ابن رشد فقيهًا١

(١) مقدمة: من التقليد إلى الاجتهاد

هناك فرق بين ابن رشد الفقيه وابن رشد فقيهًا. ابن رشد الفقيه هو صاحب «نهاية المجتهد وبداية المقتصد»، في حين أن ابن رشد فقيهًا هو روح القاضي الذي يتخلل أعمال ابن رشد كلها. الأول تقليدي، تغيب عنه روح الفلسفة أحيانًا، وأقرب إلى علم الفقه القديم. في حين أن الثاني تجديدي فلسفي، يتحكم في فكر ابن رشد كله، المتكلم والطبيب والفيلسوف واللغوي والأصولي والشارح. الأول ظاهري يمكن معرفته بسهولة من عرض وتحليل «بداية المجتهد»، والثاني في حاجة إلى تأويل يقوم على رصد اجتهادات القاضي لمعرفة الصواب في الحكم بين المتخاصمين، ومقارنة أدلة كل فريق. وقد تجلَّى ذلك في «مناهج الأدلة» في المقارنة بين أدلة الأشاعرة وأدلة المعتزلة كي يعرف أي الفريقين أحق بالبرهان، وفي «تهافت التهافت» للمقارنة بين أدلة الغزالي وأدلة الفلاسفة في محاولتهم فهم العقائد فهمًا فلسفيًّا خالصًا. كما تجلت روح الفقيه الفيلسوف، ابن رشد فقيهًا، في «فصل المقال» الذي يعرض فيه ابن رشد للصلة بين الحكمة والشريعة أي بين الفلسفة والدين في صيغة فتوى، إجابة على سؤال: هل الفلسفة واجبة بالشرع أم مندوبة أم مكروهة أم محظورة طبقًا لأحكام التكليف الخمسة؟ وقد يتجلَّى ابن رشد فقيهًا أيضًا في روح العلم في كتاب «الكليات» عندما يوازن ابن رشد بين الأدلة ويتحقق من صدق الأحكام في التجارب، وكذلك في رسائله الطبية عندما يقارن بين أطباء اليونان. وتتجلَّى نفس الروح في الشروح والتلخيصات عندما يقارن بين التأويلات المختلفة للشراح مبينًا صواب أو خطأ بعضها، وانتهاءً إلى التأويل الصحيح.٢
وتتجلى مقاصد الحضارة من خلال الأشخاص. فابن رشد هو الشارح، المتكلم، الفيلسوف، الفقيه، العالم. وبالرغم من هذا التعدد في شخصيته تظهر وحدة القصد، وهو البحث عن الحقيقة الواحدة التي اختلف عليها الناس، عن الأصل الذي منه نشأت الفروع، وعن المنطوق به الذي يحال إليه المسكوت عنه. غرض ابن رشد إذن هو رد الفروع إلى أصولها، ومقارنة الأدلة بينها لمعرفة الصواب، وإصدار الحكم. ولما كانت الفروع تتشعب إلى ما لا نهاية فإنه اقتصر على أمهات الفروع. فالحقيقة من جانب الأصل وليس الفرع، من جانب الوحدة وليست من جانب التعدد. والاتفاق والاختلاف مهمة القاضي للفصل بين المتخاصمين، تقليل الاختلاف وتوسيع الاتفاق للاقتراب من الأصل الواحد، والبحث عن أسباب الاختلاف في الأصول والقواعد، ردًّا للجزء إلى الكل، وإرجاعًا للمشهور إلى المنطوق به في الشرع، المتفق منه والمختلف. وهذا هو الاجتهاد: إرجاع المسكوت عنه إلى المنطوق به. المنطوق به هي الأصول، والمسكوت عنه هي الفروع. بل ويمكن مراجعة أحكام الفقهاء بإرجاع فتاويهم إلى أصول مذهبهم واستنباط أحكام أخرى بناءً على هذه الأصول في النوازل سواء نقلت عن أصحاب المذهب أو لم تُنقل.٣
والغاية من الكتاب إيقاف التقليد والحث على الاجتهاد عن طريق العودة إلى مسائل الاتفاق والاختلاف لإعادة النظر فيها والحكم عليها وإعمال النظر في أدلتها والتحقق من صدقها، استئنافًا لروح الفقه. ويتضح هذا القصد من عنوان الكتاب «بداية المجتهد ونهاية المقتصد».٤ وهو عنوان جميل ودال. ولكنه يوحي بالتقابل وربما بالتناقض. فالجزء الأول من العنوان «بداية المجتهد» يوحي بالاجتهاد، وهو روح الفلسفة: البداية دون النهاية، والسؤال دون الجواب، والمنهج دون المذهب، والمقدمات دون النتائج، والمنفتح دون المنغلق، وهو ما يتفق مع روح الاجتهاد. والجزء الثاني من العنوان «نهاية المقتصد» يوحي بالروح المقابل وربما بالنقيض: بلوغ الغاية، الوصول إلى الكمال، قفل باب الاجتهاد. وقد تعني «النهاية» هنا «الغاية» كما هو الحال في بعض اللغات الأجنبية.٥ وقد يعني لفظ «المقتصد» الطالب صاحب القصد أو الموجز الذي يتوخى الإيجاز.
وشروط الاجتهاد اثنان: العلم باللغة العربية، والعلم بأصول الفقه.٦ لذلك وضع ابن رشد كتابًا في اللغة العربية سماه «الضروري» وهو مفقود (وقد نُشر أخيرًا في موريتانيا). كما لخص كتاب المستصفى في أصول الفقه للغزالي سماه «الضروري في أصول الفقه» أو «مختصر المستصفى». وهو من مؤلفات الشباب. وقد يكون هو المقصود بإحالة ابن رشد إلى كلامه الفقهي الذي يدعي بأصول الفقه. الاجتهاد هي الآلة التي يستطيع بها الفقيه استنباط الأحكام ابتداءً من أصحاب المذهب. الاجتهاد هو منطق الاستدلال. ولا يحتاج إلى منطق آخر سابق عليه كما فعل الغزالي في «المستصفى»، وتصريحه بأن «من لا منطق له فلا ثقة لنا بعلمه». ليس الاجتهاد حفظ المسائل كمًّا بل معرفة كيفية استنباط الأحكام كيفًا، معرفة صاحب الخفاف للقالب الذي يتم طبقًا له صناعة عديد من الخفاف.٧ ويبدو أن ابن رشد هنا كان ضد طريقة حفظ الفقهاء في زمانه، باعثًا على روح الاجتهاد من جديد.
وكتاب «بداية المجتهد» أقرب إلى المدونة الشخصية للاستذكار. فهو ليس تأليفًا إبداعيًّا بل هو تجميع لمذاهب الفقهاء من أجل معرفة أوجه الاتفاق والاختلاف بينها، رادًّا أوجه الاختلاف إلى أصولها الأولى حتى يسهل الحكم عليها. جمعه ابن رشد من كتاب «الاستذكار» ربما لجده القاضي. ونظرًا لعدم ثقة ابن رشد بنقله عن أصحاب المذاهب فإنه يطالب بتصحيحه ممن هو أعلم منه بها. وهو بهذا المعنى كتاب لم يتم. إذ إنه خاضع باستمرار للتصحيح والمراجعة والزيادة والإكمال.٨ وقد دفع ذلك بعض المستشرقين والباحثين العرب إلى نسبة الكتاب إلى ابن رشد الجد وليس ابن رشد الحفيد، ولكن الغالب أنه لابن رشد الحفيد نظرًا لما يتسم به الكتاب من رد الفروع إلى الأصول، ومحاولة تأسيس الفقه على العقل والتجربة والفطرة. وهي مقاييس الصدق عند ابن رشد.
لذلك يظهر الأسلوب الشخصي وكأن الكتاب يقوم على تجربة شخصية. فيتذكر أقوال المذاهب بالذاكرة أو بمراجعة نصوص مدونة.٩ وقد انتهى منه عام ٥٨٤ﻫ أي قبل أحد عشر عامًا من وفاته. وكان قد وضع جزءًا منه قبل ذلك بعشرين عامًا. وكان ابن رشد ينوي عدم إثبات كتاب الحج ضمن الكتاب دون سبب مفهوم لذلك. فالحج جزء من الفقه، ولكنه عدل عن رأيه.١٠ وكان يود لو أعاد كتابته من جديد، ولكن هموم قصر العمر جعلته يكتفي بهذا القدر لبيان أسباب اختلاف الناس وترجيح أقوال على أخرى. ولو أعطاه الله فسحة من العمر لكان قد فعل. فهموم قصر العمر تفرض نفسها على الفيلسوف، كيفًا من حيث درجة الإتقان والكمال، وكمًّا من حيث عدد المؤلفات خاصة لو كان صاحب مشروع يتحقق على مراحل. لا يكفي إنجازها عمر واحد.١١
ويخضع الكتاب لشروط التأليف العامة في الحضارة الإسلامية لا فرق بين شرح وتلخيص وجامع وتأليف في الفلسفة أو الكلام أو الطب أو الفقه. البداية بالبسملة والحمدلة والصلاة والسلام على الرسول وصحبه في أول العمل، بل وفي أول كل كتاب إعلانًا عن البداية الجديدة.١٢ ويعلن عن نهاية الكتاب أيضًا بدعوة الله بالتوفيق للصواب أو الحمد لله والشكر على نعمه. ونادرًا ما يتم الإعلان عن نهاية الكتاب فقط دون إعلان عن خالص نوايا الإيمان.١٣ كما يعبر ابن رشد، كما سيفعل ابن خلدون من بعد، بعد تحكيم العقل ومقارنة الأدلة والحكم بين المذاهب وتقعيد القواعد وتأصيل الأصول عن نسبية المعرفة واحتمال الخطأ بعبارة «الله أعلم» في صيغتها القصيرة في نهاية بعض الاختلافات أو في صيغة مطولة تدعو القارئ إلى المشاركة معه في المراجعة والتصحيح.١٤

(٢) الوافد والموروث

وقد لا يتبادر إلى الذهن ظهور الوافد في كتب الفقه كظهوره في كتب الحكمة والكلام والتصوف. ومع ذلك ظهرت أسماء بقراط وجالينوس. يذكرهما ابن رشد الطبيب في موضوع دم الحامل هل هو حيض أو استحاضة، كمصدرين للطب ولمعرفة هذا الموضوع. فلا حرج أن يعتمد الفقه على الوافد لو كان في ذلك بحث عن العلل.١٥ فالمعرفة العلمية تراكمية. وابن رشد يستشهد بهما كرواة للطب وباعتباره طبيبًا. يصب الماضي في الحاضر. ولا يلغي الحاضر الماضي كما توهم ذلك العلم الغربي الحديث بالفصل بين تاريخ العلم والعلم. وذلك يدل على اعتماد الفقه كعلم نقلي على سائر العلوم الإنسانية. وما يقال في الطب قد يقال أيضًا في التجارة والصناعة والزراعة والتعدين والمعاملات المصرفية لمعرفة قوانينها وماذا يقول أهل الاختصاص فيها من أجل البحث عن العلل وهي مناط الفقه وأساس الاجتهاد. فالطب هنا أفيد من الحكمة. ولا يهم مصدره، يونانيًّا كان أم غير يوناني. فالعلم الطبيعي نتاج التجريب، والتجريب واحد في كل الحضارات ولدى جميع الشعوب.
وبطبيعة الحال تكون للموروث الأولوية المطلقة على الوافد. ولما كان ابن رشد أندلسي الثقافة والتكوين فقد برزت الظاهرية باعتبارها الوافد الرئيسي له بعد المذاهب الفقهية المشرقية الأربعة وفروعها عند فقهاء الأمصار. ويسميها أحيانًا الظاهرية، وأحيانًا أخرى أهل الظاهر.١٦ كما يظهر ابن حزم الأندلسي كشخصية أولى بعد رؤساء المذاهب الفقهية الأربعة أبي حنيفة والشافعي ومالك وابن حنبل. كما يذكر داود الظاهري ومدى الاتفاق والاختلاف بينه وبين ابن حزم. فالظاهرية مذهب يعترف به ابن رشد ولو أنه لا يسميه مذهبًا خامسًا.١٧ كما يذكر أبا حامد وأبا المعالي، كلًّا منهما مرة واحدة وكراويين للمذاهب وليسا كشافعيين.١٨ بل إنه يذكر معاوية الذي كان يجيز التفاضل بين التبرد المصوغ لمكان زيادة الصباغة.١٩ وأخيرًا يذكر الحسن البصري فقيهًا وليس متكلمًا زاهدًا في آرائه في إيجاب الخمار في الصلاة وفي أنواع الصيد وفي العتق.٢٠
كما يشير ابن رشد إلى فقهاء الأمصار ويسميهم أحيانًا علماء الأمصار.٢١ ويخص بالذكر فقهاء الحجاز.٢٢ أو فقهاء العراق، فيسميهم أحيانًا أهل العراق أو فقهاء العراق، أو العراقيين أو البغداديين والكوفيين أو جماعة أهل الكوفة.٢٣ كما يشار إلى المدن والأقاليم مثل أهل المدينة، أهل الغرب.٢٤ وهناك فرق أخرى يشير إليها ابن رشد كمذاهب أخرى أو أقوال قوم آخرين.
كما يحيل ابن رشد إلى فقه الفرق الإسلامية. ويذكر تشدد فقه الخوارج مثل وجوب قضاء الصوم على الحائض، وقطع يد السارق في القليل والكثير. كما يشير إلى بعض الأصول الكلامية الأشعرية مثل الحاجة المستمرة إلى الأوامر في الأمر المتجدد.٢٥
وقد يعبر ابن رشد فقيهًا عن روح المالكية، هذا المذهب الذي انتشر في الأندلس وشمال أفريقيا، روح المصلحة كما عبر عنها مالك في المصالح المرسلة. وقد كانت نية ابن رشد وضع كتاب في المذهب المالكي يجمع فيه أصوله ومسائله المشهورة التي في حكم الأصول للتفريع عليها كما فعل ابن القاسم مستنبطًا أحكامًا على أصحاب المذهب المالكي، ولم ينقلها عن مالك كما يفعل أصل الاتباع والتقليد في الأحكام والفتاوى.٢٦ ويشير إلى مذهب مالك عند أهل المغرب.٢٧

(٣) البنية الثنائية الرأسية (العبادات) والأفقية (المعاملات)

«بداية المجتهد ونهاية المقتصد» كتاب في الفقه، تقليدي في الظاهر، في البنية والتحليل، والأدلة النقلية والبراهين العقلية. يبدأ بالعبادات في الجزء الأول، قبل المعاملات في الجزء الثاني كما هو الحال في الفقه التقليدي القديم.٢٨ ويتعادل الجزءان كمًّا بالرغم من اختلاف عدد الكتب: اثنان وعشرون كتابًا في الأول، وخمسون كتابًا في الثاني.٢٩ وتختلف كتب كل جزء فيما بينها من حيث الكم. أطولها «الصلاة» وأصغرها «العقيقة» في الجزء الأول. وفي الجزء الثاني أطولها «البيوع»، وأصغرها «الجنايات» و«القصاص» و«الصلح». وبعض الكتب مجرد رأس موضوع ينقسم إلى كتب أخرى مثل «الطهارة من الحدث» في الجزء الأول، و«القصاص من النفوس» في الجزء الثاني.
ويمكن اكتشاف دلالة الأهمية بإعادة ترتيب كتب من الجزأين من حيث الكم من الأكبر إلى الأصغر لمعرفة بؤرة العبارات وبؤرة المعاملات.٣٠ ففي الجزء الأول تأتي الأولوية للصلاة في مجموع العبادات ثم الحج ثم الوضوء كشرط للصلاة مما يبرز أهمية الصلاة كدلالة أولى، ثم الزكاة ثم الجهاد، وهما العبادتان المنسيتان حاليًّا في الوجدان. ثم تعود الصلاة من جديد مما يعطي الأولوية المطلقة للصلاة في العبادات. ثم يأتي الصيام. وأخيرًا تأتي الأطعمة والأشربة وما يتعلق بهما. وفي الجزء الثاني عن المعاملات تأتي الأولوية المطلقة للبيوع وهي صفة المجتمع التجاري ثم النكاح والطلاق أي العلاقات الجنسية بين الرجل والمرأة. ثم يتداخل الموضوعان من جديد، العلاقات مع الأشياء والعلاقات بين الجنسين، في موضوعات فرعية على التبادل بالإضافة إلى القصاص والجنايات. ومع ذلك تظل البنية غامضة باستثناء قسمة الفقه إلى عبادات ومعاملات.

