الموقف الإسلامي المعاصر وحقوق الإنسان١

مما لا شك فيه أن من سمات الفكر العربي الحديث هو وضع طرفين، أحدهما قديم والآخر جديد والربط بينهما بواو العطف للدلالة على الرغبة في الجمع بين الاثنين، «الأصالة والمعاصرة»، التراث والتجديد، الدين والعلم، النقل والعقل، الماضي والحاضر، التقليد والاجتهاد، إلى آخر هذه الثنائيات التي ملأت الحياة الثقافية العربية منذ القرن الماضي وحتى هذا القرن. كما تدل على أن الربط بينهما بواو العطف لا يدل إلا على تجاوز بينهما دون تفاعل نظرًا لغياب طرف ثالث، هو الواقع الذي يحدث فيه هذا التفاعل. فالطرف الأول يقمع في الماضي وطوباوياته والطرف الثاني يشرئب إلى المستقبل وأحلامه. وكلاهما نظرتان مثاليتان. الأول يرى أن حل الحاضر في الماضي، والثاني يرى أن حل الحاضر في المستقبل. الأول يرى نموذجه في العصر الذهبي للإنسان في الفردوس المفقود، عصر البراءة الأول، النبوة والخلافة قبل أن تتحول إلى ملك عضوض. والثاني يتطلع إلى نموذجه في العصر الذهبي للآخر، العصور الحديثة، عصر التنوير والتقدم والإنسان والطبيعة والعلم والعقد الاجتماعي والمجتمع المدني، الفردوس القادم، الغرب الحديث الذي لم يحدث فيه انهيار، ولم تقم مثله على مركزية أوروبية، ومعايير مزدوجة، وربما عنصرية دفينة. ولا يحاول أحد الغوص في الحاضر لمعرفة مكوناته وطبيعته وعوامل حركته وأسباب ثباته، وفي أي مرحلة تاريخية يتحرك المجتمع، وما رسالة هذا الجيل بالنسبة للجيل السابق تمهيدًا للجيل اللاحق. فالأسهل هو الاغتراب بالحاضر إما في الماضي وإما في المستقبل. والأصعب الغوص في أعماق الحاضر لرؤية تفاعلاته وكيفية السيطرة عليها وإعادة تفعيلها وتوجيهها في مسار التغير الاجتماعي نحو التقدم المنشود لكلا الطرفين. ما أسهل على الفكر العربي الحديث الهروب من المواجهة والوقوع في المداخل الأيديولوجية للواقع العربي الراهن. وتنشأ الحرب بين الطرفين، الأول يكفِّر الثاني، والثاني يخون الأول حتى تسيل الدماء في الجزائر ومصر، ويشق الصف الوطني، وينسى الناس العدو الخارجي. فيتحول الصديق الداخلي إلى عدو، والعدو الخارجي إلى صديق، ويختلف العرب فيما بينهم في تحديد من هو الصديق ومن هو العدو.

وهناك ستة اتجاهات للربط بين الموقف الإسلامي المعاصر وحقوق الإنسان. وهي كلها في الساحة. تتعاون أحيانًا وتتناحر أحيانًا أخرى. والسياحة فسيحة تقبل كل الاجتهادات. ولكل اتجاه أدبياته ومنظماته القطرية والقومية، المحلية والعالمية والكل يتسابق على الإعلان عن النفس، وإبراز الجهد، وإثبات الريادة، وإكثار النشرات، وتوالي الندوات، وعقد المؤتمرات، والهب للمساعدة من تمزق حقوقهم في التعبير واللجوء إلى القضاء دفاعًا عن حقوق الإنسان في حرية التعبير والحركة التي تكونها الدساتير، والخلاف بينها في المضمون الذي قد يكون واحدًا ولكن في المنهج، كيفية المقاربة بين حقوق الإنسان والإسلام أي في طريقة فهم واو العطف وليس في فهم الطرفين المعطوفين، فالموضوع يرد إلى المنهج أي إلى طريقة التناول وأساليب التفكير ووسائل البيان.٢

