الفصل السابع

خروج وابرسكي

في ذلك اليوم، لم يرَ جيم فروبيشر هانو أو يسمع عنه مزيدًا من الأخبار. وقد أحضر أمتعته من الفندق وقضى المساء مع بيتي هارلو وآن أبكوت في منزل كرينيل. وتناولوا القهوة بعد العشاء في الحديقة خلف المنزل، نازلين إليها عبر درج حجري قصير من باب كبير في مؤخر القاعة. وبغير أي اتفاق شفهي مُعلَن، تجنبوا أي ذكر لتهمة وابرسكي. لم يكُن لديهم حينئذٍ ما يفعلونه سوى انتظار تقرير المحلل. لكن النوافذ العالية المغلقة ستائرها فوق رءوسهم — نوافذ جناح الاستقبال — منعتهم من نسيان الموضوع، وكان حديثهم يتقلَّص باستمرار ليتحوَّل إلى صمت طويل. كان الجو باردًا هنا في الحديقة المظلمة، باردًا وهادئًا جدًّا؛ لدرجة أن حركة طائر بين أوراق أشجار الجميز كانت تفزعهم، والخطوات العابرة النادرة في شارع تشارلز روبرت الصغير كانت تبدو وكأنها ستوقظ مدينة نائمة. ولاحظ جيم مرة أو بعض مرة أن آن أبكوت انحنت بسرعة للأمام وحدقت عبر المروج المظلمة والممرات المتلألئة نحو حجاب الأشجار الطويلة، كما لو أن عينَيها اكتشفتا حركة بين جذوعها. لكن في كل مرة لم تكُن تتفوه بشيء بل تعاود الغوص في كرسيها مع تنهيدة بالكاد تكون مسموعة.

سأل جيم: «هل هناك باب يفضي إلى الحديقة من الشارع؟» وأجابته بيتي.

«كلا. هناك ممر في نهاية المنزل تحت جناح الاستقبال من الفناء يستخدمه البستانيون. والمدخل الوحيد الآخر مكانه عبر القاعة خلفنا. هذا المنزل القديم بُني في أيام كان المنزل فيها هو حقًّا قلعتك الحصينة، وكلما قل عدد المداخل، نمت بأمان أكثر.»

دقت ساعات مدينة الساعات معلنة أنها الحادية عشرة، فكانت أصوات ضرباتها تتحرك ذهابًا وإيابًا فوق القمم وأسطح المنازل في نوع من المنافسة. ثم نهضت بيتي على قدمَيها.

وقالت: «لقد انقضى اليوم، على أي حال» ووافقتها آن أبكوت بتنهيدة تنمُّ عن الارتياح. وقد بدا لجيم أنه لأمر محزن أن هاتين الفتاتين، اللتين ينبغي أن يمثِّل كلَّ يوم لهما سلسلة من ساعات الحيوية القصيرة، تفرحان بهدوء وبكل امتنان تقريبًا أن يومًا آخر قد انقضى.

فقال: «ينبغي بهذا اليوم أن يكون آخر الأيام السيئة» فالتفتت بيتي بسرعة نحوه وعيناها الكبيرتان تتلألآن في الظلام.

وقالت: «طابت ليلتك يا جيم» وكانت نبرتها متوانية وهي تنطق باسمه كأنها تلاطفه، ثم مدَّت يدها. وأردفت: «إن الأمر مُمِل جدًّا بالنسبة إليك، لكننا لا نتمتع بما يكفي من الإيثار لأن ندعك تذهب. كما ترى، نحن منبوذات الآن … أوه، هذا طبيعي! إن وجودك معنا يعني لنا الكثير. وذلك لسبب واحد» وهنا امتزج صوتها بنبرة جزلة، «هو أنني سأتمكَّن من النوم الليلة.» ثم ركضت إلى الأعلى على الدرج ووقفت للحظة أمام الضوء القادم من القاعة. «صبية نحيلة طويلة الساقين ترتدي جوارب حريرية سوداء طويلة» … هكذا تحدث عنها السيد هاسلت قبل خمس سنوات، وهذا الوصف لا يزال يلائمها.

قال جيم: «تصبحين على خير يا بيتي» وركضت آن أبكوت أمامه إلى الأعلى على الدرج ولوحت بيدها.

فقال لها: «تصبحين على خير» وبالتواءة بسيطة لكتفَيها، تبعت آن بيتي. لكنها عادت. كانت تلبس رداءً صغيرًا أبيض اللون من القماش الخفيف مع جوارب بيضاء وأحذية من الساتان، وكانت تتلألأ أعلى الدرج كتمثال فضيٍّ أهيف.

وتوسَّلت: «هلَّا أقفلت الباب عندما تدخل، حسنًا؟» بنبرة بها قلق غريب، بالنظر إلى علوِّ الجدران القوية التي تحيط بالحديقة.

أجاب جيم: «سأفعل» وتساءل لماذا كانت آن أبكوت تبدو كرمز للخوف طوال هذه الجلسة. آنَ لهذه النوافذ الطويلة أن تُفتح وأن يُرفع الحظر عن المنزل وساكنيه. مشى جيم فروبيشر في الحديقة الهادئة في الظلام وهو يدعو من أعماقه أن يحين ذلك الوقت من غده. وفي غرفة بيتي فوق جناح الاستقبال، كان الضوء لا يزال منيرًا خلف النوافذ ذات الستائر المُسدَلة، على الرغم من ثقتها بأنها ستنام … نعم، وفي غرفة آن أبكوت أيضًا، في نهاية المنزل باتجاه الشارع. وعليه اشتعلت في جيم نيران الغضب من بوريس وابرسكي.

