تأسيس التأويل لغويًّا وبلاغيًّا١

(١) تأسيس التأويل لغويًّا وبلاغيًّا

أيها الحضور الكريم، أيها السيدات والسادة: شكرًا لحضوركم، أتمنى أن تكون هذه المحاضرة مواصلةً وتواصلًا مع ما قلته في المحاضرة السابقة؛ ففي المحاضرة السابقة تناولت إشكالية التأويل: لماذا كان على بعض أو على المسلمين أن يقوموا بتأويل القرآن وإعادة فهم القرآن؟ ووضعت ذلك في إطار الظروف الموضوعية، التاريخية السياسية/الثقافية، تناولت علاقة العقل بالنقل: لماذا كان لا بد في نظرهم للتأويل على أساس عقلي؟ وربطت ذلك بنظرية المعرفة عند متكلمي المعتزلة.

في هذه المحاضرة: أود أن أواصل تأسيس التأويل لغويًّا وبلاغيًّا. مرة أخرى أريد أن أكرر أن كلمة تأويل التي أصبحت محمَّلة بدلالات سلبية في الاستخدام اللغوي المعاصر لأسباب كثيرة ولأسباب معقَّدة تاريخية. الكلمة لم تكن تحمل هذه الدلالة السلبية حتى هذا العصر، عصر عبد القاهر الجرجاني؛ تُوفي عام ٤٧١ هجريًّا، أي في الربع الأخير من القرن الخامس الهجري، الحادي عشر الميلادي. حتى هذا العصر عصر عبد القاهر لم تكن كلمة تأويل تحمل هذه الدلالات السلبية التي أصبحت تحملها في لغتنا المعاصرة؛ لأسباب يمكن أن نناقشها، وأنا كتبت في هذا متى حُملت كلمة تأويل دلالات سلبية، وما هي الأسباب التي أدت إلى إطفاء الدلالات السلبية على كلمة تأويل؟

كلمة تأويل هي بمعنى التفسير المرتبط بنص ذي طبيعة معقدة، كلمة تفسير ترتبط بشرح المفردات أساسًا. التفسير بمعنى التوضيح، توضيح الغامض. أما التأويل فهو الدخول إلى عالم النص وتحليل النص سواء كان هذا النص نصًّا لغويًّا أو نصًّا غير لغوي.

كيف تأسس التأويل لغويًّا وبلاغيًّا؟

هذا يجعلني أبدأ بعبد القاهر، فعند عبد القاهر الجرجاني اكتملت النظرية اللغوية عند علماء المسلمين، واكتمل بناء النظرية البلاغية عند علماء المسلمين. بعد عبد القاهر تحول علم البلاغة إلى علم تصنيفات وتفريعات؛ يعني انقسم العلم الذي تعامل معه عبد القاهر بوصفه علمًا واحدًا هو علم البيان إلى علم المعاني وعلم الدلالة، بل انقسمت البلاغة إلى ثلاثة علوم فيما يرتبط بعصر التلخيصات وعصر الشروح. فأنا أعود إلى ما يسمى العصر الذهبي الذي تكوَّن فيه الفكر، واستقام على عوده ونضَج.

أبدأ ملاحظات منهجية لقراءة عبد القاهر، وهذا مهم أن نبدأ بالملاحظات المنهجية. هناك القراءة التتابعية؛ أن نقرأ مثلًا كتاب أسرار البلاغة، ثم نقرأ بعد ذلك كتاب دلائل الإعجاز؛ لأنه كتَب أسرار البلاغة قبل دلائل الإعجاز. لكي نستطيع أن نرى تطور فكر عبد القاهر الجرجاني. وهذه القراءة تميز بين مرحلتين في تفكير عبد القاهر، طبقًا لهذه القراءة التتابعية، وطبقًا لهذا المنهج، يكون بؤرة التركيز عقل المؤلف، وهذا منهج مفيد في معرفة تطور الفكر.

