أربع قصائد١

هذه أربع قصائد لأربعة من الشعراء المحدثين. أما القصائد، فستجد ترجمتها فيما بعد، وأرجو أن تغفر قصور هذه الترجمة وعجزها، ذلك أن ترجمة الشعر في كل اللغات أمر عسير مشكوك فيه، وهي في الشعر الحديث — الذي يهتم بجرس الكلمة وقيمتها الصوتية الموحية وعلاقتها بغيرها من الكلمات أكثر بكثير من اهتمامه بالمعنى والمضمون — تكاد أن تكون شيئًا مستحيلًا. أما الشعراء فهم جين الإسباني، وأنجارتي الإيطالي، وإلوار الفرنسي، وبن الألماني، وأستأذنك في تقديم نبذة موجزة عن حياتهم قبل تناول قصائدهم؛ إذ ليست السطور التالية إلا محاولة لإشراكك معي في قراءة هذه القصائد وتذوقها وتقديم تفسير يعين على إلقاء شعاع من الضوء على بناء الشعر الحديث.

والشعر الحديث بناء شامخ، يضل الإنسان في متاهاته المحيرة، أو بستان عجيب حافل بالزهور والأشواك، والحصى والجواهر، والسموم والوحوش أيضًا إذا شئت، وهو في جملته بناء غريب شاذ، على أن نفهم هاتين الكلمتين بمعناهما الجمالي لا الأخلاقي. لقد نشأ في فرنسا لا في أي بلد آخر. أرسى دعائمه «بودلير» في كتاباته النظرية التي تأثر فيها بشاعر الرومانتيكية الألمانية نوفاليس، والكاتب الشاعر الأمريكي إدجار آلان بو. وظهرت ملاحمه الأساسية في بعض شعره. ثم أحكم هذا البناء شاعران عظيمان هما «رامبو» و«مالارميه» اللذان جعلا منه — كلٌّ على طريقته الصاخبة أو الهامسة — مغامرة فريدة في البحث عن المطلق أو عن العدم. ولا أحب أن أسترسل في هذا الكلام الذي قدمت لك طرفًا منه في دراسة سابقة عن الشعر الحديث، وإنما أحب أن أقصر حديثي على القصائد الأربع التالية. ومع ذلك فقد يحسن أن أحدثك بإيجاز عن بعض عناصر هذا البناء الغريب الشاذ قبل الحديث عن القصائد، لتكون مصباحًا صغيرًا نهتدي به في تفسيرها.

فمن عناصر هذا البناء وضعه الخيال في مكان الواقع، وتأكيده لحطام العالم لا لوحدته، ومزجه بين عناصر متنافرة وناشزة، وتعمده الاضطراب والتشويه والتفتيت للواقع واللغة على السواء، وتأثيره السحري عن طريق الغموض والإلغاز وسحر اللغة المنبعث من رنين الكلمة وإشعاعاتها العديدة، وإغرابه لكل ما هو مألوف أو معتاد في مجال الفكر والواقع أو الزمان والمكان، وإيثاره للتفكير الرزين المحسوب الشبيه بالتفكير الرياضي، واستبعاده للعاطفية المسرفة، واطِّراحه لكل ما يسميه الفيلسوف الإسباني «أورتيجا إي جاسيت» بالنزعات البشرية، وتخلصه مما يسمى بشعر الإلهام أو الشعر المباشر، وطغيان المخيلة الخلاقة التي يسيرها العقل والوعي، وتدمير نظام الواقع والأنظمة المنطقية والانفعالية المألوفة، واستغلال الطاقات الموسيقية في اللغة إلى أقصى حد ممكن، والاعتماد على الإيحاء بدلًا من الفهم، وإعلان القطيعة مع التراث الإنساني والأدبي والديني والتمرد المقصود عليه، وإحساس الشاعر بانتمائه إلى عصر حضاري متأخر، وشعوره بالتوحد والتفرد، وتكافؤ التعبير الشعري مع التأمل المستمر في هذا التعبير، أي تلازم الشعر وفن الشعر، وتعمد إذهال القارئ ومفاجأته وإدهاشه إلى حد الصدمة، والانسياق وراء المغامرة سواء في الشعر العقلي الخالص أو في شعر الأحلام وغياهب النفس غير الواعية بما يجدد اللغة ورموزها وصورها واستعاراتها … إلى آخر هذه العناصر والعوامل السلبية في هذا البناء المعقد الذي يعكس وحدة الشاعر والفنان الحديث مع لغته وآلام عصره، لنبدأ الآن رحلتنا القصيرة في هذا «البستان الوحشي» بقصيدة لشاعر من إسبانيا. وخورخه جين من أكبر الشعراء الإسبان المعاصرين. ولد سنة ١٨٩٣م في فالادوليد ودرس الأدب والفلسفة في مدريد وغرناطة. عاش من سنة ١٩٠٩ إلى سنة ١٩١١م في سويسرا، وقام بالتدريس في جامعة السوربون من سنة ١٩١٧ إلى سنة ١٩٢٣م. حصل على الدكتوراه في سنة ١٩٢٤م، وعُين أستاذًا للأدب في مورثيا، ثم في جامعتي أكسفورد وإشبيلية. وقد لجأ في سنة ١٩٣٨م إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وتولى تدريس الأدب الإسباني في كلية وليسلي في ماساشوتس. ومبلغ علمي أنه يعيش منذ سنوات في مدينة فلورنسة في إيطاليا.

