الوثائق

(١) وفاق

مبرم في ١٥ يوليو سنة ١٨٤٠ فيما بين الباب العالي من جهة ودول بريطانيا العظمى، وأوستريا، وبروسيا وروسيا من جهة أخرى متعلقًا بإعادة السلم في الشرق.

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد، فإنه حيث سأل جلالة السلطان جلالة ملكة بريطانيا العظمى وأيرلاندة، وجلالة ملك أوستريا وهنكاريا والبوهام، وجلالة ملك بروسيا، وجلالة قيصر الروس مساعدتهم ومعاونتهم في حالة المصاعب التي ألمت بالباب العالي، بسبب الأعمال العدوانية التي أبداها محمد علي باشا، حاكم مصر، ومن مقتضاها تهديد الدولة العثمانية في حقوقها واستقلالية عرش سلطنتها.

وبناء على ذلك فقد اجتمع جلالة الملوك البادي ذكرهم، وبالنظر لشعائر الولاء الكائنة فيما بينهم وبين الحضرة السلطانية الفخيمة، ولما هم ميالون إليه من الرغبة في حفظ ممالك السلطنة السنية واستقلالها؛ إذ إن في ذلك ما يوجب استتباب السلام في أوروبا، وقيامًا بما تعهدوا به بموجب التحريرات المسلمة للباب العالي بواسطة سفرائهم في الآستانة، وتاريخها ٢٧ يوليو ١٨٣٩.

ولما كانت رغبتهم جميعًا منع سفك الدماء الذي ربما تسببه مداومة الحوادث العدوانية، التي انتشرت أخيرًا في سوريا بين حكومة الباشا المشار إليه ورعايا الحضرة السلطانية الفخيمة؛ لذلك قررت الدول المشار إليها والباب العالي — قصد الوصول للغايات المذكورة — وجوب تحرير هذا الوفاق بينهم جميعًا؛ فعينوا من قبلهم مندوبين مرخصين هم إلخ … وبعد أن تبادل المرخصون المذكورون الأوراق المؤذنة بانتدابهم لعقد الوفاق، فتحقق أنها مستوفاة أصولها، قرروا البنود الآتية وأمضوها:

المادة ١

حيث اتفقت الحضرة السلطانية الفخيمة مع جلالة ملكة بريطانيا العظمى، وجلالة ملك أوستريا وهنكاريا والبوهام، وجلالة ملك بروسيا، وجلالة قيصر روسيا على ما يجب ربطه من شروط الصلح التي أرادت الحضرة السلطانية أن تمنحها إلى محمد علي باشا، وهي تلك الشروط المُبيَّنة في العقد الملصوق بهذا الوفاق: تعهدت الدول المشار إليها بأن تتصرف بالاتحاد التام فيما بينها، وتبذل ما في وسعها لتقنع محمد علي باشا بقبول الصلح المُنوَّه عنه. وقد حفظت كل دولة من الدول المشار إليها حقها في أن تتصرف في هذا الأمر بما في إمكان كل منها إجراؤه من الوسائط دون الوصول إلى الغاية المذكورة.

المادة ٢

إذا لم يقبل محمد علي باشا إجراء الصلح على الصورة التي يعلنه الباب العالي بها، بواسطة جلالة الملوك المشار إليهم، يتعهد حينئذٍ هؤلاء الملوك بأن يتخذوا — بناءً على طلب الحضرة السلطانية الفخيمة — ما يُتَّفق عليه من التدابير، وما يقررونه بينهم من الإجراءات؛ كي يتحصلوا على تنفيذ هذا الصلح.

وحيث إن في هذه الأثناء طلبت الحضرة الفخيمة السلطانية من حلفائها الملوك المذكورين الانضمام إليها؛ لمساعدتها على قطع المواصلات بحرًا بين مصر وسوريا، ومنع إرساليات العساكر والخيول والأسلحة والذخر الحربية — على اختلاف أنواعها — من إحدى هاتين المقاطعتين للأخرى.

بناءً على ذلك تعهد جلالة الملوك البادي ذكرهم بإصدار أوامرهم إلى قواتهم البحرية في البحر المتوسط لأجل هذه الغاية، وقد وعد جلالتهم — فضلًا على ما ذُكر — بأن يعطي رؤساء أساطيلهم حسب ما لديهم من الوسائط، وباسم المحالفة المُنوَّه عنها، كافة ما يستطيعونه من أنواع المساعدة لرعايا السلطنة السنية الذين يُظهرون صدق أمانتهم، وخضوعهم لمليكهم.

المادة ٣

وإذا وجه محمد علي باشا قواته البحرية والبرية نحو الآستانة بعد أن يكون قد رفض الصلح المذكور، فالملوك المشار إليهم متفقون — إذا مست الحاجة — على تلبية طلب الحضرة السلطانية الفخيمة؛ فيدافعون عن عرش سلطنته إذا طلب ذلك منهم بواسطة سفرائهم في الآستانة، فيقومون بالعمل بالاتحاد فيما بينهم لوقاية خليج القسطنطينية والطونة وعاصمة الدولة العثمانية من كل تعدٍّ.

ومن المتفق عليه — فضلًا على ذلك — أن القوات التي ستُرسلها الدول المشار إليها للأماكن المذكورة — لأجل الغاية المار ذكرها — ستبقى في تلك الأماكن ما دامت الحضرة السلطانية تريد بقاءها فيها، ومتى تراءى لجلالة السلطان أن وجودها غير لازم؛ فتسحب حينئذ كل دولة قواتها، فترجع جميعها إلى حيث أتت؛ إما في البحر الأسود، وإما في البحر المتوسط.

المادة ٤

وقد تقرر بنوع خصوصي أن مساعدة الدول في العمل المذكور في البند السابق — ومن شأنها وضع خليج القسطنطينية والطونة وعاصمة السلطنة السنية تحت ملاحظة الدول المشار إليها وقتيًا؛ لمقاومة كل تعدٍّ يحصل من قبل محمد علي باشا — لا تعتبر إلا كأنها مساعدة غير اعتيادية سمحت بها الدول المشار إليها؛ بناء على طلب السلطنة السنية للدفاع عنها في الظرف المحكي عنه وحده دون سواه.

وعلى ذلك قد اتفقت الدول البادي ذكرها بأن إجراءاتها الآنفة الذكر في الظرف المبحوث فيه لا تنفي أصالة القاعدة القديمة التي سنَّتها السلطنة السنية، ومن مقتضاها منع سفن الدول الأجنبية الحربية منذ القديم من الدخول في مضيق خليج القسطنطينية والطونة. وقد أقرت الحضرة السلطانية بموجب هذا الوفاق أنها — فيما خلا الظرف المُنوَّه عنه — شديدة العزم باستمرار الإجراء بمقتضى القاعدة المذكورة المؤسسة بنوع لا يقبل التغيير؛ لأنها قاعدة قديمة اتخذتها السلطنة، وما دام الباب العالي بسلام فلا يُقبل أن تدخل ولا سفينة واحدة حربية أجنبية في مضيق خليج القسطنطينية والطونة. وقد أقرت جلالة ملكة بريطانيا العظمى وأيرلاندة، وملك أوستريا وهنكاريا والبوهام، وملك بروسيا، وقيصر روسيا باحترام عزم الحضرة السلطانية فيما كان مختصًّا بالقاعدة آنفة الذكر، وباتِّباع الإجراء على مقتضاها.

المادة ٥

سيُجرى التصديق على هذا الوفاق ويُتبادَل في لوندره في ظرف شهرين أو في أقرب من ذلك — إن أمكن — وعلى ذلك أمضى المرخصون هذا الوفاق، وأمهروه بأختامهم.

الإمضاءات
بلمرستون – نيومان – بولاو – برناو – شكيب
عن قاموس الإدارة والقضاء. فيليب جلاد. المجلد الخامس

(٢) عقد

مفرد ملصوق بالاتفاق المبرم في لوندره في ١٥ يوليو سنة ١٨٤٠ بين دولة بريطانيا العظمى والنمسا وبروسيا وروسيا من جهة، والدولة العثمانية من جهة أخرى.

عزمت الحضرة السلطانية الفخيمة على أن تسمح لمحمد علي باشا بشروط الصلح الآتية، ونقلها إليه:

البند الأول

وعدت الحضرة السلطانية بأن تسمح لمحمد علي باشا، ثم إلى أولاده من صلبه بولاية باشوية مصر بالتوارث بينهم، ووعدت جلالتها أيضًا بأن تسمح لمحمد علي باشا طول حياته بلقب باشوية عكا، وتوليته قلعتها، وبولاية الجهة الجنوبية من سوريا، فيبتدئ من رأس النقار على شطوط البحر المتوسط، وتمتد من هناك رأسًا حتى مصب نهر السيسبان، والطرف الشمالي من بحيرة طبرية، ثم يمتد طول شاطئ البحيرة المذكورة الغربي، وتتبع شط نهر الأردن الأيمن، وشط نهر الموت الغربي، ثم تمتد من هناك على خط مستقيم حتى البحر الأحمر، فتنتهي إلى رأس خليج العقبة الشمالي، وتتبع شط هذا الخليج الغربي وشط خليج السويس الغربي حتى السويس.

على أن الحضرة السلطانية في عرضها ذلك على محمد علي باشا تقترح عليه شرطًا، وهو أن يقبل ما عرضه عليه في بحر عشرة أيام من إعلانها إليه في الإسكندرية، بواسطة مأمور ترسله جلالتها يُسلِّمه محمد علي في الوقت نفسه التعليمات اللازمة لرؤساء قواته البرية والبحرية بالانجلاء حالًا عن بلاد العرب، والبلاد المقدسة الواقعة فيها، وجزيرة كندية، ومقاطعة أطنة، وباقي أنحاء الممالك العثمانية غير الداخلة في التخوم المصرية، ولا في حدود باشاوية عكا المعينة أعلاه.

البند الثاني

وإذا لم يقبل محمد علي باشا شروط الصلح المذكورة في أثناء العشرة أيام المعينة أعلاه، فيرجع الباب العالي عما عرضه من تولية الباشا المشار إليه باشاوية عكا، ولكنه يُبقي ما سمح به له ولورثائه من صلبه بعده من تولية باشاوية مصر، بشرط أن يقبل بذلك في ظرف عشرة أيام أخرى؛ أعني في بحر عشرين يومًا تبدأ من يوم إعلانه بشروط الصلح، وأن يسلم لمندوب الباب العالي التعليمات اللازمة القاضية على قواد قواته البرية والبحرية بالانجلاء، والدخول في حدود مصر ومرافئها.

البند الثالث

أما الخراج السنوي الواجب على محمد علي باشا تأديته إلى الحضرة السلطانية الفخيمة، فيكون بمناسبة الأراضي التي يتحصل على ولايتها على حسب ما يقبله من أحد الشرطين السالف ذكرهما.

البند الرابع

وزد على ذلك، فإنه من المقرر حتميًّا أن على كلتا الحالتين؛ أعني حالة قبول الشرط الأول أو الثاني قبل مُضِيِّ مهلتي العشرة أيام والعشرين يومًا، يلتزم محمد علي باشا بأن يسلم الأسطول العثماني بملاحيه وتجهيزاته الكاملة إلى المندوب العثماني المكلف باستلامه، ويحضر رؤساء الأساطيل المتحالفة هذا التسليم. ومن المقرر أيضًا أن ليس لمحمد علي باشا، في أي حال من الأحوال، أن يحتسب على الباب العالي قيمة ما أنفقه على الأسطول العثماني من المصاريف طول مدة إقامته في المرافئ المصرية، ولا أن يخصم هذه المصاريف من الخراج الواجب عليه دفعه.

البند الخامس

أن جميع معاهدات وقوانين الدولة العثمانية تجري في مصر وباشاوية عكا — المحدودة تخومها أعلاه — كما هو جارٍ العمل بها في كافة أنحاء الممالك العثمانية، ولكن الحضرة السلطانية الفخيمة تقبل لمجرد قيام محمد علي باشا تأدية الخراج في أوقاته، أن يحصل هو وورثائه من بعده باسم السلطنة السنية، وبصفة كونهم مندوبين الحضرة السلطانية، الأموال والضرائب في كافة المقاطعات المسلمة ولايتها إليهم.

ومن المعلوم — فضلًا على ما ذكر بواسطة ما يحصله محمد علي وورثاؤه من بعده من الضرائب والأحوال المذكورة — أنهم يقومون بكافة النفقات اللازمة للإدارة المدنية والحربية في المقاطعات المذكورة.

البند السادس

ولما كانت القوات البرية والبحرية التي يسوغ لباشاويتي مصر وعكا اتخاذها معتبرة جميعها كقوات عثمانية تُعد كأنها متخذة لخدمة السلطنة السنية.

البند السابع

نعم إن هذا العقد مفرد، ولكنه ذو مفعول ونفوذ كما لو كان مدروجًا بالحرف الواحد في اتفاق هذا اليوم، وسيجري التصديق عليه وتبادل التصديقات بشأنه في لوندره حال مبادلة التصديق على الوفاق الآنف الذكر، وقد أمضى المرخصون هذا العقد، وأمهروه بأختامهم بلوندره في ١٥ يوليو سنة ١٨٤٠.

