ما حدث ليلة السابع والعشرين
قال هانو لجيم فروبيشر، وهما يجلسان على العشب بعد دخول آن أبكوت: «لم نصل إلى النهاية بعد، لكننا اقتربنا. لا يزال هناك سؤالي الذي لم أجد له إجابة: «لماذا كان الباب الواصل بين غرفة نوم السيدة هارلو وغرفة الكنز مفتوحًا في تلك الليلة التي نزلت فيها آن أبكوت الدرج في الظلام؟» حين نعرف الجواب، سندرك لماذا تآمرت فرانسين رولار وبيتي هارلو معًا على قتل السيدة هارلو.»
سأله جيم: «إذَن فأنت تعتقد أن لفرانسين رولار يدًا في تلك الجريمة أيضًا؟»
رد هانو بثقة: «بل أنا واثق من ذلك. أتذكر التجربة التي أجريتها، مشهد إعادة التمثيل؟ حينئذٍ، تمدَّدَت بيتي هارلو على السرير لتؤدي دور السيدة، وهمست فرانسين: «هذا سيفي بالغرض؟»»
«نعم.»
أشعل هانو سيجارة وابتسم.
وقال: «فرانسين رولار لم تكُن لتقف إلى جانب الفراش. كلا! بل كانت لتقف عند حافة الفراش وتهمس بتلك الكلمات البسيطة الرهيبة. وليس في أي مكان آخَر. كان ذلك ذا دلالة، يا صديقي. فلم يكُن بوسعك الوقوف تمامًا في الموضع الذي وقفت فيه لحظة ارتُكِبت الجريمة.» ثم أضاف بصوت خافت: «إنني لأعلِّق آمالًا كبيرة على فرانسين رولار. بضعة أيام في زنزانة السجن، وستنطق تلك النمرة الصغيرة الآبِدة بكل شيء.»
فقال جيم: «وما شأن وابرسكي في كل هذا؟»
ضحك هانو ونهض من مقعده.
«وابرسكي؟ لا شأن له بشيء من هذا كله. لقد قدم تهمة لم يكن يؤمن بها، وتبين أن التهمة صحيحة. هذا كل ما هنالك.» ثم خطا بضع خطوات وعاد يقول: «بل أنا مخطئ. ليس هذا كل شيء. وابرسكي له دور، نعم. عندما أُجبر على تقديم دليل لاتهامه، واحتاج إلى ذريعة، خطرت له مصادفةً ذكرى صباحٍ رأى فيه بيتي هارلو في شارع جامبيتا قرب متجر جان كلاديل. وهكذا قادنا إلى الحقيقة. نعم، نحن مدينون بشيءٍ لذلك الهمجي، بوريس وابرسكي. ألم أقُل لك يا سيدي إننا جميعًا خدم الصدفة؟»
غادر هانو الحديقة، ولم يرَه جيم فروبيشر لثلاثة أيام. لكن التطور الذي كان السيد بيكس يخشاه ويأمله هانو قد حدث، وفي اليوم الثالث دعا هانو جيم إلى مكتبه في المديرية.
كان هانو يحمل في يده مذكرة جيم.
فسأله: «أتذكر ما كتبت؟ انظر!» ودفع بالمذكرة أمامه وأشار إلى فقرة.
«لكن في غياب أي أثر للسم في جثة المرأة المتوفاة، من الصعب تقديم المجرم إلى العدالة إلا من خلال:
(أ) اعتراف.
(ب) ارتكاب جريمة أخرى من النوع ذاته.
أو نظرية هانو؛ من استخدم السم مرة، سيعود لاستخدامه دائمًا.»
قرأ فروبيشر الفقرة.