كان الوقت قد تأخَّر قبل أن يدخل جيم المنزل ويغلق الباب، كما تأخر الوقت أكثر قبل أن ينام. لكنه بمجرد أن خلد إلى النوم، غطَّ في نوم عميق، وعندما استيقظ، وجد الستائر مفتوحة عن آخرها أمام أشعة الشمس، وقهوته باردة بجانب الفراش، وكان جاستون، الخادم العجوز، في الغرفة.

قال جاستون: «طلب مني السيد هانو أن أخبرك أنه في المكتبة.»

في لحظة نهض جيم من الفراش.

وقال: «هو موجود بالفعل؟ كم الساعة يا جاستون؟»

أجابه: «التاسعة. لقد جهزت الحمام لك سيدي.» ثم رفع الصينية من فوق الطاولة بجوار الفراش. وأردف: «سأحضر بعض القهوة الساخنة.»

«شكرًا! من فضلك أخبر السيد هانو أنني لن أتأخر كثيرًا.»

«بالتأكيد يا سيدي.»

تناول جيم قهوته وهو يرتدي ملابسه وأسرع إلى المكتبة، حيث وجد هانو جالسًا عند طاولة الكتابة الكبيرة في منتصف الغرفة، مع صحيفة منشورة فوق لوح الكتابة، ويقرأ الأخبار بهدوء. لكنه سرعان ما تكلم في اللحظة التي ظهر فيها جيم.

فقال: «أراك تركت فندقك في ساحة دارسي في نهاية المطاف يا صديقي؟ الآنسة أبكوت الرائعة! كان عليها فقط أن تتنهد باستجداء بسيط وتضم يدَيها معًا ليتم لها الأمر. نعم، لقد رأيت كل ذلك من القاعة. ما أروع الشباب! هل لديك هاتان الرسالتان اللتان أرسلهما وابرسكي لشركتك؟»

أجاب جيم: «نعم.» لم يجد ضرورة ليشرح له أنه على الرغم من أن الاستجداء كان من جانب آن أبكوت، إلا أن فكرة بيتي هي التي أحضرته إلى منزل كرينيل.

وقال هانو: «جيد! لقد أرسلت في طلبه.»

«ليأتي إلى هذا المنزل؟»

«أنا أتوقع وصوله الآن.»

صاح جيم: «هذا رائع! إذَن سأقابله! ذلك الوغد اللعين! لن أستغرب إنْ أنا ضربته» وشدَّ قبضته وهزها في ترقب وسعادة.

قاطعه هانو بجدية: «أشك في أن ذلك سيكون مفيدًا كما تعتقد. كلا، أرجوك أن تتبعني ولا تعصي أمري هذا الصباح يا سيد فروبيشر. إذا واجهت وابرسكي الآن بتلكما الرسالتين، فستنهار اتهاماته على الفور. سيسحبها. وسيقدم أعذارًا. وسينهال علينا سيل من الشكاوى واللوم من جانبه. ولن أحصل على أي شيء منه. هذا ما لا أريده.»

فسأل جيم بضجر: «ولكن ما الذي يمكن الحصول عليه؟»

أجاب المحقق وهو يهز كتفيه: «ربما كان هناك شيء. وربما لا. لديَّ مهمة ثانية في ديجون، كما أخبرتك في باريس.»

قال جيم: «الرسائل المجهولة؟»

قال هانو: «نعم. كنت حاضرًا أمس عندما أخبرتني الآنسة هارلو كيف علمت أنه جرى استدعائي من باريس للتحقيق في هذه القضية. لم يكُن أي من زملائي هنا هو من نشر الخبر. فمن غير المعروف أنني موجود هنا، حتى في الوقت الراهن. كان كاتب الرسائل هو مَن أذاع الأمر. وفي أمر صعب كهذا، لا أستطيع أن أتجاهل أي دليل. هل كان وابرسكي يعلم أنني سأُستدعى؟ هل سمع ذلك في مقر الشرطة عندما قدم اتهامه يوم السبت أو سمعه من قاضي التحقيق في نفس اليوم؟ وإذا كان قد سمع، مع من تحدث بين الوقت الذي رأى فيه القاضي والوقت الذي أُرسلت فيه الرسائل إذا كانت ستُسلَّم صباح الأحد؟ هذه أسئلة يجب أن أحصل على إجاباتها، وإذا أنهينا الأمر على الفور برسائلك، فلن أحصل عليها. يجب أن أتعامل معه بلطف وود. بالتأكيد أنت تفهمني.»

استوعب جيم ذلك على مضض. لقد كان يتوق لرؤية هانو يتعامل مع وابرسكي في أكثر حالاته وقاحة، فينقض عليه ويمزقه ويدوسه بسخرية وفجاجة. وكان هانو قد وعده بذلك بالفعل. لكن وجده جيم الآن يدعو إلى ضبط النفس والجدية، ويبدو أكثر اهتمامًا بكاتب الرسائل المجهولة من تصحيح وضع بيتي هارلو. فشعر جيم أنه قد خُدع.

وقال: «لكنني سألتقي هذا الرجل. علينا ألا ننسى.»

فطمأنه هانو: «لن ننسى.» ثم تقدَّمه إلى الباب الذي بالجدار الداخلي بالقرب من نافذة المراقبة وفتحه.

وقال: «تفضل بالدخول! وانتظر هنا رجاءً»، ومع ازدياد أمارات الإحباط على وجه جيم، أضاف: «أوه، لا أطلب منك أن تغلق الباب. كلا. بل أحضر كرسيًّا إليه … هكذا! وأبقِ الباب مفتوحًا قليلًا … هكذا! حينها سترى وتسمع ما يحدث وأنت مستتر. هل أنت راضٍ؟ ليس كثيرًا. كنت تفضل أن تكون على المسرح طوال الوقت في خضم الأحداث. نعم، كلنا نفضِّل ذلك. لكن، على أي حال، لا تتخلى عن دورك»، وبابتسامة ودودة، عاد هانو إلى الطاولة.