ومع ذلك يمكن اكتشاف بنية على مستويات عديدة كمًّا وكيفًا. فإذا كان الجزء الأول يتعرض لفقه «العبادات» بينما يتعرض الجزء الثاني لفقه «المعاملات»، وكانت العبادات علاقة الإنسان مع الله، والمعاملات علاقة الإنسان مع غيره، كان الإنسان طرفًا مشتركًا في العلاقتين، الله والآخر. وكلاهما آخر: الآخر الرأسي والآخر الأفقي: الآخر إلى أعلى والآخر إلى الأمام.

ويمكن ضم الكتب الاثنين والعشرين في المحور الرأسي في ثمانية: الطهارة، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، والأيمان، والضحايا. ومن حيث الكم تكون الصلاة أكبرها والأيمان أصغرها. كما يمكن وضع الكتب الخمسين في المحور الأفقي في ثمانية كذلك: النكاح، والبيوع، والقراض، والحجر، واللقطة، والعتق، والجنايات، والأقضية. ومن حيث الكم النكاح أكبرها والأقضية أصغرها.٣١ وتشتق بنية العبادات من حديث «بُني الإسلام على خمس» باستثناء كتاب أحكام الميت واعتبار الأيمان تعادل الشهادة. في حين لا تشتق بنية المعاملات من أي نص. لذلك جاءت مفككة متناثرة. ومع ذلك تغيب البنية المحكمة. وتكثر تفصيلات الكتب والأبواب والفصول والأقسام والجمل والأجناس والأركان والأقوال مما يحتاج إلى إعادة التركيب في بنية أقل، وأكثر إحكامًا. وهو اضطراب في بنية الكتاب نفسه. ولا يرجع إلى النشرة غير المحققة تحقيقًا علميًّا سليمًا.٣٢ وعادة ما ينقسم الموضوع إلى كتب، والكتاب إلى أبواب، والباب إلى فصول، والفصل إلى مسائل.٣٣ ولكن أحيانًا ينقسم كتاب إلى كتب مثل كتاب الطهارة وكتاب الصلاة.٣٤ ولا ينقسم كل كتاب إلى أبواب وفصول وأقسام بل ينقسم الكتاب إلى فصول مباشرة أو أركان مباشرة. وأحيانًا يكون الكتاب بلا أقسام، وأحيانًا أخرى ينقسم إلى أبواب دون فصول أو جمل. وأحيانًا لا ينقسم الباب أو الجملة إلى فصول.٣٥ وينقسم إلى مسائل مباشرة.٣٦ وقد تأتي موضوعات في آخر الباب ملحقة به ودون أن تكون جزءًا من بنيته.٣٧ وقد تلحق الموضوعات آخر المسائل دون أن يكون لها فصل خاص.٣٨ ثم تظهر أبواب بلا أرقام بعد باب، وفصول بلا أرقام بعد باب أو فصل.٣٩ وتتداخل بعض موضوعات الأبواب مثل تداخل الطهارة في البيوع، وتداخل الأطعمة والأشربة مع الطهارة.٤٠ وتتكرر بعض الأبواب مثل الطهارة من النجس.٤١ كما يكثر الاضطراب في عد المسائل وترتيبها. فتذكر المسألة الأولى دون باقي المسائل. ويُعلن عن أربع مسائل وتذكر ثلاثة منها فقط.٤٢ وقد توجد مسألة أولى دون الثانية أو المسألة الأولى فقط.٤٣ وأحيانًا تتفرع مسألة بدورها إلى عدة مسائل.٤٤ وقد تظهر موضوعات بأكملها بعد مسألة بها مسألة واحدة أو عدة مسائل.٤٥ ويمكن تلخيص ذلك كله على النحو الآتي:

قسمة الكتاب إلى أول وثانٍ، وبعض الكتب إلى جمل، وبعض الجمل إلى مسائل مباشرة، وبعض الجمل إلى أبواب، وبعض الأبواب إلى فصول، وبعض الفصول إلى أقسام، وبعض الأقسام إلى مسائل، وبعض الأبواب إلى مسائل مباشرة، وبعض الكتب إلى أبواب مباشرة.

وقد حاول ابن رشد ربط هذه البنية المفككة بعضها بالبعض الآخر عن طريق فواصل الربط التي تشير إلى ما تم إنجازه في الماضي مثل «وقد تقدم ذلك»، «وقد تقدم القول» أو ما يتم فعله أو ذكره الآن أو ما سيتم إنجازه في المستقبل ما سيأتي أو سيذكر أو سنعرف.٤٦ وقد يكون فعل المضارع في صيغة الأمر. وقد تتداخل الأزمنة ويتم التعبير عن المستقبل بالماضي مثل «وبقي من هذا الكتاب القول في الأحكام»، ولكن الغالب على عبارات الربط هو المستقبل تنبيهًا على ما سيأتي ذكره. ويشعر ابن رشد بهذا الاضطراب في البنية فيحيل بعض الموضوعات إلى بعضها. فهذا الموضوع أليق بهذا الموضوع.٤٧ ويشعر بالاستطراد والخروج عن البنية فيستدرك الكلام، ويعود إلى الموضوع الأول.٤٨ ويذكر دائمًا بالغرض والقصد الذي وراء وحدة البنية وجمع شتاتها.٤٩

(٤) البنيات المتداخلة

وبالإضافة إلى هذه البنية الرئيسية الثنائية الرأسية في العبادات والأفقية في المعاملات تظهر مجموعة من البنيات المتداخلة في كل موضوع كلي يجمع عددًا من الكتب، وهي الموضوعات الثمانية في كل من العبادات والمعاملات، ويمكن توضيح ذلك على النحو الآتي:

أولًا: العبادات

  • (١)

    الطهارة بنية ثنائية: الطهارة من الحدث، والطهارة من الخبث (النجس). والطهارة من الحدث بنية ثلاثية: الوضوء، والغسل، والتيمم. والوضوء بنية خماسية: الوجوب، والأفعال، والماء، والنواقض، والغاية. والغسل بنية ثلاثية: العمل، والنواقض، والأحكام. والتيمم بنية سباعية: المعرفة، والجواز، والشروط، والصفة، والصنع، والنواقض، والشرط. والطهارة من الخبث بنية سداسية: الحكم، والأنواع، والمحال، والشيء الذي تزال به، والصفة، والأدب.

  • (٢)

    والصلاة بنية ثنائية: أعيان وما ليست بأعيان أي وجوب. وندب الأعيان بنية رباعية: الوجوب، والشروط، والأركان، والقضاء. والشروط بنية ثمانية: الوقت، والأذان مع الإقامة، والقبلة، واللباس، والطهارة، والمواضع، والشرط، والنية. والوقت بنية ثنائية: مأمور، ومنهي. والمأمور بنية ثنائية: مختار، وضروري. والأركان بنية سداسية: فرد، وجماعة، وصحبة، وسفر، وخوف، ومرض. والجماعة بنية سباعية: الحكم، وشروط الإمامة، ومقام الإمام، والاتباع، وصفة الاتباع، وعمل الإمام، وفساد الإمام. والجمعة بنية رباعية: الوجوب، والشروط، والإمكان، والإحكام. والسفر ثنائي: قصر، وجمع. والقضاء ثلاثي: الإعادة، والقضاء، والسهو. والقضاء ثلاثي: القاضي، وصفته، وشرطه. والسهو سداسي: فرض أم سنة، والمواضع، والأقوال والأفعال، وصفاتها، والمنفرد والإمام، والتسبيح للساهي. أما التي ليست بأعيان فعشرية: الوتر، والفجر، والنوافل، وركعتي دخول المسجد، ورمضان، والكسوف، والاستسقاء، والعيدين، وسجود القرآن، والميت. وأحكام الميت سداسية: الاحتضار، والغسل، والكفن، والجنازة، والصلاة، والدفن. والغسل رباعي: الحكم، والغاسل، والمغسول، والصفة. والصلاة خماسية: الصفة، والمصلى، والوقت، والموضع، والشرط.

  • (٣)

    والزكاة ثنائية: الزكاة على وجه العموم ثم زكاة الفطر على وجه الخصوص. والزكاة العامة خماسية: الوجوب، والأحوال، (والكم)، ومتى، ولمن. والكم ذهب وفضة، وإبل وبقر، وغنم، وحبوب وثمار، وعروض. ولمن العدد، والصفة، والكم، وزكاة الفطر خماسية: الحكم، والواجب عليه، والكم، ومتى ولمن.

  • (٤)

    والصيام على العموم ثنائي: الصيام ثم الاعتكاف. والصيام على الخصوص ثنائي أيضًا: واجب ومندوب. والواجب ثنائي: صوم وفطر. والصوم ثنائي: أنواع وأركان. والأنواع ثلاثية: واجب زماني (رمضان)، وعلة (كفارات)، وواجب ذاتي (نذر) والأركان ثلاثية: زمان، وإمساك، ونية. والزمان ثنائي: شهر أو نهار. أما الفطر فثنائي: مفطرات، ومفطرين. وللمفطرات بنية ثلاثية: ما يجوز، وما يجب، وما يستحيل. والمندوب ثلاثي: الأيام، والنية، والإمساك.

  • (٥)

    وبنية الحج ثلاثية: المقدمات، والأركان، والأحكام. والمقدمات ثنائية: الوجوب وشروطه ثم من، ومتى. والأركان ثنائية: الحج والعمرة والحج ثلاثي: الإفراد، والتمتع، والقران. والأحكام سداسية: الإحصار، والصيد، والفدية والحلف، والكفارة والتمتع، والكفارات المسكوت عنها، والهدي. ثم تتخلل هذه البنية المحكمة بنية أخرى معلقة على الأحكام ثلاثية أولًا: الإحرام، والزمان، والتروك. والإحرام سداسي: الإحرام، والطواف، والسعي، وعرفة، والمزدلفة، ورمي الجمار. والطواف ثلاثي: الصفة، والشرط، والحكم. والسعي رباعي: الحكم، والصفة، والشرط، والترتيب.

  • (٦)

    والجهاد ثنائي البنية: أركان الحرب، وأحكام أموال المحاربين. وأحكام الحرب سباعية: الحكم، والمحاربون، ونكاية العدو، وشرط الحرب، وعدو العدو، والمهادنة، وسبب الحرب. وأحكام أموال المحاربين أيضًا سباعية: الخُمس، وأربعة الأخماس، والأنفال، وأموال المسلمين عند الكفار، وأرض الفتح، والفيء، والجزية.

  • (٧)

    وبنية الأيمان والنذور ثنائية: الأيمان والنذور. والأيمان ثنائية: الأنواع والحكم، والرافع للأيمان والحكم. والأنواع والحكم ثلاثي: المباح وغير المباح، اللغوية والمنعقدة، وما ترفعه الكفارة وما لا ترفعه. والرافع للأيمان والحكم ثنائي البنية الاستثناء والكفارات. والاستثناء ثنائي: الشرط، وما يؤثر وما لا يؤثر فيه الاستثناء. والكفارات ثلاثية البنية: الأصناف، وأحكام ما يلزم، وأحكام ما لا يلزم. والأصناف ثنائية: اللفظ والشيء. واللفظ ثنائي: المطلق والمقيد. والمطلق ثنائي: مصرح وغير مصرح.

  • (٨)

    والضحايا خماسية البنية: الضحايا. والذبائح، والصيد، والعقيقة، والأطعمة والأشربة. والضحايا رباعية: الحكم، والنوع، وأحكام الذبائح، وأحكام، اللحوم. والذبائح خماسية: محل الذبح، والزكاة، وما تكون به الزكاة، وشرط الزكاة، وما تجوز تذكيته وما لا تجوز. والصيد رباعي: حكمه ومحله، وما يكون به الصيد، وزكاة الصيد، وشروط القانص. والعقيقة سداسية: الحكم، والمحل، ومن وكم، والوقت، والسن، وحكم اللحم. والأطعمة والأشربة ثنائية: المحرمات والاضطرار.

ثانيًا: المعاملات

  • (١)

    النكاح كلفظ جامع لموضوعات متضايفة ذو بنية سداسية: النكاح، والطلاق، والإيلاء، والظِّهار، واللعان، والإحداد. والنكاح بالمعنى الدقيق بنية خماسية: المقدمات، والصحة، والخيار، وحقوق الزوجية، وفساد النكاح. والصحة ثلاثية البنية: كيفية العقد، والمحل، والشرط. والمحل اثنا عشري: نسب، ومصاهرة، ورضاع، وزنا، وعدد، وجمع، ورق، وكفر، وإحرام، ومرض، وعدة، وزوجية. والشرط ثلاثي: أولياء، وشهود، وصداق. والخيار رباعي: العيوب، والإعسار، والفقد، والعتق. والطلاق رباعي البنية: الأنواع، والأركان، والرجعة، والأحكام. والأنواع خماسية: البائن، والسني، والخلع، والفسخ، والتخيير. والأركان ثلاثية: الألفاظ، ومن يقع عليه، والتفصيل. والرجعة ثنائية: أحكام الرجعة، والبائن. والأحكام ثنائية: عدة ومتعة. والظِّهار سباعي: ألفاظ، وشروط، وصحة، وحرام، وتكرار، وإيلاء، وأحكام. واللعان خماسي: أنواع، وصفات المتلاعنين، وصفة اللعان، وحكمه وأحكامه.

