الفصل التاسع

النقائص التي يجب اجتنابها

س: ماذا ترى في الرجل السكِّير؟

ج: أرى أني أمقته؛ لأنه يعمل على تسميم نفسه، وسوء مصيره، وهو يجهل ماذا يعمل.

وأرى أنه مسيء إِلى نفسه، جانٍ عليها؛ لأنه يطرح عنها رداء الشرف.

وأراه جانيًا على أسرته؛ لأنه يحرمها من ضروريات القوت ليرضي شهواته.

س: ماذا ترى في الرجل الذي يملك الغضب عِنانه؟

ج: إني أرى الرجل الذي لا يملك أمر نفسه ويكبح جماح غضبه، يتعرض لركوب الزلل، حتى إِذا ثاب إِلى رشده حل منه الندم محل الغضب.

س: ماذا ترى في الرجل الذي يضرب زوجته؟

ج: أرى أنه يفعل فعل الجبان؛ لأنه يهاجم من هو أضعف منه حولًا.

إِن عمله ممقوت؛ لأنه يقصر في واجب الاحترام لرفيقة حياته، وأم أولاده.

س: ماذا ترى في الرجل الذي لا يحسن معاملة أولاده؟

ج: أرى أنه يقصِّر في واجب الإِصلاح، وينزع من نفوس أولاده احترامهم لذاته وميلهم إِليه، ويغرس فيها مكان ذلك خوفهم منه، فإِذا أطاعوه: أطاعوه رهبةً لا رغبة.

س: ماذا ترى في السائق الذي لا يرفق بخيوله؟

ج: أرى أنه يفعل فعل الجبان؛ لأنه يضرب حيوانًا لا يملك أمر الدفاع عن نفسه، وأرى أنه فوق ذلك يبالغ في نكران الجميل؛ لأنه يتناسى الأعمال الجليلة التي تقوم بها خيوله في كل يوم: إِن الذي يكون فظًّا غليظ القلب مع الحيوانات لا يبعد أن يكون كذلك مع الناس.

س: ماذا تصنع إِذا نزلت برأسك فكرة البغض أو زار صدرك ضيف الحقد؟

ج: أجلس إلى نفسي وأناديها أيتها النفس، إن الناس قد خُلقوا إخوانًا فيجب عليهم أن يتحابوا. وأقول لها: إِن لك من الذنوب ما تحتاجين معه إِلى طلب الصفح عنه، فيجب عليك أن تتعودي الصفح عن غيرك.

فلتخط السيئات على الرمال، ولتنقش الحسنات على الصخور.

س: كيف يكون المرء متسامحًا؟

ج: يكون متسامحًا إِذا تحمل في الجدال غضاضة المعارضة، وخصوصًا إِذا كان محور الجدال يدور على السياسة والدين.

فإِنا ننشد١ الحرية لأنفسنا، فلماذا لا نترك لغيرنا حق التمتع بها؟
س: ماذا تصنع إِذا خطر بك خاطر الغيرة أو الحسد؟

ج: أقول بيني وبين نفسي: إن الغيرة أو الحسد خلقان ذميمان يصدران عن حب الأثرة وغلظ القلب.

على أني كلما أحسست بنزوة من نزوات الحسد تلفت حولي، وقلت لنفسي: إِني أراني بحمد الله في حالة يتمناها الكثير.

س: كيف يكون المرء محبًّا لذاته (أو صاحب أثرة)؟

ج: إِن المحبَّ لذاته هو الذي لا تتأثر نفسه ولا تتحرك عواطفه لمصاب غيره، فتراه يبالغ في العزلة والهروب من المجتمعات النبيلة المقصد كجمعيات التعاون والجمعيات الخيرية.

س: متى يكون المرء ناكرًا للجميل كافرًا بالنعمة؟

ج: يكون المرء ناكرًا للجميل إِذا نسي أو تناسى مصادر المعروف.

ويكون الطفل ناكرًا للجميل إِذا سخر لسوء سلوكه من عناية أقاربه ونصائح معلميه. فناكر الجميل على كل حال هو ذلك الذي لا يقابل الإحسان بمثله، فما عسى أن تسمي من يقابل الإِحسان بالسيئة؟

س: ماذا ترى في الكذب؟

ج: أرى أنه رأس النقائص التي يجب أن نفر منها. من كذب فقد غش. من كذب فقد جبن. من كذب فقد انتقص كرامة النفس البشرية.

