الفصل الخامس

في قصر الأمير

المشهد الأول

(الفاتك وحده)
نجم سعدي هوى وحان سقوطي
وعليَّ الزمان صال وجارا
آه من صولة الزمان فإن الد
هر خصم يذلِّل القهارا

لقد حفَّت بي مواكب النحس، وقلبي يُحدِّثني بأن هذا اليوم هو مغيب شمس مَجدي، لم يَعُد لي أمل بالانتصار، أريد أن أَجْرَع السُّم؛ لأموت بيدي. (يأخذ زجاجة السُّمِّ ويضعها على فمه ثم يرميها قائلًا) عار على البطل أن يقطع حبل حياته بيده، فلنجاهد فإمَّا حياةً وإمَّا موتًا، ومَنْ قضى حياته غالبًا منصورًا؟!

(يدخل الوزراء وجميع رجال الأمير.)

المشهد الثاني

(الفاتك – الوزراء – وجميع رجال الأمير)
الفاتك : اجلسوا أيها الوزراء (يجلسون) يجب أن ننتبه لكل طارئ فالموقف حرج.
عارف : لا تخَفْ يا سيدي، فحولك ليوث حرب.
فاتك : الشعب الشعب، وويل لملك ثار شعبه عليه، فالشعب منتصر لا محالة، ولكن ذلك لا يدفعني إلى القنوط.
صالح : إن بأسك مشهور، ولكن تولية طرفة على الولايات الغربية والشمالية لم تكن في محلها، فقد ثار أهالي تلك الولايات بعدما أراهم طرفة أمر توليته عليهم.
فاتك : أنا لا أجهل أنني أخطأت، ولكن الحياة عزيزة.
عارف (إلى الجمهور) : إن في الأمر لسرًّا. (إلى الفاتك) إن الرجل خائن يا مولاي.
فاتك : أنا لا أجهل ذلك فإن قُيِّضَ لنا النصر أذقناه طعم الخيانة.
حلزة : لقد صرتُ ضعيف الأمل بالفوز.
صالح : وكلنا كذلك، فالتسليم أولى.
فاتك : لا تقولوا ذلك على مَسمَع من الجنود.
حلزة : إنهم شاعرون بذلك.
الثُّوَّار (من الخارج) : الدماء الدماء.
عارف : أسمع صياحهم يا مولاي.
فاتك : سمعت بأذني رنَّة السهم في قلبي، كونوا على حذر.
الثُّوَّار : إلى الأمام، إلى الأمام.
صالح : لقد دنت الساعة.
عارف : وقَرُب الموت.
فاتك : لا خوف عليكم فإنهم يكتفون بقتلي.
حلزة : كلنا فداء الأمير.

المشهد الثالث

(المذكورون – رسول)
رسول (يدخل) : لقد استولى الثُّوَّار على أهم الحصون، وهم زاحفون عليكم يقودهم البطل المجهول، فالهرب الهرب.
فاتك : ويحك يا رسول الشؤم! ألمثلي يُقال هذا الكلام؟
فالموت في ساحة الهيجاء مطلبي
وعنديَ الموت مثل اللهو واللعب
وفي المعارك ذَلَلْت العِدى فعَدا
إليهم الموت عَدْو الذئب في الطلب
مهنَّدي ساعةُ الهيجاء قد قربت
فكن نصيري بها يا أقطع القُضُب
وأنتمُ هاجموا الأعدا بلا جزع
فالخوف عار على أسيادنا النُّجُب
حسان : ها هم قد اقتربوا (يسلُّ سيفه) إلى الوراء أيها اللئام.

المشهد الرابع

(المذكورون – الظافر ورجاله)
الظافر (وهو داخل) : ويلك (يضربه بسيفه فيخر صريعًا) جنودي ادخلوا (يهجم على الوزراء فيفرُّون، ويبقى الأمير وحده جالسًا على عرشه).
الظافر : لقد دَنَتْ ساعة الانتقام يا باغي.
فاتك : خذوا ما تريدون، فقط حياتي، أنا خاضع، أنا مسلِّم أتخلَّى لكم عن عرشي وكل مالي.
الحارس : ستتخلَّى عنه رغم أنفك يا ظالم.
جماد : والتخلِّي لا يدفع مقدورًا.
الظافر : لقد تماديت في جَوْرك وظلمك، هرقت الدماء وذَلَلت شعبًا طويلًا عريضًا، ثم تطمع بالحياة؟!
فاتك : قلت لكم خذوا ما تريدون فأنا خاضع.
الظافر : لم يعد ينفعك الخضوع، فدم الأبرياء يصيح من أعماق القبور: اقتلوه اقتلوه.
فاتك : فليكن ما تشاءون فقط حياتي.
الحارس : هيهات أن يكون ذلك فاستعد للموت، غيَّبتني في السجن عشر سنوات وسأغيِّبك في ظلمة القبر إلى الأبد.
فاتك : رحمة رحمة.
الظافر : لقد بُعِثَت الأموات من القبور لتناقشك الحساب، أنا هو الناصر أنا هو أميركم أيها الشجعان (يخلع رداءه فيُظْهِر ثوبه القديم).
الحارس (يهجم ويعانقه صارخًا) : أخي حبيبي.
فاتك : لقد صدق ظني، فهو هو بعينه.
كلثوم : ما أعظمه رجلًا! لقد حاربنا بقيادته ولم نعرفه.
الجميع : فليحيَ الناصر، فليحيَ الناصر.

