الفصل الخامس

وكانت مشكلة الرق والنخاسة في السودان من أخطر المشاكل التي واجهت الولاة المصريين منذ أيام محمد علي. وعند وصول إسماعيل إلى منصب الولاية خرج الأمر من مجرد التفكير في اختيار أنجع الوسائل لتخفيف ويلات الإنسانية، إلى ضرورة اتخاذ علاج حاسم سريع للقضاء على الرق والنخاسة؛ لأن تجار الرقيق استطاعوا في أواخر عهد سعيد — كما رأينا — أن ينتزعوا من حكومة الخرطوم السيطرة على جهات برمتها حتى تقلص ظل الحكومة، وبات سلطانها مهددًا بالزوال إذا ترك النخاسون والجلابون يقوى ساعدهم في المناطق التي أنشئوا بها زرائبهم ومراكزهم المسلحة.

ولذلك كان إسماعيل أمام أحد أمرين: إما أن يترك النخاسين والجلابين يصيدون الرقيق ويبيعونه في الأسواق — وهذا ما كان يأباه عليه ضميره — وإما أن يجرد الحملات، ويرسل الجيوش، ويتحمل باهظ النفقات لا من أجل استرجاع هذه الأقاليم التي دخلت في حوزة المصريين منذ أيام جده العظيم، ثم خضعت بعد ذلك لسلطان النخاسين فحسب، بل ومن أجل الاستيلاء على أقطار أخرى جديدة. وهذا ما كان يمليه عليه واجبه كرجل حكم ودولة، فعليه أن يدعم أركان الحكومة في الخرطوم، وفي الأقاليم التي تألفت منها حكمدارية السودان في التاكة شرقًا، وكردفان غربًا، وحول غندكرو جنوبًا.

وكان من واجبه أن يضم بلدانًا جديدة، فيفتح دارفور، ويُخضع بحر الغزال، ويمد سلطانه على طول الساحل الأفريقي للبحر الأحمر، فيستعيد سواكن ومصوع، ويبسط نفوذه على أرض البوغوص، ويدخل سلطنة هرر ضمن ممتلكاته، ويقيم دعائم الحكم المصري في بلاد الصومال المطلة على خليج عدن، ويعيد بصورة عملية كافة حقوق السيادة التي كانت للدولة العثمانية حتى رأس حافون.

ولم يكن الغرض من هذه الفتوح كسب الفخار والمجد الحربي؛ فقد كان يدفعه إلى ذلك ما يجيش في صدره من عواطف إنسانية نبيلة؛١ إذ أجمع السائحون والرحالون الذين زاروا جهات النيل العليا أيام سعيد، وجابوا إقليم بحر الغزال، من أمثال ليجيان Lejean، وسبيك Speke، وصمويل بيكر Baker، وغيرهم، على أنه لا بد من فرض رقابة شديدة على الملاحة في النيل الأبيض، وإنشاء مراكز مسلحة عند ملتقى السوباط بالنيل الأبيض، ثم عند غندكرو؛ حتى تستعيد حكومة الخرطوم نفوذها على هذه الجهات، بل إن الاستيلاء على بحر الغزال وبحر الجبل ضرورة لا غنى عنها حتى يمكن القضاء على تجارة الرقيق، وفتح هذه الأقاليم للتجارة المشروعة.٢
لذلك عهد الخديوي إلى السير صمويل بيكر أولًا، ثم إلى شارلس جورج غوردون ثانيًا، بمهمة إقامة الحكومة الموطدة في جهات النيل الأعلى، وتطهير هذه الجهات من تجار الرقيق، ومنذ كللت هذه الجهود بالنجاح نزح تجار الرقيق إلى دارفور،٣ وكانت سوقًا هامة للرقيق من قديم، فغدت بسبب وجود أولئك التجار الناقمين فيها مركزًا يهددون منه حكومة الخرطوم ذاتها. ومن أجل ذلك كان إخضاع دارفور من شأنه أن يساعد على إلغاء تجارة الرقيق الشائنة إلغاء سريعًا. وهذا ما رأته حكومة الخديوي،٤ كما كان هذا رأي السير بارتل فرير Sir Bartle Frere، أحد كبار الباحثين في موضوع الرق والنخاسة،٥ فسير الخديوي إسماعيل الجيوش على دارفور، واحتل المصريون الفاشر عاصمتها في نوفمبر ١٨٧٤. وكان من أثر هذا النشاط الحربي أن أصيب تجار الرقيق في السودان الغربي وفي أقاليم النيل العليا بضربة قاصمة. وكانت الخطوة التالية بعد تعقب النخاسين والجلابين في مواطنهم إغلاق المسالك التي كانت تخرج منها تجارة الرقيق إلى موانئ التصدير في سواكن ومصوع، وزلا Zulla على البحر الأحمر، وراحيتا Raheita عند باب المندب، وتاجورة جنوبيها عند الخليج المعروف بهذا الاسم، ثم زيلع وبلهار وبربرة الواقعة على خليج عدن.