  • (٢)

    والبيوع كلفظ عام ذو بنية سداسية: البيوع، والصرف، والسلم، وبيع الخيار، وبيع المرابحة، وبيع العرية. البيوع كموضوع خاص سداسي البنية: أنواعه، وأسباب فساده المطلق، وأسباب صحته المطلقة، والأحكام الصحيحة المشتركة، والأحكام الفاسدة المشتركة، والصحة والفساد نوعًا نوعًا. وأسباب الفساد المطلقة رباعية البنية: الأعيان، والربا، والغبن، والضرر. والربا رباعي البنية لاحتمالات التفاضل والنسيئة. وأسباب الصحة المطلقة ثلاثية. والأحكام الصحيحة المشتركة رباعية. ونظرًا لقلق بنية البيوع بالمعنى الخاص توجد بنية أوضح سداسية أيضًا: الأعيان المحرمة للبيع، والربا، والبيوع المنهي عنها، وبيوع الشروط والثنيا، والبيوع المنهي عنها للضرر والغبن، والنهي من قبل وقت العبادات. والربا رباعي: لا تفاضل ولا نسيئة، تفاضل ولا نسيئة، تفاضل ونسيئة، صنف واحد أو لا. والسلم ثلاثي البنية: المحل والشرط، والإقالة والتعجيل والتخيير، واختلاف المتابعين، وبيع المرابحة ثنائي: رأس المال، والزيادة والنقصان.

  • (٣)

    والإجارات كموضوع عام ثماني البنية: الإجارات بالمعنى الخاص، والجعل، والقرائض، والمساقاة، والشركة، والشفعة، والقسمة، والرهون. الإجارات بالمعنى الضيق ثنائية: أنواعها وشروط الصحة والفساد، وأحكامها. وأحكامها ثنائية: موجبات العقد، وأحكام الطوارئ. وأحكام الطوارئ ثلاثية: الفسوخ، والضمان، وحكم الاختلاف. والقرائض ثلاثية: المحل، ومسائل الشروط والأحكام. والأحكام ثلاثية: صحيح، وفاسد، واختلاف. والمساقاة ثلاثية: الجواز، والفساد، والصحة، والأحكام. والأحكام ثنائية: صحيح، وفاسد. والشركة رباعية: العنان، والمفاوضة، والأبدان، والوجوه. والشفعة ثنائية: تصحيح وأركان، وأحكام. والتصحيح والأركان رباعية: شافع، ومشفوع عليه، ومشفوع فيه، وصيغة الشفعة. والقسمة ثنائية: رقاب الأموال، ومنافع الرقاب. ورقاب الأموال ثلاثية: قرعة، ومراضاة، وقرعة وتعديل. ومنافع الرقابة ثلاثية: ما لا ينقل ويحول، والرباع والأصول، وما ينقل ويحول والأحكام. وما ينقل ويحول ثنائي: غير مكيل مثل الحيوان، والمكيل. والرهون ثلاثية: أركان، وشروط، وأحكام.

  • (٤)

    والحجر كموضوع عام سداسي البنية: الحجر، والتفليس، والصلح، والكفالة. والحوالة، والوكالة. والحجر بالمعنى الخاص ثلاثي البنية: أصناف المحجورين، ومتى يخرجون من الحجر ومتى يدخلون، وأحكام أفعالهم. والتفليس ثنائي البنية: الفلس، وأحكام المفلس. والوكالة ثلاثية: الأركان، والأحكام، ومخالفة الموكل للوكيل.

  • (٥)

    والميراث كلفظ عام بمعنى نقل الأشياء ثماني البنية: اللقطة، والوديعة والعارية، والغصب، والاستحقاق، والهبات، والوصايا، والفرائض. واللقطة والعارية ثنائيان: الأركان، والأحكام. والغصب ثنائي: الضمان، والطوارئ على المغصوب. والضمان ثلاثي: الموجب للضمان، وما فيه الضمان، والواجب. والهبات رباعية: الأركان، والشروط، والأنواع، والأحكام. والوصايا أيضًا رباعية: الأركان، والموصي به، ومعنى الوصية، والأحكام. والفرائض ثلاثية: ميراث القرابة (الصلب، والزوجات، والأب والأم والإخوة للأم والإخوة للأب والأم أو للأب، والجد، والجدات)، والحجب، والولاء.

  • (٦)

    والعتق بالمعنى العام رباعي البنية: العتق، والكتابة، والتدبير، وأمهات الأولاد. والعتق بالمعنى الخاص خماسي البنية: من يصح ومن لا يصح، والألفاظ، والأيمان، والأحكام، والشروط. والكتابة ثنائية: المسائل، والمكاتَب. والمكاتِب خماسية. والتدبير ثنائي: الأركان والأحكام. والأركان رباعية: المعنى، واللفظ، والمدبر، والمدبر. والأحكام خماسية.

  • (٧)

    والجنايات خماسية البنية: القتل، والجرح (أبدان، وأعضاء ونفوس)، والفروج (الزنا والسفاح)، والأموال، والأعراض (القذف)، والمأكول والمشروب. والقتل والجرح ثنائي: القصاص، والدية. وكل منهما ثنائي: القصاص في النفوس وفي الجوارح. والدية في النفوس وفي الجوارح. والقصاص في النفوس ثلاثي: شروط القاتل، والموجب، والقصاص. والموجب ثلاثي أيضًا: جارح، ومجروح، وجرح. والزنا (والسفاح) ثلاثي البنية: حدود الزنا، وأصنافه وما يثبته. والأموال رباعية البنية: بحرب دون تأويل وهي الحرابة، وبحرب وتأويل وهو البغي، ومن حرز وهي السرقة، وبسلطان وهو الغصب. والحرابة خماسية البنية: حرابة، ومحارب، وما يجب، والتوبة، وبمن تثبت. وتضطرب البنية في إدخال حكم المرتد من خارجها وهو من أول ولم يحارب. كما تدخل القسامة بعد الدية.

  • (٨)

    وأخيرًا الأقضية سداسية البنية: ما يجوز قضاؤه، وما يقضى به، وما يقضى فيه، ومن يقضى عليه أو له، وكيفية القضاء، ووقت القضاء. وما يقضى فيه رباعي البنية: الشهادة، والأيمان، والنكوث، والإقرار. وهي بنية بسيطة على مستويين متداخلين ربما لما يتطلب القضاء من بساطة ووضوح.

(٥) بنية الفعل الشرعي

وتدل هذه البنيات المتداخلة على بنية واحدة للفعل الشرعي، تجمع أبواب الفقه وأصوله. وتعتمد كثيرًا على أصول الفقه ومصطلحاته. ويبدو لهذه البنية جانبان: جانب مادي خاص بالجسم والفاعل والمفعول، وأركان الفعل وأنواعه، ومكانه وزمانه، ومقداره وتحققه في عالم الأشياء، وجانب صوري خاص بصفة الفعل وشرطه، وحكمه، وصحته وفساده، وصيغته اللغوية، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات.

فالفعل هو فعل الجسم من الداخل مثل الطهارة من الحدث، ومن الخارج مثل الطهارة من الخبث. وقد يكون فعلًا لجزء من الجسم مثل الوضوء أو لكل الجسم مثل الغسل. وهو ليس فعل الجسم وحده، بعضه أو كله بل هو مرتبط بالنية مثل النية في الصلاة وفي الصيام وفي الحج. وكل فعل له فاعل مثل المتوضئ، والمتيمم، والمصلي، والغاسل، والحاج، والصائم … إلخ. وله مفعول يقع عليه الفعل مثل الاحتضار، والغسل، والكفن، والجنازة، والمصلى عليه، والمأموم، والمزكى له، والمقضي عنه. وقد يكون الفاعل والمفعول فردًا أو جماعة إذا كان الفعل فرديًّا أو جماعيًّا مثل الصلاة والحج. والفعل له أركان. فهو فعل مركب من عدة أفعال مثل أركان الصلاة، الأقوال والأفعال، وأركان صلاة الجمعة، وصلاة العيدين، وصلاة السفر، وصلاة الخوف، وأركان الصيام مثل الزمان والنية والإمساك، وأركان الحج مثل الإحرام والطواف والسعي وعرفة والمزدلفة ورمي الجمار، وأركان الجهاد، وأركان الحرب، وللفعل أنواع مثل أنواع الخبث أو أنواع الحيض، وأنواع الصوم، رمضان والكفارة والنذر، وأنواع الأيمان المباح وغير المباح، واللغوية والمنعقدة وما ترفعها الكفارة وما لا ترفعها، وأنواع الطلاق، البائن والخلع والفسخ والتخيير، وأنواع البيوع، وأصناف المحجورين … إلخ. والفعل له مكان مثل مكان الصلاة، ومكان الحج. وله زمان مثل زمان الصلاة، وزمان الصوم، النهار والشهر، وزمان الحج، وزمان الزكاة، الحول في زكاة المال ورمضان في زكاة الفطر. وقد يكون الزمان على الفور أو على التراخي أو قضاءً. وقد يكون مقدمًا أو مؤخرًا كما هو الحال في صلاة القصر والجمع. والفعل له كم ومقدار مثل الزكاة والكفارة والبيوع. ويتحقق الفعل في عالم الأشياء مثل الماء للوضوء والغسل وإزالة الخبث. والأموال للزكاة وللمحاربين، والخمس والأربع أخماس والأنفال وأرض الفتح والفيء، والضحايا للطعام، والنذور، والذبائح، والصيد، والعقيقة، والأطعمة والأشربة ورأس المال في البيوع، والرقاب، والأبدان والنفوس، والأعضاء والفروج، والمأكول والمشروب.

وصفة الفعل هي كيفية أدائه مثل النضح بالماء في الوضوء، والمسح على الأعضاء في التيمم، وكيفية الغسل، وكيفية الصلاة، وطريقة القضاء، وآداب الاستنجاء، ودخول المسجد أو المنزل، فالفعل متصل الأفعال حتى يصبح سلوكًا في بيئة اجتماعية وفي علاقات بين الأفراد. وقد تتحدد الكيفية بالقدرة البدنية مثل صلاة القاعد وصلاة القائم وصلاة النائم. وشرط الفعل هو ما يتوقف عليه مثل الغسل أو الوضوء أو التيمم، والوقت والأذان والإقامة والقبلة واللباس كشرط للصلاة، والنية كشرط للعبادات. ولكل فعل نواقض مثل نواقض الوضوء، ونواقض الغسل، ونواقض التيمم، ومفاسد مثل مفطرات الصوم ومبطلات الإمامة. وهي ما تبطل الفعل ماديًّا أو صوريًّا وتجعله صحيحًا أو فاسدًا مثل صحة النكاح وفساده، وصحة البيوع وفسادها، وفساد البيوع المحرمة، والنهي عن الربا، وصحة وفساد الإجارات والعقود والقرائض والمساقاة، ولكل فعل حكم من الأحكام الشرعية الخمسة: الفرض أو الواجب والمندوب، والمباح أو الحلال، والمكروه، والمحرم والواجب والمحرم أفعال الضرورة إيجابًا وسلبًا مثل الصلاة والقتل. في حين أن أفعال الندب والكراهية أفعال حرة على التخيير مثل النوافل وعلو الصوت. أما الفعل الحلال أو المباح فهو الذي تكمن شريعته في فعله. وهي الأفعال الطبيعية على البراءة الأصلية. وأخيرًا لكل فعل صيغة لغوية، افعل أو لا تفعل، الأمر والنهي مثل ألفاظ النذور وألفاظ الطلاق وألفاظ العتق.

وهنا يحقق ابن رشد ما يهدف إليه، رد الفروع إلى الأصول، والأفعال الشرعية إلى وحدة الفعل. وتبرز الرشدية المعروفة عند ابن رشد المتكلم والفيلسوف والطبيب والشارح في ابن رشد الفقيه، الاعتماد على العقل والتجربة والفطرة. فالفعل الشرعي يرتكن إلى العقل ويتأسس في الواقع، ويعبر عن الفطرة. تبرز الرشدية عندما يتحول ابن رشد الفقيه إلى ابن رشد الأصولي.