جاء من الفناء صوتٌ غريب أخرق، صوت خطوة ثقيلة يتداخل مع خطوة تالية.

فقال هانو بصوت خافت: «لقد حان الوقت لنضع ترتيباتنا الصغيرة. لأن بطلنا قد وصل من السهوب.»

فأطلَّ جيم برأسه من خلال مدخل الباب.

وهمس بحماس: «سيد هانو! سيد هانو! لا يمكن أن يكون من الحكمة ترك تلك النوافذ مفتوحة على الفناء. هذا لأنه إذا كنا نسمع صوت الخطوة بهذا الوضوح في الغرفة، فكل ما يُقال هنا سيُسمع بسهولة في الفناء.»

رد هانو بالدرجة الخفيضة نفسها من الصوت: «هذا صحيح!» وضرب جبهته بقبضته غاضبًا من حماقته. وأردف: «لكن ماذا نفعل؟ الطقس حار جدًّا. هذه الغرفة ستكون كالفرن. كما أن السيدتين ووابرسكي سيغمى عليهم جميعًا من الحرارة. إضافة إلى أنني عيَّنت بالفعل ضابطًا بملابس مدنية في الفناء لضمان بقائه فارغًا. نعم، سنخاطر بذلك.»

فانسحب جيم إلى الخلف.

وقال بغضب: «ذلك الرجل لا يرحب بالنصيحة من أي أحد»، لكنه قالها في نفسه، وما كاد ينتهي من كلامه حتى دقَّ الجرس. ودخل جاستون بعد ذلك بثوانٍ.

وقال: «السيد بوريس.»

فرد هانو بإيماءة: «أدخله. هل يمكنك أن تخبر السيدتين أننا مستعدون؟»

ثم إن بوريس وابرسكي، وهو رجل طويل، محدب الظهر، بركبتين مثنيتين وقدمين خرقاوين، يرتدي الأسود ويحمل في يده قبعة سوداء ناعمة، دخل إلى الغرفة وهو يتمايل بسرعة وتوقف فجأة عند رؤية هانو. انحنى هانو، ورد وابرسكي التحية؛ ثم وقف الرجلان ينظران إلى بعضهما … هانو يقف بكل بشاشة مبتسمًا، بينما وقف وابرسكي قلقًا ومرتبكًا، كأحد الرسوم الكاريكاتيرية العديدة التي نُحتت بخيال العصور الوسطى على أعمدة كنائس ديجون. كان ينظر إلى المحقق وهو يرمش في حيرة ويداعب شاربيه الرماديين الطويلين بأصابعه الطويلة الملطخة بالتبغ مداعبة قاسية.

قال هانو بتهذيب: «هلَّا تفضلت بالجلوس؟ أعتقد أن السيدتين لن تجعلانا ننتظر طويلًا.»

وأشار نحو كرسي أمام طاولة الكتابة ولكن على يساره ومقابل الباب.

قال وابرسكي بريبة: «لا أفهم. لقد تلقيت رسالة. فهمت أن قاضي التحقيق استدعاني.»

قال هانو: «أنا ممثله. أنا …» ثم توقف. وسأل: «ماذا؟»

حملق به بوريس وابرسكي.

وقال: «لم أقل شيئًا.»

«معذرة. أنا … هانو.»

وقد نطق الاسم بسرعة، لكنه لم يتلقَّ أي رد فعل مفاجئ أو أي إشارة على أنه تعرَّف عليه.

هز وابرسكي رأسه وقال: «هانو؟ ينبغي بهذا الاسم أن يكون كافيًا بلا شك لأتعرف عليك، لكن من الأفضل أن أكون صريحًا … إنه ليس كافيًا.»

قال هانو: «هانو من الشرطة الجنائية في باريس.»

فبدأت تظهر على وجه وابرسكي ببطء نظرة ذهول تام.

وقال: «أوه!» ثم كررها وهو يلقي نظرة بائسة نحو الباب، كما لو كان مترددًا بين الهرب أو البقاء. أشار هانو مرة أخرى إلى الكرسي، وغمغم وابرسكي: «نعم … بالتأكيد» واتجه إليه مسرعًا بعض الشيء وغاص فيه.

كان جيم فروبيشر — الذي يراقب من مكانه السري — متأكدًا من شيء واحد. وهو أن بوريس وابرسكي لم يكن هو كاتب الرسالة المجهولة إلى بيتي، ولم يكن هو من قدم إلى الكاتب المعلومات عن هانو. ربما يمكن الاعتقاد بأن وابرسكي تظاهر بجهله باسم هانو، إلى أن حانت اللحظة التي شرح له فيها هانو من يكون. لكن بعد ذلك، لم يعد الأمر على هذا النحو. كان ذهوله حقيقيًّا للغاية.

وتابع هانو حديثه دون أي أثر للسخرية: «ستتفهم بطبيعة الحال أن اتهامًا خطيرًا مثل الذي وجهته للآنسة هارلو يتطلب تحقيقًا دقيقًا، وقاضي التحقيق المسئول عن القضية قد شرفنا في باريس بطلب المساعدة.»

رد وابرسكي: «نعم، الموقف صعب جدًّا»، وكان يتلوَّى كما لو كان ضحيَّة يتقلَّب على ألواح ملتهبة.

لكن بحسب تقدير جيم الذي كان على مرأى ومسمع من الرجل المضطرب، كان موقف وابرسكي هو الصعب. لقد هرع وابرسكي إلى مقر الشرطة عندما لم يصل أي رد من شركة فروبيشر وهاسلت على رسائله التهديدية، وقدم اتهامه في إطار من خيبة الأمل والمرارة، وبلا شك مع أمل في أن يُقدَّم له عرض نقدي كي يتمكَّن من سحب الاتهام. والآن يجد نفسه أمام جهاز التحقيق المدرب في فرنسا، مطالَبًا بتقديم الأدلة والشهادة. وكان هذا أكثر مما يتوقعه.