بالمرستون – نيومان – بولاو – برناو – شكيب
عن قاموس الإدارة والقضاء - المجلد الخامس

(٣) كتاب

وزيري مقدم إلى محمد علي باشا بتاريخ ٢١ ذي القعدة سنة ١٢٥٦ﻫ، الموافق ١٣ فبراير سنة ١٨٤١.

إن الحضرة السلطانية الفخيمة راضية عن اعتنائكم في تقديم مواجب الخضوع الحقيقية، والقيام بفرائض الطاعة لسدتها الملوكية، فثبتتكم على ولاية مصر بطريق التوارث، وقد أصدرت خطًّا شريفًا حاويًا بعض شروط متعلقة بهذا الشأن مرفوقًا بوسام وزيري، وطربوش مرصع بالحجارة الكريمة. وكل ذلك يرسله إليكم سعادة وكيل العدلية حالاً، السيد مهيب أفندي، من قِبَل جلالة السلطان المُعظَّم، على أن حكمتكم وحسن تدبيركم لا يسمحان لكم قط بأن تتعدوا حدود الخضوع والأمانة، اللذين هما ينبوع السعادة في الدارين.

أما الباب العالي فله بكم ثقة تامة، ولم تكن ست الشروط المحكي عنها بسبب سوء مقاصد نحو سعادتكم، ولكن الإحسان العظيم الذي مُنِحتم بتوليتكم مصر بطريقة التوارث كان لا بد فيه من اقتراح بعض شروط يتقيد بها، وما المقصود من اقتراحها سوى منع المنازعات التي ربما تحدث في مستقبل مجهول غير معلوم، وضمان سعادة أهالي مصر، فلم يبق بعد ذلك سبب لشكوى الباب العالي، وقلق سعادتكم، لا عما خصكم شخصيًّا، ولا عمن كان مختصًّا بعائلتكم؛ لأن أنواع الخلاف التي دامت زمنا طويلًا زالت اليوم والحمد لله بتمامه.

ولا ريب عندي بأن ما فُطرتم عليه من الحكمة يجعلكم أن تقدروا إحسانات الحضرة الفخيمة السلطانية نحوكم حقَّ قدرها، فتبذلوا قصارى جهدكم في سبيل معرفة هذا الجميل، بحيث — مع مشيئة الرحمن — لا نكون جميعًا إلا جسدًا واحدًا، فلا يقسمنا عن بعضنا شيء، ونشتغل أجلنا — في ظل ظليل الحضرة السلطانية — في خدمة الدين والسلطنة السنية، والوطن والأمة. وأهنئ نفسي بذلك أنا وجميع وزراء الباب العالي تهنئة صادقة.

فيليب جلاد. قاموس الإدارة والقضاء. المجلد الخامس

(٤) صورة

الخط الشريف الهمايوني المانح محمد علي ولاية مصر بطريق التوارث تحت شروط معلومة.
مؤرخ في ١٣ فبراير سنة ١٨٤١ الموافق ٢١ ذي القعدة سنة ١٢٥٦.

رأينا بسرور ما عرضتموه من البراهين على خضوعكم، وتأكيدات أمانتكم، وصدق عبوديتكم الشاهانية، ولمصلحة بابنا العالي. فطول اختباركم، وما لكم من الدراية بأحوال البلاد المسلمة إدارتها لكم من مدة مديدة، لا يتركان لنا ريبًا بأنكم قادرون، بما تبدونه من الغيرة والحكمة في إدارة شئون ولايتكم، على الحصول من لدنا الشاهاني على حقوق جديدة في تعطفاتنا الملوكية، وثقتنا بكم، فتقدرون في الوقت نفسه إحساناتنا إليكم قدرها، وتجتهدون ببث هذه المزايا التي امتزتم بها في أولادكم.

وبمناسبة ذلك صممنا على تثبيتكم في الحكومة المصرية المبينة حدودها في الخريطة المرسومة لكم من لدن صدرنا الأعظم، ومنحناكم فضلًا على ذلك ولاية مصر بطريق التوارث بالشروط الآتي بيانها: متى خلا منصب الولاية المصرية تعهد الولاية إلى من تنتخبه سدتنا الملوكية من أولادكم الذكور، وتجري هذه الطريقة نفسها بحق أولاده، وهلم جرًّا، وإذا انقرضت ذريتكم الذكور لا يكون لأولاد نساء عائلتكم الذكور حق — أيًّا كان — في الولاية المذكورة.

على أن حق التوارث الممنوح لوالي مصر لا يمنحه رتبة ولا لقبًا أعلى من رتبة سائر الوزراء ولقبهم، ولا حقًّا في التقدم عليهم، بل يعامل بذات معاملة زملائه، وجميع أحكام خطنا الشريف الهمايوني الصادر عن كلخانة، وكافة القوانين الإدارية الجاري العمل بها، أو تلك التي سيجري العمل بموجبها في ممالكنا العثمانية، وجميع العهود المعقودة أو التي ستعقد في مستقبل الأيام بين بابنا العالي والدول المتحابة، يتبع الإجراء على مقتضاها جميعها في ولاية مصر أيضًا، وكل ما هو مفروض على المصريين من الأموال والضرائب يجري تحصيله باسمنا الملوكي.

ولكن لا يكون أهالي مصر — وهم من بعض رعايا بابنا العالي — معرضين للمضار والأموال والضرائب غير القانونية. يجب أن تنظم تلك الأموال والضرائب المذكورة بما يوافق حالة ترتيبها في سائر الممالك العثمانية، وربع الإيرادات الناتجة من الرسوم الجماركية ومن باقي الضرائب التي تتحصل في الديار المصرية، يتحصل بتمامه ولا يخصم منه شيء، ويُؤدَّى إلى خزينة بابنا العالي العامرة، والثلاثة الأرباع الباقية تبقى لولايتكم؛ لتقوم بمصاريف التحصيل والإدارة المدنية والجهادية، وبنفقات الوالي، وبأثمان الغلال الملزومة مصر بتقديمها سنويًّا إلى البلاد المقدسة: مكة والمدينة.

ويبقى هذا الخراج مستمرًّا دفعه من الحكومة المصرية بطريقة تأديته المشروحة مدة خمس سنوات، تبتدئ من عام ١٢٥٧؛ أي يوم ١٢ فبراير سنة ١٨٤١، ومن الممكن ترتيب حالة أخرى بشأنهم في مستقبل الأيام، تكون أكثر موافَقةً لحالة مصر المستقبلة، ونوع الظروف التي ربما تجِدُّ عليها. ولما كان من واجبات بابنا العالي الوقوف على مقدار الإيرادات السنوية، والطرق المستعملة في تحصيل العشور وباقي الضرائب، وكان الوقوف على هذه الأحوال يستلزم تعيين لجنة مراقبة وملاحظة في تلك الولاية، فينظر في ذلك فيما بعد، ويجري ما يوافق إرادتنا السلطانية.

ولما كان من اللزوم أن يعين بابنا العالي ترتيبًا لسك النقود؛ لما في ذلك من الأهمية، بحيث لا يعود يحدث فيما بعدُ خلافٌ لا من جهة العيار، ولا من جهة القيمة، اقتضت إرادتي السنية أن تكون النقود الذهبية والفضية الجائز لحكومة مصر ضَرْبها باسمنا الشاهاني مُعادِلة للنقود المضروبة في ضربخانتنا العامرة بالآستانة، سواء كان من قبيل عيارها أو من قبيل هيئتها وطرزها.

ويكفي أن يكون لمصر في أوقات السلم ثمانية عشر ألف نفر من الجند للمحافظة في داخلية مصر، ولا يجوز أن تتعدى ولايتكم هذا العدد، ولكن حيث إن قوات مصر العسكرية مُعدَّة لخدمة الباب العالي كأسوة قوات المملكة العثمانية الباقية؛ فيسوغ أن يزاد هذا العدد في زمن الحراب بما يُرى موافقًا في ذلك الحين، على أنه بحسب القاعدة الجديدة المتبعة في كافة ممالكنا، بشأن الخدمة العسكرية، بعد أن تخدم الجند مدة خمس سنوات؛ يُستبدلون بسواهم من العساكر الجديدة، فهذه القاعدة يجب اتِّباعها أيضًا في مصر، بحيث ينتخب من العساكر الجديدة الموجودة في الخدمة حالًا عشرون ألف رجل ليبتدئوا الخدمة، فيحفظ منها ثمانية عشر ألف رجل في مصر، وترسل الألفان لهنا لأداء مدة خدمتهم.

وحيث إن خمس العشرين ألف رجل واجب استبدالهم سنويًّا، فيؤخذ سنويًّا من مصر أربعة آلاف رجل حسب القاعدة المقررة من نظام العسكرية حين سحب القرعة، بشرط أن تستعمل في ذلك مواجب الإنسانية والنزاهة والسرعة اللازمة، فيبقى في مصر ثلاثة آلاف وستمائة جندي من الجنود الجديدة، والأربعمائة يرسلون إلى هنا. ومن أتم مدة خدمته من الجنود المرسلة إلى هذا الطرف، ومن الجنود الباقية في مصر؛ يرجعون إلى مساكنهم، ولا يسوغ طلبهم للخدمة مرة ثانية.

ومع كون مناخ مصر ربما يستلزم أقمشة خلاف الأقمشة المستعملة لملبوسات العساكر، فلا بأس في ذلك، فقط يجب أن لا تختلف هيئة الملابس والعلائم التمييزية، ورايات الجنود المصرية عن مثلها من ملابس ورايات باقي الجنود العثمانية، وكذا ملابس الضابطان وعلائم امتيازهم، وملابس الملاحين، وعساكر البحرية المصرية ورايات سفنها يجب أن تكون مماثلة لملابس ورايات وعلائم رجالنا وسفننا، وللحكومة المصرية أن تعين ضباط بريةٍ وبحريةٍ حتى رتبة الملازم، أما ما كان أعلى من هذه الرتبة؛ فالتعيين إليها راجع لإرادتنا الشاهانية.

ولا يسوغ لوالي مصر أن يُنشئ من الآن فصاعدًا سفنًا حربية إلا بإذننا الخصوصي. وحيث إن الامتياز المُعطَى بوراثة ولاية مصر خاضع للشروط الموضحة أعلاه، ففي عدم تنفيذ أحد هذه الشروط موجب لإبطال هذا الامتياز وإلغائه للحال، وبناءً على ذلك قد أصدرنا خطنا هذا الشريف الملوكي كي تقدروا أنتم وأولادكم قدر إحساننا الشاهاني، فتعتنوا كل الاعتناء بإتمام الشروط المقررة فيه، وتحموا أهالي مصر من كل فعل إكراهي، وتكفلوا أمنيتهم وسعادتهم من الحذر من مخالفة أوامرنا الملوكية، وإخبار بابنا العالي عن كل المسائل المهمة المتعلقة بالبلاد المعهودة ولايتها لكم.

إسماعيل سرهنك. حقائق الأخبار عن دول البحار. الجزء الثاني
فيليب جلاد. قاموس الإدارة والقضاء. المجلد الخامس

(٥) فرمان

١٣ فبراير ١٨٤١، الموافق ٢١ ذي القعدة ١٢٥٦، الصادر لمحمد علي باشا.
«بخصوص السودان.»

فرمان سلطاني … لوزيري محمد علي باشا، والي مصر، المعهودة إليه مجددًا ولاية مقاطعات نوبيا والدارفور وكردفان وسنار: إن سدتنا الملكية — كما توضح في فرماننا السلطاني السابق — قد ثبتكم على ولاية مصر بطريق التوارث بشروط معلومة، وحدود معينة، وقد قلدتكم فضلًا على ولاية مصر ولاية مقاطعات النوبة والدارفور وكردفان وسنار، وجميع توابعها وملحقاتها الخارجة عن حدود مصر، ولكن بغير حق التوارث.

فبقوة الاختبار والحكمة التي امتزتم بها تقومون بإدارة هذه المقاطعات، وترتيب شئونها بما يوافق عدالتنا، وتوفير الأسباب الآيلة لسعادة الأهلين، وترسلون في كل سنة قائمة إلى بابنا العالي حاوية بيان الإيرادات السنوية جميعها. وحيث إنه يحدث من وقت لآخر أن تهجم الجنود على قرايا المقاطعات المذكورة، فيأسرون الفتيان من ذكور وإناث، ويبقونهم في قبضة يدهم لقاء رواتب.

وحيث إن هذه الأمور مما تقضي معها الحال ليس فقط لانقراض أهالي تلك البلاد وخرابها، بل إنها أمور مخالفة للشريعة الحقة المقدسة، وكلا هاتين الحالتين ليستا أقل فظاعة من أمر آخر كثير الوقوع، وهو تشويه الرجال ليقوموا بخفر الحريم، وذلك مما ليس ينطبق على إرادتنا السنية، مع مناقضته كل مناقضة لمبادئ العدل الإنسانية المنتشرة من يوم جلوسنا المأنوس على عرش السلطنة السنية؛ فعليكم مداركة هذه الأمور بما ينبغي من الاعتناء لمنع حدوثها في المستقبل، ولا يبرح عن بالكم أن فيما عدا بعض أشخاص توجهوا إلى مصر على أسطولنا الملوكي، فقد عفوت عن جميع الضابطان والعساكر، وباقي المأمورين الموجودين في مصر.

