تحليل الأوديسة

الأنشودة الأولى

حول مجلس الآلهة، فيها يجتمع الآلهة ويعقدون مجلسًا فيما بينهم يُقرِّرون فيه ضرورةَ عودة أوديسيوس إلى أهل عشيرته. وكان أوديسيوس في ذلك الوقت عند كالوبسو ربة البحر محجوزًا في جزيرتها تُرغِمه على عدم مبارحة البلاد؛ لأنها كَلفَت به وأحبَّته حبًّا جمًّا؛ وبناء على هذا القرار تُرسل الآلهة الربة أثينا إلى تيليماخوس غير أنها تخافُ لو ذهبَت كما هي أن يَتعرَّف عليها تيليماخوس؛ ومن ثم تتنكَّر وتذهب في صورة مينتيس Mentes حاكم جزيرة تافوس وتُقابلُه في الجزيرة التي كان أبوه ملكًا عليها وهي إيثاكا، وتتحدَّث معه حديثًا وديًّا للغاية يُظهِر خلاله تيليماخوس ما اتصف به من أدبٍ جم ولطفٍ كثير. كانت هذه المحادثة تصطبغ بحسن الأدب والذوق والتربية العالية من الطرفَين.

استقبل تليماخوس الربة أثينا استقبالًا وديًّا. وأشارت عليه بأن يذهب للبحث عن أبيه، ووضع حدٍّ لعَبثِ هؤلاء الأمراء والزعماء الذين أسرفوا في النهب والسلب والذين تمادَوْا في جسارتهم حتى تقدَّموا بطلب يد أمه بينيلوبي، وبعدئذٍ تطير أثينا كأحد طيور البحر وتختفي.

يستريح تيليماخوس لهذه النصيحة ويتشجَّع ويذهب إلى مجلس الأمراء وكانوا يمدون أمامهم سماطًا عظيمًا عليه كلُّ ما لذَّ وطاب من مأكل ومشرب ويتمتعون بغناء شاعرٍ منشد اسمه فيميوس Phemius؛ عندئذٍ يُوجِّه إليهم تيليماخوس كلامًا شديدًا بلهجة الآمر الناهي صاحب السلطة والسيادة في الجزيرة والقصر؛ لأنه ابن البطل أوديسيوس، فيتَهجَّم عليه شخص اسمه أنتينوس Antinous، ويتعرَّض له ويُنكِر عليه الحق في أن يكون ملكًا على جزيرة إيثاكا، كما يُنكِر عليه أية مقدرة في الاضطلاع بمهام الملك؛ لأنه طفل صغير، ولكن تيليماخوس لا يهتم بهذا الكلام الذي كلُّه قحةٌ وخروج عن الأدب والذوق السليم، ثم ينذرهم إنذارًا فيه سلطةُ شخصٍ يريد أن يُظهِر شخصيته، ومضمون هذا الإنذار ذلك أنه سيُواجههم في اليوم التالي، وسيطلب منهم مطلبًا عادلًا في نظره وذلك أمام المجلس الذي سيعقده الشعب، سيطلب منهم مغادرة قصر أبيه.

إن ذكرى أوديسيوس تملأ هذه الأنشودة من أولها إلى آخرها.

إن الشاعر هنا يتحدث عن أوديسيوس وذكراه ورحلاته، ولكنه لا يذكر اسمه. إن تركيب هذا الغناء بسيط، عبارة عن مجموعة من الصور الفنية الرائعة التي قدَّم الشاعر لنا عنها وصفًا جميلًا للغاية. ولقد أُخذَت هذه الصور في قصرٍ من قصور أحد الملوك الميسينيين الذي قد خيَّم عليه الحزن بسبب غياب الملك عنه.

الأنشودة الثانية

عن مجلس الشعب في جزيرة إيثاكا؛ حيث يجتمع فيتقدَّم إليه تيليماخوس بشكوى ضد هؤلاء الذين يطالبون بالزواج من أمه، فيُجيبه أنتينوس إجابة فيها شيءٌ كبير من الإهانة، ثم يسرد على الحاضرين قصة بينيلوبي وقصة الثوب الذي تَحيكه، وفي ذلك الوقت تدور حول المجلس نسورٌ ظَهرتْ فجأة. وإذ كان بالمجلس عراف فقد فسَّر هذه الأعجوبة بقوله بأنها تنم عن فألٍ حسن، وذلك أن أوديسيوس سيعود إلى وطنه قريبًا، ثم ينفَضُّ المجلس دون الوصول إلى نتيجةٍ معينة، ويخرج تيليماخوس من المجلس متجهًا صوب ساحر البحر، وهو يبكي بكاءً مرًّا؛ لأن هؤلاء الأمراء قد أهانوه وأذلُّوه دون أن يُمكِنه الردُّ عليهم أو يصدهم كما يجب. وبينما هو حزين بهذا الشكل تنزل إليه الربَّة أثينا من عليائها، وتتنكر هذه المرة في زي مينتور Mentor صديق أوديسيوس الحميم. وكان تيليماخوس يعرف عنه أنه من خير أصدقاء أبيه الأوفياء، ومرشد من خير المرشدين، فتُحاول أثينا في هذه المرة أن تُعزِّيَه في حُزنه وتَعِده وعدًا أكيدًا بأنها ستصحبه إلى مدينة بولوس Pylos كما تَعِده أيضًا بأنها ستُعيده إلى إسبرطة. ويُعِد تيليماخوس كل ما سيحتاج إليه من طعام ومؤن لهذه الرحلة الطويلة المضنية دون أن يُطلِع أمه على شيء من هذا. وما إن يتم إعداد السفينة بالقرب من الشاطئ حتى يعتليَها تيليماخوس، وأقبلَت الربة أثينا في زي مينتور تُساعِده في كل هذا.

الأنشودة الثالثة

لقد نُظمَت هذه الأنشودة لتمجيد ذكرى أُسرة حَكَمتْ في مدينة بآسيا الصغرى هي أُسرة نيلياديس Neleiades؛ لذلك تَغلبُ على هذه الأنشودة الصبغة الخاصة بهذه المدينة. يصل تيليماخوس إلى جزيرة بولوس فيستقبله ملكها نسطور استقبالًا حسنًا.
ولنسطور هذا ابن يسمى بيزستراتوس Peisistratus على اسم طاغية أثينا في القرن السادس. ويرى بعض النقاد في ذكر هذا تحريفًا مقصودًا، كما يقولون إن هذه الأنشودة قد أُضيفَت إلى الأوديسة للتودُّد إلى بيزستراتوس الذي كان مشهورًا في القرن السادس.
في هذه الأنشودة يُولِم نسطور مأدبة لضيوفه. وبعد ذلك يسأل تيليماخوس نسطور عما حدث له في أثناء عودته، فيحكي له أخبارًا أخرى كثيرة، ويصور له كيف ساءت العلاقة أخيرًا بين أجاممنون ومينيلاوس كما يُخبِره بموت أجاممنون. وهنا يشير نسطور إلى ابن أجاممنون المسمى أوريستيس Orestes ويمدحه مدحًا عظيمًا جدًّا لأنه انتقم لأبيه، ثم يَسرِد على تيليماخوس رحلاتِ مينيلاوس ومنها رحلته إلى مصر، وهو بذلك يُشيرُ على تيليماخوس بالذهاب إلى إسبرطة حيث يمكنه مقابلة مينيلاوس هذا وسؤاله عن أبيه، ثم يقضي تيليماخوس الليلة في القصر وعند الصباح يرحل إلى إسبرطة وفي صحبته بيزستراتوس.

