الفصل الثامن عشر

مغامرة توم

بدأت الخالة سالي والعم سيلاس في الأيام التي تلت يلاحظان اختفاء بعض الأغراض من المنزل: الورق، والملاعق، والشموع، وأغراض أخرى رأى توم أنها لازمة لإطلاق سراح جيم، فحاولت أنا وتوم خداعهما بإبدال بعض هذه الأشياء بأخرى وأخذ أشياء أخرى في وقت لاحق.

أيضًا أزعجت خطة توم جيم الذي كان من المفترض أن يكتب قصائد ويرسم شعارًا. المشكلة هي أن جميعنا كنا نجهل كيفية القيام بذلك، لكن توم أحسن اختلاق الشعار لجيم، غير أنه مرت ثلاثة أسابيع، وشعرت أن إطلاق سراح جيم يستغرق وقتًا طويلًا.

عندما أصبحنا أخيرًا جاهزين لإطلاق سراح جيم تعين علينا أن نكتب خطابًا تحذيريًّا للخالة سالي والعم سيلاس من مجهول غامض. قرأ توم كل شيء عن هذا الأمر في إحدى كتبه، فترك ذات ليلة خطابًا تحذيريًّا يقول: «حذار. ستقع المشكلات عما قريب. انتبهوا. من صديق مجهول.»

وضع توم الخطاب خلسة تحت باب المنزل الأمامي، ثم جلب في الليلة التالية جمجمة وعظمتين متصالبتين ترمزان إلى الموت للباب نفسه، وفي الليلة التي بعدها جلب تابوتًا إلى الباب. كان الأمر برمته مخيفًا جدًّا وشديد الغموض، بث القلق الشديد في نفس الخالة سالي والعم سيلاس. أقل صوت سمع بالخارج جعلهما يقفزان من مكانيهما، وحسب الناس أن الأشباح في كل مكان.

بعدئذ ترك توم خطابًا آخر: «أتمنى أن أصبح صديقًا لكم، وأود أن أحذركم من أن عصابة بائسة تسعى إلى اختطاف اللص الهارب الليلة، وهم يحاولون إلى تلك اللحظة إخافتكم لتمكثوا في المنزل ولا تزعجوهم. أنا فرد من العصابة، لكنني أود أن أعتزلها وأحيا حياة شريفة من جديد.»

ذكر الخطاب أن العصابة ستتسلل إلى المزرعة في منتصف الليل، وأخبر أسرة فيلبس بالكيفية التي تلقي بها القبض على العصابة.

عدت إلى المنزل في اليوم التالي فيما كان توم يعد لعملية الإنقاذ، اجتمع هناك حشد كبير! كان هناك خمسة عشر فلاحًا جميعهم يحملون أسلحة، فشعرت بالخوف. تحدثوا جميعًا بصوت خفيض وبدا عليهم التوتر والارتباك، فركضت مبتعدًا وعثرت على توم عندما ابتعدت، فأخبرته عن هؤلاء الرجال.

فالتمعت عيناه ببريق وقال: «لا! حقًّا؟! أليس هذا رائعًا.»

فقلت له: «أسرع، علينا أن نطلق سراح جيم الآن.»

حللنا القيد الذي قيد ساق جيم، ثم سمعنا رجالًا قادمين، فاختبأنا جميعًا عندما فتحوا باب الكوخ. كان الظلام يخيم على المكان ولم يرنا أحد ونحن نزحف خارجين من الحفرة التي صنعناها. تسللنا إلى الخارج متجهين إلى السور، وكدنا نبتعد لولا أن سروال توم علق بقطعة من الخشب، فسمعنا شخص ما وصاح: «من هناك؟ أجب وإلا أطلقت الرصاص!»

فلم نجب، بل ركضنا بلا توقف. دوى صوت الرصاص ومرق من حولنا بأزيز وسمعنا الرجال يصيحون قائلين: «ها هم، إنهم متجهون نحو النهر! الحقوا بهم يا فتية، وأطلقوا سراح هذه الكلاب!»

بلغنا النهر وعثرنا على المكان الذي خبأت فيه زورقي، فقفزنا إليه وجدفنا لننجو بحياتنا صوب الجزيرة التي خبأت بها الطوف إلى أن ابتعدنا عن هؤلاء الرجال، فلما صعدنا أخيرًا الطوف قلت: «الآن يا جيم أصبحت حرًّا من جديد. أراهن أنك لن تصير عبدًا مجددًا.»

فقال جيم: «كم أدينا عملًا رائعًا يا هاك. صُممت الخطة على نحو رائع. لم يكن بمقدور أحد أن يأتي بخطة أفضل من تلك.»

كنا في قمة السعادة، لكن توم كان أكثر سعادة منا؛ لأن رصاصة أصابته في ساقه، فلم أعد أنا وجيم نشعر الشعور نفسه؛ إذ آلمت الرصاصة توم ألمًا شديدًا وجعلته ينزف بغزارة، فمزقنا أحد قمصان الدوق لصنع ضمادة له، لكنه أراد أن يفعل ذلك بنفسه.

قال توم وهو ما زال يشعر بالحماسة لفرارنا: «فعلنا هذا ببراعة، أليس كذلك؟»

أدركت أنا وجيم أن توم بحاجة إلى طبيب، لكن توم لم يرد هذا؛ إذ لم يحدث هذا في أي من كتب المغامرات الخاصة به، إلا أنه وافق في آخر الأمر أن يتركني أذهب لإحضار الطبيب، فهو لم يملك خيارًا إلا هذا، لكنني جعلته يعتقد أنه قراره، وجعلني أقسم بأن أعصب عيني الطبيب لئلا يعرف مكان مخبئنا، فقلت له إنني سأفعل هذا وسيختبئ جيم إلى أن يغادر الطبيب.