(٦) اختلاف المذاهب ووحدة الأصول

وبعد أن وضع ابن رشد بنية الفقه سواء البنية الثنائية الرأسية في العبادات والأفقية في المعاملات، وبعد أن تداخلت البنيات، الثلاثية حتى الاثني عشرية يتعرض ابن رشد لمشهورات من المسائل الفقهية لمعرفة أسباب الاختلاف فيها وحل هذا الاختلاف في مذاهب مختلفة يعددها ابن رشد.٥٠ والمشهورات هي أشبه بالفقه الشعبي، ما اشتهر من الفقه بين الفقهاء والمذاهب الفقهية. ويرد الفروع إلى الأصول حتى يمكن حل هذا الاختلاف، فالجزئيات تنتظم في كليات. ويرد الخلاف والمذاهب إلى قواعد وأصول قبل ذكر المسائل المتفرعة بعد كل باب أو فصل.٥١ وقد ترجع المشهورات في الخلاف إلى الأصول والقواعد. فالخلاف في المذهب خلاف منهجي قبل أن يكون خلافًا مذهبيًّا، في الاستدلال قبل أن يكون في الموضوع. لذلك أتى الكتاب مختصرًا حاويًا للأصول وحدها دون الفروع، وللحلول المنهجية فقط دون حلول لكل الخلافات بين المذاهب. فالأصول متناهية والفروع لا متناهية.٥٢ ما يهم ابن رشد هو الاتفاق والاختلاف، والوحدة والتعدد. وهي بنية الفقه ربما بغية توحيد الأمة في عصر سقوط الأندلس كما حاول ابن عربي بطريقته الخاصة.
ويحس ابن رشد بالتطويل والتفريع والتعامل مع غير ما تعم به البلوى فيكتفي بهذا القدر من التفريعات. ويعكف على الأصول الأولى والقواعد العامة. فكثرة التفصيلات تخرج عن القصد العام للكتاب والغرض الرئيسي له. وهو البحث في أصول الاختلاف بين المذاهب.٥٣ يبحث ابن رشد عن الأصول العامة للأدلة الشرعية وأنواعها وتصنيف أسباب الخلاف في أنواع عامة رادًّا الجزء إلى الكل كما يفعل المنطقي أو الفيلسوف.
والسبب الرئيسي للاختلاف هو تعارض الأدلة النقلية من الكتاب والسنة أو معارضة الآثار بعضها البعض وغالبيتها من الحديث. ولما كانت الآثار كلها صحيحة فلا يوجد أمام الفقيه إلا النسخ، أن يكون أحدها ناسخًا والآخر منسوخًا أو الترجيح طبقًا لمنطق التعادل والترجيح أو التخيير بينهما طبقًا لموافقة المختار للمصلحة العامة أو البناء أي محاولة الجمع بينهما بطريقة العام والخاص أو المطلق والمقيد أو الجمع بينهما بطريقة أو بأخرى أو العودة إلى البراءة الأصلية. والغالب الترجيح والجمع.٥٤ ثم النسخ والجمع٥٥ فيجمع ابن رشد مثلًا المذاهب الفقهية في مذاهب رئيسية مثل مذاهب سائر المسلمين في مذهبين رئيسيين: مذهب الترجيح ومذهب الجمع. وأحيانًا يكون الاختيار بين مذاهب ثلاثة: الترجيح أو النسخ أو الجمع. ويمكن تجميعها في مذهبين: الترجيح والنسخ أو الجمع.٥٦ وأحيانًا يكون الجمع بين أربعة مذاهب: مذهب النسخ، ومذهب الترجيح، ومذهب الجمع، ومذهب البناء. والفرق بين الجمع والبناء أن الباني لا يرى أي تعارض بين الأثرين في حين الجامع يرى تعارضًا بينهما في الظاهر.٥٧
وأحيانًا يكون الحل هو مذهب التخيير، وترك الحرية الإنسانية أو المصالح العامة كأساس لهذا الاختيار.٥٨ وأحيانًا يكون الحل هو إلغاء كل المذاهب الخلافية والعودة إلى أساس الاتفاق قبل الاختلاف الذي لا جمع فيه ولا ترجيح ولا نسخ، الوحدة قبل التعدد، والأصل قبل الفروع.٥٩ فإذا ما استعصت النصوص على الاتفاق، واستحال التوفيق بينها عن طريق أحد هذه المذاهب الأربعة تم إلغاؤها جميعًا وسقوط الأثر عند التعارض، والعودة إلى البراءة الأصلية أي إلى الطبيعة والفطرة والذوق السليم. فالشرعية تكمن في الفطرة وليست خارجها كما هو الحال في المباح أو الحلال أو العفو أو المسكوت عنه.٦٠ وتعني البراءة الأصلية التوقف عن الحكم، وإلغاء المشكلة، وتعارض النصوص، والعودة إلى الأشياء ذاتها. فالأصل براءة الذمة، وأن الأشياء في الأصل على الإباحة. وقد يتم استصحاب الإجماع استرشادًا بالطبيعة الجمعية وبفطرة البشر. فاتفاق البشر على طبيعة واحدة ممكن، ثم الاختلاف طبقًا للفروق الفردية. فالمرأة مائلة بطبعها إلى الرجال أكثر من ميلها إلى تبذير الأموال مما جعل الشرع يضع لها الولي حتى لا تضع نفسها في غير موضع الكفاءة.٦١
وأحيانًا يكون حل التعارض عن طريق مبحث الألفاظ: المجمل والمبين، والخاص والعام، والمطلق والمقيد، والمستثنى والمستثنى منه، وذلك لأن الشريعة خارجة عن الحقيقة والمجاز، والظاهر والمؤوَّل، والمحكم والمتشابه.٦٢ فلم يجرِ لسان العرب بالحقيقة والمجاز في الأفعال، والأوامر والنواهي.٦٣ لذلك تكون ألفاظ الطلاق صريحة لا كناية. فالكناية نوع من المجاز. وقد تكون ألفاظ الكناية كلها إنشائية تعبر عن فورات الغضب، وليست خبرية تستنبط منها الأحكام. فدلالة لفظ الطلاق دلالة وضعية بالشرع لا تجوز فيه الكناية أو حتى المحتملة بين الصريحة والكناية مثل ألفاظ الفراق والسراح. ولا يقبل مالك الكنايات الظاهرة لأن العرف اللغوي والشرعي شاهد على اللفظ، ولا تكون ألفاظ الطلاق مترددة بين الظاهر والمؤوَّل، بين القوة والضعف لأن أفعال البشر لا تحتمل التردد والغموض.٦٤ بل إن دليل الخطاب وهو تعليق ضد الحكم بضد مفهوم الاسم ضعيف في الأحكام.٦٥ والأسس التي ليس لها معانٍ شرعية تحمل على المعاني اللغوية. فالمعنى اللغوي أساس المعنى الشرعي. ولا يحمل أحدها على الآخر إلا بتوقيف، والأصل هو الاتباع.
وقد يرجع الاختلاف في المذاهب إلى اللغة، خاصة اشتراك الاسم مثل اسم الشفق في لسان العرب الذي يعني البياض والحمرة، والنهار الذي قد يعني النهار مفردًا أو النهار والليل معًا وإن كانت الدلالة الأولى النهار والدلالة على الليل بطريق اللزوم. والغسل اسم مشترك، وكذلك أسماء اليتيم، والنكاح، والقرء.٦٦ والخلاف في الاشتراك في اسم النكاح في دلالته على المعنى الشرعي أو المعنى اللغوي. فكل لفظ له معنًى لغوي، ومعنًى شرعي ومعنًى في العرف والعادة. وهي نظرية المعاني الثلاثة اللفظ الشهيرة في المبادئ اللغوية في علم الأصول. فالنظر قسمان: من جهة اللفظ، مطلق أو مقيد، أو من جهة الأشياء، لا فرق في ذلك بين لغة الأيمان والنذر أو بين لغة النكاح والطلاق. ويقع الخلاف بين الفقهاء في أن البعض يأخذ المعنى اللغوي للاسم والبعض الآخر المعنى الاصطلاحي، وفريق ثالث المعنى العرفي العادي، معنى الممارسة الفعلية في عالم الأشياء.٦٧ كما أن اللفظ أيضًا قد يفيد التخيير لأن الأحكام المستنبطة منه أحكام أفعال، والأفعال الإنسانية قد تكون على الواجب مثل الفرض والمحرم أو على التخيير مثل المندوب والمكروه.٦٨
ويفصل ابن رشد في مقدمة الكتاب الأصولية أصناف الألفاظ التي منها تستنبط الأحكام في أربعة، ثلاثة موضع اتفاق، والرابع موضع اختلاف: عام وخاص، وعام يراد به الخاص وخاص يراد به العام. والفعل إما أن يكون بصيغة الأمر أو بصيغة الخبر يراد به الأمر، وجوبًا أو ندبًا، والترك أي أن يكون بصيغة الأمر ويفيد النهي أو بصيغة الخبر ويراد به النهي، تحريمًا أو كراهية. وهنا يحيل ابن رشد الأحكام الخمسة إلى مبحث الألفاظ. فالأمر واجب أو مندوب. والنهي محظور أو مكروه. والتخيير هو المباح. واللفظ بالنسبة للأعيان إما أن يكون له معنًى واحد فيكون نصًّا أو أكثر من معنًى على السواء فيكون مجملًا أو مختلفة على الأكثر فيكون ظاهرًا أو على الأقل فيكون محتملًا. والمطلق يحمل على الأظهر حتى يقوم دليل على المحتمل. والاحتمال يكون اشتراكًا في اللفظ أو اشتراكًا في الألف واللام (الكل أو الجزء) أو في الأوامر والنواهي أو في دليل الخطاب، من إيجاب الحكم إلى نفيه عمَّا عاداه (الموافقة) أو من نفي الحكم إلى إيجابه عما عداه (المخالفة). وأسباب الخلاف كلها ترجع إلى مباحث الألفاظ وهي سنة: تردد اللفظ بين الطرق الأربعة، اشتراك الألفاظ، اختلاف الإعراب، الحقيقة والمجاز، الإطلاق والتقييد. وأخيرًا التعارض في الألفاظ والأفعال والإقرارات.٦٩
ويستشهد ابن رشد بكلام العرب من أجل معرفة معاني الألفاظ والحروف. فالحرف «إلى» يدل على الغاية، ويكون أحيانًا بمعنى «مع». وقد اختلف الفقهاء في معنى «الباء» في آية المسح هل هي زائدة أو مبعضة، وفي واو العطف، وفي معنى «حتى» في آية حَتَّى يَطْهُرْنَ. ولام التعريف عند العرب قد تدل على البعض وحرف أو يدل على التخيير. ولا يضبط المعنى إلا طبقًا لكلام العرب وأشعارهم. واليد في كلام العرب قد تعني الكف، والكف والذراع. والكف والذراع والعضد. وللمس في كلام العرب باليد أو الجماع. وكذلك يتحدد اسم الطهر والغسل طبقًا لكلام العرب. وتعني الميتة في كلام العرب الموقوذة والمتردية والنطيحة.٧٠

(٧) من الفقه إلى الأصول

فإذا ما رد ابن رشد الفروع إلى الأصول فإنه بذلك يتحول من فقيه إلى أصولي. إذ يرجع الخلاف في المذاهب الفقهية إلى خلاف في الأصول. وكما بدأ ابن رشد فقيهًا في الصياغة الأولى ﻟ «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» قبل الصياغة الأخيرة بعشرين عامًا فإنه أيضًا بدأ أصوليًّا باختصاره المستصفى للغزالي في «الضروري في أصول الفقه» قبل ذلك باثنين وثلاثين عامًا أي عام ٥٢٢ ﻫ. ويرد الأقطاب الأربعة عند الغزالي الثمرة، والمستثمر، والمستثمر وطرق الاستثمار إلى قطب واحد هو طرق الاستثمار. ويردها كلها إلى مبحث الألفاظ. فلا يتحدث عن الأدلة الشرعية الأربعة: الكتاب والسنة والإجماع والقياس إلا من خلال طرق الاستثمار. فالكتاب والسنة أصول المسائل. والإجماع نص يخضع لمبحث الألفاظ وليس أصلًا شرعيًّا بمفرده.٧١
وفي كل مسألة فقهية يعرض الأدلة النقلية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ثم مدى إجماع المذاهب الفقهية عليها، اتفاقًا أو اختلافًا. ثم يبدأ بوضع أصول هذا الاتفاق والاختلاف دون أن يسمى هذا قياسًا أو دليل العقل أو الاستصحاب كما فعل في «الضروري». فالفقه تنظير للحديث كما أن الحديث تفصيل للقرآن. وفي كتب الفقه المختلفة الاثنين وسبعين في «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» هناك البعض منها يجمع بين القرآن والحديث. يغلب الحديث على القرآن كلما زادت التفصيلات، ويغلب القرآن على الحديث كلما قلت التفريعات. فالقرآن أقرب إلى الأصول، والحديث أقرب إلى الفروع. وهناك كتب فقهية بها قرآن فقط، وأخرى بها حديث فقط. وهناك كتب تخلو من القرآن والحديث، وتعتمد موضوعاتها على بنية العقل الخالص وطرق الاستدلال. ففي الجزء الأول خمسة عشر كتابًا يغلب فيها الحديث على القرآن. وكتابان فقط يغلب فيهما القرآن على الحديث. وكتاب واحد يتساوى فيه القرآن والحديث. وثلاثة كتب يغيب فيها القرآن ولا يظهر إلا الحديث فقط. وكتاب واحد يخلو من القرآن والحديث معًا.٧٢
وفي الجزء الثاني ثلاثة عشر كتابًا بها سنة فقط: الأحداء، الصرف، السلم، الخيار، المساقاة، الشفعة، التفليس، الصلح، الحوالة، اللقطة، الهبات، الديات دون النفس، القسامة، مما يدل على أنها ممارسات عملية وعادات وأعراف لا أصل لها في القرآن وأكثرها اللقطة (ثمانية أحاديث)، والتفليس (سبعة أحاديث). وأقلها الحوالة والصلح (حديث واحد)٧٣ وهناك ثلاثة عشر كتابًا السنة فيها أكثر من القرآن ممَّا يوحي أيضًا بارتباط الفقه بالممارسات العربية في عصر الرسالة. ويتضح ذلك في البيوع، والإجارات، والكفالة، والعارية، والغصب، والوصاية، والكتابة، وأمهات الأولاد، والقصاص في النفوس، والديات في النفوس، وأحكام الزنا، والسرقة، والأقضية.٧٤ وهناك تسعة كتب لا أصل لها في الكتاب أو السنة بل مجرد عادات وأقيسة منها المرابحة، والقراض، والشركة، والوكالة، والاستحقاق، والفرائض، والعتق، والجنايات، والقصاص، تعتمد على العقل الصريح والمصلحة العامة. وهناك خمسة كتب يتساوى فيها القرآن والحديث، الأصل والفرع مثل اللعان، وبيع العرية، والرهون، والتدبير، والقذف.٧٥وهناك ستة كتب القرآن فيها أكثر من الحديث، وهي النكاح، والطلاق، والظهار، والقسمة، والحجب، والحرابة مما يدل على الأصول الشرعية لها، خاصة فيما يتعلق بالنكاح والطلاق.٧٦ وأخيرًا هناك خمسة كتب تعتمد على القرآن فحسب دون تفصيل لها من السنة وهي: الإيلاء، والجعل، والحجر، والوديعة، والجراح.٧٧
وإذا تم التعارض في السنة بين القول والفعل فإن الأولوية للقول على الفعل. كما أن الأولوية للفعل على الإقرار.٧٨ فالقول أمر أو نهي على العموم في حين أن الفعل تأسٍّ وقدوة على العموم أو على الخصوص. أما الإقرار فإنه مجرد موافقة ضمنية وقبول لما هو قائم وكأن الشرعية في الواقع ومن داخله وليست من خارجه. ويذكر ابن رشد في «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» مجموعة من الأحاديث التي تروي أفعال الرسول وإقراره، ولكن تظل للقول. والإقرار يدل على الجواز ولا تفصيل فيه.٧٩
وإن صور القياس في «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» أقرب إلى صورته عند أهل الظاهر. وهو مجرد آلة لغوية بلاغية، تلحق المسكوت عنه بالمنطوق به. هو قياس خاص يراد به الخاص، عكس الخاص الذي يراد به العام. ويشير إلى ابن حزم ومذهبه وإلى داود الظاهري. ويبين مدى الاتفاق والاختلاف بين المذهبين. ولا يريد ابن رشد بكتابه أن يتغلغل في القياس أكثر من إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق في الشرع. وهو معنى ضيق للقياس، أقرب إلى الرفض منه إلى القبول لأنه لا يقوم على التعليل، وتعدية الحكم من الأصل إلى الفرع لتشابه بينهما في العلة، وهو التعريف العام للقياس. ما سكت عنه الشرع يعرف بالقياس عند الجمهور. وعند أهل الظاهر ما سكت عنه الشرع لا حكم له، ويثبت بالعقل لأن الوقائع غير متناهية. والأحكام متناهية ومِن ثَم يستحيل القياس. ترفض الظاهرية كل أنواع القياس، قياس العلة، واستنباطها من الألفاظ وقياسها الشبه.٨٠ فالتعليل هو أحد أسباب الاختلاف بين المذاهب الفقهية. كما أدى التعليل إلى اعتبار كل مجتهد مصيب وترك المسائل على التخيير وهو ما يعارضه ابن رشد وأهل الظاهر، وما يناقض روح الرشدية المعروفة في التاريخ، إعمال العقل والنظر.٨١ ومع ذلك يبحث ابن رشد عن التعليل الذي وراء اختلاف الفقهاء.
ويجد ابن رشد التعليل في تحليل التجربة، وهو الطبيب الذي يشخص الأمراض عن طريق التجربة والطبيعة البشرية مثل أحكام الحيض والنفاس. هناك طبيعة بشرية عامة، وهناك فروق فردية خاصة بين النساء. وتعرف التجربة بالعادة لأكثر النساء وأخذ المتوسط بينهن. فالاختلاف راجع إلى أخذ الطرفين في تجارب النساء، ساعة أو ساعتين أو يومًا أو يومين لأيام الحيض أو النفاس.٨٢ كذلك لا يجوز التعجيل بدفن الغريق فقد يكون الماء قد غمره وذلك مثل المسكونين الذين يصابون بانطباق في العروق وكما هو معروف عند الأطباء لا يجوز دفنهم قبل ثلاثة أيام.٨٣ فالفقه علمي وليس تأمليًّا، عملي تجريبي وليس نظريًّا افتراضيًّا. كما رصد الخليل الشفق الأبيض فوجده يبقى إلى ثلث الليل وهو ما تكذبه التجربة ويكذبه القياس. ومِن ثَم لا تعارض بين العقل والتجربة، بين العقل البديهي والحس التجريبي.٨٤ لذلك كان الأصل في الشرع ألا يحلف أحد إلا على ما علم قطعًا أو شاهد حسًّا٨٥ ويضم إلى ذلك مقياس المنفعة والضرر في الإيلاء والظهار والطلاق.
وأحيانًا قد يكون التعارض بين ظاهر النص والقياس.٨٦ فإن أمكن الجمع بينهما فإن ذلك يدل على اتفاق النقل والعقل. وإن لم يتم الجمع بينهما فالظاهرية تقول بتغليب ظاهر النص حتى لو كان خبر آحاد، وباقي المذاهب تقول بتغليب القياس على خبر الآحاد. ولكن لا يجوز النسخ بالقياس أو بخبر الآحاد. ومع ذلك يبدو أن ابن رشد يعتمد على العقل في مقارنة أدلة المذاهب وقبول ما يتفق منها مع المعقول. وذلك أحد مظاهر الرشدية عند ابن رشد الفقيه. فالطهارة من الحدث غير معقولة المعنى مع ما اقترن بذلك من الصلاة في النعال التي توطأ بها النجاسات. وهو ما يفيد العفو في بعض منها.٨٧ ويقتضي العقل انطواء الحد الأصغر داخل الحد الأكبر. والأصل أن العبادة لا تصح من غير عاقل. لذلك اقترب ابن رشد من الحنفية التي تغلب العقل وتقبل القياس. ويستعمل ابن رشد القياس في نطاق الاستدلال والمحاجة مع المذاهب وسبب الخلاف في تعارض الأشباه في المعنى مثل معنى الظهار. ويتساءل ابن رشد هل «لا وصية لوارث» معقول المعنى أم ليس بمعقول، محكمة العقل في النقل؟
ويبرز بُعد العقل في الاستدلال. فالقطع يورث اليقين في النظر والعمل. ولكن الظن يورث الظن في النظر واليقين في العمل لأن العمل لا ينتظر في حين أن القطع النظري قد لا يتوفر دائمًا. وهو ما عرف عنه الفقه من طابع عملي. فالعمل يقين سواء استند إلى يقين نظري مماثل أو إلى ظن نظري محتمل.٨٨ الشك في الروايات يولد الظن في النظر ولكنه لا يقضي على اليقين في العمل. وقد ركَّز الفقه الظاهري على ذلك. ومع ذلك فالظنون في الشرع قليلة.
وتبرز الرشدية بوضوح في تأسيس الفقه ليس فقط على العقل والطبيعة أي على القياس والتجربة بل أيضًا على الأخلاق والحاسة الخلقية والذوق البديهي. فالطهارة من النجس معلوم أن المقصود بها النظافة وذلك من محاسن الأخلاق. والرجوع في الهبة ليس من محاسن الأخلاق. والرسول إنما بُعث ليتمم مكارم الأخلاق.٨٩ وينتهي الجزء الثاني من بداية المجتهد ونهاية المقتصد بهذه النهاية الأخلاقية. فالأحكام الشرعية قسمان: قسم يقضي به السلطان وهو ما يعادل السياسة الشرعية وأقرب إلى الفرض، وقسم لا يقضي به السلطان وهو الحياة الفردية وأقرب إلى المندوب. الأول يعادل القانون الموضوعي أي السياسة، والثاني القانون الذاتي أي الأخلاق. وضعه الفقهاء في آخر كتبهم، وترك للذوق والحاسة الخلقية والطبيعة والفطرة ومحاسن الأخلاق، وهو ما عرف باسم الجوامع. ويضع ابن رشد نسقًا أخلاقيًّا خماسيًّا يستنبط منه الفقه كله ويقوم على خمس فضائل: الأولى، الشكر ومنها تستنبط العبادات وهي السنن الكرامة. والثانية، العفة ومنها يستنبط الطعام والشراب والمناكح. والثالثة، العدل في الأبدان والأموال وعليه يقوم فقه الحروب والقصاص والعقوبات. والرابعة، السخاء وعليها تقوم الزكاة والصدقات. والخامسة، الشجاعة وعليها تقوم الرياسة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهي أقرب إلى أصول الدين منها إلى أصول الفقه، ولا تظهر في «بداية المجتهد ونهاية المقتصد». ويعتبرها ابن رشد أربعة بعد أن استبعد الأولى التي تعادل شكر المنعم عند المعتزلة وكأن العبادات والسنن الكرامية أقرب إلى العقيدة منها إلى الأخلاق. ومِن ثَم فهي أقرب إلى أن تكون شروطًا للفضائل وأسسًا تقوم عليها.٩٠

