حقيقة الساعة على الخزانة المطعمة
مما أصاب الجميع بالدهشة أن مورو بدأ يضحك. ظلَّ حتى هذه الساعة، ذكيًّا، ماهرًا، قليل الكلام، الجمود رداؤه. والآن، انفجر ضاحكًا بانتفاضات متتالية، يشد خصره، ثم يفرك يديه، كأنما طغيان دعابة الموقف وسخريته قد تجاوزا قدرته على التحمل. وقد حاول مرارًا أن يتكلم، لكن الضحك كان يبتلع كلماته.
سأله هانو باندهاش: «ما الذي دهاك بحق السماء يا نيكولا؟»
أجابه مورو متلجلجًا، وهو يلهث من الضحك: «أستميحك عذرًا» ثم استبد به الضحك من جديد. وأخيرًا فهموا كلمتين من بين قهقهته: «أنا، جيراردو!» كان قد قالهما وهو يداعب أنفه كمَن يعدل نظارة وهمية، ثم دخل في نوبة أخرى من الضحك. وشيئًا فشيئًا بيَّن لهم أسباب نوبات الضحك هذه بجُمَل متقطعة.
«أنا، وجيراردو! نحن من نختم الأبواب بالشمع … كل ذلك الوقت، وهناك ممر للدخول والخروج تحت أعيننا تمامًا! لا ينبغي الاقتراب من هذه الغرف … كلا! فالمفتش الكبير السيد هانو قادم من باريس ليتفحصها. لذا سنغلقها بالختم ونُحكِم إغلاقها يا جيراردو. يا إلهي! ما أشد سذاجتنا، أنا وجيراردو! فمع كل تحفظنا وغرورنا وأربطتنا القماشية! سنُصبح أضحوكةً تُروى في محكمة الجنايات! نعم، نعم، نعم! أظن أنني وجيراردو سنتقدم باستقالتنا قبل أن تنتهي المحاكمة!»
ربما كانت فُكاهة مورو مهنية أكثر من اللازم بالنسبة إلى مستمعيه. وربما كانت وقائع تلك الليلة قد عطَّلت إدراكهم؛ إذ لم يشاركه الضحك أحد. وجد جيم فروبيشر نفسه يعود بنظره إلى ساعة لوي الخامس عشر الصغيرة فوق الخزانة المطعمة. لم تغِب عن باله ولو للحظة. كان مصير بيتي هارلو كله متعلقًا بوجود تلك الساعة. مهما تكن الكلمات الطائشة التي استخدمتها الليلة، فإن شهادة الساعة الدامغة تبرئها من أي ضلوع في جريمة قتل السيدة هارلو. وأخرج جيم ساعته من جيبه وقارنها بالساعة على الخزانة.
قال بنبرة شابها شيء من الظفر: «إنها مضبوطة بدقة! الساعة الآن الواحدة وثلاث وعشرون دقيقة …» وفجأةً ظهر هانو إلى جانبه وهو منتبه على نحو يثير الفضول.
وسأله: «أحقًّا؟» وتحقق بنفسه بأن طابق الوقت بينها وبين ساعته. «نعم، الساعة الواحدة وثلاث وعشرون دقيقة. هذا طالع ميمون.»
ثم نادى آن أبكوت ومورو ليأتياه، وتجمعوا حول الخزانة.
وعلق قائلًا: «مفتاح لغز هذه الساعة يكمن في الكلمات التي تفوهت بها الآنسة آن، حين رُفعت الأختام عن الأبواب، وعاودت رؤية الساعة في وضح النهار. كنتِ مشوشة، أليس كذلك يا آنسة؟»
ردت آن: «نعم، بدا لي … ولا يزال يبدو لي إلى الآن … أن الساعة موضوعة في موضع أعلى مما هي عليه بالفعل …»
فقال هانو: «بالضبط. لنختبر الأمر!»
ثم نظر إلى الساعة، فإذا بها تشير إلى الواحدة وست وعشرين دقيقة.
«أطلب منكم جميعًا أن تغادروا الغرفة وتنتظروا في الرواق في الظلام. ذلك لأن الآنسة آن نزلت السلالم، كما تذكرون، في الظلام. سأطفئ الأنوار هنا ثم أناديكم. وعندها يا آنسة آن، ستشعلين النور ثم تطفئينه بسرعة، كما فعلتِ في ليلة السابع والعشرين من أبريل. أظن أن كل شيء سيتضح لكم حينها.»