تابع هانو بلين: «فكرت أن محادثة غير رسمية بينك وبيني والسيدتين الشابتين، دون كتبة اختزال أو أمناء سر قد تكون مفيدة.»

قال وابرسكي بترقُّب: «نعم، بالتأكيد.»

وأضاف هانو بنبرة جافة: «وذلك كتمهيد طبعًا، كتمهيد للإجراءات الأكثر جدية التي أصبحت الآن محتومة.»

هنا انطفأ بريق الأمل في عيني وابرسكي.

وغمغم: «بالتأكيد» وبدا التوتر على صوته. «لا بد أن تستمر إجراءات القضية.»

قال هانو بتكلُّف: «هذا هو سبب وجود تلك الإجراءات»؛ وهنا فُتح باب المكتبة. فدخلت بيتي إلى الغرفة وتبعتها مباشرة آن أبكوت.

وقالت لهانو: «لقد أرسلت في طلبي» ثم رأت بوريس وابرسكي. فحرَّكت رأسها الصغير حركة طفيفة، وعيناها تنمَّان عن غضب. وقالت: «سيد بوريس»، ثم عادت تتحدث إلى هانو: «أتيت لتتمكن من الحيازة على ما أظن؟» ثم جالت بنظرها في الغرفة بحثًا عن جيم فروبيشر، وصاحت بجزع مفاجئ:

«لكنني فهمت أن …» فأوقفها هانو في الوقت المناسب عن ذكر أي اسم.

إذ قال بسرعة: «كل شيء في وقته يا آنسة. دعينا نأخذ الأمور بترتيبها.»

جلست بيتي في مكانها المعتاد في مقعد النافذة. وأغلقت آن أبكوت الباب وجلست في كرسي يبعد قليلًا عن الآخرين. وطوى هانو صحيفته ووضعها جانبًا. وعلى لوح الكتابة الكبير الذي ظهر الآن، كان هناك أحد الملفات الخضراء التي لاحظها جيم في مكتب الشرطة الجنائية. فتح هانو الملف وأخذ الورقة الأولى. والتفت بسرعة إلى وابرسكي.

وقال: «سيد وابرسكي، أنت تذكر أنه في ليلة ٢٧ أبريل، هذه الفتاة هنا، بيتي هارلو، أعطت عمدًا لوالدتها بالتبني ومحسنتها، جين ماري هارلو، جرعة زائدة من مخدر أدت إلى وفاتها.»

قال وابرسكي بجرأة: «نعم، أؤكد ذلك.»

«هلا حدَّدت المخدر؟»

«ربما كان المورفين، لكنني لست متأكدًا.»

قال هانو: «ووفقًا لما ذكرت، إذا كان هذا الملخص الذي أحمله هنا صحيحًا، فقد وُضِع في كوب عصير الليمون الذي كانت السيدة هارلو تبقيه دائمًا بجانب فراشها.»

«نعم.»

وضع هانو الورقة جانبًا مرة أخرى.

وسأل: «هل تتهم الممرضة، جين بودان، بالتواطؤ في هذه الجريمة؟»

صاح وابرسكي بشيء من الرهبة: «أوه، كلا!» وكانت عينه مفتوحة على آخرها وحاجباه مرتفعان يكادان يلامسان حافة شعره المتشابك. «ليس لديَّ أي شك في جين بودان. أتوسل إليك، سيد هانو، أن تكون واضحًا في هذه النقطة. يجب ألا يكون هناك أي ظلم! كلا! أوه، أمر جيد أنني أتيت إلى هنا اليوم! جين بودان! اسمع! سأقوم بتوظيفها كي تُمرِّضني في المستقبل إذا ما أُصبت بوعكة صحية.»

رد هانو بتعاطُف جاد: «لا يمكن للمرء أن يقول أكثر من ذلك. إنما سألتك هذا السؤال فقط لأن جين بودان كانت بالتأكيد في غرفة السيدة عندما دخلت الآنسة لتتمنى لها ليلة هانئة وتريها فستانها الجديد.»

قال وابرسكي: «نعم، أفهم.» وكان يزداد ثقة أكثر فأكثر، فقد كان السيد هانو الذي يعمل في الشرطة الجنائية في غاية الود واللطف. «لكن لا شك أن المخدر القاتل وُضع في ذلك الكوب دون أن يسترعي ذلك انتباه جين بودان. أنا لا أتهمها. كلا! إنها تلك القاسية»، وبدأ صوته يرتجف وفمه يتلوَّى، «تلك القاسية هي مَن وضعته ثم هرعت للرقص حتى الصباح، بينما كانت ضحيتها تموت. هذا أمر فظيع! أجل يا سيد هانو، إن هذا لأمر فظيع. كم كنتِ مسكينة يا أختي!»

«أخت زوجك.»

هكذا جاء التصحيح بهدوء لاذع من كرسيٍّ بالقرب من الباب كانت آن أبكوت تستلقي فيه.

رد وابرسكي بكآبة: «هي كأختي بالنسبة لي!» ثم التفت إلى هانو. وقال: «سيدي، لن أتوقف أبدًا عن لوم نفسي. كنت غائبًا أصطاد في الغابة. لو كنت بقيت في المنزل! فكر في الأمر! أطلب منك …» ثم انفطر صوته.

قال هانو: «نعم، لكنك عدت، سيد وابرسكي. وهذا هو ما يحيرني. لقد أحببت أختك. هذا واضح، لأنك لا تستطيع حتى التفكير فيها دون أن تبكي.»

قال وابرسكي: «نعم، نعم» وهو يغطِّي عينَيه بيدَيه.

