الفصل الرابع

الصلة بين الدين والفلسفة عند الإسلاميين

بقي أمر الصلة بين الفلسفة والدين في رأي فلاسفة الإسلام وغيرهم من المؤلفين الإسلاميين، وهو الأمر الذي جعله بعض الغربيين مناط الابتكار في الفلسفة الإسلامية، وجعله بعضهم سببًا لانقلاب فلاسفة الإسلام مُبشرين بالدين الإسلامي ودُعاة له.

(١) رأي الفلاسفة

يقول ابن حزم المتوفى سنة ٤٥٦ﻫ/١٠٦٣م في كتابه «الفِصَل في المِلَل والنِّحَل»:

«الفلسفة على الحقيقة إنما معناها وثمرتها، والغرض المقصود نحوه بتعلمها، ليس هو شيئًا غير إصلاح النفس بأن تُستعمل في دنياها الفضائل وحُسن السيرة المُؤدية إلى سلامتها في المعاد، وحُسن سياستها للمنزل والرَّعية، وهذا نفسه، لا غيره، هو الغرض في الشريعة؛ هذا ما لا خلاف فيه بين أحد من العلماء بالفلسفة ولا بين أحد من العلماء بالشريعة.»١

ودعوى ابن حزم أنه لا خلاف بين أحد من الفلاسفة، ولا بين أحد من العلماء بالشريعة على أنَّ ما ذكره هو غرض الشريعة والفلسفة جميعًا ليست دعوى مُسلَّمة، فإنَّ معنى كلام ابن حزم هو أنَّ غرض الفلسفة والشريعة غرض عملي، وليس ذلك بمذهب الفلاسفة ولا هو بمذهب الدينيين.

قال ابن رشد المُتوفى سنة ٥٩٥ﻫ/١١٩٨م في كتابه «فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال»:

«وينبغي أن تعلم أنَّ مقصود الشرع إنما هو تعليم العلم الحق والعمل الحق، والعلم الحق هو معرفة الله — تعالى — وسائر الموجودات على ما هي عليه، وبخاصة الشريفة منها، ومعرفة السعادة الأخروية والشقاء الأخروي، والعمل الحق هو امتثال الأفعال التي تُفيد السَّعادة وتجنُّب الأفعال التي تُفيد الشقاء، والمعرفة بهذه الأفعال هو الذي يُسمى العلم العملي.»٢

وقال الشهرستاني في كتاب «المِلَل والنِّحَل»:

«قالت الفلاسفة: ولما كانت السعادة هي المطلوبة لذاتها، وإنما يكدح الإنسان لنَيْلها والوصول إليها، وهي لا تُنَال إلا بالحكمة، فالحِكْمَة تُطلب إما ليُعمل بها، وإما تُعلم فقط، فانقسمت الحكمة قسمين: علمي وعملي … فالقسم العملي هو عمل الخير، والقسم العلمي هو علم الحق.»٣

وبهذا تتشابه غاية الدِّين وغاية الفلسفة، وإن لم يكن هذا التشابه على الوجه الذي قرَّره ابن حزم، فكلاهما يرمي إلى تحقيق السعادة من طريق الاعتقاد الحق وعمل الخير، بل موضوعات الدين وموضوعات الفلسفة واحدة، وذلك رأي الفارابي في كتابه «تحصيل السعادة»؛ إذ يقول:

«فالملة مُحاكِية للفلسفة عندهم، وهما تشتملان على موضوعات بأعيانها، وكلاهما تعطي المبادئ القصوى للموجودات، فإنهما يُعطيان علم المبدأ الأول والسبب الأول للموجودات، وتعطيان الغاية القُصوى التي لأجلها كون الإنسان، وهي السَّعادة القصوى والغاية القصوى في كل واحد من الموجودات الأُخَر، وكل ما تعطي الفلسفة فيه البراهين اليقينية؛ فإنَّ الملة تعطي فيه الإقناعات، والفلسفةُ تتقدَّم بالزمان المِلَّةَ.»٤

والدين والحِكْمَة عند هؤلاء الفلاسفة يفيض كلاهما عن واجب الوجود على عقول البشر بواسطة العقل الفعَّال؛ إذ المعارف كلها صادرة عن واجب الوجود بواسطة العقل الفعَّال، وحيًا كانت تلك المعرفة أم غير وحي، فلا فرق بين الحكمة والدين من جهة غايتهما، ولا من جهة مصدرهما وطريق وصولهما إلى الإنسان، والفرق بين الدين والفلسفة عند الفارابي هو من جهة أن طرق الفلسفة يقينية، أما طريق الدين فإقناعي، ومن جهة أُخرى تعطي الفلسفة حقائق الأشياء كما هي، ولا يُعطي الدين إلا تمثيلًا لها وتخييلًا، وقد ذكر الفارابي ذلك في مواضع مختلفة من كتبه، منها قوله في كتاب «تحصيل السعادة»:

«تفهيم الشيء على ضربين؛ أحدهما: أن يُعقَل ذاته، والثاني: أن يُتخيَّل بمثاله الذي يُحاكيه، وإيقاع التصديق يكون بأحد طريقتين: إمَّا بطريق البرهان اليقيني، وإمَّا بطريق الإقناع، ومتى حصل علم الموجودات أو تعلمت فإن عقلت معانيها أنفسها ووقع التصديق بها عن البراهين اليَقينية كان العِلْمُ المشتمل على تلك المعلومات فلسفة، وإن علمت بأنَّ تخيلت بمثالاتها التي تحاكيها، وحصل التصديق بما خُيِّل منها عن الطرق الإقناعية، كان المُشتمل على تلك المعلومات بتسمية القدماء مِلَّة.»٥

ويرى ابن سينا أنَّ بين الدين والفلسفة فرقًا آخَر، هو أنَّ وجهة الدين عمليةً أصالة، ووجهة الفَلسفة بالأصالة نظريةٌ، وهو يقول في رسالة «الطبيعيات»:

«مبدأ «الحكمة العملية» مُستفاد من جهة الشريعة الإلهية، وكمالات حدودها تتبين بها، وتتصرف فيها بعد ذلك القوة النَّظرية من البشر بمعرفة القوانين واستعمالها في الجزئيات … ومبادئ «الحكمة النظرية» مستفادة من أرباب الملة الإلهية على سبيل التنبيه، ومُتصرف على تحصيلها بالكمال بالقوة العقلية، على سبيل الحجة.»٦

ويقول الشهرستاني في كتاب «الملل والنِّحل» في معنى قول ابن سينا ما يأتي:

«الأنبياء أُيِّدوا بأمداد روحانية لتقرير القسم العملي، وبطرف ما من القسم العلمي، والحكماء تعرَّضوا لأمداد عقلية تقريرًا للقسم العلمي، وبطرف ما من القسم العملي، فغاية الحكيم هو أن يتجلَّى لعقله كل الكون، ويتشبه بالإله الحق — تعالى — بغاية الإمكان، وغاية الدين أن يتجلى له نظام الكون فيقدِّر على ذلك مصالح العامَّة حتى يبقى نظام العالم، وينتظم مصالح العباد، وذلك لا يتأتى إلا بترغيب وترهيبٍ وتشكيل وتخييل؛ فكل ما وردت به أصحاب الشرائع والمِلَل مقدَّرٌ على ما ذكرناه عند الفلاسفة، إلا مَن أخَذَ علمَه من مشكاة النبوة فإنه رُبَّما بلغ إلى حد التعظيم لهم، وحُسن الاعتقاد في كمال درجتهم.»٧