وهناك منهج القراءة التزامنية، يعني التعامل مع الكتابين — أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز — باعتبارهما نصًّا واحدًا؛ يعني تطور فكر عبد القاهر، لكن الفكر الذي وصلنا هو فكر عبد القاهر. نحتاج أحيانًا للقراءة التتابعية، لكني سأركِّز على القراءة التزامنية بالتعامل مع الكتابين باعتبارهما نصًّا واحدًا. بؤرة التفكير ليست عقل المؤلف، وإنما النص العبد القاهري، إذا صح لنا أن نقول ذلك. الأمر الثالث في الملاحظات المنهجية أن عبد القاهر ينتمي لاهوتيًّا إلى المدرسة الأشعرية، وهو لغوي بالأساس. يعني حين نقول إن عبد القاهر أشعري يجب أن نميز بين طبيعة النظام النوعي الذي يمارسه عبد القاهر، فلا نصفه بالأوصاف الأشعرية كما لو كان لاهوتيًّا. معنى أنه أشعري أنه يتبنى اللاهوت الأشعري، لكن في دراساته النوعية لا يكتفي بما أنجزه الأشاعرة، وإنما الأشعرية المفتوحة لغويًّا وبلاغيًّا. تأثيرات الفكر الاعتزالي اللغوي والبلاغي على عبد القاهر واضحة. الجاحظ وهو يشير إلى الجاحظ؛ لأن الجاحظ كان لغويًّا، لكنه لا يشير إلى القاضي عبد الجبار، لماذا؟ لأن القاضي عبد الجبار يُحيل إلى المعتزلة، وعبد القاهر لا يريد أن يقول إنه متأثر بالمعتزلة.

البعد الثالث (الرابع) منهجيًّا هو التمايز التأويلي، توظيف البحث اللغوي والبلاغي لاهوتيًّا؛ لأن عبد القاهر يمارس نشاطه في إطار علم نوعي هو علم اللغة وعلم البلاغة. لكن علم اللغة والبلاغة كانا قد تأثرا بالفعل بالأفكار اللاهوتية، وبالتالي سنجد أنه يميز حين يؤسس التأويل لغويًّا وبلاغيًّا، يميز بين من يسميهم المفَرَّطين وهم الذين ينكرون المجاز، ولا وجود للمجاز في اللغة، وسنأتي إلى هذا. والمفرطون، يعني الذين يبالغون في استخدام المجاز من أجل التأويل. وهذا التمييز عند عبد القاهر ينبغي أن نأخذه مأخذًا نقديًّا، لا نأخذه بأنه يضع قواعد علينا أن نتبعها.

إشكالية المجاز قبل عبد القاهر: أتتبع تاريخيًّا إشكالية المجاز، بشكل بسيطٍ وإن كنا سنتعرض للتعريفات بعد ذلك. هو استخدام اللغة استخدامًا لا يؤدي إلى فهمها فهمًا حرفيًّا، حين يُصبح الفهم الحرفي للعبارة فهمًا مُشكلًا، فلا بدَّ من فهم العبارة فهمًا مجازيًّا. الأمثلة التي يطرحونها في تاريخ الفكر: سأل سائل، يُقال إنه كاتب «للفضل بن ربيع»؛ ومعنى ذلك يُحتمل أنه من أصل فارسي وأسلم. هذه ظاهرة وجود مسلمين في المجتمع ليسوا من أصول عربية، فيقرءُون القرآن بمنطق لا يتفق مع المنطق اللغوي، بمنطق عقلي غير لغوي. هذا كما تقرأ نصًّا باللغة الإنجليزية، وأنت لا تعرف اللغة الإنجليزية جيدًا، فتحاول أن تفهم النص الإنجليزي فهمًا منطقيًّا، يعني مثلًا، للترفيه؛ كثير من الشباب الذي يذهب إلى أوروبا لا يعرف التمييز بين I love you وبين I like you، وهذا تمييز مهم جدًّا جدًّا، فإذا أحد من الشباب الذي يريد أن يعمل علاقة مع بنت فيقول لها I love you فتهرب. مشكلة عدم معرفة اللغة، وأنا وقعت في هذه المشكلة، ليس طبعًا I love you وI like you وإنما أردت أن أرضي الطالبة، فقلت I want to satisfy her وده معناه جنسيًّا، فأحد الموجدين أشار بيده لي: توقف. طبعًا ليست لغتي، شيء من هذا.