«إن كنت تحبها بهذا القدر، لماذا طال انتظارك إذَن قبل أن تتخذ أي إجراء للانتقام لموتها؟ لا شك أن هناك سببًا وجيهًا، لكنني لم أعرفه.» وأردف هانو وهو ينشر يده: «استمع إلى التواريخ. أختك العزيزة ماتت في ليلة ٢٧ أبريل. وأنتَ عدت إلى المنزل يوم ٢٨ أبريل؛ ولم تفعل شيئًا، لم تقدم أي اتهام، كل ما هنالك أنك جلست ساكنًا تمامًا. ودُفنت أختك في يوم ٣٠ أبريل، وما زلت لم تفعل شيئًا بعد، كنت ساكنًا تمامًا. أنت لم تُوجِّه اتهامك ضد الآنسة إلا بعد أسبوع من ذلك. لماذا؟ أرجوك يا سيد وابرسكي ألَّا تنظر إليَّ من بين أصابعك، لأن الإجابة ليست مكتوبة على وجهي، وأرجوك أن تشرح لي هذه المعضلة.»

صدر الطلب بالنبرة الودية واللطيفة نفسها التي استخدمها هانو حتى الآن، دون أي تغيير في أدائه. لكن وابرسكي انتزع يده عن جبهته وجلس منتصبًا وقد شاع الدم في وجهه.

ثم صاح: «أجيبك على الفور. منذ البداية علمت بالأمر هنا»، وضرب صدره بقبضته، «أن جريمة قتل قد ارتُكبت. لكنني لم أكُن أعرفها هنا بعد» وربت على جبهته، «في رأسي. لذا فكرت وأخذت أفكِّر وأفكِّر. حتى رأيت الأسباب والدوافع. إذ أخذت تتراكم. فتاة شابة جميلة وأنيقة، لكنها صاحبة شخصية غريبة وغامضة، مُتعطِّشة في داخلها إلى الألوان والضحك والاستمتاع والقوة التي يوفِّرها لها جمالها إذا ما أرادت أن تمُدَّ يدها إليها، لكنها كانت قادرة على إخفاء كل علامات التعطُّش. هذه هي الصورة التي أرسمها لك عن تلك القاسية، بيتي هارلو.»

أظهرت بيتي نفسها بعض الاهتمام بالمقابلة للمرة الأولى منذ بدأت. حتى الآن كانت قد جلست دون حراك، كتمثال يُجسِّد الازدراء على قاعدة من الكبرياء. أما الآن فقد بُثَّت فيها الحياة. انحنت بيتي للأمام، ومرفقها على ركبتها المتقاطعة، وذقنها تستقر على يدها، وعيناها على وابرسكي، وابتسامة من التسلية على هذا التحليل لشخصيتها تضفي الحياة على وجهها. من ناحية أخرى، شعر جيم فروبيشر وهو خلف الباب وكأنه يستمع إلى تجديف وفُحش. لماذا يتحمل هانو هذا؟ لقد قال إن هناك معلومات يريد الحصول عليها من بوريس وابرسكي. والنقطة التي يريد المعلومات عنها أمكن تسويتها منذ فترة طويلة، في بداية هذه الجلسة غير الرسمية. كان واضحًا وضوح الشمس أن وابرسكي ليس له أي علاقة بالرسالة المجهولة التي تلقَّتها بيتي. لماذا إذَن يعطي هانو هذا المحتال فرصة مجانية للافتراء على بيتي هارلو؟ لماذا يطرح المزيد من الأسئلة وكأن هناك وزنًا حقيقيًّا للاتهام؟ باختصار، لماذا لا يفتح هذا الباب ويسمح لفروبيشر بإظهار رسائل الابتزاز الموجهة إلى السيد هاسلت، ثم يتنحَّى جانبًا بينما يوضع بوريس وابرسكي في الحالة التي سيحتاج فيها إلى خدمات جين بودان؟ في الواقع، كان جيم منزعجًا انزعاجًا شديدًا من السيد هانو. وقد علَّل لنفسه أنه كان يشعر بخيبة أمل.

في هذه الأثناء، استمرَّ بوريس وابرسكي في وصفه، بعد أن كان قد توقف من القلق عندما انحنت بيتي للأمام.

فقال: «بالنسبة إلى شخص مثلها، ديجون مدينة مُمِلة. صحيحٌ أن كان هناك فرصة لقضاء شهر أو نحو ذلك من كل عام في مونت كارلو، أي ما يكفي فقط لاستبصار لمحة عما يمكن أن يكون عليه الحال خارج ديجون، مثل المدخن الذي يشبع رغبته بتدخين سيجارة. ثم تعود إلى ديجون! لكن يا سيدي، ليس المقصود ديجون الخاصة بدوقات بورجوندي، ولا حتى ديجون برلمان الولايات، ولكن المقصود ديجون في نسختها الحالية، المدينة الفرنسية العادية والمملة، التي لا تحتفظ من مجدها ومسرَّاتها السابقة إلا ببعض الأبنية القديمة النادرة وشيء من روح التهكُّم. تخيَّل إذَن يا سيدي هذه القاسية وبحوزتها ثروة، وحريتها في متناول يدها، إذا كانت تتمتَّع فقط بالجرأة لتحصل على ذلك في ليلة ما، عندما يكون السيد بوريس غائبًا! وليس هذا كل شيء. فهناك مريضة في المنزل تستحق الاهتمام … نعم، ويجب أن يتوفَّر لها.» كبح وابرسكي نفسه في فورة الإثارة هذه، وأغلق عينَيه لكن ليس بشكل كامل، وأومأ إيماءة بسيطة مختلسة. وتابع: «ذلك أن المريضة لم تكن سَلِسة ولطيفة. كلا، حتى تلك العزيزة كانت لديها عيوبها. أوه، نعم، ولن ننسى تلك العيوب عندما يحين وقت تقديم التماسات التخفيف. كلا» ورفع ذراعه بنبل. «سأكون أنا أول مَن يحث عليها قاضي المحكمة عندما يُصدر الحكم.»