أولًا: التقدمية الغربية

وهو تيار يرى أن الإعلان العالمي عن حقوق الإنسان، الأول منذ الثورة الفرنسية ١٧٨٩م أو الثاني بعد الحرب الأوروبية الثانية ١٩٤٨م هو الإعلان العام والشامل للإنسانية جمعاء بصرف النظر عن ظروف الحرب والنظرية العنصرية التي قامت عليها. يمكن تطبيقها على كل المجتمعات بصرف النظر عن ظروف كل منها. لا توجد أسس فلسفية أو تصورات خاصة تقوم عليها كالفردية التي تميز الفلسفة الغربية والتصور الغربي للعالم. هي تعبير عن العقل الخالص، وحقوق الإنسان في كل زمان ومكان، لا تفرق بين ألمانيا ورواندا، بين أوروبا وأفريقيا أو بين أمريكا وآسيا. ولا يهم التطبيق في حموة الإعجاب الفكري والوئام النظري والاغتراب الحضاري. ويحل العلاقة بين الطرفين بإلغاء أحدهما، وهو الإسلام، وإثبات الآخر وهي حقوق الإنسان كما صاغها الغرب. ولا يجتهد في إيجاد منطق للعلاقة بين الاثنين. فالموقف واضح ولا مجال للاختيار أو المقارنة أو للقراءة أو التأويل. كل ذلك مواقف توفيقية لا علمية. تخشى من الجذرية، وينقصها الشجاعة، وينتابها التخوف من الغرب بدعوى الخصوصية أي الانعزال والانكفاء على الذات. ويمثل هذا التيار نخبة من المثقفين العلمانيين المتغربين الذين يرون الغرب ثقافة عالمية واحدة تعبر عن إنسانية واحدة، لا فرق فيها بين عالمية وخصوصية، بين الآخر والأنا. تتنوع الثقافات في اللغات والعادات والأعراف والفنون الشعبية. أما القيم فواحدة عبر الثقافات. ولما كان الغرب هو نموذج الحداثة كان للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وثيقة عامة وبيان للناس بصرف النظر عن أجناسهم وثقافاتهم وتقاليدهم. ويبدأ الغرب من اليونان وكأنه لا توجد حضارة قبلهم في الشرق ولا في ما بين النهرين ولا الرومان ولا كنعان ولا مصر القديمة ولا الهند ولا الصين. بدأ إعلان حقوق الإنسان عند اليونان والرومان والعصر الوسيط ثم العصور الحديثة ابتداءً من الإصلاح الديني في الخامس عشر والنهضة في السادس عشر والعقلانية في السابع عشر والتنوير في الثامن عشر، وكأن الحضارة الإسلامية التي عاصرها العصر الوسيط لا وجود لها.٣
وهو موقف لا يتعلق بحقوق الإنسان وحده بل موقف حضاري عام في كل مظاهر الحياة الثقافية. ينكر على الأنا خصوصيته لحساب عالمية الآخر. يعطي الأنا أقل مما تستحق، ويعطي الآخر أكثر مما يستحق. يدل على الاغتراب، اغتراب المثقف عن ثقافته وهويته وتماهيه مع ثقافة الآخر وهويته. يخرج نفسه من مسار وعيه الثقافي التاريخي ويضع نفسه في مسار الوعي الثقافي والتاريخي للآخر. لا يكاد يؤثر في المجتمعات العربية والإسلامية لأنه مهتم بالتغريب وبالتمويل الأجنبي. وربما يتبنى مضمون الإعلان الغربي وبرنامجه وفلسفته الفردية الغربية دون أن ينقد ممارسته ومعياره المزدوج داخل أوروبا وخارجها ودون تطويره من حقوق الإنسان إلى حقوق الشعوب. ينشط فيه بعض المثقفين في المدن خارج الريف. ولا يخاطب العامة، وملاحق من السلطات، ومتهم بأنه مصدر معلومات للمنظمات الدولية عن انتهاك حقوق الإنسان في البلاد والتعذيب في السجون، وهي ورقة ضغط من القوى الكبرى على النظم المحلية لإملاء إرادتها السياسية وكنوع من الابتزاز السياسي. ويستوي في ذلك حقوق الإنسان وحقوق الأقليات وحقوق المرأة.٤ موقف يضع الخاص في العام، وينكر خصوصية وضع القضية في كل حضارة وفي إطارها الثقافي والاجتماعي والسياسي والدولي.٥
وقد وضعت حقوق الإنسان في الدساتير العربية نقلًا عن الدساتير الغربية وذرًّا للرماد في العيون بالرغم من المسافة الشاسعة بين الدستور والواقع ليس فقط فيما يتعلق بحقوق الإنسان ولكن فيما يتعلق بحقوق المواطن والشعب.٦ وقد يتجه الموضوع اتجاهات طائفية في الدفاع عن حقوق الأقليات مثل المسيحيين العرب عامة أو أقباط مصر خاصة، وكأن حقوق الأغلبية ليست أيضًا مهضومة.٧
وهو موقف إسلامي عن طريق السلب، يرفض أي محاولة لقراءة مواثيق حقوق الإنسان الدولية من منظور الثقافات الخاصة، إسلامية أو غيرها. لا يتناول الإسلام على نحو مباشر، طبقًا لتحليل مضمون هذه الكتابات، ولكن الموقف الإسلامي في اللاشعور النافي للربط ولإيجاد العلاقة. يمكن خلف الذهن وليس فيه، تحت اللسان وليس فوقه. هو دافع للنفي وباعث على تجاوز الأنا إلى الغير. الإسلام هو الشبح الذي يتجنبه بالرغم من أنه يحدد حركته، ويوجه سلوكه، ويبتعد عنه، ويحصن نفسه تجاهه. لم يعرف الإسلام الحرية إلا في مقابل العبودية كنظام اجتماعي. ولم يعرف مفهوم الحقوق بل عرف مفهوم الواجبات. فالحضارة الإسلامية تقوم على عدم تناسب بين الحقوق والواجبات لصالح الواجبات دون المقارنة مع الحضارة الغربية التي قد تقوم على خلل مضاد؛ إذ إنها تقوم على الحقوق دون الواجبات بالرغم من الإعلان الأخير في السنتين الماضيتين عن محاولة بعض المجتهدين لصياغة «الإعلان العالمي للواجبات الإنسانية».٨ لم يعرف الإسلام إلا حقوق الله في مقابل واجبات الإنسان مع أن المعتزلة قديمًا قالوا بالواجبات العقلية من جانب الله مثل الخلق والتكليف، ومن جانب الإنسان مثل شكر المنعم.
ويقوم الإعلان الأول لحقوق الإنسان عام ١٧٨٩م على أربعة مبادئ، تعبر عن الفطرة ويقبلها العقل. الأول يتعلق بالحرية الطبيعية والمساواة في الحقوق. والثاني حرية الفكر والتأليف دون الإضرار بالغير.٩ وقد كررت الوثيقة الثانية عام ١٩٤٨م نفس المبادئ. فقد شملت واحدًا وثلاثين مادة تجمع أيضًا بين حقوق الأفراد وحقوق الشعوب إلا أنها أكثر تركيزًا على حقوق الأفراد مع مزيد من التفصيل. وتركز على الحقوق أكثر مما تركز على الواجبات مما أدى إلى المعيار المزدوج في التطبيق. الحقوق فقط داخل أوروبا الغربية دون واجبات للغرب وامتداد لهذه الحقوق خارجها.١٠

ثانيًا: السلفية الرجعية

وهو موقف على الطرف النقيض من الطرف السابق. يرى أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إنما هو إعلان خاص، في ظروف خاصة يقوم على فلسفة خاصة، الفردية والحرية الشخصية التي تصل إلى حد الفوضوية وإنكار القيم والمبادئ الخاصة بكل مجتمع، وبديل عن الدين والشريعة، لا يمكن تطبيقه في كل المجتمعات نظرًا لتعارض بعض بنوده مع شرائع المجتمعات مثل الشريعة الإسلامية، مثل قانون الأحوال الشخصية، ووضع المرأة، وقانون العقوبات خاصة حد الردة. والله أدرى بحقوق الإنسان وواجباته أكثر من الإنسان نفسه الذي يخضع للهوى والمصلحة. وما هو حق عند الله قد لا يكون كذلك عند الإنسان مثل تعدد الزوجات أو للذكر حظ مثل حظ الأنثيين أو بعض الحدود مثل قطع يد السارق، فأعضاء الجسم حق طبيعي للإنسان أو الرجم أو الجلد للزاني أو القصاص للقاتل، فإزهاق روح لا يعيد روحًا أُزهقت، والصلب لقاطع الطرق كنوع من التمثيل قبل القتل كنوع من التعذيب. لذلك لا يسمح في هذه البلاد بشرعية أية منظمة لحقوق الإنسان على النمط الغربي بحجة اختلاف العادات والتقاليد بين المجتمعات الإسلامية والمجتمعات الغربية. حتى لو دافعت عن حق المواطن في حرية التعبير وحرية الاجتماع والحركة وحقه في انتخاب من يحكمه وحتى لو ربطت هذه الحقوق بالشرع وتم الدفاع عن حقوق الإنسان الشرعية.١١

حدود الله لا يمكن لإنسان أن يقترب منها وكأن هذه الحدود منفصلة عن باقي الشريعة الإسلامية. وهي واجبات على الإنسان تقابلها حقوق له. فلا قطع ليد سارق إذا سرق عن جوع أو بطالة أو إذا كان المجتمع كله سارقًا. ولا رجم أو جلد أو تغريب في مجتمع يقوم على الإثارة الجنسية وتتحول فيه فتيات الإعلان إلى نجوم. ويصعب الزواج المبكر نظرًا للأزمة الاقتصادية والمغالاة في المهور وصعوبة الحصول على سكن. وهي أحكام الوضع التي تحدث عنها الأصوليون: السبب، والشرط، والمانع، والعزيمة والرخصة، والحصة والبطلان.