كان الطبيب الذي عثرت عليه رجلًا مسنًّا يبدو طيبًا للغاية. أخبرته بأن أخي قد أصيب في حادثة صيد وأننا نريده أن يساعدنا دون إخبار أسرتنا.

فسأل: «من أهلك؟»

فأجبت: «آل فيلبس.»

فقال: «آه.» ثم قال بعد برهة: «كيف أصيب؟»

– «راوده حلم وكاد أن يتسبب في مقتله.»

فقال الطبيب: «يا له من حلم!»

لما رأى زورقي، قال إنه لن يتسع لكلينا، وطلب مني المكوث في مكتبه إلى أن يعود، فلم يكن لدي الوقت لأجادله، أخبرته بمكان الجزيرة التي يوجد عليها توم، فذهب إليها.

لم يمض وقت طويل قبل أن يغشيني النعاس في هذا المكتب، فلما استيقظت كانت الشمس قد طلعت، فقصدت منزل الطبيب، لكن ساكنيه أخبروني بأن الطبيب لم يعد بعد. اعتقدت أن تلك الأنباء تبدو سيئة لتوم، وأردت أن أعود أدراجي إلى الجزيرة على الفور، فغادرت منزل الطبيب، لكنني بعد أن جاوزت أصعب المراحل اصطدمت بالعم سيلاس!

قال لي: «توم، أين كنت طيلة هذا الوقت أيها الوغد؟»

فقلت له: «لم أغب قط. كنت أبحث عن العبد الفار أنا وسيد.»

فقال: «حسنًا. وأين ذهبتما بحق السماء؟ خالتكما شعرت بقلق بالغ حيالكما.»

– «كنا بخير. لقد تبعنا الرجال والكلاب وركبنا قاربًا في الماء وضللنا الطريق قليلًا ثم نمنا هناك حتى وقت قريب. وسيد في مكتب البريد. كنا بصدد العودة إلى منزلنا.»

فأتى العم سيلاس معي إلى مكتب البريد لنحضر سيد، لكنه لم يكن هناك بالطبع، فقال العم سيلاس إن علينا أن نتجه إلى المنزل فورًا، والتقط خطابًا مرسل إليه ثم غادر.

لما عدنا إلى المنزل سعدت الخالة سالي بشدة لرؤيتي وضحكت وبكت واحتضنتني، إلا أنها كانت أيضًا تشعر بغضب شديد، وقالت إنها ستغضب أيضًا من سيد ما إن يعود إلى المنزل.

امتلأ المنزل بالمزارعين وأسرهم. تحدث الجميع بحماسة عن الليلة السابقة والخطابات والرسم الغامض. كنت أعلم أنني وتوم نقف وراء كل هذا، لكنني لزمت الصمت.

لم يعد توم إلى المنزل على الإطلاق هذا اليوم، فقصد العم سيلاس مركز البلدة عدة مرات للبحث عنه ثم حل المساء ومعه بات العم سيلاس والخالة سالي يشعران بقلق بالغ. سهرت الخالة سالي طوال الليل تنتظر توم، وخرج العم سيلاس مجددًا للبحث عنه قبل الإفطار، لكنه لم يجد أثرًا له، فلما عاد تذكر الخطاب الذي التقطه في اليوم السابق، وأعطاه للخالة سالي التي قالت: «عجبًا! إنه من سانت بيترسبرج؛ من أختي!»

لكنها قبل أن تفتحه أوقعته وركضت نحو الباب، إذ لمحت شيئًا بالخارج، رأيته أنا أيضًا. كان هذا توم سوير ممددًا على مرتبة، مع الطبيب العجوز وجيم الذي قيدت يديه خلف ظهره ومن خلفهم الكثيرون يسيرون في إثرهم.

بدأت الخالة سالي في البكاء واحتضنت توم. كان يشعر بتعب شديد، ولم ينبس بكلمة، لكن الخالة سالي والعم سيلاس سعدا بشدة عندما وجداه حيًّا. صعد بعض من هؤلاء القوم بتوم إلى الطابق العلوي، فيما تبعت أنا الحشد الذي ابتعد مع جيم. حسبوا أنه المسئول عن كل المشكلات التي وقعت الليلة الماضية وغضبوا منه غضبًا شديدًا، لكنه لزم الصمت وتظاهر بأنه لا يعرفني، وصحبوه إلى الكوخ نفسه كما فعلوا من قبل، إلا أنهم في هذه المرة قيدوه بالكثير من القيود ووضعوا حراسًا خارج الكوخ، وعاملوه بقسوة شديدة إلى أن طلب منهم الطبيب أن يحسنوا معاملته.

قال الطبيب: «عندما عثرت على الصبي استطعت معالجة جرحه بسهولة، لكنه لم يكن في حالة تسمح لي بأن أتركه وأطلب المساعدة. تدهورت حالته أكثر فأكثر وهذى بشتى الحماقات، فقلت إن علي أن أطلب له المساعدة، وما إن قلت هذا حتى خرج هذا العبد من حيث اختبأ وقال إنه سيساعدني، وقد فعل، وأحسن مساعدتي إلى حد بعيد؛ ساعدني على الاعتناء بالصبي إلى أن رأينا بعض الرجال يمرون بنا في قارب بالنهر، فتركهم يكبلون يديه ولم يثر المشاكل ونحن عائدون به مع الصبي إلى المنزل. إنه ليس رجلًا سيئًا أيها السادة.»

فألان هذا قلوب الكثيرين له. كنت ممتنًّا لهذا الطبيب العجوز لأنه أسدى إلى جيم معروفًا طيبًا، واتفق الرجال على أن جيم قد أحسن صنعًا ونزعوا عنه الكثير من قيوده.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