الأنشودة الرابعة

يذهب تيليماخوس إلى إسبرطة وهناك يجد مينيلاوس وقد أقام مأدبةً هائلة لزواج أبنائه. كانت المأدبة غايةً في الفخامة وكذا القصر؛ لذلك ينصرف تيليماخوس عن المأدبة ليُشبع إعجابه بالتطلُّع إلى القصر ويُشارِكه الشاعر إعجابه هذا؛ ومن ثَمَّ تَرِد أبياتٌ كثيرة في وصف القصر الذي كان يملكه أحد ملوك ذلك الوقت، ثم يشترك الضيفان في المأدبة ويبدآن في تناول الطعام. وبعد أن يأكلا ملء بطنَيهما يبدأ تيليماخوس بسؤال مينيلاوس عن أبيه، فيرُدُّ عليه مينيلاوس ردًّا غامضًا يذكر فيه اسم أوديسيوس عَرَضًا، فيبكي تيليماخوس بكاءً مرًّا ظنًّا منه أن أباه قد مات، وعندئذٍ تدخل هيلينا زوجة مينيلاوس فتحزن لحزن تيليماخوس، وتَودُّ لو تُسرِّي عن هذا الطفل الذي يبكي على أبيه فكيف السبيل إلى ذلك؟ تصنع هيلينا الكأس التي كان يشرب منها تيليماخوس مخدرًا كانت قد أحَضَرتْه معها من مصر من سيدةٍ مصرية اسمها بولودامي. وكان الغرض من هذا المخدر هو أن ينسي تيليماخوس الحزن الذي يكتنف حياته، ثم تأخذ في تلاوة مغامرات أوديسيوس وتقُصُّ عليه الشجاعة الفائقة والجسارة الممتازة التي أظهَرها هذا البطل عندما أرسلَ في مهمةٍ استكشافية في حرب طروادة للتجسُّس على الأعداء، ثم يحكي مينيلاوس بدوره قصة حصار طروادة، ويصف ليتليماخوس كل ما يعرفه عن مقدرة أبيه الحربية وقدرته على تحمُّل النكبات والمصائب. وفي اليوم التالي يخبره بنبوءةٍ تنبَّأ بها عجوز البحر برويتوس Proetus بالقرب من جزيرة فاروس pharus عند الإسكندرية؛ إذ تنبَّأ بأن أوديسيوس موجود عند كالوبسو التي أحبَّته ومَنعَته من مبارحة المدينة.

وفي هذه الأنشودة أيضًا يعرف الأمراء في أتيكا خبر رحيل تيليماخوس للبحث عن أبيه، فتثور ثائرتهم ويفكرون في مؤامرةٍ لقتل تيليماخوس يتزعَّمهم في ذلك أنتينوس فيبحث عن سفينة لكي يذهب إلى مكمنٍ يختبئ فيه في البحر حيث ينتظر عودة تيليماخوس لينقض عليه ويقتله، ثم يصل نبأ هذه المؤامرة إلى بينيلوبي فتجزع ويتعذَّر عليها النوم الهانئ، فتأتيها الربة أثينا في المنام وتُواسيها كي تتحمل وتصبر.

هذه هي الأناشيد الأربعة الأولى الخاصة بتيليماخوس، والتي أُطلِق عليها الأناشيد التيليماخية.

ينقلنا الشاعر بعد ذلك إلى الجزيرة التي تعيش فيها كالوبسو. وهنا تبدأ الأنشودة الخامسة.

الأنشودة الخامسة

يعتقد البعض أنها أُضيفَت لتذكير القارئ بالأنشودة الأولى، ويقول هذا البعض بأن الأناشيد الأربعة التيليماخية أُضيفَت فيما بعدُ للأوديسة حيث إن أوائل القرن الخامس ق.م. يجعل هذا الغرض محتملًا جدًّا.

في هذه الأناشيد يأمر زوس، كبير الآلهة، هيرميس بالذهاب إلى كالوبسو ليُطلِعها على رغبته في أن يعود أوديسيوس إلى وطنه. ولقد كشف زوس لهيرميس عن وجود أوديسيوس هناك عند كالوبسو، وأنه لا يزال أمامه عشرون يومًا يقاسي فيها الشيء الكثير قبل أن يصل إلى شعب الفياكيين Phaeacians في ألبانيا، فتستقبل كالوبسو هيرميس في احتفالٍ عظيم، ثم يُبلغها الأخير رسالة كبير الآلهة، ويرجوها أن تُطلِق سراح أوديسيوس، فتغضب كالوبسو وتثور ضد ظلم الآلهة الذين يريدون أن ينتزعوا من بين أحضانها أوديسيوس حبيبها، وتدعي بأن الآلهة تحقد عليها. غير أنها بالرغم من هذه الثورة تخضع لأمر كبير الآلهة، وتذهب بعد ذلك إلى شاطئ البحر حيث يُوجد أوديسيوس وتخبره بأنها لم تعُد تعارض في رحيله. وهنا تُحدِّثه كالوبسو حديثًا كله رقة ودعة، حديث الحبيبة إلى حبيبها؛ ولذلك يجدر أن نلاحظ ما يتصف به سيدات البحر من أدبٍ جم، ومن هؤلاء السيدات كالوبسو وكيركي، ثم تعود كالوبسو إلى كهفها ومعها أوديسيوس، وهناك يتبادلان من جديد عواطف الحب. وهنا يهتم الشاعر بوصف هذا المنظر فيرينا كيف يتبادلان القبلات، ثم كيف يحتضن كلٌّ منهما الآخر. بعد ذلك يبرح أوديسيوس الجزيرة فوق رمثٍ أعدَّه لهذا الغرض. بيد أن بوسايدون — عدُوه — يثير عاصفةً شديدة تُهدِّد أوديسيوس بالغرق فتُنقِذه الآلهة من الغرق، ويصل بعد هذا إلى البَر بعد جهودٍ عنيفة ثم يلجأ إلى مخبأٍ قريب.