والحقيقة أنها كلمة حق يراد بها باطل. صحيح أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يقوم على فلسفته الخاصة، الفردية الغربية، وفي ظروف خاصة، أوروبا بعد الحرب الأوروبية الثانية، وقد تتعارض بعض تفصيلاته مع عادات بعض المجتمعات وأعراف الشعوب. ومع ذلك هناك قيم أخلاقية ومبادئ إنسانية عامة تتجاوز الشعوب والعادات والأعراف. تعبر عن بداهات العقل والفطرة والقانون الطبيعي مثل قيم الحياة والعقل، والحفاظ على ثروات الأمم وعلى أعراض الناس. فالتعذيب الجسدي والسجن بلا ذنب، والقبض على المواطن بلا تحقيق، واغتيال الخصوم السياسيين، والتصفية الجسدية للمعارضين، كل ذلك يعارض روح الإسلام، وروح الشريعة، ويتفق مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

إنما المقصود من هذا التعارض إخفاء أبشع أنواع نظم الحكم الذي يقوم على سلب الثروات الطبيعية للأمم وعلى النظام القبلي العشائري الذي يقوم على القهر والتسلط، واستعمال الحدود للردع والتخويف، إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف طبقوا عليه الحد. كما يطبق الحد في العامل الأجنبي سارق القليل، ويترك صاحب العمل من أهل البلاد سارق الكثير. يُخشى من حقوق الإنسان لأن بها نوع من الحريات العامة حتى لو كانت فردية. فربما كانت مقدمة وذريعة أو مناسبة وبداية للدفاع عن الحقوق العامة، الحقوق السياسية والاقتصادية للمواطنين، والتحول من حقوق الأفراد إلى حقوق الشعوب.

وقد تتعارض بعض المبادئ العامة لحقوق الإنسان ليس مع روح الشريعة الإسلامية بل مع بعض التغيرات الحرفية لبعض قوانينها خاصة فيما يتعلق بقانون العقوبات وقانون الأحوال الشخصية. فالجسم حق طبيعي للإنسان لا يجوز بتر أعضائه إلا في حالات المرض. وإذا كان لا يجوز التمثيل به بعد الموت فالأولى عدم جواز التمثيل به في الحياة. والمثال الشهير قطع يد السارق وهي عقوبة شديدة، القصد منها حث المشرع على البحث عن أسباب السرقة، إذا كانت عن جوع أو بطالة أو مرض أو أن السرقة سلوك عام عند كل الناس إنما الفرق في حجمها، سرقة الرغيف لإقامة الأود أم سرقة ثروات الأمم للتبذير والسفه. ليس المقصود تطبيق الحد «ادرءوا الحدود بالشبهات» بل البحث الاجتماعي لتغيير الواقع والقضاء على أسباب السرقة. والرجم عادة سامية موجودة في الشريعة اليهودية نقدها المسيح «من يكن منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر». وهو عقاب جسدي يفضي إلى الموت، تألم له الرسول وعاتب القاذف وتشفيه. وقد أعطت الشريعة أكبر قدر ممكن من الإشباع الجنسي للرجل، مثنى وثلاث ورباع، وما ملكت أيمانكم بحيث يستحيل عمليًّا البحث عن المزيد. إنما السؤال في إشباع المرأة. ومن حقها المطالبة بالطلاق في حالة العجز الجنسي للرجل. وقد تكون حاجتها إلى الإشباع المطلق أقل من حاجة الرجل نظرًا لما تفيضه عليها عواطف الأمومة وحب الزوج من إشباع نفسي. كما أن صلب المفسدين في الأرض وقاطعي الطريق وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف عادة سامية قديمة، عقاب شديد لنشر الأمان في الطرقات. وقد تختلف طرق الردع الآن، بالسجن مدى الحياة. وكذلك القصاص موجود في معظم الشرائع. والبعض الآخر يستعيض عنه أيضًا بالسجن مدى الحياة. فالحياة لا تزهق. ومجموع الخطأين لا يكون صوابًا. لذلك جاء التعزير ليترك للحاكم تخفيف العقوبة أو تشديدها طبقًا للحالة دون التطبيق العام والمطلق لها بصرف النظر عن الحالات الخاصة. والجلد العلني أيضًا عقاب سامٍ قديم موجود في الشرائع السابقة. والعقاب النفسي أحيانًا يكون أكثر إيلامًا من العقاب الجسدي. وما يقال في العقاب الجسدي يقال في باقي الأحكام التي تجاوزها الزمن مثل الغنائم والعبيد والصيد ودار الحرب وبعض جوانب فقه النساء مثل ما ملكت الأيمان والإماء.

ويقال نفس الشيء بالنسبة لوضع المرأة في قانون الأحوال الشخصية، وكل ما يتعلق بالميراث والشهادة والإمامة والزواج والطلاق. هناك فرق بين القانون وروح القانون، بين الصياغة الزمنية المتغيرة وبين الهدف الأبدي الدائم. لم يكن للمرأة قبل الإسلام أي حق حتى حق الحياة وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ. ولم يكن لها حق الملكية فأصبح لها شخصية اعتبارية تبيع وتشتري وتمتلك. ولم يكن لها حق الشهادة فجعل لها النصف من أجل تحقيق المساواة تدريجيًّا حتى يتم تغيير الوضع الاجتماعي بنجاح دون انتكاسة ورد فعل من مجتمع تقليدي. وتؤم الصلاة للنساء دون الرجال من الناحية الجمالية حتى لا تركع المرأة وتسجد أمام الرجال. كما تقتضي رئاسة الدولة الإمامة الكبرى، الإمامة الصغرى، وقيادة الجيوش مما قد يتنافى مع وضعية جسد المرأة ودورتها الشهرية وقدرتها على التحمل. وكان تعدد الزوجات بلا حدود، فوضعت له الشريعة حدًّا وفي حالات استثنائية مثل العقم أو العجز وبعد موافقة الزوجة الأولى وإلا كان موجبًا للطلاق، وبشرط العدل المادي والنفسي. وإذا كان العدل المادي ممكنًا فإن العاطفي يستحيل فيه العدل لأن العاطفة كيف وليست كمًّا. أما الطلاق فيمكن أن تكون العصمة بيد المرأة إذا ما أرادت، وتغلب التطبع على الطبع، والتعليم على الفطرة.