ويعد «جين» من أهم رواد الشعر الإسباني المعاصر، وأكبرهم أثرًا على الجيل الجديد من الشعراء، كما يعد من أكبر ممثلي الشعر الخالص أو الشعر المحض. ظهرت مجموعته الشعرية «أنشودة» التي ضم فيها كل ما كتب من قصائد في حياته في أكثر من طبعة، وعلى أكثر من صورة، وأضاف إليها ونقح فيها عدة مرات. وقد تأثر تأثرًا قويًّا بشعر «خيمينيث» و«مالارميه»، وترجم كثيرًا عن الشعر الفرنسي وبخاصة «فاليري» و«كلوديل» و«سوبرفيي». وهو من أشد الشعراء المعاصرين التزامًا بأوزان الشعر وبحوره التقليدية، وتعد مجموعته أنشودة كبيرة في تمجيد الحياة والإنسان، وكل من يقرأ شعره يلاحظ أنه يبدأ من أشياء واقعية محسوسة لا يلبث أن ينقيها ويرتفع بها إلى عالم شاعري خالص من كل آثار الواقع، لنقرأ معًا قصيدته التي تقول:

١

باب

الباب موارب.
عمن يبحث هذا الضوء؟
الشفق سيال
يتلألأ عاجزًا
— لمن هذا الصمت؟ —
مكان مقفل.
صوت ينادي، لعله وعد
من المجهول. مشاعر.
لأي شمس مثل هذا الهدوء؟
ويظهر التحول،
يتجه في هواء
فارغ مقنع.
باطن. الجدران بلا شك
تخفي المجهول.
هنا؟ شجرة جوز، كأس.
صمت يعزل نفسه.
عادي، مهذب جدًّا؟
عطر وردة يومية
الباب مغلق: بعيدًا.
هذا الضوء، أهو رسول؟
والآن: عين في عين …

وأول ما نلاحظه على القصيدة أنها تضع مقطوعتين منها من الناحية البصرية البحتة في موضع جانبي، وكأنها تنبه إلى نوع من تغير الصوت أو النغمة في داخلها (ويسري هذا على المقطوعتين الثالثة والسادسة اللتين يضعهما الأصل على يسار باقي المقطوعات)، ومع هذا التنوع في طريقة الطبع أو الكتابة، فإن أسلوب الحديث واحد في كل أجزاء القصيدة، وهو شبيه بأسلوب هذا الشاعر في معظم أشعاره التي يغلب عليها الإيجاز الشديد، والميل إلى استخدام الجمل الاسمية. والقصيدة تتحدث عن درجات مختلفة من الضوء، ومكان يحده باب، وجدران تحد بدورها فضاءً. وهي توشك أن تكون خالية من الإشارة إلى أي إنسان، اللهم إلا من إشارة عابرة ترد مرتين إلى «مجهول» (في البيتين الثامن والرابع عشر)، وإن كانت هذه الإشارة نفسها تؤيد إحساسنا بغياب العنصر الإنساني ولا تقلل منه. أضف إلى هذا أنها بعيدة كل البعد عن الواقع بعدها عن أي محاولة لنسخه من الخارج. وهي ترد موضوعاتها (كالمكان والنور … إلخ إن صح أن فيها ما يمكن أن يوصف بأنه موضوع) إلى عناصر مفككة تظهر أو تختفي لغير سبب ظاهر. هذا التفكك بالإضافة إلى صيغة السؤال في الأبيات الستة المنتهية بعلامة استفهام، تجعل من الصعب علينا أن نصل إلى تفسير محدد لها، لا بل تكاد أن تجعل هذا التفكير مستحيلًا.

والواقع أن صيغة السؤال المتكررة في القصيدة تساعد على البعد بها عن أي تحديد واضح؛ ولذلك فقد نستطيع أن نقول على سبيل التخمين إن القصيدة تتحدث على هذا النحو:

«هناك باب موارب يغلق بعد فترة من الزمن، وضوء غامض ينفذ إليه أو يتسلل منه. ومن خلال الإحساسات والفراغ والسكون والعطر تطل شجرة، ويتحول القرب إلى بعد، وينشأ في هذا البعد قرب جديد، ربما يكون قرب إنسان كما في البيت الأخير.»

