل ألا أكون من أولئك الأشخاص العنيدين العجزة الذين يرفضون مواكبة العصر. قمنا في الآونة الأخيرة كما تعلم بتركيب جهاز هاتف في مكتب صغار الموظفين. أعتقد أنني أنا مَن اقترح ذلك. لكن تعليق لوحة نحاسية على الباب! بربك يا عزيزي جيم! دعنا نترك ذلك لشارع هارلي وساوثهامبتون رو! أرى أن هذه البرقية لنا بالفعل.»
كان صبي التوصيل ذو القبعة الأشبه بالقبعات العسكرية والحبل الأحمر على زيه الرسمي قد اتخذ قراره واختفى في الردهة أدنى منهما. أُحضرت البرقية إلى الطابق العلوي ففتحها السيد هاسلت. وحدَّق فيها تحديقًا بلا تعبير لبضع ثوانٍ، ودون أن ينطق بكلمة، ولكن بنظرة من عينيه تنم عن قلق شديد، أعطاها لجيم فروبيشر.
قرأ جيم فروبيشر:
من فضلكم، أرجوكم، أرسلوا شخصًا لمساعدتي على الفور. استدعى مأمور الشرطة هانو، المحقق الكبير في المباحث الجنائية في باريس. لا بد أنهم يعتقدون أنني مذنبة. – بيتي هارلو.
ارتجفت أصابع جيم فسقطت البرقية إلى الأرض. كانت البرقية كصرخة استغاثة في الليل آتية من مسافة بعيدة.
فقال: «يجب أن أذهب يا سيدي على متن القارب الليلي.»
ردَّ السيد هاسلت «بالتأكيد!» وهو شارد قليلًا.
ومع ذلك، كان جيم مفعمًا بحماسة تكفيهما كليهما. فقد اشتعلت جذوة شهامته بالصورة التي رسمها خياله؛ كما هو حال الرجال المنعزلين. الفتاة الصغيرة، بيتي هارلو! كم عمرها؟ ٢١ عامًا! بالتمام والكمال. كانت تعيش حياتها بفخر وبلا مبالاة بجنسها وحيوية شبابها، حتى وجدت قدميها فجأةً عالقتين في فخ نصبه خائن، فنظرت حولها؛ فدبَّ فيها الرعب وأطلقت صرخة استغاثة محمومة.
قال جيم: «الفتيات لا يلاحظن أبدًا إشارات الخطر. كلا، بل يمشين غافلات إلى قلب الكارثة.» مَن يستطيع أن يعرف حلقات الأدلة الكاذبة والخبيثة التي كان بوريس وابرسكي يعدُّها في الظلام، ليغلَّ بها معصمها وكاحلها بسرعة وفي اللحظة المناسبة؟ ومع هذا السؤال أصيب جيم بإحباط كبير.
إذ قال بأسًى: «نحن في هذه الشركة لا نعرف سوى القليل عن الإجراءات الجنائية، حتى التي تتعلَّق ببلدنا.»
فقال السيد هاسلت «لحسن الحظ» بشيء من المرارة. بالنسبة له، كانت الشركة هي الأهم أولًا وآخِرًا. إذ لم تذهب شركة فروبيشر آند هاسلت أبدًا إلى المحاكم الجنائية. فالتقاضي كان محل استنكار، حتى ولو كان من النوع الأسلم. كان ثمة طاقم خاص وصغير ليؤدي هذا النوع من العمل، يعمل تحت قيادة موظف إداري قديم وموقعهم في الشركة في الطابق العلوي وكأنهم أقارب غير لائقين في منزل لعائلة كبيرة. كان هذا الطاقم يؤدي أعمال المحاماة الجنائية لصالح العملاء الذين يأتون في قضايا الميراث، وكانوا يؤدونه بعد ذلك كمعروف مُسدًى من الشركة.
ثم قال السيد هاسلت عندما لاحظ ما بشريكه من انزعاج: «مع ذلك، ليس لديَّ شك يا بنيَّ أنك ستكون على قدر ما يتطلَّب الأمر. ولكن تذكر، ثمة شيء خفي في هذه المسألة لا نعرفه.»
غيَّر جيم موقفه بشكل مفاجئ. كانت جملة الرجل العجوز هذه قد أصبحت إطنابًا؛ مجرد عبارة أو صيغة. كان جيم يفكِّر في الفتاة في ديجون ويسمع صرختها الحزينة طلبًا للنجدة. لم تعُد «جريئة» الآن.
وشدَّد السيد هاسلت قائلًا: «إنها مسألة منطق بديهي. إليك مقارنة. ما كان باث، على سبيل المثال، ليستدعي تدخل شرطة سكوتلانديارد في قضية من هذا النوع. لا بد أن هناك يقينًا بوجود جريمة أولًا، ثم شكًّا كبيرًا بشأن هوية الجاني. وهذه الحالة يحددها التشريح والأطباء. فإذا استدعوا هذا الرجل المدعو هانو …» ثم توقف.
والتقط البرقية من الأرض وقرأها مرة أخرى.