نعم، إن بموجب فرماننا السلطاني السابق تسمية الضابطان المصرية لما فوق رتبة المعاون يستلزم العرض عنها لأعتابنا الملوكية، إلا أنه لا بأس من إرسال بيان باسم من رقيتم من ضباط جنودكم إلى بابنا العالي؛ كي نرسل لكم الفرمانات المؤذنة بتثبيتكم لهم في رتبهم. هذا ما نطقت به إرادتنا السامية؛ فعليكم الإسراع في الإجراء على ما اقتضاه.

فيليب جلاد. قاموس الإدارة والقضاء. المجلد الخامس

(٦) لائحة

مؤتمر لوندره رقم ١٣ مارس سنة ١٨٤١ المرسلة إلى سفير تركيا، شكيب أفندي، ردًّا على الفرمان الصادر بتقليد محمد علي ولاية مصر، وأعلن إليه بواسطة السفير.

تشرف الموقعون بإمضاءاتهم في ذيله بوصول اللائحة المؤرخة في ١١ الجاري التي بشرهم شكيب أفندي فيها بإبداء محمد علي شعائر خضوعه، وقيام الحضرة السلطانية الفخيمة بإنجاز وعدها، فأرجعته بشروط معلومة إلى مركز ولايته بطريق التوارث. وقد أبلغ السفير العثماني هذه البشرى لمرخصي الأربع دول المتحالفة، وأعلنهم بالفرمان الصادر في ١٣ فبراير سنة ١٨٤١، واللائحة التي قدمها رشيد باشا لوكلاء الأربع دول في الآستانة مبشرة بانحسام المسألة المصرية.

فيعتبر الموقعون إمضاءاتهم في ذيله كواجب عليهم أن يُظهروا للسفير العثماني باسم دولهم عظيم سرورهم لهذه البشرى، التي مع كونها حسمت المسألة المصرية بصورة نهائية، ما برحت أن نتج عنها بلوغ الدول الموقعة على معاهدة ١٥ يوليو تمام ما قصدته وتمنته من سياستها التي اتبعتها في المسألة المذكورة. وقد لبت سلفًا الأربع دول المذكورة سؤال الباب العالي، بأن قررت وجوب رجوع قناصلها الجنرالية إلى الإسكندرية، وقد كلفت — في لائحتها المؤرخة في ٥ مارس — وكلاءها في الآستانة أن يتفقوا مع الباب العالي على تعيين الزمن اللازم رجوع القناصل فيه إلى مصر.

أما عما خصَّ التفصيلات المتعلقة بإدارة مصر الداخلية، وقد ذكرت في الفرمان الصادر في ١٣ فبراير، فجاء للواضعين إمضاءاتهم فيه أدناه تحريرات من الإسكندرية مؤرخة في ٢٤ من الشهر المرقوم، تُنبئ بأنه قد أجريت معظم الأمور المذكورة. وبالفعل قد اعترف محمد علي — دون إبداء أي احتجاج وتحفظ — بأن جميع العهود والشرائع العثمانية واجبة الإجراء والاتِّباع في مصر كما هي جارية في سائر الممالك العثمانية، وقد خضع لأوامر الباب العالي بشأن نظام سكِّ النقود وطريقته، وجمع العساكر وملبوساتهم، وإنشاء السفن الحربية، وإعادة وضع القوات البرية والبحرية التي حدد الباب العالي عددها تحت أوامر الحضرة السلطانية.

وهو — بعبارة ثانية — قد أصبح اليوم بأعين الباب العالي في حالة أحد رعاياه متقلدًا ولاية هي جزء لاحق بالممالك العثمانية، وإذا ذهبنا من هذا المبدأ الذي كانت معاهدة ١٥ يوليو متكفلة بترتيبه، لم يعد باقٍ إلا أن تقوم السلطنة السنية بما كان متعلقًا بها وحدها، وهو أن تحسم المسائل المتعلقة بالإدارة الداخلية؛ لأنها لم تُنظم بعدُ، وأن تراعي أماني محمد علي التي عرضها للأعتاب الشاهانية بهذا الشأن للحكم بها.

على أن حسم المسائل المختصة بالإدارة الداخلية هو اليوم من اختصاص الحضرة السلطانية وحدها دون سواها، فلتحسمها سدتها الملوكية مع مراعاة ما قد عرضه محمد علي لأعتابها من الأماني بخصوصها، ولا يتعرض الموقعون بإمضاءاتهم في ذيله للبحث هنا في هذه المسائل؛ لأن ذلك لم يكن من اختصاصهم، بل يقتصرون على ذكر المبادئ التي أسسوها في لائحتهم المقدمة للسفير العثماني بتاريخ ٣٠ يناير.

وهي مبادئ مؤسسة على الشروط المدرجة في العقد المفرد المرفوق بمعاهدة ١٥ يوليو، وواجب اتخاذها للإيضاحات الحبية التي ربما يرى وكلاء الأربع دول لزومًا بتبيانها إلى الباب العالي، والموقعون بإمضاءاتهم فيه أدناه هم على يقين تام بأن ما يبدونه من الملاحظات — عن قصد مخلص في حب الصلح — إنما تتقبله الحضرة السلطانية بنفس الانعطاف الذي ما زالت تتلقى به آراء الدول حتى الآن؛ فإنها قدرت هذه الآراء المخلصة المنزهة عن كل غرض حقَّ قدرها، وأتمت من فيض مراحمها التي تكفلت حليفاتها به، وساعدتها على إنجازه.

فيليب جلاد. قاموس الإدارة والقضاء. المجلد الخامس

(٧) لائحة

الباب العالي للدول مؤرخة في ١٥ أبريل سنة ١٨٤١.

إن الحضرة السلطانية الفخيمة تلقت ما تعطفت عليها به الدول المتحالفة من النصائح هذه الدفعة أيضًا، وبمناسبتها قد منحت محمد علي إحسانًا جليلًا، هو التكرم منها بإعطائه الامتيازات الآتية، ولكنها قد اشترطت عليه الانقياد التام إلى جميع الوثائق والمعاهدات المبرمة، والتي ستبرم استقبالًا فيما بين الباب العالي والدول المتحالفة، وعلى ذلك فأصبحت ولاية مصر تنتقل بالإرث لأولاد محمد علي وأولاد أولاده الذكور بصورة: أن يتولى الأكبر فالأكبر فيقلدوا من الباب العالي منصب الولاية كلما خلا هذا المنصب من والٍ، وقد تنزل الباب العالي عن استيلائه على ربع إيرادات مصر، وسيبين فيما بعد قيمة الخراج الواجب على ولاية مصر دفعه، وترتيب مقدار طريقة تحصيله بما يناسب حالة إيرادات الولاية المذكورة.

عما خص التسميات في الرتب المختلفة في العسكرية المصرية، فمرخص لمحمد علي باشا أن يمنحها من نفسه حتى رتبة الأميرالاي فقط، أما التسمية لما فاق على هذه الرتبة فيجب عليه أن يعرض بشأنه إلى الباب العالي، أما ما كان متعلقًا بالإدارة الداخلية، وكان اتِّباعه واجبًا في مصر كاتباعه في سائر الممالك، فيظهر أن محمد علي لا يريد التكلم بشأنه بما ينبغي من الصراحة، مع كونه قد سبق تقرير ذلك في العقد المفرد التابع لمعاهدة المحالفة.

ولكن كي لا يدع الباب العالي سبيلًا للدول المتحالفة للتبرر منه بأمر من الأمور، كما لو حدث أن ارتكب محمد علي في المستقبل أعمالًا مخالفة لنقطة مهمة مسندة على المعاهدة المحكي عنها، قد قرر وزراء الباب العالي، والحالة على ما ذكر، أمرًا شديد الأهمية؛ هو أن تطلب بادئ بدء الإيضاحات والتقريرات الصريحة بهذا الصدد، ولذلك تحرر هذا لسعادتكم رجاء إعطاء الإيضاحات والتقريرات المذكورة من قبلكم خطًّا.

فيليب جلاد. قاموس الإدارة والقضاء. المجلد الخامس

(٨) لائحة

مؤتمر لوندره رقم ١٠ مايو سنة ١٨٤١.

يتشرف الموقعون إمضاءاتهم فيه أدناه بأخذ اللائحة المؤرخة في ١٧ أبريل، التي طلب بها سعادة شكيب أفندي، سفير الباب العالي، مشاركة الدول المحالفة مع حكومة الحضرة السلطانية في إزالة المصاعب الناشئة عن تأويل بعض البنود المدروجة في فرمان ١٣ فبراير الأخير، الصادر عن قصد حسم المسائل الشرقية نهائيًّا.

أما الأحكام المذكورة: وأولها: مسألة التوارث، وثانيها: مسألة تعيين الخراج، وثالثها: مسألة الترتيب في الرتب الجهادية، فتقررت الثلاث مسائل المذكورة في معاهدة ١٥ يوليو المبرمة فيما بين الباب العالي وأوستريا وبريطانيا العظمى وبروسيا وروسيا. وقد استعان الموقعون إمضاءاتهم في ذيله على المعاهدة الآنفة الذكر في اللائحتين ٣٠ يناير و١٣ مارس المقدمتين لسعادة سفير الدولة العثمانية، وبناءً على ذات هذه المعاهدة تُسرع الدول المشار إليها في إعطاء سعادة شكيب أفندي الإيضاحات الآتية:

عما خص مسألة التوارث

أولًا: أن جلالة الحضرة الفخيمة السلطانية قررت ما قد كانت أظهرته من الآراء حال بداية الأزمة المتعلقة بالمسألة الشرقية، فتركت لمحمد علي وعائلته إدارة ولاية مصر ما داموا مستحقين هذا الإحسان، وقائمين بإتمام الشروط المقترحة عليهم دون ذلك بأمانة، وإذا تقرر هذا المبدأ لم يعد سوى تعيين طريقة انتقال الولاية المذكورة بالإرث من عضو إلى آخر من عائلة محمد علي، فتقرر أن يقلد الباب العالي منصب الولاية لكل مستحق جديد اقتضى توليته بعد خلو المنصب من الوالي السابق.

وبناء على هذه القاعدة صدر فرمان ١٣ فبراير، وفضلًا عما ذكر، قد أعفت الحضرة السلطانية الوالي من التوجه إلى الآستانة ليتقلد منصبه، وأردف الباب العالي قوله بأن يعفى إبراهيم باشا أيضًا من ذلك فيما لو ورث الولاية عن أبيه، فيُرسل فرمان تقليده الولاية إلى مصر، وعرَّف الباب العالي الدول المتحالفة بالطريقة التي اختارتها الحضرة السلطانية بشأن إدارة ولاية مصر الممنوحة لعائلة محمد علي، وكذلك بمتقضى القاعدة نفسها يجب أن يعتبر كبير العائلة بعد إبراهيم باشا وريثًا للولاية.

هذه قاعدة عمومية ترى الدول المتحالفة أنها أكثر فائدة لمصلحة الباب العالي، وأكثر موافقة لسنة المملكة العثمانية وتقاليدها، ولما أجابت الدول على السؤال الذي طرحه عليها سفير الدولة العثمانية من قبل حكومته، كان كأنه محقق لديها أن أمر التنصيب على ولاية مصر إنما هو من اختصاص الحضرة السلطانية دون سواها، وأن هذا الحق من الواجب اتباعه كلما تقلد والٍ هذا المنصب.

وأخيرًا أن هذه التولية الصادرة من السدة الملوكية هي التي يتكون منها الحق، الذي كان بموجبه لكل والٍ أن يدير ولاية مصر باسم الحضرة السلطانية السنية؛ لأنها — أي الولاية المذكورة — جزء من الممالك العثمانية ولاصقة بها.

عما خص تعيين الخراج

ثانيًا: إن العقد المقرر المرفوق بوفاق ١٥ يوليو ما قرر شيئًا من قيمة الخراج، بل ذكر فيه مبدأ؛ هو أن الخراج يدفع سنويًّا إلى الباب العالي، وأن يُقدَّر بمناسبة ما يتولاه محمد علي من الأراضي، وأنه مشروط على محمد علي باشا رفع الخراج المذكور في أوقاته، فيحصل الضرائب والأموال باسم الحضرة السلطانية كمندوب من طرفها في ذلك، وأن الباشا المومى إليه يتكفل بإدارة مصر المدنية والعسكرية.