الأنشودة السادسة

حول جزيرة الفياكيين وهم شعبٌ بحَّارة وأغلبهم ملاحون، وكان ملكهم يسمى ألكينوس، وكانت له ابنة اسمها ناوسيكا حضَرتْ إليها الربَّة أثينا في صورة ابنة تاجرِ أسلحة يُسمَّى دوماس Dumas وأوحت إليها في نومها بأن تذهب لتغسل ملابسها عند شاطئ النهر استعدادًا للاحتفال بزواجها القريب. وفي الصباح تستيقظ الفتاة وتذهب إلى النهر وهناك تجد البنات مجتمعاتٍ يغسلن ملابسهن فتُشرِف ناوسيكا عليهن. وبينما هن كذلك إذ ترمي الربَّة أثينا بحجر في النهر فتصيح البنات، ويكون هذا داعيًا لإيقاظ أوديسيوس من نومه، وكان نائمًا بين الأعشاب بالقرب من النهر، فلما يرى هؤلاء الفتيات يتردَّد أولًا ولا يعرف ما هو مُقدِم عليه، فيخرج من وسط الأعشاب وينزع عنه ملابسه وينزل إلى النهر ليستحم، فتراه البنات بهذه الصورة فيستولي عليهن الحياء، ثم ينتهي هذا المنظر الذي كله روعةٌ وجمال، ويتبعه منظرٌ آخر فيه يتقدم أوديسيوس إلى البنت ناوسيكا متضرعًا متوسلًا لتستمع إليه وترأف بحاله وتعطف عليه عطفًا كبيرًا، وتقول إنها اشتمَّت فيه رائحة الملوك. وتُشير عليه بما يجب عمله فيتبعها مترجلًا حتى أبواب المدينة. وهناك ينتظر حتى تعود إليه، وعندئذٍ يدخل أوديسيوس المدينة ويسأل عن الطريق، وتأمر ناوسيكا خادماتها بمعاملته معاملة الضيف، ثم يعرج أوديسيوس إلى معبد الربة أثينا ويقوم بفروض العبادة لها.

الأنشودة السابعة

تتقدم الربة أثينا من أوديسيوس متنكرةً في زي إحدى بنات شعب الفياكيين، وتأخذ بيد أوديسيوس وتقوده إلى قصر الملك الحاكم على الجزيرة، ويطلب إليه أن يستضيفه فيجيبه إلى طلبه. وبعد ذلك يقُص أوديسيوس على مسامع الملك مخاطراته إبَّان رحلاته، فيَعِده ألكينوس بالعمل على عوده إلى وطنه.

الأنشودة الثامنة

يجتمع مجلس الشعب ويعرض الملك ألكينوس عليه موضوع أوديسيوس، ويوافق المجلس على عودته إلى جزيرة إيثاكا، ثم تُقام مأدبةٌ عند الملك ألكينوس يُغنِّي فيها الشاعر ديمودوكوس قصة النزاع الذي وقع بين أوديسيوس وأخيل، فلمَّا سمع أوديسيوس هذا الغناء راح يبكي، فلاحظه ألكينوس ولكنه لم يقل شيئًا، ثم يأمر الناس بالانتقال إلى سوق المدينة لإقامة الألعاب والمباريات والمسابقات الرياضية المختلفة. وهنا يسأل الملك أوديسيوس عن نوع المباريات التي يميل إليها، وعندئذٍ يتقدَّم شخص ويتهكَّم على أوديسيوس ويسخر منه ويقول إنه يشك في قدرة أوديسيوس على القيام بأية لعبة. غير أن أوديسيوس يجيب في سكونٍ أنه يُفضِّل لعبة القرص، ويتقدَّم إلى الميدان ويُحرز قصب السبق. يتلو ذلك الرقص، وبعد هذا يُنشِد ديمودوكوس قصة الحب بين أريس وأفروديتي. ويتبع هذا تقديم الهدايا لأوديسيوس بمناسبة رحيله، وتتقدَّم ناوسيكا إليه بهداياها العظيمة.

هذه الأنشودة مفكَّكة وضعيفة ينتقل فيها المرء من قصة إلى قصة؛ ولذا فمن المحتمل جدًّا أنها أُضيفَت إلى الأوديسة.

الأنشودة التاسعة

فيما تُمدُّ مأدبةٌ يحدُث فيها ما حدث في المأدبة السابقة. وفي هذه الأنشودة يرمي أوديسيوس قطعة من اللحم إلى الشاعر المغني ديمودوكوس، ويطلب منه أن يغني قصة حصار طروادة فيجيبه المنشد إلى مطلبه، وعندما يسمع أوديسيوس الغناء يأخذ في البكاء، ثم يسرد بعد ذلك قصة مخاطراته، قصة رحيله من طروادة أولًا، ثم وصولًا إلى جماعة الكوكونيس؛ حيث دارت بينه وبينهم رحى معركة فقد فيها أوديسيوس ستة أشخاصٍ من رفاقه، ثم تهب زوبعة تجعلهم يرسُون في أرضٍ مجهولة ويبقَون فيها يومَين، ثم يذهبون بعد ذلك إلى شبه جزيرة البلوبونيز، وهناك تهب عاصفةٌ أخرى شديدة تجعل من المستحيل عليهم أن يُطوِّقوا شبه الجزيرة، فتذهب بهم الرياح إلى بلدٍ يحب أهلها أكل اللوتس. ويرحل أوديسيوس بعد ذلك من هذه البلاد إلى بلاد الكوكلوبيس. وهناك يستولي أوديسيوس وأصدقاؤه على عددٍ من الماعز يأخذ أوديسيوس لنفسه منها عشرة ويعطي كلًّا من أصدقائه تسعة ثم يقيمون مأدبة وينامون حتى الصباح. وفي الصباح يركب هو وأصحابه سفينةً صغيرة لاكتشاف بلاد الكوكلوبيس. ويهتم في هذه الرحلة بأخذ النبيذ الذي أعطاه له مارون Maron قسيس الإله أبولُّو، ثم يدخل بعد ذلك كهف بولوفيموس، وبعد ذلك يتمكن من الهرب من هذا الكهف هو وأصدقاؤه، ويعود إلى جزيرة قبرص حيث يقيمون مأدبةً عظيمة.

الأنشودة العاشرة

يذهب أوديسيوس إلى جزيرةٍ تابعة لإيون Ion، ويعطي إيون أوديسيوس قربةً تحتوي على رياحٍ مختلفة ولكن أصدقاءه يفتحون القربة لظنهم أنها تحتوي على ثروةٍ عظيمة، فإذا بها تجُر عليهم عاصفةً هوجاء، ويغضب إيون لفتح القربة غضبًا شديدًا ويطردهم جميعًا، فيذهبون بعد ذلك إلى بلاد اللايستروجونيين عند ساحل جزيرة سردينيا، ويُعرف أنهم يأكلون لحم البشر. ويأخذ هؤلاء في قتل عددٍ كبير من أصدقاء أوديسيوس، ومن تبقى منهم يذهبون إلى جزيرة كيركي. وهناك تتمكَّن هذه الساحرة من تغيير أصدقاء أوديسيوس وتحويلهم إلى خنازيرَ صغيرةٍ ما عدا أوديسيوس الذي ينجو من هذا المصير، وينجح في إقناع هذه الساحرة بإرجاع أصدقائه إلى شكلهم الأول فتجيبه إلى طلبه، وبعد ذلك تنصح أوديسيوس وأصدقاءه بالذهاب إلى عالم الأموات.

الأنشودة الحادية عشرة

يذهب أوديسيوس إلى بلاد الأموات عند الكيميريين Cimmerians في شمال البحر الأسود، وهناك يقوم أوديسيوس بالمراسيم التي نصحَتْه كيركي بأن يقوم بها فتظهر له أشباحٌ مختلفة منها أشباح إلبينور Elpinor وتيريسياس، ويخبره الأخير بالحوادث التي ستحدث له في مستقل حياته. ويظهر له أيضًا شبح أمه أنتيكليا Anticlea فيُوقفه على ما حدث في جزيرة إيثاكا بعد رحيله منها، كما تظهر له أيضًا أشباح أصدقائه أجاممنون وأخيل وبتروكلوس وأنتيلوخوس وأجاكس، ثم يرى أوديسيوس القاضي مينوس والصياد أوريون Orion ويعود بعد ذلك إلى سفينته، ويغادر بلاد الأموات.