واجتاز الغرفة نحو الباب المؤدي إلى الرواق ووجده مغلقًا، والمفتاح فيه من الداخل.
قال: «بالطبع، حين يُستخدم الممر المؤدي إلى منزل بروبيزار، يكون هذا الباب مغلقًا.»
وأدار المفتاح، وسحب الباب نحوه. كان الرواق أمامهم مظلمًا وساكنًا. فوقف هانو جانبًا.
وقال: «تفضلوا!»
خرج مورو وفروبيشر؛ أما آن أبكوت فترددت، وألقت نظرة استعطاف نحو هانو. لقد حان وقت تبديد حيرتها. ولم يكن لديها شك في ذلك. هذا الرجل أنقذها من الموت حين بدا أن لا شيء قادر على إنقاذها. ثقتها فيه كانت مطلقة. لكن حيرتها لم تكن هي الأهم. كانت ضربةٌ ما على وشك أن تُسدَّد إلى بيتي هارلو؛ ضربةٌ لن تُفيق منها. ولم تكن آن أبكوت تكره بيتي لأطباعها وشيمها. وجفلت لما فكرت أنها هي من ستوجه تلك الضربة لها.
«تشجعي، آنسة!»
شجعها هانو بابتسامة ودودة، فانضمت إلى الآخرين في الرواق المظلم. وأغلق هانو الباب خلفهم، وعاد إلى الساعة. كانت تشير إلى الواحدة وثمانية وعشرين دقيقة.
فقال لنفسه: «أمامي دقيقتان، وهذا يكفيني إن أسرعت.»
في الخارج، وقف الشهود الثلاثة ينتظرون في الظلام. وفجأة، ارتعشت آن حتى اصطكت أسنانها.
فهمس لها جيم فروبيشر: «آن» ووضع ذراعه في ذراعها. كانت آن أبكوت قد بلغت حدود قدرتها على الاحتمال. فأمسكت بيده بقوة.
وقالت بصوت خافت: «جيم! لقد كنت قاسيًا عليَّ!»
فجاءهم صوت هانو يناديهم من داخل الغرفة.
«ادخلوا!»
تقدمت آن، ومدت يدها تتحسس المقبض حتى وجدته. وفتحت الباب بعصبية. كانت غرفة الكنز غارقة في الظلام مثل الرواق. دخلت آن إلى داخل الغرفة، وبحثت أناملها عن المفتاح الكهربائي.
وقالت محذرة، وصوتها يرتجف: «الآن.»
وفجأةً أضاءت الغرفة بنور باهر، ثم عادت حالكة بالسرعة نفسها؛ وفي الظلام تعالت جلبة أصواتهم.
هتف جيم: «العاشرة والنصف! رأيت الوقت!»
وقالت آن متعجبة: «والساعة كانت في مستوى أعلى أيضًا!»
وافقها مورو: «صحيح.»
ثم جاء صوت هانو من زاوية بعيدة من الغرفة.
«هل هذا ما رأيتِه تمامًا يا آنسة ليلة السابع والعشرين؟»
«تمامًا، يا سيدي.»
فقال هانو: «إذَن، شغِّلي الأنوار ثانية واكتشفي الحقيقة!»
نطق هانو بكلماته بصوت جليل النغمة كأنه ناقوس جنازة. وترددت يد آن للحظة. من جديد تملكها يقين مرعب. ثمة كارثة لا رجعة فيها تكمن وراء حركة يدها الصغيرة.
عاد صوت هانو: «تشجعي، يا آنسة!»
فأضاءت الأنوار مجددًا، وهذه المرة ظلت مضاءة. تقدم الشهود الثلاثة في الغرفة، ولما نظروا من جديد وعن قرب وبنظرة أطول، انطلقت هتافات الدهشة من أفواههم.
لم تكُن هناك أي ساعة فوق الخزانة المطعمة.
لكن، عاليًا فوقها، في المرآة الطويلة التي تقف الخزانة أمامها، كان هناك انعكاس ساعة، وجهها الأبيض واضح وساطع، حتى إنه صار من الصعب الآن تصديق أنها مجرد انعكاس. وكانت عقاربها تشير إلى العاشرة والنصف تمامًا.
قال هانو: «والآن استديروا وانظروا!»
