الفصل الرابع والعشرون

خاتمٌ يحُل مشكلةً خطيرة

قال آثوس: «سادتي، لنا الآن ساعةٌ كاملةٌ داخل القلعة؛ لذا فقد كسَبنا الرهان، ولكننا لا نستطيع المغادرة حتى يُخبرَنا دارتانيان بفكرته.»

قال دارتانيان: «فكرتي، أن نذهب إلى إنجلترا ونُحذِّر بكنجهام. كنتُ هناك ذات مرة، فأثنى عليَّ هذا الدوق كثيرًا عن دوري في ماساتِ الملكة.»

قال آثوس: «لا، لا يمكنك أن تفعل هذا، يا دارتانيان! فعندما ذهبتَ إلى إنجلترا، قبل اليوم، لم نكن في حربٍ معها. أما الآن، فنحن في حربٍ معها، وبكنجهام عدوُّنا، وزيارتك إياه تُعَدُّ خيانةً عُظْمى!»

لم يمضِ وقتٌ طويلٌ حتى قطع حديثَهم صَفَّارةُ الإنذار العام بالخطر، في المدينة.

قال آثوس: «يبدو أنهم في طريقهم لإرسال فرقةٍ كاملةٍ لقتالنا. فليأتوا إذن، فسوف تَستغرِق مسيرتُهم ربع الساعة من المدينة إلى هنا، وفي هذا الوقت، نكون بالتأكيد قد فكَّرنا في خطةٍ ما؛ فإن غادرنا هذا المكان، فلن نجد مكانًا آخر مناسبًا. آه! انتظروا لحظةً؛ فلديَّ فكرة.»

نادى آثوس خادمه جريمو، وأشار أولًا، إلى جثث الجنود القتلى في القلعة، ثم إلى الحوائط، وأخيرًا إلى قُبَّعاتهم وبنادقهم، فصاح دارتانيان: «يا لكَ من رجلٍ عظيمٍ! لقد فهمتُ الآن.»

قال بورثوس: «أحقًّا؟»

قال أراميس: «هل فهمتَ، يا جريمو؟»

وكان جريمو منهمكًا في العمل.

قال آثوس: «والآن، هيا لنُنفِّذ الفكرة. هذه المخلوقة، هذه المرأة الشريرة التي تُدْعى ميلادي، أليس لها أخو زوج، يا دارتانيان؟»

«بلى، وأعرفه جيدًا، كما أعرف أيضًا أن علاقتَه بأرملة أخيه ليسَت كما يجب.»

عقَّبَ آثوس بقوله: «إن كان يمقُتها، فهذا أفضل.»

قال بورثوس: «رغم ذلك، أريد أن أعرف ما يفعله جريمو.»

قال أراميس: «اسمع، يا بورثوس!»

قال آثوس: «ما اسم شقيق زوجها هذا؟»

«لورد وينتر.»

«وأين هو الآن؟»

«لقد عاد إلى إنجلترا عند أول إشارةٍ للحرب.»

«حسَن، فلنُحذِّره، ونُخبِره بزيارتها وهدفها. ويقينًا، سيجد لها مكانًا يمكن أن يسجُنَها فيه، وعندئذٍ نحظى بالأمان.»

قال بورثوس: «رغم عدم قدرتنا على ترك المُعسكَر للذهاب إلى إنجلترا، فبوسع رجالنا أن يفعلوا.»

قال أراميس: «بالطبع يستطيعون. فلنكتُب خطابًا، ونزوِّد رسولنا بالمال الكافي، وبوسعه أن يرحل اليوم.»

قال آثوس: «مال! هل معكم أيُّ مالٍ؟»

نظر كل واحدٍ من الأربعة إلى الآخر بوجهٍ مُكفهِر، وهو يعلم أنهم هم الأربعة جميعًا، لا يمكنهم تدبيرُ المال الكافي لتلك الرحلة.

قال دارتانيان وهو يقفز منتصبًا على قدمَيه: «احترسوا! لقد تكلَّمتَ عن فرقةٍ من الجنود، يا آثوس، ولكن ها هو ذا جيشٌ قادم.»

قال آثوس: «أقسم بشَرفي إنك لعلى حَق. هل انتهيتَ من عملك، يا جريمو؟»

أشار جريمو إلى الاثنتَي عشرةَ جثةً التي صفها على الحائط؛ بعضها يحمل بنادق، وبعضٌ آخر يبدو وكأنه يصوِّبها، ويمسك الباقون السيوفَ في أيديهم.

صاح آثوس: «مرحى! مرحى! هذا عملٌ عظيمٌ يشرِّفك، يا جريمو!»

