تحيَّة البطل

(عودة سعد زغلول بعد غياب عامين لم يشهد فيهما الحركة المصرية.)

قد نفضوا عنهم غبار القرون!
فانظر! أما تعرفهم يا ظعين؟
كيف وقد ضحيت من أجلهم
— أو كدت — بالنفس التي لا تهون؟
همو بنو مصر التي لم تزل
تُخلف من كل الخصوم الظنون
سائل بهم قلبك ماذا الذي
قواه في يوم الخطار المبين؟
قمت فكانوا رجلًا واحدًا
خلفك حتى ذهل المنكرون
آتوك نصرًا لم يزل سيله
يقتلع الأسداد أنى يبين
لا الحرب يبغون بآثامها
ومجدها المغري الورى بالجنون
لكنما يبغون أن يصدعوا
قيودهم عنهم برفق ولين
ويخلعوا النير بأيدٍ لها
من قوة الله معين مكين
ويبتغوا في أرضهم معبدًا
للحق والرحمة للعالمين

•••

السلم لا الحرب هنا أرضها
والحق والحب الوريف الغصون
وللذي صورنا وحده
نطامن الرأس ونرخي الجفون
ما بيننا مَن لم تنرْ قلبه
حرارة الحب ونور اليقين
ما بيننا مَن لم يرد سمعه
وعد السماوات التي لا تمين
فينا كسير القلب وا حسرتا
الكاسف البال وفينا الغبين
ومن عدت حرقة أحشائه
أنداء عطف النفر الناعمين
ومن أغامت ذهنه شقوة
فهابه نجم يضيء الدجون
لكنما ما بيننا يائس
من قومه واليأس صنو المنون

•••

يا سعد ما زلت برغم السنين
أصلب عودًا من فتيٍّ متين
لا بل برغم العنت المنتحي
كل عظيم مالئ للعيون
عقدت أخراك بأولاتها
ولم يكن وعد الصبا بالمخون
وفي الورى بعران سوء ترى
هديرهم يطويه حشو البطون
لكنك النجد الذي لم يزل
يغني لدى الجلى غناء المئين
ثبت فما يطفئ من بأسه
طغوة عات أوجدى مفضلين
ذو نخوة ما إن يني همه
حرية الشعب المهيض المهين
ما أبهر النفس التي لا تلين
لطول غمز الدهر أو تستكين!
وكلما زج بها في الأتون
عادت كأنْ لم تك شيبت بطين
تمضي إلى غايتها في سكون
كأنها بعض القضاء المحين
كأنما الأمر لها في الشئون
والدهر في طاعتها مستلين
فالحادث الأكبر إما جرى
فما سوى تدبيرها يستبين
والدهر في قصته حاذق
يملي ولا يبدو مع اللاعبين

•••

ما زال موج العيش يرغي على
سواحل الآباد ذات الحزون
والظل كالعهد به يرتمي
على زواليَّة رمل القرون
والركب ماضٍ لا يواني الخطى
إلا ليستلحق مستوطنين
كلٌّ كما كان، سوى أننا
حلنا فما يعرفنا الأقربون
وحق تغيير لذي غلة
يحاول الحوض الذي يمنعون
يا سعد فانظر كيف لمع العيون
ولو بها حولك أنى تكون!
هن مرايا أنفس أصبحت
معقودة بالعيش صافي المعين
هل صيحة تسمعها خلتها
تندُّ عنَّا معشر المهملين؟
هل كنت قدري أننا هكذا
تالله ما أخطأ فينا يقين؟
والمرء قد يزهى بآماله
من قبل أن يبلغها أو تحين
من ذا له جد كأجدادنا
ذكرهمو في الأرض طود ركين؟
من الذي يؤمن إيماننا
بالحق في عالم هذا الفتون؟
ومن سوى قومك قد أقسموا
أن ينصر العدل ولو بعد حين؟
وأن يروا أرضهمو حرة
كالريح لا يحرم منها قطين؟
وساحة للسلم لا للوغى
يكر فيها كل عقل رصين؟
فإن ننلها فلنا فخرها
أو — لا — فلا نحسب في الجامدين
فما لنا لا تزدهينا المنى
بقدر ما نحيا لها عاملين؟

•••

أما لنا بوق نحيي به
من أخلص المسعاة للقاعدين؟
أما سوى الشكر لدينا له
وهل يفي الشكر بدين المدين؟
حتى ولا أسلاب شعب أمين
عاد وما يسطيع غير الأنين؟
ألم يعد في الأرض شعب له
ما يغصب الضاري الألد المرون؟
وهذه الدنيا مراح لمن
تراه فيها بالورى يستهين
عذرًا إذنْ فالأرض قد أقفرت
من كل ما قد تستبيح اليمين
وحسبه اليوم على كرهنا
أنا لمسعاه من الشاكرين
وإننا نلقاه في عوده
بروح مجد السلف الأقدمين
شارفتمو الفصل فما ترتَئون؟
وما ترى آثرتمو للبنين؟
ناشدتكم ما أنذر المشفقون
وما احتملتم في طوال السنين
وبالمنى أضواؤها يرتمين
على دياجير الزمان الدفين
لنختر العز بلا كدرة
فيه فبعض العز هون دهين
أو لا فإن الفوز للصابرين
ووقفة الدهر رجاء شطون!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