كانت الساعة الحقيقية على رف المدفأة، من طراز الأخوة آدم، تحدق بهم كاشفةً الوقت الحقيقي. كانت الساعة الواحدة والنصف تمامًا؛ عقرب الدقائق الطويل يشير إلى السادسة، وعقرب الساعات القصير إلى يمين الرقم ١٢، في منتصف المسافة بين الرقم واحد والرقم اثنين. وبحركة متزامنة، استداروا من جديد نحو المرآة، وتبدد اللغز. كان عقرب الساعات في الصورة المنعكسة على يسار الرقم ١٢، تمامًا كما لو أن الوقت هو العاشرة والنصف وكانت الساعة في الموضع نفسه الذي تعكسه المرآة. كانت أرقام الساعة معكوسة، ويصعب قراءتها عند النظرة الأولى.
قال هانو موضحًا: «إنها طبيعة الإنسان أن يتجنَّب الجهد حتى في أبسط الأمور. نحن نعيش مع الساعات بصفة يومية. فهي مألوفة لنا بقدر ما هي من ضروريات المعيشة. وبطبيعتنا المتكاسلة، نأخذ الوقت من موقع العقارب. أما الأرقام، فنفترضها ضمنيًّا. خرجت الآنسة آن من الظلام. وفي ومضة النور الخاطفة، رأت وضع العقارب. العاشرة والنصف! وقد استغربت هي نفسها من أن الوقت كان مبكرًا؛ أليس كذلك، سيد فروبيشر؟ كانت تشعر بالبرد، كأنها نامت طويلًا في كرسيها. وكان لديها انطباع قوي بأنها استغرقت في النوم. وقد كانت على حق. فالساعة كانت الواحدة والنصف، وبيتي هارلو كانت قد عادت من حفلة دي بوياك منذ ٢٠ دقيقة.»
انتهى هانو بلهجة انتصار أزعجت فروبيشر.
فسأله: «ألست تتسرع قليلًا؟ حين رُفعت الأختام ودخلنا الغرفة لأول مرة، لم تكُن الساعة على رف المدفأة بل على الخزانة المطعمة.»
أومأ هانو برأسه.
وقال: «آنسة أبكوت روت قصتها قبل الغداء. ودخلنا هذه الغرفة بعده. وخلال فترة الغداء، جرى تغيير موضع الساعة.» وأشار إلى المحفة. «أنتم الآن تعرفون كم يسهل فعل ذلك.»
فقال فروبيشر، بحدة: «ممكن، ممكن فعلًا! لكن هذا لا يحسم مسألة ما إذا كان ذلك هو ما حدث بالفعل!»
قال هانو بهدوء: «هذا صحيح. لذا سأجيبك الآن عن أحد الأسئلة في مذكرتك. ما الذي رأيته من أعلى برج التيراس؟ رأيت الدخان يتصاعد من هذه المدخنة إلى الهواء. أوه يا سيدي، لقد أوليت اهتمامًا كبيرًا لهذا المنزل، بنوافذه، وأبوابه، ومداخنه. وهناك، في وضح النهار، وفي دفء أواخر شهر مايو، كان الدخان يتصاعد من مدخنة الغرفة المغلقة بالختم. كان هناك إذَن مدخلًا لا نعلم عنه شيئًا! وقد استخدمه أحدهم لتَوِّه. لكن مَن هو؟ سل نفسك هذا السؤال! من خرج من منزل كرينيل فور مغادرتي، وكان بمفرده؟ كانت الساعة بحاجة إلى تغيير. ويبدو أن بعض الرسائل أيضًا كان لا بد من حرقها.»
بالكاد سمع جيم الجملة الأخيرة. كان أمر الساعة لا يزال يسيطر على تفكيره. لقد نُسِفت حجته الكبرى؛ وتبدَّد حلمه الوحيد في إثبات براءة بيتي رغم كل الظنون والقرائن التي قد تُقام ضدها. فانهار جيم في كرسي.
وقال بمرارة: «لقد فهمت كل شيء بسرعة كبيرة.»