وإذا ذكر مرخصو الدول الموقعون إمضاءاتهم على وفاق ١٥ يوليو الأحكام المقررة فيه، فلا يُبدوا رأيًا بشأن قيمة الخراج؛ لأنهم يرون في ذلك تجاوزًا لحدود حقوقهم، ولأن هذه المسألة مالية، فمتعلقة بإدارة المملكة العثمانية، وهي كما قالوا قبلًا في لائحة ١٣ مارس لم تكن داخلة ضمن دائرة اختصاصهم، ولا هم يقدرون على إبداء حكم صحيح فيما يمكن للباب العالي تحصيله خراجًا من إيرادات مصر؛ لأن ليس لديهم إحصاءات حقيقية عن الإيرادات المذكورة.

على أنهم يقومون مع ذلك بقدر استطاعتهم بتلبية ما قد طلبه منهم سعادة شكيب أفندي، بالنيابة عن الباب العالي، بالخصوص المذكور، فالذي يرونه أن الأوفق لمصلحة الباب العالي استبدال الخراج الواجب على محمد علي باشا، وكان مفروضًا له جانب نسبي من قائم إيرادات مصر بمبلغ معين نظير الخراج المذكور؛ وبذا تكون قد كفلت خزينة الباب العالي ولذاتها إيرادًا سنويًّا معينًا.

وحيث إن الأحوال التي ستتخذ أساسًا لتعيين المبلغ المسمى المُنوَّه عنه تحتمل التغيير مع مرور الأزمان عليها، فيوافق والحالة هذه جعل هذا القرار المسمى تحت التنقيح كل ما مضت عليه مدة معلومة.

عما خص ترقي العسكرية

ثالثًا: قد ورد النص في الفقرة السادسة من العقد المقرر المرفوق بوفاق ١٥ يوليو بما مفاده: أن جميع القوات البرية والبحرية التي يمكن أن تقتنيها ولاية مصر هي من جملة قوات المملكة العثمانية، فيجب أن تعتبر مُعدَّة لخدمة الحكومة العثمانية، فينتج من ذلك أن القوة العسكرية التي تستخدمها ولاية مصر هي قوة السلطنة العثمانية، وأن ضباطها لا يترقون إلا بأمر الحضرة السلطانية وحدها التي تخص الجنود والأساطيل العثمانية.

ولما كان هذا المبدأ واجب الاتباع عمومًا، فما عاد الموقعون إمضاءاتهم فيها أدناه يعيرون للمصالح التي نشأت بخصوص الترقيات العسكرية إلا أهمية طفيفة، وعنده أن من اختصاص الحضرة السلطانية إعطاء والي مصر ما تراه مناسبًا من التعويضات، مع التحفظ على حقوقها في تحديد أو تمديد ما تمنحه لواليها من السلطة حسبما تدلها عليه قوة الاختبار، وتستلزمه الحاجة.

وقد اقتصر الموقعون إمضاءاتهم في ذيله على الثلاث مسائل المذكورة أعلاه؛ لأنهم أبدوا رأيهم قبل اللوائح الاشتراكية المؤرخة في ٣٠ يناير و٥ مارس و١٣ مارس بشأن باقي الشروط المدروجة، فهم يقفون عندها، ويرون من الواجب الرجوع إليها فيما حوت، وهم يعتبرون الخضوع الذي أبداه محمد علي إنما هو خضوع مطلق، ويعتبرون — بناء على ذلك — أن المسألة التركية المصرية انحسمت، ولا يتيسر لهم أن يظنوا بأن محمد علي باشا وعائلته يخرجون عن حدود الخضوع والطاعة، عوضًا عن إظهار امتنانهم وشكرهم بما شملهم من عفو السلطان والإحسان المملوكي، الذي منحته إياه الحضرة السلطانية الفخمة بتقليدهم ولاية مصر بطريق التوارث؛ إذ كان خضوعهم وطاعتهم شرطين لازمين لحصولهم على العفو والإحسان البادي ذكرهما.

هذه الملحوظات التي يرى الموقعون إمضاءاتهم في ذيله وجوب إعلانها لسعادة شكيب أفندي، رجاء عرضها على البلاط الشاهاني؛ لأنها تكملة للائحتهم الاشتراكية رقم ١٨ مارس.

فيليب جلاد. قاموس الإدارة والقضاء. المجلد الخامس

(٩) فرمان

فرمان ملوكي مرسول لمحمد علي في مايو سنة١٨٤١.

حيث إنك تثبت على ولاية مصر بطريق التوارث بشروط قطعية توضحت في فرمان سابق، فتعلقت إرادتي الملوكية بأن من الواجب عليكم أن تؤدوا سنويًّا إلى بابي العالي خراجًا قدره ثمانون ألفًا من الأكياس من أصل الرسوم الجمركية، والعشور، والجزية، وباقي إيرادات الولاية المصرية، وكي لا يعترض مبلغ الخراج المذكور تغيُّرٌ ما بتغير أسعار النقود؛ فتحسب قيمة الثمانين ألفًا من الأكياس بواقع سعر الريالات أبو طيرة الإستانية الدارجة في مصر، وتؤدي قيمة الخراج: إما من عين الريالات المذكورة، وإما من قيمتها. وأرسل إليك، فمتى وقفت على فحواه تبادر بالإجراء على الوجه الموضح فيه، فتعتني بتأدية الخراج المذكور للخزينة الملوكية في حالة حلول أجل تأديته.

فيليب جلاد. قاموس الإدارة والقضاء. المجلد الخامس

(١٠) صورة

صورة رسمية من الفرمان الذي أرسله الباب العالي إلى محمد علي باشا.
غرة يونيو سنة ١٨٤١.

إن خضوعكم الأخير، وتأكيدات خلوصكم وأمانتكم التي أبديتموها لأعتابنا الملوكية، وما أظهرتموه من المقاصد المستقيمة الصادقة نحو ذاتنا السلطانية، وحكومتنا الشاهانية، هذا كله ملأنا سرورًا؛ فبناء على ذلك، وعلى ما لكم من الاختبار والدراية في أحوال مصر وأمورها؛ لقيامكم في ولايتكم مدة طويلة، كان أملنا وطيدًا بأنكم قد استحقيتم إحساننا إليكم، وثقتنا بكم.

ولا ريب عندنا أنكم تقدرون تعطفاتنا السنية حق قدرها، وأنكم معرفةً لهذه الإحسانات ستثبتون في أولادكم ما اتَّصفتم به من تلك الأوصاف الحميدة. هذا وإننا قد منحناكم — بموجب فرماننا هذا الهمايوني — ولاية مصر، بحدودها القديمة كما هي مرسومة في الخريطة١ التي أرسلها لكم صدرنا الأعظم مختومة.

وقد أضفت على ذلك حق توارث عائلتكم ولاية مصر، فافترضنا عليكم في ذلك الشروط الآتية: متى خلي منصب الولاية من والٍ؛ يتقلده حينئذٍ الأكبرُ فالأكبر من أولادكم وأولاد أولادكم، ونسلكم من ذكور. أما تقليده الولاية فيصدر دائمًا من الباب العالي، وإذا حدث أن انقرضت ذريتكم الذكور؛ حقَّ لبابنا العالي أن يُعين شخصًا آخر للولاية المذكورة، وليس في مثل هذه الحالة لأولاد بناتكم الذكور حق أو وجه شرعي يسوغ لهم الادعاء بالإرث.

نعم، إنه مسموح لولاة مصر حق توارث الولاية، إلا أنه فيما خص الرتب والتقدم في نفس درجة سائر وزرائنا وبمثابتهم، فيعاملهم بابنا العالي كمعاملة وزرائه؛ فيحصلون على ذات الألقاب المُعطاة لسائر ولاة ممالكنا.

إن القواعد الموضوعة لأمنية الأشخاص والأموال، وصون الشرف والعرض الذاتي، هم من المبادئ التي قدستها أحكام ونصوص خطنا الشريف الهمايوني الصادر عن كلخانة، وكافة المعاهدات المبرمة وتلك التي ستبرم بين الباب العالي والدول المتحاربة يقتضي أن تكون جميعها نافذة بكامل أحكامها في ولاية مصر، وكل النظامات التي سنَّها أو سيَسنُّها الباب العالي تكون أيضًا مرعية الإجراء في ولاية مصر، مع ملاحظة الظروف المحلية المختصة بالعدل والحقانية فقط.

وتتحصل الأموال والضرائب في الديار المصرية باسمنا الشاهاني، وحيث إن المصريين هم رعايا بابنا العالي، ومن المقتضى وقايتهم من كل فعل إكراهي؛ فالعشور والرسوم والضرائب الواجب جمعها تتبع في تحصيلها نفس القاعدة العادلة التي تستعملها حكومتنا، فإذا حل أجل دفعها وجب التيقظ في أمر تحصيلها تمامًا بنسبة الضرائب ورسوم الجمرك والعشور، وباقي الإيرادات المعينة قيمتها في فرماننا الملوكي الخصوصي الصادر بذلك.

وحيث إن العادة جارية بأن ترسل مصر سنويًّا غلالًا وبقولًا إلى البلاد المقدسة: مكة والمدينة، فيداوم إرسال عين هذه الحاصلات إلى المدينتين المنورتين. ولما كانت حكومتنا السنية عقدت على تحسين حال مسكوكاتها التي هي روح المعاملات، فتجعلها في حالة تكفل في المستقبل ثبات قيمتها المسماة الشرعية والمتداولة، وعدم تغيُّرها.

آذَنَّاكم — بموجب فرماننا هذا الملوكي — بأن تكون نقود في مصر يُنقش على الفضية منها والذهبية اسمنا الخاقاني، وتكون جميعها مشابهة في الهيئة والقيمة للنقود السلطانية المضروبة في الآستانة العلية. وحيث إن ثمانية عشر ألف رجل يكفون لإدارة ولاية مصر الداخلية، فلا يسوغ أن تتعدوا هذا المقدار من العساكر لأي سبب كان، ولكن لما كانت قوات مصر البرية والبحرية معدة بنوع خصوصي لخدمة الباب العالي؛ فلا بأس من ازدياد هذا العدد في أوقات الحرب بما تراه حكومتنا السنية مناسبًا.

وبمقتضى أحكام أحد النظامات الجاري العمل بموجبه تستخدم العساكر المجموعة جديدًا في سائر ممالكنا المحروسة خمس سنوات، فإذا مضت يستبدلون بسواهم. بناءً على ذلك صار من اللازم أن يتبع نفس هذا النظام في ولاية مصر، مع مراعاة عوائد المصريين فيما كان متعلقًا بمدة الخدمة العسكرية، واستعمال قصارى العدل في معاملة الجنود. ومن الواجب أن ترسل ولاية مصر أربعة آلاف رجل سنويًّا إلى الآستانة، على أنهم يقتضون أن لا يكون فرق بين النشانات والرايات في كلية مصر، وبين ما تستعمل عساكرنا منها في سائر الممالك العثمانية، وأن يلبس ضابطان البحرية المصرية نفس العلامات التي يلبسها ضابطان البحرية الأتراك، وأن تكون رايات السفن المصرية مماثلة لنفس السفن التركية.

ومن ثم لوالي مصر أن يرقي ضباطه البرية والبحرية حتى رتبة أميرالاي، أما الترقي لما فوق هذه الرتبة كرتبة الميرلوا والفريق، فمن اللازم ضروري أن تطلبوا رضاءنا الملوكي، وتحصلوا على أوامرنا الشاهانية بشأنه، وليس لولاة مصر في المستقبل أن يُنشئوا ولا سفينة واحدة قبل حصولهم على رضا الباب العالي، ورخصة صريحة منه في ذلك. وهذه الشروط جميعها مرتبطة كل الارتباط بالامتياز الوراثي، فإذا لم ينفذ منها شرط واحد يعطل حينئذ الامتياز الوراثي المذكور ويزول للحال.

هكذا اقتضت إرادتنا السامية في كل ما سبق إيراده، فلا بد لكم ولأولادكم وذريتكم أن تقدروا إحساننا الملوكي في هذا الخصوص حق قدره، فتبذلوا قصارى جهدكم في سبيل تنفيذ الشروط المدروجة في فرماننا الملوكي بغاية الدقة، وتتجنبوا — بمزيد الاعتناء — كل ما كان شبيهًا بالمقاومة، وتشتغلوا بلا انقطاع فيما يئول لسعادة أهالي مصر وراحتهم، وتحموهم ضد كل مظالم وتكدير. وكلُّ ما وقع من المسائل لمهمة متعلقة بولاية مصر؛ اطلبوا من بابنا العالي أوامره بشأنها.

فيليب جلاد. قاموس الإدارة والقضاء. المجلد الخامس

(١١) جواب

محمد علي إلى الصدر الأعظم بتاريخ ٧ جمادى الأولى سنة ١٢٧٦، الموافق ٢٥ يونيو سنة ١٨٤١.

تشرفت بورود كتاب دولتكم الذي بشرني بأنه مرسول من لدى شوراي الدولة، مهيب أفندي، إلى ناظر العدلية الموجود بالمأمورية هنا؛ لتسليمه إلي خطًّا شريفًا حاويًا الشروط الآتية:

أنني تثبت على ولاية مصر مع التفويض بانتقالها إلى ذريتي الذكور من أكبر إلى أصغر أولادي، فيثبت الباب العالي وراثتهم، ثم قيل: إن أحكام خط كلخانة الشريف وجميع العهود المبرمة وتلك التي ستبرم مع الدول المتحالفة تنفذ بكاملها في مصر، وكذلك تكون نافذة في مصر كافة القوانين الإدارية المسنونة، والتي ستسن في المملكة العثمانية، مع مراعاة ما تستلزمه الظروف المحلية من التعديلات فيها.