يعني مثلًا: «طلعها كأنه رءوس الشياطين»، الكلام هنا عن شجرة الزقوم، تشبيه ثمر هذه الشجرة كأنه رءوس الشياطين. فالسائل قال: «فإنما يقع الوعد والوعيد بما عُرف مثله، وهذا لم يُعرف»، لم نرَ في حياتنا رأس شيطان فنفهم المعنى، فلماذا يلجأ القرآن إلى هذا التشبيه؟ منطقيًّا المفروض أن التشبيه هو علاقة بين الغامض من أجل توضيح الغامض. وهذا لم يُعرف، لم نرَ رأس شيطان، فكيف نفهم هذا؟ شرح أبو عبيدة معمر بن المثنى، توفي سنة ٢٠٧ هجريًّا، قال: «إنما كلم الله تعالى العرب على قدر كلامهم.» وهذا مبدأ مهم، على درجة عالية من الأهمية: «أمَا سمعت قول امرئ القيس:

أيقتلني والمشرَفي مضاجعي
ومسنونة زُرق كأنياب أغوالي؟»

يعني: امرؤ القيس قال له أحدهم: سيقتلونك. فقال: كيف يقتلني والسيف مضاجعي، ويتكلم عن الرمح ومسنونة زُرق كأنياب أغوالي. استخدم امرؤ القيس أنياب الغول كتشبيه و«هم لم يروا الغول قط». الغول مفهوم ذهني، وليس موجودًا فيزيقيًّا «لكنهم لما كان أمر الغول يهولهم أُوعدوا به» (التخييل).

ما يريد معمر بن المثنى أن يقوله هنا: إن المسألة ليست أن يكون المستمع لهذه الآية قد رأى رأس الشيطان، لكن رأس الشيطان في الخيال مُزعج. فالقرآن يريد عن طريق التخييل بالتشبيه أن يخلق هذا الأثر. غموض الدلالة جزء من تطور المجتمع، وأصبح النص غامضًا يحتاج هذا الغموض إلى شرح، هذا غموض الدلالة على مستوى الاستعارة والتشبيه والكناية، على مستوًى بلاغي.

لكنَّ هناك غموضًا أيضًا لمن يقرأ القرآن، وليس له جذور في اللغة العربية. حينما أقول اللغة العربية يتوهم الناس بما أننا عرب فنحن فاهمون للقرآن. لا، نحن لا نتحدث اللغة العربية لغة القرآن. القرآن بالنسبة لنا إلى حد كبير يحتاج إلى معرفة اللغة التي صِيغ بها القرآن أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (٢/البقرة: ١٦). يقول الفرَّاء وهو لغوي آخر في نفس القرن: «كما قال القائل: كيف تربح التجارة»، أي: لماذا أسند الربح إلى التجارة، أي جُعلت التجارة فاعلًا. فما ربحت تجارتهم مع أن التجارة المربوح فيه. يعني العبارة منطقيًّا تكون ربح التاجر في تجارته، لكن ربحت تجارتهم. يقول: «لكن يربح الرجل التاجر. ذلك من كلام العرب، ربِح بيعك وخسِر بَيعك فحسُن القول بذلك؛ لأن الربح والخسارة إنما يكون في التجارة، فعُلم معناه. ومثله من كلام العرب»، هذا ربط للقرآن. تحدثنا في المحاضرة السابقة عن: هل القرآن ينتمي إلى مجال الفضاء اللغوي العربي، وإلى أي حدٍّ هذا الفضاء اللغوي يتحكم في القرآن، وإلى أي حد يتحكم القرآن فيه، وهي قضية إلى حد كبير قضية مشكلة. في القرن الثالث هناك الحرص على ربط القرآن بقوانين اللغة العربية.