الأنشودة الثانية عشرة

تُقدِّم كيركي بعض النصائح والتوصيات لأوديسيوس، وبفضلها يفلح أوديسيوس في التخلُّص من السيرينيس، وكذا المرور بين خاروبديس وسكولا في سلام. يصل أوديسيوس بعد ذلك إلى جزيرة ثريناكيا Thrainacia حيث يهجُم أصدقاؤه على أغنام الشمس فيعاقبهم الإله زوس على أعمالهم هذه. وفوق قطعةٍ باقية من سفينته يُحمل أوديسيوس إلى جزيرة أوجوجيا، ثم يعود إلى خاروبديس ويصل منها إلى كالوبسو بعد تسعة أيام، وهو المكان المعروف بجبل طارق.

الأنشودة الثالثة عشرة

بعد ذلك يصل أوديسيوس إلى جزيرة إيثاكا بمساعدة الفياكيين الذين سيعاقبهم الرب بوسايدون لأن الأخير عدو أوديسيوس. ويضعونه على الساحل وهو نائم، وعندما يستيقظ يستولي عليه اليأس؛ لأنه لا يعرف في أي مكان هو، وتأتي إليه الربة أثينا وتخبره وهي مُتنكِّرة بأنه موجود الآن في جزيرة إثياكا، وأن الهدايا التي معه هي ما تبقَّى له من الأسلاب والمغانم التي اكتسبها في حرب طروادة. يلي ذلك منظرٌ بديع يظهر فيه الإنسان في منظرٍ كله ثقةٌ وودٌّ وصداقة، ثم يتفقان على أن يتنكر هو أيضًا في صورة شحَّاذ حتى لا يعرفه أصدقاؤه أنفسهم، ثم يذهب إلى راعي خنازير يُدعى يومايوس Eumaeus وفي الوقت نفسه تذهب أثينا لمقابلة ابنه تيليماخوس.

الأنشودة الرابعة عشرة

يستقبل راعي الخنازير أوديسيوس ويُعِد له الطعام ويذبح له خنزيرًا رغم أنه لا يعرفه. ويسأله الراعي عن شخصه فيسرد عليه أوديسيوس قصةً كلها أكاذيب وخرافات، فيقول له إنه من جزيرة كريت وقد أخذَه ملكُ الجزيرة إلى طروادة ليشترك في الحرب ويُعيِّنه أميرالًا للأسطول، ثم يعود إلى وطنه بعد انتهاء الحرب، وبينما هو كذلك يذهب على رأس حملةٍ للنهب والسلب متجهًا إلى مصر في صحبة رجلٍ فينيقى. ويذهب الاثنان بعد ذلك إلى ليبيا حيث يستولي عليه الفينيقي ويبيعه كعبد، وبعدئذٍ تهبُّ عاصفةٌ هوجاء يغرق فيها البعض. وبعد هذه الحادثة يجد أوديسيوس نفسه في مكان لا يعرفه، وهناك يتحدث مع ابن الملك فيطرده الملك بعد ذلك، ويعهد به إلى بحارة يأتون به إلى جزيرة إيثاكا، فيهرب منهم ويجيء إلى راعي الخنازير.

ولكن يومايوس لا يُصدِّق شيئًا من هذا الذي قاله الغريب. ومع ذلك يأمر بذبح خنزيرٍ ليأكلوه، كما يُعِد لأوديسيوس المتنكِّر فِراشًا للنوم، ويخرج بعد ذلك مسلحًا لحراسة الخنازير.

الأنشودة الخامسة عشرة

تصل أثينا إلى إسبرطة وتظهر لتيليماخوس في منامه، وتأمره بأن يرجع إلى أثينا والذهاب رأسًا إلى يومايوس، فما إن يستيقظ حتى يترك قصر الملك مينيلاوس محملًا بالهدايا الكثيرة التي جاد بها عليه وزوجته هيلينا. ويعود تيليماخوس إلى بولوس، ومن هناك يُبحِر على سفينته مصطحبًا معه رجلًا اسمه ثيوكلومينوس Theoclymenus كان قد نُفي من أرجوس؛ لأنه قتل رجلًا، ثم يعود إلى إيثاكا في سرعةٍ عجيبة وقد بيَّت العزم على تجنُّب رؤية المتآمرين عليه فيتحاشاهم ويسلك طريقًا آخر حتى يصل إلى إيثاكا، في الوقت الذي كادت تنتهي فيه الوليمة التي أقامها يومايوس لأوديسيوس.

الأنشودة السادسة عشرة

يرسل تيليماخوس يومايوس كي يخبر أمه بأنه قد عاد إلى الوطن، فيبقى بمفرده مع أوديسيوس حيث يتمكَّن من التعرُّف عليه، وعندئذٍ يتفق الأب والابن على الخطة التي يجب عليهما اتِّباعها، فيتَّفقان على ألا يذكُر تيليماخوس شيئًا عن أبيه. وفي هذا الوقت يصل إلى المتآمرين نبأ عودة تيليماخوس إلى إسبرطة فيغضبون غضبًا شديدًا، ويُظهِر أنتينوس رغبته في قتل تيليماخوس وفي إعداد مؤامرة لقتله، فيعارضه في ذلك بعض الأشخاص. ويصل خبر كل هذا إلى بينيلوبي فتنزل إلى المتآمرين، وتُوجِّه اللوم إلى أنتينوس لرغبته في قتل ابنها.

أما عند يومايوس فتنتهي الوليمة وينام الجميع.

الأنشودة السابعة عشرة

فيها يخرج تيليماخوس في صحبة الراعي، ويذهب أوديسيوس متنكرًا في هيئة شحَّاذ. وهناك يحدث نزاعٌ بينه وبين أنتينوس يُظهِر فيه الأخير كثيرًا من القسوة والعنف، ولكن بينيلوبي تهبط من مقصورتها وتهتم بهذا الرجل الشحَّاذ، وتُبدي رغبتها في التحدُّث إليه حديثًا خاصًّا.

الأنشودة الثامنة عشرة

فيها يحدُث شجار بين أوديسيوس المتنكر في صورة شحَّاذ وبين شحَّاذٍ آخر يُدعى إيروس Irus، فيُسَر المتآمرون كل السرور لهذا المنظر، ولكن الشحاذ أوديسيوس يتغلب على الشحاذ الآخر بضربةٍ قاضية ويلقي به في الخارج. بعد ذلك ترغب بينيلوبي في النزول إلى ساحة القصر بحُجة التحدُّث إلى تيليماخوس، ولكن أثينا تجعلها تنام وتخلع عليها ثوبًا من الجمال، ثم تنزل أخيرًا وتُوجِّه اللوم إلى تيليماخوس للمعاملة القاسية التي عُومل بها الضيف، وتقصد بذلك أوديسيوس.
ثم تصعد بينيلوبي إلى جناحها الخاص، ثم ينشب شِجارٌ في الدور الأول من القصر بين أوديسيوس وبين الخادمة ميلانثو Melantho تسُب فيه الأخيرة أوديسيوس، وتُوجِّه إليه قارع القول، فيتدخَّل يورونومي Eurynome حبيب ميلانثو، ويؤيد الخادمة ضد أوديسيوس ويُلوِّح له بيده.