وقيل أيضًا: إن الضرائب والعشور والإيرادات تتحصل في مصر باسم الحضرة السلطانية الفخيمة بناءً على القاعدة العادلة المتبعة في الباب العالي، وإن الخراج السنوي — المُبيَّن في فرمان ملوكي آخر — يُؤدَّى في أوقات معلومة، وإن الغلال والبقول التي اعتادت الحكومة المصرية على إرسالها سنويًّا إلى المدينتين المقدستين «مكة والمدينة» يستمر إرسالها إليها في أوقاتها، وإن ترتيب قيمة النقود — وهي مسألة شديدة الأهمية — سينظم الباب العالي بطريقة لا يعود يحتمل معها حدوث أي تغيير في قيمتها المسماة.

وإن من الواجب والحالة هذه أن تكون النقود الذهبية والفضية المأذونة ولاية مصر بضَرْبها مُشابهًا بتمام حالتها للنقود المسكوكة في الضربخانة السلطانية، وإن في زمن السلام تكفي ثمانية عشر ألفًا من الرجال لخدمة مصر الداخلية، وإنه لا يسوغ تجاوز هذا العدد إلا في حالة ما إذا اقتضت الأحوال في أوقات الحرب بازدياد عدد قوات مصر البرية والبحرية، فإنها قوات معدة لخدمة الباب العالي، وإن مدة خدمة العسكرية يراعى في ترتيبها قواعد العدل وعوائد الأهلين، وإن رايات العساكر المصرية لا يجب أن تختلف عما تستعمله منها الجنود العثمانية، ونشاناتها لا يجب أن تختلف عما تستعمله الجنود العثمانية، وكذا لا ينبغي أن تختلف النشانات وعلائم ضابطان البرية المصرية ولا رايات السفن المصرية عما كانت مستعملة منها في الآستانة العلية.

وإن من اختصاص ولاة مصر ترقية الضابطان البرية والبحرية حتى رتبة أميرالاي، وإن ما فاق من الترقيات هذه الرتبة راجع الأمر فيه للإرادة السلطانية، فهي تصدر أوامرها بهذا الخصوص، وإنه لا تستطيع ولاية مصر أن تنشئ سفينة واحدة بدون إذن خصوصي تصدره إليها الحضرة السلطانية.

فبعد أن قدمت ألفًا من التشكرات على ما شملني من الإحسانات الملوكية السامية، اشتغلت بأن تسلمت الخط الشريف الهمايوني بما لاقَ به من شعائر الاحترام والشرف، وقد رافقه موكب عظيم من محل إقامة مهيب أفندي حتى سراي الولاية، ففي حالة ما لمحته واصلًا سعيت لاستقباله بملء المنة، وفريد التبجيل، فتلقيته بيدي، ورفعته باحترام نحو شفتي، وبعد أن علق الوزير المشار إليه الوسام الشريف المُحسَن عليَّ به على صدري، فضَّ الخط الشريف على الجمهور أمام كل العلماء ورؤساء الأديان والقضاة، وعبيد الباب العالي؛ فأعرب الكل عن امتنانهم، وبسطوا أكف الأدعية بخلود السلطنة العثمانية، وإطالة أيام الحضرة الشاهانية.

ولكي يشترك جميع رعايا السلطنة السنية بالسرور التي سببته هذه البشرى السعيدة، ولكي تعم الدعايات بدوام السلطنة السنية، أمرت بإطلاق المدافع مرات عديدة في الإسكندرية من الطوابي والقلاع، ومن السفن، مع رفع الرايات عليها، وكذلك قد أطلقت المدافع في مصر وباقي المدن دلالة على الابتهاج.

نعم، إنني لو صرفت قواي جميعها في سبيل معرفة الإحسانات الملوكية، والتشكر إلى الحضرة الشاهانية، لم تكن تشكراتي هذه وامتناني لتوازي مقدار الإنعامات السلطانية التي شملتني، غير أنني أتناجى وأعد نفسي سعيدًا إذا تمكنت من تكريس أيامي الباقية من حياتي لخدمة الذات الشاهانية. ومن المحقق أني أكون قد قمت في ذلك بواجب مقدس أستحق معه السعادة في الدنيا والآخرة، فأقوم بأمانة واستقامة في تنفيذ الشروط المشروحة في الفرمان الهمايوني الآنف الذكر، وأولادي وذريتي من بعدي يجدون في ذلك قاعدة عمومية يسيرون على موجبها؛ ليكونوا من التوابع الخاضعين للباب العالي، وتكون منيتهم الوحيدة كمنيتي؛ ألا وهي إبذال ما في وسعهم ليستحق في كل زمان ومكان من إنعامات السلطنة السنية.

تلك هي الشعائر التي قادتني لتسطير وضعيتي هذه، بمناسبة رجوع مهيب إلى الآستانة العلية؛ ليتشرف بتسليمها لدولتكم، فإذا وصلت أتوسل إليكم أن تلتمسوا لي مداومة انعطاف الحضرة الشاهانية علي، ولو لم أكن مستحقًّا هذه النعمة، مع مداومة ما عودتموه لي دولتكم من التعطف لنحوي، واستمرار التفاتتكم؛ فإنها عزيزة عندي وثمينة.

فيليب جلاد. قاموس الإدارة والقضاء. المجلد الخامس

(١٢) فرمان

مرسل لسمو إسماعيل باشا تعدلت فيه قاعدة توارث الولاية المصرية، وكفلت فيه بعض حقوق معلومة، مؤرخ في ٢٧ مايو سنة ١٨٦٦، الموافق ١٢ محرم الحرام سنة ١٢٨٣.

حيث إنني قد اطَّلعت على طلبك المرفوع للأعتاب السنية، الذي أوضحت فيه أن تعديل قاعدة التوارث المقررة في الفرمان الشاهاني، المؤرخ في شهر ربيع الآخر سنة ١٢٥٣، ومقدم إلى جدك محمد علي باشا حالة تقليده ولاية مصر بطريقة التوارث، المشمول ذلك الفرمان بخطى الهمايوني، وأن انتقال الولاية بطريق الإرث من الأب إلى الابن من صلبه بحسب ترتيب البكورية هما أمران مناسبان لحسن إدارة مصر، ونمو سعادة أهاليها.

وحيث إنني أقدر من جهة أخرى مساعيك، وبذلك قصارى جهدك من يوم تقليدك ولاية مصر في سبيل الوصول إلى هذه الغاية حق قدرها، وحيث إن مصر هي مقاطعة من مقاطعات مملكتي الأكثر أهمية، وحيث إنك ما برحت حتى الآن تُبرهن على أمانتك وخلوصك نحو ذاتي الملوكية، ولمَّا كان من مرادي أن أُظهِر لك بنوع سَنِيٍّ ساطع عِظَم ثقتي التامة بك؛ قررت — بناءً على هذا جميعه — أن تنتقل ولاية مصر مع ما هو تابع إليها من الأراضي وكامل ملحقاتها، وقائم مقاميتي سواكن ومصوع، إلى أكبر أولادك الذكور بطريق الإرث، بالصورة نفسها إلى أكبر أولاد ذريتك، فإذا أخلي منصب الولاية من والٍ ولم يترك الوالي المتوفَّى ولدًا ذكرًا؛ ينتقل الإرث حينئذ إلى أكبر إخوته، وإن لم يكن له إخوة فإلى أكبر أولاد كبير إخوته المُتوفَّين الذكور.

هذا قانون التوارث الواجب اتباعه من الآن فصاعدًا في مصر، وفضلًا على ما ذكر، فإن الشروط المُبيَّنة في الفرمان الآنف الذكر تبقى، ولن تزال دائمًا أبدًا نافذة المفعول كما في الماضي، ومن المقتضى مراعاة كل شرط منها؛ لأنه في مراعاتها، والقيام بما هو مفروض بها من الواجبات ما يوجب استمرار الامتيازات الناشئة عنها، وقد تثبت أيضًا كافة المسموحات الممنوحة أخيرًا من لدن حكومتي السلطانية للولايات المصرية متعلقة بمأذونيتها في أن ترفع عدد جيوشها حتى الثلاثين ألف رجل، وفي أن تستمر نقودها مختلفة في العيار عن نقود السلطنة العثمانية، وفي أن تمنح رتب حكومتنا الشاهانية حتى الرتبة الثانية، وكذلك تثبيت القاعدة الممنوع بموجبها وراثة أولاد بنات ولاة مصر الذكور، فتبقى مرعية كما في الماضي.

أما الخراج الذي قدمته ولاية مصر للخزينة الملوكية العامرة، وقدره ثمانون ألفًا من الأكياس، فقد يرفع إلى مائة وخمسين ألفًا من الأكياس، فيبدأ بدفعها من شهر محرم الحرام سنة ١٢٨٣، بواقع الليرة العثمانية مائة قرش؛ أي سبعمائة وخمسين ألفًا من الليرات العثمانية سنويًّا.

وحيث صدرت إرادتي الشاهانية هذا على قصد تنفيذ صورتها المشروحة أعلاه، فتحرر هذا الفرمان الملوكي مُتوَّجًا بخطي الشريف الهمايوني وتسلم. وينبغي من جهتك أن تستعمل ما انطويت عليه من الصدق والاستقامة، وما حزته من الدراية بأحوال مصر في سبيل الاعتناء بإدارة ولايتك، فتجتهد بأن تكفل لساكنيها تمام الراحة والأماني، مع معرفة قدر إحساناتي الملوكية التي نالتك مني بواسطة تمسكك بمراعاة الشروط المقررة أعلاه.

فيليب جلاد. قاموس الإدارة والقضاء. المجلد الخامس

(١٣) فرمان

الفرمان الصادر من الحضرة السلطانية الجليلة إلى حضرة الخديوي الأفخم، وذلك في تأكيد سائر الفرمانات التي أعطيت سابقًا إلى مَن تولوا الخديوية المصرية، وبإضافة امتيازات جديدة، وذلك في غرة جمادى الأولى ١٢٩٠ «٢٧ يونيو ١٨٧٣».

… فمن المعلوم لديكم أنكم استدعيتم منا جميع الخطوط الهمايونية، والأوامر الشريفة السلطانية، التي صدرت منَّا منذ توجيه الخديوية الجليلة بطريق التوارث إلى عهدة والي مصر الأسبق محمد علي باشا المرحوم إلى يومنا هذا، سواء كانت تعديل توارث الخديوية المصرية، أو بخصوص إعطاء بعض امتيازات حسبما استوجبها موضع الخديوية، وأمزجة الأهالي وطبائعها الخصوصية، وجعلها فرمانًا واحدًا مع التعديلات اللازمة في أحكامها، والتفصيلات المقتضية في عباراتها، بشرط أن يكون هذا الفرمان الجديد قائمًا مقام الفرمانات السابقة، وأن تكون الأحكام المندرجة فيها معمولًا بها ومرعية الإجراء على الدوام والاستمرار، فقد قورن استدعاؤكم هذا بمساعدتنا الجليلة الملوكية، وها نحن نذكر ونُبيِّن لكم أحكامهم على الوجه الآتي:

لما تحقق لدينا أن تعديل أصول توارث الخديوية المصرية التي صار تعيينها بالفرمان العالي الصادر في اليوم الثاني من شهر ربيع الأول من شهور سنة ١٢٥٧، الموشح أعلاه بالخط الهمايوني، وتبديلها بأصول حصر الوراثة الخديوية في أكبر أولاد خديوي مصر بطريق سلسلة النسب المستقيم، بأن يصير تخصيص مسند الخديوية الجليل وتوجيهه إلى أكبر أولاد الخديوي الذكور، وبعده إلى أكبر أولاد هذا الأكبر المذكور، وهكذا على النسب المستقيم الذكوري على الدوام يكون مستلزمًا لحسن إدارة الخديوية المصرية، وجالبًا لاستكمال سعادة أحوال أهاليها وسكانها.

هذا مع ما حصل لدينا من استحسان مساعيكم الجميلة المصروفة في استحصال معمورية الأقطار المصرية المهمة الجسيمة، ورفاهية أهاليها، وحصول وثوقنا بكم، واعتمادنا الكامل عليكم؛ فلأجل أن يكون دليلًا باهرًا على ذلك قد أجرينا تعديل توارث الخديوية المصرية، وتعيين وصايتها على الطريق الآتي بيانها؛ وهي: أن خديوية مصر الجليلة وملحقاتها، وجهاتها المعلومة الجارية إدارتها بمعرفتها، مع ما صار إلحاقها بها أخيرًا من قائم مقاميتي سواكن ومصوع وملحقاتهما، يصير توجيهها بعدكم على الطريق المارِّ ذكرها إلى أكبر أولادكم الذكور، وبعده إلى أكبر أولاد مَن يكون خديويًّا على الأقطار المصرية من أولادكم، وإذا انحلت الخديوية المصرية بأن لا يكون للخديوي ولد ذكر؛ يصير توجيهها إلى أكبر إخوته الذكور، وإذا لم يوجد له أخ بقيد الحياة، فإلى أكبر أولاد الأخ الأكبر، وهكذا تتخذ هذه الأصول قانونًا مستمرًّا، وقاعدة مرعية أبدية في توارث الخديوية المصرية، ولا يصير انتقال الوراثة الخديوية إلى الأولاد الذكور المتولدة من أولادكم الإناث أصلًا.