ومع ذلك فقد يكون الأمر على غير هذا، وقد يمكن أن نقول عكس ما قلناه عن موضوع القصيدة التي تشع كمعظم قصائد الشعر الحديث بإشعاعات عديدة ودلالات وأحاسيس وظلال مختلفة. والواقع أن هذه الفروض والاحتمالات هي التي تعطي للقصيدة طابعها المتميز. فهي لا تريد أن تتحدث عن موضوع معين بقدر ما تريد أن تشير وتوحي عن طريق اللغة دون أي تحديد لما تشير إليه هذه اللغة أو لما توحي به.

ومن يدري فقد يكون هدف الشاعر هو أن يخلق فينا هذا التوتر أو هذه الحيرة، وقد يكون هدف القصيدة أن تتحول إلى رفيف هامس يهتز ويهزنا معه بين إمكانات وإشعاعات مختلفة المعاني والمشاعر والظلال … تتيح لكلٍّ منا أن يفسرها أو يحياها كما يشاء.

٢

أما هذه القصيدة، فهي للشاعر الإيطالي جوسيبي أنجارتي الذي سبق أن حدثتك عنه، وتناولت ظاهرة الغموض في شعره، وفي الشعر الحديث بوجه عام.

ويعد شعر أنجارتي نقطة تحول في الشعر الإيطالي بوجه عام وإيذانًا ببدء مرحلة جديدة بعيدة عن الخطابية الزائفة التي عرفت عند شاعر مثل «داننزيو» راح يمجد البطولة والقوة ويتغنى بالأساطير الغابرة، ويملأ شعره بالصور والكلمات الصارخة.

جاء شعر أنجارتي بنغمة جديدة هامسة لم تكد تجد في بلاده أذنًا تصغي إليها. وكان بجمله القصيرة المركزة، وتخليه عن الأشكال والأوزان القديمة، وعكوفه على التأمل الهادئ بعيدًا عن الأساطير والبطولات والأساليب البلاغية الطنانة، أشبه بواحد من أولئك الرهبان الفرنسسكانيين الذين يكرسون حياتهم للتعبير عن معجزة الوجود وعذابه …

وقد أثار شعر أنجارتي في البداية موجة من الغضب والسخط، وأُنشئت مجلات أدبية للهجوم عليه، واتهمه النقاد بالغموض، لا بل نصبوه زعيمًا لممارسة الغموض والألغاز (الهرمتزم) التي كانت رد فعل لرومانتيكية القرن التاسع عشر، وكل مساوئها في السياسة والفلسفة والإغراق في النزعة الخطابية والبلاغية.

إن شعراء الغموض — إذا صحت هذه التسمية — وعلى رأسهم أنجارتي، يبحثون عن جوهر الشعر نفسه، بالنغمة الهادئة الهامسة، واللغة المركزة الكثيفة. والصور والإشارات والاستعارات الغريبة الناشزة والنبرة المحايدة الأمينة التي تبرز ألم الفرد بعيدًا عن الذاتية والعاطفية، إلى حد يصل إلى اطِّراح النزعات البشرية — كما طالب بذلك الفيلسوف الإسباني أورتيجا إي جاسيت في مقاله الذي أشرت إليه أكثر من مرة٢ — وهم يتميزون إلى جانب هذا كله بلغتهم الصافية الساحرة التي قد تبلغ بالقارئ درجة اليأس من فهم أي معنًى على الإطلاق. ولا عجب في هذا إذا عرفنا أن الشعر الحديث في مجموعه يهدف كما قلت إلى الإيحاء لا الفهم، ويُعنى بجرس الكلمة ونغمها أكثر بكثير من عنايته بالمضمون، ولكن لنقرأ معًا قصيدة أنجارتي نفسها، ونحاول أن نجربها بدلًا من الاسترسال في أفكار نظرية قد تقف حائلًا بيننا وبينها. وعنوان القصيدة «شعب». وقد كتبها الشاعر في أواخر الحرب العالمية الأولى أو بعدها بقليل:

شعب

فر قطيع النخيل الوحيد
والقمر
اللامتناهي فوق ليالٍ جديبة،
الليل الأسحم
سلحفاة في حداد
تتحسس
لا لون يدوم
اللؤلؤة السكرى بالشك
(بدأت) تنبه الفجر،
وعند قدميه السريعتين
تثير الوهج
ها هي ذي تدوي
صيحات ريح شابة،
خلايا النحل تنشأ في جبال
الأبواق الضالة
ارجعي أيتها المرايا القديمة،
يا خطوط الماء الخفية
بينما الآن
و…
براعم مرتفعات الثلج المقطوفة
تحيط بالصورة التي تعوَّد عليها آبائي،
تصطف الأشرعة
في الهدوء الصافي،
آه يا وطني، كل فصولك
صحت في دمي
تتقدم آمنًا وتغني
فوق بحر جشع.
(١٩١٩م)

