الفصل الثاني

مقالات المؤلفين الإسلاميين

ذكرنا في الفصل السابق قول العلماء الغربيين من المستشرقين ومؤرخي الفلسفة في الفلسفة الإسلامية، وتتبَّعنا نظرهم إليها وحكمهم عليها منذ تأسيس تاريخ الفلسفة بالمعنى الحديث إلى أيامنا هذه.

ونُريد في هذا الفصل: أن نتناول آراء المؤلفين الشرقيين من أهل البلاد الإسلامية الذين كتبوا مؤلفاتهم بالعربية غالبًا.

وسنُحاول أن نتبيَّن وجهة نظرهم إلى الفلسفة الإسلامية ومقالاتهم في أصولها وحكمهم على منزلتها.

وقد يكونُ من العسير أن نَسلك في هذا البحث نفس النسق الذي سلكناه في الفصل الأول، خصوصًا فيما يتعلق بمراعاة الترتيب التاريخي في سرد الآراء وملاحظة تطوُّرها، على أنَّا سنبذل جهدنا في التقريب بين مناهج البحثين.

(١) الفلسفة والأمة العربية

يقول القاضي أبو القاسم (صاعد بن أحمد) المُتوفى سنة ٤٦٢ﻫ/١٠٧٠م في كتابه «طبقات الأمم» بعد ذكر علم العرب في جاهليتهم:

«وأمَّا علم الفلسفة فلم يمنحهم الله — عزَّ وجلَّ — شيئًا منه، ولا هيَّأ طباعهم للعناية به، ولا أعلم أحدًا من صميم العرب شُهر به إلا أبا يوسف يعقوب بن إسحاق الكِنْدي١ وأبا محمد٢ الحسن الهمداني.٣

وكلام صاعد نص في أنَّ العرب لم يكن عندهم شيء من علم الفلسفة. وفي أنَّ طبعهم خِلْوٌ من التهيُّؤ لهذا العلم إلا شذوذًا.»

لكن الشهرستاني المتوفى سنة ٥٤٨ﻫ/١١٥٥م يقول في كتابه «المِلَل والنِّحَل» عند الكلام على الفلاسفة في الأمم المختلفة:

«ومنهم حكماء العرب، وهم شرذمة قليلة؛ لأن أكثر حِكَمهم فلتات الطبع وخطرات الفكر، ورُبَّما قالوا بالنبوات.»٤

فالشهرستاني يرى أنَّ العرب قبل الإسلام كان عندهم حكماء، هم شرذمة قليلة، وكان عندهم حكمة أكثرها فلتات الطبع وخطرات الفكر، ولا شك أنَّ العرب في جاهليتهم كانوا يعرفون كلمة «حكمة» وكلمة حكماء.

ولم يبيِّن صاحب كتاب «الملل والنحل» في هذا القول سبب قلة الحكماء عند العرب، ولم يَرُدَّ ذلك إلى طبيعتهم على نحو ما صنع القاضي أبو القاسم صاعد، بل هو لم يرد ذلك إلى طبيعة العرب عندما ذكر آراء الناس في تقسيم أهل العالم فقال:

«من الناس مَن قسم أهل العالم بحسب الأقاليم السبعة، وأعطى أهل كل إقليم حظه من اختلاف الطبائع والأنفس التي تدلُّ عليها الألوان والألسن، ومنهم مَن قسمهم بحسب الأقطار الأربعة التي هي الشرق والغرب والجنوب والشمال، ووفر على كل قطر حقه من اختلاف الطبائع وتباين الشَّرائع، ومنهم مَن قسمهم بحسب الأمم، فقال: كبار الأمم أربعة: العرب، والعجم، والروم، والهند. ثم زاوج بين أمة وأمة، فذكر أن العرب والهند يتقاربان على مذهب واحد، وأكثر مَيْلهم إلى تقرير خواص الأشياء، والحكم بأحكام الماهيات والحقائق، واستعمال الأمور الروحانية، والروم والعجم يتقاربان على مذهب واحد، وأكثر ميلهم إلى تقرير طبائع الأشياء، والحكم بأحكام الكيفيات والكميات واستعمال الأمور الجسمانية.»٥
ولم يردَّ الشهرستاني ذلك إلى طبيعة العرب عند الكلام على آراء العرب في الجاهلية،٦ وسيأتي ذكر هذا النَّص في كلام الأستاذ أحمد أمين بك.

على أنَّ الأستاذ أحمد أمين بك يرى رأيًا آخر في كلام الشهرستاني؛ فهو يقول في كتابه «فجر الإسلام» ما نصه:

«لاحظَ بعض المُستشرقين أنَّ طبيعة العقل العربي لا تنظر إلى الأشياء نظرة عامة شاملة، وليس في استطاعتها ذلك، وقبلَه لاحظَ هذا المعنى بعض المؤلفين الأقدمين من المسلمين، فقد جاء في «الملل والنحل» للشهرستاني عند الكلام على الحكماء:

«الصنف الثاني حكماء العرب وهم شِرذمة قليلة، وأكثر حِكَمهم فلتات الطبع وخطرات الفكر.

إنَّ العرب والهند يتقاربان على مذهب واحد، والمقاربة بين الأمتين مقصورة على اعتبار خواص الأشياء والحُكم بأحكام الماهيات، والغالب عليهم الفطرة والطبع، وإن الروم والعجم يتقاربان على مذهب واحد؛ حيثُ كانت المُقاربة مقصورة على اعتبار كيفية الأشياء والحكم بأحكام الطبائع، والغالب عليهم الاجتهاد والجهد.»»٧

ولست أرى أنَّ كلام الشهرستاني بسببٍ من عجز العقل العربي عن النظر إلى الأشياء نَظرة شاملة، بل قد يكون على عكس ذلك.