وقال هانو: «هذا صحيح وفي غاية الدقة. لم أصادف قط قضيةً أعقد منها. كنا ننهار عند كل خطوة. ظننت أنني أوقعت جان كلاديل. فإذا بي أصل متأخرًا بخمس دقائق. وظننت أنني سأحصل على دليل يفيدني من شركة في باريس. فاكتشفت أن الشركة صفت أعمالها منذ ١٠ سنوات. كنت طوال الوقت كمن يحاول الرسم على الماء. فاضطررت إلى المجازفة؛ نعم، مجازفة كبيرة. هل أخبرك ما كانت تلك المجازفة؟ كان عليَّ أن أفترض أن الآنسة آن ستُعاد حيَّة إلى فندق بروبيزار في تلك الليلة من حفل السيدة لو فاي. لم يكُن لديَّ شك في أنهم سيعيدونها. إذ لا يوجد مكانٌ أكثر أمنًا من مطبخ ذلك المنزل، تحت ألواحه الحجرية. ثم كان هناك حقيبة السفر في المقطورة الجانبية للدراجة النارية. لم تكُن تلك الحقيبة خفيفة. وقد رأى بعض أصدقائي الشاب إسبينوزا وهو يضعها في الدراجة قبل أن ينطلق إلى اللقاء. لا أشك أن وزنها كان يبلغ نفس وزن الآنسة آن.»
قاطع جيم: «لم أفهم تمامًا سبب وجود تلك الحقيبة.»
أجابه هانو: «كان الأمر مُتعلِّقًا بالتوقيت. يمتد الطريق من فال تيرزون إلى فندق بروبيزار مسافة ٢٥ كيلومترًا من الطرق الوعرة غير المعبدة. ودراجة نارية بحمولة جانبية ستستغرق وقتًا أقل مما لو كانت غير محملة، حيث تستطيع أن تمر بالمنعطفات بأقصى سرعتها. وقد أرادت العصابة معرفة الزمن الدقيق الذي تستغرقه الرحلة بوجود آن أبكوت في الدراجة حتى لا يضطروا إلى الانتظار. لكنهم كانوا حذِرين أكثر مما ينبغي. لقد قال صديقنا وابرسكي جملة ذكية، أليس كذلك؟ تُكتشف بعض الجرائم لأن الحجج تكون مثالية أكثر من اللازم وعلى نحو غير طبيعي. لم يكُن هناك شك في أنهم كانوا سيُعيدون الآنسة آن! لكن، ماذا لو أعادوها جثة؟ لم يكُن ذلك مُرجَّحًا، كلا! الأيسر بكثير أن يقضوا عليها بجرعة من سم السهم، بلا صراع أو دماء أو عناء. توقعت أنهم سيخدرونها في حفل السيدة لو فاي، ويعيدونها شبه واعية، كما كانوا ينوون بالفعل. لكني كنت أرتعد طوال تلك الليلة من المجازفة التي أخذتها، وحين أُطفئ محرك الدراجة بينما نقف في ظلام الرواق، كان اليأس قد تملكني.»
وهز هانو كتفَيه قليلًا كأن الخطر لا يزال حاضرًا.
ثم تابع: «على كل حال، خضتُ تلك المجازفة، وهكذا تحقَّق شرطك (ب): محاولة ارتكاب جريمة أخرى من النوع نفسه.»
أومأ فروبيشر موافقًا.
فقال هانو وهو ينحني للأمام: «والآن، تحقق الشرط (أ) أيضًا؛ ألا وهو الاعتراف؛ لدينا اعتراف صريح وكامل من فرانسين رولار، وإقرارات جزئية كافية من إسبينوزا الكبير والشاب، وجين لوكلير، وموريس ثيفينيه، حتى إنها تشكل اعترافات في حد ذاتها. جمعنا كل شيء معًا، وهذه هي القضية الجديدة التي سيتعين على السيد بيكس وعليك التعامل معها؛ والتهمة ليست محاولة قتل، بل جريمة قتل كاملة الأركان … جريمة قتل السيدة هارلو.»
كان جيم على وشك مقاطعته، لكنه تراجع.