«مثله من كلام العرب مثل ليل نائم، والليل لا ينام وإنما ينام فيه»، النوم ظرف ننام فيه ليلًا، «ومثله من كتاب الله فإذا عزم الأمر، وإنما العزيمة للرجال» إذا عزم الإنسان الأمر، الأمر نفسه لا يُسند إليه. في هذه الأمثلة إسناد الفعل إلى مَن لا يقع منه الفعل. إسناد الفعل إلى غير فاعله، الفاعل هنا ممكن أن يكون مفعولًا به، أو ظرف زمان، أو ظرف مكان، لكن الفاعل ليس فاعلًا، بنية الجملة تجعل هذا الاسم فاعلًا؛ «فلو قال قائل قد خسر عبدك، لم يجُز»، لا يجوز أن يقول القائل: «خسر عبدك»؛ لأن العبد حسب هذا الفضاء الثقافي يمكن أن يكون تاجرًا في مال سيده، فيخسر أو يربح فيكون فاعلًا. ويمكن أن يكون تجارة أي أن يكون بيع العبد فخسر، في هذه الحالة يكون الإسناد إسنادًا غير متجاوز فيه، يعني مجازًا. المجاز هنا أخذ بُعدين؛ بُعدًا في الدلالة في إطار التشبيه والاستعارة، وبُعدًا في التركيب اللغوي.

هذه المشكلات التي جعلت أبا عبيدة معمر بن المثنى يكتب كتاب «مجاز القرآن»، وجعلت «الفراء»، وكلاهما لغوي، يكتب معاني القرآن. الفراء ينتمي إلى المعتزلة لكن لا نستطيع أن نتحدث عن الفراء كلاهوتي، إنما هو أصلًا لغوي. أبو عبيدة معمر بن المثنى قيل إنه خارجي، وقيل إنه كذا وكذا، لكن فكره اللغوي باعتباره نشاطًا نوعيًّا لا يعكس بالضرورة هذا الموقف اللاهوتي.

المجاز: المجاز هنا في الجملة العربية يمكن أن يكون على مستوى التركيب، ويمكن أن يكون على مستوى الدلالة، «لكن وجدنا من يطعنون على القرآن بالمجاز»، يعني الطعن. أنا لم أعرف بالضبط من الذين يطعنون على القرآن بالمجاز، لكن دفاع ابن قتيبة يكشف لنا عن وجود جماعة يطعنون في القرآن على أساس أن القرآن يتضمن تعبيرات مجازية. وجود التعبيرات المجازية في القرآن خلق غموضًا عند البعض وخلق مبررًا للطعن عند البعض الآخر. المهم نعرف أن ابن قتيبة توفي ٢٧٦ هجريًّا، ابن قتيبة طبق المجاز على الأناجيل: يعني قال إن مشكلة الأناجيل أنها فُهمت فهمًا حرفيًّا، وله عبارة يقول فيها: «إن المسيح حين يقول أبي، فهو لا يقصد الأبوة بالمعنى الحقيقي، ولكن كما نقول أب بمعنى الرعاية.»

ابن قتيبة يقول: «وأما الطاعنون على القرآن بالمجاز، فإنهم زعموا أنه كذِب»، وكانت قضية هامة جدًّا في ربط المجاز بالكذب. تم تقسيم اللغة إلى: إما حقيقة وإما مجاز، ولم تُفهم هذه المفاهيم الحقيقة أنها مفاهيم لغوية، وليست مفاهيم فلسفية ولا لاهوتية، فُهمت باعتبار أن هذا حقيقة وهذا كذب، يعني حدث هذا النوع من الخلط.