فإنَّ الذي يُفهم من نصوص الشهرستاني هو أن العرب والهند يميلون إلى الأحكام الكلية والأمور العقلية والمجرَّدات، وهم ينزعون إلى الروحانيات، بخلاف الروم والفرس الميَّالين إلى الأمور الجزئية، وإلى تتبع آثار الطبائع والأمزجة وما يقع عليه الحس من الأجسام والجسمانيات، ولعلَّ قول الشهرستاني: «إن أكثر حكم العرب فلتات الطبع وخطرات الفكر»، وقوله: «والغالب عليهم الفطرة والطبع»، كل ذلك لا يخرج عما يقوله الجاحظ في كتاب «البيان والتبيين»: «إلا أن كل كلام للفرس وكل معنًى للعجم فإنما هو عن طول فكرة وعن اجتهاد وخلوة وعن مشاورة ومعاونة، وعن طول التفكير ودراسة الكتب، وحكاية الثاني علمَ الأول، وزيادة الثالث في علم الثاني، حتى اجتمعت ثمار تلك الفِكَر عند آخرهم، وكل شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال وكأنه إلهام.»٨

ولا يريد الجاحظ بمقاله إلا أن يصف العرب بسرعة الذكاء وحِدَّة الذهن وإصابة الرأي فيما يحتاج غيرهم فيه إلى أناة وطول تفكير واستعانة وبحث.

هذا ويُوشك أن يكون التخالف بين مقال صاعد ومقال الشهرستاني في أمر الفلسفة عند العرب يَرجِعُ إلى عدم اتفاقهما على المُراد بالفلسفة التي يتكلمان عنها، فصاعد يريد بالفلسفة النظر العقلي الموجَّه إلى تعرُّف الحقائق على أسلوب علمي، وهو يذكر ما يذكره من علوم العرب كعلم لسانها، وعلم الأخبار، ومعرفة السِّيَر والأمصار، ثم يذكر معرفتهم لمطالع النجوم ومغاربها، وأنواء الكواكب وأمطارها، فيقول:

«على حسب ما أدركوه بفرط العناية وطول التجربة لاحتياجهم إلى معرفة ذلك في أسباب المعيشة، لا على طريق تعلم الحقائق ولا على سبيل التدرُّب في العلوم.»٩

فلم يكن عند العرب علم على طريق تعلم الحقائق والتدرُّب في العلوم مُطلقًا، لا ما يُسمى بالفلسفة ولا غيره.

أما الشهرستاني فالظاهر أن الفلاسفة عنده يُقابِلون أهل الديانات والنِّحَل، وهو يقول: «المستبِدون بالرأي مُطلقًا هم المُنكِرون للنبوات مثل الفلاسفة والصابئة والبراهمة، وهم لا يقولون بشرائع وأحكام أمرية، بل يضعون حدودًا عقلية حتى يُمكِنهم التعايش عليها، والمستفيدون هم القائلون بالنبوات.»١٠

وقد كان عند العرب من غير الصابئة والبراهمة مَن يضعون لهم حدودًا عقلية تكفل شيئًا من النِّظام والعدل لمعيشتهم هم حكماؤهم وحكامهم.

وهذا التفكير العقلي وما إليه يُسَمَّى فلسفة عند الشهرستاني، ما دام غير معتمد على أساس من الدين، وإن لم يكن على المنهج العلمي.

وصاعد مع قوله بأنَّ العرب لم يمنحهم الله شيئًا من علم الفلسفة ولا هيأ طباعهم للعناية به، فإنَّه لم يتبيِّن لنا ما هي تلك الطبيعة العربية التي تنبو عن الفلسفة.

أمَّا الشهرستاني فقد مَيَّز الطبيعة العربية تمييزًا يجعلها قريبة من النظر المجرَّد والمباحث الكلية التي هي بالفلسفة أشبه، ثم ذَكَرَ أنَّ حُكماء العرب قليلون وأكثر حِكَمهم بديهة وارتجال، ولم يبيِّن وجهًا لقلة حكمائهم مع توفر استعدادهم الطبيعي.

وجاء بعد ذلك عبد الرحمن بن خلدون المتوفى سنة ٨٠٨ﻫ/١٤٠٦م فذهب في بيان معنى الفلسفة مذهبًا غير بعيد من رأي الشهرستاني؛ فهو يقول في المقدمة: اعلم أنَّ العلوم التي يخوض فيها البشر ويتداولونها في الأمصار تحصيلًا وتعليمًا على صنفين:
  • (١)

    صنف طبيعي للإنسان يهتدي إليه بفكره.

  • (٢)

    وصنف نقلي يأخذه عمَّن وضعه.