فأجابه هانو: «كلا، بل لم أكُن سريعًا! لا تنسب إليَّ قدرات خارقة أيها السيد. لقد تلقيت تدريبًا، لا أكثر. لقد قضيت الدقائق العشرين كاملة في الحلبة. اسمع كيف حدث ذلك!» ثم نظر إلى فروبيشر بابتسامة مُداعِبة. وأردف: «من المؤسف أن موريس ثيفينيه، صديقنا الشاب المتحمس، ليس هنا ليستفيد من الدرس. بادئ ذي بدء! كنت أعلم أن الآنسة بيتي هنا تقوم بشيء بالغ الأهمية. قد يكون مجرَّد حرق الرسائل في الموقد. وقد يكون أكثر من ذلك. كان عليَّ أن أنتظر لأرى. حسنًا! ثم وبينما نحن وقوف أمام المرآة، تطلق الآنسة آن ملاحظتها البسيطة أن الساعة تبدو في موضع أعلى. فهل فهمت من ذلك شيئًا حينها؟ كلا، كلا! لكنني مهتم بالأمر. ثم ألاحظ أمرًا غريبًا، تحفة جميلة من أعمال بنفينوتو تشيليني موضوعة على رف الموقد العالي حيث لا يراها أحد. فأنزلتها وحملتها إلى النافذة ونالت من إعجابي الكثير، ثم أعدتها إلى مكانها على الرف؛ وهنا لاحظت أربع علامات صغيرة على الخشب كانت مخفية وراء القاعدة المسطحة للتحفة؛ وتلك العلامات الأربعة هي تحديدًا ما قد تتركه ركائز تلك الساعة الجميلة من طراز لويس الخامس عشر، لو كانت توضع على تلك البقعة من الخشب طوال الوقت؛ حيث مكانها الطبيعي. كما أن سطح الخزانة الخشبية المطعَّمة تلك، وهو أدنى من رف الموقد، هو المكان الطبيعي لتحفة تشيليني. إذ يمكن للجميع رؤيتها هناك. فقلت لنفسي: «أيها العزيز هانو، هذه الفتاة الشابة أعادت ترتيب تحفها.» لكن هل خمنت سبب ذلك؟ كلا يا صديقي. لقد أخبرتك من قبل، وأكرر لك بتواضع، أننا خدَم الفرص والصدف. وتكون الصدفة سيدة طيبة إن لم يغفُ خدمها؛ وقد أحسنت سيدتي معاملتي في تلك الظهيرة. وهكذا؛ كنت أقف في القاعة وأنا في حيرة كبيرة بشأن هذه القضية. لا شيء يقودني إلى أي شيء. على الجدار من خلفي يوجد بارومتر قديم وضخم يشبه المقلاة، وفي الجدار المقابل مرآة. وإذ أرفع عيني عن الأرض أرى بمحض الصدفة البارومتر في المرآة من خلفي. وبالصدفة يجذب انتباهي. إذ رأيت أن مؤشر البارومتر يشير إلى طقس عاصف؛ وهو أمر يدعو للسخرية. فألتفت وأنا في مكاني. فإذا بالمؤشر يشير إلى طقس معتدل. وهنا تبزغ الحقيقة أمامي. فأنظر إلى موضع مؤشرات البارومتر دون النظر إلى الحروف. إذا نظرت إلى البارومتر مباشرة، تشير المؤشرات إلى طقس معتدل. وإذا أدرت ظهري ونظرت في المرآة، تشير إلى طقس عاصف. صرت أفهم الآن! فهرعت إلى غرفة الكنز. وأغلقت الباب، إذ لا أريد أن يكتشف أحدٌ ما أفعل. وكلا، لم أحرك الساعة. ما كنت أبدًا لأحرك تلك الساعة لأي سبب كان. لكنني أخرجت ساعتي. ووقفت في مواجهة المرآة. وقفتُ أمسك بساعتي أمامها، وكشفتُ زجاجها لأُحرك العقارب، حتى تبدو في المرآة وكأنها تُشير إلى العاشرة والنصف. ثم نظرت في ساعتي. كانت تشير إلى الواحدة والنصف. وهكذا صرت أعلم! هل أرغب في برهان أكبر؟ موجود يا سيدي. ذلك أنني عندما فتحت الباب من جديد، إذا بالآنسة بيتي تقف أمامي وجهًا لوجه! تلك اليافعة! رغم أنني كنت أشك بها مسبقًا، أؤكد لك أني شعرت بالذهول. ويعلم الله كم أنا معتاد على المفاجآت. لكن للحظة، سقط القناع عن وجهها. شعرت بقشعريرة باردة تسري في عمودي الفقري. فقد رأيت القتل يطل من عينيها الجميلتين الواسعتين.»
وقف هانوا أسير ذكرى تلك النظرة الشرسة. وغمغم متأوِّهًا «آه!» ثم هز نفسه كما يهز الكلب الكبير جسمه بعد أن يخرج من الماء.
ثم هتف بنبرة مختلفة: «لكنك تتحدث كثيرًا يا سيد فروبيشر وتُبقي الآنسة مستيقظة، وكان ينبغي أن تكون في فراشها منذ ساعة. هلموا!»