عنوان هذه القصيدة يتصل بموضوعها، وهو الوطن الذي يذكره البيت الرابع والعشرون. ومع ذلك فإن هذه الصلة شيء نرجحه، ولا نستطيع أن نقطع به. فإذا شئنا أن نتمسك بها أمكننا أن نقول إن القصيدة تصور فيما يبدو رجوع الشاعر من الشرق الأدنى (وبالتحديد من مسقط رأسه بالإسكندرية) إلى وطنه. وقد يؤيد هذا الظن أنها تبدأ البيت الأول منها بفعلٍ ماضٍ «فر»، ثم لا تلبث أن تتحول عنه في سائر أبياتها إلى الفعل المضارع. وقد تؤيده أيضًا من ناحية المضمون مثل هذه العبارات: قطيع النخيل الوحيد (البيت الأول) ارجعي (البيت السادس عشر)، آبائي (البيت الحادي والعشرون). ولكن المؤكد على كل حال أن القصيدة تتجنب التحديد المادي وتعمد إلى الإيحاء الذي يثير في الخيال مختلف الفروض والاحتمالات. ولهذا فمن العبث أن نحاول الاهتداء فيها بمكان أو شيء محدد. أما الأحداث الزمنية، فهي على العكس من ذلك واضحة يسهل التعرف عليها في درجات الضوء المختلفة. وإذا قرأنا القصيدة في أصلها الإيطالي لاحظنا أنها تخلو تمامًا من التنقيط، ولو قرأناها بصوت مرتفع لوجدنا أنها تتكون من مجموعة من الجمل القصيرة، لا يستثنى من ذلك إلا المقطوعة الثامنة منها (من البيت ١٨ إلى البيت ٢٣).

ربما كان أروع ما في القصيدة هو استعاراتها الغنية. وتختلف نماذج هذه الاستعارات التي تلجأ إلى الصفة مرة (كما في البيت الخامس حين تصف السلحفاة بأنها في حداد)، ومرة أخرى إلى الإضافة (كما في البيت الأول والبيتين الثامن والعشرين). وقد تكون استعارة مطلقة (كما في البيتين الرابع عشر والخامس عشر)، حيث لا يشير طرفا الاستعارة إلى أشياء محددة (خلايا النحل وجبال الأبواق الضالة). والمهم أن الاستعارات تشترك جميعًا في شمول الصور التي تعبر عنها، بحيث تبلغ أقصاها في البيتين الرابع والخامس، والبيتين الرابع عشر والخامس عشر. وربما أراد الشاعر إلغاء الفرق بين الكلام المجازي والكلام العادي وأحداث الغرابة والشذوذ من ناحيتي الصوت وبناء العبارة عن طريق التأليف بين كلمات لا تأتلف بطبيعتها، ولكن على الرغم من كل ما في القصيدة من غموض وإلغاز اشتهر بهما الشاعر، فإن فيها حركة توحد بين أجزائها المتفرقة، فهي تبدأ بقطيع النخيل الليلي الهارب، ثم تصف الليل نفسه إلى أن تتكشف شيئًا فشيئًا، حين تتكلم عن لؤلؤة الشك السكرى (أو ضوء الفجر الذي لا يتأكد بعد)، وعن ريح الصباح، حتى تنتهي إلى الحديث صراحة عن الهدوء الناصع (في البيت الثالث والعشرين)، وعن اليقظة والصحو النهائي (في البيت الخامس والعشرين). وتبلغ الحركة ذروتها في الفضاء المنتصر فوق بحر العواطف المضطربة (وهو البحر الجشع في البيتين الأخيرين).

وهكذا تؤيد القصيدة قضية تنطبق على الشعر الغربي الحديث في مجموعه، وهي أن هذا الشعر يفسر بحركته اللغوية والفكرية لا بألفاظه أو معانيه.

٣

ونأتي إلى هذه القصيدة لبول إلوار (١٨٩٥–١٩٥٢م)، ولا شك أنك تعرف الكثير عنه، ولا شك أيضًا أنك قرأت بعض أشعاره. ومع ذلك فأرجو أن تأذن لي بتقديم هذه الحقائق البسيطة عن حياته وأعماله. فقد ولد في سان دنيس وهي إحدى ضواحي باريس. كان أبوه موظفًا في مكتبة، وكانت أمه تشتغل بالخياطة. اشترك في الحرب العالمية الأولى، وأصيب بتسمم خطير من الغازات السامة. أصدر كتابه «الواجب والقلق» في سنة ١٩١٧م، وعبر في قصائد للسلام (١٩١٨م) عن كراهيته للحرب وجمود المجتمع البرجوازي. انضم إلوار بعد نهاية الحرب إلى جماعة الداديين والسرياليين، وشارك في حركتهما الأدبية مشاركة فعَّالة، وكتب مجموعة من القصائد التي تحمل سخطه على الظلم الاجتماعي وغضبه من عدم الاكتراث بشقاء الإنسان. سافر في سنة ١٩٢٤م في رحلة إلى شرق آسيا، أصدر بعدها مجموعة من أجمل قصائد الحب التي كتبها، «عاصمة الألم سنة ١٩٢٦م» و«الحب، الشعر سنة ١٩٢٩م». اشترك في المؤتمر الدولي الثاني للكُتَّاب الثوريين الذي انعقد في خاركوف سنة ١٩٣٠م، ووصل إلى ذروة إنتاجه في كتاب «الحياة المباشرة» (١٩٣٢م).

