الفصل الستون

الإعدام

وكان نصف الليل قد دنا وظهر القمر من خلال السحاب، فسارت الجماعة وميلادي تتقدمهم يقودها اثنان من الخدم وخلفها السياف، وخلف السياف أتوس ودارتانيان واللورد ونتر وبورتوس وأراميس وبلانشت وبازين وراءهم. وكان الخادمان يقودانها إلى جهة نهر ليس وهي صامتة لا تَنْبِس بكلمة، حتى إذا رأت نفسها قد صارت على بعدٍ من الجماعة قالت للخادمين: أعطي كلًّا منكما ألف دينار إذا ساعدتماني على الفرار، وأمَّا إذا قُتلت فإن لي من ينتقم مني. فسمع أتوس كلامها فتقدَّم إليها وتقدَّم معه اللورد ونتر، فقال له: دَعِ الخادمين الآخرين يُمْسِكانِها. فدعا بهما أتوس وأرجع كريمود وموسكتون، فسارا بها حتى بلغا حافَة النهر فعمد إليها السياف وربط رِجْلَيْها ويديها، فصاحت بهم: إنكم جُبَناء أَخِسَّاء لا تَقْتُلون إلا نساء، فحذارِ حذارِ من ثأري وحَمْل دمي. فقال أتوس: ما أنت امرأة، إنْ أنتِ إلا ماردٌ فَرَّ من الجحيم وسيَرْجِع إليه. فقالت: إياكم أن تمسُّوني، فأنتم سفاكو دماء. فقال السياف: إن الجلاد يضرب الأعناق ولا جريمة قتل تلحق به، فاستعدِّي للموت. قالت: إذا كنت مجرمة فخذوني لدى القضاء فاشتكوا عليَّ، فإنكم لستم بقضاة تحكمون بالموت. فقال اللورد ونتر: لقد عرضتُ عليك النفي فلماذا لم تقبليه؟ قالت: لأني لا أريد أن أموت، فإني لم أزل حدَثة جميلة. قال: إن التي قتلْتِها بالسُّمِّ في الدَّيْر كانت أصغر منك سِنًّا وأبهى جمالًا. قالت: إذن أدخل في الدَّيْر فأتنسَّك. قال السياف: لقد كنت في الدَّيْر فلَمْ تخرجي منه حتى قُتل أخي بسببك. ثمَّ حملها ودنا بها مِنْ قارب كان في النهر لهذه الغاية، فقالت: يا رباه، قد عزموا على إغراقي. وكان في صوتها ضعف وخوف تأثَّر له دارتانيان وذكَّره بعض ما كان نسيَ من حبها، فأقبل على السياف وقال: لا أطيق أن أرى هذه الامرأة تموت. فلما سمعت ميلادي كلامه تجدد فيها بعض الأمل، فقالت: اذكر يا دارتانيان أنِّي كنت أحبك. فتقدَّم دارتانيان إليها، فشهر أتوس سيفه واعترضه وقال: إذا أقدمت تلجئني إلى أن أنازلك. فوقع دارتانيان على ركبتيه، فقال أتوس: يا سياف امضِ في عملك. قال: نعم. ثمَّ دنا أتوس من ميلادي فقال: أنا أغفر لكِ ما صنعْتِه معي من تدنيس شرفي وافتضاح عرضي وإضاعة حبي والحالة التي صيَّرتني إليها من اليأس، فموتي بسلام. فتقدَّم اللورد ونتر وقال: وأنا أغفر لك تسميم أخي وقتل بيكنهام وموت فلتون واجترائك عليَّ، فموتي بسلام. ثمَّ تقدَّم دارتانيان وقال: وأنا أغفر لك ما أجريتِ معي من وسائط القتل، وأغفر لكِ قتل حبيبتي وأسأل لك الرحمة، فموتي بسلام. فقامت ميلادي وقالت: قد انقطع الرجاء، فلا بدَّ من الموت. ثمَّ نظرت حولَها وقالت: أين مكان الإعدام؟ فأجابها السياف: على الشاطئ الآخر. ثمَّ حملها فوضعها في الزورق، فدنا منه أتوس وأعطاه بعض المال وقال: هذه أجرة الضرب فلا إثم عليك. قال: نعم، فأنا أصنع الواجب عليَّ. ثمَّ قذف بالزورق في النهر فسار نحو الشاطئ الآخر، وركع القوم يصلُّون لها. وكانت ميلادي وهي في الزورق قد حلَّت رجليها من الرباط، فلما أخرجها السياف فرَّت هاربة، وكانت الأرض حول النهر رخوة من المياه فزَلَقَتْ رِجْلُها وسقطت فأدركها السياف، ونظرت الجماعة من الضفة الأخرى سيف السياف يهوي على عنقها، ثمَّ سمعوا صوت موتها، فوضع السياف رداءه الأحمر ولَفَّ به الجثة والرأس وركب الزورق حتى صار في وسط النهر، فرمى بها فيه فغرقت.

ولما كان اليوم الثالث من هذه الحادثة وصل الحراس إلى باريز وذهبوا إلى زيارة دي تريفيل، فتلقَّاهم بالترحاب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