ودفع رفيقيه يخرجهما إلى الردهة، وأشعل الأضواء، وأغلق باب غرفة الكنز بالمفتاح ثم وضعه في جيبه.
وقال بنبرة رقيقة لآن: «آنستي، سنترك هذه الأنوار مضاءة، ومورو سيبقى للحراسة في المنزل. لا يوجد ما يدعو للقلق. لن يكون بعيدًا عن بابك. تصبحين على خير.»
وناولته آن يدها بابتسامة باهتة.
وقالت: «سأشكرك غدًا»، ثم صعدت الدرج ببطء، بقدمين مثقلتين، وجسد يترنح من التعب.
تابعها هانو وهي تصعد. ثم التفت إلى فروبيشر بابتسامة مرحة.
وقال: «يا للحسرة! أنت … وهي! كلا؟ ربما في نهاية المطاف …» ثم توقف فجأة. فقد بدأ وجه فروبيشر يحمر واتخذ مظهرًا «جديًّا»؛ وكان آخر ما يريده هانو هو أن يُسيء إليه في هذا الأمر تحديدًا.
فقال معتذرًا: «أعتذر. أنا فضولي وثرثار. إن كنت أخطأت، فلأنني أتمنى لك الخير. تفهم ذلك؟ حسنًا! إليك إذَن برهان آخر. غدًا ستخبرنا الآنسة بما جرى لها الليلة، كيف ذهبت إلى منزل السيدة لو فاي وكل شيء. أرغب في أن تكون حاضرًا. ستعرف كل شيء. سأروي لك بنفسي، خطوة بخطوة، كيف توصلت إلى استنتاجاتي. سيُجاب عن كل أسئلتك. سأمنحك كل العون، وكل الفرص. وسأحرص على ألَّا تُستدعي، ولو كشاهد، على ما عاينتَ هذه الليلة. وعندما ينتهي كل شيء يا سيدي، سترى كما أرى أن القانون، مهما جلب من ألم ومعاناة، يجب أن يأخذ مجراه.»
كان فروبيشر ينظر الآن إلى هانو جديد. فكانت الحيل والتهريج والمبالغات قد تلاشت عنه. ولم يكن يبتهج حتى بظفره. بل كان يشع وقارًا، وكان في الوقت ذاته لطيفًا ومراعيًا.
ثم قال: «تصبح على خير يا سيدي!» وانحنى، فمدَّ جيم يده فجأةً.
وردَّ قائلًا: «تصبح على خير!»
فسلَّم هانو عليه بابتسامة تقدير وتفهم، ثم غادر.
أوصد جيم فروبيشر الباب الأمامي وعاد إلى الردهة بشعور من الخواء. وسمع البوابات الحديدية الكبيرة تُغلق. بالطبع، تُركت مفتوحة على الطريقة المعتادة حين يُتوقع تأخر أحد من أفراد المنزل. نعم، لقد خُطط لكل شيء بعناية قائد يحضر لمعركة. ها هم الخدم نيام في أسرتهم. لولا هانو، لربما كانت بيتي هارلو تتسلل الآن بخفة إلى غرفتها، بعد أن أنجزت عملها الرهيب. وكان الخدم ليستيقظوا غدًا على نبأ فرار آن أبكوت خوفًا من المحاكمة. وفي وقت ما من المساء، كان إسبينوزا سيحضر، وستستقبله بيتي في غرفة الكنز، ويجد المعول بانتظاره في المطبخ الواسع المقبب بالحجر في منزل بروبيزار. نعم، كل الأخطار كانت متوقعة؛ إلا هانو. كلا، بل حتى هو كان متوقعًا بدرجة ما! فقد سبقته برقية مذعورة إلى فروبيشر وهاسلت قبل أن يبدأ عمله.
قال مورو: «إذا احتجتني يا سيدي، فسأكون على الدرج أسفل باب الآنسة.»
فأيقظ جيم فروبيشر نفسه من تأملاته.
وأجابه: «شكرًا لك»، وصعد إلى غرفته. وتأمل في مرارة، كم كانت تلك البرقية كثيرة النفع لبيتي! وطرح على نفسه يسأل: «أين كانت الليلة؟» ثم حجب عن ذهنه التفكير بشأنه.
سيعلم جيم لاحقًا أن تلك البرقية المذعورة، ولا شيء سواها، كانت السبب في انهيار خطط بيتي هارلو انهيارًا تامًّا.