ولأجل تأمين توارث الخديوية المصرية، سنذكر صورة تشكيل الوصاية المقتضية في إدارة أمور الخديوية فيما إذا انحلت الخديوية، وكان الوارث — الذي هو أكبر أولادكم الذكور — صغيرًا وصبيًّا، بأن يكون عمره أقل من ثماني عشرة سنة، ولو أنه يصير خديويًّا بالفعل حسب استحقاق الوراثة؛ ففي الحال يصدر فرمان من طرف السلطنة السنية بتوليته على الخديوية، لكن إذا كان الخديوي السالف عيَّن ونصَّب وصيًّا، ورتَّب هيئة وصاية لأجل إدارة أمور الخديوية لحين بلوغ الخديوي اللاحق الصبي إلى سن الثماني عشرة سنة، وكتَب منه وصاية بذلك، وختَم عليه هو، وختم أيضًا اثنان من الأمراء المصرية المأمورين بإحدى المأموريات المصرية على طريق الإشهاد، وأجرى الوصاية هكذا؛ فالوصي مع هيئة الوصاية المذكورة يأخذ بزمام الإدارة في الحال، وبعد ذلك تعرض الكيفية إلى الباب العالي، ويصير التصديق على ذلك الوصي وهيئة الوصاية من طرف الدولة العلية بفرمان عال، ويبقى الوصي وهيئة الوصاية على ما هم عليه لحين البلوغ.

وأما إذا انحلت الخديوية، ولم يعين الخديوي السالف وصيًّا، ولا رتَّب هيئة الوصاية على الوجه المذكور؛ تتشكل هيئة الوصاية من الذوات المأمورين على الداخلية والجهادية، والمالية والخارجية، ومجلس الأحكام المصرية، وسردارية العساكر المصرية وتفتيش الأقاليم، ويصير انتخاب وصي في الحال من هؤلاء المأمورين على الوجه الآتي ذكره؛ وهو: أنه في تلك الساعة تصير المذاكرة والمداولة ما بين هؤلاء الذوات في حق انتخاب وصي منهم، فإذا حصل اتفاقهم، أو اتفاق أكثرية آرائهم على تسميةِ وجعْلِ ذاتٍ منهم وصيًّا؛ يتعين ذلك الذات وصيًّا على الخديوية، وإذا اختلفت الآراء بأن رغب نصفهم في تعيين ذات، والنصف الآخر في تعيين ذات آخر؛ يكون إجراء وصاية الذات المأمور على المأمورية المهمة، والمقدمة في الذكر من تلك المأموريات؛ أعني المأمور على المأمورية المُقدَّم ذكرها على الترتيب المحرر آنفًا من الداخلية إلى آخره.

وتتشكل هيئة الوصاية من الذوات الباقية بعده، ويباشرون إدارة الأمور الخديوية مع الوصي، وتعرض الكيفية بمضبطة من طرفهم إلى طرف سلطتنا السنية، ويصير التصديق عليها بالفرمان الشريف. وكما أنه لا يجوز تبديل الوصي وتغيير هيئة الوصاية قبل ختام مدتها في الصورة الأولى؛ أعني فيما إذا كان تعيين الوصي وترتيب الوصاية وتركيب أعضائها بمعرفة الخديوي السالف، فكذلك في الصورة الثانية؛ أعني فيما إذا كان انتخاب الوصي بمعرفة المأمورين المذكورين، لا يجوز تبديل الوصي ولا تغيير هيئة الوصاية ولا أعضائها في تلك المدة.

وإذا توفي أحد من أعضاء هيئة الوصاية في ظرف تلك المدة يصير انتخاب واحد من المأمورين المصرية بمعرفة الباقين، وتعيينه بدل المتوفى، وإذا توفي الوصي في تلك المدة يصير انتخاب واحد من أعضاء هيئة الوصاية بمعرفتهم، على الوجه السابق، وجعْله وصيًّا، وانتخاب واحد من المأمورين المصرية وإلحاقه بأعضاء هيئة الوصاية بدل الذي نُصِّب وصيًّا.

وبمجرد بلوغ الخديوي الصبي إلى سن الثماني عشرة سنة صار رشيدًا وفاعلًا مختارًا، فيباشر هو بنفسه إدارة الخديوية المصرية مثل سلفه. وهذا حسب ما تقرر لدينا، واقتضته إرادتنا الملوكية.

ولما كان تزايد عمارية الخديوية المصرية وسعادة حالها، وتأمين رفاهية الأهالي والسكان وراحتهم من أهم المواد الملتزمة المرغوبة لدينا، وإدارة المملكة الملكية والمالية ومنافعها المادية وغيرها، المتوقف عليها تأسيس واستكمال وسائل الرفاهية وأسبابها، عائدة على الحكومة المصرية؛ فنذكر بيان كيفية تعديل الامتيازات وتوضيحها بشرط بقاء كافة الامتيازات المُعطاة، قديمًا وحديثًا، من طرف الدولة العلية إلى الحكومة المصرية، واستمرار جريانها خلفًا عن سلف.

وتلك الكيفية هي أنه لما كان إدارة المملكة بكل الصور والحالات، سواء كانت إدارتها الملكية أو المالية أو كافة منافعها المادية وغيرها، هي من المواد العائدة على الحكومة المصرية والمتعلقة بها، ومن المعلوم أن أمر إدارة أي مملكة كانت، وحسن نظامها، وتزايد معموريتها وثروة أهاليها وسكانها لا يتيسر إلا بتوفيق معاملاتها، وتطبيق إجراءاتها العمومية بالأحوال والمواقع، وأمزجة الأهالي وطبائعها، فقد أعطينا لكم الرخصة الكاملة في إعمال قوانين ونظامات داخلية على حسب لزوم المملكة.

وكذا لأجل تسهيل تمشية وتسوية كافة المعاملات، سواء كانت من طرف الحكومة أو من طرف الأهالي مع الأجانب، وترقي وتوسع الصنائع والحرف، وأمور التجارة، وأمور الضبطية مع الأجانب، قد أعطينا لكم الرخصة الكاملة في عقد وتجديد المقاولات مع مأموري الدول الأجنبية في حق الجمرك، وأمور التجارة، وكافة المعاملات الجارية مع الأجانب في أمور المملكة الداخلية وغيرها، بصورة لا تستلزم إخلالَ مُعاهداتِ الدولة العلية البولتيقية.

وكذا لكون خديوي مصر حائز التصرفات الكاملة في الأمور المالية، قد صار إعطاء المأذونية التامة له في عقد استقراض من الخارج بلا استئذان من الدولة العلية، في أي وقت يرى فيه لزومًا للاستقراض، بشرط أن يكون باسم الحكومة المصرية. وكذا لكون أمر المحافظة وصيانة المملكة، الذي هو الأمر المهم والمُعتنَى به زيادة عن كل شيء، من أقدم الوظائف المختصة بخديوي مصر؛ فقد أعطينا له الرخصة الكاملة في تدارك كافة أسباب المحافظة وتأسيسها وتنظيمها بنسبة إلْجاآت الزمن والموقع، وكذا في تكثير أو تقليل مقدار العساكر المصرية الشاهانية، بلا تحديد، على حسب الإيجاب واللزوم.

وكذا أبقينا لخديوي مصر الامتياز القديم في حق إعطاء رتبة أميرالاي من الرتب العسكرية، وإعطاء رتبة ثانية من الرتب الديوانية، بشرط أن المسكوكات الجاري ضربها بمصر تكون باسمنا الملوكي، وأن تكون أعلام وصناجق العساكر البرية والبحرية الموجودة في الخطة المصرية كأعلام وصناجق سائر عساكرنا الشاهانية بلا فرق، وبشرط عدم إنشاء سفن زرخ؛ أي مدرعة بالحديد فقط، بدون استئذان، لا غيرها من السفن الحربية؛ فإنها جائز إنشاؤها بلا استئذان.

ولأجل إعلان المواد المشروحة أعلاه وتأييدها، أصدرنا لكم أمرنا هذا الجليل القدر من ديواننا الهمايوني بمقتضى إرادتنا الملوكية، وصار توشيحُ أعلاه بخطنا الهمايوني، وإعطاؤه لكم متممًا ومكملًا ومعدلًا ومصرحًا للخطوط الهمايونية والأوامر الشريفة الصادرة لحد هذا التاريخ، سواء كان في تأسيس وترتيب وراثة الحكومة المصرية، أو في تشكيل هيئة الوصاية، أو في إدارة الأوامر الملكية والعسكرية والمالية، والمنافع المادية، والمواد السائرة، بشرط أن تكون الأحكام المندرجة بهذا الفرمان الجديد نافذة وباقية، ومرعية الإجراء على مَمَرِّ الزمان، وقائمة مقام أحكام الفرمانات السالفة على ما اقتضته إرادتنا الملوكية.

فيلزم أن تعلموا قدر لطف عنايتنا الملوكية، وأداء شكرها، بصرف جلِّ هِمَمكم في حسن إدارة أمور الخطة المصرية، واستكمال أسباب وقاية أمنية الأهالي المنوط بها استحصال راحتهم، على حسب ما جبلتم عليه من الشيم المرغوبة والغيرة والاستقامة، وما اكتسبتموه من الوقوف والمعلومات في أحوال تلك الحوالي والأقطار، وأن تراعوا إجراء الشروط المقررة في هذا الفرمان الجديد، وأداء المائة وخمسين ألف كيس، التي هي ويركو مصر المقطوع سنويًّا، بأوقاتها وزمانها إلى خزينتنا الجليلة الشاهانية على الترتيب والقاعدة المرعية في ذلك. تحريرًا في سنة ١٢٩٠.

إسماعيل سرهنك. حقائق الأخبار عن دول البحار. الجزء الثاني
وفيليب جلاد. قاموس الإدارة والقضاء. المجلد الخامس

(١٤) خط

شريف مرسل إلى سمو إسماعيل باشا بخصوص مَرسَى زيلع، مؤرخ ١٧ جمادى الأولى ١٢٩٢، الموافق يوليو ١٨٧٥.

ولما كنا مقدرين ما قدمتموه — وما لم تزالوا تقدمونه — في كل حين من البراهين على خلوصكم، وصدق أمانتكم نحو ذاتنا الشاهانية حق قدرها، ولما كنا راضين عن التنظيمات التي أجريتموها في مصر — وهي جزء مهم من ممالكنا المحروسة — ولما كانت التنظيمات المذكورة منطبقة على رغائبنا ومقاصدنا الشاهانية، وحيث إننا راغبون في ازدياد الإيرادات الناتجة عن مرسى زيلع؛ لأنه أهل بالتفاتنا الملوكي؛ فبناء على ذلك قررت سُدتنا الملوكية، تكملة للتحسينات المتممة حتى الآن، بأن تُعهَد إليكم حكومة هذا المرسى الواقع على شواطئ أفريقية على بعدٍ من سنجق حديدة، الذي كان المَرسَى المذكور تابعًا إليه. ولقاء هذا التنازل يتوجب عليكم أن تدفعوا سنويًّا لخزينتنا العامرة السلطانية خمس عشرة ألف ليرة عثمانية. والله مسئول لتكليل مساعيكم بالنجاح.

فيليب جلاد. قاموس الإدارة والقضاء. المجلد الخامس
fig4

(١٥) خطاب

الأمير محمد بن علي بن عبد الشكور، أمير هرر، إلى محمد رءوف باشا، في ٧ رمضان ١٢٩٢، ٧ أكتوبر ١٨٧٥.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

أقول وأنا محمد بن علي، أمير بلاد الهرر تحت طاعة الله ورسوله، ثم تحت طاعة الأعز الأجل، فخر الإسلام والمسلمين، ناصر شريعة سيد المرسلين، كافل جيوش المنصورة محمد رءوف باشا، رفع الله قدره، وأمضى عزائمه، الذي هو تحت العزيز الأكرم، والوزير المكرم ذوي الفتوحات المتجددة في كل آنٍ، والمزايا التي يتحلى بعقود حسنها جيد الزمان، مولانا الخديوي إسماعيل بن مولانا إبراهيم، لا زالت كواكب سعوده زاهرة المطالع، ومواكب جنوده قاهرة الطلائع، طائعًا مختارًا في صحتي وسلامتي، قابلًا مسلمًا أنا وأهل طاعتي ومملكتي كما ذكرته لمن ذكرته.