والتشكيل والتخييل في كلام الشهرستاني خاص بالأمور العلمية؛ فالفلاسفة يقولون، كما يذكره ابن تيمية المتوفى سنة ٧٢٨ﻫ/١٣٢٧م في كتابه «موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول»:

«إن الأنبياء أخبروا عن الله وعن اليوم الآخر، وعن الجنة والنار، بل وعن المَلائكة بأمور غير مطابقة للأمر في نفسه، لكنهم خاطبوهم بما يتخيلون به ويتوهمون به أنَّ الله — تعالى — جسم عظيم، وأنَّ الأبدان تُعاد، وأنَّ لهم نعيمًا محسوسًا، وإن كان الأمر ليس كذلك في نفس الأمر؛ لأنَّ مصلحة الجمهور أن يُخاطَبوا بما يتوهمون به ويتخيَّلون أن الأمر هكذا، وإن كان هذا كذبًا فهو كذب لمصلحة الجمهور؛ إذ كانت دعوتهم ومصلحتهم لا تمكن إلا بهذا الطريق، وهؤلاء يقولون: الأنبياءُ قصدوا بهذه الألفاظ ظواهرها، وقصدوا أن يفهم الجمهور منهم هذه الظواهر، وإن كانت الظواهر في نفس الأمر كذبًا وباطلًا ومخالفة للحق، فقصدوا إفهام الجمهور بالكذب وبالباطل للمصلحة.

ثم إن من هؤلاء مَن يقول: «النبي كان يعلم الحق، ولكن أظهر خلافه للمصلحة.»، ومنهم مَن يقول: «ما كان يعلم الحق كما يعلمه نُظَّار الفلاسفة وأمثالهم.» وهؤلاء يفضِّلون الفيلسوف الكامل على النبي، وأما الذين يقولون: إنَّ النبي كان يعلم ذلك، فقد يقولون إن النبي أفضل من الفيلسوف؛ لأنه علم ما علمه الفيلسوف وزيادة، وأمكنه أن يخاطب الجمهور بطريقة يعجز عن مثلها الفيلسوف.»٨

وقول ابن تيمية تقرير واضح لآراء الفلاسفة، وإن كان في أسلوبه وألفاظه مما لم تَجْرِ به عادةُ الحكماء.

هذه خلاصة رأي الفلاسفة الإسلاميين في العلاقة بين الدين والفلسفة، وإذا كان الفلاسفة يُحاولون غالبًا التوفيق بين الشريعة والحكمة في أسلوب ليس فيه عنف، ولا نزوع إلى كبرياء، فإنَّ لبعضهم أساليب تكاد تكون مهاجمة للدينيين أو دفاعًا بعنف.

نقل أبو حيان التوحيدي، المتوفى سنة ٤٠٣ﻫ/١٠١٢-١٠١٣م على ما استظهره السندوبي طابع كتاب «المقابسات». وفي «معجم المطبوعات العربية» لسركيس أنه توفي سنة ٤٠٠ﻫ/١٠٠٩-١٠١٠م، عن المقدسي الفيلسوف أنه قال:

«الشريعة طب المرضى، والفلسفة طب الأصحاء، والأنبياء يطبون للمرضى حتى لا يتزايد مرضهم وحتى يزول المرض بالعافية فقط، وأمَّا الفلاسفة فإنهم يحفظون الصحة على أصحابها حتى لا يعتريهم مرض أصلًا، وبين مدبر المريض وبين مدبر الصحيح فرق ظاهر وأمر مكشوف؛ لأن غاية تدبير المريض أن ينتقل به إلى الصحة، هذا إذا كان الدواء ناجعًا، والطبع قابلًا، والطبيب ناصحًا، وغاية تدبير الصحيح أن يحفظ الصحة، وإذا حفظ الصحة فقد أفاده كسب الفضائل، وفرَّغه لها، وعرَّضه لاقتنائها، وصاحب هذه الحال فائز بالسعادة العُظمى، وقد صار مُستحقًّا للحياة الإلهية، والحياة الإلهية هي الخلود والديمومة (والسرمدية)،٩ وإن كسب مَن يبرأ من المرض بطب صاحبه الفضائل أيضًا، فليست تلك الفضائل من جنس هذه الفضائل؛ لأنَّ إحداهما تقليدية والأخرى برهانية، وهذه مظنونة وهذه مُستيقنة، وهذه روحانية وهذه جسمية، وهذه دهرية وهذه زمانية.»١٠

(٢) رأي علماء الدين

أمَّا عُلماء الدين فمنزعهم غير ذلك المنزع، وهم في أكثر الأمر خصوم للفلسفة في غير هوادة ولا رفق، ونقول: في أكثر الأمر؛ لأنَّ بعض الدينيين ممن كان للفلسفة في عقولهم أثرٌ لا يخلو طعنهم على الحكمة من رفق. وفي كتاب «اللطائف» لأحمد بن عبد الرزاق الْمَقْدِسي أنَّ أبا عثمان الجاحظ مدح الفلسفة وذمَّها فيما مدحه وذمه من العلوم، مُعرِبًا عن قدرته على الكلام وبُعْدِ شأوه في البلاغة، قال في الفلسفة مادحًا: «قيل ما الفلسفة؟ قال: أداة الضمائر، وآلة الخواطر، ونتائج العقل، وأداة لمعرفة الأجناس والعناصر، وعلم الأعراض والجواهر، وعلل الأشخاص والصور، واختلاف الأخلاق والطبائع والسجايا والغرائز.»١١ وفي باب الذم: «قيل: ما الفلسفة؟ قال: كلام مترجَم وعلم مرجَّم، بعيد مداه، قليل جدواه، مَخوف على صاحبه سطوة الملوك وعداوة العامة.»١٢ والجاحظ من المعتزلة، بل هو رأس فرقة من فرق المعتزلة تنتسب إليه، وتُسمى: «الجاحظية»، والصلة بين الفلسفة وبين مذاهب الاعتزال معروفة.

وفي العلماء الدينيين مَن لا صلة لهم بالاعتزال، ولكنهم مع ذلك ليسوا غرباء عن الفلسفة، وليس في كلامهم عَنِ الصِّلة بينها وبين الدين تلك الجفوة التي نجدها في أساليب المُتأخرين، ومن هؤلاء العُلماء أبو القاسم الحسين بن محمد الرَّاغب الأصفهاني، المتوفى سنة ٥٠٢ﻫ/١١٠٨-١١٠٩م، المعتبر من أئمة السنة، وصاحب كتاب «الذريعة إلى مكارم الشريعة» الذي قيل: إن الغزالي كان يستصحبه دائمًا ويستحسنه لنفاسته.

يقول الرَّاغب الأصفهاني في كتاب «تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين»:

«واعلم أنَّ العقل بنفسه قليل الغَناء، لا يكاد يتوصَّل إلا إلى معرفة كليات الأشياء دون جزئياتها، نحو أن يعلم جملة حُسن اعتقاد الحق وقول الصدق وتعاطي الجميل، وحُسن استعمال العدالة ومُلازمة العفَّة، ونحو ذلك من غير أن يعرف ذلك في شيء شيء.