قال بورثوس: «هذا رائع، ولكني أُحب أن أفهم!»

«فلننصرِف من هنا الآن، وستفهم فيما بعدُ.»

كان جريمو قد انصرف بسلَّة الإفطار، ثم خرج في إِثْره الأصدقاء الأربعة، إلا أنهم بمجرد أن غادروا القلعة حتى توقَّف آثوس.

سأله أراميس: «هل نسيت شيئًا؟»

«العَلَم! يجب ألا نترك العَلَم في أيدي العدو، حتى ولو كان مجرَّد فوطةِ مائدة!»

قال هذا، وجرى عائدًا إلى القلعة، فتسلق إلى القمة، وأنزل فوطة المائدة. وفي تلك الآونة، كان العدو على مَرمَى البنادق، فلمَّا أبصر رجلًا يُعرِّض نفسه لهم بغباء، أطلَق النارَ عليه.

لم يُصَب آثوس، وكأنه يحمل تعويذةً سحرية. ومع ذلك، فقد اخترقَت ثلاث طلقاتٍ الفوطة، وجعلَت منها عَلمًا حقيقيًّا!

نزل آثوس، وانضَم إلى أصدقائه الذين كانوا ينتظرونه بهدوء، وأداروا ظهورهم إلى القلعة، متجهين نحو المُعسكَر بخطًى وئيدة.

بعد ذلك بلحظة، سمعوا أصوات طلقاتٍ سريعةٍ متلاحقة.

صاح بورثوس: «ما هذا؟ على أي شيءٍ يُطلِقون قذائفهم الآن؟ ما من قذائفَ تنفذ إلى هذه الناحية، ولا يمكنني أن أرى أحدًا.»

«إنهم يطلقون القذائف على الجثث التي في القلعة.»

«ولكن الموتى لا يمكنُهم الردُّ على نيرانهم!»

«بالطبع لا. ولكن في الوقت الذي يَكتشِف فيه الجيش الحيلة، نكون نحن في أمانٍ بعيدًا عن مدى نيرانهم؛ ولهذا السبب، لسنا بحاجةٍ إلى الجري لكيلا نُصابَ بالبرد.»

صاح بورثوس بدهشة: «ربَّاه! الآن فهمت!»

قال آثوس وهو يهزُّ رأسه ببطء: «أخيرًا!»

إلا أن القذائف سرعان ما أُطلقَت على المغامرين الأربعة؛ فقد استولى العدو على القلعة.

قال آثوس: «أُقسِم بشَرفي، إنهم جنودٌ مساكين! لستُ أدري كم قتلنا منهم، ربما اثني عشر.»

«أو خمسة عشر.»

«وكم سحَقْنا تحت الجدار؟»

«ثمانيةً أو عشرة.»

«وفي مقابل ذلك، لم نُصَب بخَدْش، ولكن ماذا أصاب يدَك، يا دارتانيان؟ يبدو أنها تنزف.»

قال دارتانيان: «إنه لا شيء، انحشرَت أصابعي بين حجرَين فقُطعَ الجلد. هذا هو كل ما حدث.»

عقَّبَ آثوس قائلًا: «هذا نتيجة لبس الماس، يا صديقي الصغير.»

صاح بورثوس: «أيُوجد هذا الماس ونشغل أنفسنا بموضوع المال؟»

قال آثوس: «هذا تفكيرٌ صائبٌ، يا بورثوس! في هذه المرة لك فِكرٌ يُعتَدُّ به!»

قال بورثوس مبتهجًا لسماع إطراء آثوس عليه: «طبعًا، طالما تُوجَد ماسةٌ، فلنَبِعها.»

قال دارتانيان: «ولكنها الماسة التي أعطَتْنيها الملِكة!»

قال آثوس: «هذا سببٌ أقوى لبيعها. ألن نُنقِذ بها صديق الملكة، دوق بكنجهام؟ ما رأيك يا أراميس، وقد أعطى بورثوس رأيه؟»

قال أراميس، في صوتٍ خفيضٍ رقيق: «حيث إن هذا الخاتم لم يُعطَ كدليلٍ للصداقة، بل مكافأة على خدماتٍ جليلٍ، فلا أرى مانعًا من بيعه.»

قال آثوس: «أنت تتكلَّم كواعظ المستقبل، يا عزيزي أراميس. نصيحتك …؟»

قاطعه أراميس قائلًا: «بيعوا الماسة.»

قال دارتانيان: «إذن، فلنَبِع الماسة.»

قال آثوس: «نحن الآن على مشارف المُعسكَر، يا سادة، فلا تتفوَّهوا بكلمةٍ واحدةٍ في هذا الموضوع.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