  • والأول: هو العلوم الحكمية الفلسفية، وهي التي يمكن أن يقف عليها الإنسان بطبيعة فكره، ويهتدي بمداركه البشرية إلى موضوعاتها ومسائلها وأنحاء براهينها ووجوه تعليمها، حتى يقفه نظره وبحثُه على الصواب من الخطأ فيها من حيث هو إنسان ذو فكر.
  • والثاني: العلوم النقلية الوضعية، وهي كلها مُستنِدة إلى الخبر عن الواضع الشرعي، ولا مجال للعقل فيها إلا في إلحاق الفروع من مسائلها بالأصول.١١

ويظهر أنَّ هذا الفيلسوف الاجتماعي لا يرى رأي القائلين بأنَّ في طبيعة العرب ما يصدُّهم عن الفلسفة ويُضعِف استعدادهم لها؛ إذ هو لا يقسم البشر أجناسًا لكل جنس طبيعة لازمة، على نحو ما يَمِيل إليه صاعد والشهرستاني فيما يؤخذ من كلامهما، بل هو يرد صفات الشعوب الحسية والمعنوية إلى عوامل طارئة من الهواء، واختلاف أحوال العمران، فهو يبين في «مُقدمته» أثر الموقع الجغرافي وتأثير الهواء في ألوان البشر والكثير من أحوالهم، ويذكر اختلاف أحوال العمران في الخصب والجدب، وما ينشأ عن ذلك من الآثار في أبدان البشر وأخلاقهم.

وقد عقد في المقدمة فصلًا للكلام على أنَّ حَمَلة العلم في الإسلام أكثرهم العجم، حلَّل فيه الأسباب التي يرى أنَّها صَرَفَتِ العرب عن العناية بالعلم والفلسفة في جاهليتهم وإسلامهم، وهي أسباب خارجة عن طبيعتهم الجنسية.

قال في هذا الفصل: «من الغريب الواقع أنَّ حَمَلة العلم في المِلَّة الإسلامية أكثرهم العجم، لا من العلوم الشرعية ولا من العلوم العقلية، إلا في القليل النادر، وإن كان منهم العربي في نسبته فهو عجمي في لغته ومرباه ومشيخته، مع أنَّ الملة عربية وصاحب شريعتها عربي، والسبب في ذلك أنَّ الملة في أولها لم يكن فيها علم ولا صناعة؛ لمُقتضى أحوال السذاجة والبداوة، والقوم يومئذٍ عرب لم يعرفوا أمر التعليم والتأليف والتدوين.»

وبعد أن ذكر نشأة العلوم الشرعية وغيرها قال: «فصارت هذه الع لوم كلها علومًا ذات ملكات مُحتاجة إلى التعليم، فاندرجت في جملة الصنائع، وقد كُنَّا قدمنا أنَّ الصنائع من منتحل الحضر، وأنَّ العرب أبعد الناس عنها، فصارت العلوم لذلك حضرية وبعُد عنها العرب، وأما العرب الذين أدركوا هذه الحضارة وسوقها وخرجوا إليها عن البداوة، فشغلتْهم الرئاسة في الدولة العباسية وما دُفعوا إليه من القيام بالملك عن القيام بالعلم والنظر فيه، فإنهم أهل الدولة وأولو سياستها … مع ما يلحقهم من الأنفة عن انتحال العلم حينئذٍ بما صار من جملة الصنائع، والرؤساء أبدًا يستنكفون عن الصنائع والمهن وما يجرُّ إليها، وأمَّا العلوم العقلية أيضًا فلم تَظهَر في الملة إلا بعد أن تميَّز حَمَلة العلم ومُؤلفوه، واستقرَّ العلم كله صناعة، فاختصت بالعجم وتركها العرب وانصرفوا عن انتحالها، فلم يحملها إلا المعلمون من العجم شأن الصنائع، كما قلناه أولًا.»١٢

فابن خلدون لا يرى أنَّ انصراف العرب عن الفلسفة إلا قليلًا كان لقصور في طبيعتهم، لكنَّه كان بحكم البداوة البعيدة عن ممارسة الصناعات العلمية وغيرها، ثم بحكم اشتغالهم بالرياسة وتدبير الدولة والدفاع عنها، واستنكافهم عن معالجة الصناعات حتَّى العلمية منها التي تركوها للمرءوسين من الأعاجم.

وعرض تقي الدين أحمد بن علي المقريزي المُتوفى سنة ٨٤٥ﻫ/١٤٤١م في «الخطط» لفلاسفة العرب في الجاهلية؛ فجعلهم دون غيرهم من فلاسفة الأُمم، وجعل فلاسفة الإسلام في نسق مع حكماء الروم حتى لكأنهم طبقة منهم، قال: واسم الفلاسفة يُطلق على جماعة من الهند هم الطبسيون١٣ والبراهمة، ولهم رياضة شديدة، وهم ينكرون النبوة أصلًا، ويطلق أيضًا على العرب بوجه أنقص، وحكمتهم ترجع إلى أفكارهم وإلى مُلاحظة طبيعية، ويقرُّون بالنبوات، وهم أضعف الناس في العلوم، ومن الفلاسفة حكماء الروم وهم طبقات، فمنهم أساطين الحكمة وهم أقدمهم، ومنهم المشاءون، وأصحاب الرواق، وأصحاب أرسطو، وفلاسفة الإسلام.»١٤

(٢) مصادر الفلسفة في الملة الإسلامية

لم يكن للعرب في جاهليتهم حظٌّ من الفلسفة من حيثُ هي علم له موضوعه وأسلوبه في البحث وغايته.

لكنَّ هذا العلم كان موجودًا عند أمم من غير العرب، وانتقل منها إلى العرب في ريعان دولتهم الناهضة.