ثالثًا: الوعظ التوفيقي

ويقوم هذا الموقف على البداية بالغرب، بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وقبوله نفسيًّا وذهنيًّا ثم قراءته قراءة إسلامية بإيجاد الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المماثلة من أجل إثبات أن هذه الحقوق قد أثبتها الإسلام من قبل إعلانها في الغرب بأكثر من أربعة عشر قرنًا، منذ ظهور الإسلام حتى الآن. فهي لا تمثل جديدًا ولا تعلن عن شيء لا يعرفه الإسلام من قبل. ويكشف هذا الموقف على نوع من الكسل الفكري وعدم القدرة على فهم الوثائق والنصوص بالرغم من التوفيق بينها. فهي تسلم بالإعلان العالمي، وتعزله عن سياقه، وتعجب به، وتستسلم وجدانيًّا له دون أن تفكر فيه. فالبريق وهَّاج، والإعجاب بالآخر لا يتعارض مع فطرة الذات. هكذا فعل الحكماء من قبل مع الفلسفة اليونانية إعجابًا بها. فتأكيد الذات عن طريق الآخر هو اعتراف بفضل الآخرين حتى ولو كانوا من الأمم القاصية عنا كما يقول الكندي. فالحق في متناول الجميع، والكل يشرفه الحق، والحق يوافق الحق ويشهد له. وهو موقف نفسي إنساني، يحاول أن يتجاوز ثنائية المعرفة بين الوافد والموروث، بريق الوافد وظلال الموروث حتى لا ينبهر الناس بالبريق ويخشوا الظلال. وهذه بضاعتنا ردت إلينا. فالكل يعلم أثر الحضارة الإسلامية في تكوين الحضارة الأوروبية في بدايات العصور الحديثة عندما ترجمت الحضارة الإسلامية إلى اللاتينية مباشرة أو عبر العبرية. وقد أتيح لهؤلاء الوعاظ المستنيرين معرفة روح الإسلام كما عبرت عنها الشريعة التي تقوم على المصالح العامة ومعرفة ثقافة الاستنارة في الغرب الليبرالي ووجدوا اتفاقًا بين الاثنين كما فعل الطهطاوي بل والأفغاني نفسه عندما رأى في الغرب إسلامًا بلا مسلمين، ورأى في الشرق مسلمين بلا إسلام.

والحقيقة أن هذا الموقف أيضًا يخرج الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عن سياقه وفلسفته التي قام عليها وكأنه نص خارج الزمان والتاريخ. ويضحي بتاريخية النص من أجل قراءته، وينسى زمانيته من أجل بيان خلوده. فالإسلام أيضًا خالد مثله، لا يقل عنه بل يسبقه أيضًا بألف وأربعمائة عام أو أقل قليلًا. وما أسهل أن يجد العالم الإسلامي الحافظ لآيات الله وسنة نبيه والقارئ للإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ترجمته العربية الرصينة أن يجد التوافق بين النصين في مرآة مزدوجة تعكس كلٌّ منها صورة الآخر. فيظهران على أحسن وفاق وأجمل صورة. هكذا عبر قدماء الحكماء والمعتزلة عن الإسلام بلغة اليونان، الجوهر والعَرض، والمكان والزمان، والعلة والمعلول، والصورة والمادة، والكيف والكم. ويعبر المتكلمون المحدثون عن الإسلام بلغة الغرب الحديث، الحرية والديموقراطية، والمساواة والعدالة الاجتماعية، والمعرفة والسلام.١٢

رابعًا: المثالية النصية

وهو موقف نصي خالص، يعتمد على انتقاء النصوص من القرآن والحديث الأكثر تعبيرًا عن حاجات العصر في الحرية والديموقراطية والعمل والحق العادل في توزيع الثروة والتكافل الاجتماعي. وفي القرآن كل شيء. والإسلام رسالة عامة خالدة للناس جميعًا. وفي الذهن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وعلى أساسها يتم قراءة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والعلوم الإسلامية. فهي قراءة موجهة عن طيب خاطر وبحسن نية من أجل إعطاء صياغة عصرية للإسلام لا تقل رونقًا عن المواثيق الدولية وتنبثق من نفس الروح. وتقوم بذلك المنظمات الإسلامية في الغرب المطالبة بالإجابة على هذا السؤال: هل هناك حقوق الإنسان في الإسلام؟ وممثلوه أهل قانون وأصحاب شريعة. يعيشون في الغرب. ومضطرون للدفاع عن الإسلام أمام انتقادات الغرب له وتشويه خصومه لمبادئه. وما أسهل القيام بذلك. فالقرآن طيِّع لعديد من القراءات، مثالية وواقعية، فردية واجتماعية، رأسمالية واشتراكية. ولما كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مثالي النزعة، يعبر عن فلسفة التنوير وعن حلم الغرب بعد الحرب العالمية الثانية وأمله في مستقبل أفضل، انعكست هذه الروح في قراءة النصوص القرآنية التي كانت تعبر أيضًا عن أحلام المستضعفين في شبه الجزيرة العربية وأشواقها نحو عالم أفضل تسوده الحرية والإخاء والمساواة.

وقد حاول «المجلس الأوروبي» الإجابة على السؤال بصياغته إعلان عالمي إسلامي لحقوق الإنسان يقوم على مقاصد الشريعة الخمس كما صاغها الشاطبي، والتي من أجلها وضِعت الشريعة ابتداءً: الحياة (النفس)، العقل، الحقيقة (الدين)، الكرامة (العرض)، والثروة (المال). ويمكن تفصيل كلٍّ منها في عدة حقوق مستنبطة من الحق الكلي؛ إذ يشمل حق الحياة على حق العمل، والتأمين ضد العجز والشيخوخة والمرض والبطالة وحق السكن والطعام والشراب وهي الحاجات الأساسية. ويشمل حق العقل حق التعليم وعدم احتكار المعرفة أو السيطرة على وسائل إنتاجها ولا يشمل العرض الشرف الفردي فقط بل أيضًا كرامة المواطن وعزة المواطنين. ولا يشير المال إلى المال الفردي بل إلى الثروات العامة والمحافظة عليها ضد الاكتناز والاستغلال والاحتكار والتبذير وسوء توزيع الثروة بين الناس.١٣
وما يحاوله المسلمون تحاوله باقي الثقافات. فهناك ميثاق أفريقي لحقوق الإنسان يقوم على نفس المنهج، جعل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نابعًا من داخل الثقافة الأفريقية وليس وافدًا إليها من الغرب. والنتيجة واحدة. إنما الخلاف في المنهج والمصدر والقصد، قصد الأصالة في مقابل التغريب.١٤ ويمكن أن يقال نفس الشيء في الثقافات اليهودية والمسيحية والآسيوية.

خامسًا: الواقعية الاجتماعية

وهو الموقف الذي يتجه نحو الواقع مباشرة لمعرفة مدى انتهاك حقوق الإنسان في حرية الرأي والتعبير والحركة. ويستمد مادته من تقارير منظمات العفو الدولية، وجمعيات حقوق الإنسان القطرية والقومية ومن الدراسات الاجتماعية وقوانين الصحافة والدساتير العربية. وتعتمد على البيانات الإحصائية أكثر مما تعتمد على المواثيق الدولية وتحليل موادها باعتبارها خطوة نظرية قد تم إنجازها من قبل ولا خلاف كبير حولها. إنما التحدي هو مدى اتفاق الواقع الاجتماعي أو اختلافه معها.١٥

والتأصيل الإسلامي في هذه المجموعة قليل في الظاهر لأنه لا يعتمد اعتمادًا مباشرًا على نصوص دينية أو على التاريخ الإسلامي مع أن الواقع هو الذي يطرح السؤال الذي يجيب عليه النص كما هو واضح في «أسباب النزول». والواقع هو الذي يتغير ويتبدل ويتطور، فيتطور التشريع طبقًا له كما هو واضح في «الناسخ والمنسوخ». يهدف إلى تغيير الواقع عن طريق الممارسة الفعلية والإعلان والنشر أكثر مما يهدف إلى تأسيس النظر.