وكانت بلهار وبربرة مينائي سلطنة هرر وبلاد الصومال؛ ذلك بأن الأقاليم الممتدة على طول ساحل البحر الأحمر كانت مباءات للرق والنخاسة، وأصابت سواكن ومصوع شهرة ذائعة كأسواق لتجارة الرقيق، وعبثًا ما كان يحاوله قناصل الدول فيهما من إقناع الحكام الأتراك بوضع حدٍّ لهذه التجارة الشائنة،٦ بل لقد كانت مصوع حوالي عام ١٨٦٤ أهم سوق لهذه التجارة في هذا الجزء من القارة الأفريقية.٧
وكان من رأي المعاصرين أن عودة السيادة المصرية على هذه الجهات من شأنه أن يساعد مساعدة جدية على مكافحة الرق والنخاسة،٨ وفضلًا عن ذلك فقد كان من رأي إسماعيل أن استعادة مصوع تمكنه من إنشاء مواصلات سهلة سريعة بين جزئي السودان الأوسط والشرقي، ويُنمِّي التجارة المشروعة نتيجة لفتح هذه المنافذ الهامة على البحر الأحمر.٩
وكذلك كانت هرر من أسواق الرقيق ذات الأهمية؛ إذ يحضر إليها الجلابون الرقيق من الحبشة، وبلاد الجالا، والأقاليم المتاخمة لبحيرة فكتوريا. وكانت هرر تصدر الرقيق إلى الساحل الصومالي لنقله من مواني بربرة وتاجورة وزيلع إلى بلاد العرب. وكان الرأي السائد أن إخضاع هذه السلطنة يقضي على نشاط تجارة الرقيق، ويفتح البلاد للتجارة المشروعة بفضل ما يقيمه المصريون هناك من حكومة منظمة،١٠ وكذلك ساءت سمعة زيلع كسوق لتجارة الرقيق على الساحل الصومالي،١١ وكان استيلاء إسماعيل على زيلع يساعد كثيرًا على مكافحة الرقيق في الساحل الصومالي.١٢
وبدأ إسماعيل في تنفيذ خطته خطوة فخطوة، فحصل من الباب العالي على قائم مقاميتي سواكن ومصوع في مايو ١٨٦٥، وبمقتضى فرمان الوراثة الصلبية في مايو من العام التالي صار الحكم وراثيًّا فيهما، بما في ذلك توابعهما والملحقات — وكانت هذه تمتد من رأس علبة في الشمال إلى راحيتا في الجنوب — وأرسل إسماعيل لامتلاك هذه الجهات جعفر مظهر باشا، الذي قام بجولة على طول ساحل البحر الأحمر حتى مضيق باب المندب.١٣
وفي عام ١٨٦٦، استولت مصر على جميع شاطئ خليج عدن الجنوبي من بربرة إلى رأس غردافوي على اعتبار أنها ذات حق في امتلاك هذا الساحل، بمقتضى الفرمانات الصادرة في عامي ١٨٦٥ و١٨٦٦، وفي نوفمبر١٤ ١٨٦٧، عين عبد القادر باشا حاكمًا على سواحل أفريقية الشرقية، وغادر جمالي باشا السويس إلى مصوع في ست بواخر، وأرسلت قوات عسكرية لتعزيز الحاميات المصرية في سواكن ومصوع، وكان السبب في ذلك خوف إسماعيل من أن تتعرض حقوق السيادة المصرية في هذه البقاع للضياع نتيجة لإرسال الإنجليز حملة تأديبية ضد الحبشة؛١٥ إذ تطايرت الإشاعات في ذلك الحين