وقنع بأن يقول: «تابع فضلًا!»
قال هانو: «لماذا لجأت بيتي هارلو إلى كتابة الرسائل المجهولة يا سيدي، ما السبب؟ أهو الملل الذي تعانيه فتاة شابة جميلة ومفعمة بالعاطفة، في مدينة إقليمية؛ كما أشار صاحبنا بوريس؟ أم الحاجة الملحة إلى الإثارة؟ أم هي نزعةٌ خبيثةٌ ومنحرفةٌ ومضطربةٌ وُلدت بها وتنامت في ذاتها، ولم تكفَّ عن التطلب؟ أم هي أعباء تدبير شئون السيدة المنهكة؟ ربما كانت كل هذه العوامل مجتمعة هي ما أوحت لها بالفكرة. ثم فجأةً أصبح الأمر سهلًا عليها. إذ عثرت على فاتورة قديمة في ذلك الصندوق الموجود في غرفة نوم السيدة هارلو، فاتورة مؤرخة عمرها ١٠ سنوات من شركة شابيرون لأعمال البناء في شارع باتينيول في باريس. بالمناسبة، أنتَ رأيتَ قطعة غير محترقة من تلك الفاتورة وسط الرماد في مدفأة غرفة الكنز. كشفت لها تلك الفاتورة عن وجود الممر السري بين غرفة الكنز وفندق بروبيزار. فقد كانت صادرة من الشركة التي أصلحته بطلب من سايمون هارلو. إن وجود آلة كاتبة قديمة تعود لسايمون هارلو، وتوافر الخصوصية المُطلَقة التي يقدمها منزل بروبيزار جعلا اللعبة سهلة وآمنة عليها. لكن مع تزايد الفرص، تزايدت الرغبة. لقد تذوقت بيتي هارلو طعم السلطة والنفوذ. فبدأت تُشرك بعض الأشخاص في سرها — خادمتها فرانسين، موريس ثيفينيه، جين لوكلير، وجان كلاديل، وهم كلهم شخصيات مفيدة للغاية — وما إنْ بدأت الدائرة تتسع حتى تبعتها الابتزازات. ابتزاز بيتي هارلو، أتفهم ما أقول؟! بيتي هارلو الملكة، غدت أكبر المستعبدين. بات عليها أن تؤمِّن لموريس عشيقته، ولإسبينوزا سيارته ومنزله، ولجين لوكلير الكماليات والرفاهيات. وهكذا تحولت الرسائل المجهولة إلى رسائل ابتزاز. كان موريس ثيفينيه يعرف الجانب الشرَطي من ديجون وما حولها. وجين لوكلير كانت لها — لنقل أحد الأصدقاء — في إدارة شركة تأمين. وصدقني، لا شيء أهم للمبتز من معرفة الموارد المالية الدقيقة ﻟ… دعنا نسميهم الزبائن. وهكذا استمرت اللعبة بحسب أهوائهم حتى نفد المال، وتعذَّر جمعه. نظرت بيتي هارلو حولها في ديجون. لم يكُن هناك أحد لتستغله في تلك اللحظة. لكن بلى، كان ثَم شخصٌ واحد! كي نُجيز لبيتي هارلو حقها، لنفترض أن المقترح تقدَّم به ذلك الناشئ الواعد موريس ثيفينيه! فمن كان يا سيد فروبيشر؟»
حتى الآن، لم يكُن جيم فروبيشر قادرًا على تخمين الحقيقة، رغم أن هانو قد مهَّد له الطريق إليها بعرضه المفصل.