والشرع يعرف كليات الأشياء ويبيِّن ما الذي يجبُ أن يعتقد في شيء شيء، وما الذي هو مُعَدٌّ له في شيء شيء، ولا يعرفنا العقل مثلًا أنَّ لحم الخنزير والدم والخمر مُحرَّم، وأنه يجب أن يُتحامى من تناول الطعام في وقت معلوم، وألَّا تنكح ذوات المحارم، وألَّا تجامع المرأة في حال الحيض، فإن أشباه ذلك لا سبيل إليها إلا بالشرع؛ فالشَّرعُ نظام الاعتقادات الصحيحة والأفعال المُستقيمة، والدال على مصالح الدنيا والآخرة، ومَن عَدَل عنه فقد ضلَّ سواء السبيل.»١٣

والغزالي المُتوفى سنة ٥٠٥ﻫ/١١١١م، مع شدَّته في الرَّد على الفلاسفة ومُعاداة الفلسفة، لم يبلغ في ذلك مبلغ من ردَّ الفلسفة جملة وحرم الاشتغال بها من غير تفصيل، وهو يذكر في كتاب «تهافت الفلاسفة»:

«أنَّ الخلاف بينهم وبين غيرهم من الفِرَق ثلاثة أقسام: قسمٌ يرجع النزاع فيه إلى اللفظ، وقسم لا يصدم مذهبهم فيه أصلًا من أصول الدين، والقسم الثالث ما يتعلق النِّزاع فيه بأصل من أصول الدين، كالقول في حدوث العالم وصفات الصانع وبيان حشر الأجساد والأبدان.»

ثم يقول: «فهذا الغِشُّ ونظائره هو الذي ينبغي أنْ يُظهر فساد مذهبهم فيه دون ما عداه.»١٤

ويرسم رأي الغزالي فيما بين الدين والفلسفة من الصلة قولُه في كتاب «المنقذ من الضلال» عند الكلام عن الإلهيين من الفلاسفة:

«الصنف الثالث: الإلهيون، وهم المُتأخرون، ومنهم مثل سقراط وهو أستاذ أفلاطون وأفلاطون أستاذ أرسطاطاليس، وأرسطاطاليس هو الذي رتَّب لهم المنطق وهذَّب العلوم، وخمَّر ما لم يكن مُخمَّرًا من قبل، وأنضج لهم ما كان فجًّا من علومهم، وهم بجملتهم وردوا على الصنفين الأولين من الدهرية والطبيعية، وأوردوا في الكشف عن فضائحهم ما أغنَوْا به غيرهم «وكفى الله المؤمنين القتال» بتقاتلهم، ثم رد أرسطاطاليس على أفلاطون وسُقراط ومَن كان قبله من الإلهيين ردًّا لم يقصر فيه حتى تبرَّأ من جميعهم، إلا أنه استبقى أيضًا من رذائل كفرهم بقايا لم يوفَّق للنزوع عنها، فوجب تكفيرهم وتكفير متبعيهم من المتفلسفة الإسلاميين كابن سينا والفارابي وأمثالهما على أنَّه لم يَقُم بنقل علم أرسطاطاليس أحد من المتفلسفة الإسلاميين كقيام هذين الرجلين، وما نقله غيرهما ليس يخلو عن تخبط وتخليط يتشَوَّش فيه قلب المُطالِع حتى لا يُفهَم، وما لا يُفهم، كيف يُردُّ أو يُقبَل؟!

ومجموع ما صحَّ عندنا من فلسفة أرسطاطاليس — بحسب نقل هذين الرجلين — ينحصر في ثلاثة أقسام؛ قسم يجبُ التكفير به، وقسم يجب التبديع به، وقسم لا يجب إنكاره أصلًا فلنفصِّله.»١٥

وقد يُعتبر كلام الغزالي، على ما فيه من قسوة أحيانًا، رفيقًا إذا قيس إلى كلام كثير من المتأخرين: ويقول الشيخ محمد عبده في «رسالة التَّوحيد» في وصف موقف الدينيين من الفلاسفة منذ عهد الغزالي:

«وجاء الغزالي ومَن على طريقته فأخذوا جميع ما وجد في كتب الفلاسفة مما يتعلق بالإلهيات، وما يتصل بها من الأمور العامة أو أحكام الجواهر والأعراض، ومذاهبهم في المادة وتركيب الأجسام، وجميع ما ظنه المشتغلون بالكلام يمسُّ شيئًا من مباني الدين، واشتدوا في نقده، وبالَغَ المُتأخرون منهم حتى كاد يصل بهم السَّيْر إلى ما وراء الاعتدال.»١٦

ومُبالغة المُتأخرين في مُعاداة الفلسفة تَظهَر فيما جاء في «فتاوى ابن الصلاح في التفسير والحديث والأصول والعقائد»، وابن الصلاح هو أبو عمرو عثمان بن عبد الرَّحمن تقي الدين الشهرزوري المُتوفى سنة ٦٤٣ﻫ، وقد جاء في «فتاواه» ما نصه:

«مسألة فيمَن يشتغل بالمنطق والفلسفة تعلُّمًا وتعليمًا، وهل المنطق جملة وتفصيلًا مما أباح الشرع تعلُّمه وتعليمه، والصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون والسلف الصالحون ذكروا ذلك أو أباحوا الاشتغال به أو سوغوا الاشتغال به أم لا؟ وهل يجوز أن تستعمل في إثبات الأحكام الشرعية الاصطلاحات المَنطقية أم لا؟ وهل الأحكام الشرعية مُفتقرة إلى ذلك في إثباتها أم لا؟ وما الوَاجب على مَن تلبَّس بتعليمه وتعلمه متظاهرًا به؟ ما الذي يجب على سلطان الوقت في أمره؟ وإذا وجد في بعض البلاد شخصٌ من أهل الفلسفة معروفًا بتعليمها وإقرائها والتصنيف فيها وهو مدرِّس في مدرسة من مدارس العلم، فهل يجبُ على سلطان تلك البلدة عزله وكفاية الناس شره؟

أجاب رضي الله عنه: «الفلسفة أُسُّ السَّفَه والانحلال ومادة الحيرة والضلال، ومثار الزيغ والزندقة، ومَن تفلسف عميت بصيرته عن محاسن الشريعة المُطهَّرة المؤيَّدة بالحجج الظاهرة والبراهين الباهرة، ومَن تلبَّس بها تعليمًا وتعلُّمًا قارنه الخذلان والحرمان، واستحوذ عليه الشيطان، وأي فنٍّ أخزى من فن يُعمي صاحبه ويُظلم قلبه عن نبوة نبينا محمد كُلما ذكره الذاكرون وكلما غفل عن ذكره غافل، مع انتشار آياته المُستبينة ومعجزاته المُستنيرة، حتى لقد انتدب بعض العلماء لاستقصائها فجمع منها ألف معجزة، وعددناه مقصرًا؛ إذ هي فوق ذلك بأضعاف لا تُحصى، فإنَّها ليست محصورة على ما وجد منها في عصره بل تتجدد بعده على تعاقب العصور، وذلك أنَّ كرامات الأولياء من أُمَّته، وإجابات المتوسِّلين به في حوائجهم وإغاثاتهم عُقيب توسُّلهم به في شدائدهم، براهينُ له قواطع، ومعجزات له سواطع، ولا يعدُّها عادٌّ ولا يحصرها حادٌّ. أعاذنا الله من الزيغ عن ملته، وجعلنا من المهتدين الهادين بهديه وسنته.