«لأن الجدار لا يريد»، فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ (١٨/الكهف: ٧٧) في قصة موسى «والقرية لا تسأل» وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا (١٢/يوسف: ٨٢). ابن قتيبة يقول: إن من يطعنون على القرآن؛ لأنه يتضمن مثل هذه التعبيرات «هذا من أشنع جهالتهم، وأدلها على سوء نظَرهم وعلى قِلَّة أفهامهم. ولو كان المجاز كذبًا، وكل فعل يُنسب إلى غير الحيوان باطلًا، كان أكثر كلامنا فاسدًا». هنا نحن نتكلم في اللغة ولا نتكلم في الواقع «لأنا نقول نبَت البَقل، وطالتِ الشجرة، وأينَعتِ الثمرة، وقام الجبل، ورخُص السعر». هذه العبارات تنسب الفعل إلى النبات وإلى الشجرة وإلى الثمرة وإلى الجبل، وهذا في تصوُّر الفكر العربي اللغوي التقليدي أنه لا يجوز أن يُسند إليها الفعل. بعد ذلك سنرى كيف تعامل عبد القاهر مع هذه العبارات.

«ونقول كان الفعل منك في وقت كذا، والفعل لم يكن وإنما كُوِّن»، هذه قضية لاهوتية وهي قضية الفعل، «ونقول كان الله، وكان بمعنى حدَث، والله عز وجل قبل كل شيء بلا غاية لم يحدث، فيكون بعد أن لم يكن، ولو قلنا للمنكِر لقوله جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ — وهذه عبارة مهمة جدًّا — كيف كنت أنت قائلًا في جدار رأيته على شفى الانهيار، ماذا تقول؟ رأيت الجدار، ماذا؟ لم يجد بدًّا من أن يقول جدارًا يريد أن ينقضَّ أو يقارب أن ينقضَّ. وأيًّا من كان فقد جعله فاعلًا، ولا أحسبه يصل إلى هذا المعنى في شيء من لُغات العجم إلا بمثل هذه الألفاظ». هذا إدراك بديهي وإن كان لم يتعمق بعد للفارق بين العالم واللغة. إن اللغة لا تُمثل العالم، وإنما اللغة تُعبر عن العالم من خلال مفاهيمنا الذهنية عن العالم. طبعًا هذا كلام سيدخلنا في الألسنية الحديثة، — وهنا يوجد صديق ألسني، فلا أريد أن أدخل في المجال — لكن فيه وعيًا ما بأننا لا نستطيع أن ننظر إلى بنية العالم عقليًّا، ونتجاهل أن بنية اللغة ليست هي البنية العقلية للعالم، هناك ما يسمى بنية اللغة.

هذا كله ما كان ينتظر عبد القاهر، هذه المشكلات كانت تنتظر مفكرًا في قامة عبد القاهر. هذه المشكلات تعامل معها المعتزلة، تعامل معها القاضي عبد الجبار، تعامل معها الجاحظ، لكن عبد القاهر أتاه هذا كله، وعبد القاهر لمن يقرأ كتابه يجده غاضبًا من زمانه، وينعَى على زمانه غياب العلم وغياب المعرفة وغياب التفحص.

(٢) تأسيس المجاز لاهوتيًّا

ماذا يقول عبد القاهر في هذه القضية؟ «ومن قدح في المجاز»، وهو هنا يرد على من يقولون، سواء كانوا منكرين للقرآن أو كانوا مدافعين عن القرآن؛ لأن هناك فريقًا مدافعين عن القرآن يقولون إن القرآن ليس فيه مجاز؛ لأن المجاز قرين الكذب. وهذا لا يجوز على الله، فالقرآن ليس فيه مجاز. وهناك المهاجمون للقرآن؛ لأن فيه مجازًا: «وهمَّ أن يصفه بغير الصدق، فقد خبِط خبطًا عظيمًا، وتهدف لما لا يخفى ولو لم يجد البحث عن حقيقة المجاز العناية به حتى تُحصَّل دروبه وتُضبط أقسامه إلا السلامة من هذه القالة، والخلاص ممن نحا نحو هذه الشبهة؛ لكان من حق العاقل أن يتوفَّر عليه ويصرف العناية إليه.» يعني إذا كانت علاقة البحث ستؤدي إلى كشف هذه الشبهة، وكشف هذا الضلال المعرفي، فهذا يكفي.