بأن الإنجليز لا يقصدون من وراء حملتهم تأديب ثيودورس، ملك الحبشة، على إيداعه السجن القنصل الإنجليزي في بلاده، وأعضاء البعثة الذين قدموا إليه للوساطة في أمر خلاصه فحسب، بل كانوا يريدون إلى جانب ذلك — كما اتصل بعلم الخديوي — احتلال بعض بلاد ثيودورس، إن لم يكن كلها، بل لقد كانوا يهدفون إلى الاستيلاء على جزيرة مصوع كذلك، على أن يعقب هذا كله احتلال مصر ذاتها.١٦
ولكن الإنجليز ما لبثوا أن أكدوا للخديوي أنهم لا يريدون احتلال الحبشة، وانسحبت حملتهم بعد أن حققت الغرض الذي أرسلت من أجله. وفي السنوات القليلة التالية عمل الخديوي على تدعيم حقوق السيادة على ساحل البحر الأحمر حتى مضيق باب المندب، وعلى بلاد الصومال حتى مصب نهر الجوبا؛ فأرسل جمالي باشا مع الأسطول المصري إلى مياه بلهار وبربرة «١٨٧٠»، وعين ممتاز باشا في الوقت نفسه حاكمًا على جميع الشاطئ الأفريقي من السويس إلى رأس غردافوي، بما في ذلك بلهار وبربرة.١٧
وفي العام التالي «١٨٧١» عين فرنر منزنجر Werner Munzinger حاكمًا على مصوع، واشتملت التعليمات الصادرة إليه على احتلال إقليم بوغوص «أوسنهيت»١٨ بين التاكة ومصوع؛ إذ يساعد ذلك على مكافحة تجارة الرقيق، كما يؤدي إلى تدعيم السيطرة المصرية على السودان الشرقي؛١٩ فاستولى منزنجر على إقليم بوغوص في عام ١٨٧٢، ثم عين في فبراير ١٨٧٢ حاكمًا على السودان الشرقي من سواكن في الشمال إلى راحيتا في الجنوب، بما في ذلك أيضًا إقليمي بوغوص والتاكة،٢٠ وقام منزنجر برحلة تفتيشية على الساحل الصومالي، وقدم عنها تقريرًا ضافيًا، جاء فيه: أنه لنشر ألوية السلام في هذه البقاع، وللقضاء على تجارة الرقيق، لا مندوحة عن أن تعمل مصر على تأييد سلطانها في بلاد الصومال حتى رأس غردافوي.٢١
وكان من أثر هذا التقرير أن أرسل الخديوي إسماعيل رضوان باشا لمراقبة الساحل الصومالي، وبخاصة عند مينائي تاجورة وبربرة.٢٢ وفي العام التالي «١٨ يوليو ١٨٧٥»، حصل إسماعيل من الباب العالي على زيلع، وكان من رأي بيردسلي Beardsley، القنصل الأمريكي في مصر، الاستيلاء على زيلع وضم ساحل البحر الأحمر الأفريقي برمته تحت السيادة المصرية؛٢٣ لأن زيلع حتى ذلك الحين كانت تخضع لسيادة تركيا مباشرة، ومهد الاستيلاء على زيلع لإرسال القوات المصرية لفتح سلطنة هرر، فقد قرر إسماعيل حتى يقضي على أحد أسواق الرقيق الهامة في أفريقية الشرقية أن يرسل محمد رءوف باشا على رأس حملة لفتح هرر، فاتخذت الحملة زيلع قاعدة لأعمالها، وغادرتها القوات المصرية في سبتمبر ١٨٧٥.