اتكأت بيتي هارلو نحو الخلف مرة أخرى بلا مبالاة. وانطلقت من الكرسي بالقرب من الباب ضحكة خفيفة من شفتي آن أبكوت. وحتى هانو ابتسم.

قال هانو: «نعم، نعم؛ لكننا لم نصل بعد إلى محكمة الجنايات، سيد وابرسكي. لا نزال عند النقطة التي كنت تعي فيها الأمر بقلبك وليس بعقلك.»

رد وابرسكي مسرعًا: «هذا صحيح. في يوم السابع من مايو، وكان ذلك يوم سبت، قدمت اتهامي إلى مقر الشرطة. والسبب؟ السبب أنني أصبحت متأكدًا من الأمر في صباح ذلك اليوم. أخيرًا تأكدت منه هنا أيضًا» ورفع يده إلى جبهته، وجلس على حافة كرسيه.

وتابع: «كنت في شارع جامبيتا، أحد الشوارع الشعبية الصغيرة الجديدة، شارع به بعض المحلات الصغيرة وسمعته ليست هي الأفضل. في الساعة العاشرة، كنت أمرُّ بسرعة عَبْر ذلك الشارع عندما خرجت ابنة أختي القاسية تلك من محل صغير على بعد أمتار قليلة أمامي.»

فجأةً، تغير طابع الجلسة بأكملها. صحيح أن جيم فروبيشر كان يجلس بعيدًا عن المشهد، لكنه شعر بالتوتر الجديد، وكان مدركًا للتوقعات الجديدة. قبل لحظة، كان بوريس وابرسكي مدعاة للسخرية وهو يتحدث ويلوح بيدَيه، بل مدعاة للضحك الصريح. أما الآن، ورغم أن صوته ما يزال يتقلَّب بطريقة هستيرية بين النغمات العالية والمنخفضة، وجسده ينتفض كالدمية، فإنه كان يحظى باهتمام الجميع … باستثناء بيتي هارلو. لم يعُد وابرسكي غامضًا. كان يتحدَّث عن ساعة محددة، ومكان، وحادثة محددة وقعت.

«نعم، في ذلك الشارع الصغير السيئ رأيتها. لم أصدق عيني. تحولت إلى زقاق ضيق واختلست النظر من الزاوية. تلصَّصت عليها بعيني» وأشار وابرسكي إلى عينيه بإصبعين، كما لو كان هناك شيء مقنع للغاية في حقيقة أنه كان يختلس النظر بعينَيه وليس بمرفقَيه، «فصرت موقنًا. ثم انتظرت حتى اختفت عن الأنظار، فتسلَّلت للأمام لأرى أي محل زارته في ذلك الشارع الصغير القذر. مرَّة أخرى لم أصدق عيني. ذلك لأنني قرأت هذا الاسم فوق باب المحل: جان كلاديل العشَّاب.»

نطق وابرسكي الاسم بنبرة المنتصر ورجع بظهره في كرسيه وهو يهز رأسه بعنف كل ثانية. ساد الصمت في الغرفة تمامًا حتى كسره هانو.

إذ قال بهدوء: «لا أفهم. من هو جان كلاديل هذا، ولماذا يجب على سيدة شابة ألا تزور محله؟»

رد وابرسكي: «أعتذر. أنت لست من ديجون. كلا! وإلا لما كنت طرحت هذا السؤال. جان كلاديل ليس له سمعة أفضل من الشارع الذي يعيش فيه واللائق به. سَلْ أي شخص من ديجون عن جان كلاديل، وسترى كيف يصمت ويهز كتفيه كما لو كان هذا موضوعًا من المناسب الصمت عنه. أتعرف الأفضل من ذلك يا سيد هانو، يمكن أن تسأل في مقر الشرطة. جان كلاديل! لقد حُوكم مرتين بتهمة بيع العقاقير المحظورة.»

أخيرًا، خرج هانو عن هدوئه.

وصاح بصوت حاد: «ماذا؟»

قال وابرسكي: «نعم، مرتين يا سيدي. وفي كل مرة كان بالكاد يفلت، هذا صحيح. لديه أصدقاء أقوياء، وتم إبعاد الشهود وإخفائهم. لكنه معروف! جان كلاديل! نعم، جان كلاديل!»

كرَّر هانو ببطء: «جان كلاديل، عشَّاب في شارع جامبيتا. لكن …» ثم استرخى في وضع مريح أكثر، وتابع: «سترى دقَّة الموقف يا سيد وابرسكي. الساعة العاشرة هي ساعة عادية. فهي ليست ساعة واعدة يختارها أي شخص يرغب في عمل زيارة متهورة، حتى لو كان ذلك الشخص غبيًّا.»

ردَّ وابرسكي بسرعة: «نعم، وهكذا كان فكري أيضًا. كما أخبرتك، لم أصدق عيني. لكنني تأكدت … أوه، لم يكُن هناك شك، سيد هانو. وفكرت في نفسي فيما هو آتٍ. تُكتشف الجرائم لأن المجرمين — حتى الأكثر ذكاءً منهم — يرتكبون شيئًا أحمق عاجلًا أم آجلًا. أليس كذلك؟ أحيانًا يكونون حذِرين للغاية؛ فهم يجعلون أدلتهم مثالية في عالم غير مثالي. وأحيانًا أخرى يكونون مهملين للغاية أو مضطرين إلى الإقدام على فعل متهور. لكن بطريقة ما يرتكبون الخطأ، وتفوز العدالة.»

ابتسم هانو.