لذلك يغلب على دراساتها النشرات والبيانات والمجالات، المنابر السريعة المتحركة لإحداث أكبر حركة لتغير الواقع الاجتماعي. وتنتقل من مجالات حقوق الإنسان إلى حقوق الناس. تقلق الحكومات والنظم أكثر مما تؤثر في الشعوب. وتقبل الدعم المالي من المنظمات الدولية لحقوق والإنسان ومن هيئات المعونات الغربية التي قد يكون لها هدف آخر غير الدفاع عن حقوق الإنسان مثل التركيز على الفرد دون المجتمع، والضغط على الحكومات بورقة حقوق الإنسان حتى تلبي مطالب الهيئات الدولية في الاقتصاد، وتنفيذ سياسات الدول الكبرى.١٦

سادسًا: الحل الجذري: إعادة بناء التراث القديم

لما كان التراث ما زال مخزنًا حيًّا في وعي الجماهير، ومكونًا رئيسيًّا في الثقافة الشعبية للأمة فإن موضوع حقوق الإنسان، وهو موضوع فرضته أوضاع العصر، امتدادًا من الثقافة الغربية واهتماماتها فإن انتهاك حقوق الإنسان واقع في كل مجتمع، وفي كل نظام سياسي. تختلف أسبابه من مجتمع إلى آخر. كما أن الأسس النظرية لحقوق الإنسان تختلف أيضًا طبقًا لثقافات المجتمعات، بنيتها وتطورها. وتندر هذه الكتابات لأنها لا تهدف إلى نتيجة سريعة ومباشرة. ولا تصب في المصالح العاجلة لكل المراكز والهيئات التي تعمل دفاعًا عن حقوق الإنسان. تعمل على الأمد الطويل لتأصيل حقوق الإنسان في الثقافة الشعبية بعد إعادة بنائها بحيث ترتكز على الإنسان وليس على الله تحقيقًا للقصد الإلهي الذي هو الإنسان، مخاطبته ومحاورته. فالإنسان هو موضوع العلم الإلهي، خلق العالم له، وسخرت قوانين الطبيعة لصالحه. فانتهاك حقوق الإنسان في الواقع إنما سببه غياب مفهوم الإنسان كبعد مستقل في تراثنا القديم، الرافد الرئيسي في الثقافة الشعبية التي تقوم بدور الأيديولوجية السياسية في المجتمعات التراثية مثل المجتمعات الإسلامية. ليست القضية إذن قضية نصوص من أجل قراءتها من منظور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فيحدث التطابق بينهما إذا حسنت النية كما يفعل الوعاظ المثاليون أو لبيان الاختلاف كما يفضل العلمانيون الغربيون وبعض المستشرقين. إنما القضية في هذه النصوص عندما تحولت إلى ثقافة عبر التاريخ، وارتكزت على تأويل واحد لصالح السلطان وحقوقه المطلقة التي جاوزت حقوق الناس في مقابل ثقافة المعارضة التي لم تعِشْ طويلًا في الوجدان، وأصبحت هشة الجذور في الوعي التاريخي. فثقافة السلطة تعطي السلطان الحقوق وتعرض على الناس الواجبات. وثقافة المعارضة تحاول التقليل من حقوق السلطان مع زيادة واجباته والإكثار من حقوق الناس والإقلال من واجباتهم.

لقد غاب الإنسان كمفهوم مستقل في تراثنا القديم. وإذا حضر فإنه يكون باستمرار في علاقة مع الله وكأنهما طرفان متناقضان متبادلان في علاقة «إما … أو». ولما كانت الإرادة الإلهية هي الأقوى توارت الإرادة الإنسانية وأصبحت معلقة على الإرادة الإلهية ومشروطة بها. ظهر ذلك في علم أصول الدين أي في علم العقائد. فأساسه نظرية الذات والصفات والأفعال والأسماء الإلهية. ثم تأتي الموضوعات الإنسانية كطرف لها مثل الحرية الإنسانية فتصبح مشروطة بالإرادة الإلهية كما هو الحال في الكسب الأشعري. والعقل الإنساني يأتي مشروطًا بالنقل أي بالنص أو بالنبوة التي تهدي العقل أو تكون وصية عليه. ويكون ماضي البشرية في تاريخ الأنبياء، ومستقبلها في المعاد، والبعث بعد نهاية العالم وانقضاء الزمان. والثواب والعقاب ليس قانونًا إنسانيًّا للاستحقاق بل هو رحمة إلهية، شفاعة للبعض وبشارة للبعض الآخر. والإيمان والكفر، والهداية والضلال، والتوفيق والخذلان كلها أفعال من الله. وما على الإنسان إلا أن ينطق بالشهادتين باللسان حتى ولو أضمر الكفر وكانت أفعاله مخالفة لقواعد الإيمان. أما الإمام فإنه من قريش قديمًا، والجيش حديثًا، واختيارًا من أهل الحل والعقد عند السنة، وتعيينًا بالنص عند الشيعة. صحيح أن النسق الاعتزالي أكثر قربًا من الإنسان. فهم أهل التوحيد والعدل. وأصولهم الخمسة أكثر اتجاهًا نحو الإنساني في خلق الأفعال، والحسن والقبح العقليين، والوعد والوعيد طبقًا لقانون الاستحقاق، والمنزلة بين المنزلتين في اعتبار مرتكب الكبيرة لا مؤمنًا ولا كافرًا بل عاصيًا، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رقابة على الإمام وتوجيهًا للحكَّام. وقد استمر ذلك حتى الحركات الإصلاحية في العصر الحديث مثل محمد عبده الذي ظل أشعريًّا في التوحيد وإن أصبح معتزليًّا في العدل.١٧ وانقسمت علوم الحكمة أي الفلسفة ثلاثة أقسام: المنطق والطبيعيات والإلهيات كما وضعها ابن سينا وغابت الإنسانيات كمبحث مستقل. الإنسان نفس وبدن، البدن في الطبيعيات، والنفس في الإلهيات في نظرية الاتصال بالعقل الفعَّال. صحيح أن إخوان الصفا زادوا قسمًا رابعًا في العلوم الإلهية الناموسية والشرعية، ولكنها أيضًا علوم إلهية شرعية وليست علومًا إنسانية مستقلة. وكان الفارابي قد بحث من قبل السياسة المدنية ووضع أسس المدينة الفاضلة. وهي أقرب إلى السياسة الإلهية. فرئيس المدينة هو الإمام أو النبي. أصبح الإنسان محاصرًا بين الله والطبيعة والمجتمع، مجرد ممر عابر نحو المطلق للاتصال به على ما هو معروف في نظرية الاتصال عند الفلاسفة أو مجرد ظاهرة طبيعية. فالنفس الإنسانية أكثر تطورًا من النفس الحيوانية التي هي أكثر تطورًا من النفس النباتية. فإذا كان للنفس النباتية ثلاث قوًى: الغاذية والنامية والمولدة، فإن النفس الحيوانية تزيد عليها الحس الخارجي، الحواس الخمس، والحركة، الحركة الحيوانية. ثم تزيد النفس الإنسانية على النفس الحيوانية، الحس الداخلي، الحواس الخمس الداخلية، التذكر والتوهم والتخيل والحفظ، والحركة الإرادية والنفس الناطقة المفكرة القادرة على الاتصال بالعقل الفعال. لم يؤدِّ تحليل النفس إذن في علوم الحكمة القديمة إلى أن تصبح نفسًا مستقلة، عالمًا إنسانيًّا فريدًا، وليست مجرد ممر لله أو ظاهرة طبيعية أو وعاء لاستقبال المعارف اللدنية. وأدى تميزها عن البدن إلى أن تصبح نفسًا طائرة بلا استقرار ولا وطن. وفي المجتمع هناك إنسان واحد، هو الإمام أو الرئيس ودونه مأمومون ومرءوسون. هناك الملك الفيلسوف ودونه الرعية المطيعة.١٨