يحدُث عقب ذلك هَرْج ومَرْج ثم منظرٌ آخر فيه يأمر أوديسيوس ابنه تيليماخوس بإدخال الأسلحة وحبس الخادم، ثم ينتهي اليوم بسلامٍ بالرغم من الحوادث السابقة.

الأنشودة التاسعة عشرة

يبقى أوديسيوس في الساحة ومعه تيليماخوس، ثم يُخفي أوديسيوس الأسلحة في القصر. وتنزل بينيلوبي من جناحها للتحدُّث مع هذا الضيف، وتسأله عن شخصه فيجيبها إجابةً كاذبة؛ إذ يقول لها إنه شقيق الملك إيدومينيوس الذي يحكُم في جزيرة كريت، والذي استقبلَه في كريت وكان قد ذهب إلى هذه الجزيرة لرؤية إيدومينيوس، وكان الأخير على وشك السفر إلى حرب طروادة. وتبكي بينيلوبي بكاءً مرًّا وتسأله عن أوديسيوس، ثم تأمر بإعداد حمَّامٍ ساخن لغسل قدمَي هذا الشحَّاذ. وبينما خادمتها يوروكليا تقوم بغسل قدمَي أوديسيوس، تعثُر على آثار جروح كان يُعرف بها أوديسيوس، فتَتعرَّف الخادمة عليه بواسطة هذه الجروح، وتُخبر سيَّدتها بأن هذا الشخص الجالس أمامها هو أوديسيوس بعينه، فتفرح بينيلوبي فرحًا جمًّا، ثم يقترح أوديسيوس على زوجته الخطة الواجب اتباعها، ويُعِدَّان العدة في اليوم التالي، ويتفقان على إقامةِ مسابقةٍ بين المتآمرين.

الأنشودة العشرون

فيها تُمَد مأدبةٌ عظيمة، ويعلن العَرَّاف ثيوكلومينوس نبوءةً تقول بأنه يرى أشباحًا تدور حول المطالبين بالزواج من بينيلوبي، فيضحك هؤلاء ويسخرون من النبوءة ويطردونه شر طردة.

الأنشودة الحادية والعشرون

تظهر بينيلوبي وتَعِد بأنها ستتزوج من الشخص الذي يستطيع إحراز قصَب السبق في المسابقة التي تَودُّ إقامتها، وهي رمي السهام بالقوس، وتشترط كذلك استخدام قوس أوديسيوس نفسه، ولكن لا أحد ينجح في هذه المسابقة، ولا يتمكَّن أحد من استخدام هذا القوس، فيتقدم أوديسيوس ويطلب الاشتراك في المسابقة فيسخر منه المتآمرون، ولكن تيليماخوس يعطيه القوس وينجح أوديسيوس في استخدامها نجاحًا عظيمًا.

الأنشودة الثانية والعشرون

عندئذٍ يعلن أوديسيوس عن نفسه، ويقتل جميع المتآمرين، ولا يستثني منهم غير الشاعر فيميوس والبطل ميدون.

الأنشودة الثالثة والعشرون

تقف بينيلوبي على جميع هذه الحوادث، ويتخذ أوديسيوس جميع التدابير اللازمة.

الأنشودة الرابعة والعشرون

هي ختام الأوديسة وهي أنشودةٌ ضعيفة، وأغلب الظن أنها أُضيفَت إلى الأوديسة، وبذا تتم الأناشيد ويُصبِح عددُها معادلًا لأناشيد الإلياذة تمامًا.

•••

من هذا يتبيَّن أن الأوديسة عبارةٌ عن التأليف والتنسيق المحكم بين ثلاثِ أفكارٍ تتلخص في التليماخية، وفيها لا يظهر البطل أوديسيوس ولا يتحدث ولا يتكلم، وإنما يُذكَر عرضًا بحيث تكون ذكراه هي السائدة في الأغاني الأربعة الأولى، وفي مخاطرات أوديسيوس، ثم في انتقام الأخير من مغازلي زوجته.

وكل ما يمكننا استنتاجه من تحليل كلٍّ من الإلياذة والأوديسة هو:
  • أولًا: وحدة الموضوع واحدة في المنظومتَين.
  • ثانيًا: وجود قِطعٍ طويلة شيقةٍ ممتعة أحيانًا، وغير ذلك في حينٍ آخر، ويمكن حذفُها دون أن يؤثِّر هذا الحذف على وحدة الموضوع في الكثير أو القليل. بل ربما كان هذا الحذف مفيدًا جدًّا، ومما لا شك فيه أن عددًا من هذه القِطَع قد أُضيفَ إلى الأوديسة بصورةٍ أكثرَ منها في الإلياذة.

    ومن ثم فإن هذه القِطَع غيرُ ضروريةٍ في الإلياذة والأوديسة.

  • ثالثًا: نستطيع أن نُميِّز في الإلياذة والأوديسة وخصوصًا في الأولى بين العصور المختلفة. وهذا التمييز يظهر جليًّا في اللغة ووصف الشخصيات والحقائق التاريخية.

إذن كيف يمكن تفسيرُ جميع هذه الحوادث المختلفة حول الفكرة الأساسية للإلياذة، وهي فكرة غضب أخيل، وحول الفكرة الأساسية للأوديسة، وهي فكرة عودة أوديسيوس وانتقامه لنفسه؟

يفترض العلماء المحقِّقون فرضَين أساسيَّين؛ أحدهما يقول بوجود نواةٍ أوَّلية، وهذا الفرض يُسمَّى Monyan Primitif، ومعنى ذلك أن شاعرًا عبقريًّا ألَّف نوعًا من الإلياذة والأوديسة، ثم حدثَت بعض التغييرات، وأُضيفت إليهما بعضُ الإضافات إبان العصور التالية. ولقد ظهر هذا الفرض على الأخص منذ عام ١٨٢٤م. وممن أخذ بهذا الفرض من العلماء هيرمون Hermonn عام ١٨٣١م، وكايسر Kayser عام ١٨٣٥–١٨٤٥م، وجروت Grote عام ١٨٤٩م. والأخير يقول بوجود قصةٍ أصلية تدور حول أخيل تُسمَّى L’Achilléide ثم أخذ الشاعر نفسه الذي ألَّف القصة البسيطة في بادئ الأمر يضيف إليها حتى أصبَحَت طويلةً جدًّا.
ومما يُؤيِّد هذا الفرض في زعمِ هؤلاء العلماء ما حدَث في القصائد التي ظَهرتْ فيما بين النهرَين، ولكن الإضافات والتغييرات التي حدثَت بالإلياذة والأوديسة أقل بكثير من التي حدثَت في قصائد Gilganesch ومن المستحيل أن تكون هذه النواة الأصلية قد وُجدَت قبل هجرات الآخيين، ومن المستحيل أن تكون الإلياذة قد أُلِّفتْ هي والأوديسة قبل حرب طروادة.
والآن من هم أبطال حرب طروادة؟ هناك النظرية الألمانية، وهي تقول إن هؤلاء الأبطال كانوا آلهةً في أول الأمر، ثم أصبحوا بشرًا بمرور الزمن. وقد عارض هذه النظريةَ العالمُ الفرنسي بول فوكار Paul Foucart في رسالةٍ ألَّفَها عن عبادة الأبطال عند اليونان.