(٨) خاتمة: أين الرشدية عند ابن رشد فقيهًا؟

وهو سؤال طالما طرحه الرشديون. أين الرشدية أو روح ابن رشد كما تجلت في «مناهج الأدلة» و«فصل المقال» و«تهافت التهافت» و«الكليات» وفي مجموع «الجوامع» و«التلخيصات» و«الشروح»؟ روح النقد، وإعمال العقل، وبيان الاحتمالات، والحوار مع الخصوم، ورفض استعمال العقل لتبرير العقائد كما تفعل الأشعرية، ووجوب النظر بالشرع، وعدم تكفير الفلاسفة، وروح التجريب والاتزان والطبيعة التي جعلته شارحًا لأرسطو؟

تبدو الرشدية ولا شك في الأصول العقلية الأولى، وفي إيجاد سبب الخلاف بإرجاعها إلى الأصول، وفي الكشف عن بنية الموضوع، أركانه وشروطه وأحكامه، ونقد المذاهب، والترجيح بينها والمقارنات مع الكلام والفلسفة، والاعتماد على العقل والطبيعة، وتحليل الألفاظ، ونبذ التقليد، والدعوة إلى الاجتهاد، والقاضي الذي يحكم بين الخصوم.

ومع ذلك تظل الرشدية منطوية في ثنايا «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» وعلى أعماق مختلفة من الحرف الأول حتى الحرف السابع. لا يوجد نص صريح يعبر عن الرشدية. ومع ذلك يمكن استخراجها وقراءتها بل وتطويرها ودفعها خطوات إلى الأمام، لا فرق بين مقروء وقارئ. فالرشدية ليست لابن رشد وحده بل هي روح سارية في التاريخ لدى كل الحضارات والشعوب.