وفي علوم التصوف ظهرت المقامات والأحوال كانفعالات إنسانية، المقامات مثل التوبة والصبر والتوكل والرضا والقناعة، والأحوال مثل الغيبة والحضور، الخوف والرجاء، الصحو السكر، الفقد والوجد، الفناء والبقاء. وكلها طريق إلى الله من أجل الاتحاد معه والفناء فيه. صحيح أن بها تحليل التجارب الإنسانية والعواطف البشرية ولكن من أجل اكتشاف البعد الإلهي في الإنسان وليس البعد الوجودي فيه. ويغلب عليها جميعًا القيم السلبية التي تبعث على التراجع والنكوص والتقوقع على الذات، وترك العالم بمن فيه على من فيه. ظهرت القيم الصوفية في البداية كنوع من المقاومة السلبية بعد أن استحالت المقاومة الفعلية بعد استشهاد الأئمة من آل البيت. فآثر البعض إنقاذ النفس بعد أن استحال إنقاذ العالم واستمر الوضع كذلك في الثقافة الشعبية حتى الآن بالرغم من المقاومة الفعلية ونجاحها في عصر التحرر من الاستعمار وفي الثورات العربية الأخيرة دفاعًا عن حريات الشعوب والأوطان وإن غاب في الدفاع عن حقوق الإنسان نظرًا للرصيد التاريخي الطويل في المخزون الثقافي لتراث السلطة ولحقوق السلطان على حقوق الناس، وحقوق الله وأوليتها على حقوق العباد. ولم يستطع أحد باستثناء محمد إقبال تحويل نظرية الإنسان الكامل عند الجيلاني وابن عربي إلى الإنسان المتعين أي المواطن العادي، وتحويل المثال إلى واقع. فعظمة الإنسان في نقصه واتجاهه نحو الكمال وليس في كماله الذي لا نقص فيه. في نظرية الإنسان الكامل يحتوي الله كل شيء. ويصبح هو والعالم شيئًا واحدًا. ويضيع الإنسان الفردي. وبالتالي تختفي حقوق الإنسان. ولا يظهر الإنسان ضمن مصطلحات الصوفية. إنما تظهر ألفاظ النفس. والروح والسر «الإنسان الداخلي» هو الوعي الخالص، وليس الإنسان بلحمه وعظمه الذي يوضع في السجون ويصفَّى في المعتقلات.

وفي علم أصول الفقه ظهر الصراع بين الحقوق والواجبات. فالشريعة حقوق وواجبات ولو أنها على مدى التاريخ تحولت إلى واجبات صرفة، ونسي الناس الحقوق. فالأحكام الشرعية الخمسة أقرب إلى الواجبات منها إلى الحقوق، الواجب أو الفرض، ويقابله الحرام أو المحظور، والمندوب ويقابله المكروه، والمباح أو الحلال. عرف الناس الواجب في الدرجات الأربعة الأولى. الإيجاب والسلب، والمجبر والمخير، ولكن المباح أقرب إلى الحق منه إلى الواجب.

أما مقاصد الشريعة الضروريات الخمسة، فهي أقرب إلى الحقوق منها إلى الواجبات وهي الدفاع عن الحياة أو النفس، والعقل، والدين أي الحقائق الموضوعية الثابتة درءًا للنسبية والشك، والعرض أي الكرامة والاستقلال الوطني، والمال أي الثروات الطبيعية ضد التبذير والتلوث والنهب والاحتكار. الكل يتذكر أركان الإسلام الخمسة التي هي أقرب إلى الواجبات ولا أحد يذكر مقاصد الشريعة الخمسة التي هي أقرب إلى الحقوق، الحق في الحياة والتعليم والمعرفة والعمل والحرية. ويضع علم القواعد الفقهية بعض المبادئ العامة التي يمكن أن تكفل حقوق الإنسان مثل «درء الحدود بالشبهات». فالغاية ليست تطبيق الحد بل إيجاد الأعذار للفاعل، ومثل «لا ضرر ولا ضرار» فالمصلحة أساس الشرع، و«الضرورات تبيح المحظورات»، فالحياة مقصد من مقاصد الشرع، «وعدم جواز تكليف ما لا يطاق».١٩

وما زال الفكر المعاصر أقرب إلى الحقوق منه إلى الواجبات، وكما عبر عن ذلك محمد بن عبد الوهاب في «كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد» وكأنه يوجد حق للعبيد على الله. حق الله تسليم العباد له والإنصات لإرادته، وحق السلطان طاعة الناس له واتباع أوامره. فأين حق العباد في الاستحقاق والثورة ضد الحاكم الظالم؟ أين حق البشر في المواطنة. أن يكونوا أحرارًا متساويين في المجتمع وليسوا رعية لسلطان أو عبيدًا حتى ولو كانت العبودية لله؟ ولفظ «العبودية» أصبح ثقيلًا على النفس في عصر التحرر.