وأما المنطق فهو مدخل الفلسفة، ومدخل الشر شر، وليس الاشتغال بتعليمه وتعلُّمه من إباحة الشارع، ولا استباحه أحد من الصحابة والتَّابعين والأئمة المجتهدين والسلف الصالحين، وسائر مَن يُقتدى به من أعلام الأمة وساداتها، وأركان الأمة وقادتها، قد برَّأ الله الجميع من مَعَرَّة ذلك وأدناسه، فطهَّرهم من أوصابه، وأمَّا استعمال الاصطلاحات المنطقية في مباحث الأحكام الشرعية، فمن المنكَرات المُستبشَعة والرقاعات المُستحدثة، وليس للأحكام الشرعية، والحمد لله، افتقار إلى المنطق أصلًا، وما يزعمه المنطقي للمنطق من أمر الحد والبرهان فقعاقع١٧ قد أغنى الله عنها كل صحيح الذهن، لا سيما من خدم نظريات العلوم الشرعية، ولقد تمت الشريعة وعلومها، وخاض في بحر الحقائق والدَّقائق علماؤها؛ حيثُ لا منطق ولا فلسفة ولا فلاسفة، ومَن زعم أنَّه يشتغل مع نفسه بالمنطق والفلسفة لفائدة يزعُمها فقد خدعه الشيطان وَمَكَر به، فالواجب على السُّلطان أن يدفع عن المسلمين شر هؤلاء المياشيم١٨ ويُخرجهم عن المدارس ويُبعدهم ويُعاقب على الاشتغال بفنهم، ويَعرِض مَن ظهر منه اعتقاد عقائد الفلاسفة على السيف أو الإسلام لتخمد نارهم وتمحى آثارها وآثارهم، يسَّر الله ذلك وعجَّله، ومنْ أَوْجَب هذا الواجب عَزْلُ مَن كان مدرِّس مدرسة من أهل الفلسفة والتصنيف فيها والإقراء لها، ثم سجنه وإلزامه منزله، وإن زعم أنه غير معتقد لعقائدهم، فإنَّ حاله يكذِّبه، والطريق في قلع الشر قلع أصوله، وانتصاب مثله مُدرِّسًا من العظائم حمله، والله — تعالى — ولي التوفيق والعصمة، وهو أعلم.»١٩

ومن أمثلة ذلك أيضًا قول المولى أحمد بن مصطفى المعروف بطاش كبرى زاده المتوفى سنة ٩٦٢ﻫ/١٥٥٤-١٥٥٥م في كتاب «مفتاح السعادة ومصباح السيادة» في موضوعات العلوم:

«وإياك أن تظن من كلامنا هذا أن٢٠ تعتقد كل ما أطلق عليه اسم العلم حتى الحكمة المموَّهة التي اخترعها الفارابي وابن سينا، ونقَّحه نصير الدين الطوسي، ممدوحًا، هيهات هيهات! إنَّ كل ما خالف الشرع فهو مذموم، سيما طائفة سموا أنفسهم حكماء الإسلام عكفوا على دراسة تُرَّهات أهل الضلال وسمَّوْها الحكمة، ورُبَّما استجهلوا مَن عَرَى عنها، وهم أعداء الله وأعداء أنبيائه ورسله والمحرفون كلم الشريعة عن مواضعه، ولا تكاد تلقى أحدًا منهم يحفظ قرآنًا ولا حديثًا، وإنما يتجملون برسوم الشريعة حذرًا من تسلُّط المُسلمين عليهم، وإلا فهم لا يعتقدون شيئًا من أحكام الشرع، بل يُريدون أن يهدموا قواعده وينقضوا عُرَاه عروة عروة. قيل:
وما انتسبوا إلى الإسلام إلا
لصَوْن دمائهم عنْ أنْ تُسالا
فيأتون المناكر في نشاط
ويأتون الصلاة وهم كُسالى
فالحذر الحذر منهم، وإنما الاشتغال بحكمتهم حرامٌ في شريعتنا، وهم أضرُّ على عوامِّ المسلمين من اليهود والنَّصارى؛ لأنَّهم يتستَّرون بزيِّ أهل الإسلام، نعم، إنَّ مَنْ رَسَّخَ قواعد الشريعة في قلبه، وامتلأ قلبه من عظمة هذا النبي الكريم وشريعته، وتأيَّد دينه بحفظ الكتاب والسُّنة، وقوى مذهبه في الفروع، يحل له النظر في علوم الفلسفة، لكن بشرطين؛ أحدهما: ألَّا يتجاوز مسائلهم المُخالِفة للشريعة، وإن تجاوزها فإنما يُطالِعها للرد لا لغيره. وثانيهما: ألَّا يمزج كلامهم بكلام علماء الإسلام، ولقد حصل ضرر عظيم على المسلمين من هذه الجهة؛ لعدم قدرتهم على تمييز الجيد من الرديء، ورُبما يستدلون بإيرادها في كتب الكلام على صحتها، وما كان هذا إلا منذ ظهر نصير الدين الطوسي وأضرابه، لا حيَّاهم الله، وإنما السلف، مثل الإمام الغزالي والإمام الرازي، مزجوا كتب الكلام بالحكمة، لكن للرد كما تراه في تصانيفهم، ولا بأس بذلك، بل ذلك إعانة للمسلمين وحفظ لعقائدهم، ثبَّتنا الله وإياكم على الصراط المستقيم، إنه جواد كريم.»٢١
ومن المتقدمين قبل الغزالي مَن كانوا حربًا على الفلسفة لا يعرفون هوادة ولا لينًا، وجُلُّ هذا الصنف ممَّن لم يتذوَّقوا طعم الفلسفة ولم يتنسَّموا ريحها. وفي كلامهم من الخلط ما يدلُّ على أنهم لا يتكلمون عن علم فيما عالجوا من أمور الفَلسفة، ومن أمثلة ذلك ما جاء في كتاب «مُفيد العلوم ومُبيد الهموم» للشيخ جمال الدين أبي بكر محمد بن العباس الخوارزمي المُتوفى سنة ٣٨٣ﻫ/٩٩٣م، «الباب الثالث في الرد على الفلاسفة»: «وهم قوم من اليونانيين تحذلقوا٢٢ في المعقولات حتى وقعوا في وادي الحيرة والخُباط،٢٣ وتحيَّروا في الإلهيات، وبنَوْا مقالاتهم على التشهي المحض والدعاوى الصرف، ويزعمون أنهم أكيس خلق الله، وسياق مذهبهم يدل على أنهم أجهل خلق الله وأحمق النَّاس، وأساس الإلحاد والزَّندقة مبنيٌّ على مذهبهم، والكفر كله شعبة من شُعَبِهم، وكانوا يترهبون لقطع النَّسل، ورئيسهم أفلاطون المُلحِد، لعنه الله، قال لموسى بن عمران رسول الله وكليمه: «كلُّ شيء تقوله أصدِّقك فيه إلا قولك: «كلَّمني علةُ العلل».» انظر إلى اعتقاد هذا الخبيث، كان يكذِّب رسول الله ويعتقد أنَّ الله — تعالى — لا كلام له البتة، تسميته٢٤ تُوجب بنفسها من غير اختيار، ويعتقد أن العالم قديم، وإخوانه كأرسطاطاليس وسقراط وجالينوس كلهم ملاحدة العصر وزنادقة الدهر يقينًا، فإنَّ هذا تعرفه العلماء دون الأمراء، ثم إنَّ الله — سبحانه وتعالى — عَلِم خُبْث سرائرهم؛ فأرْسَلَ الله عليهم سُلًّا ففرَّقهم، وعلومهم المشئومة عرَّبتْها أقوام في عهد المأمون الخليفة بإذنه ووصيته، ثم اعتقاد الفلاسفة أنَّ الآلهة ثلاثة: المبدأ، والعقل، والنَّفس، وقَضَوْا بكون العقل والنفس أزليين، وينفون الصفات، ولا يقولون إن الله حي عالِم قادِر مُريد سميعٌ متكلم البتة، وزعموا أنَّ الحركات أزلية سرمدية، إلى غير ذلك، فهم مشركون ملحدون، لعنهم الله!»٢٥
أمَّا الفُقهاء من علماء الدين المُتأخرين فالظاهر أنهم لا يَرَوْن بين الفلسفة وبين الشعبذة٢٦ والسحر٢٧ والكهانة٢٨ فرقًا، يقول النووي محيي الدين أبو زكريا يحيى المُتوفى سنة ٦٧٧ﻫ/١٢٧٨م في كتاب «المجموع شرح المُهذب»:
«فصل، قد ذكرنا أقسام العلم الشرعي، ومن العلوم الخارجة عنه ما هو محرم أو مكروه ومباح، فالمُحرم كتعلُّم السِّحر؛ فإنه حرام على المذهب الصحيح، وبه قطع الجمهور، وفيه خلاف نذكره في الجنايات؛ حيثُ ذكره المُصَنِّف إن شاء الله تعالى، وكالفلسفة والشعبذة والتنجيم وعلوم الطبائعيين،٢٩ وكل ما كان سببًا لإثارة الشكوك، ويتفاوت في التحريم.»٣٠