  • (١)
    لقد ارتبطت كثير من المسائل الفقهية بعصرها، عصر الحيوان والإبل وندرة الماء. وتغيرت البيئة الصحراوية وعلاقات البدو. وأصبح المسلمون الآن في عصر مختلف وفي بيئة مغايرة مما يحتم استئناف روح الفقه دون أمثلته. فلم يعد هناك داعٍ لقيام فقه للعبيد أو للغنائم أو للإماء وللجواري أو حتى للنساء مستقلًّا عن فقه الرجال، وترتيب جنائز للرجال غير جنائز النساء، وفقه بيض النعامة وقواعد الاستنجاء وبناء دورات المياه عكس اتجاه القبلة وليس تجاهها في المدن الحديثة وأزمة الإسكان. ولم يعد الحيوان إلا كتابًا أو برنامجًا للمشاهدة أو زيارة لحديقة. وكيف تقسم الغنائم على الفاتحين والخمس؟ وانتهت ثقافة الصيد والموقوذة والنطيحة. كما انتهى عصر البيوع، والمقايضة، وبيع التمر على النخل. كما انتهى فقه الطوائف وأهل الذمة أمام فقه المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات. كما انتهت قواعد الحرب والسلام القديم وعلاقة دار الحرب بدار الإسلام وفرض الاختيار بين الإسلام أو الجزية أو القتال على دار الحرب، ودار الإسلام مستضعفة، وضرورة إعلان الحرب والحرب خدعة. وانتهت ثقافة الخيل والفرس والرمح وعلى أي شيء تجب الزكاة على العربية أو البضائع الاستهلاكية الحديثة والأدوات المنزلية. كما انتهى فقه قطع أعضاء الجسد لا في القليل ولا في الكثير، فالجسد قيمة مثل الإنسان. وقد عبر ابن رشد عن هذه الروح بمثال المؤلفة قلوبهم الذي انتهى الآن مستبدلًا إياهم بالنساء والعبيد وقد انتهوا أيضًا. كان ذلك في حال ضعف الإسلام. والآن الإسلام قوة في العصر. التفاتًا إلى المصالح. وقد كانت هذه الروح سارية أيضًا في التشريع، في الناسخ والمنسوخ في القرآن والسنة وعند الخلفاء. فلو استقبلوا من الأمر ما استدبروا لغيَّروا مثل الهَدي عند الرسول، والرجل وبلائه في الإسلام عند عمر، ونكاح المتعة تحليله أولًا ثم تحريمه ثانيًا في عصر الرسول أو في عهد عمر. وهناك أشياء قديمة لها دلالات معاصرة بطبيعتها مثل اتقاء الله في الفلاحين.٩١
  • (٢)
    كما تغير الفقه القديم ذاته أخذًا في الاعتبار ظروف الزمان والمكان والبيئة والناس والعادات والأعراف المتغيرة، فقد كان للشافعي مذهب في العراق غيره في مصر. كما أن للفقيه الواحد فتاوى عديدة ومتباينة طبقًا للحالات الفردية. فما استقر عليه الأمر هو مادة الفقه. وينشأ الاضطراب عندما يغادر الإنسان إلى قوم آخرين بعادات أخرى إما أن يتبعهم أو يتميز عنهم فلا ضرر منه دون مخالفتهم، وجعل النفس مقياسًا للآخرين كما هو الحال في عادات الصلاة والتسليم أو مثل التسبيح للرجال والتصفيق للنساء، والكل الآن يصفق لا فرق بين رجل وامرأة. وما كان يمنع الإحرام عادات عربية قديمة مثل عدم خيط الثوب أو إبقاؤها رمزًا، دلالة على الطبيعة ضد الصنعة. ويتم الذبح الآن في المجازر الآلية. ومِن ثَم لم يعد لمسائل الزكاة وجود معاصر. فقد كان العربي يذبح ذبيحته ولم يعد يفعل الآن، ويتعامل مع اللحوم المجمدة. لقد انتهى الفقه القديم أو كاد، وأصبح المسلمون اليوم في حاجة إلى فقه جديد يقوم على تنظير جديد لما تعم به البلوى من استعمار وقهر وتخلف وتجزئة وطائفية وتبعية وسلبية، وللمعاملات المصرفية الحديثة وللعلاقات الدولية ولقطاعات الزراعة والصناعة والسياحة. لقد انتهت أعراف الزواج القديمة، التزويج دون المعرفة، الزواج المبكر، فارق السن بين الرجل والمرأة، عادة العرب في الولاية على النساء، وولاية السلطان عليها، النسب والمصاهرة، المرأة كبيوع. فالفقه له سياقه التاريخي. تعدد الزوجات والقرعة على النساء أيهن تصاحب الزوج في السفر. ويمكن لحديث «أنتم أعلم بشئون دنياكم» أن يعطي دفعة كبيرة لتجديد الفقه طبقًا لكل عصر. وقوانين الميراث مرتبطة بنظام القرابة في العصر القديم في المجتمع العربي. وفي كل عصر هناك تياران من الفقه، الأول متشدد صوري ومعياري، والثاني لين يأخذ المصالح العامة والفروق الفردية في الاعتبار. لقد نشأت المذاهب الأولى في عصر التدوين واعتمد الناس عليها مثل قواعد اللغة العربية لسيبويه. والعروض للخليل بن أحمد، والرسالة للشافعي، ولكن الكل عصر تقنيته. ولم يمنع ذلك من إبداع الشعر الجديد وربما الفقه المعاصر.٩٢
  • (٣)
    كما ارتبط الفقه القديم بتاريخ الأديان القديم، الصابئة عبدة الكواكب. لذلك أتت تشريعات مناهضة أو مواكبة لها مثل صلاة السجود لكسوف الشمس أو الخسوف القمر، إبقاءً على الصابئة وهم من أهل الكتاب أو حبًّا للطبيعة أو إذهابًا للخوف من النفس البشرية على غير ما تعوَّدت. وكثير من شعائر الجاهلية الموروثة من إبراهيم مثل شعائر الحج والسعي والطواف ورمي الجمرات والإحرام والأشهر الحرم كان الهدف منها الارتباط بديانات العرب السابقة على الإسلام حرصًا على التواصل بين الماضي والحاضر، خاصة لو كان دين إبراهيم، دين الحنفاء. كما استمرت بعض الشعائر اليهودية في الذبائح والتسمية والطهارة والختان تحويلًا لها من دين قبيلة خاصة إلى دين عام للبشرية جمعاء. وقد يدخل في ذلك تقبيل الحجر الأسود وجرأة عمر في الرفض النفسي لذلك والقوم حديثو عهد بالجاهلية، وإبقاء الكعبة وإلا هدمت ولبنيت على قواعد إبراهيم، والسعي بين الصفا والمروة عادة جاهلية لوضع ذبائح المشركين تعظيمًا لبعض الأصنام.٩٣ وعدم الكلام كعلامة على الإيمان من النسك الهندي، ووصف البقرة الضحية لا عرجاء ولا مريضة من بقايا اليهودية. والذبائح والتذكية على النصب بقايا ديانات قديمة في شبه الجزيرة العربية. كما أن استعمال تشبيهات الجن والشياطين من بقايا الثقافات الشعبية العربية قبل الإسلام.٩٤ وقد يكون التيمم من بقايا الرموز في الديانات القديمة.
  • (٤)
    كما انتهى عصر الشعوبية القديم العرب والفرس والروم والترك والأحباش. وظهرت شعوب جديدة في الغرب، الأوروبيون والأمريكيون، وفي الشرق الصينيون واليابانيون. وأخذت الشعوب القديمة دلالات معاصرة في شعوب آسيا وأفريقيا. ففي الفقه القديم لا يجوز ابتداء الحبشة بالحرب ولا الترك أي أفريقيا وآسيا كظهرين للعرب. ولا يجوز محاربة أهل الكتاب من قريش ونصارى العرب، أي الإسلام وإما الجزية، حفظًا للنسب والمصاهرة والعروبة. ويستثنى منهم مشركو العرب. ويجوز أخذ الجزية من أهل الكتاب العجم ومن المجوس غير العرب. والغنيمة من الروم أي من الغرب الحديث. كما تم تغليب العروبة بقبول ذبائح نصارى بني تغلب والمرتدين كذبائح نصارى العرب واليهود من الذين أوتوا الكتاب. وقد استبقى الفقه كثيرًا من الرموز في الديانات القديمة مثل الوتر كرمز للواحد. لا يورث إلا من ولد في بلاد العرب. والقافة عند العرب قوم كانت عندهم معرفة بفصول تشابه أشخاص الناس.٩٥
  • (٥)
    والفقه القديم ما زال صوري الطابع، يقنن ما لا حاجة للإنسان لتقنينه. تكفيه الطبيعة، وما يستحسنه العقل، وما تعافه النفس، وما يقرره الذوق. ويتضح ذلك في البحث في الطلاق باعتباره ألفاظًا دون بحث في أسبابه ومسبباته، دوافعه وبواعثه. التشريع إنما هو تقنين لواقع مثل تشريع الرسول صوم عاشوراء عندما لم يجد شيئًا يأكله ثم نسخه بعد ذلك.٩٦ الفقه ما هو إلا تعبير عن وضع اجتماعي. والغريب أن «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» لا يكشف عنها الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للأندلس في عصره لأنه ما زال ملهيًا بالطابع الصوري للفقه. فالتسليم في صلاة السجود أفضل لأنها خاتمة كما يشهد بذلك العقل، وتقر الطبيعة، ويقرر الحس السليم. ليس الفقه فقط بناءً صوريًّا يقوم على صحة الاستدلال أو بناءً ماديًّا يقوم على المصالح العامة، ولكنه بناء نفسي يقوم على ما تستحسنه أو تعافه النفس أخذًا في الاعتبار الانفعالات البشرية من حزن وفرح، وأمل ويأس، وطموح وإحباط. فقد دفن شهداء أحد بثيابهم ولم يصلِّ عليهم في حالة نفسية سيئة من جراء الهزيمة. كما يغسل المسلم أقرباءه من المشركين حرصًا على القرابة التي قد تجبر الخلاف في الرأي والتصور عند الشافعي مثلًا، وجواز غسل المرأة زوجها وعدم جواز غسل الرجل زوجته إبقاءً على الحب الروحي، وعدم التبول على القبر ذوق سليم واحترام للموتى. وكثير من الآداب العامة ليست في حاجة إلى تشريع، بل تعتمد على الذوق الخاص مثل القراءة مع الإمام أم بعده، بصوت عالٍ أم منخفض، وكذلك رد السلام على من ألقاه أثناء خطبة الإمام في صوت منخفض بدلًا من التشويش وزيادة الخطأ بخطأ آخر، ومثل عدم جواز صلاة الحاقن (الذي يضبط الريح أو البول أو الإخراج قسرًا) لعدم تركيزه في الصلاة وحصاره بمتاعب البدن. كما أن قتل شيوخ المشركين شيء تعافه النفس وتأباه الفطرة، وكذلك أكل الجراد. هناك الآن الفقه الطبيعي الفطري بدلًا من فقه الأطعمة والأشربة القديم، أكل ما فاض من السبع احترامًا للإنسان. وأكل لحم الخيل تحكمه العادة لا الشرع، وتحريم الخمر في الحديث خشية استمرار القليل في الكثير سدًّا للذرائع، وعدم الزواج من زوجات الآباء نظرًا لتضارب عواطف البشر بين المحبة والاحترام. والحداد للعبد والسيد على حد سواء.
  • (٦)
    وبالرغم من عمومية الفقه إلا أنه يسمع بالفروق الفردية كما مثلتها النوافل والسنن. بل إن كثيرًا من سنن الرسول أقرب إلى الفروق الفردية مثل اغتسال النبي هو وأزواجه من إناء واحد نظرًا لندرة المياه أو اغتسال الرسول من فضل ميمونة تحببًا، أو الاغتسال من ماء ورد عليه السبع.٩٧ كما أن نواقض الوضوء فيها جانب كبير من الفروق الفردية مثل لمس النساء ومس الذكر، وترتكز على أحوال نفسية ومزاجية وعادات اجتماعية. كما أن المضمضة والاستنشاق والاستحمام يعطي النشاط والرشاقة عند البعض، وهم ثقيل عند البعض الآخر. فرض الكفاية يسمح بهذه الفروق الفردية مثل التفقه في الدين في حين أن فرض العين هو القاسم المشترك من الأفعال بين الناس جميعًا. يراعي الفقه ما هو عام وما هو خاص. والخاص هنا بلا حكم إنما ينبع في دائرة الفقه الطبيعي. فالطبيعة مادة الشرع وصورته.
  • (٧)
    ما زال الفقه القديم أقرب إلى الخلاف منه إلى الاتفاق. وهو ما دفع ابن رشد إلى البحث عن أسباب الخلاف وردها إلى أصول أولى من أجل توحيد الأمة وإيجاد تشريع يقوم على نسق للقيم. ومِن ثَم يمكن إلغاء العديد من التفصيلات عن طريق إلغاء المشكلة أو بتعبير القدماء المسكوت عنها.٩٨ ما زال الفقه القديم غارقًا في عديد من التفصيلات كما هو الحال في الشريعة اليهودية. وقد كان ابن رشد يود التخلص منها بإرجاعها إلى الأصول الأولى، وذلك مثل الحديث عن أجزاء لحم الميتة، بعد الاتفاق على تحريم اللحم والاختلاف على العظام والشعر. وما زال هذا التضييق في فقه الجماعات الإسلامية الحالية. التوقف عن الحكم هو السبيل إلى عدم الغوص في التفريعات كما توقف أبو حنيفة في الحكم، أي سورة يقرأ في صلاة الجمعة؟ وكل هذه التفصيلات في أنواع الزكاة مرتبطة بالمجتمع الصحراوي البدوي وليس بالمجتمع الحضري الصناعي كما هو الحال الآن. ومع ذلك ما زالت بعض جوانبها لها دلالتها المعاصرة مثل: جعل الزكاة صدقة أم تجميع لرأس المال من أجل الاستثمار للفقراء؟ كما أن الصلاة في الدار المغصوبة ذكرت ضمن شروط الصلاة دون تطويرها، وقد كانت الأندلس شمالًا مغتصبة. والكثير منها فقه اقتراضي متحذلق مثل الوضوء بالماء الذي خالطه زعفران مثل سؤال محمد عبده عن جواز الوضوء بالكولونيا، والوضوء بنبيذ التمر في السفر. الافتراضات النظرية لا نهاية لها. والواقع بالوضع الإنساني. وطالما سخرت الثقافة الشعبية من كل موضوع فقهي قديم «فيه قولان» لا على محمل التعددية بل على أن الاختلاف هو الأساس والاتفاق هو الفرع. في حين الاختلاف هو اجتهاد إنساني حول أصل واحد. ومع ذلك يظل السؤال مطروحًا: أين الرشدية عند ابن رشد الفقيه؟
١  «ابن رشد والتراث العقلاني في الشرق والغرب»، مجلة ألف، مجلة البلاغة المقارنة، العدد ١٦، قسم الأدب الإنجليزي والمقارن. الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ١٩٩٦م، ص١١٦–١٤٤.
٢  سيقتصر هذا البحث فقط على تحليل بداية المجتهد ونهاية المقتصد (القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية، ١٩٦٩م) في جزأين.
٣  المرجع السابق، ج٢، ١٦٧، ٤١٨–٤١٩.
٤  «بيد أن قوة هذا الكتاب أن يبلغ به الإنسان كما قلنا رتبة الاجتهاد إذا تقدَّم فعلم من اللغة العربية وعلم من أصول الفقه ما يكفيه في ذلك. ولذلك رأينا أن أخص الأسماء بهذا الكتاب أن نسميه كتاب «بداية المجتهد ونهاية المقتصد».» ج٢، ٤١٨–٤١٩.
