مقدمة

بقلم  أحمد أمين
٢٣ نوفمبر سنة ١٩٥١

بسم الله الرحمن الرحيم

في حوالي سنة ١٩٣٨م لفت نظري وأنا أقرأ الأغاني في ترجمة حنين بن إسحاق كلمة عن الفتوة، فهمت منها أن لها نظامًا خاصًّا، وأن للفتيان في كل بلد مكانًا يجتمعون فيه ويسأل عنهم الغريب ويقصدهم، فتتبعت في الأغاني وغيره الحديث عنها. ثم رجع ذهني إلى الجاهلية، فتصفحت بعض كتب الأدب، وخصوصًا ديوان الحماسة والمفضليات، وكيف استعملوا كلمة فتوة استعمالات مختلفة. ثم رأيت أن الصوفيين وضعوا في أشهر كتبهم بابًا للفتوة أبانوا فيه معناها. ثم كان أن قرأت رحلة ابن بطوطة فرأيته أثناء رحلته في البلاد التركية يشيد بذكر الفتوة فيها ويبين إكرامهم للضيوف ومعاملتهم بعضهم لبعض، ثم عرضت لكلمة الفتوة في العصر الحديث.

كل هذا دعاني إلى أن أبحث في الفتوة وأتتبع معانيها في العصور المختلفة من العصر الجاهلي إلى اليوم؛ فكتبت في هذا الموضوع بعض ما حضرني، وألقيت إذ ذاك محاضرة في دار الجمعية الجغرافية، ونشرتها عقب ذلك كلية الآداب في مجلتها بمجلدها السادس الصادر في مايو سنة ١٩٤٢م، وأخيرًا اتجهت إلى أن أزيد فيها بعض ما عثرت عليه وأضمنها رسالة صغيرة هي هذه التي أقدمها للقراء.

ثم كان وأنا أبحث هذه الفتوة أن رأيت علاقة كبيرة — ولو علاقة تناقض — بين الفتوة والصعلكة؛ فكلاهما يؤدي معنى إنسانيًّا، وإن كان «الفتيان» تدل على أولاد الذوات و«الصعاليك» تدل على أولاد الفقراء.

وقد لفت نظري يومًا ما ديوان سيد الصعاليك عروة بن الورد، فقرأته وأعجبت منه بالصعاليك على العموم، حتى كتبت مقالًا في مجلة الثقافة عن عروة بن الوارد هذا والصعاليك قبل سنة ١٩٤٤م. ثم قرأت رسالة قيمة لطالب من طلبتي عن الصعاليك في العصر الجاهلي أعدها يوسف عبد القادر خليف أفندي في الصعاليك عند الجاهلية، فأعجبتني وأعجبني موضوعها فقرأتها واستفدت منها. وتتبعت موضوع الصعاليك في الإسلام وهداني التفكير إلى أن حلف الفضول كان نتيجة لهؤلاء الصعاليك، ولولاهم لم يكن ما أبنت في الكتاب.

وعللت كيف وقفت الصعلقة في صدر الإسلام وأسباب وقوفها، وكيف ظهرت في العصر العباسي على شكل آخر إلى اليوم أيضًا، فكان من البحث في الفتوة والصعلكة هذه الرسالة، فأشكر كل من كتب في هذين الموضوعين ووصلت إلى أبحاثهم واستفدت من مجهودهم والله المعين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