ويقول صاحب كتاب «الدُّر المُختار شرح تنوير الأبصار» علاء الدين محمد بن علي الحصكفي المتوفى سنة ١٠٨٨ﻫ/١٦٧٧م:

«واعلم أنَّ تعلُّم العِلْم يكون فرض عين، وهو بقدر ما يحتاج لدينه وفرض كفاية، وهو ما زاد عليه لنفع غيره ومندوبًا، وهو التبحُّر في الفقه وعلم القلب، وحرامًا، وهو علم الفلسفة والشعبذة والتنجيم والرمل وعلوم الطبائعيين والسحر والكهانة.»٣١

وقد يَصِحُّ أن يُعَدَّ من الفقهاء شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيِّم الجوزية الحنبلي المُتوفى سنة ٧٥١ﻫ/١٣٥٠م، وليس ابن قَيِّم الجوزية ولا أستاذه شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد المعروف بابن تيمية المتوفى سنة ٧٢٨ﻫ/١٣٢٧م من أنصار الفلسفة، لكنهما ممَّن اتصل بها، وألمَّ بعلومها فيما ألمَّا به من مختلف العلوم، وأسلوبهما في النقد والجدل عنيف، غير أن نفحات النظر العميق والاطلاع الواسع تخفِّف من لذْع أسلوبهما.

وقد عَرَضَ ابن قيم الجوزية في كتاب «مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة» لنقد العلوم الفلسفية، فقال مُبيِّنًا ما في المنطق من تهافُت وقلة جدوى، ومُشيرًا إلى صلته بالدِّين وحكم الشرع في تعلمه «وأَمَّا المَنْطِقُ فلو كان علمًا صحيحًا كان غايته أن يكون كالمِسَاحة والهندسة ونحوها، فكيف وباطله أضعاف حقه، وفساده وتناقض أصوله واختلاف مبانيه تُوجِبُ مراعاتها للذهن أن يزيغ في فكره، ولا يُؤمن بهذا إلا مَن قد عرفه وعرف فساده وتناقضه ومناقضة كثير منه للعقل الصريح، وأَخْبَر بعض مَن كان قد قرأه وعُني به، أنَّه لم يَزَل مُتعجِّبًا من فساد أصوله وقواعده، ومباينتها لصريح المعقول، وتضمنها لدعاوى محضة غير مدلول عليها، وتفريقه بين متساويين، وجمعه بين مختلفين، فيحكم على الشيء بحكم، وعلى نظيره بضد ذلك الحكم، أو يحكم على شيء بحكم ثم يحكم على مضاده أو مناقضه به.

قال: إلى أن سألتُ بعض رؤسائه وشيوخَ أهله عن شيء من ذلك، فأفكر فيه ثم قال: هذا علم قد صقلتْه الأذهان، ومَرَّت عليه من عهد القرون الأوائل، أو كما قال، فينبغي أن نتسلَّمه من أهله، وكان هذا من أفضل ما رأيتُ في المنطق، قال: إلى أن وقفتُ على رد مُتكلِّمي الإسلام عليه، وتبيين فساده وتناقضه، فوقفتُ على مصنَّفٍ لأبي سعيد السيرافي النحوي في ذلك، وعلى رد كثير من أهل الكلام والعربية عليهم كالقاضي أبي بكر بن الطيب، والقاضي عبد الجبار، والجبائي وابنه، وأبي المعالي، وأبي القاسم الأنصاري، وخَلقٍ لا يُحصَوْن كثرةً، ورأيتُ استشكالات فضلائهم ورؤسائهم لمواضع الإشكال ومخالفتها ما كان ينقدح لي كثير منه، ورأيتُ آخِر مَن تجرَّد للرد عليهم شيخ الإسلام — قدَّس الله روحه — فإنه أتى في كتابَيْه الكبير والصغير بالعجب العجاب، وكشف أسرارهم وهتك أستارهم، فقلتُ في ذلك:

واعجبا لمنطق اليونان
كم فيه من إفك ومن بهتان
مخبِّط لجيِّدِ الأذهان
ومُفسِد لفِطْرة الإنسان
مضطرب الأصول والمباني
على شفا هارٍ بناه الباني
أحوج ما كان إليه العاني
يخونه في السر والإعلان
يمشي به اللسانُ في الميدان
مشي مقيَّد على صَفْوان
متصل العثار والتواني
كأنه السراب بالقيعان
بدا لعين الظمِئ الحيران
فأَمَّه بالظن والحسبان
يرجو شفاء غُلة الظمآن
فلم يجد ثَمَّ سوى الحرمان
فعاد بالخيبة والخسران
يقرع سنَّ نادم حيران
قد ضاع منه العمر في الأماني
وعاين الخِفَّة في الميزان
وما كان من هوى النفوس بهذه المنزلة فهو بأن يكون جهلًا أولى منه بأن يكون علمًا، تعلُّمه فرض كفاية أو فرض عين، وهذا الشافعي وأحمد وسائر أئمة الإسلام وتصانيفهم، وسائر أئمة العربية وتصانيفهم، وأئمة التفسير وتصانيفهم، لمَن نظر فيها، هل راعَوْا فيها حدود المنطق وأوضاعه؟ وهل صَحَّ لهم علمهم بدونه أم لا؟ بل هم كانوا أجلَّ قدْرًا وأعظم عقولًا من أن يَشغَلوا أفكارهم بهذيان المنطقيين، وما دخل المنطق على علم إلا أفسده وغيَّر أوضاعه وشَوَّش قواعده.»٣٢
هذا وقد بدأنا حديثنا في الصلة بين الدين والفلسفة عند الإسلاميين بذكر آراء الفَلاسفة في الغرض من الدين والغرض من الفَلسفة، فيَحْسُن أن نختم هذا البحث ببيان آراء الدينيين في الغرض من الدين استكمالًا لجميع جوانب الموضوع، وابن قيم الجوزية يبسط الآراء المُختلفة في بيان المقصود من الشَّرائع عند المُسلمين من فلاسفة وغيرهم، مع رد ما لا يرضاه واختيار ما يرتضيه، وذلك في كتاب «مفتاح دار السعادة» فيقول: «فصل، وأما ما ذكره الفلاسفة من مقصود الشرائع، وأن ذلك لاستكمال النفس قوى العلم والعمل، والشرائع ترد بتمهيد ما تقرَّر في العقل بتعبيره … إلخ، فهذا مقام يجب الاعتناء بشَأنه، وألَّا نضرب عنه صفحًا، فنقول: للناس في المقصود بالشرائع والأوامر والنواهي أربعة طرق:
  • أحدها: طريق مَن يقول من فلاسفة وأتباعهم من المنتسبين إلى المِلَل: إن المقصود بها تهذيب أخلاق النفوس وتعديلها لتستعدَّ بذلك لقبول الحكمة العلمية والعملية، ومنهم مَن يقول لتستعدَّ بذلك لأن تكون محلًّا لانتقاش صور المعقولات فيها؛ ففائدة ذلك عندهم كالفائدة الحاصلة من صقل المرآة لتستعد لظهور الصور فيها، وهؤلاء يجعلون الشرائع من جنس الأخلاق الفاضلة والسياسات العَادلة؛ ولهذا رام فلاسفة الإسلام الجمع بين الشريعة والفلسفة، كما فعل ابن سينا والفارابي وأضرابهما، وآل بهم إلى أن تكلَّموا في خوارق العادات والمعجزات على طريق الفلاسفة المشائين، وجعلوا لها أسبابًا ثلاثة؛ أحدها: القوى الفلكية، والثاني: القوى النفسية، والثالث: القوى الطبيعية، وجعلوا جنس الخوارق جنسًا واحدًا، وأدخلوا ما للسحرة وأرباب الرِّياضة والكهنة وغيرهم مع ما للأنبياء والرسل في ذلك، وجعلوا سبب ذلك كله واحدًا وإن اختلفت بالغايات، والنبي قصده الخير، والساحر قصده الشر، وهذا المذهب من أفسد مذاهب العالم وأخبثها، وهو مبني على إنكار الفاعل المُختار وأنه — تعالى — لا يعلم الجزئيات، ولا يقدر على تغيير العالَم، ولا يخلق شيئًا بمشيئته وقدرته، وعلى إنكار الجن والملائكة ومَعاد الأجسام، وبالجملة فهو مبني على الكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
    وليس هذا موضع الرَّد على هؤلاء وكشف باطلهم وفضائحهم؛ إذ المقصود ذكر طرق الناس في المقصود بالشرائع والعبادات، وهذه الفرقة غاية ما عندها في العبادات والأخلاق والحكمة العلمية٣٣ أنَّهم رأَوا النفس لها شهوة وغضب بقوتها العملية، ولها تصوُّر وعلم بقوتها العلمية، فقالوا كمال الشهوة في العفة، وكمال الغضب في الحلم والشجاعة، وكمال القوة النظرية بالعلم، والتوسط في جميع ذلك بين طرفي الإفراط والتفريط هو العدل.

    هذا غاية ما عند القوم من المقصود بالعبادات والشرائع، وهو عندهم غاية كمال النفس، وهو استكمال قوتيها العلمية والعملية، فاستكمال قوتها العلمية عندهم بانطباع صورة المعلومات في النفس، واستكمال قوتها العملية بالعدل، وهذا مع أنَّه غاية ما عندهم من العلم والعمل، وليس فيه بيانُ خاصية النفس التي لا كمال لها بدونه البتة، وهو الذي خُلقت له، وأُريد منها، بل ما عرفه القوم؛ لأنه لم يكن عندهم من معرفة مُتَعَلَّقِه إلا نزْر يَسِير غير مُجْدٍ ولا مُحَصِّل للمقصود، وذلك معرفة الله بأسمائه وصفاته، ومعرفة ما ينبغي لجلاله، وما يتعالى ويتقدس عنه، ومعرفة أمره ودينه، والتمييز بين مواقع رضاه وسخطه، واستفراغ الوسع في التقرُّب إليه، وامتلاء القلب بمحبته، بحيثُ يكون سلطان حبه قاهرًا لكل محبة، وألَّا سعادة للعبد في دنياه ولا أخراه إلا بذلك، ولا كمال للروح بدون ذلك البتة …

    فليس في حكمتهم العلمية إيمانٌ بالله ولا ملائكته ولا كتبه ولا رسله ولا لقائه، وليس في حكمتهم العملية عبادته وحده لا شريك له، واتباع مرضاته واجتناب مساخطه، ومعلومٌ أنَّ النفس لا سعادة لها ولا فلاح إلا بذلك.

    فليس من حكمتهم العلمية والعملية ما تَسعَد به النفوس وتفوز؛ ولهذا لم يكونوا داخلين في الأُمم السُّعَداء في الآخرة، وهم الأمم الأربعة المذكورون في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة، آية ٦٢) …
  • الطريق الثاني: طريق مَن يقول من المُعتزلة ومَن تابعهم: إنَّ الله — سبحانه — عرضهم بها للثواب، واستأجرهم بتلك الأعمال للخير، فعاوضهم عليها مُعاوضة، قالوا: والإنعام منه في الآخرة بدون الأعمال، غير حسن؛ لما فيه من تكرير منَّة العطاء ابتداء، ولما فيه من الإخلال بالمدح والثناء والتعظيم الذي لا يُستَحَق إلا بالتكليف، ومنهم مَن يقول: إنَّ الواجبات الشرعية لطفٌ في الواجبات العقلية، ومنهم مَن يقول: إنَّ الغاية المقصودة التي يحصل بها الثواب هي العمل، والعلم وسيلة إليه، حتى رُبَّما قالوا ذلك في معرفة الله تعالى، وأنَّها إنما وجبت لأنها لطف في أداء الواجبات العملية، وهذه الأقوال تصوُّرُ العاقل اللبيب لها حقَّ التصوُّر كافٍ في جزْمه ببطلانها، رافع عنه مئونة الرد عليها، والوجوه الدَّالة على بُطلانها أكثر من أن تُذكَر ها هنا.
  • الطريقُ الثالث: طريق الجبرية ومَن وافقهم، أنَّ الله — سبحانه — امتحن عباده بذلك وكلَّفهم، لا لحكمة ولا لغاية مطلوبة له، ولا بسبب من الأسباب؛ فلا لام تعليل ولا باء سبب، إنْ هو إلا محض المشيئة وصِرْف الإرادة، كما قالوا في الخلق سواء، وهؤلاء قابلوا مَن قبلهم من القدرية والمعتزلة أعظم مقابلة، فهما طرفا نقيض لا يلتقيان.
  • والطريق الرابع: طريق أهل العلم والإيمان الذين عقلوا عن الله أمره ودينه، وعرفوا مُرَاده بما أمرهم ونهاهم عنه، وهي أنَّ نفس معرفة الله ومحبته، وطاعته والتقرُّب إليه، وابتغاء الوسيلة إليه أمر مقصود لذاته، وأنَّ الله — سبحانه — يستحقه لذاته، وهو — سبحانه — المحبوب لذاته، الذي لا تصلح العبادة والمحبة والذلُّ والخضوع والتألُّه إلا له؛ فهو يستحق ذلك لأنه أهل أن يُعبَد، ولو لم يخلق جنةً ولا نارًا، ولو لم يَضَع ثوابًا ولا عقابًا، كما جاء في بعض الآثار: «لو لم أخلق جنة ولا نارًا، أما كنتُ أهلًا أن أُعبَد؟» فهو — سبحانه — يستحق غاية الحب والطاعة والثناء والمَجد والتعظيم لذاته، ولما له من أوصاف الكمال ونعوت الجلال.
وحبه والرِّضا به، ومنه، والذل له، والخضوع، والتعبُّد، هو غاية سعادة النفس وكمالها.»٣٤