س: ماذا تصنع إِذا اتفق لك أنك كذبت مرة؟
ج: إِذا اتفق لي ذلك أبادر إِلى لقاء من غششته بالكذب، وأنفض إِليه جملة الأمر على حقيقتها مهما كانت المغبة.٢
س: ماذا ترى في النفاق؟

ج: أرى أنه أقبح ضروب الكذب؛ لأن المنافق المداجي يبلغ من الكيد للناس ما لا يبلغه الكذوب، ويخفي خلف ستار الفضيلة ما يخفي من سوء المقصد حتى ينخدع به من يحدثه.

س: متى يكون المرء جبانًا؟

ج: يكون المرء جبانًا إِذا هاجم من هو أضعف منه حولًا، وتقهقر أمام الأخطار عند تأدية الواجب، وفر من المسئولية وصاح به صائح الرغبة أو الرهبة، فتخون من كان له مؤتمنًا.

س: متى يكون المرء متكبرًا؟

ج: يكون المرء متكبرًا إِذا بالغ في تقدير قيمة نفسه، وثروته، ومركزه، فرأى في نفسه ما لا يراه غيره فيها حتى يسوقه ذلك إلى احتقار الناس … فالمتكبرون ينسون أن الفضيلة وحدها هي التي تقوم بأقدار الرجال، ويجهلون أن التواضع أحد أركان الفضيلة.

س: ماذا ترى في الطمع؟
ج: أرى أن الطمع خلة٣ محمودة إِذا رمى به صاحبه إِلى غاية حميدة من تكميله نفسه أو تحسين حاله، ولكنه يخرج بصاحبه عن دائرة الحمد إِذا نزع به إِلى طلاب ما يصعب تحققه، فساقه ذلك إِلى استعمال الوسائط المذمومة التي يزعم أنها تقف به على نيل مآربه.
س: ماذا ترى في الرجل البخيل؟

ج: أرى أنه يحرم نفسه ليجمع مالًا لا ينتفع به فهو إذن تعس وأحمق، فإِن الذي يجمع المال ولا ينفقه في وجوه البر خليق أن يكون محبًّا لذاته جانيًا على نفسه، فلا قيمة للمال المحبوس.

س: ماذا ترى في العامل الذي لا يبالي الذمة في عمله؟

ج: أرى أنه ينتقص الأمانة والشرف، فإِن من أخذ على نفسه القيام بعمل ما، لأجر ما، كان خليقًا أن يكون مطالبًا بإِتقان ذلك العمل كما لو كان يعمل لنفسه.

س: ماذا ترى في رب المصنع الذي لا يؤجر عماله حق الأجر؟
ج: أرى أنه يعق الشرف والاستقامة؛ لأن من أتقن عمله كان خليقًا أن يوفى قسطه٤ من الأجر.
س: ماذا ترى في التاجر يغش عماله؟

ج: أرى أنه يرتكب سرقة؛ لأنهم يخلصون له في العمل، ولا يخلص لهم في الأجر.

س: ماذا ترى فيمن يسرق المكوس؟٥

ج: أرى أنه يسرق المجتمع البشري، وعندي أن سارق الجماعة شر من سارق الفرد.

س: ماذا ترى في الرجل الذي لا يفي بوعده؟

ج: أرى أنه يعق الشرف وينصر الجبن، فكلمة الحر دين.

س: ماذا ترى فيمن ينتقد كل شيء ويعترض على كل شيء؟

ج: أرى أنه في ضلال، فإِن من الأعمال البشرية ما هو محمود ونافع، فلطالما كان رقيق الشعور قليل الراحة، فإِنك لا تكاد تجد ما يرضيه.

س: ماذا ترى فيمن لا يرى السرور في شيء من الأشياء؟

ج: إِني أرى في نفسه حزنًا كامنًا، وسبيله في ذلك أن ينظر الشيء من وجهه السار، ويغض طرفه عن الوجه الآخر.

١  نطلب.
٢  العاقبة.
٣  الخلة: الخصلة.
٤  يعطي حقه.
٥  يمتنع عن دفع الضرائب والحقوق العامة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