(٢-١) الاعتراف بسلطان الفلسفة اليونانية

قال ابن خلدون في المقدمة:

«واعلم أنَّ أكثر من عُني بها (يعني العلوم العقلية) في الأجيال الذين عرفنا أخبارهم؛ الأُمَّتان العظيمتان في الدولة قبل الإسلام، وهما: فارس١٥ والروم.»١٦
وجاء في كتاب «إخبار العلماء بأخبار الحكماء».١٧ في ترجمة الكِنْدي:
«يعقوب بن إسحاق … أبو يوسف الكِنْدي المشتهر في الملة الإسلامية بالتبحر في فنون الحكمة اليونانية والفارسية والهندية.»١٨
وقد ذكر صاحب١٩ كتاب «الفهرست» أسماء٢٠ مَن نقلوا إلى العربية كتب العلوم الفلسفية في عهد العباسيين عن اليونانية والفارسية والهندية.

وفي ذلك اعتراف بقيام العلوم الفلسفية في الإسلام على أصول يونانية وفارسية وهندية، لكن ابن خلدون يقول في المقدمة:

«وأما الفُرس فكان شأن هذه العلوم العقلية عندهم عظيمًا، ولما فُتحت أرض فارس ووجدوا فيها كتبًا كثيرة، كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب ليستأذن في شأنها وتلقِّيها للمسلمين، فكتب إليه عمر أن اطرحوها في الماء، فإن يكن ما فيها هدًى فقد هدانا الله بأهدى منه، وإن يكن ضلالًا فقد كفانا الله، فطرحوها في الماء أو في النار، وذهبت علوم الفرس فيها عن أن تصل إلينا.»٢١

ومهما يكن من أمر هذه الرِّواية، فإنها لا تُثبت أن آثار الفرس مُحيت كلها غير أنها قد تدلُّ على أنَّ ما وصل إلى العرب من مؤلفات الفرس هو دون ما وصل إليهم من مؤلفات اليونان مثلًا.

واعتراف مؤلفي العربية بأنَّ علوم الفلسفة دخيلة عليهم، ظاهر في شيوع وصفها في كتبهم بأنها من علوم الأوائل والعلوم القديمة، في مقابلة العلوم المحدثة في الملة الإسلامية، وقد جاء هذا التعبير في كتاب «الفهرست» لابن النديم، وكتاب «طبقات الأمم» لأبي القاسم صاعد، و«كتاب إخبار العلماء بأخبار الحكماء»، وغيرها.

«واسم الفلسفة كما نقله عن الفارابي صاحب٢٢ «عيون الأنباء في طبقات الأطباء» يوناني، وهو دخيل في العربية، وهو على مذهب لسانهم فيلاسوفيا، ومعناه إيثار الحكمة، وهو في لسانهم مركب من فيلا وسوفيا، ففيلا «الإيثار» وسوفيا «الحكمة»، والفيلسوف مشتق من الفلسفة، وهو على مذهب لسانهم فيلوسوفوس، فإن هذا التغيير هو تغيير كثير من الاشتقاقات عندهم ومعناه «المُؤثِر للحكمة»، والمؤثر للحكمة عندهم هو الذي يجعل الوكْدَ من حياته وغرضه من عمره الحكمة.»٢٣

واستعمال العرب للفظ «الفلسفة» اليوناني إشعارٌ بأنَّ مصدر الفلسفة عندهم يوناني، بل إنَّ مؤلفي العرب يَرَوْن أنَّ الأصل في الفلسفة والمبدأ في الحكمة للرُّوم، قال صاحب كتاب «إخبار العلماء بأخبار الحكماء»:

«وبسبب أرسطوطاليس كثرت الفلسفة وغيرها من العلوم القديمة في البلاد الإسلامية.»٢٤

وقال صاحب كتاب «الملل والنحل»:

«فنحن نذكرُ مذاهب الحكماء القدماء من الروم واليونانيين في الترتيب الذي نُقِل في كتبهم، ونُعقِب ذلك بذكر سائر الحكماء، فإنَّ الأصل في الفلسفة والمبدأ في الحكمة للروم، وغيرُهم كالعيال عليهم.»٢٥

وفي كتاب «أبجد العلوم» لصديق حسن خان:

«وجميع العلوم العقلية مأخوذة عن أهل يونان.»٢٦

والرَّأي السائد عند المؤلفين الإسلاميين هو أنَّ الفلسفة الإسلامية ليست إلا مقالات أرسطوطاليس مع بعض آراء أفلاطون والمُتقدمين من فلاسفة اليونان قبل أفلاطون، وهذا ما يقوله الشهرستاني في «الملل والنحل» عند الكلام على المتأخرين من فلاسفة الإسلام:

«قد سلكوا كلهم طريقة أرسطوطاليس في جميع ما ذهب إليه وانفرد به سوى كلمات يَسيرة رُبَّما رأَوْا فيها رأي أفلاطون والمتقدمين.»٢٧

وابن خلدون يقول تارة في المُقدمة في: «فصل في إبطال الفلسفة وفساد منتحلها» كقول الشهرستاني:

«وإمام هذه المذاهب الذي حصَّل مَسائلها، ودوَّن علمها، وسطَّر حِجاجها فيما بلغنا في هذه الأحقاب، هو أرسطو المقدوني من أهل مقدونية من بلاد الروم … ويسمونه المعلِّم الأول على الإطلاق، يعنون معلم صناعة المنطق؛ إذ لم تكن قبله مهذَّبة، وهو أوَّل مَن رتَّب قانونها، واستوفى مسائلها، وأحسنَ بسطها … ثم كان من بعده في الإسلام مَن أخذ بتلك المذاهب، واتَّبع فيها رأيه حذوَ النَّعل بالنعل إلا في القليل.»٢٨