إذن كان أجاممنون وأخيل ومينيلاوس آلهة تُعبد في بلاد اليونان، ثم مر زمنٌ طويل حتى أصبحوا بشرًا جمعَتْهم الخرافات حول حصار طروادة. والذي يجب أن نتذكره أن أهمية طروادة القصصية لم تَزِد إلا في أوساط آسيا الصغرى حتى جاءت إليها سلالة أولئك الأبطال يقيمون بها.

أما النظرية العكسية فهي نظرية بول فوكار التي تقول إن هؤلاء الأبطال كانوا بشرًا في أول الأمر ثم ارتفعوا بعد ذلك إلى درجة الآلهة؛ فإن أجاممنون وأخيل ومينيلاوس كانوا رجالًا وربما كانوا من رجال الخرافات الذين ابتدعَتْهم الخرافات، وربما كانوا أيضًا شخصياتٍ تاريخية لها وجودٌ تاريخي صحيح.

وهذا الاعتبار الأخير أميل إلى الصحة؛ لأن مكتشفات الحفائر في البلاد الشرقية تدعونا إلى أن نأخذ بالرأي القائل بأن هذه الشخصيات وُجدَت حقًّا وعاشت حقًّا، وكان لها ما كان من الأثَر في حرب طروادة، وهم أبطالٌ آخيون ما عدا البطل أوديسيوس الذي اسمه يوناني. كان هذا الاسم هو أوليكسيس Olixces أو Ulixces وقد وصل هذا الاسم إلى إيطاليا بهذه الصورة قبل أن يكون هناك أوديسة ثم أصبح أوديسيوس Odysseus ومعناه «الرجل الذي يتَحمَّل غضب الآلهة» وهو مُشتَقٌّ من الفعل اليوناني Odussomai. وكان ذلك جاريًا في التقاليد بين شعوب البحر الأبيض المتوسط، ثم نُقل بعد ذلك إلى القصائد الهومرية. ومن المحتمل جدًّا أن تكون هناك قصائدُ إيجية مينوية تابعة للحضارة الكريتية اعتمد عليها الشعراء من الآخيين، واقتبسوا منها الشيء الكثير، ولكننا لا نستطيع أن نعرف هذه القصائد الإيجية بأية حال فهي مجهولة لنا تمامًا؛ لأنه لم يَبقَ منها آثارٌ تدل عليها بالنسبة إلى أن اللهجات الآخية انعدمَت، ولم يَبقَ منها إلا بعض الكلمات البسيطة.

هذا ما عندنا عن الفرض الأول.

أما الفرض الثاني فهو القائل بوجود أغانٍ بسيطة في أول الأمر منفصلة الواحدة عن الأخرى وتُسمَّى بالألمانية «ليدر Lieder».
وتقول هذه النظرية الألمانية بأن هذه الأغاني المنفصلة تتحدَّث كلٌّ منها عن حوادثَ خاصة من حوادث الخرافات ويُنشِدها الشعراء المغنون. ومن المحتمل جدًّا أن يكون هناك شاعرٌ عبقري قد حاول أن يختار من هذه الأغاني، وأن يجمع منها كلَّ ما يتصل بفكرةٍ واحدة، كالفكرة التي تدور حول غضب أخيل أو عودة أوديسيوس وانتقامه. هذا ما أخذ به القس الفرنسي D’Aubignac في القرن السابع عشر. وجاء بعده بمدة العالم الألماني وولف Wolf الذي أخذ بهذه النظرية أيضًا في مؤلفه المشهور المُسمَّى Prolegomene. وقد انتهى وولف إلى مثل ما انتهى إليه العالم الفرنسي بعد دراساته الطويلة بالحوادث التي كانت في مخطوطٍ يُسمَّى Veenetus ونشرها عالم فرنسي اسمه De Villoisin عام ١٧٨٨م. وقد أيَّد هذه النظرية مع بعض الاختلاف البسيط لأخمان Lachmann وهين Heyne وكيرشوف Kirchhoff الذي يقول إن الإلياذة والأوديسة ليستا عبارة عن أغانٍ صغيرة بسيطة، إنما قصائدُ طويلة من الشعر القصصي. وقد أيد كيرشوف فيما يخص بالإلياذة عالمٌ آخر مشهور جدًّا اسمه فيلاموفتس Wilamowtz.

هذه بيداءُ من الآراء المختلفة، من الجائز أن يضل الإنسان فيها؛ لذلك نكتفي ببعض الملاحظات لتحديد أوجه هذه المشكلة، ولكن قبل أن نبدأ في ذكره هذه الملاحظات يجب علينا أولًا أن نذكُر كيف نُشرتْ هذه الأشعار الهومرية، ونتكلم أولًا عن كيفية انتقال هذه القصائد إلى أيونيا في آسيا الصغرى.

نستطيع ان نقول إن الشعر كانت له مكانةٌ عظيمة في المجتمع الآخي والأيوني والأيولي؛ إذ كان الشعراء والمغنون يُنشِدون في المآدب التي يقيمها كبار القوم مثل فيميوس وديمودوكوس وألكينوس. كانت الأغاني التي يختارها هؤلاء الشعراء المغنون تدور حول حوادثَ خاصة بحياة الأبطال. يظهر لنا من أول وهلة أن هذه الأغاني كانت أغانيَ قصيرة؛ لأنه من المستحيل على الشاعر أن يُغنِّي أغانيَ طويلة كالإلياذة والأوديسة، خصوصًا إذا أخذنا أن الكتابة لم تكن قد ظهرت بعدُ. بناءً على هذه النظرية يمكن استنتاج أن هذه القصائد لم تكن طويلة، وأنها نُقلَت عن طريق الحفظ والسماع إلى أيونيا، ولكننا نشُك في هذا الكلام لوجود فكرة في هوميروس تُثبِت وجود كتابة في هذه الفترة. كان من الجائز أن نأخذ بهذه الفكرة لو لم تُوجد الحفائر. أما الآن فإننا نعرف عن طريق الحفائر أن اليونان لم يأخذوا الحروف الهجائية عن الفينيقيين في القرن الثامن أو التاسع؛ لأن الكتابة كانت معروفة منذ زمنٍ طويل في قرنٍ أقدم من القرنَين الثامن والتاسع، وكانت الكتابة معروفة في العالم الذي وصل إليه الآخيون؛ لذلك يمكننا أن نأخذ بالرأي القائل بأنه كان هناك نوع من الإلياذة والأوديسة موجود ومكتوب باللغة اليونانية وفي هذا العصر القديم بالذات؛ لأن علم اللغات قد أثبت لنا بطريقةٍ قاطعة أن هناك فاصلًا بين القصائد الهومرية وبين الأدب الآخي الذي سبق هذه القصائد والحروب.