إن «الإنسان» مفهوم رئيسي في القرآن الكريم.٢٠ يفيد خلقه من طين وأيضًا من علم، أي من معنًى. وهو الأصل في الوجود. لذلك يبحث الإنسان عنه ويتعلم منه. الإنسان قيمة وليس شيئًا، حق وليس فقط واجبًا، له تكوينه النفسي، الضعف والعجلة والاغتراب والأهواء والهشاشة. يعيش في عالم من التحديات، يدخل فيه واثقًا بقدرته على تجاوزها إحساسًا بالمسئولية وتحملًا للأمانة إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ. كانت غاية الوحي تربية الوعي الإنساني على الاستقلال، استقلال العقل والإرادة، من أجل خلق الإنساني الفردي المسئول وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا، وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ. الإنسان هو أكمل ظاهرة في الكون وأشرف مخلوقات الله على الأرض وأكملها لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ.
ولقد سمي محمد إقبال هذه النزعة الإنسانية، والتمركز حول الإنسان «الذاتية». فالذاتية مبدأ الكون وأساس الحياة. وهي خلق وإبداع تتولد بالمقاصد. تثبت بالكد والكفاح وتنتفي بالكسل والخمول والانعزال. الذاتية نظام العالم وهي أساس الإيمان والتفرد فيه.٢١
وهناك مفاهيم أخرى موازية مثل «ابن آدم» أو «آدم» «الإنسان الأول» أو «بني آدم» الإنسانية جمعاء، الإنسان في التاريخ. فقد كرم الله بني آدم في البر والبحر. فالبشر هم أعلى قيمة في الكون. لقد كان آدم في الجنة وهبط إلى الأرض بفعل حر عن سوء تقدير واتباعًا للغواية. وهي تجربة تعلم منها. فيكدح في الأرض من جديد بعد أن اكتسب مناعة وخبرة على تحكيم العقل وتجنب الهوى وحسن الاختيار والتقدير. لقد علَّم الله آدم الأسماء أي القيم والمعاني والمُثل العليا. وطلب من الملائكة السجود له احترامًا وتقديرًا لعظمته. فالإنسان أعظم من الملاك. ورفض إبليس وتحدى الإنسان وطلب الزمان والتاريخ لإغوائه. وقبل الإنسان التحدي وأمده الله بالوحي دعامة له وتأييدًا منه. اصطفى الله آدم واختار الإنسان لتبليغ رسالته. وأخذ منه العهد والميثاق، الدفاع عن الحق والجهر به. ولبني آدم كرامة الحياة والملبس والمأوى والعطاء والستر، حق طبيعي للإنسان، إشباع حاجاته الأساسية ضد العري والجوع والعطش والقحط يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ. ومن حقه اللباس والتمتع بالجمال وما خلق الله من الطيبات من الرزق يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا.٢٢

قد تساعد بعض الأمثال العامية على الإعلاء من شأن حقوق الإنسان ليس كفرد بل كجماعة وكأمة وكحياة بشر. والأمثال العامية جزء لا يتجزأ من مكونات الثقافة الشعبية. ويقوم بنفس الدور. حجة السلطة. والذي تقوم به الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. وقد تكون أكبر دعامة لحقوق الإنسان. فهي تدافع عن العقل وتفند من يغفل عنه «زي تور الله في برسيمه». وتفند الجهل «ما يعرفش طز من رحمة الله». وتدافع عن حق الإنسان في المعرفة العقلية «ربنا عرفوه بالعقل». وتدعو الإنسان لممارسة حريته دون الاكتفاء بمجرد الشكوى من الظلم «قال ربنا دخلنا بيت الظالمين، وطلعنا سالمين، قال وإيش دخلك، وإيش طلعك». وترفض الاحتجاج بالقضاء والقدر فتلك حيلة العاجز «في التدبير يحيل على المقادير». وترفض الاستسلام لحكم الطغاة مثل فرعون.

وتشير كثير من الأمثال العامية إلى أن حقوق الإنسان في الحياة الكريمة وإشباع حاجاته الأساسية في الطعام والشراب والإسكان أولى من حقوق الله. فالله غني عن العالمين، والإنسان هو الأولى بالرعاية. فالإنفاق على أهل الدور أولى من بناء المساجد «كل لقمة في بطن جائع أخير من بناية جامع». وما يحتاجه البيت يحرم على الجامع «اللي يلزم البيت يحرم على الجامع» حتى ولو كان الأمر مجرد حصير «حصيرة البيت تحرم على الجامع». ولا يجوز التصدق خارج المنزل إلا بعد كفو أهله «الحسنة لا تجوز إلا بعد كفو البيت».٢٣

إن طبيعة المرحلة التاريخية التي يمر بها المجتمع العربي تجعل معركة حقوق الإنسان هي المعركة الرئيسية بعد استقلال الأوطان وحريات الشعوب. فالعالم العربي الآن يحاول منذ فجر النهضة العربية في القرن الماضي إغلاق عصوره الوسطى، العصر التركي، وبداية عصوره الحديثة. فقد انقضت الفترة الأولى، عصر الإسلام الذهبي في القرون السبعة الأولى وأرخ لها ابن خلدون مبينًا أسباب قيام الحضارة العربية الإسلامية وأسباب انهيارها، من البدو إلى الحضر ثم إلى البدو من جديد. وهي الفترة التي تريد الحركات الإسلامية المعاصرة العودة إليها أو استعادتها أو أخذها نموذجًا ونبراسًا. والفترة الثانية منذ ابن خلدون حتى هذا القرن سبعة قرون ثانية، عصر الشروح والملخصات، ساد فيها الغزو الخارجي، التتار والمغول والقهر الداخلي، الخلافة العثمانية، والتي حاول الإصلاح الديني منذ القرن الماضي وضع بداية جديدة لها. والعالم الإسلامي الآن ينهي السبعة قرون الثانية ويبدأ سبعة قرون ثالثة يتحول فيها من القديم إلى الجديد، ومن النقل إلى العقل، ومن النص إلى الواقع، ومن الدين إلى العلم، ومن الله إلى الإنسان، ومن النفس إلى البدن مثل عصر النهضة الأوروبي في القرن السادس عشر بعد أن انتهى الإصلاح الديني الذي بدأ منذ القرن الماضي. ترتبط قضية حقوق الإنسان إذن بالتحول التاريخي من الإصلاح إلى النهضة على الأمد القصير، وبالدخول في معركة القدماء والمحدثين حتى ينتصر المحدثون على القدماء، وبالتحول التاريخي على الأمد الطويل من مرحلة العصر الوسيط الإسلامي إلى العصر الحديث الإسلامي الذي يقوم على العقل والحرية والمساواة والتقدم، والمثل التي ناضل من أجلها المعتزلة والفلاسفة قديمًا، ورواد النهضة العربية حديثًا. قضية حقوق الإنسان هي جزء من كلٍّ، نضال تاريخي طويل من أجل تحويل مسار الحضارة الإسلامية كله من مرحلة تاريخية إلى مرحلة تاريخية أخرى دون الاكتفاء بنقل النموذج الغربي أو قراءته قراءة إسلامية نصية. ولا يوجد إبداع فكري خارج الإبداع التاريخي. ولا توجد حقوق إنسان إلا في مسار التاريخ.