ويرى تارة رأيًّا آخر فيقول في فصل: «العُلوم العقلية وأصنافها» بعد ذكر عصر المأمون، وما كان فيه من العناية باستخراج كتب اليونانيين وترجمتها:

«وعكف عليها النُّظار من أهل الإسلام وحذقوا فنونها، وانتهت إلى الغاية أنظارهم فيها، وخالفوا كثيرًا من آراء المعلِّم الأول، واختصوه بالرَّد والقبول لوقوف الشهرة عنده، ودوَّنوا في ذلك الدواوين، وأربَوْا على مَن تقدَّمَهم في هذه العلوم.»٢٩

ومن فلاسفة الإسلام أنفسهم مَن لا يرى في الفلسفة الإسلامية في جملتها أفضل من هذه الآراء.

وقد نقل ماسينيون في كتابه «مجموع نصوص لم تنشر متعلقة بتاريخ التصوُّف في بلاد الإسلام»، جملة من كتاب لابن سبعين الفيلسوف الأندلسي المتوفى سنة ٦٦٩ﻫ/١٢٧٠م، صوَّر فيها ابن رشد والفارابي وابن سينا تصويرًا يشفُّ عن رأيه في فلسفتهم، وهم أئمة الفلسفة الإسلامية. قال في ابن رشد:

«وهذا الرجل مفتون بأرسطو ومُعَظِّم له، ويكاد أن يُقلِّده في الحس والمعقولات الأولى، ولو سمعَ الحكيم يقول: إنَّ القائم قاعد في زمان واحد، لقال هو به واعتقده، وأكثر تآليفه من كلام أرسطو؛ إما يلخصها، وإما يمشي معها.»

وقال في الفارابي:

«وهذا الرجل أفهم فلاسفة الإسلام وأذكرهم للعلوم القديمة، وهو الفيلسوف فيها لا غير، وهو مُدرِك محقِّق.»

أما ابن سينا عنده:

«فمموِّه مسفسط، كثير الطنطنة، قليل الفائدة، وما له من التآليف لا يصلح لشيء، ويزعُم أنَّه أدرك الفلسفة المشرقية، ولو أدركها لتضوَّع ريحها عليه، وهو في العين الحَمِئة، وأكثر كتبه مؤلَّفة ومستنبَطة من كتب أفلاطون، وما فيها من عنده فشيء لا يصلح، وكلامه لا يُعوَّل عليه، و«الشفاء» أجلُّ كتبه، وهو كثير التخبُّط ومُخالف للحكيم، وإن كان خلافه له ممَّا يُشكَر له، فإنَّه بيَّن ما كتبه الحكيم، وأحسنُ ما له في الإلهيات «التنبيهات والإشارات»، وما رمزه في حي ابن يقظان، على أنَّ جميع ما ذكره فيها هو من مفهوم «النواميس» لأفلاطون وكلام الصوفية.»

والواقع أنَّ افتتان الجمهرة من متفلسفة الإسلام بأرسطو وبالمشَّائين وغيرهم من حكماء اليونان كان أمرًا غير خفي.

وفي كلام ابن سبعين نفسه بوادر تنم عن شيء من هذا، ألستَ تراه يعتبر الفارابي هو الفيلسوف لا غيره؛ لأنَّه أفهم فلاسفة الإسلام، وأذكرهم للعلوم القديمة، وهو يريد علوم الفلسفة المترجمة عن يونان؟ ثم ألستَ تراه يَلمِز ابن سينا لمخالفته للحكيم — أي أرسطو — ويعود فيرى في ذلك موضعًا للشكر لأنَّ فيه تبيُّنًا لآراء المعلم الأول؟

(٢-٢) الخطأ والتحريف في تعريب الكتب الفلسفية

ولم يغفل المؤلفون الإسلاميون التنبيه إلى ما وقع من الخطأ والتحريف في ترجمة الكتب الفلسفية، ونقلها إلى العربية.

قال أبو حيان التوحيدي المتوفى سنة ٤٠٠ﻫ/١٠٠٩م في «المقايسات»:

«… على أنَّ الترجمة من لغة يونان إلى العبرانية ومن العبرانية إلى السريانية، ومن السريانية إلى العربية، قد أخلَّت بخواص المعاني في أبدان الحقائق إخلالًا لا يَخفَى على أحد، ولو كانت معاني يونان تهجس في أنفس العرب مع بيانها الرَّائع، وتصرفها الواسع، وافتنانها المُعجز، وسعتها المشهورة، لكانت الحكمة تصل إلينا صافية بلا شوب، وكاملة بلا نقص، ولو كُنَّا نفقه عن الأوائل أغراضهم بلغتهم، كان ذلك أيضًا ناقعًا للغليل، وناهجًا للسبيل، ومبلغًا إلى الحد المطلوب.»٣٠

ويقول الغزالي المتوفى سنة ٥٠٥ﻫ/١١١١م في كتابه «تهافت الفلاسفة»:

«ثم المترجمون لكلام أرسطاليس لم ينفكَّ كلامهم عن تحريف وتبديل محوج إلى تفسير وتأويل، حتى أثار ذلك أيضًا نزاعًا بينهم، وأقومهم بالنقل والتحقيق من المتفلسفة في الإسلام الفارابي أبو نصر وابن سينا، فنقتصر على إبطال ما اختاروه ورأوه الصحيح من مذهب رؤسائهم في الضلال، فإن ما هجروه واستنكفوا (٥) من المتابعة فيه لا يتمارى في اختلاله، ولا يفتقر إلى نظر طويل في إبطاله.»٣١

(٣) وفي كتاب «إخبار العلماء بأخبار الحكماء»

«وكل مَن نقل كلامه — أرسطوطاليس — من اليونانية إلى الرومية وإلى السريانية وإلى الفارسية وإلى العربية حرَّف وجزف، وظن بنقله الإنصاف وما أنصف، وأقرب الجماعة حالًا في تفهيم مقاصده في كلامه الفارابي أبو نصر وابن سينا، فإنهما دقَّقا وحقَّقا؛ فحملا علمه على الوجه المقصود، وأعذبا منه لوارده منهله المورود، ووافقاه على شيء من أصوله، فكُفِّرا بكفره، وجُعِل قدرُهما بين أهل الشهادة كقدره.»٣٢

(٣-١) رأي ابن سينا

وقد بيَّن ابن سينا في مقدمة كتابه «منطق المشرقيين» تحكُّم أرسطو والمشَّائين في عقول المتفلسفة الإسلامية، وكشف عن فلسفته هو وموقفها فقال:

«وبعد؛ فقد نزعت الهِمَّة بنا إلى أن نَجْمَع كلامًا فيما اختلف أهل البحث فيه، لا نلتفت فيه لفْتَ عصبية أو هوًى أو عادة أو إلْف، ولا نُبَالي مُفارقة تَظهَر منَّا لما ألِفَه مُتعلمو كتب اليونانيين إلْفًا عن غفلة وقلة فهم، ولما سُمع منَّا في كتب ألَّفناها للعاميين من المُتفلسفة، المشغوفين بالمشائين، الظَّانين أنَّ الله لم يَهدِ إلا إياهم، ولم يُنِل رحمته سواهم، مع اعترافٍ منَّا بفضل أفضل سلهم (يريد به أرسطو) في تنبُّهه لما نام عنه ذووه وأستاذوه. وفي تمييزه أقسام العلوم بعضها عن بعض. وفي ترتيبه العلوم خيرًا ممَّا رتَّبوه. وفي إدراكه الحق في كثير من الأشياء. وفي تفطنه لأصول صحيحة سَرِية في أكثر العلوم. وفي إطلاعه الناس على ما بَيَّنَها فيه السلف وأهل بلاده، وهذا أقصى ما يقدر عليه إنسان يكون أول مَن مدَّ يديه إلى تمييز مخلوط وتهذيب مُفْسَد، ويحق على مَن بعده أن يلمُّوا شعثه، ويرمُّوا ثلمًا يجدونه فيما بناه، ويفرِّعوا أصولًا أعطاها، فما قَدَرَ من بعده على أن يُفرغ نفسه من عهدة ما ورثه منه، فذهب عمره في تفهم ما أحسن فيه، والتعصب لبعض ما فرَّط من تقصيره؛ فهو مشغول عمره بما سلف، ليس له مُهلة يراجع فيها عقله ولو وجدها ما استحلَّ أن يَضَع ما قاله الأولون موضع المفتقِر إلى مزيد عليه، أو إصلاح له أو تنقيح إياه، وأمَّا نحن فسهل علينا التفهم لما قالوه أوَّل ما اشتغلنا به، ولا يبعد أن يكون قد وقع إلينا من غير جهة اليونانيين علوم.

وكان الزمان الذي اشتغلنا فيه بذلك ريعان الحداثة، ووجدنا من توفيق الله ما قَصُر علينا بسببه مدة التفطُّن لما أورثوه، ثم قابلنا جميع ذلك بالنَّمط من العلم الذي يُسَمِّيه اليونانيون «المنطق» — ولا يبعد أن يكون له عند المشرقيين اسم غيره — حرفًا حرفًا، فوقفنا على ما تقابل وعلى ما عصى، وطلبنا لكل شيء وجهة، فحقَّ ما حق وزاف ما زاف، ولمَّا كان المُشتغلون بالعلم شديدي الاعتزاء إلى المشَّائين من اليونانيين، كرهنا شقَّ العصا ومُخالفة الجمهور، فانحزنا إليهم، وتعصبنا للمشائين؛ إذ كانوا أولى فِرَقهم بالتعصب لهم، وأكملنا ما أرادوه وقصَّروا فيه ولم يبلغوا أرَبهم منه، وأغضينا عمَّا تحطبوا فيه وجعلنا له وجهًا ومخرجًا، ونحن بدخلته شاعرون، وعلى ظله واقفون، فإن جاهرنا بمُخالفتهم فعن الشيء الذي لم يمكن الصبر عليه، وأما الكثير؛ فقد غطيناه بأغطية التغافل.»٣٣

وما يكون لنا أن نَلتمس وراء ابن سينا مرجعًا للحكم في الفلسفة الإسلامية، وجماع حُكْمِه، أنَّ الفلسفة الإسلامية كانت في غالب أمرها قائمة على العصبية لأرسطو وللمشائين، لكنَّ فلاسفة الإسلام على الحقيقة، من أمثال ابن سينا، كانوا يعرفون لأرسطو فضله من غير غفلة عن قصوره أحيانًا وخطئه، وكانت تقع لهم علوم من غير أرسطو، بل من غير علوم يونان، وكانت وجهتهم أن يُشيِّدوا هيكلًا فلسفيًّا يقوم على قواعد مما مَحَّصَه النقد من مقالات أرسطو والمشائين، وترفع أركانه بما عملتْه أيديهم وما كسبوه من غير اليونانيين.