لكن الأمر أعقد من ذلك، «فكيف وبطالب الدين حاجة ماسَّة إليه» إلى معرفة المجاز «من جهات يطول عدها، وللشيطان من جانب الجهل به مداخلُ خفية يأتيهم منها، فيسرق دينهم من حيث لا يشعرون، ويلقيهم في الضلالة من حيث ظنوا أنهم يهتدون» يعني إنكار البلاغة كارثة معرفية، وعبد القاهر يضيف: وكارثة دينية؛ لأن طالب الدين في حاجة ماسَّة إلى معرفة المجاز، ويتكلم على أن الجهل بالمجاز مدخل الشيطان. هنا عبد القاهر الجرجاني في قلب تحويل البحث اللغوي والبلاغي إلى بحث لاهوتي؛ «وقد اقتسمه البلاء — مفهوم المجاز — من جانب الإفراط والتفريط، فمن مغرورٍ مغرَم بنفسه دفعة براءة، ويشمئز منه جُملة من ذكره وينبو عن اسمه، يرى أن لزوم الظواهر — المعنى الظاهري بدون تأويل — لازم، وضرب الخيام حولها حتم واجب. وآخر يغلو فيه ويُفرط ويتجاوز حده ويخبط فيعدل عن الظاهر والمعنى عليه، ويسوم نفسه التعمق في التأويل ولا سبب يدعو إليه» عبد القاهر غاضب من المفرطين الذين ينكرون وجود المجاز، وهو مفهوم تحتاج المعرفة الدينية إليه، ومن جانب المفرطين في وجهة نظر عبد القاهر الذين يبالغون في التأويل باستخدام المجاز.

طبعا هنا نفهم أن المفرطين هم الظاهرية، والمفرِطون في نظر عبد القاهر هم المعتزلة. تكلمنا المرة الماضية عن المفرطين المعتزلة. اليوم سننظر إلى المفَرِّطين: الظاهرية، وأنا هنا ألجأ إلى ابن القيم الجوزية توفي سنة ٧٥١ هجريًّا، فمع ابن القيم تمت صياغة المفاهيم الصياغة اللاهوتية النهائية. ابن القيم الجوزية تلميذ ابن تيمية. وكما نعرف أن ابن تيمية هو الذي صاغ المذهب الحنبلي صياغة لاهوتية وفلسفية ولغوية؛ لأن ابن حنبل لم يصُغ هذه المفاهيم، والفقهاء الحنابلة بين ابن حنبل وابن تيمية لم يكونوا متعمِّقين في علم الكلام ولا في المعرفة، لكن يعود الفضل لابن تيمية وضع فلسفة المذهب الحنبلي في صيغتها النهائية على كل مستويات المعرفة.