وفي أقل من شهر دخل رءوف مدينة هرر «١١ أكتوبر»، وكان سلطانها عبد الشكور قد عرض التسليم على رءوف قبل أن تسقط عاصمة ملكه، وأجابه رءوف إلى رغبته،٢٤ وتخلى عبد الشكور عن لقب السلطنة، وسلم تسليمًا رسميًّا مطلقًا لحكومة الخديوي. وهكذا استندت مصر في سيادتها على هرر، التي كانت سلطنة مستقلة، ولم يكن لتركيا ادعاءات عليها، إلى حقوق الفتح، وتنازل سلطانها رسميًّا عن ملكه للخديوية المصرية،٢٥ بل لقد كان كل ما يرجوه عبد الشكور بعد هذا التنازل أن يحصل على الحكم الوراثي في إمارته تحت السيادة المصرية.٢٦
وهكذا استطاعت مصر حتى عام ١٨٧٥ أن تبسط نفوذها على طول ساحل البحر الأحمر الأفريقي، وبفتح هرر انضم إليها جزء كبير من بلاد الصومال، وكان الخديوي — بفضل هذا التوسع نفسه في بلاد الصومال — يرى أن حقوق السيادة المصرية لا تقف عند رأس غردافوي أو رأس حافون جنوبيه، وإنما تشمل كل ساحل الصومال الشرقي حتى مصب نهر جوبا؛٢٧ ولذلك فلم يكد«غوردون» يقترح — وهو على رأس الحكومة في مديرية أو مأمورية خط الاستواء — فتح طريق التجارة المشروعة من منطقة البحيرات إلى الساحل الشرقي كخطوة ضرورية للقضاء على الرق والنخاسة، حتى أرسل الخديوي ماكيلوب باشا Mac Killop مع قوة غادرت السويس في طريقها إلى نهر جوبا، فوصلت إلى مصب هذا النهر في منتصف أكتوبر ١٨٧٥.
وعندما حال هبوب الرياح بشدة دون إنزال الجنود إلى البر، تابعت الحملة سيرها إلى قسمايو جنوبي المصب بقليل، ولكن ماكيلوب وجد في قسمايو حامية من زنجبار تحتل هذه الجهات، فاحتج سلطان زنجبار بتحريض من الإنجليز على اعتداء المصريين على حقوقه،٢٨ وتدخل القنصل الإنجليزي في مصر لدى السلطات المصرية، وإزاء ذلك اضطر الخديوي إلى إصدار أمره إلى ماكيلوب بالانسحاب من الجوبا في ديسمبر ١٨٧٥.٢٩

وكان لسياسة التوسع هذه في السودان الشرقي على طول ساحل البحر الأحمر وفي بلاد الصومال عدة نتائج، ذلك بأن هذا التوسع كان من الأسباب المباشرة التي أفضت إلى قيام الحرب بين الحبشة ومصر، كما أفضى إلى إثارة مسألة السيادة برمتها على نحو أدى إلى اعتراف إنجلترا نهائيًّا بحقوق مصر في السيادة على السودان الشرقي، وساحل البحر الأحمر الأفريقي، والساحل الصومالي الشمالي حتى رأس حافون.

وعند اختتام هذه الصفحة المجيدة من تاريخ البلاد في عهد عاهلها العظيم الخديوي إسماعيل كانت حقوق السيادة قد تأيدت نهائيًّا على السودان بأجمعه؛ أي بقسميه الأوسط والشرقي، لا عن طريق ما كانت تخوله الفرمانات من هذه الحقوق، أو بحق الفتح فحسب، بل باعتراف الدول كذلك، وفي مقدمتها بريطانيا العظمى.

وترجع أسباب الحرب الحبشية في الأصل إلى عهد محمد علي؛ ذلك بأن الوالي الكبير ظل يحاول منذ دانت له الأقطار السودانية إنشاء الصلات الودية مع الأحباش، وما فتئ يعمل جاهدًا على فتح طرق التجارة المشروعة مع بلادهم، غير أنهم أصروا على مناصبته العداء، فأقاموا في دار ولكيت بين نهر ستيت، أحد فروع العطبرة، والقلابات دولة حاجزة، وضعوا على رأسها الملك نمر، صاحب حريق شندي، الذي ذهب ضحيته غيلة وغدرًا الأمير إسماعيل بن محمد علي.٣٠

وظل نمر — كما ظل ابنه من بعده — يُغير على السودانيين في الجهات المجاورة بمساعدة الأحباش، وحاول عبثًا كل من عباس ومحمد سعيد وضع حد لهذه الاعتداءات، حتى إذا توفي ود نمر، وطلب النمراب الصفح من إسماعيل أجابهم العاهل العظيم إلى رغبتهم عام ١٨٦٥، ولكن الأحباش، الذين ملكهم ثيودورس يَبْغي أن يُنزِل بالمصريين والسودانيين هزيمة نكراء، ظلوا يغيرون على الحدود، ويحرقون القرى، وينهبون المواشي والأرزاق، ويسترقُّون السودانيين.