•••

بَيَّنَّا سبيل الباحثين الغربيين في دراسة تاريخ الفلسفة الإسلامية منذ استقرت النهضة الحديثة لتاريخ الفلسفة إلى أيامنا هذه، وهؤلاء الباحثون يعرضون للفلسفة الإسلامية في مصنفاتهم في التاريخ العام للفلسفة، كما صنع تنمان وبرِهْيِه، أو في مصنفاتهم في تاريخ الفلسفة في القرون الوسطى كما فعل وولف، وقد أخذ المُستشرقون يعرضون لدراسات خاصة بتاريخ الفلسفة الإسلامية مثل رِنان في كتابه «ابن رُشد ومذهبه»، ودي بور في كتابه «تاريخ الفلسفة في الإسلام».٣٥
وقد صوَّرنا أيضًا منازع المؤلفين المُسلمين في الكلام على الفلسفة الإسلامية تلقفنا ذلك من كتبهم في الموضوعات المُتفرقة، فإنَّ تاريخ الفلسفة بالمعنى الحديث لم يوجد في الإسلام، والذي عرفه المسلمون من دراسة تاريخ الفلسفة هو كتب الطبقات والتراجم، وقد ذكر صاحب كتاب «كشف الظنون» مما يدخل في هذا الباب الكتب الآتية:
  • (١)

    «تاريخ حكماء» للإمام محمد عبد الكريم الشهرستاني المتوفى سنة ٥٤٨ﻫ/١١٥٣-١١٥٤م.

  • (٢)
    «صوان الحكمة»٣٦ لأبي جعفر بن بويه ملك سجستان، ذكره الشهرزوري في تاريخ الحكماء.
  • (٣)

    «صوان الحكم في طبقات الحكماء» للقاضي أبي القاسم صاعد بن أحمد القرطبي، وقد ذُكر في «كشف الظنون» في موضع آخر باسم «طبقات الحُكماء» المُسَمَّى «بصوان الحكمة». وفي موضع ثالث باسم «تاريخ الحُكماء» لصاعد و«تاريخ صوان الحكمة».

  • (٤)

    كتاب للأمير محمد الشهير بالسناني مات سنة ٥٤٨ﻫ/١١٥٣-١١٥٤م، والظاهرُ أنَّ اسمه «طبقات الحكماء»، ويُسمى «صوان الحكمة»، كما يُشعِر به كلام «كشف الظنون».

  • (٥)

    «طبقات الحكماء وأصحاب النجوم والأطباء» للوزير علي بن يوسف القفطي المتوفى سنة ٦٤٦ﻫ/١٢٤٨-١٢٤٩م واختصره ابن أبي حمزة وعبد الله بن سعد الأزدي.

    هكذا ورد في «كشف الظنون»، وهو نفسه الكتاب المُسَمَّى «إخبار العلماء بأخبار الحكماء»، ويُسَمَّى «تاريخ الحكماء»، و«تذكرة الحكماء»، و«أسماء الحكماء وتراجمهم»، واختصره الشيخ محمد بن علي بن محمد الخطيبي الزوزني، والمطبوع في ليبسك. وفي مصر باسم كتاب «إخبار العُلماء بأخبار الحكماء» هو مختصر الزوزني.

  • (٦)

    كتاب «عيون الأنباء في طبقات الأطباء» للشيخ موفق الدين أحمد بن قاسم الخزرجي المعروف بابن أبي أصيبعة المتوفى سنة ٦٦٨ﻫ/١٢٦٩-١٢٧٠م قال فيه: «رأيتُ أن أذكر في هذا الكتاب نكتًا وعيونًا في مراتب المتميزين من الأطباء القدماء والمُحدَثين، ومعرفة طبقاتهم على توالي أزمنتهم، ونبذًا من أقوالهم وحكاياتهم، وذكر شيء من أسماء كتبهم، وقد أودعتُ فيها أيضًا ذكر جماعة من الحُكماء الفلاسفة ممَّن لهم نظر وعناية بصناعة الطب، وخملًا من أحوالهم، وأمَّا ذكر جميع الحكماء وغيرهم من أرباب النظر؛ فإني أذكر ذلك مستقصًى في «معالم الأمم وأخبار ذوي الحكم» انتهى.»

    هذا ما جاء في «كشف الظنون»، وفيه إشارة إلى كتاب في تاريخ الحكماء لابن أبي أصيبعة يُسمى «معالم الأمم وأخبار ذوي الحكم».

  • (٧)

    كتاب ابن جُلْجُل، ويذكره صاحب «كشف الظنون» بما يُفيد أنَّ اسمه «طبقات الأطباء»؛ إذ يقول:

    «طبقات الأطباء المُسمى بعيون الأنباء للشيخ موفق الدين، وابن جلجل داود بن حسان، وقيل سليمان بن حسن الطبيب الأندلسي.»

    وفي كتاب «عيون الأنباء في طبقات الأطباء» نقل عن هذا الكتاب؛ فهو يقول في مواضع كثيرة: «قال سُليمان بن حسان المعروف بابن جلجل.»

  • (٨)

    «نُزهة الأرواح وروضة الأفراح في تاريخ الحكماء» للشيخ شمس الدين الشهرزوري، وهو مُشتمل على مائة وإحدى عشرة ترجمة من المُتقدمين والمُتأخرين اليونانيين والمصريين، وشمس الدين الشهرزوري هو محمد محمود الشهرزوري.

  • (٩)

    «تاريخ حكماء الإسلام» لظهير الدين أبي الحسن البيهقي، ولم يَرِد هذا الكتاب في «كشف الظنون»، وقد طُبع حديثًا في لاهور بالهند.

وينقل ابن أبي أُصيبعة في كتاب «عيون الأنباء في طبقات الأطباء» عن حنين بن إسحاق المُتوفى سنة ٢٦٠ﻫ/٨٧٣-٨٧٤ في كتاب «نوادر الفلاسفة والحُكماء»، وينقل كذلك عن مُبشر بن فاتك في كتاب «مُختار الحكم ومحاسن الكلم»، وقد ذكر هذا الكتاب صاحب «كشف الظنون» فقال: ««مُختار الحكم ومحاسن الكلم» لأبي الوفاء مُبشر بن فاتك الأمير.»

وتوجد طبقات للمتكلمين كطبقات أبي بكر محمد بن فورك المتوفى سنة ٤٠٦ﻫ/١٠١٥-١٠١٦م، وللقاضي عياض بن موسى اليَحْصُبي كتاب في طبقات المُتكلمين سَمَّاه «ترتيب المدارك»، وللمرزباني أخبار المتكلمين، وتوجد طبقات للمعتزلة «كطبقات المُعتزلة» للقاضي عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الحمداني الإسترابادي المُتوفى سنة ٤١٥ﻫ/١٠٢٤-١٠٢٥م ظنًّا.

وللصوفية والنسَّاك طبقات كثيرة ذكرت في «كشف الظنون».

وما يكون لنا أن نُغفِل الإشارة إلى أبحاث في تاريخ الفلسفة عالجها مَن تعرضوا لتاريخ العلوم، والتأليف في الإسلام؛ مثل المسعودي في «مروج الذهب»، ومحمد بن إسحاق النديم في كتاب «الفهرست»، وصاعد بن أحمد في كتاب «طبقات الأمم»، وابن خلدون في المُقَدِّمة، والمولى أحمد بن مصطفى المعروف بطاش كبرى زاده في كتاب «مفتاح السعادة ومصباح السيادة»، وكتاب «كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون» لملا كاتب جلبي المعروف بحاج خليفة.