٥  مثل كلمة end في الإنجليزية. fin بالفرنسية، Zweck بالألمانية.
٦  المرجع السابق ج٢، ٢١١.
٧  ترجمة المؤلف منقولة من «الديباج» ج٢، ٥١٤. «الضروري في أصول الفقه أو مختصر المستصفى» لأبي الوليد محمد بن رشد الحفيد المتوفى سنة ٥٩٥ﻫ، تحقيق وتقديم جمال الدين العلوي، تصدير محمد علال سيناصر، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، مركز الدراسات الرشدية–فاس. سلسلة المتن الرشدي (١)، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، ١٩٩٤م. «وقد تكلمنا في العمل وقوته في كتابنا في الكلام الفقهي وهو الذي يدعى بأصول الفقه»، ج١، ١٠٥.
٨  «فإن غرضي في هذا الكتاب أن أثبت فيه لنفسي على جهة التذكرة من مسائل الأحكام المتفق عليها والمختلف فيها بأدلتها، والتنبيه على نكت الخلاف فيها ما يجري مجرى الأصول والقواعد لما عسى أن يرد على المجتهد من المسائل المسكوت عنها في الشرع. وهذه المسائل في الأكثر هي المسائل المنطوق بها في الشرع أو تتعلق بالمنطوق به تعلُّقًا قريبًا. وهي المسائل التي وقع الاتفاق عليها أو اشتهر الخلاف فيها بين فقهاء الإسلاميين من لدن الصحابة رضي الله عنهم إلى أن فشا التقليد»، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ص٣. «وإن تذكرنا لشيء من هذا الجنس أثبتناه في هذا الباب. وأكثر ما عولت فيما نقلته من نسبة هذه المذاهب إلى أربابها هو كتاب «الاستذكار». وأنا قد أبحث لمن وقع من ذلك على وهم لي أن يصلحه»، ج١، ٩٠، «فهذا ما رأينا أن نثبته في هذا الكتاب وإن تذكرنا شيئًا مما يشاكل غرضنا ألحقناه به»، ج١، ٢٨٧، «وفروع هذا الباب كثيرة لكن الذي حضر منها الآن في الذكر هو ما ذكرناه»، ج٢، ٤١٨. انظر أيضًا جمال الدين العلوي، المتن الرشدي: مدخل لقراءة جديدة (الدار البيضاء: دار توبقال للنشر، ١٩٨٦م)، ص٦٦–٦٨.
٩  المرجع السابق، ج١، ٣٩٦.
١٠  «فهذا ما ظهر لنا في هذه المسألة من سبب اختلاف الناس فيها وترجيح أقوالهم فيها. ولوددنا لو أنا سلكنا في كل مسألة هذا المسلك، لكن رأينا أن هذا يقتضي طولًا وربما عاق الزمان عنه. وإن الأحوط هو أن نؤم الغرض الأول الذي قصدناه. فإن يسَّر الله تعالى فيه، وكان لنا انفساح من العمر فسيتم هذا الغرض»، السابق، ج١، ٢٧.
١١  السابق، ج٢، ٨٨.
١٢  بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا، السابق ج١، ٩١، ٢٩١، ٣٣٠، ٣٩٦، ج٢، ١٠٧، ٢٥٦، ٢٧٣، ٢٩٤، ٣٠٢، ٣٠٧، ٣٢٥، ٣٢٩، ٣٣٥، ٣٣٨، ٣٤١، ٣٥١، ٣٥٣، ٣٦١، ٣٣٦، ٣٩٥، ٤٠٤، ٤١٩، ٤٢٤، ٤٢٦، ٤٣٨، ٤٦١، ٤٦٧، ٤٧٥، ٤٨١، ٤٩٠، ٤٩٦. وأحيانًا دون تسليمًا مثل بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم، ج٢، ٢٧.
١٣  السابق، ج١، ٩٠، ج١، ٣٩٦، ٤٢٥، ج٢، ٥١٣، ج١، ٣٩٦، ج٢، ٢٥٣، ٣٥١،  ٤٦١، ٤٣٧.
١٤  والله أعلم، السابق، ج١، ١٠٧، ٩٣، ١٠٢، ١٠٧، ١٢٨، ١٣٩، ٢١٤، ٢٦٦، ٢٧٦، ٢٧٩، ٣١٤، ٤١٨، ٤٢٢، ٤٧٣، ج٢، ٨، ١٢، ٢٩، ٤٦، ٦٨، ٩٥، ١٣٤، ١٤٢، ٢٣٧، ٣٨٥، ٤٤٣، ٤٦٣. والله أعلم، على اختلافهم في تلك الأولى فتأمله فإنه بين والله أعلم، ج١، ١٠٢.
١٥  «وبذلك أمكن أن يكون حمل على حمل على ما حكاه بقراط وجالينوس وسائر الأطباء»، السابق، ج١، ٥٤.
١٦  أهل الظاهر، ج١، ١، ١٠، ٢٤، ٤٣، ٧١، ٨٥، ٩٧، ١٠٠، ١٠١، ١١٢، ١٣٦، ٢١٢، ٣٦٨، ٣٨١، ٣٩٤، ج٢، ٤٤، ٥٤، ٥٦، ٧٨، ١٠١، ١٠٤، ٤٣٨، ٤٧٩، الظاهرية، ج١، ١٤٣، ٤٨٤، ج٢، ١٩٩.
١٧  ابن حزم، السابق، ج١، ٣٣، ٥٥، ٥٦، ٥٨، ٦٢، ٧٣، ٩٠، ٩٥، ١١٠، ٢٦٠، ٢٧٣، ٣٨٣، ج٢، ١٢٣، داود الظاهري، ج١، ٩٠، ج٢، ١٠١.
١٨  أبو حامد، السابق، ج٢، ٢٧٤، أبو المعالي، ج١، ٢٢٨.
١٩  السابق، ج٢، ٢١٢.
٢٠  السابق. ج١، ١١٨، ٤٧٦، ٤٨٢.
٢١  فقهاء الأمصار، السابق، ج١، ٦٤، ٧٠، ٧٥، ١٠٠، ١١٢، ٢٦٩، ج٢، ٦٦، ١٣٢، ٢٩٨، علماء الأمصار، ج١، ٨.
٢٢  فقهاء الحجاز، السابق، ج٢، ٥٠٥.
٢٣  أهل العراق، السابق، ج١، ١٣٥، ٢٧٣، ج٢، ٤٧٩، فقهاء العراق، ج٢، ٤٨٢، طائفة من العراقيين، ج٢، ٥٠٥، أكثر العراقيين، ج١، ١، ٩٩، البغداديون، ج١، ٣٣٣، ج٢، ١٠، الكوفيون، ج١، ١، ٩٩، ١٠٧، ١٤٦، ١٥٠، ١٨٣، ٢٤٠، ٢٦٧، ٢٦٨، ٤٩٤، ٤٩٥، ج٢، ١٠٢، ١٤٥، ١٦٢، ١٦٣، ١٦٥، ٣٣٥، ٣٨٧، ٣٨٨، ٤١٣، جماعة أهل الكوفة، ج١، ٢٦٩.
٢٤  أهل المدينة، السابق، ج١، ٢٧٣، أهل الغرب، ج١، ٤٠.
٢٥  السابق ج١، ٥٧، ١٨٦، ج٢، ٤٨٢.
٢٦  «ونحن نروم إن شاء الله بعد فراغنا من هذا الكتاب أن نضع في مذهب مالك كتابًا جامعًا لأصول مذهبه ومسائله المشهورة التي تجري في مذهبه مجرى الأصول للتفريع عليها. وهذا هو الذي عمله ابن القاسم في المدونة في أنه جاوب فيما لم يكن عنده فيها قول مالك على قياس ما كان عنده في ذلك الجنس من مسائل مالك، والتي فيها جارية مجرى الأصول لما جبل عليه الناس من الاتباع والتقليد في الأحكام والفتوى.» السابق، ج٢، ٤١٩.
٢٧  السابق ج١، ٤٠. انظر أيضًا: عبد المجيد التركي، مكانة ابن رشد الفقيه من تاريخ المالكية بالأندلس، ضمن ابن رشد ومدرسته في التاريخ الإسلامي. (بيروت: جامعة محمد الخامس، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ١٩٨١م)، ص١٨٢–١٩١، ٢٤٥–٢٤٩.
٢٨  ويعترف ابن رشد بهذا الطابع التقليدي للكتاب بعد المقدمة الصغيرة عن علم أصول الفقه وقبل أن يبدأ الفقه بقوله: «ولنبدأ من ذلك بكتاب الطهارة على عادتهم». السابق، ج١، ٦.
٢٩  كتب الجزء الأول مقسمة إلى ثمانية وعشرين قسمًا وكتب الجزء الثاني إلى خمسين قسمًا مما يدل على التفريع في كل جزء ورد في البنيتين الرئيسيتين إلى بنيات أقل.
٣٠  يمكن إعادة ترتيب كتب الجزء الأول الاثنين والعشرين من الأكبر إلى الأصغر ليبدأ بالصلاة (ص١١٣) وينتهي بالطهارة من الحدث (ص١). وكذلك يمكن إعادة ترتيب كتب الجزء الثاني الخمسين من الأكبر فالأصغر ليبدأ بالبيوع (ص٧٦) وينتهي بالصلح، والجنايات، والقصاص (ص١).
٣١  ويتضمن كل موضوع من الموضوعات الثمانية الكتب المتشابهة، وهذا نتيجة رد البنيات إلى عدد أقل.
٣٢  تحقيق الكتاب تم بالطريقة الأزهرية القديمة بلا ناشر. ويضطرب تقطيع الفقرات وترتيب الأبواب والفصول، فالفقرة مستمرة والأبواب والفصول متكررة ومتداخلة وناقصة أحيانًا مثل التصنيف طبقًا للجمل أي المقالات.
٣٣  وذلك مثل كتاب الوضوء، السابق ج١، ٧–٤١، كتاب الغسل، السابق ج١، ٤٤–٥، كتاب التيمم، السابق ج١، ٦٥–٧٥، كتاب الطهارة من النجس، السابق ج١، ٧٦–٩٠.
٣٤  مثلًا لا ينقسم كتاب الطهارة إلى الطهارة من الحدث والطهارة من الخبث. في حين ينقسم كتاب الطهارة من الحدث إلى كتاب الوضوء وكتاب الغسل وكتاب التيمم. ولا ينقسم كتاب الصلاة إلى كتاب الصلاة الأول وكتاب الصلاة الثاني، السابق، ج١، ٧–٨.
٣٥  وذلك مثل الباب الأول عن وجوب الوضوء من الكتاب الأول عن الطهارة من الحدث، والباب الأول من أحكام الدماء الخارجة من الرحم في آخر المسألة الثالثة من الباب الثالث في أحكام هذين الحدثين، الجنابة والحيض، السابق، ج١، ٥١. والأبواب الأول والثاني والخامس والسابع من كتاب التيمم، ج١، ٦٥–٧٨، ص٧٢–٧٥. والأبواب الأول والثالث والرابع والخامس والسادس من كتاب الطهارة من النجس، ص٧٦–٧٨، ٨٤–٩٠.
٣٦  الباب الثاني من كتاب الوضوء السابق، ج١، ٨–١٨، والباب الثالث، السابق ج١، ٢–٣٤. وهذه المسائل من الأولى أن تكون أبوابًا أو فصولًا، ج١، ١٨–٢٣، والباب الثالث كتاب التيمم والباب الرابع والباب السادس، ج١، ٦٨–٧٥، والباب الثاني من كتاب الطهارة من النجس، ج١، ٧٨–٨٤، والجملة الأولى من كتاب الزكاة، ج١، ٢٥٤.
٣٧  وذلك مثل مسح الخفين في آخر الباب الثاني، ونواقض الوضوء في آخر الباب الرابع، ومعرفة الأفعال التي تشترط هذه الطهارة في فعلها في آخر الباب الخامس، السابق ج١، ٤٢–٤٤. ومعرفة نواقض الطهارة في آخر الباب الثاني من كتاب الغسل عن أحكام الدماء الخارجة من الرحم وتعدد مسائله وهي أولى أن تكون بابًا، ج١، ٥٠–٦٤. وهي مسألة ملحقة تنقسم بذاتها إلى ثلاثة أبواب: الأول بلا مسائل، والثاني بسبع مسائل، والثالث بخمس مسائل، ج١، ٥٠.
٣٨  مثل أحكام الإمام الخاصة بعد مسألة الرابعة في إمامة المرأة وقبل الفصل الثالث، السابق، ج١، ١٤٩.
٣٩  باب في بعث الحكمين بعد الباب الثاني، السابق، ج٢، ١٠٥–١٠٧، وفصل بلا رقم بعد الفصل الرابع من كتاب البيوع، السابق، ج٢، ١٤٩–١٥١، وباب بلا رقم في بيوع الذرائع الربوية بفصوله الثلاث بعد الباب الثاني في بيوع الربا، السابق، ج٢، ١٥١–١٥٥.
٤٠  السابق، ج١، ٤٨٦–٤٩٨.
٤١  السابق، ج١، ٦٧–٩٠، ١٩٩.
٤٢  توجد المسألة الأولى فقط دون باقي المسائل في الفصل الرابع من أحكام الجمعة، السابق. ج١، ١٦٨–١٦٩. وتنقسم المسألة الثانية إلى مسائل ثلاث بالرغم من الإعلان عن الرابعة، ج١، ٢٥٥، وفي الباب الثالث في من كتاب الضحايا لا تعد المسألتين الأوليين، وتبدأ المسالة الثالثة مباشرة، ج١، ٤٥٥–٤٥٧، ولا توجد مسألة ثانية بعد المسألة الأولى في الفصل الثاني عشر في مانع الزوجية من كتاب النكاح، ج٢، ٤٢–٥٢. وتذكر مسألة واحدة بلا ترقيم بعد باب في بيوع الذرائع الربوية، ج٢، ١٥٢–١٥٥.
٤٣  توجد المسألة الأولى من كتاب أمهات الأولاد دون الثانية. السابق، ج٢، ٤٢٤–٤٢٦، كما توجد المسألة الأولى فقط في الباب الثاني في أصناف الزناة وعقوباتهم، ج٢، ٤٦٩–٤۷٣.
٤٤  في الباب الثاني في القضاء تتفرع المسألة الثالثة إلى عدة مسائل يُذكر منها ثلاث فقط، السابق. ج١، ١٩٣–١٩٥. وفي كتاب الشفعة بعد المسألة الثانية تبدأ مسألتان أخريان، ج٢، ٢٨٤–٢٨٦.
٤٥  بعد المسألة السادسة من القسم الثاني من الصوم المفروض جزء يتعلق بقضايا المسافر والمريض به مسألة واحدة، السابق، ج١، ٣١٣–٣١٨، وبعد مسألة يُذكَر خلاف مشهور، ج٢، ٣١٣–٣١٨.
٤٦  بالنسبة لأفعال الماضي مثل: وقد تقدم القول ذلك في كتاب الذبائح، السابق، ج١، ٤٨٣. وقد تقدم ذلك. ج٢، ٢١٩، وقد تقدم القول في ذلك. ج٢، ٢١١. وبالنسبة لأفعال المضارع مثل: على ما يأتي في كتاب الحدود، ج١، ٢٧٧. فلنبدأ بذكر مسائل الأحكام المشهورة التي في جنس من هذه الأجناس الخمسة، ج٢، ٤٠٩. وبقي من هذا الكتاب القول في الأحكام، ج٢، ٢٩٣، الأحاديث التي نذكرها بعد إن شاء الله، ج٢، ٤٦٤. ونحن قد رأينا أن نذكر أيضًا من هذا الجنس المشهور منه إن شاء الله تعالى، ج٢، ٥١٢، وبالنسبة للمستقبل مثل: على ما سيأتي بعد، ج١، ٢٦٦، وسيأتي هذا في مكانه، ج٢، ٢٥.
٤٧  وهذه المسألة أليق بكتاب الطلاق، السابق، ج٢، ٥٢.
٤٨  فلنرجع إلى حيث كنا نقول، السابق، ج١، ١٩٠. وإذ قد خرجنا عما كنا بسبيله فلنرجع إلى حيث كنا من ذكر المسائل التي وعدنا، ج٢، ٢١١.
٤٩  وإذا تكلمنا في هذا الجزء يحسب غرضنا إلى القسم الثالث وهو القول في الأحكام العامة للبيوع الصحيحة، السابق، ج٢، ١٨٧، وليس قصدنا ذكرها في هذا الكتاب، ج٢، ٢١٣.
٥٠  فهذه مشهورات المسائل التي تجري في هذا الباب مجرى الأصول السابق، ج١، ٨، ١٨، ٥٧. ج٢، ١٨، ١٣٨، ١٤٩، ٤٠٩، ٤١٧، ١٥١، ١٦٠.
٥١  والسبب في اختلافهم، السابق، ج١، ٢٤، ٣٤، ٣٥، ٥٠، ٩٠، ٢١٠، ٢٨٩. رد الفروع إلى الأصول، ج٢، ٦٤، ١٥٢، ١٥٩، ١٦٠، ٢١٠، ٢٣٢، ٢٤٨، ٢٥٠، ٢٥١، ٣٩٠، ٤١٧، ٤١٨.
٥٢  وهذا العدد كافٍ في هذا الباب السابق، ج١، ٤٢٥، ج٢، ٦٥، ١٠٨، ٣١٤، ٣١٧، ٣٦٠، ٤٤٠، ٤٤٨، ٤٧٣، ٤٧٥.
٥٣  وفي المذهب هذا تفصيل ليس هذا موضع ذكره، السابق، ج٢، ٧٦، ١٥٨–١٥٩، ٥٠٨.
٥٤  مذهب الترجيح ومذهب الجمع، السابق، ج١، ٣٣، ٣٧، ٥٦، ١٤٦، ٢٠٣، ٢٩٦، ٣٠٣. فذهب العلماء في تأويل هذه الأحاديث مذهبين، مذهب الترجيح ومذهب الجمع، ج١، ٣٣. فلما تعارضت ظواهر هذه الآثار ذهب العلماء في مذهبين، مذهب الترجيح ومذهب الجمع، ج١، ٣٧.
٥٥  مذهب النسخ ومذهب الترجيح، السابق، ج١، ٨١، ١١١، ١١٥، ١٥٥. ذهب العلماء في تأويل هذه الأحاديث إلى مذهبين، إما مذهب الترجيح أو مذهب النسخ. ج١، ٨١.
٥٦  ثلاثة مذاهب: أحدها مذهب الترجيح، والثاني مذهب الجمع، والثالث الجمع بين الجمع والترجيح، السابق، ج١، ٤٠، ٤١، ١٩٧.
٥٧  فلما اختلفت ظواهر هذه الأحاديث ذهب الفقهاء في تأويلها أربعة مذاهب: مذهب النسخ، ومذهب الترجيح، ومذهب الجمع. ومذهب البناء، والفرق بين الجمع والبناء أن الباني ليس يرى أن هنالك تعارضًا فيجمع بين الحديثين. وأما الجامع فهو يرى أن هنالك تعارضًا في الظاهر، السابق، ج١، ٦٢.
٥٨  مذهب التخيير بين الحديثين. السابق، ج١، ٦٤، ١٣٨.
٥٩  فذهب العلماء في هذين الحديثين مذهبين: أحدهما مذهب النسخ والثاني مذهب الرجوع إلى ما عليه الاتفاق عند التعارض الذي لا يمكن الجمع منه ولا الترجيح، السابق، ج١، ٤٨.