انتقل إلوار تحت تأثير الحرب الأهلية الإسبانية من التمرد الفردي إلى الإيمان بضرورة الكفاح المشترك، وقطع صلته نهائيًّا بالسرياليين في سنة ١٩٣٨م. واشترك في الحرب العالمية الثانية وعبَّر عن احتجاجه عليها في «الكتاب المفتوح ١٩٤٠، ١٩٤٢م» كما اشترك في حركة المقاومة السرية للاحتلال النازي لبلاده، وكان له دور كبير فيها. وقد انضم للحزب الشيوعي الفرنسي في سنة ١٩٤٢م، وظل عضوًا فيه حتى وفاته في سنة ١٩٥٢م، وأثرت قصائده التي كتبها في ظل الاحتلال أبلغ الأثر على الشعب الفرنسي، وأثبتت أن الشعر يمكن أن يكون عونًا على الفعل، وسلاحًا من أهم الأسلحة التي تحرر وجدان الإنسان وأرضه. ومن أهم هذه القصائد قصيدته المشهورة «الحرية» التي نُشرت في ديوانه الشعر والحقيقة (١٩٤٢م)، وسبع قصائد حب في الحرب (١٩٤٣م)، وموعد مع الألمان (١٩٤٧م)، وكلها تعبر — على الرغم من صعوبة بنائها وشدة تركيزها وغرابة صورها واستعاراتها — عن حب وتعاطف غير محدود مع البشر، وحرص على حياتهم وشرفهم وسعادتهم التي كافح طوال حياته في سبيلها.

لنقرأ الآن القصيدة التي اخترتها لك من شعره، ولنحاول بعد ذلك أن ننظر فيها كما فعلنا مع القصيدتين السابقتين (وأرجو أن تلاحظ أن الكلمات الموضوعة بين قوسين في هذا النص وفي غيره زيادة مني لتيسير قراءته):

لغة الألوان،
أعرفك يا ألوان الرجال والنساء،
زهور نضرة، ثمار عطنة، هالات منثورة،
موشورات موسيقية، (كتل) ضباب أبناء الليل،
ألوان، وكل ما يفتح عيني مضيء،
ألوان، وكل ما يدفعني للبكاء كئيب،
ألوان العافية، الرغبة، الخوف،
وعذوبة الحب تضمن المستقبل،
ألوان جريمة وجنون وتمرد وشجاعة،
والضحك في كل مكان يعري السعادة،
وأحيانًا العقل الذي يبصقنا كأغبياء،
ودائمًا العقل الذي يعيد خلقنا عظماء،
خفق الدم على كل دروب العالم،
ألوان ليحفر اليأس الليل (كما يشاء)،
ولتسود الألغاز المؤرقين حتى العظام،
فالأحلام تشرق بالجمال والخير.
إن يقم الشتاء في ركن من قلبي،
ففي (الركن) الآخر أرى بوضوح، وأرجو «وأبتهج»
بالألوان،
أعكس أخصب جسدًا سوف يدوم،
أكافح، أسكر بالكفاح من أجل الحياة،
في نصاعة الآخرين أشيد انتصاري.
(١٩٤٩م)

تتكوَّن هذه القصيدة في الأصل من عشرين بيتًا غير مقفًى من البحر السكندري. وتقابلنا فيها مجموعة من الأشكال الصوتية أو النغمية كترداد الحرف الأول في بعض الكلمات المتتالية في البيتين الأول والثاني، والقافية العارضة في البيتين السادس والتاسع، والقافية الداخلية والمقطع المتشابه في كلمتين متفقتي النهاية. وهذه الأشكال الصوتية التي تظهر على نحوٍ عرضيٍّ شاذٍّ، هي التي تعطي للقصيدة طابعها المميز، أضف إلى هذا أن المقطوعة الأخيرة من القصيدة تتميز بالتكرار المتعمد للحرف الصوتي «أي» في كلماتها، بحيث يعبر عن نوع من التصاعد المستمر في الأفكار والمعاني التي تتضمنها.

وتتميز القصيدة إلى جانب هذا بالغموض في بناء عباراتها أو على الأقل بغرابته وندرته. إنها تبدأ البيت الأول بنداء المخاطب الجمع «انظر البيت الأول الهامش»، «أعرفك يا ألوان … إلخ»، ولكن من الصعب أن نقرر إن كانت الأبيات التالية تحتوي على مثل هذا النداء، أو على أية تسمية أخرى، اللهم إلا في المقطوعة الأخيرة التي تتخلى جملها القصيرة عن أسلوب استخدام الأسماء المتبع في المقطوعات الثلاث السابقة، وهذا الأسلوب يتحاشى الترابط المألوف في بناء الجمل، بحيث نتشكك في وجوده في كل مرة نظن أننا تعرفنا عليه. هل هناك مثلًا علاقة إضافة تجمع بين «جريمة وجنون» في البيت الثامن، وبين «ألوان العافية … إلخ» في البيت السادس أم أنها تركيبات مستقلة بنفسها؟ وهل يتصل البيت الرابع عشر «لتسود الألغاز المؤرقين حتى العظام» بالبيت السابق عليه مباشرة، بحيث يمكن أن يسري عليه ما أضفناه إليه على سبيل التوضيح، فنفهمه مثلًا على هذا النحو «لتسود الألغاز كما تشاء … إلخ» أم أن المصدر الأصلي فيه قائم بذاته؟