(من الخارج ضوضاء ووقْع أقدام، ينتبه الجميع فيدخل الأعمى يقوده طرفة.)

المشهد الخامس

(المذكورون – طرفة – الأعمى)
طرفة (إلى الأعمى وهو ماسك بذراعه) : من هنا يا مولاي الأمير، من هنا.
فاتك : والأعمى أيضًا؟
الناصر والحارس (يُهرَعان إليه صارخين) : أبي أبي.
الأعمى : ولدي (يتصافحون)، استنيري أيتها العينان أضيئي أيتها الباصرة؛ لأرى لحظة واحدة أعز الناس إليَّ، ولكن العمى خير من البصر فابقي مظلمة إلى الأبد؛ لئلا تري أخًا ظالمًا بربريًّا.
الناصر : كيف تريد أن نقتله؟

(كلثوم يُدخِل كانونًا من النار وعليه قضبان حديد.)

فاتك : هو ذا الجلَّاد، الوداع أيها النور، الوداع أيتها الحياة.
الناصر (يأخذ أباه إلى قرب الفاتك، ويقول له) : هو ذا الرجل الذي سَمَلَ عينيك يا أبي.
الأعمى : الرجل الذي أعماني؟
الناصر : هذا هو الذي قبض عليَّ وأمر بقتلي وسَجَن أخي.
الأعمى : الفاتك!
الناصر : الذي شدَّك إلى هذا العرش كما هو مشدود الآن.
الأعمى : الفاتك!
الناصر : الذي قضى عليك أن تعيش في ظلمة أبدية.
الأعمى : الفاتك.

(فاتك يحني رأسه.)

الناصر : إن ذلك الرجل في قبضة يدك؛ فقل: كيف تريد أن تقتله؟
الأعمى (واقف بين ولديه يضع يديه عليهما، ويقول) : بعد أن لمستُ أعزَّ شيء لديَّ وهو أنتما، دعني يا ناصر أمتِّع نفسي بلمس أقذر البشر.

(الناصر يقرِّب والده ويجعل يده على رأس الفاتك.)

الأعمى : يا فاتك، أحقيقة أنك مشدود على العرش الذي اختلستَه؟
فاتك (بكبرياء وسكون) : نعم، مشدود كما شددتك بالأمس.
الناصر (بحنق) : والدي، أَصْدِرْ حكمك.
الجميع : فلتُفْقَأ عيناه … فليُقْتَل.
فاتك : أنتظر ذلك بنفس مطمئنة.
الحارس : والدي تكلَّمْ.
الأعمى (يشدُّ بيده على رأس الفاتك، ويقول بصوت مهيب) : يا فاتك، إني عفَوْت عنك، اذهب وعِشْ إن استطعت الحياة رغمًا عن تبكيت الضمير، قاين، قاين، إن هابيل يعفو يا رب، فاقبل عفْوَه إن شئت.
إني عفَوْت وهذا منتهى أربي
العفو عند اقتدارٍ شيمة العرب

(فاتك يحني رأسه، ويخونه جَلَدُه.)

الناصر : أخرِجوا النار من هنا فقد أخمدتْها ديمة الحِلْم، فُكَّ قيوده يا جابر وأخرجه، أمَّا أنت يا طرفة يا نصير الأحرار فلك وحدك يُعْقَد عَلَمُ الفوز في جهاد المظلومين.
فاتك : الخائن الخائن (وهو خارج).
طرفة : هذا مصير الظالمين يا فاتك.
الناصر (إلى أبيه) : إنك لعظيم بين العظماء، تُعلِّمنا أن أشد أنواع الانتقام هو العفو عند الاقتدار، وأن تبكيت الضمير هو العذاب الأبدي.
الأعمى : لا أريد تخضيب مَشيبي بالدم، فلتبارككما السماء إن حكمتما بالعدل بين الرعية، فالعدل أساس الملك.

(ينشد الجميع):

يا حبَّذا النصر المبين
فيه سرور العالمين
والنصر يدركه الأُلى
طلبوا العُلا مستبسلين
نِلْنا الأماني والأمل
والظُّلم ولَّى وارتحل
والفاتك اليوم انخذل
واندكَّ حصن الظالمين
الشعب قد حاز الظَّفَر
والظالم الباغي اندحر
إن الفلاح لمَن صبر
فتصبَّروا يا قاطنين
(انتهت)
(يُرخى الستار.)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