وساء ثيودورس أن تكون سواكن ومصوع — وهما ميناءا الحبشة — في حوزة الأتراك،٣١ وكان يريد إلى جانب إزالة كل أثر للترك من ساحل البحر الشرقي٣٢ أن يحتل القلابات، ويُخضِع سنار ذاتها لسلطانه،٣٣ وعندما خلفه يوحنا عام ١٨٦٨ زادت العلاقات سوءًا؛ لأن يوحنا أراد انتزاع سواكن ومصوع من أيدي المصريين. ولما احتل المصريون بوغوص، طلب يوحنا أن تعيد إليه الحكومة المصرية تلك الموانئ والأقاليم التي ادَّعى أنها كانت ملكًا للحبشة من قديم الزمن في التاكة والسودان الشرقي، وعلى ساحل البحر الأحمر، وبذلك تحدى سلطان المصريين على هذه البلاد، ونازعهم حقوق سيادتهم عليها.٣٤
وفي عام ١٨٧٣، أعلن الحبشان أن إقليم البوغوص كان ملكًا لهم قبل أن تحتله مصر، ثم جددوا ادعاءاتهم على جميع ساحل البحر الأحمر الغربي،٣٥ وكذلك تكررت إغاراتهم على أقاليم السودان الشرقية، وهددوا في عام ١٨٧٥ باجتياز الحدود المصرية، والزحف على بوغوص نفسها، فكتب القنصل الأمريكي في مصر أن غرض الحبشان من ذلك لم يكن النهب فحسب، بل كانوا يهدفون إلى امتلاك البوغوص، وإيصال حدودهم إلى ساحل البحر الأحمر.٣٦
وعندئذ لم يعد هناك مناص من قيام الحرب بين مصر والحبشة لرد اعتداءات الحبشان على حقوق السيادة المصرية، ومنعهم من الإغارة على الأهلين في السودان الشرقي، واضطر الخديوي إسماعيل بعد أن فشل كل ما بذله من المساعي لتجنب الاصطدام مع الحبشة إلى امتشاق الحسام ضد يوحنا.٣٧
وقد أعد الخديوي لتأديب يوحنا حملتين؛ إحداهما: بقيادة الضابط السويدي الذي التحق بخدمة الحكومة المصرية الكولونيل أرندروب Arindrup، وغرضها مهاجمة يوحنا من الشمال، والثانية: بقيادة منزنجر للزحف على إقليم العيسى الواقع بين الحبشة والأملاك المصرية في تاجورا، ولكن كلتا الحملتين أخفقتا في المهمة التي وكلت إليهما؛ فانهزم أرندروب في موقعة جندت في ١٨ نوفمبر ١٨٧٥، بينما قتل منزنجر غيلة قبل ذلك بيومين اثنين وهو في طريقه إلى أرض العيسى؛٣٨ فاضطر الخديوي إلى إرسال حملة أخرى بقيادة راتب باشا في ديسمبر ١٨٧٥، وكانت حملة ناجحة انتصر فيها راتب باشا على الحبشان بعد قتال عنيف في معركة قرع في ٩ مارس ١٨٧٦.
وفي ١٣ مارس، أرسل يوحنا يعرض الصلح على القائد المنتصر، ويدعي أنه ما كان يريد الحرب قط، بل إنه يجهل السبب الذي دعا الخديوي إلى منازلته،٣٩ وقد طلب عقد الهدنة على الفور تمهيدًا لسلم دائم مع الحكومة المصرية،٤٠ وقد أجيب ملتمسه. وبعد خمسة أيام بدأ يوحنا انسحابه إلى عدوة، وانسحب المصريون بدورهم إلى مصوع إثر ذلك، وجرت مفاوضات لتسوية العلاقات بين مصر والحبشة. وهكذا خرجت مصر من هذا النضال محتفظة بجميع أقاليمها في السودان الشرقي وبلاد الصومال، وعلى طول ساحل البحر الأحمر، وتأيدت حقوق السيادة التي كانت لها على هذه الأقاليم بأكملها.٤١
١  شكري، صفحات ٢٠١–٢١٤.
٢  F. O 78/1939. Speke to Secretary of State, London 28/3/1864.
٣  Abdin. Corresp. Franc. 71/3. f. 14530. Darfour 18/10/1874.
٤  الوقائع المصرية، عدد ٥٥٨، القاهرة ١٩ مارس ١٨٧٤.