ومتى درست آثار الفلاسفة الإسلاميين حق دراستها — وذلك يحتاج إلى كدِّ الذهن وطول الصبر، وحُسن الاستعداد، وتحصيل الآلة المعينة على تفهُّم تلك الأساليب — ومتى نُشر للباحثين ما لم يُنشر من آثار القوم، وهو كثير، فسنعرف عن يقين نصيب الفلسفة الإسلامية من التراث الفلسفي في العالم.

(٣-٢) فلسفة وحكمة

ولا يفوتنا أن نُشير إلى أن فلاسفة الإسلام استعملوا، إلى جانب كلمة «فلسفة» اليونانية وما اشتُق منها، كلمة «حكمة» العربية وما أخذ منها، فقالوا: حكمة، وحكيم، وعلوم حِكْمية.

ويَظهَر أنَّ هذا الاستعمال بعيد العهد يتصل بأوَّل نقْل للعلوم القديمة في الإسلام، على ما جاء في كتاب «الفهرست»، فقد ورد فيه:

«كان خالد بن يزيد بن معاوية (المُتوفى سنة ٨٥ﻫ/٧٠٤م) يُسمَّى حكيم آل مروان، وكان فاضلًا في نفسه، وله همة ومحبة للعلوم، خطر بباله الصنعة، فأمر بإحضار جماعة من فلاسفة اليونانيين ممن كان ينزل مدينة مصر، وقد تفصح بالعربية، وأمرهم بنقل الكتب في الصنعة من اللسان اليوناني والقبطي إلى العربي، وهذا أوَّل نقل كان في الإسلام.»٣٤

وقال صاحب «الفهرست» في موضع آخر:

«قال محمد بن إسحاق: الذي عُني بإخراج كتب القدماء في الصنعة خالد بن يزيد بن معاوية، وكان خطيبًا شاعرًا فصيحًا حازمًا ذا رأي، وهو أول مَن تُرْجِمَ له كتب الطب والنجوم وكتب الكيمياء، وكان جوادًا، يُقال إنَّه قيل له لقد جعلتَ أكثر شغلك في طلب الصنعة، فقال خالد: ما أطلب بذلك إلا أن أُغني أصحابي وإخواني، إني طمعتُ في الخلافة فاختُزلتْ دوني، فلم أجد منها عوضًا إلا أن أبلغ آخِر هذه الصناعة، فلا أُحوِج أحدًا عَرَفني يومًا أو عَرَفتُه إلى أن يقف بباب سلطان رغبة أو رهبة.»٣٥

وفي كتاب «فضل هاشم على عبد شمس» للجاحظ:

«وكان خالد بن يزيد بن معاوية خطيبًا شاعرًا، وجيِّد الرأي أريبًا، كثير الأدب حكيمًا، وكان أول مَن أعطى التراجمة والفلاسفة، وقرَّب أهل الحكمة ورؤساء أهل كل صناعة، وترجم كتب النجوم والطب والكيمياء والحروب والآداب والآلات والصناعات.»٣٦

وفي كتاب «البيان والتبيين» للجاحظ:

«وكان خالد بن يزيد بن معاوية خطيبًا شاعرًا، وفصيحًا جامعًا، وجيد الرأي كثير الأدب، وكان أوَّل مَن تَرجَم كتب النجوم والطب والكيمياء.»٣٧

وقد أُنشيء في عهد الرشيد وولده المأمون بيت الحكمة، ونجد لبيت الحكمة هذا ذكرًا في كتاب «الفهرست»، ففي أخبار غيلان الشعوبي:

«أصله من الفرس، وكان راوية عارفًا بالأنساب والمَثالب والمُنافرات، مُنْقَطعًا إلى البرامكة، وينسخ في بيت الحكمة للرشيد والمأمون والبرامكة.»٣٨

وفي أخبار سهل بن هارون:

«وكان مُتحققًا بخدمة المأمون وصاحب خزانة الحكمة له، وكان حكيمًا فصيحًا شاعرًا، فارسي الأصل، شعوبي المذهب، شديد العصبية على العرب.»٣٩

ثم ذكَر سعيد بن هارون الكاتب، وأنه شريك سهل بن هارون في بيت الحكمة، وذكر «سلمًا» صاحب بيت الحكمة مع سهل بن هارون.

وفي كتاب «سرح العيون» لابن نباتة المصري٤٠ في ترجمة سهل بن هارون: «وهو سهل بن هارون بن راهبون، ويُكنى أبا عمرو، من أهل نيسابور، نزل البصرة فنُسِبَ إليها، ويُقال إنه كان شعوبيًّا، والشعوبية فرقة تُبغِض العرب وتتعصَّب عليها للفرس، وانفرد سهل في زمانه بالبلاغة والحكمة، وصنَّف الكتب معارضًا بها كتب الأوائل، حتى قيل له بزرجمهر الإسلام، وكان في أول أمره خصيصًا بالفضل بن سهل ثم قدَّمه إلى المأمون فأُعجب ببلاغته وعقله، وجعله كاتبًا على خزانة الحكمة، وهي كتب الفلاسفة التي نُقلت للمأمون من جزيرة قبرص، وذلك أنَّ المأمون لمَّا هادَنَ صاحب هذه الجزيرة، أرسل إليه يطلب خزانة كتب اليونان، وكانت مجموعة عندهم في بيت لا يَظهَر عليها أحد أبدًا، فجمع صاحب هذه الجزيرة بطانته وذوي الرأي واستشارهم في حمل الخزانة إلى المأمون، فكلهم أشاروا بعدم الموافقة إلَّا مطرانًا واحدًا، فإنه قال:
«الرأي أن تعجل بإنفاذها إليه، فما دخلت هذه العلوم العقلية على دولة شرعية إلا أفسدتْها وأوقعتْ بين علمائها، فأرسلها إليه، واغتُبط بها المأمون، وجعل سهل بن هارون خازنًا لها.»٤١