ليس هناك من شكٍّ في أن هذا مهمٌّ من الناحية التاريخية والأدبية؛ لأنه يُثبِت لنا الأهمية العظمى للشعوب المتكلمة باللغة اليونانية مثل الأيونيون والأيوليون وهم متصلون بالآخيين بصلة القرابة، وبالذين جاءوا إلى بلاد اليونان بعد هجرات الآخيين وقبل هجرات الدوريين.

ثم صارت لهم السيادة بعد أن استَتبُّوا ببلاد اليونان أو بعد هجراتهم إلى آسيا الصغرى، وكانت هذه الهجرات نتيجة للغزوات الدورية.

ولقد سارت القصائد الهومرية في نفس الطريق الذي سارت فيه القصائد الأيونية ثم انتقلَت إلى أيونيا بواسطة الكتابة. أما الآخيون فلم يقبلوا أن يكون لهم آداب، فقلدوا الأدب الفريجي المينوي، ثم كان هناك فنٌّ ميسينيٌّ قلَّدوه من الأسلحة والأواني الفخارية.

فالقصائد الهومرية إذن قصائدُ هومرية بحتة لا نجد فيها كلماتٍ إيجية إلا عددًا قليلًا جدًّا يكاد لا يُذكر، وهي قصائدُ تسير على نهج القصائد الأيولية، ولكنها اتخذت الشكل الأيوني.

والآن نتحدث عن الكيفية التي نُقلَت بها هذه القصائد إلى بلاد اليونان. لقد انتقلَت بإحدى هاتَين الطريقتَين أو بالاثنَين معًا.

  • أولًا: بالطريقة الشفوية، وذلك بواسطة المنشدين المغنين الذين كان من عادتهم الانتقال من مدينة إلى أخرى، والتقدُّم إلى المسابقات العامة لنيل الجوائز الكبرى كتاجٍ من الذهب مكافأةً على إنشادهم أشعار هوميروس. وكان من عادتهم أن يصعدوا فوق منبرٍ عالٍ ويأخذوا في إلقاء هذه القصائد بصوتٍ جهوري واضح النبرات. وكانوا يعقدون جلساتٍ طويلة على أيامٍ متتالية كي تكفي هذه الجلسات الطويلة لإنشاد الإلياذة والأوديسة كلها. وكان هؤلاء المنشدون يلبسون ملابسَ فاخرة ذات ألوانٍ زاهية باهرة حمراء عندما يُنشِدون الإلياذة وأخرى أرجوانية متى ينشدون الأوديسة، وذلك حسب ما قال به كل من الخطيبَين سقراط وأفلاطون؛ فقد قال كلاهما إن هؤلاء المنشدين كانوا يذهبون إلى الأعياد التي تُقام فيها المسابقات العامة كالأعياد البانأثينية الكبرى Grandes Panathéneés ويحدثنا الشاعر بندار Pindar أيضًا عن وجود جماعةٍ تُسمَّى Les Homérides وهؤلاء الهومريون يُنشِدون هذه القصائد. والمرجَّح أنهم كانوا في بادئ الأمر عبارةً عن جمعية تضم جميع مُغنِّي الإلياذة والأوديسة. كانوا يدَّعون لأنفسهم حق الانتساب إلى هوميروس ويقولون إنهم من سلالة هوميروس. وكان من بين الهومريين كثيرون في جزيرة خيوس Chios نسب إليهم فكتور بيرار جمع الأغاني المختلفة التي تتكوَّن منها الأوديسة، وذلك في بداية القرن السابع قبل الميلاد. وهذه الأغاني مجتمعة قد وصلَت إلينا اليوم كما كانت عليه في ذلك القرن. وهذا ما يأخذ به أصحاب الأغاني المستقلَّة المسماة «ليدر» الذين يقولون بوجودِ شُعراءَ عباقرة جمعوا هذه الأناشيد في إلياذةٍ عامة أو أوديسةٍ عامة.
  • ثانيًا: بالطريقة الكتابية؛ لأنه كان بين أيدي المنشدين نُسخٌ مكتوبة. ولقد قال المؤرخ إيفور Ephore في القرن الرابع قبل الميلاد في إحدى رواياته إن المشرع الإسبرطي لوكورجوس Lycurgus قد عمل على استحضار نسخةٍ من جزيرة ساموس أو خيوس أو من كريت إلى إسبرطة، ولكن حقيقة الأمر أن هذا المشرِّع خُرافيٌّ ولا وجود له في التاريخ.
ولكن هناك روايةٌ أخرى تقول إن الطاغية بيزستراتوس الذي حكم في أثينا إبَّان القرن السادس قبل الميلاد قد عمل على جمع هذه الأناشيد الهومرية، وكانت حتى عصره مشتَّتةً مبعثرة، كما أنه يجب ألا يغيب عنا أنه في عصر بيزستراتوس هذا تَقرَّر إنشاد القصائد الهومرية في الأعياد البانأثينية الكبرى في أثينا. وقد استغل هذه الرواية أصحابُ نظرية الأغاني المستقلة ابتداءً من وولف؛ ففي رأي القائلين بهذه النظرية أن أثينا لعبت دورًا مهمًّا في تكوين الإلياذة والأوديسة. ومن رأيهم أيضًا أن الشعراءَ العباقرة الذين عملوا على وضع الإلياذة والأوديسة في صورتها الأخيرة هم أعضاء اللجنة التي ألَّفَها بيزستراتوس للإشراف على أمور التعليم والثقافة والعلوم المختلفة في أثينا في القرن السادس قبل الميلاد. وتتألَّف هذه اللجنة من الأشخاص الثلاثة الآتية أسماؤهم Zopyres d’Héraclée, Onomaci d’Athènes, Orphée de Grotone، ولكن الرواية الأخيرة بعيدة عن الصحة؛ إذ إنها لا تتعدَّى القرن الأول قبل الميلاد، والذي رواها هو أسكليبياديس؛ Asclépiades ومن ثَمَّ فهي ليست قديمة.
والمؤرخون الذين ظهروا في نيجارا هم أوَّل من نسَب إلى بيزستراتوس إدخال بيتَين من الشعر لإثبات حقوق أثينا على جزيرة سلاميس؛ ومن هنا نشأَت الخرافة القائلة بوجود اللجنة التي عيَّنها بيزستراتوس والتي تكلَّمنا عنها. وهي الخرافة التي وصلَت النحوي أسكاليبياديس ومنه إلى شيشترون Cicero وعن الأخير عرفها المحدَثون. وواقع الأمر أنه كانت هناك نُسخٌ لهوميروس تُسمَّى «نسخ المدن» وهي النسخ الحكومية التي تضعها الدولة للمدارس والأعياد العامة. وقد وُجدَ كثيرٌ من هذه النسخ في أثينا وغيرها. ومن المحتمل أن تكون هذه النسخ الحكومية هي كل ما يمكن نسبته إلى صولون وبيزستراتوس. وقد تحدَّث البعض فقال إن أشعار هوميروس كُتبَت في أثينا بلهجةٍ أتيكية. واستندوا في ذلك على الإضافات التي زُجَّت في النسخة الأصلية كالبيتَين المتعلقَين بجزيرة سلاميس وكالأشعار المتعلقة بالأبطال الأثينيِّين كالبطل مينيسثيوس Menestheus وأريخثيوس Erectheus وهم في هذا غير مُحقِّين؛ لأنه لا يُوجد ما يدعو إلى افتراض وجود هذه الفروض ونسبتها إلى الساسة الأثينيين لشرح الدور الذي قام به الأبطال الإثينيون في الإلياذة؛ لأن علم الآثار أثبت لنا بطريقةٍ قاطعة أنه كانت هناك أثينا وأتيكا أيام الحضارة الميسينية.