ولا تخلو كتب الملل والنحل والمقالات من موضوعات تتصل بتاريخ الفلسفة الإسلامية، كما نَجِدُ ذلك في كتاب «مقالات الإسلاميين» للأشعري، وكتاب «الفَرْق بين الفِرَق» لأبي منصور عبد القادر بن طاهر بن محمد البغدادي المتوفى سنة ٤٢٩ﻫ/١١٣٤-١١٣٥م، «ومُختصر كتاب الفَرْق بين الفِرَق» الذي ألَّفه عبد الرزاق بن رزق الله بن أبي بكر بن خلف الرسْعَني، وكتاب «الفِصَل في الملل والنحل» لابن حزم، وكتاب «الملل والنحل» للشهرستاني.

وفي بعض الكتب الدينية الصِّرْفة مسائل ذات علاقة بهذا الموضوع، كما في بعض كتب الغزالي، وابن الجوزي، وابن تيمية، وابن قيم الجوزية.

هذا وكلام الإسلاميين في الفلسفة الإسلامية، مع قصوره عن تكوين منهج تاريخي، هو في غالب الأمر يُعنى ببيان نسبة هذه الفلسفة إلى العلوم الشرعية، وحكم الشرع فيها، وردِّ ما يُعتبر معارضًا للدين منها.

وليس بين العلماء نزاع في أن الفلسفة الإسلامية مُتأثِّرة بالفلسفة اليونانية، ومذاهب الهند، وآراء الفُرس، ولعل هذا هو الذي يجعل الباحثين في تاريخ التفكير الإسلامي والفلسفة الإسلامية من الغربيين، يقصدون في دراستهم إلى استخلاص العناصر الأجنبية التي قامت الفلسفة الإسلامية على أساسها، أو تأثرت بها في أدوارها المختلفة، يجعلون ذلك همَّهم، ويتحرَّوْن على الخصوص إظهار أثر الفكر اليوناني في التفكير الإسلامي واضحًا قويًّا.

وليس من العدل إنكار ما لهذه الأبحاث من نفع علمي، برغم ما قد يلابسها من التسرُّع في الحكم على القيمة الذاتية لأصل التفكير الإسلامي وعلى مبلغ انفعال هذا التفكير بالعوامل الخارجية من غير اعتبار لما يمكن أن يكون له من عمل فيها.

والعوامل الأجنبية المؤثرة في الفكر الإسلامي وتطوُّره، مهما يكن من شأنها، فهي أحداث طارئة عليه، صادفتْه شيئًا قائمًا بنفسه، فاتصلت به لم تخلقه من عدم، وكان بينهما تمازُج أو تدافع، لكنها على كل حال لم تَمْحُ جوهره محوًا.

هوامش

(١) ج١، ص٩٤ من طبعة القاهرة، سنة ١٣١٧.
(٢) «فصل المقال»، طبع القاهرة ١٣٥٤ / ١٩٣٥، ص٢٨.
(٣) «الملل والنحل» على هامش «الفصل» لابن حزم، طبع القاهرة سنة ١٣١٧، ج٢، ١٥٦-١٥٧.
(٤) «تحصيل السعادة»، طبع دائرة المعارف العُثمانية، بحيدر آباد الدكن، سنة ١٣٤٥، ص٤٠-٤١.
(٥) «تحصيل السعادة»، ص٤٠، وقد صححنا آخِر كلمة في هذا النص وهي في الأصل المطبوع «ملكة».
(٦) «الطبيعيات من عيون الحكمة»، وهي الرسالة الأولى من «تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات»، ص٢-٣ من طبعات بمبي وقسطنطينية والقاهرة.
(٧) ج٢، ص١٥٧ من طبعة القاهرة، سنة ١٣١٧ﻫ.
(٨) «موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول»، على هامش كتاب «منهاج السنة النبوية»، طبع بولاق سنة ١٣٢١، ج١، ص٣-٤.
(٩) زيادة من «الإمتاع والمؤانسة».
(١٠) «تاريخ الحكماء»، وهو مختصر الزوزني المسمى «المنتخبات الملتقطات» من كتاب «إخبار العلماء بأخبار الحكماء» لجمال الدين أبي الحسن علي بن يوسف القفطي، ص٨٨، طبع ليبسك، وانظر هذا النص في كتاب «الإمتاع والمؤانسة» لأبي حيان التوحيدي الذي نشره سنة ١٩٤٢ الأستاذان أحمد أمين بك، وأحمد الزين، الجزء الثاني، ص١١.
(١١) ص١٧.
(١٢) ص١٩.
(١٣) ص٦٧.
(١٤) ص٩–١٣، طبع بيروت.
(١٥) ص٨٥–٨٨ من طبعة دمشق الثانية.
(١٦) ص١٣، الطبعة الأولى سنة ١٣١٥ﻫ.
(١٧) قعاقع: جمع قعقعة، وهي حكاية صوت السلاح ونحوه.
(١٨) لعلها المشائيم.
(١٩) «فتاوى ابن الصلاح»، ص٣٤-٣٥، طبع القاهرة، سنة ١٣٤٨.
(٢٠) لعلها أو.
(٢١) ج١، ص٢٦-٢٧.
(٢٢) تحذلق الرجل إذا أشهر الحذق وادَّعى أكثر مما عنده «مختار الصحاح».
(٢٣) الخباط بالضم كالجنون وليس به «مختار الصحاح».
(٢٤) لعلها «إنيته»، أو«نفسه».
(٢٥) الخوارزمي: «مفيد العلوم ومبيد الهموم»، ص٦١-٦٢، طبع المطبعة الشرقية، سنة ١٣٢٨ﻫ.
(٢٦) الشعوذة: خِفَّة في اليَدِ وأخذ كالسحر، يرى الشيء بغير ما عليه أصله في رأي العين، والمشعبذ: المشعوذ، وقد شعبذ يشعبذ «القاموس المحيط».
(٢٧) السحر: هو فعل يَخفَى سببه ويوهم قلب الشيء عن حقيقته، والمشهور عند الحكماء منه غير المعروف في الشرع، والأقرب أن المعروف في الشرع هو الإتيان بخارق عن مزاولة قول أو فعل محرَّم في الشرع، أجرى الله — سبحانه — سنته بحصوله عنده ابتلاء «كشف الظنون».
(٢٨) الكاهن: الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مُستقبل الزمان، ويدَّعى معرفة الأسرار «لسان العرب».
(٢٩) يُطلَق الطبيعيون على فرقة يَعبدون الطبائع الأربع؛ أي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة؛ لأنها أصل الوجود؛ إذ العالم مركَّب منها، وتُسَمَّى هذه الفرقة الطبائعية «كشاف اصطلاحات الفنون».
(٣٠) ج١، ص٢٧.
(٣١) ج١، ص٣٠–٣٢.
(٣٢) «مفتاح دار السعادة»، ص١٧١-١٧٢، القاهرة ١٣٥٨ﻫ/١٩٣٩م، مع تصحيح بعض التحريفات.
(٣٣) لعلها العملية.
(٣٤) «مفتاح دار السعادة»، ص٣٦٠–٤٥٥ من الطبعة المذكورة.
(٣٥) De Boer في كتابه The History of Philosophy in Islam.
(٣٦) الصوان بضم الصاد وكسرها ما يُصان فيه الشيء «المصباح المنير»، والذي جاء في كتاب «كشف الظنون»، طبعة دار السعادة: صنوان، وكذلك ورد في كتاب «مفتاح السعادة»، والصنوان: جمع صنو، وهو الغصن الخارج عن أصل الشجرة، والظاهر أنه تحريف، فإن توجيهه محوج إلى تكلف.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