وأرجو من الله تعالى أن يديم الصولة الخديوية، ورغبتي أن أكون تحت طاعة الحكومة الخديوية؛ لآمن على نفسي ومالي وعيالي، وأتمنى من السعادة الخديوية مكافأة لصداقتي لها، أن يَصدُر لي فرمان كريم أن الإمارة لي ولذريتي من بعدي. هذا ما دمت صادقًا أنا وذريتي، والله يوفقني لطلبات ولي نعمتي الخديوي الأعظم. وأرجوك، أيها الباشا، أن تعرض هذا للخديوي الأعظم.

الأمير محمد بن علي بن عبد الشكور، أمير هرر

(١٦) صورة

المعاهدة مع بريطانيا العظمى بخصوص سواحل الصومال ٧ سبتمبر سنة ١٨٧٧.

إنه لما أراد كلٌّ من حكومة دولة الإنجليز والحكومة الخديوية المصرية عقد اتفاق ما بينهما، بخصوص إقرار دولة الإنجليز على تسلط الحكومة الخديوية بالنسبة لتبعيتها إلى الدولة العلية على سواحل بلاد الصومال لغاية رأس حافون؛ رخصت حكومة دولة الإنجليز جناب المسيو فيفيان، قنصل جنرال الدولة المشار إليها بالقطر المصري، والحكومة الخديوية المصرية دولتلو شريف باشا، ناظر خارجيتها، بعقد الشروط الآتية؛ وهي:

بند ١

مع حفظ وإبقاء الاشتراطات المُنوَّه عنها بالبند الخامس من هذه المقاولة، تتعهد الحكومة الخديوية بأنه من تاريخ تنفيذ هذه الشروط، ومن تاريخ إقرار حكومة دولة الإنجليز رسميًّا على تسلط الحكومة المصرية على أراضي سواحل الصومال، تبقى «مينة» بولهار، و«مينة» بربرة بصفة «مينتين» ممتازتين، إذا لم يكن سبق اتخاذ التدابير اللازمة لغاية الآن لذلك.

وكذلك تتعهد الحكومة الخديوية بألا تعطي في هاتين «المينتين» أي احتكار أو أي التزام كان لأحد ما، ولا ترخص بإجراء شيء مما يعطل حركة التجارة فيهما، وأن لا تأخذ عوائد جمارك على البضائع الواردة إليها زيادة عن خمسة في المائة، وعلى البضائع الصادرة إلى جبهتي تاجورة وزيلع، وكذلك في سائر «مين» سواحل بلاد الصومال زيادة عما هو جارٍ أخذُه في «مينتي» بولهار وبربرة، وبشرط أن يكون تبعة دولة الإنجليز وتجارتها وسفنها مُعاملين كتبعة دولة ممتازة في جميع جهات تلك البلاد التي تدخل تحت تسلط الحكومة المصرية.

بند ٢

يتعهد حضرة خديوي مصر الأفخم عن نفسه وعمَّن يخلفه، بأن لا يرخص بإعطاء أي قطعة كانت من هذه البلاد، التي تدخل في حوزة حكومته بطريق الوراثة، إلى أي دولة كانت من الدول الأجنبية.

بند ٣

يكون لدولة الإنجليز الحق في تعيين مأموري قنصليات في جميع «المين» والجهات الموجودة على ساحل البلاد المذكورة، ويكون مأمورو القنصليات السابق ذكرهم متمتعين بجميع الامتيازات والمعافاة، وسائر المزايا المعطاة، والتي يمكن إعطاؤها إلى سائر مأموري قنصليات أي دولة ممتازة، ولا يسوغ تعيين مأموري قنصليات من أهالي تلك البلاد أو من أهالي البلاد المجاورة لها.

بند ٤

أما من خصوص تجارة الرقيق وأمور الضبط والربط في بحرية تلك البلاد، فالحكومة الخديوية تتعهد بمنع تصدير رقيق من الجهات المذكورة، وتمنع تجارته كما في سائر أقطارها، وأن تلاحظ أمور الضبط والربط فيها لغاية بربرة، وكذلك ليس على الحكومة الخديوية من الآن لغاية ما تنظم أمور إدارتها في جميع الجهات، من بربرة إلى رأس حافون، سوى أن تلتزم بإجراء جميع ما في إمكانها لمنع تجارة الرقيق، وحفظ أمور الضبط والربط.

وقد قبلت الحكومة الخديوية أن تكون سفن الإنجليز أيضًا مأمورة بملاحظة منع تجارة الرقيق، وأن تضبط وترسل إلى المجالس المختصة بهذا الأمر جميع السفن التي تراها مشتغلة بهذه التجارة، أو تكون مشبوهة بالاشتغال بهذه التجارة في جميع السواحل الموجودة بالصومال التابعة للقطر المصري.

بند ٥

تعتبر هذه الشروط متممة وواجبة التنفيذ عندما تتعهد جلالة الحضرة الشاهانية إلى حكومة دولة الإنجليز تعهدًا رسميًّا تامًّا، بأن لا تعطي — بأي وجه كان — إلى أي دولة كانت من الدول الأجنبية أدنى قطعة من سواحل بلاد الصومال، أو من سائر البلاد التي أُدخلت في حوزة الحكومة المصرية، وصارت جزءًا من ممالك الدولة العلية المعطاة إلى الحكومة المصرية، أو أي قطعة من القطر المصري، أو من البلاد التابعة له بطريق الوراثة إلى أي دولة كانت أجنبية. وعلى ذلك صار عقد هذه الشروط، ووضع كل من الطرفين إمضاءه.

تحريرًا بإسكندرية في ٧ سبتمبر سنة ١٨٧٧.

إمضاء: شريف
إمضاء: فيفيان
إسماعيل سرهنك. حقائق الأخبار عن دول البحار. الجزء الثاني

(١٧) معاهدة

الرقيق مع بريطانيا العظمى.
في ٤ أغسطس سنة ١٨٧٧.

لما كان من أقصى آمال كل من حكومتي جناب ملكة بريطانيا العظمى وأيرلاندة المتحدة، وحضرة خديوي مصر، التعاون في إبطال منع بيع الرقيق بالكلية، وكانا قد صمما على عقد معاهدة للوصول لهذا الغرض، حصل الرضا والاتفاق بين الواضعين إمضاءهم أدناه، المأذونين بهذا الشأن على تدوين البنود الآتية؛ وهي:

بند ١

حيث إنه سابق صدور لائحة من الحكومة الخديوية بمنع بيع الرقيق السوداني والحبشي في الجهات التابعة لها، فتتعهد الحكومة المشار إليها بأن تمنع منعًا كليًّا من الآن فصاعدًا إدخال العبيد السودانيين والحبشيين بأراضي القطر المصري وملحقاته، سواء كان بطريق البر أو البحور المارة من تلك الأراضي، وبأن تعاقب بأشد الجزاء على مقتضى القوانين المصرية الجاري العمل بها، أو بموجب ما سيأتي بيانه بهذه المعاهدة، كلَّ من وُجد متعاطيًا بيع الرقيق السوداني أو الحبشي مباشرة أو بواسطة غيره.

وكذلك تتعهد بأن تمنع إخراج الرقيق السوداني أو الحبشي إلى خارج القطر المصري وملحقاته منعًا مطلقًا، ما لم تحقق وتثبت صحة عتقه أو حريته. ولا بد أن يذكر بورقة العتق أو بالباسبور، الذي يُعطى لأولئك السودانيين أو الحبشيين من طرف الحكومة المصرية قبل خروجهم، بأنهم أحرار، ويمكنهم أن يتولوا أمر أنفسهم كيف شاءوا بلا قيد أو شرط ما.

بند ٢

كل شخص يوجد بأرض مصر أو بحدودها، أو بالجهات التابعة لها بوسط أفريقيا، متعاطيًا بيع الرقيق السوداني أو الحبشي مباشرة، أو بواسطة غيره، تعتبره الحكومة المصرية هو ومن يكون مشتركًا معه بمنزلة السارقين القاتلين، فإن كان من تبعتها يحاكم أمام مجلس عسكري، وإلا تُحال حالًا محاكمته على المجالس المختصة بذلك، وتُرسل لها المحاضر المحررة من الجهة العليا من جهات الحكومة المصرية في المحل الذي ثبت فيه حصول التجارة، وكافة الأوراق والمستندات الدالة على جنحته؛ للحكم فيها بمقتضى قوانين الحكومة التي يكون تابعًا لها، ما دامت هذه القوانين تجيز ذلك. وما يوجد من الرقيق السوداني أو الحبشي بأيدي أي تاجر كان؛ يصير إعطاؤه حريته ومعاملته بمقتضى المُدوَّن ببند ٣ الآتي، والذيل المؤشر عليه بحرف (أ) المتمم لهذه المعاهدة.

بند ٣

نظرًا لكون إعادة الرقيق السودانيين أو الحبشيين لبلادهم بالثاني، سواء كانوا منزوعين من أيدي المتجرين فيهم أو معتوقين يتعذر حصولها، وينشأ منها إما هلاكهم من التعب أو من الفاقة، أو وقوعهم في ربقة الرق ثانيًا؛ تستمر الحكومة بأن تُجري معهم الإجراءات السابق اتخاذها بمعرفتها في حق الرقيق، ومذكورة في الذيل المؤشر (أ) المحكي عنه.

بند ٤

تستعمل الحكومة المصرية سطوتها — على قدر الاستطاعة — لمنع ما يجري من المقاتلات بين قبائل أفريقيا الوسطى بقصد الاستيلاء على الرقيق وبيعه، وتتعهد بأن تُعامِل مُعاملة القاتلين كلَّ من يوجد متعاطيًا بيع الأولاد أو جلبها، فإن كان المرتكبون لذلك من تبعة الحكومة المصرية؛ تصير محاكمتهم أمام مجلس عسكري، وإلا تُحال محاكمتهم على المجالس المختصة بالحكم، وترسل لها المحاضر والأوراق والمستندات للفصل في الدعوى بمقتضى قانون بلادهم، كما هو مذكور ببند (٢).

بند ٥

تتعهد الحكومة المصرية بنشر أمر خصوصي يرفق بهذه المعاهدة، ويكون من مقتضاه منع بيع الرقيق بالكلية في أرض مصر مِن ابتداءِ تاريخٍ يتحدَّد بالأمر المشار إليه، وتخصيص نوع الجزاء الذي يترتب على مَن يُخالف منطوقها.

بند ٦

لأجل زيادة الوثوق من منع بيع الرقيق السوداني والحبشي بالبحر الأحمر، ترتضي الحكومة المصرية بأن السفن الإنجليزية تُجري التفتيش والبحث، والقبض عند اللزوم، على أي مركب تكون متعاطية تجارة الرقيق من السودان أو الحبش، وتسليمها لأحد مراكز الحكومة المصرية القريب من محل الواقعة، أو للمركز الأوفق؛ لأجل الحكم على تلك المركب بما يلزم، وكذلك يصير ضبط أي مركب مصرية تتحقق فيها شبهة وجود رقيق للمبيع، أو تكون تعاطت بيع الرقيق في أثناء سفريتها، وإجراء التفتيش وضبط الرقيق يكونان بخليج عدن، وفي ساحلي بلاد العرب، وبالجهة الشرقية من أفريقيا، وبمياه سواحل مصر والجهات التابعة لها.

ما يوجد من الرقيق سوداني أو حبشي بأي مركب مصرية، ويضبط بمعرفة المراكب الإنجليزية لدى التفتيش يبقى تحت إذن الحكومة الإنجليزية، وهي تتعهد بإجراء ما يقتضي لحصوله على تمام الحرية. أما المركب وشحنتها وطقم بَحْريَّتها، فيصير تسليمها لأقرب مركز من مراكز الحكومة المصرية لمحل الواقعة، أو للمركز اللائق؛ لأجل توقيع الحكم عليها بما يلزم، فإذا لم يتيسر لقبودان المركب الإنجليزية تسليم ما يكون صار ضبطه من الرقيق لمحل تابع لحكومة الإنجليز، أو إذا دعت الضرورة في مصلحة الرقيق سوداني أو حبشي لتسليمهم للحكومة المصرية؛ فالحكومة المشار إليها تتعهد — بناءً على طلب قبودان المركب الإنجليزي، أو الضابط الذي يستنيبه لذلك — أن تقبل الرقيق سوداني أو حبشي، وتعطيهم حريتهم، وتمنحهم عين الامتيازات التي تمنحها للرقيق السوداني أو الحبشي المضبوط بمعرفة جهاتها.