قال هانو، موضحًا: «السيدة هارلو نفسها»، وإذ جفل جيم فروبيشر من هول ما سمع، تابع هانو يقول: «نعم، هذا صحيح! تلقت السيدة هارلو رسالة في وقت العشاء، تمامًا كما حدث مع آن أبكوت، ليلة حفل السيد دو بوياك. لقد تناولت عشاءها في الفراش في تلك الليلة كما تتذكر. وقد اطلعت الممرضة جين بودان على تلك الرسالة، وهي تتذكَّرها جيدًا. كانت الرسالة تطالب بمبلغ كبير من المال، وأشارت باقتضاب إلى مجموعة من الرسائل العاطفية التي قد لا تعبأ السيدة هارلو أن تُنشر— ليس بشكل صريح، كما تعلم، ولكن بما يكفي ليجعل الأمر واضحًا: أن علاقة السيدة رافيار بسايمون هارلو لم تكُن خافية على السوط. وسأخبرك بأمر آخر سيفاجئك يا سيد فروبيشر. لم تطلع جين بودان على تلك الرسالة فحسب، بل كذلك بيتي هارلو، عندما جاءت لتلقي تحية المساء وتُري والدتها فستان الرقص الجديد من نسيج الفضة وحذاءها الفضي. لم يكن مستغربًا إذَن أن تفقد بيتي هارلو رباطة جأشها قليلًا حين نصبتُ لها فخي الصغير في المكتبة، وتظاهرت بأني لا أرغب في قراءة ما قالته السيدة جين بودان بعد أن غادرت بيتي إلى حفلتها. لم أكُن أدرك آنذاك كما كان ذلك الفخ مؤلمًا لها!»
فقاطعه فروبيشر قائلًا: «لكن تمهَّل لحظة! إذا كانت السيدة هارلو قد أطلعت جين بودان أولًا على تلك الرسالة، ثم بيتي هارلو بحضور جين، فلماذا لم تذكر جين هذه الواقعة فورًا لقاضي التحقيق حين تقدم وابرسكي باتهامه؟ لقد التزمت الصمت! نعم، التزمت الصمت!»
أجاب هانو: «ولِمَ لا تلتزم الصمت؟ جين بودان فتاة طيبة وشريفة. بالنسبة لها، ماتت السيدة هارلو ميتة طبيعية في نومها، وهي الطريقة التي كانت متوقعة لموتها. ولم تصدق كلمة واحدة من اتهامات وابرسكي. فلمَ تنكأ جراح الفضائح القديمة؟ هي نفسها اقترحت على بيتي هارلو أن لا تذكرا شيئًا عن تلك الرسالة المجهولة.»
فكَّر جيم فروبيشر في هذا الطرح، وقبله أخيرًا. وقال معترفًا: «نعم، أستطيع تفهم وجهة نظرها»، فواصل هانو سرده.
«حسنًا، تذهب بيتي هارلو إلى حفلتها في جادة تيير. وآن أبكوت في غرفتها، وقد أنهت جين بودان مهامها لتلك الليلة. وأما السيدة هارلو فهي وحدها. ماذا تفعل؟ تشرب؟ كلا، لم تكن لتعاقر الشراب في تلك الليلة! بل جلست تفكر. هل ما زالت هناك رسائل محفوظة من الرسائل التي تبادلتها فيما بينها وبين سايمون هارلو قبل أن تصبح زوجته؟ كانت تظن أنها أتلفتها جميعًا. لكنها امرأة، وربما احتفظت ببعضها. وإن وُجدت، فأين تكون؟ لا بد أنها في ذلك المنزل عند نهاية الممر السري. لا شك أن مثل هذه الأفكار راودتها. نهضت من مضجعها، ولبست رداء النوم وحذاءها، ثم شرعت الباب الذي يربط حجرتها بغرفة الكنز، ومضت في الممر الخفي نحو منزل بروبيزار المهجور. وماذا وجدت هناك يا سيدي؟ غرفة تُستخدم يوميًّا، وحزمة من رسائلها موضوعة في الدرج العلوي من مكتبها على الطراز الإمبراطوري، وعلى المكتب آلة كورونا الكاتبة الخاصة بسايمون، وأوراق ومظاريف مطابقة لتلك المستخدمة في الرسائل المجهولة. لا أحد يمكنه دخول تلك الغرفة سوى فتاة قد أحسنت إليها، فتاة أحبتها على طريقتها المتشددة والصارمة. وعند الساعة الحادية عشرة تلك الليلة، تفاجئ فرانسين رولار بدخول السيدة هارلو إلى غرفتها. لوهلة، ظنَّت فرانسين أن السيدة كانت تعاقر الشراب. لكنها سرعان ما أدركت الحقيقة. إذ أُمرت بأن تستيقظ، وأن تنتظر عودة بيتي هارلو وتُحضِرها فورًا إلى غرفة السيدة. مع دقات الساعة الواحدة، كانت فرانسين رولار ترابط في الردهة المظلمة. وحالما ولجت بيتي هارلو عائدةً من الحفل، بادرَتْها فرانسين بالرسالة. لم تكُن أي من الفتاتين تعرف، في تلك اللحظة، مدى ما اكتُشف من أفعالهما. لكن لا بد أن شيئًا ما قد كُشِف. فتطلب بيتي هارلو من فرانسين الانتظار، وتهرع في صمت إلى غرفتها. كانت مستعدة لاحتمال انكشاف أمرها. لقد كانت تلعب بالنار، ولم تكُن تنوي أن تُصاب بحروق. فكانت تحتفظ بسمِّ السهم المسموم؛ نعم، لأجل نفسها. فملأت به محقنًا، وأخفته في راحة يدها داخل قفازها، وذهبت لمواجهة محسنتها.
يمكنك تخيُّل تلك المواجهة: المرأة الغاضبة التي كُشف ماضيها العاطفي والمؤلم، تصب جام غضبها عليها أمام فرانسين رولار. لم يكُن وابرسكي هو من كُشِف أمره وسُلخ قذعًا، كلا، بل تلك الشابة بفستانها الفضي الجميل وحذائها اللامع. تستطيع أن تتصور أيضًا الفتاة وهي تغير غايتها مع تزايد سيل الإذلال. لماذا تستخدم السم لتُهلك نفسها، بينما يمكنها إنقاذ كل شيء بالقتل؛ الثروة، والحرية، والمكانة؟ عليها فقط أن تسرع. يعلو صوت السيدة في نوبات من الغضب. من المحتمل أن يستيقظ أحدٌ، كجين بودان، جراء الضوضاء، حتى في ذلك المنزل القديم ذي الجدران السميكة. وفي لحظة، يُرتكب الفعل الوحشي. تُطرح السيدة هارلو على فراشها. وتُكمم فرانسين رولار فمها وتُحكم قبضتها عليه. وأخذت بيتي تُعمل فيها الإبرة. تهمس بيتي هارلو قائلةً: «سيفي هذا بالغرض». لكن عند باب غرفة الكنز، كانت آن أبكوت واقفة في الظلام، غير قادرة على تمييز الصوت الذي همس، تمامًا كما لم نتمكَّن أنت وأنا يا سيدي من تمييز الصوت الذي همس لنا من نافذة منزل جان كلاديل، لكنها حفظت الكلمات المرعبة في ذاكرتها. ولم تعلم القاتلتان بوجودها.
ثم تتابعان بحثهما عن الرسائل. لكنهما لا تجدانها، لأن السيدة دستها في صندوق مليء بالفواتير والأوراق القديمة. تعيدان ترتيب الفراش، وتهيئة ضحيتهما فيه كأنها نائمة، وتدخلان إلى غرفة الكنوز، وتنسَيان إغلاق الباب خلفهما. وعلى الأرجح أيضًا أنهما زارتا منزل بروبيزار. فقد كان لزامًا على بيتي أن تخبئ ما تبقى من السم والإبرة، وأي موضع أكثر أمنًا من ذاك؟ وأخيرًا، بعد أن تأكدتا من محو كل أثر قد يفضحهما كقاتلتين في صباح اليوم التالي، تتسلل بيتي إلى الأعلى لتتأكد أن آن أبكوت نائمة؛ ولما استيقظت آن، مدت يدها فلمست وجهها.»
