الأوديسة

من تحليل الأوديسة نجد أنها تتشابه مع الإلياذة في الوحدة إذا استثنَينا آخر الأنشودة الثالة والعشرين والأنشودة الرابعة والعشرين كلها. غير أن هذا لا يمنعنا من أن نقول إن هناك قِطعًا كبيرة قد أُضيفَت إلى الأوديسة؛ لأنها في الواقع تختلف عن باقي الأوديسة. وهذه نقطة الاختلاف؛ ذلك أن القِطَع المضافة إلى الأوديسة أكثرُ منها في الإلياذة، ومن الثابت أنها أُضيفَت إلى الأوديسة في زمنٍ متأخر، وبتأليف من بعض الشعراء المتوسطين الذين لا يملكون موهبة الشاعر الأصلي. وهكذا اختلط الأدب المتوسِّط بالأدب الرفيع الذي بالأوديسة في عدة مواضعَ مختلفة.

تبدأ الأوديسة بأربعة أناشيد تعوَّد النقاد تسميتها بالأناشيد التيليماخية؛ لأن البطل الذي يَرِد اسمه في معظمها هو تيليماخوس بن أوديسيوس. وهذا موضوعٌ أساسي في القصة لا يمكن للشاعر أن يُغفِله أو يُهمِله؛ لأن موضوع القصة مكوَّن من فكرتَين مرتبطتَين سويًّا هما فكرة عودة أوديسيوس إلى وطنه وتعرُّف أفراد أُسرته عليه، والثانية هي فكرة الانتقام من مختلف الأمراء الذين حالوا في أثناء غيابه أن يفصلوا زوجته بينيلوبي عنه؛ إذ إن كلًّا من هؤلاء الأمراء قد حاول الزواج من بينيلوبي، بينما كانت الأخيرة تخدع كل واحدٍ منهم. وقد نجحَت في هذا إلى حدٍّ كبير؛ لأنها كانت لا تزال على إخلاصها الشديد لزوجها الذي غاب عنها سنينَ طويلة، ولأنه كان هناك في فؤادها شيءٌ يقول لها إن زوجها لا شك عائد إليها بعد غيابه الطويل عنها. وهذا لونٌ من القصص المعروف باسم عودة الأبطال. والأوديسة تَسردُ لنا الخطوات التي خطاها البطل أوديسيوس في طريق عودته إلى بلاده؛ ومن ثَمَّ فإنها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بسلسلة الشعر القصصي أو القصص الشعري الذي يدور حول طروادة؛ ذلك لأن هناك سلاسلَ أخرى من أهمها سلسلة القصص الذي يدورُ حول مدينة طيبة عاصمة مقاطعة بيوشيا Beotia بجوار مقاطعة أتيكا. وهذا القصص يدور حول أُسرة حكَمَت في طيبة تُسمَّى «اللبداكيون» Les Labdacedes. ولقد تناول الشعراءُ الدراماتيكيون الأثينيون حُكامَ هذه الأُسرة بالنقد والتحليل في مختلف المسرحيات التي ألَّفوها، ومن أهمهم الملك أوديبوس Oedipus وذلك في القرن الخامس ق.م.، قبل عصر بركليس Pericles وإبَّان عصره وبعد عصره بقليل.
إن وجود شخصية تيليماخوس في الأوديسة ضروري جدًّا؛ لأن في الأوديسة أفكارًا رئيسية ثلاثًا هي:
  • أولًا: عودة أوديسيوس.
  • ثانيًا: تعرُّف أفراد أسرته عليه.
  • ثالثًا: انتقام أوديسيوس من الأمراء الذين تجرءوا على الاقتراب من زوجته إبَّان غيابه.

ولقد حاول الشاعر أن يربط بين هذه الأفكار الرئيسية ربطًا مكينًا حتى خرجَت الأوديسة محكمةً إحكامًا رائعًا لا يمكن لشاعرٍ آخر أن يُجاريَه في هذا المضمار.

يمكن تلخيص هذه الأفكارِ الثلاثِ مرةً أخرى هكذا:
  • الفكرة الأولى: بحث تيليماخوس عن أبيه ورحلته إلى بلادٍ مختلفة لهذا الغرض.
  • الفكرة الثانية: مخاطرات أوديسيوس في أثناءِ رحلته في طريقه إلى بلاده عائدًا بعد انتهاء حرب طروادة، ثم عودته إلى وطنه وتعرُّف أفراد أُسرته عليه.
  • الفكرة الثالثة: هي انتقام هذا البطل من أعدائه الذين نهبوا منزله، وأراد كل واحدٍ منهم أن يتزوَّج من زوجته في أثناء غيابه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