٦٠  فذهب الناس في هذين الحديثين إلى ثلاثة مذاهب: أحدهم مذهب الجمع، الثاني مذهب الترجيح، والثالث مذهب الرجوع إلى البراءة الأصلية إذا وقع التعارض. وأعني بالبراءة الأصلية عدم الحكم، السابق، ج١، ٨٩، فذهب العلماء في هذين الحديثين ثلاثة مذاهب: أحدهم مذهب الترجيح، والثاني مذهب الجمع، والثالث مذهب الإسقاط عند التعارض والرجوع إلى البراءة الأصلية إذا لم يعلم الناسخ من المنسوخ، ج١، ٣٠٠، مذهب سقوط الأثر عند التعارض، ج١، ١١٥. الأصل براءة الذمة حتى يثبت الوجوب بأمر لا مدفع فيه، ج٢، ٣٥٠.
٦١  ويشبه أن يقال إن المرأة مائلة بالطبع إلى الرجل أكثر من ميلها إلى تبذير الأموال. فاحتاط الشرع بأن جعلها محجورة في هذا المعنى على التأبيد مع أن ما يلحقها من العار في إلقاء نفسها في غير موضع كفاءة يتطرق إلى أوليائها. لكن يكفي في ذلك أن يكون للأولياء الفسخ أو الحسبة، السابق، ج٢، ١٣.
٦٢  مذهب الجمع بين الاستثناء والتخصيص في الأكفان، السابق، ج١، ٢٣٩. مذهب بناء الخاص على العام مذهب الجمع بينهما، ج١، ١٢٠–١٢١، الخاص الذي يراد به العام والعام الذي يراد به الخاص، ج١، ١٠٧. حسب الخلاف في هذا اللفظ على عمومه أو على خصوصه، ج٢، ٧٣. فالسبب معارضة مفهوم الظاهر مفهوم المعنى الأصلي في الشرع. ج١، ٣٧٦.
٦٣  الحقيقة والمجاز وإن كان لم تجرِ به عادة العرب، السابق، ج٢، ٢١٨.
٦٤  وأما حكم الألفاظ التي تجيب بها المرأة في التخيير والتمليك فهي ترجع إلى حكم الألفاظ التي يقع بها الطلاق في كونها صريحة في الطلاق أو كناية أو محتملة. السابق، ج٢، ٧٩. وإنما اتفقوا على أن لفظ الطلاق صريح لأن دلالته على هذا المعنى الشرعي دلالة وضعية بالشرع. وألفاظ الفراق والسراح متعددة بين الشرع واللغة، ج٢، ٨٠. ومالك لا يقبل القول في الكنايات الظاهرة لأن العرف اللغوي والشرعي شاهد عليه، ج٢، ٨٣. فإن الأسماء التي لم تثبت لها معانٍ شرعية يجب أن تحمل على المعنى اللغوي حتى يثبت لها معنى شرعي بخلاف الأمر في الأسماء التي تثبت لها معانٍ شرعية أعني أنه يجب أن يحمل على المعاني الشرعية حتى يدل الدليل على المعنى اللغوي، ج١، ١٤٣. فليس ينبغي أن يحمل على أحدهم إلا بتوقيف والأصل هو الاتباع، ج١، ١٥٧. والسبب في اختلافهم هو هل يجزي من ذلك أقل ما ينطلق عليه الاسم اللغوي أو الاسم الشرعي، ج١، ١٦٤.
٦٥  نحو ضعيف من إيجاب دليل الخطاب وهو تعليق الحكم بضد مفهوم الاسم. وهذا النوع من أنواع الخطاب هو من أضعفها، السابق، ج١، ٤٥٧.
٦٦  وسبب اختلافهم في هذه المسألة اشتراك اسم الشفق في لسان العرب، السابق، ج١، ٩٨. والحق أن اسم اليوم في لسان العرب قد يقال عن النهار مفردًا وقد يقال عن النهار والليل معًا لكن يشبه أن يكون دلالته الأولى إنما هي على النهار ودلالته على الليل بطريق اللزوم، ج١، ٢٣٦. وسبب اختلافهم الاشتراك الذي في اسم اليوم وذلك أنه مرة يطلقه العرب على النهار والليلة، ج١، ٤٥٧. اشتراك اسم الغسل، ج١، ٤٥. فيكون لاختلافهم سبب آخر وهو اشتراك اسم اليتيم، ج٢، ٨. وسبب الخلاف الاشتراك في اسم النكاح أعني في دلالته على المعنى الشرعي واللغوي ج٢، ٣٧. وسبب الخلاف اشتراك اسم الفرد فإنه يقال في كلام العرب على حد سواء، ج١، ٩٧.
٦٧  يكفي في ذلك أقل ما ينطلق عليه الاسم اللغوي أعني الاسم عند العرب، السابق، ج١، ١٦٤. وسبب اختلافهم هل الغنى المانع هو معنًى شرعي أم معنى لغوي؟ ومن قال معنًى شرعي قال وجوب النصاب هو الغنى، ومن قال معنًى لغوي اعتبر في ذلك أقل ما ينطلق عليه الاسم، ج٢، ٧٨.
٦٨  لأن من عرف دلالة اللغة أن من ملك إنسانًا أمرًا من الأمور إن شاء أن يفعله أو لا يفعله فإنه قد خيَّره، السابق، ج٢، ٧٨.
٦٩  السابق، ج١، ٣–٦.
٧٠  السابق، ج١، ١١، ١٦–١٧، ٣٩، ٤٦، ٥٩–٦٠، ٤٦٥، ج١، ٤٦٠. الآية على التخيير فإن حرف «أو» مقتضاه في لسان العرب التخيير، ج٣، ٣١٥، ٣٧٥.
٧١  السابق، ج١، ٥.
٧٢  في الجزء الأول تتراوح النسب بين القرآن والحديث حيث تكون الأغلبية للقرآن في كل كتاب كالآتي: الوضوء ٢٢: ٣٨، الغسل ١٣: ٢٢، الطهارة من النجس ٨: ١٤. الصلاة ٣٥: ١٦٢. الصلاة الثاني ٢٥: ٢٧، أحكام الميت ٣: ٢٧، الزكاة ٥: ٣٧، الصيام ٢٢: ٣٥، الحج ٤٧: ٦٢، الأيمان ٩: ١٤. النذور ٦: ١٠، الضحايا ٦: ٧، الذبائح ١٥: ١٧، الصيد ١٢: ١٩، الأطعمة والأشربة ١٣: ٢٣. وهناك كتابان يغلب فيهما القرآن على الحديث وهو كتاب الجهاد ٣٣: ٢١ والتيمم ١١: ٨. وكتاب واحد يتساوى فيه القرآن والحديث وهو كتاب الاعتكاف ١٩: ١٩. وهناك كتب تخلو من القرآن كلية ولا يوجد فيها إلا الحديث مثل زكاة الفطر ٠: ٥، الصوم الثاني ٠: ١٨ العقيقة ٠: ٧ وهناك كتاب من القرآن والحديث وهو الطهارة من الحدث.
٧٣  حسب ترتيب الأحاديث من الأكثر إلى الأقل: اللقطة (٨) التفليس (٧) الصرف (٦) القسامة (٥) الشفعة (٤) السلم (٣) بيع الخيار (٣) الأحداء (٣) الديات دون النفس (٣) المساقاة (٢) الحوالة (١) الصلح (١).
٧٤  البيوع ٧: ٥٤ الإجارات ٢: ١٢ الكفالة ١: ٤ العارية ١: ٧ الغصب ٢: ١٥ الوصايا ١: ٧ الكتابة ١: ١١ أمهات الأولاد ١: ٢ القصاص في النفوس ٨: ٩ الديات في النفوس ٢: ٧ أحكام الزنا ٨: ١٠ السرقة ٣: ٩ الأقضية ١١: ١٢.
٧٥  وهي على الترتيب من الأكثر فالأقل: الرهون (٧)، اللعان (٦) القذف (٣) العرية (١) التدبير (١).
٧٦  ونسبها كالآتي: النكاح ٦٠: ٥٢ الطلاق ٣٨: ٢١ الحجب ٢١: ١٦ الظهار ١٣: ٤ القسمة ٦: ٢ الحرابة ٥: ١.
٧٧  وهي من الأكثر فالأقل: الإيلاء (٧) الحجر (٤) الجرح (٢) الجعل (١) الوديعة (١).
٧٨  وهذا راجع إلى تعارض الفعل والقول والواجب الجمع أو تغليب القول، ج٢، ٤٩.
٧٩  دون إحصاء دقيق تتراوح النسبة بين القول والفعل والإقرار بين ٨٠٪، ١٥٪، ٥٪.
٨٠  السابق، ج١، ١٧٣، ٢٨٥، ٤٧٤، ج٢، ٧٢، ١٤١.
٨١  السابق، ج٢، ١٧٨. وهذه كلها اختلف العلماء فيها لاختلافهم بالأقل والأكثر في وجود على المنع فيها النصوص عليها. فمن قويت عنده علة المنع في مسألة منها منعها، ومن لم تقوَ عنده أجازها، وذلك راجع إلى ذوق المجتهد لأن هذه المواد يتجاذب القول فيها إلى الضدين على السواء عند النظر فيها. ولعل في أمثال هذه المواد يكون القول لتصويب كل مجتهد صوابًا. ولهذا ذهب بعض العلماء في أمثال هذه المسائل إلى التميز.
٨٢  وهذه الأقاويل كلها مختلف فيها عند الفقهاء في أقل الحيض وأكثره وأقل الطهر لا مستند لها ولا التجربة والعادة، وكل إنما قال ذلك ما ظن أن التجربة أوقفته على ذلك. ولاختلاف ذلك في النساء عسر أن يعرف بالتجربة حدود هذه الأشياء في أكثر النساء، السابق، ج١، ٥٢. والحق أن دم الحيض ودم النفاس يجري ثم ينقطع يومًا أو يومين ثم يعود حتى تنقضي أيام الحيض أو أيام النفاس كما تجري ساعة أو ساعتين من النهار ثم تنقطع، ج١، ٥٣. وسبب الخلاف عسر الوقوف على ذلك بالتجربة لاختلاف أحوال النساء في ذلك ولأنه ليس هناك سنة يعمل عليها كالحال في اختلافهم في أيام الحيض والطهر، ج١، ٥٤. القليل في هذا معلوم من حكم العادة أنه يخالف الكثير، ج٢، ٢٠٣.
٨٣  وإذا قيل هذا في الغريق فهو أولى في كثير من المرضى مثل الذين يصيبهم انطباق العروق وتميز ذلك مما هو معروف عند الأطباء حتى لقد قال الأطباء إن المسكونين لا ينبغي أن يدفنوا إلا بعد ثلاث، السابق، ج١، ٢٣١. وهذا كثيرًا ما يعرض في صناعة الطب وغيرها من الصنائع المختلفة. ج٢، ٥٠.
٨٤  ولذلك ما ذُكر عن الخليل من أنه رصد الشفق الأبيض فوجده يبقى إلى ثلث الليل كذب بالقياس والتجربة (في النسخة المصرية وليست الفاسية ربما إضافة من ابن رشد أو من الناسخ). السابق، ج١، ٩٨.
٨٥  فمنها أن الأصل في الشرع لا يحلف أحد إلا على ما علم قطعًا أو شاهد حسًّا، السابق، ج٢، ٤٦٢.
٨٦  السابق، ج١، ١٦٧، ج٢، ٩٧، ١٢٩.
٨٧  وأما الطهارة من الحدث فغير معقولة المعنى مع ما اقترن بذلك من صلاتهم في النعال مع أنها لا تنفك من أن يوطأ بها النجاسات غالبًا، وما أُجمع عليه من العفو من السير في بعض النجاسات ج١، ٧٧–٧٨. وهذا كله تخبيط وإبطال المعقول، السابق، ج١، ٣٨٨، ومن جهة المعنى أن الحد الأصغر ينطوي في الحد الأكبر، ج٢، ٤٧٠. ومذهب الحنفية أظهر من جهة المعنى، ج٢، ٩٨. والقياس يقتضي أن لا نفقة لها إلا على سيدها الذي يستخدمها، ج٢، ٦٠. وسبب الخلاف تعارض الأشباه في هذا المعنى، ج٢، ١١٧. هل هو معقول المعنى أم ليس بمعقول؟ ج٢، ٣٦١.
٨٨  السابق، ج١، ٩٠، ج٢، ٢٧١.
٨٩  السابق، ج١، ٧٧–٧٨. الطهارة من النجس معلوم أن المقصود بها النظافة، وذلك من محاسن الأخلاق والرجوع في الهبة ليس من محاسن الأخلاق، والشارع علية الصلاة والسلام إنما بُعث ليتمم محاسن الأخلاق، ج٢، ٣٦٠.
٩٠  السابق، ج٢، ٥١٢–٥١٣. وينبغي أن تعلم أن الأحكام الشرعية تنقسم قسمين: قسم يقضي به الحكام وجل ما ذكرناه في هذا الكتاب هو داخل في هذا القسم. وقسم لا يقضي به الحكام وهذا أكثره وهو داخل في المندوب إليه. وهذا الجنس من الأحكام مثل رد السلام وتشميت العاطس وغير ذلك مما يذكره الفقهاء في أواخر كتبهم التي يعرفونها بالجوامع. ونحن فقد رأينا أن نذكر أيضًا من هذا الجنس المشهور منه إن شاء الله تعالى. وينبغي قبل هذا أن تعلم أن السنن المشروعة العملية المقصود منها هو الفضائل النفسانية. فمنها ما يرجع إلى تعظيم ما يجب تعظيمه وشكر من يجب شكره، وفي هذا الجنس تدخل العبادات، وهذه هي السنن الكرامية. ومنها ما يرجع إلى الفضيلة وتسمى عفة، وهذه صنفان: السنن الواردة في المطعم والمشرب والسنن الواردة في المناكح. ومنها ما يرجع إلى طلب العدل والكف عن الجور. فهذه هي أجناس السنن التي تقتضي العدل في الأموال والتي تقتضي العدل في الأبدان. وفي هذا الجنس يدخل القصاص في الحروب العقوبات لأن هذه كلها إنما يطلب بها العدل. ومنها السنن الواردة في الإقراض ومنها السنن الواردة في جميع الأموال وتقويمها. وهي التي يقصد بها طلب الفضيلة التي تسمى السخاء وتجنب الرذيلة وتسمى البخل، والزكاة تدخل في هذا الباب من وجه وتدخل أيضًا في باب الاشتراك في الأموال. وكذلك الأمر في الصدقات. ومنها سنن واردة في الاجتماع الذي هو شرط في حياة الإنسان وحفظ فضائله العملية والعلمية وهي المعبر عنها بالرياسة. ولذلك لزم أيضًا أن تكون سنن الأئمة والقوام بالدين ومن السنة المهمة في حين الاجتماع السنن الواردة في المحبة والبغض والتعاون على إقامة هذه السنن وهو الذي يسمى النهي عن المنكر والأمر بالمعروف. وهي المحبة والبغض أي الدينية التي تكون إما من قبل الإخلال بهذه السنن وإما من قبل سوء المعتقد في الشريعة. وأكثر ما يذكر الفقهاء في الجوامع من كتبهم ما شذ عن الأجناس الأربعة التي هي فضيلة العفة وفضيلة العدل وفضيلة الشجاعة وفضيلة السخاء، والعبارة التي هي كالشرط في تثبيت هذه الفضائل.
٩١  السابق، ج١، ٢٤٣، ٣٩٨، ٣٧٧. قال الرسول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة. ج١، ٣٤٩. جزء من الفقه انتهي مثل المؤلفة قلوبهم وبالتالي انتهاء رق النساء والعبيد. عند مالك لا مؤلفة قلوبهم اليوم على عكس الشافعي وأبي حنيفة. ج١، ٢٨٤.
٩٢  السابق، ج٢، ٣٦١، ٨٩، ٢٠٢، ٣٣٩. الزكاة، ج١، ٤٦٤–٤٧٣.
٩٣  السابق، ج١، ٢١٤–٢١٦، ٣٥٥، ٣٥٨، ٣٦٥، ٤٦٠، ٢٠٤–٢٠٩. وذلك في حديث «إنما هي ركضة من الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ثم اغتسلي.» وأيضًا «ويل الأعقاب من النار.» في كتاب الغسل.
٩٤  السابق، ج١، ٤٧٢. قال القاضي: والحق أن ما حرم عليهم أو حرموا على أنفسهم هو في وقت شريعة الإسلام أمر باطل إن كانت ناسخة لجميع الشرائع فيجب ألا يراعى اعتقادهم في ذلك، فلا يشترط أيضًا أن يكون اعتقادهم في تحليل الذبائح اعتقاد المسلمين ولا اعتقاد شريعتهم.
٩٥  السابق، ج١، ٤١٧، ج٢، ٣٨٢.
٩٦  السابق، ج٢، ٢١٥، ٢٣٢–٢٣٤، ٣٠٣، ٤٦٣، ٤٨٦–٤٩٨، ج٢، ٨٤.
٩٧  السابق، ج١، ٢١٢.
٩٨  السابق، ج١، ١٦٧، وهي بالجملة مسألة مسكوت عنها، ج١، ٦٤. فهذا هو الذي رأينا أن نثبته في هذا الكتاب من المسائل التي ظننا أنها تجري مجرى الأصول، وهي التي نطق بها الشرع أكثر من ذلك يعني أن أكثرها يتعلق بالمنطوق به إما تعلقًا قريبًا أو قريبًا من القريب، ج١، ٩٠. وفي هذا الباب مسائل كثيرة أعني اختلافهم في الصفات المشترطة في الإمام تركنا، ذكرها لكونها مسكوتًا عنها في الشرع. وقصدنا في هذا الكتاب إنما هو ذكر المسائل المسموعة أو ما له تعلق قريب بالمسموع، ج١، ١٤٩. وهذه مسائل تتعلق بهذا الباب خارجة عما ذكر من فروض الصلاة، ج١، ١٦٩، ١٨٣، ٢٨٣–٢٨٤.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