أسئلة كثيرة كما ترى، لا يبدو أننا سنصل فيها إلى جواب أخير. ومع ذلك فإن القصيدة لا تخرج عن هذا الغموض المقصود في بناء عباراتها إلا في المقطوعة الأخيرة التي تتميز بعباراتها الواضحة، وحركتها الصاعدة الظافرة التي لا تخطئها الأذن ولا الفهم.

وأعجب ما في القصيدة أنها تتحدث عن الألوان، ولكن معظم الأشياء أو الأحداث التي تلمسها خالية من الألوان التي نعرفها في الطبيعة. فهناك الأزهار، والموشورات. وهناك الليل والسواد، والنصاعة والوضوح. والبيت الوحيد الذي يسمى لونًا محددًا (وهو اللون البني الغامق الذي يعبر عادة عن القتامة والكآبة) هو البيت الخامس الذي ترد فيه كلمة «كئيب»، ولعل جسارة القصيدة أن تكون كامنة في إضفائها اللون على مجالات فكرية وتصورية لا لون لها، مستعينة في هذا بكلمة ألوان المجردة التي تتكرر ست مرات في القصيدة، وتؤثر في الحقيقة تأثيرًا صوتيًّا لا بصريًّا. وهكذا نجد أنفسنا أمام مجموعة من الكائنات والأفكار التي اكتسب كلُّ منها لونًا مع أنها بطبيعتها بلا لون، كالرجال والنساء والعافية والخوف والجريمة والجنون واليأس … وهكذا تتحرر القصيدة أيضًا من النظام الطبيعي للأشياء، وتتحرك حركة حرة بين عالم الإنسان وعالم الألوان، أو عالم «التلوُّن» إن شئنا البعد عن التحديد. وفي ظل هذه العلاقة الحرة بين العالمين يتم الصعود المنتصر الظافر الذي تعبر عنه المقطوعة الأخيرة؛ إذ تنتقل قيمة اللون إلى النصاعة والصفاء، تؤيدها في ذلك الأصوات المتحركة التي أشرت إليها، والوضوح النسبي في تركيب العبارات. وأخيرًا فإن أية محاولة لتذوق القصيدة، ينبغي أن تبتعد عن تفسير أبياتها، كلٍّ على حدة، كما ينبغي أن تنتبه لقيمة الكلمات والعلاقات التي تربط بينها، أما المعنى الكلي فهو في هذه العلاقات نفسها، وفي موكب التصاعد المستمر نحو النور والصفاء.

٤

وأخيرًا نصل إلى قصيدة للشاعر الألماني جوتفريد بن (١٨٨٦–١٩٥٦م)، وهو من أكبر شعراء بلاده وأعظمهم أثرًا على الجيل الجديد من أدبائها، وإن لم يُعرَف للأسف معرفة كافية خارج حدودها … ولد في مانسفلد (منطقة فستبريجنتس) ومات في برلين. كان أبوه قسيسًا، ودرس الأدب واللاهوت في جامعة ماربورج، ثم تحول إلى دراسة الطب في برلين وعمل طبيبًا عسكريًّا في الحربين العالميتين، ومارس علاج الأمراض الجلدية والتناسلية منذ سنة ١٩١٨م في عيادته بمدينة برلين.

رحب «بن» بالنظام النازي في بداية عهده، وظن أنه سيخلص العالم الغربي من العدمية والركود الروحي، فلما اكتشف خطأه الرهيب لزم الصمت ابتداءً من سنة ١٩٣٦م، وطرده النظام أيضًا من اتحاد كُتَّابه، وشهَّر بأعماله «المنحلة». وعاد إلى النشر في سنة ١٩٤٨م، وكتب القصيدة والقصة والمقالة والمسرحية، وتميز بأسلوبه الغريب الذي يزخر بالمصطلحات الطبية والعلمية والفلسفية، ونظرته العدمية الصريحة، واهتمامه البالغ بالشكل. وقد بدأ «بن» متأثرًا بالمدرسة التعبيرية، وراح يسجل بأسلوب تهكمي بارد، ولغة قوية متفجرة مشاهد المرض والفساد في الحضارة الغربية الحديثة، ويكشف بمبضع الجراح وموضوعية العالم وبروده مظاهر الانهيار المختفية وراء قناع التمدن والتقدم. ومع ذلك فإن شغفه بالصور الوحشية المقززة عن الأمراض والأورام والقرح والجثث والمشارح ينطوي على حنين رومانتيكي إلى البراءة والنقاء اللذين راح يلتمسهما في الشكل الفني الناضج التام والصور والرموز الأسطورية القديمة التي يضعها إلى جانب أحدث المصطلحات العلمية، فيشع من قصائده وهج شعري يخطف العين بقدر ما يلسع القلب. وقد استطاع في أواخر حياته أن يتغلب على نزعته العدمية المغرقة في التشاؤم، وأن ينصرف عن أسلوبه المتهكم المرير عن طريق الكلمة الساحرة والروح الغنائية والتشكيل الكامل، ولعله قد نجح في رأي بعض النقاد في إيجاد نوع من «العدمية الخلاقة» التي تحاول عن طريق الشكل الفني كما قدمت أن تعلن مقتها لكل الأيديولوجيات، وتوجد معنًى لعالم خلا في رأيه من المعنى ومن عناية السماء.٣