ابن القيم تلميذ ابن تيمية. الإشكالية الأولى التي تحدثنا عنها في المحاضرة السابقة إشكالية الكلام الإلهي قدم الكلام الإلهي وحدوث الكلام الإلهي، التي خاض فيها المعتزلة، قال: «قد عُلم بالاضطرار»، وأنا وضعت لها لونًا آخر (بالاضطرار) «من دين الرسول أن الله تكلم حقيقة، وأنه تكلم بالكتب التي أنزلها على رسله كالتوراة والإنجيل والقرآن وغيرها، وكلامه لا ابتداء له ولا انتهاء. فهذه الألفاظ التي تكلم بها وفهم عباده مراده منها لم يضَعها سبحانه لمعانٍ قصد بها في كلامه»، وهو مسألة نقل المعنى «إلا على أصول الجهمية والمعطلة الذين يقولون كلامه مخلوق من جملة المخلوقات». هنا نظرية اللغة في منشئِها لم تستطع التحرر من هذا السياق اللاهوتي حول مشكلة كلام الله، هل كلام الله قديم أم مُحدث؟ وبالتالي هل اللغة هي وضع إلهي، أم أن اللغة هي وضع إنساني؟ طبعًا المعتزلة وكثير من مفكري المسلمين حتى الأشاعرة ومنهم عبد القاهر كما سنرى، لم يكن يمكن لهم أن يتجاهلوا حقيقة تعدد الأوضاع اللغوية. بالتالي كان لا بد أن يفترضوا أن اللغة وضع إنساني وليست وضعًا إلهيًّا. وضع إنساني أسموه «التوفيق»، يعني بتوفيق من الله في النهاية، لكن بجهد الإنسان، والظاهرية وابن القيم يقولون «بالتوقيف». هذا هو الفرق بين التوفيق والتوقيف بما أن اللغة وضع إلهي، إذن ليست اللغة قائمة على المواضعة والاصطلاح، أي إن العلاقة بين الدال والمدلول هي علاقة ليس لها علاقة بالبعد الاجتماعي والثقافي.

ابن القيم الجوزية هنا كما رأينا في النص السابق قال «بالاضطرار»، يعني جعل هذه المعرفة التي هي معرفة لاهوتية مرتبطة بكلام الله جعلها معرفة اضطرارية. وهذا يتناقض مع إجماع نظرية المعرفة الإسلامية، وهو التمييز بين المعرفة الاضطرارية والتي هي البديهيات، وبين المعرفة النظرية. وضع ابن القيم كما يضع بعض المعاصرين لنا هذه المعرفة «معرفة اضطرارية» في اللغة المعاصرة يسمونها «المعلوم من الدين بالضرورة»، وبالضرورة والاضطرار شيء واحد.

وقال «إن الله تكلم حقيقة»، وهذه عبارة مخيفة؛ لأن الله تكلم حقيقة معناها أن الله سبحانه وتعالى يمتلك جهازًا صوتيًّا لكي يتكلم حقيقة. يعني نحن نتكلم في القرن الثامن — الهجري — يعني لم يكن حتى الظاهرية والحنابلة القدماء يقولون هذه العبارات بهذا الشكل من البساطة. وأنا أتيت ابن القيم أحيل إلى ما يحدث في الخطاب المعاصر من هذه القضايا والأقوال. ابن القيم اعتراضه على مشكلة الاصطلاح والمواضعة قائم على افتراض ذهني، أنه اجتمع مجموعة من العقلاء؛ يعني كان فيه مجلس حدث، وقرروا أن كلمة طويل تدل على الرجل الطويل، وأن كلمة قصير تدل على الرجل القصير. طبعًا هذا لم يحدث في اللغة. علماء اللغة يقولون المواضعة يقصدون أنه ليست هناك علاقة لا عقلية ولا منطقية ولا صوتية، بين الصوت وهو الدال، وبين المعنى وهو المدلول. عبد القاهر بعد هذا سيقول: «ولو كان العرب قالوا بدل قصير طويل»، لو قالوا طويل بدل قصير لأصبحت هذه مواضعة؛ أي إن العلاقة بين الدال والمدلول في اللغة هي علاقة مواضعة اصطلاح اعتباطية. هنا ابن القيم الجوزية وكتابه اسمه «الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة»، وهناك كتب أخرى بعنوان «الصارم البتار».