وقال: «أها! أنت من تلاميذ الجريمة أيها السيد!» ثم التفت إلى بيتي، ولاحظ جيم فروبيشر بشعور غريب من عدم الراحة أن هذه كانت المرة الأولى التي ينظر فيها هانو مباشرة إلى بيتي منذ أن بدأت المقابلة.

وقال: «وما قولك عن هذه القصة يا آنسة؟»

أجابت بيتي بهدوء: «إنها كذبة.»

سأل هانو: «ألم تزوري جان كلاديل في شارع جامبيتا في الساعة العاشرة من صباح يوم السابع من مايو؟»

«لم أفعل سيدي.»

ابتسم وابرسكي وبرم شاربه.

قال: «بالطبع! بالطبع! لا يمكننا أن نتوقع من الآنسة أن تعترف بذلك. فالمرء يقاتل لينجو بنفسه، أليس كذلك؟»

لكن هانو قاطعه بصوت يحمل شيئًا من الشراسة، ما يكفي لإحباط اطمئنان وابرسكي، فقال: «لكن، في نهاية المطاف، دعونا لا ننسى أنه في يوم السابع من مايو، كانت السيدة هارلو قد ماتت منذ ١٠ أيام. لماذا كانت الآنسة ما تزال تذهب إلى محل جان كلاديل؟»

قال وابرسكي: «لدفع المال. فلا شك أن سلعة جان كلاديل باهظة الثمن ويجب دفع ثمنها أكثر من مرة يا سيدي.»

قال هانو: «بالسلعة تقصد السم. فلنكن واضحين.»

«نعم.»

«السم الذي استُخدم لقتل السيدة هارلو.»

أعلن وابرسكي: «هذا ما أقول» وهو يطوي ذراعَيه على صدره.

قال هانو: «جيد جدًّا.» ثم أخرج من ملفه الأخضر ورقة ثانية مكتوبة بخط أنيق ومختومة بختم رسمي. وأردف: «ما قولك إذَن يا سيدي إذا أخبرتك أن جثة السيدة هارلو قد استُخرجت؟» فَقَدَ وجه وابرسكي ما تبقى من لونه. وحدَّق في هانو، وفكه يتحرَّك لأعلى وأسفل بعصبية، ولم ينطق بكلمة.

واصل هانو: «وماذا ستقول إذا أخبرتك أنه تعذر العثور على كمية من المورفين أكثر مما يمكن أن يكون سببًا لجرعة مُنوِّمة واحدة، ولا أي أثر لأي سم آخر؟»

في صمت تام، أخرج وابرسكي منديله من جيبه ومسح جبهته. لقد انتهت اللعبة. كان يرغب في إملاء شروطه، لكن خدعته انكشفت. لم يكُن لديه ذرة إيمان باتهامه الذي وجهه بنفسه. لم يكُن هناك سوى خيار واحد أمامه، وهو سحب اتهامه والادعاء بأن حبه لشقيقة زوجته قد قاده إلى خطأ فادح. لكن بوريس وابرسكي لم يكُن أبدًا الرجل المناسب لهذا. كان لديه ذلك القدر الإضافي من المكر الذي دائمًا ما يدمِّر المحتال البسيط. كان أحمق بما يكفي ليتخيل أن هانو ربما يلجأ إلى الخداع بدوره.

فقرَّب كرسيه قليلًا من الطاولة. وأطلق ضحكة خفيفة وأومأ لهانو بثقة.

قال بسلاسة: «أنت تقول «إذا أخبرتك.» نعم، لكنك لا تخبرني، سيد هانو … كلا، على الإطلاق. بل على العكس، ما تقوله هو الآتي: «صديقي وابرسكي، هنا مسألة عسيرة إذا أمكن الكشف عنها فستسبب فضيحة كبيرة، ونهايتها مشكوك فيها. لا فائدة من تعقيد المشكلة».»

فسأل هانو بابتسامة لطيفة: «أوه، أنا أقول ذلك؟»

شعر وابرسكي الآن أنه على أرض صلبة.

فقال: «نعم، وأكثر من ذلك. أنت تقول: «لقد عُوملت بطريقة سيئة، صديقي وابرسكي، وإذا كنت ستتحدث قليلًا مع ابنة أخيك القاسية تلك …»»

وانزلق كرسيه للخلف أمام خزانة الكتب وجلس يحدِّق ببلاهة كرجل أُطلق عليه الرصاص.

وكان هانو قد هبَّ واقفًا على قدمَيه، فوقف شامخًا بجوار الطاولة، وقد اكفهرَّ وجهه فجأة غاضبًا.

وقال بصوت هادر: «أوه، أنا أقول كل ذلك، صحيح؟ لقد قطعت كل هذه المسافة من باريس إلى ديجون لإدارة صفقة صغيرة في قضية قتل! أنا … المحقق هانو! أوه! هو! هو! سألقنك درسًا على ذلك! اقرأ هذا!» وبينما انحنى للأمام، مد الورقة التي تحمل الختم الرسمي. «إنه تقرير المحللين. خذه واطلع عليه!»

مد وابرسكي ذراعًا مرتجفة، خائفًا أن يقرِّبها أكثر. حتى عندما كانت الورقة في يده، كانت تهتز بشدة لدرجة أنه عجز عن قراءتها. لكن بما أنه لم يكن مقتنعًا أبدًا باتهامه، لم يكن ذلك مهمًّا.

وتمتم: «نعم، بلا شك أنني ارتكبت خطأً.»

تلقَّف هانو الكلمة.

«خطأ! آه، هذه كلمة ممتازة! سأريك أي نوع من الأخطاء ارتكبت. قرِّب كرسيك إلى هذه الطاولة أمامي! هكذا! وخذ قلمًا … هكذا! وورقة … هكذا! والآن اكتب لي رسالة.»