ثم قال هانو وهو ينهض من مقعده: «هذا يا سيدي ما يمكن أن تسميه الدعوى. هذه هي القضية التي يجب أن تواجهها أنت والسيد بيكس.»
واتخذ جيم فروبيشر قراره أن يقول ما كان على وشك قوله في بداية اللقاء.
فقال: «سأُطلع السيد بيكس على كل ما قلته لي. وسأُقدم له كل مساعدة يمكنني أو يمكن لمكتبنا أن يُقدمها. لكنني لم أعُد مرتبطًا رسميًّا بجهة الدفاع.»
نظر إليه هانو في حيرة.
وقال: «لا أفهم يا سيدي. ليس هذا وقت التخلي عن موكل.»
فأجابه فروبيشر: «وأنا لا أتخلى عن موكل. بل الأمر بالعكس. لقد وضعني السيد بيكس في الصورة … كيف أقولها؟»
فأكمل هانو الجملة بابتسامة خفيفة.
«بأسلوب مهني سليم.»
قال فروبيشر: «لقد أخبرني أن الآنسة لا ترغب في رؤيتي مرة أخرى.»
مشى هانو إلى النافذة. لقد أثر فيه الهوان البادي في صوت جيم ووجهه. فقال بلطف: «أستطيع تفهم ذلك، ألا يمكنك أنت؟ لقد قاتلَتْ من أجل رهان عظيم طوال هذا الأسبوع: حريتها، وثروتها، وسمعتها … وأنت. آه، نعم» وتابع هانو بينما تململ جيم في مقعده، «لنكن صريحين! كنتَ من بين ما قاتلت من أجله أيها السيد! فقد كنت مختلفًا عن بقية أصدقائها. تعلقت بك روحها من الوهلة الأولى. أتستذكر أول صباح لي في منزل كرينيل؟ فقد منحت وعدك لآن أبكوت بالإقامة لديهم، بينما رفضت دعوة مماثلة من بيتي هارلو. كانت نظرات الغيرة تشتعل في عينيها، لدرجة أنني أسقطت عصاي متعمدًا في الردهة حتى لا تلاحظ أنني كشفت سرها. والآن، بعد أن قاتلت من أجل هذا الرهان وخسرته، لا عجب في أنها لا ترغب في رؤيتك. كما أنك رأيتها وهي بالأصفاد، ومربوطة الساقين كالنعاج. إنني أتفهمها تمامًا.»
تذكر جيم فروبيشر أن بيتي لم تنظر إليه ولو مرة واحدة منذ لحظة اقتحام هانو لغرفة فندق بروبيزار. فنهض من مقعده، وأخذ قبعته وعصاه.
وقال: «يجب أن أعود إلى شريكي في لندن بهذه القصة حالما أرويها للسيد بيكس. أرغب في أن أستكملها. متى وقع أول شك في قلبك تجاه بيتي هارلو؟»
أومأ هانو برأسه.
«سأخبرك بذلك أيضًا. أوه، ولا تشكرني! لست متأكدًا أنني كنت لأُسديك كل هذه المعلومات لو لم أكُن واثقًا تمامًا مما سيكون عليه الحكم في محكمة الجنايات. سأجمع لك الخيوط المتبقية، ولكن ليس هنا.»
ثم نظر في ساعته.
وقال: «أترى، لقد تجاوزنا الظهر! سنحظى مرة أخرى بزيارة برج تيراس لفيليب لوبون. وقد نرى أيضًا قمة مون بلان عبر كل ربوع فرنسا. هلم بنا! لنأخذ مذكرتك ونذهب إلى هناك.»