كذلك تقبل الحكومة الإنجليزية من جهتها، بأن أي مركب إنجليزية سائرة ببنديرة إنجليزية في البحر الأحمر، أو في خليج عدن، أو في ساحل بلاد العرب، أو في المياه الداخلة بالقطر المصري، أو في الجهات التابعة لهم توجد متعاطية التجارة في الرقيق سوداني أو حبشي؛ يصير تفتيشها وحجزها وضبطها بمعرفة الحكومة المصرية. إنما المركب بشحنتها وطقم بحريتها يصير تسليمها لأقرب جهة من جهات الحكومة الإنجليزية؛ لأجل توقيع الحكم عليها، وما يصير ضبطه من الرقيق سوداني أو حبشي تعطى لهم الحرية بمعرفة الحكومة المصرية، وتبقى متولية أمره إذا حكم بعدم صحة الحجز أو الضبط، أو إقامة الدعوى من المجلس المختص بالحكم؛ فالحكومة التابع لها المركب التي أجرت ذلك تكون ملزومة بأن تعطي تعويضًا لائقًا، بحسب الأحوال لحكومة المركب التي صار ضبطها أو إقامة الدعوى عليها.

بند ٧

يكون إجراء العمل بمقتضى هذه المعاهدة في القطر المصري لحد أسوان من تاريخ توقيع الإمضاء عليها، وفي ملحقات الحكومة المصرية بأفريقيا العليا، وبسواحل البحر الأحمر من بعد مضي ثلاثة شهور من ذلك التاريخ. بناءً عليه فقد تحررت هذه المعاهدة بتاريخ ٤ أغسطس سنة ١٨٧٧، وتوقعت عليها إمضاء وأختام الواضعين أسماءهم فيه أدناه.

الإمضاء: شريف
الإمضاء: فيفيان
إسماعيل سرهنك. حقائق الأخبار عن دول البحار. الجزء الثاني

(١٨) صورة

نسخة ذيل للمعاهدة التي عقدت بين حكومة بريطانيا العظمى وبين الحكومة المصرية في ٤ أغسطس سنة ١٨٧٧ بشأن إبطال تجارة الرقيق.

إن الجاري لحد الآن هو أن الضبطية هي المناطة بكل ما يتعلق بالرقيق من نحو عتقهم، وتربية الأطفال منهم وما يشابه ذلك، فمن الآن يترتب بكل من محافظتي مصر وإسكندرية قلم مخصوص لهذا الغرض، ويناط بكل ما يتعلق بالرقيق في المدينتين المذكورتين من نحو عتقهم وغيره. أما في الأقاليم، فالقسم الذي يترتب لذلك يكون تحت ملاحظة مفتشي العموم، ويكون للقلم المذكور دفتر يتقيد به بغاية التفصيل جميع الوقائع التي تختص بالرقيق المعتوق، في حالة ما إذا تقدمت شكوى من بعض القنصليات، أو من أفراد العامة، فعلى القلم المذكور أخذ الاستعلامات اللازمة عن تلك الشكوى، فإذا ظهر من الاستعلام أحقيتها ترسل القضية لجهة اختصاصها؛ لكي يُجرَى فيها مقتضى الأصول المقررة للعتق.

أما إن كانت الشكوى مقدمة من نفس العبد، فعلى القلم بعد ثبوت شكواه أن يعطيه ورقة عتق من دفتر قسيمة يكون مخصصًا لهذا الشأن، وكل من أخذ من معتوقٍ ورقة عتقه، أو منعه أو اشترك في منعه من الحرية بوسائط اغتصابية أو غشية؛ يعامل معاملة من اتجر في الرقيق.

على الحكومة أن تقوم بلوازم العبيد والمعتوقين؛ فالذكور منهم يُستخدمون بحسب الأحوال، أو بحسب اختيارهم: إما في الزراعة، أو في الخدامة المنزلية، أو في العسكرية، والإناث يُستخدمن: إما في محلات للحكومة، أو في منازل معتبرة. أما الأطفال منهم، فيستمر إدخالهم — إن كانوا ذكورًا — في مدارس أو في معامل الحكومة، وإن كُنَّ إناثًا فيُدْخَلْنَ في المدارس المخصصة للإناث.

هذا وكل ما يتعلق بتربية هؤلاء الأطفال يكون مُحوَّلًا لملاحظة والتفات محافظي مصر والإسكندرية، الواجب على كل منهما المخابرة مع نظارة المعارف في شأن ما يستحسن إجراؤه في حقهم من التربية. الذكور الذين يوجدون بالأرياف يصير وضعهم بمعرفة مفتشي الأقاليم في مكاتب البنادر، أما الإناث فيصير إرسالهن لمصر. والمعتوق من الرقيق الموجود بالسودان يصير استخدامهم برغبتهم: إما بالزراعة، أو بالخدامة المنزلية أو بالعسكرية.

تحرر هذا التذييل بالإسكندرية في ٤ أغسطس سنة ١٨٧٧؛ للعمل بمقتضاه من تاريخ إجراء العمل بموجب المعاهدة الأصلية.

الإمضاء: شريف
الإمضاء: فيفيان
إسماعيل سرهنك. حقائق الأخبار في دول البحار. الجزء الثاني

(١٩) وفاق

بين حكومة جلالة ملك الإنجليز وحكومة الجناب العالي خديوي مصر بشأن إدارة السودان في المستقبل.

حيث إن بعض أقاليم السودان التي خرجت عن طاعة الحضرة الفخيمة الخديوية قد صار افتتاحها بالوسائل الحربية والمالية، التي بذلتها بالاتحاد حكومتا جلالة ملك الإنجليز والجناب العالي الخديوي، وحيث قد أصبح من الضروري وضع نظام مخصوص لأجل إدارة الأقاليم المفتتحة المذكورة، وسن القوانين اللازمة لها بمراعاة ما هو عليه الجانب العظيم من تلك الأقاليم من التأخر وعدم الاستقرار على حال إلى الآن، وما تستلزمه حالة كل جهة من الاحتياجات المتنوعة.

وحيث إنه من المقتضى التصريح بمطالب حكومة جلالة الملكة المترتبة على ما لها من حق الفتح، وذلك بأن تشترك في وضع النظام الإداري والقانوني الآنف ذكره، وفي إجراء تنفيذ مفعوله وتوسيع نطاقه في المستقبل.

وحيث إنه تراءى من جملة وجوه أصوبية إلحاق وادي حلفا وسواكن إداريًّا بالأقاليم المفتتحة المجاورة لهما؛ فلذلك قد صار الاتفاق والإقرار فيما بين الموقعين على هذا، بما لهما من التفويض اللازم بهذا الشأن، على ما يأتي، وهو:

المادة الأولى

تطلق لفظة السودان في هذا الوفاق على جميع الأراضي الكائنة إلى جنوبي الدرجة الثانية والعشرين في خطوط العرض، وهي:
  • أولًا: الأراضي التي لم تخلها قط الجنود المصرية منذ ١٨٨٢، أو
  • ثانيًا: الأراضي التي كانت تحت إدارة الحكومة المصرية قبل ثورة السودان الأخيرة، وفقدَتْ منها وقتيًّا، ثم افتتحتها الآن حكومة جلالة الملكة والحكومة المصرية بالاتحاد، أو
  • ثالثًا: الأراضي التي قد تفتتحها بالاتحاد الحكومتان المذكورتان من الآن فصاعدًا.

المادة الثانية

يستعمل العلم البريطاني والعلم المصري معًا في البر والبحر بجميع أنحاء السودان ما عدا مدينة سواكن، فلا يستعمل فيها إلا العلم المصري فقط.

المادة الثالثة

تفوض الرئاسة العليا العسكرية والمدنية في السودان إلى موظف واحد يلقب «حاكم عموم السودان»، ويكون تعيينه بأمر عالٍ خديوي بناء على طلب حكومة جلالة الملكة، ولا يفصل عن وظيفته إلا بأمر عالٍ خديوي يصدر برضاء الحكومة البريطانية.

المادة الرابعة

القوانين وكافة الأوامر واللوائح التي يكون لها قوة القانون المعمول به، والتي من شأنها تحسين إدارة حكومة السودان، أو تقرير حقوق الملكية فيه بجميع أنواعها، وكيفية أيلولتها والتصرف فيها، يجوز سنها أو تحريرها أو نسخها من وقت إلى آخر بمنشور من الحاكم العام. وهذه القوانين والأوامر واللوائح يجوز أن يسري مفعولها على جميع أنحاء السودان، أو على جزء معلوم منه، ويجوز أن يترتب عليها صراحة أو ضمنًا تحوير أو نسخ أي قانون أو أية لائحة من القوانين أو اللوائح الموجودة.

وعلى الحاكم العام أن يبلغ على الفور جميع المنشورات التي يصدرها من هذا القبيل إلى وكيل وقنصل جنرال الحكومة البريطانية بالقاهرة، وإلى رئيس مجلس نظار الجناب العالي الخديوي.

المادة الخامسة

لا يسري على السودان أو على جزء منه شيء ما من القوانين، أو الأوامر العالية، أو القرارات الوزارية المصرية، إلا ما يَصدُر بإجرائه منها منشور من الحاكم العام بالكيفية السالف بيانها.

المادة السادسة

المنشور الذي يصدر من حاكم عموم السودان ببيان الشروط التي بموجبها يصرح للأوربيين — من أية جنسية كانت — بحرية المتاجرة، أو السكنى بالسودان، أو تملك ملك كائن ضمن حدوده، لا يشمل امتيازات خصوصية لرعايا أية دولة أو دول.

المادة السابعة

لا تُدفع رسوم الواردات على البضائع الآتية من الأراضي المصرية حين دخولها إلى السودان، ولكنه يجوز مع ذلك تحصيل الرسوم المذكورة على البضائع القادمة من غير الأراضي المصرية، إلا أنه في حالة ما إذا كانت تلك البضائع آتية إلى السودان عن طريق سواكن، أو أية ميناء أخرى من موانئ ساحل البحر الأحمر، لا يجوز أن تزيد الرسوم التي تحصل عليها عن القيمة الجاري تحصيلها حينئذ على مثلها من البضائع الواردة إلى البلاد المصرية من الخارج. ويجوز أن تقرر عوائد على البضائع التي تخرج من السودان، بسحب ما يقدره الحاكم العام، من وقت إلى آخر، بالمنشورات التي يصدرها بهذا الشأن.

المادة الثامنة

فيما عدا مدينة سواكن لا تمتد سلطة المحاكم المختلطة على أية جهة من جهات السودان، ولا يعترف بها فيه بوجه من الوجوه.

المادة التاسعة

يعتبر السودان بأجمعه، ما عدا مدينة سواكن، تحت الأحكام العرفية، وذلك إلى أن يتقرر خلاف ذلك بمنشور من الحاكم العام.

المادة العاشرة

لا يجوز تعيين قناصل أو وكلاء قناصل أو مأموري قنصليات بالسودان، ولا يصرح لهم بالإقامة به قبل المصادقة على ذلك من الحكومة البريطانية.

المادة الحادية عشرة

ممنوع منعًا مطلقًا إدخال الرقيق إلى السودان، أو تصديره منه، وسيصدر منشور بالإجراءات اللازم اتخاذها للتنفيذ بهذا الشأن.

المادة الثانية عشرة

قد حصل الاتفاق بين الحكومتين على وجوب المحافظة منهما على تنفيذ مفعول معاهدة بروكسل، المبرمة بتاريخ ٢ يوليو سنة ١٨٩٠، فيما يتعلق بإدخال الأسلحة النارية، والذخائر الحربية، والأشربة المقطرة أو الروحية، وبيعها أو تشغيلها.

تحريرًا بالقاهرة في ١٩ يناير ١٨٩٩
الإمضاءات: كرومر – بطرس غالي

حيث تقرر في المادة الثامنة من الوفاق المعقود بيننا في ١٩ يناير سنة ١٨٩٩، بشأن إدارة السودان في المستقبل، أن سلطة المحاكم المختلطة لا تمتد على أي قسم من أقسامه، ولا يعترف بها فيه بوجه من الوجوه، ما عدا مدينة سواكن. وحيث إنه لم تشكل محكمة مختلطة بسواكن في أي وقت من الأوقات، وقد تراءى عدم مناسبة ذلك التشكيل الآن، وخصوصًا لما يترتب عليه من النفقات، وحيث إن عدم وجود محكمة أهلية بسواكن لفصل ما يحدث من المنازعات بين أهلها قد ألحق بهم ضررًا جسيمًا؛ فيكون حينئذ من الصواب إجراء المساواة بين تلك المدينة وباقي السودان.

وحيث إنه بناء على ما ذكر، قد تراءى لنا تعديل الوفاق المشار إليه، فبما لنا نحن — الموقعين على هذا — التفويض التام في ذلك، قد حصل التراضي والاتفاق بيننا على ما هو آتٍ:

المادة الأولى

تعتبر ملغاة من الآن النصوص الواردة في وفاقنا الرقيم ١٩ يناير سنة ١٨٩٩، التي كانت بموجبها مدينة سواكن مستثناة من أحكام النظام الذي تقرر في ذلك الوفاق لإدارة السودان في المستقبل.

تحريرًا بمصر في ١٠ يوليو سنة ١٨٩٩

إمضاء: بطرس غالي
إمضاء: كرومر
مجلس الشيوخ. قانون رقم ٦٠ سنة ١٩٣٦
١  انظر خريطة رقم «١» الخريطة الملحقة بالفرمان الشاهاني الصادر بتولية ساكن الجنان محمد علي باشا في ١٣ فبراير سنة ١٨٤١.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