قال وابرسكي: «حسن، حاضر»، واختفى كل التبجُّح من سلوكه، وكل المكر الدسيس. كان يرتجف من رأسه إلى قدميه. «سأكتب أنني آسف.»

زمجر هانو قائلًا: «هذا ليس ضروريًّا. سأحرص على أن تشعر بالأسف. كلا! بل اكتب لي ما أمليه عليك وباللغة الإنجليزية. هل أنت مستعد؟ نعم؟ إذَن ابدأ. «السادة الأفاضل.» هل كتبت هذا؟»

قال وابرسكي وهو يكتب بسرعة: «نعم، نعم.» كان رأسه في دوامة. وكان يجفل وهو يكتب تحت هيئة المحقق الضخمة التي أظلَّته. ولم يكُن لديه بعد أي استيعاب للهدف الذي كان يُقاد إليه.

كرَّر هانو: «جيد! «السادة الأفاضل.» لكننا نريد تاريخًا لتلك الرسالة. ٣٠ أبريل، ما رأيك؟ هذا سيفي بالغرض. اليوم الذي قُرئت فيه وصية السيدة هارلو وعرفتَ أنك لم يُترك لك أي مال. ٣٠ أبريل … اكتبه. هكذا! الآن نكمل. «السادة الأفاضل، أرسلوا لي على الفور ١٠٠٠ جنيه عن طريق البريد الموصى به، أو سأسبِّب بعض المتاعب!».»

قذف وابرسكي بقلمه وقفز من كرسيه.

وقال متلعثمًا: «لا أفهم … لا يمكنني كتابة ذلك … هناك خطأ … لم أقصد أبدًا …» وقد رفع يديه كما لو كان يحاول صد هجوم.

صاح هانو بشراسة: «آه، لم يكن قصدك الابتزاز! آه! ها! ها! من مصلحتك أنني أعرف ذلك الآن! لأنه عندما يحين وقت التماسات التخفيف كما عبَّرت بكل رقة للآنسة، يمكنني أن أقف في المحكمة وأوصي بها. نعم! سأقول: «سيدي الرئيس، على الرغم من أن ذلك المسكين قام بالابتزاز، فإنه لم يقصده أبدًا. لذا من فضلك احكم عليه بخمس سنوات إضافية».» وهنا اندفع هانو عَبْر الغرفة كالإعصار وفتح الباب خلفه حيث كان جيم فروبيشر ينتظر.

وقال: «تعالَ!» وأدخل جيم إلى الغرفة. «هات الرسالتين اللتين كتبهما لشركتك يا سيد فروبيشر. جيد!»

لكن لم يكُن ضروريًّا إظهارهما. فقد انهار بوريس وابرسكي في الكرسي وانفجر في البكاء. وقد أتى جميع من في الغرفة على حركة بسيطة تنم عن الانزعاج باستثناء هانو؛ بل إن غضبه حتى هدأ وخفت. ثم نظر إلى وابرسكي في صمت.

وسرعان ما قال: «أنت تجعلنا جميعًا نشعر بالعار. يمكنك العودة إلى فندقك. لكنك لن تغادر ديجون يا سيد وابرسكي، حتى يتقرَّر ما سنفعله معك.»

نهض وابرسكي يمشي وكان يتعثَّر في طريقه نحو الباب.

وتمتم متلعثمًا: «أقدم اعتذاري. الأمر برمته خطأ. أنا فقير جدًّا … لم أتعمد أي أذًى.» وبدون أن ينظر إلى أحد، خرج من الغرفة.

قال هانو: «يا له من رجل! هو لا يمكنه بعد الآن على أي حال أن يعتقد أن ديجون مملة» ومجددًا، خاطر بالخوض في اللغة الإنجليزية. فقال: «أتعلمون ماذا كان سيقول صديقي السيد ريكاردو؟ لا تعلمون؟ سأخبركم. كان ليقول: «عجبًا لذلك الرجل! ربَّاه! ما هذه الجرأة!»»

كان من بقي في الغرفة — وهم بيتي وآن أبكوت وجيم فروبيشر — في مزاج يرحب بأي عذر للضحك. لقد رُفِع الحظر عن المنزل، وثبُت أن التهمة الموجهة إلى بيتي لا أساس لها، وانتهت هذه المسألة السيئة برمتها. أو هكذا بدا الأمر. لكن هانو ذهب بسرعة إلى الباب وأغلقه، وعندما عاد، لم يكن وجهه يحمل أي أمارات على الانفراج.

وقال بجدية: «الآن بعد أن ذهب ذلك الرجل، لديَّ شيء خطير جدًّا أخبر به ثلاثتكم. أعتقد أن السيدة هارلو قد قُتلت بالسم في هذا المنزل ليلة ٢٧ أبريل، على الرغم من أن وابرسكي لا يعرف ذلك.»

استقبل الجميع هذا البيان بصمت رهيب. فقد وقف جيم فروبيشر كرجل صعقته كارثة. أما بيتي فانحنت إلى الأمام في مقعدها بوجه مليء بالرعب وعدم التصديق؛ ثم انطلقت صرخة عالية ومفزعة من الكرسي الموضوع بالقرب من الباب حيث كانت آن أبكوت جالسة.

صاحت آن قائلة: «كان هناك شخص في المنزل تلك الليلة.»

التفت هانو إليها وعيناه تتقدان.

وسأل بصوت غريب وثابت: «أأنتِ واثقة مما تخبرينني به يا آنسة؟»

هتفت: «نعم. إنها الحقيقة» بشيء من الارتياح في نبرتها كما لو أن سرًّا قد خرج أخيرًا بعد أن أصبح لا يُحتمل. «أنا واثقة الآن. كان هناك شخص غريب في المنزل.» ورغم أن وجهها كان ممتقعًا، فإن عينيها التقتا بعيني هانو دون خوف.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