الفصل العاشر

وسواء أكان لمصر وبريطانيا أن تبرما هذا الوفاق، أو كان هذا الوفاق من الناحيتين القانونية والدولية لاغيًا لا وجود له،١ فإن حقوق مصر في السيادة على السودان بأجمعه من الأمور المقررة؛ إذ إنها تستند إلى حق الفتح، كما تستند إلى الفرمانات العثمانية التي صدرت بموافقة الدول من أيام محمد علي إلى عباس حلمي الثاني «١٨٤١–١٨٩٢»، وإلى الاتفاقات الدولية التي تعهدت فيها الدول بالمحافظة على كيان الدولة العثمانية، ونفت عن نفسها تهمة الطمع في اقتطاع شيء من ممتلكاتها.

وليس أدل على وثاقة العلائق بين مصر والسودان من قول رياض باشا: «لا ينكر إنسان أن النيل هو مصدر الحياة ذاتها لمصر، ولما كان النيل هو السودان؛ فإنه ما من إنسان يستطيع نكران حقيقة الأواصر التي تربط بين مصر والسودان كما تتحد الروح بالجسد، وأن دولة تبسط سلطانها على شاطئ النيل لتقبض بكلتا يديها على مصر ذاتها.»

وقد استرشد محمد علي بهذه الحقيقة منذ رسم خطوط السياسة التي أدخلت السودان في نطاق السيادة المصرية، ونجح حفيده العظيم الخديوي إسماعيل في بسط حقوق هذه السيادة على ساحل البحر الأحمر الغربي، والساحل الصومالي حتى رأس حافون، ولم يَسَع الدول الأوروبية — على الرغم من اقتطاع أجزاء من السودان لنفسها عقب ثورة محمد أحمد المهدي — إلا أن تعترف بهذه الحقوق، وتنأى بجانبها عن أن تمس ما لمصر من سيادة على السودان.

١  Cocheris. 505–508.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