١  «حقوق الإنسان في الفكر العربي، دراسات في النصوص»، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، أبريل، ٢٠٠٢م، ص٥٨١–٥٩٩.
٢  هناك في مصر مثلًا أربعة منظمات لحقوق الإنسان، ولكلٍّ نشراتها ونشاطاتها وتنظيمها وتمويلها الداخلي والخارجي مثل:
(١) المنظمة العربية لحقوق الإنسان.
(٢) المنظمة المصرية لحقوق الإنسان. وتصدر «حقوق الإنسان»، نشرة غير دورية.
(٣) مركز المساعدة القانونية لحقوق الإنسان.
(٤) مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ويصدر عدة مجلات مثل «سواسية»، «مساعدة»، «رؤى مغايرة»، «رواق عربي».
٣  البيرباييه: تاريخ إعلان حقوق الإنسان، نقله إلى العربية د. محمد مندور، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، ١٩٥٠م.
٤  حسين جميل: حقوق الإنسان في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ١٩٨٦م.
• محمد السيد سعيد: مقدمة فهم منظومة حقوق الإنسان، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، القاهرة، ١٩٩٧م.
٥  فاتح سميح عزام: ضمانات الحقوق المدنية والسياسية في الدساتير العربية، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، القاهرة، ١٩٩٥م.
٦  فكتور سحاب: من يحمي المسيحيين العرب؟ دار الوحدة، بيروت ١٩٨١م.
٧  Inter–Action Council: Universal Declaration For Human Responsibilities.
وقد كان مؤلف هذا البحث أحد خبراء صياغة هذا الإعلان العالمي الجديد برئاسة هلموت ثميت المستشار السابق لألمانيا الغربية، هانز كنج أستاذ الدراسات اللاهوتية بجامعة توبنجن بألمانيا، برسو كيم من جامعة سيول بكوريا الجنوبية.
٨  انظر كتابنا «من العقيدة إلى الثورة»، المجلد الثاني «العدل»، مدبولي، القاهرة، ١٩٨٨م.
٩  تحتوي على أربع عشرة مادة تجمع بين الحقوق الفردية والحقوق الجماعية. فالحقوق الفردية مثل المساواة بين البشر في الحقوق دون تمييز جنسي أو عرقي، حق الحياة، حق الأم والطفل والمرأة والشيخ والمريض والعاجز، حق العمل والتعليم والضمان الاجتماعي، حق المساهمة في التخطيط دون استغلال لأحد، حق الملكية الفردية غير الضارة، حرية الرأي والتعبير. عدم الإضرار بالغير والحقوق الجماعية مثل مساواة جميع الأمم على أسس ديموقراطية، إلغاء الحروب، فض المنازعات سلميًّا، حق الدفاع عن النفس، مكافحة الظلم، المصدر السابق، ص٨ حتى ص١١٢–١١٩.
١٠  شملت حقوق الأفراد مثل الحرية الطبيعية، المساواة بين البشر دون تمييز جنسي أو عرقي أو سياسي أو اجتماعي، حق الحياة دون استعباد ورِقٍّ أو تعذيب، المساواة في الشخصية القانونية، الحق في اللجوء للقضاء، عدم جواز القبض التحكمي، حق الدفاع عن النفس أمام القضاء، البراءة قبل الاتهام، حق الحياة الشخصية دون التلصص عليها، حرية التنقل، حق الهجرة في حالة الاضطهاد وحق الجنسية وعدم الحرمان منها، حق تكوين الأسرة، حق الملكية، حرية التفكير والاعتقاد، حرية الرأي والتعبير، حرية الاجتماع، حق الانتخاب وتولية الوظائف، حق الضمان الاجتماعي، حق العمل، حق الراحة، حق الرعاية الصحية، حق الأمومة والطفولة، حق التعليم، حق الثقافة، موازاة الحقوق والواجبات. الواجب تجاه المجتمع والقوانين والمواثيق الدولية. وتنطبق هذه الحقوق على الأحرار وسكان المستعمرات أو التي تحت الوصاية أو التي لم تتمتع بعد بالحكم الذاتي. وقد أضيف إلى هذه المواد حق الشكوى وحق الأقليات، وحق الإذاعة والنشر. وأدخلت بعض التعديلات التي تتعلق بحق الشعوب في تقرير المصير. المصدر السابق، ص١٢٩–١٤٦.
١١  لذلك هرب المسعري إلى لندن، وهو رئيس الرابطة السعودية للدفاع عن حقوق الإنسان الشرعية.
١٢  من هذه الدراسات: الشيخ مصطفى عاصي: الإسلام وحرية الرأي، دار الثقافة الجديدة، القاهرة، ١٩٨٠م.
• جمال البنا: قضية الحرية في الإسلام، الاتحاد الدولي الإسلامي للعمل، القاهرة، جنيف (د.ت).
• جمال البنا: حرية الاعتقاد في الإسلام، القاهرة (د.ت).
• الصادق المهدي: الاعتدال والتطرف وحقوق الإنسان في الإسلام. دائرة الإعلام الخارجي لحزب الأمة، الخرطوم (د.ت).
١٣  Muslim Council of Europe: Islamic Universal Declaration on Human Rights. Geneva, (S.D).
١٤  الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان، حول حقوق الإنسان، التضامن. القاهرة، ١٩٩٣م.
١٥  وذلك مثل دراسات ونشرات المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، مثل:
• المصادرة، مداولات الملتقى الفكري الرابع للمنظمة ١٦–١٧ يونيو ١٩٩٤م، القاهرة، ١٩٩٥م.
• حالة حقوق الإنسان في مصر، التقرير السنوي لعام ١٩٩٣م، القاهرة، ١٩٩٤م.
• جريمة بلا عقاب، التعذيب في مصر، القاهرة، ١٩٩٣م.
• وجهًا لوجه، رد المنظمة المصرية لحقوق الإنسان على تقرير الحكومة للأمم المتحدة، القاهرة، ١٩٩٣م.
• دفاعًا عن حقوق الإنسان، القاهرة، ١٩٩٣م.
وكذلك دراسات ونشرات مركز المساعدة القانونية لحقوق الإنسان مثل:
• د. هيثم مناع، الضحية والجلاد، القاهرة، ١٩٩٥م.
• حرية الصحافة من منظور حقوق الإنسان، القاهرة، ١٩٩٥م.
• الاعتقال وقانون الطوارئ، القاهرة، ١٩٩٥م.
• الأحزاب الحق المشروع … المحظور، القاهرة، (د.ت).
• حقوق المرأة العاملة، القاهرة، (د.ت).
• حرية الرأي والعقيدة، قيود وإشكاليات، القاهرة، ١٩٩٤م.
١٦  حقوق الناس، الأعداد التجريبية الخمسة الأولى، ١٩٩٤م.
١٧  هناك عدة محاولات لهذا الحفر الثقافي في الوعي التاريخي العربي مثل:
• د. هيثم مناع: المواطنة في التاريخ العربي الإسلامي، القاهرة، ١٩٩٥م.
• د. هيثم مناع: حقوق الإنسان في الثقافة العربية الإسلامية، القاهرة، ١٩٩٥م.
• د. منصف المرزوقي: حقوق الإنسان … الرؤيا الجديدة، القاهرة، ١٩٩٦م.
١٨  عبد الكريم الجيلاني: الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل، القاهرة، مكتبة صبيح، (د.ت).
١٩  السيوطي: الأشباه والنظائر، القاهرة، مصطفى الحلبي، (د.ت).
٢٠  ورد لفظ الإنسان في القرآن ٦٥ مرة.
٢١  محمد إقبال: ديوان الأسرار والرموز، ترجمة عبد الوهاب عزام، دار الأنصار، القاهرة، (د.ت).
٢٢  ذكر آدم، بني آدم في القرآن ٢٥ مرة.
• د. فاروق أحمد دسوقي: نظرات في القرآن الكريم حول حقيقة الإنسان، دار الدعوة، القاهرة، ١٩٨٣م.
٢٣  حجة السلطة Argument of Authority.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