وكثيرًا ما نجد في كتب مؤلفي العربية وضع الحكمة والحكيم مكان الفلسفة والفيلسوف وبالعكس، وعبروا بحكماء الإسلام وفلاسفة الإسلام، والحكيم عندهم على إطلاقه هو أرسطو.

وقد يدلُّ قدم العهد باستعمال كلمة «الحكمة» في معنى الفلسفة، وامتداد ذلك إلى أول نقل بالعربية للعلوم القديمة، على أنَّ أصل معنى كلمة «الحكمة» في كلام العرب كان مُمَهِّدًا لهذا الاستعمال غير بعيد منه.

هوامش

(١) المتوفَّى نحو سنة ٢٦٠ﻫ/٨٧٣م على ما ذكره «نلينو» في محاضراته في تاريخ الفلك عند العرب، والراجح أنه تُوفِّي في أواخر سنة ٢٥٢ﻫ/٨٦٦م كما حققناه في البحث المنشور في مجلة «كلية الآداب» بعنوان: «أبو يوسف يعقوب الكندي»، سنة ١٩٣٣.
(٢) المُتوفى بسجن صنعاء سنة ٣٣٤ﻫ/٩٤٦م كما في «إخبار العلماء بأخبار الحكماء» للقفطي.
(٣) ص٤٥، طبعة بيروت.
(٤) ص٢٥٣، من طبعة ليبتسك سنة ١٩٢٣م.
(٥) ص٣.
(٦) ص٤٢٩.
(٧) «فجر الإسلام»، الجزء الأول، الطبعة الأولى، ص٤٩.
(٨) ج٣، ص١٢-١٣، طبعة مصر ١٣٣٢.
(٩) ص٤٥.
(١٠) ص٢٥.
(١١) ص٤١١-٤١٢ طبعة بولاق، ١٣٢٠ﻫ.
(١٢) ص٥٤٠–٥٤٢.
(١٣) «في لسان العرب: «والطبسان كورتان بخراسان»، وبهامشه نقلًا عن ياقوت أنهما كورتان إحداهما يُقال لها طبس النمر، والأخرى يُقال لها طبس العناب، والفرس لا يتكلمون بهما إلا مفردين.
(١٤) ج٤، ص١٦٣.
(١٥) يُطلَق لفظ الروم على سكان الإمبراطورية الرومانية الشرقية أحيانًا، ويُطلق في الغالب على اليونان.
(١٦) ص٤٥٣.
(١٧) الكتاب المطبوع في مصر بعنوان كتاب «إخبار العلماء بأخبار الحكماء» المنسوب للوزير جمال الدين أبي الحسن علي بن القاضي الأشرف يوسف القفطي المتوفى سنة ٦٤٦ﻫ/١٢٤٨م، ليس هو في الواقع كتاب ابن القفطي، ولكنه مُختصر وضعه محمد بن علي الخطبي الزوزني، ولا يُعرَف إلا اسمه، وتاريخ فراغه من مختصره سنة ٦٤٧ﻫ/١٢٤٩م.
(١٨) ص٢٤٠.
(١٩) أبو الفرج محمد بن إسحاق بن يعقوب النديم، ورد في بعض التعاليق المكتوبة بظَهْر نسخة خطية بمدينة ليدن من أعمال هولنده أنَّه توفي سنة ٣٨٥ﻫ/٩٩٥م، وصنف كتابه «الفهرست» سنة ٣٧٧ﻫ/٩٧٨م.
(٢٠) ص٢٤٤-٢٤٥.
(٢١) ص٤٥٤.
(٢٢) هو موفق الدين أبو العباس أحمد بن القاسم المعروف بابن أبي أصيبعة المتوفى سنة ٦٦٠ﻫ/١٢٧٠م.
(٢٣) ج٢، ص١٣٤.
(٢٤) ص٢٢.
(٢٥) ص٢٥٣.
(٢٦) ج ص١٠٦.
(٢٧) ص٣٤٨.
(٢٨) ص٥١٤.
(٢٩) ص٤٥٥.
(٣٠) ص٢٥٨، طبعة السندوبي.
(٣١) ص٩، طبع المطبعة الكاثوليكية.
(٣٢) ص٣٩.
(٣٣) ص٢، ٣.
(٣٤) ص٢٤٢.
(٣٥) ص٣٥٤.
(٣٦) «رسائل الجاحظ»، ص٩٣، جمع السندوبي.
(٣٧) ج١، ص٢٦، طبع السندوبي.
(٣٨) ص١٠٥.
(٣٩) ص١٢٠.
(٤٠) المتوفى سنة ٧٦٨ﻫ/١٣٦٩م.
(٤١) ص١٣٠.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