مقدمة

اكتسب الغرب الإسلامي دورًا بارزًا في تشكيل حضارة البحر المتوسط من خلال موروثاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وعلى وجه الخصوص الاقتصادية منها؛ باعتبارها إحدى ركائز الاتصال مع الشعوب والبلدان التي جاورت الغرب الإسلامي؛ ومن هذا المنطلق تكمُن أهمية النسيج في تلك المنطقة، خاصة في العصر الوسيط؛ تلك الفترة التي شكَّلت جانبًا مهمًّا من تاريخ الغرب الإسلامي.

إذ تطور الغرض من اتخاذ المنسوجات كملابس ومفروشات في الغرب الإسلامي؛ لتمثِّل مظهرًا من مظاهر الحضارة، يُرى مردوده في الحياة العامة، في المساجد ودور العبادة والقصور والدواوين وفي كافة مناحي الحياة، خاصة بعد أن اتخذ النَّسيج طُرُزًا ونوعيات ميَّزت أقاليمه في طرق الصنع وسُبل التجارة، وصارت خاماته ونوعياته من العلامات المميِّزة له، فضلًا عن الدور الذي أدَّته تجارة النسيج في تدعيم السياسة الاقتصادية والتجارية في بلدان الغرب الإسلامي؛ لذا اعتلت تجارة النسيج الصدارة وأصبحت واحدة من أبرز التجارات التي ترأَّست قوائم المبادلات التجارية في منطقة الغرب الإسلامي طيلة العصور الإسلامية.

ونبع هذا التميز من اهتمام مُدن الغرب الإسلامي بالنَّسيج وتجارته بإقامة العلاقات التجارية مع مدن الغرب المسيحي، وبلاد السودان الجنوبي ومصر، وبلدان المشرق الإسلامي. وقد ساعد هذا على تبادل الخبرات ومواد النَّسيج الخام، فضلًا عن سعي حكومات الغرب الإسلامي لإنشاء القيساريات والأسواق التي أَوْلت اهتمامها بصناع وتجار النسيج.

ويمثل هذا الكتاب أهميةً كبيرة للمهتمين بدراسة التاريخ الاقتصادي للغرب الإسلامي؛ لأنه يستعرض البيئة الزراعية لتلك المنطقة، فضلًا عن الوضع الصناعي الذي اتُّبع، والتقسيمات الصناعية وصنوف الصناع، هذا بالإضافة إلى الوجود التجاري من أسواق وقيساريات ونقابات، والعلاقات التجارية التي امتدت شرقًا وغربًا، وقد جاء الكتاب في ستة فصول:
  • الفصل الأول: تناول أهم العوامل المؤثرة في النَّسيج من زراعة وصناعة وتجارة، مع ذكر أهمية النَّسيج والمنسوجات في الغرب الإسلامي.
  • الفصل الثاني: عرضتُ فيه للنباتات النَّسيجية الأوَّلية ومناطق زراعتها، بالإضافة للصوف ومراكز توطُّنه، وأهم المراعي ببلدان الغرب الإسلامي، وتطرَّقتُ بالحديث عن زراعة التوت، ونباتات الصباغة، وأهم مناطق إنتاجها بالغرب الإسلامي.
  • الفصل الثالث: تطرقتُ فيه بالحديث عن أصناف صُنَّاع النَّسيج في الغرب الإسلامي؛ من مبتدئين وصناع ومعلمين، كما ذكرت صُنَّاع النَّسيج من حرَّارين وقطَّانين وصوَّافين وكمَّادين وصبَّاغين، وكذلك فئات صُنَّاع النَّسيج من علماء ونساء وصبية وغلمان بالإضافة لأهل الذمة.
  • الفصل الرابع: ذكرتُ فيه مراحل صناعة النَّسيج من تجهيز وغَزْل وتصنيع، فضلًا عن مجال مراكز الصناعة الحريرية والصوفية والقُطْنية وكذلك الكَتَّانية، بالإضافة للصناعات الأخرى التي ارتبطت بصناعة النَّسيج من صباغة وغيرها.
  • الفصل الخامس: أُفرد لدراسة أسواق النَّسيج في الغرب الإسلامي وأهم المنشآت التجارية، مع ذكر أهم أسواق النَّسيج، ونظم النَّسيج التجارية وفئات تجار النَّسيج، وكذلك مقاييس وموازين وأسعار النَّسيج، بالإضافة لطرق بيعه، والحسبة على النَّسيج وتجاره داخل أسواق الغرب الإسلامي.
  • الفصل السادس: جاء لدراسة أشكال المبادلات التجارية للنسيج في بلدان الغرب الإسلامي من مُنتجات النَّسيج الخام والمنتجات الصناعية (المنسوجات)، وكذلك المبادلات التجارية للنسيج مع بلاد السودان والسودان الغربي، والبلدان المشرقية (الهِنْد والصِّين)، والبلدان المصرية، وبلدان الغرب المسيحي من ميورقة والجمهوريات الإيطالية.

وأخيرًا أتمنى من الله العلي القدير التوفيق والسداد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