وإليك هذه القصيدة التي كتبها في سنة ١٩٣٠م:

«دائمًا أشد صمتًا»
أنت في الممالك الأخيرة،
أنت في النور الأخير،
إن لم يكن نورًا
في الوجه الشاحب المحملق،
هناك الدموع دموعك،
هناك تتعرين من نفسك،
هناك الإله الواحد،
الذي يخلص من كل عذاب.
من بين أزمنة لا تسمى
حطمك واحد منها،
نداءات، أغانٍ تصحبك
تسمع فوق الماء،
ظلال أشجار استوائية،
غابات من عمق البحر،
أماكن نشوى بالرعب
ندفعها إلى هنا
قديمًا كان شوقك،
قديمة كانت الشمس وكان الليل،
كل شيء: الأحلام والأحزان
تبددت في التيه،
دائمًا أكثر انتهاءً، دائمًا أكثر صفاءً
تطوى في الأبعاد،
دائمًا أكثر صمتًا، لا أحد ينتظر،
ولا أحد ينادي.

إذا كان من الصعب أن نفسر قصيدة من الشعر الحديث بالاعتماد على ترجمتها، فإن هذه الصعوبة تزداد في هذه القصيدة التي نحس عند قراءتها وسماع كلماتها الأصلية بأنها قصيدة غنائية بكل معنى الكلمة. وتزداد هذه الصعوبة أيضًا إذا عرفنا أنها تحافظ في الأصل على الوزن والقافية اللتين تقضي عليهما بالطبع أية ترجمة.

إن الروح الغنائية تغلب على القصيدة؛ ولذلك يأتي السؤال عن معناها في المقام الثاني. والواقع أن المعنى يحوطه الغموض من جهات عديدة. فبناء العبارة يميل إلى الاختزال الشديد، ولكن ماذا تختزل؟

إذا نظرنا في البيتين الأولين وجدنا حرف الجر «في» (وهو في الأصل يدل على الاتجاه؛ إذ يتبعه المفعول به)، ولكن لم نجد الفعل المتصل به. والبيتان الثالث والرابع في صيغة الشرط، ومع هذا فإننا نبحث عبثًا عن جواب هذا الشرط، فلا نجد إلا «هناك».

وإذا نظرنا في المقطوعة الثانية، وجدنا فعلين في البيتين الثاني عشر والسادس عشر، وتعذَّر علينا أن نهتدي إلى الفاعل. فمن هو الذي يسمع النداءات والأغاني؟ ومن الذي يدفع وماذا يدفعه؟ أهي الأغنيات أم الغابات؟ حتى إذا بلغنا المقطوعة الثالثة تملكتنا الحيرة أمام البيت السابع عشر (قديمًا كان شوقك). فهل فيه مقارنة أو تماثل كأن تقول مثلًا الشوق كان قديمًا قدم الشمس والليل؟ أم أنها مجموعة مستقلة من الكلمات لا تشترك مع البيت السابق عليها إلا في صفة القدم؟

ونأتي إلى البيت الحادي والعشرين (دائمًا أكثر انتهاءً، دائمًا أكثر صفاءً)، فنعجز عن العثور على الفاعل الذي يُحدث هذا كله أو يحدث له. ولا شك أن هذا الاختزال في بناء العبارة، والإيجاز الشديد فيها، وافتقاد الصلة المباشرة بين الكلمات المختلفة تزيد من حيرتنا في تفسير القصيدة تفسيرًا محددًا، ولكن هل نخرج منها مع ذلك صفر اليدين؟