بيد أن هناك آخرين يقولون إن النص الأصلي كان باللهجة الأيونية ثم نُقل إلى الأتيكية القديمة وذلك بعد عام ٤٠٥ق.م. وهذا الرأي بعيد عن الصحة؛ لأن الإلياذة والأوديسة وصلَتا إلى أثينا باللهجة الأيونية، ومن غير المعقول أن تُستبعد هذه اللهجة الحسنة وتُفضَّل عليها اللهجة الأتيكية.

إذن فلا يحتمل العقل هذه الفروض بل ما يُصدِّقه هو أن بلاد اليونان في القرن الخامس والرابع (أي في العصر الكلاسيكي) كانت تقرأ هوميروس كما نقرؤه اليوم. ويكاد النص يكون هو النص الذي بين أيدينا. وطبيعي أن تكون الطبقات المختلفة في هوميروس متباينة فيما بينها؛ ومن ثم لا يجب أن نُعنى بالإضافات والتغييرات إلا لمجرد حب التغيُّر والإضافة، أو بقصد الكسب والمنفعة.

والواقع أن الإلياذة والأوديسة اللتَين وصلَتا إلى علماء فقه اللغة من السكندريين لا تختلفان عن الإلياذة والأوديسة اللتَين بين أيدينا، صحيحٌ أن بين هؤلاء العلماء من غيَّر فيهما مثل زينودوت Zenodote الذي بلغَت به الجرأة فحذف الكثير من الأشعار التي لا تتفق مع الإلياذة والأوديسة.

الواقع إذن أن جميع هذه الاعتبارات لا تحُل هذه المشكلة حلًّا مقنعًا؛ لأننا نتردَّد بين الفرض الأول القائل بوجود نواةٍ أولية، والفرض الثاني القائل بوجود أغانٍ بسيطة تُسمَّى «ليدر»، ولا ندري أيهما نُفضِّل على الآخر. وربما كان أفضل شيء هو أن نُبدي رأينا الشخصي بهذا الصدد.

إن الإلياذة تتناسب مع الفرض الأول؛ إذ يمكن شرح الإلياذة بهذه النظرية؛ فالإلياذة لا تخلو من قِطعٍ كثيرة أُضيفَت إليها، ويمكن حذفها دون أن يؤدي هذا الحذف إلى أدنى تغيير في الهيكل الأساسي الذي تتركب منه؛ مثل تعداد السفن، أو القائمة التي أتت بتعداد السفن Catalegue des Vaisseaux في الأنشودة الثانية؛ إذ واضح جدًّا أن هذه القائمة بأسماء السفن قد أُضيفت إلى الإلياذة رغم أن هذه القائمة تُناسِب العصر؛ إذ تعطينا فكرة عن جغرافية البلاد إبَّان الحضارة الميسينية. ولقد أخذ النقاد بهذا الرأي وأجمعوا عليه. كما أن الإلياذة لا تخلو من قِطَعٍ مكرَّرة حتى تكاد تكون متشابهة، ولكن رغم هذه الإضافة وهذا التشابه لا تزال تُوجد سلسلة من الحوادث الأساسية هي التي تُكوِّن الهيكل الأساسي للإلياذة كغضب أخيل، وكالمعركة التي خسرها اليونانيون، والوفد الذي ذهب إلى أخيل ليعود به إلى القتال، والمعركة التي دارت رحاها بجوار الأسطول، وكالأناشيد التي تدور حول باتروكلوس وتسمى Patroclice، ومثل عودة أخيل إلى الحرب، وموت البطل هكتور في نهاية القصة.

أما إذا أخذنا بالفرض الثاني المسمَّى «ليدر» فثابتٌ أنه يمكن الاعتراض عليه بعدة اعتراضات، منها الاعتراض الخاص بالتساؤل عن الزمن الذي حدث فيه الجمع والتصنيف بين هذه الأغاني؛ إذ لا يمكن أن يكون قد تم الجمع والتصنيف في عهد الشعراء المنشدين؛ لأن طبيعة مهنتهم لا تساعدهم على ذلك. كما أنه لا يمكن أن يكون هذا العمل قد تم في عهد الطاغية بيزستراتوس؛ لأن العمل المنسوب إليه يفترض وجود إلياذة؛ ومن ثَمَّ فإن هذه النظرية بعيدة الاحتمال والصواب.

الراجح إذن أنه كانت تُوجد قبل إلياذة هوميروس إلياذةٌ أيولية أخرى ولكنها أقل رقيًّا وتقدمًا من إلياذة هوميروس؛ إذ يغلب عليها نوعٌ من التأخر والوحشية في العادات تتناسب مع العصور البدائية التي كانت في ذلك الوقت، ثم تغيرت اللهجة الأيولية إلى الأيونية، وفي الوقت نفسه تلطَّفتْ وتهذَّبتْ وتحسَّنتْ وأُضيفَت إليها بعض حوادثَ جديدة. والأوديسة هي الأخرى تقبل مثل هذا التفسير كما تقبل النظرية الأولى التي نُفضِّلها؛ فهيكلها الأساسي واضح كل الوضوح؛ لأنها تتألف من ثلاثة أقسامٍ واضحة متميزة بعضها عن بعض، ولكنها مرتبطة فيما بينها برباطٍ متين وثيق. ومع هذا فإن الأناشيد التي أُضيفَت إلى الأوديسة أكثر بكثير من الأناشيد التي أُضيفَت إلى الإلياذة. وليس هناك سبيلٌ إلى القول بوجود أوديسة أيولية كالإلياذة الأيولية؛ ذلك لأن البطل أوديسيوس ليس أيوليًّا بل من أبطال شعوب البحر الأبيض المتوسط.

وبالرغم من هذه الوحدة الغالبة على كلٍّ من القصيدتَين الكبيرتَين لا نستطيع أن نقول إن لهما تاريخًا محددًا؛ لأن هذه القصائد تُصوِّر لنا سلسلةً طويلة متصلة من القرون والعصور. كما يجب أن يغيب عن بالنا أنهما ليستا من الآداب الشعبية بل هما مثل الشعر الراقي الرفيع الذي ألَّفَه شاعرٌ مثقَّف على جانبٍ كبير من العلم والثقافة أراد أن يُصوِّر لنا عصر الأبطال القديم. ونستطيع أن نقول أيضًا إن في كلٍّ من الإلياذة والأوديسة أجزاءً قديمة وأخرى أحدث منها. ونقول أيضًا إنهما انتهَتا جميعًا في القرن الثامن أو السابع قبل الميلاد في عصر انتقالٍ بدأ فيه المجتمع ينتقل من الحكم الملكي إلى الحكم الأرستقراطي الذي كانت مظاهره آخذةً في النمو والازدهار بسرعة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