ثم كرَّر: «أجل … هانو»، وكان وجهه يكفهرُّ ويشرق ويكفهرُّ مرة أخرى كرجل يطارد ذكرى لكنها ما تنفك تراوغه. في نهاية المطاف تخلى عن المطاردة. «من الأفضل يا جيم أن تأخذ الرسالتين اللتين أرسلهما وابرسكي، ورسالة آن أبكوت الطويلة جدًّا، وبرقية بيتي …» وقد جمعها معًا في مظروف طويل وأغلقه «… وأتوقَّع أن تعود من جديد بوجه مُبتسم في غضون أيام قليلة. أودُّ أن أرى بوريس هذا عندما يُطلب منه تفسير لتلك الرسائل.»
وأعطى السيد هاسلت الظرف لجيم ودقَّ الجرس.
ثم قال للموظف الذي أجاب عليه: «أعتقد أن هناك شخصًا ينتظر مقابلتي.»
ذكر الموظف اسم أحد ملَّاك الأراضي الكبار، كان الرجل قد ضاق ذرعًا من الانتظار طَوال النصف ساعة الأخيرة في غرفة انتظار مغبرة يرافقه فيها بعض الكتب القانونية القديمة العفِنة في صندوق زجاجي قديم.
قال السيد هاسلت: «يمكنك أن تُدخله الآن» بينما انسحب جيم إلى مكتبه الخاص. وعندما دخل مالك الأرض الكبير، رحَّب به بنبرة لا تخلو من اللوم.
قال: «لم تحدد موعدًا مُسبقًا، أليس كذلك؟»
ولكن طوال تلك المقابلة، وعلى الرغم من أن المشورة التي قدَّمها كانت المَشورة الدقيقة والواضحة التي تشتهر بها الشركة، كان عقل السيد هاسلت لا يزال يلعب لعبة الغميضة مع تلك الذكرى، فيلتقط لمحة من لمحاتها سرعان ما تخفت وتزول.
فقال في نفسه: «الذكريات كالنساء، سيأتينك من تلقاء أنفسهن إنْ أنت لم تطاردهن.»
لكن حاله مع النساء كانت كما يشيع بين الرجال: لم يسَعه سوى أن يطاردها. لكن قرب نهاية المقابلة، تحرك كتفاه ورأسه قليلًا، وكتب كلمة على قطعة من الورق. وبمجرد أن غادر عميله، كتب رسالة قصيرة وأرسلها مع رسول كان لديه أوامر بانتظار أن يحصل على رد. وقد عاد الرسول في غضون الساعة، وأسرع السيد هاسلت إلى مكتب جيم فروبيشر.
كان جيم قد انتهى للتوِّ من تسليم شئونه لموظفين مختلفين وكان يقفل أدراج مكتبه.
«جيم، تذكرت أين سمعت اسم هذا الرجل هانو من قبل. أتذكَّر مقابلتك يوليوس ريكاردو؟ إنه أحد عملائنا.»
قال فروبيشر: «نعم. أذكره … إنه شخص نيِّق بشكل مُفرِط في ميدان جروفينور سكوير.»
«هذا هو الرجل، صحيح. هو صديق لهانو ويفخر بتلك الصداقة بطريقة حمقاء. كان هو وهانو متورِّطَين بكيفية ما في جريمة فاضحة قبل بعض الوقت … في بلدة إيكس ليبان، بحسب ما أعتقد. في الواقع، سيعطيك ريكاردو خطاب تعريف إليه، وسيخبرك بشيء عنه، إذا ذهبت إلى ميدان جروفينور سكوير في الساعة الخامسة بعد الظهر.»
فقال جيم فروبيشر: «رائع!»
التزم فروبيشر بموعده مع ريكاردو، وهناك أُوعِز إليه أن يتوقَّع أن يشعر بالروع في لحظة، وأن يتعرَّض لهجوم في اللحظة التالية، وأن يتعرَّض للسخرية في أخرى، وأن يُتعامَل معه بكثير من الاحترام والصداقة في غيرها. ولم يعبأ جيم كثيرًا بحماس السيد ريكاردو، لكنه حصل على خطاب التعريف وعبَر القناة في تلك الليلة. وخلال الرحلة تراءى له أن هانو لن يكون مُتفرِّغًا بما يكفي ليحزم أمتعته ويتجه إلى الأقاليم إنْ كان رجلًا ذا مكانة عالية، حتى ولو كان ذلك بناءً على دعوة عاجلة. لذا، أوقف جيم رحلته في باريس، وفي ساعات الصباح اتخذ طريقه إلى مديرية البحث الجنائي عند منطقة رصيف الساعة خلف دار القضاء مباشرةً.
سأل جيم بحماس «السيد هانو؟» فأخذ البواب بطاقته ورسالته التعريفية. فكر بارتياح أن الرجل العظيم كان لا يزال في باريس إذَن. وجاء أحدهم وقاده في ممر طويل مُظلِم، مضاء بمصابيح كهربائية مُدوَّرة، حتى في ذلك الصباح المشرق من أوائل الصيف. وهناك، احتكَّ بالجناة والجنود وانتظر مدة نصف ساعة بينما تتلاشى ثقته في نفسه. ثم رنَّ جرس وجاءه شرطي في زي مَدَني. وكان أحد جانبَي الممر يحتوي على صف من الأبواب.
قال الشرطي: «هذا لك، سيدي» وقاد فروبيشر إلى أحد الأبواب وفتحه، وتنحَّى جانبًا. عدَّل فروبيشر كتفَيه فأقامهما ثم دخل.