لا يمكننا أن ننتهي إلى هذه النتيجة. فلا شك أن قراءة القصيدة، حتى في هذه الترجمة القاصرة، تبعث في نفوسنا الإحساس العميق بالألم والمرارة. والعنوان وحده — وهو مأخوذ من البيت قبل الأخير — يثير فينا هذا الإحساس. وتكرار كلمة الأخيرة في البيتين الأولين، والنهاية التي تغلق الباب أمام كل أمل، ونغمة الحزن والفقد الشائعة في القصيدة كلها تؤكده وتزيده عمقًا ونفاذًا. ومع ذلك فإن سبب هذا الحزن وهذه المرارة غير معروف. إن الشاعر لا يحدده ولا يسميه، بل يضفيه على الأحداث والأفكار. وهذه الأحداث والأفكار تزيد فيها قيمة النغم والإيحاء على قيمة المعنى والمضمون. أي إنها تنغم وتوحي أكثر مما تفهم أو تفيد. ثم إن هذه الأفكار والأحداث المتفرقة معزولة عن بعضها البعض، ولو حاولنا أن ننظر إليها كأحداث موضوعية لما وجدنا هناك صلة تجمع بينها. ولا يقتصر الأمر على غموض العلاقات التي تربط بينها، بل إن هناك إمكانات متعددة في بناء الجمل والعبارات. ولا يملك القارئ إلا أن يسأل نفسه: لماذا يتحدث الشاعر في بداية القصيدة عن الإله الذي يخلص من كل عذاب، ثم يتحدث في نهايتها عن الوحدة الصامتة أو الصمت الوحيد؟ ألم يكن العكس هو الأولى؟

ليس لهذا من تفسير إلا القول بأنه يتخلى عن المسار الطبيعي والنظام المنطقي المألوف، وإن هذا هو الأسلوب المتبع عند معظم الشعراء المحدثين منذ أيام بودلير ورامبو ومالارميه، وعند هذا الشاعر الذي نتناوله بوجه خاص.

ويسأل القارئ نفسه: من أين يأتي الزمن الذي يحطم؟ ولماذا يحطم الزمن بالذات؟ (البيت العاشر). هل تفهم الأبعاد (في البيت الثاني والعشرين) بمعناها الاستعاري أم بمعناها اللفظي؟ وأخيرًا من هي (أو من هو) التي تخاطبها القصيدة بأنت؟ أهي أنا تخاطب نفسها أم هي أنت أخرى يخاطبها الشاعر؟ هل القصيدة مونولوج أم ديالوج؟ ومن الذي تبدد بفكره في التيه؟ (البيت العشرون) أهي الأحلام والأحزان أم هي الأنا أم الأنت؟

على أن غموض القصيدة وعدم تحددها لا يمكن مع ذلك أن يؤدي إلى القول بأنها خالية من المعنى أو الإحساس. فنحن لا نخطئ فيها الشعور بالألم والوحدة والفراق، وهو شعور كامن في نغمتها العامة وبحرها القصير وقوافيها المتكررة. أما أسلوبها الموجز الذي يلجأ للحذف والاختزال في بناء العبارة، فهو لا يبعدها فحسب عن أسلوب الكلام والإحساس العادي، بل ينقلها إلى بيئة لغوية ونفسية خاصة بها، تنفرد فيها بنفسها وترفض الخروج منها. ولعل هذه البيئة هي مملكة المنفى التي يلجأ إليها الشاعر وحيدًا مع لغته وعذابه وصمته وعزلته المخيفة في الكون. والشاعر الحديث دائمًا وحيد مع لغته، فهي ملاذه وملجؤه وموطن ألعابه ومغامراته وتجاربه التي لا تهدأ ولا تنتهي.

تلك خواطر عن تفسير عدد من قصائد الشعر الحديث، اهتديت فيها بالكتاب القيم «بناء الشعر الحديث»، الذي وضعه عالم كبير في اللغات الرومانية هو الأستاذ «هوجو فريدريش»، وصدرت طبعته الثانية في العام الماضي. ومن أسف أن هذه السطور تنقل إليك رسم الكلمات المطبوعة، ولا تستطيع أن تنقل أصواتها وأنغامها، ومن أسف أيضًا أنني لا أملك أن أقدم لك النصوص في لغتها الأصلية؛ لأن العرف لم يجرِ بهذا في مجلاتنا أو في كتبنا، ولأنني لا أحب كذلك أن أثقل عليك، ولا أرى من الخير أن يملأ الكُتَّاب مقالاتهم بالكلمات الأجنبية. لقد حاولت أن أقدم لك زادًا متواضعًا أرجو أن يعينك على تذوق الشعر الحديث كلما واجهك بغموضه وتعقيده وألغازه. ولقد أشرت إلى الطريق وحسب. أما الطريق نفسه، فعليك أن تسير فيه وحدك، وتكتشف مسالكه ودروبه بنفسك.

(١٩٧٠م)
١  انظر «ثورة الشعر الحديث، ملامح وخطوط» في هذا الكتاب.
٢  تجد ترجمة لهذا المقال المهم في كتاب المرحوم الفنان رمسيس يونان «دراسات في الفن»، كما تجد عرضًا له في الجزء الأول من كتابي عن ثورة الشعر الحديث.
٣  راجع تفصيلات أوفى عن هذا الشاعر في كتابي عن «التعبيرية، صرخة احتجاج في الشعر والقصة والمسرح»، القاهرة، هيئة الكتاب، المكتبة الثقافية، العدد ٢٦٠، ١٩٧١م.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