٥  Parl. Sess. Papers. Class A. No 13 Aden 1. 1. 72. Frére to Granville.
٦  Lejean 168.
٧  Munzinger 127.
٨  Munzinger 300-301, Rivoyre 24.
٩  Aff. Etr. Egypte “34”. Garnier á Tastu. 21/10/1864.
١٠  انظر الوقائع المصرية، رقم ٤٧٦، «٥ / ٣ / ١٨٧٦».
F. O 78/3188. No 113 “Confid” Cairo 11. 11. 75.
١١  F. O 84/1305. Jeddah 10/12/1869. also Parl. Sess. Bapers. Class B. Enclos. No 116. Report on the Slave Trade. “1870”. p. 96.
١٢  Staat-Archiv. “Gen. Cons. 1875”. No 18 polit. Alex. 4. 7. 75.
١٣  عابدين — محفظة ٣ شميس ٧ نمرة الحفظ ٤٥، «مصوع وسواكن»، بدون تاريخ.
١٤  F. O 78/3186. “Confid” Printed for The use of F. O 18.
١٥  7/1871.
١٦  Aff. Etr. Egypte “13”. No 3 Suez 17. 9. 67. No 50 Alex. 29. 9. 67. also Corresp. Resp. Abyss. No 839. Cairo. 1. 12. 67.
١٧  F. O 78/3186. Letter from The Political Resident at Aden 18/8/1870. Enclosed in Letter from India Office 7/11/1780. also Sabry 392.
١٨  Abdin, Amer. Vol VI. No 118. Alex 21. 8. 72. P 249.
١٩  Munzinger 300-1. Myres 55.158-9, Lejean 56.
٢٠  Abdin. Corres/Franc. 73/5. f. 12203. Ministére de La Guerre. Caire 9/2/1873 “Stone”.
٢١  Abdin Corresp. Franc 73/5. F. 20902. “Berbera-Assab-Aoussa” Par Werner Munzinger “1874”.
٢٢  Ibid. f. 2 994 Palais d’Abdin 3. 10. 71 Ismail á Munzinger.
٢٣  Abdin. Amer. Vol X No 337 Cairo 17. 7. 75.
٢٤  عابدين — محفظة ٣، شميس ٣، نمرة الحفظ ٢، الأمير محمد بن علي بن عبد الشكور، أمير هرر، إلى رءوف باشا في ٥ رمضان ١٢٩٢ «٥ / ١٠ / ١٨٧٥».
٢٥  Staat. Archiv “Gen Cons, 1875” No 39 Pol. Cairo 8. 11. 75. Enclos. Copie de la Circulaire addrssée par le Ministre des Aff. Etr. Egyptien, Caire 8. 11. 75.
٢٦  عابدين — محفظة ٣، شميس ٣، نمرة الحفظ ٢، عبد الشكور إلى رءوف باشا في ٧ رمضان ١٢٩٢.
٢٧  F. O 78/3188 “Confid” No. 116. Cairo. 4. 11. 75.
٢٨  Chaillé-Long 313-14.
٢٩  F. O 78/3188. Teleg to Dr Kirk “Zanzibar” 5. 12. 75.
٣٠  Robinson “Nimr” p. 113.
٣١  Markham. 74.
٣٢  Corresp. Resp. Abyss. No 265. Emfras 12. 11. 56. Plowden to Carendon.
٣٣  Staat. Archiv. “Gen. Cons. 1856”. No. 31–2007. Alex. 18. 11. 56.
٣٤  Abdin. Corresp. Franc. 9/1. f. 12930. Resumé de Barrot Bey “1873”.
٣٥  Staat-Archiv. Rapports de Constple. 1873. “XII 99”. No. 8–0. Cons. 24. 1. 73.
٣٦  Abdin. Amer. vol XI. No. 364. Cairo 29.9.75.
٣٧  Staat-Archiv. “Gen Cons. 1875” No. 26 pol. Alex 41. 8. 75, also Abdin Corresp. Franc. 9/I. f. 202908. Extrait d’une lettre. “15. 9. 75”.
٣٨  Shukry 265-266.
٣٩  Abdin. Amer. Vol Xll. No. 9 Cairo 1. 6. 76. Farman to Fish p. 32.
٤٠  Abdin. Corresp. Franc. 9/1. f. 12950 Caire 1. 6. 76.
٤١  F. O 78/3189. India Office. News Report from Aden 9/6/1876.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