قضية اللغة الآن بصرف النظر عن الظاهرية والحنابلة ارتبطت في الفكر الإسلامي بشكل عام مع هذا الاستثناء، ارتبط بأن الوجود سلسلة من العلامات الدالة. ومن هذه السلسلة من العلامات يصل الإنسان إلى المعرفة، ما يُسمى بمعرفة الشاهد. عند المعتزلة وعند الفلاسفة لا بد أن يبدأ الإنسان بمعرفة الشاهد، ثم يعرف الغائب بقياس الغائب على الشاهد. يُصبح الوجود هو مناط الفكر، النظر في أدلة العالم تُوصل إلى المعرفة وهي الفكر. «الاستدلال نظر في الأدلة»، العالم يُفضي إلى المعرفة الفكر، العالم الفكر.

اللغة تعبير عن المعرفة، فلا نستطيع أن ننظر إلى نظرية اللغة، دون أن نربطها بنظرية الفكر، دون أن نربط هذا. تصور الوجود عند علماء المسلمين.

النقطة الثانية: أن الفكر اللغوي والفكر البلاغي قبل عبد القاهر اعتمد على ما يسمى ثنائية «اللفظ والمعنى»، يعني هناك كلام كثير في تاريخ البلاغة العربية، أن هناك «من الكلام ما حسُن لفظه وساء معناه، وما حسن معناه وساء لفظه، وأن الكلام البليغ هو ما حسن لفظه ومعناه» فيه ثنائية هنا يمكن أن تقول كلامًا جميلًا حسنًا بعبارات غير حسنة، والعكس صحيح.

الجاحظ قال: «المعاني مطروحة في الطريق، يعرفها العربي والعجمي والبدوي والحضري، وإنما القصد هو السبك والصياغة»؛ أي الذي يميز بين كلام وكلام هو سبك وصياغة الكلام. استعارة الصياغة وهي استعارة من صناعة الذهب والمعادن، استعارة مهمة جدًّا، جدًّا في الفكر اللغوي العربي، السبك والصياغة والسباكة، وحتى الآن نقول: كلام مسبوك، وصياغة حسنة. وهنا يستخدم المجاز في التعبير عن اللغة.

(٣) من اللغة إلى الكلام من المعجم إلى التركيب

عبد القاهر الجرجاني يستعيد هذه الثنائية، فنجده في كتاب أسرار البلاغة ينطلق من هذه الثنائية، لكنه في دلائل الإعجاز يخترق هذه الثنائية، لكن سيظل سؤال المعنى واللغة، أيهما أسبق، التفكير أم التعبير؟ ونحن نعرف أن هذه المشكلة حتى في اللسانيات المعاصرة ما تزال مشكلة معقدة. عبد القاهر أشعري، وأشعرية عبد القاهر هنا جعلته يعطي أسبقية المعنى على التعبير عن المعنى، وهذا له علاقة بنظرية الأشاعرة حول القرآن. نعرف أن الأشاعرة قالوا إن القرآن قديم من حيث «معاني»، من حيث إنه صفة إلهية في العلم الإلهي؛ لأن العلم الإلهي صفة إلهية، ولا بد أن يكون العلم الإلهي قديمًا؛ فالقرآن من حيث هو في العلم الإلهي، أي قبل أن يُوضع في عبارات وألفاظ قديم، لكن القرآن حين صِيغ في اللغة ووضع ألفاظًا وعبارات مُحدث، فهو مُحدث نطقًا قديم معنًى.

هنا لا يستطيع المفكر اللغوي أن يتكلم عن المعنى النفسي. إنك تروم المعاني في نفسك ثم تنطق بها، كان لا بد لعبد القاهر أن يُحافظ على هذه الثنائية. ليست ثنائية اللفظ والمعنى وإنما ثنائية المعنى والعبارة، يعني انتقل عبد القاهر من اللغة على مستوى المفردات إلى اللغة على مستوى التركيب. في نفس الوقت عبد القاهر يقول: «إن اللغة نظام من العلامات لا توصف بالحُسن أو بالقبح»، يعني اللغة ألفاظ وعبارات، لا تُوصف العبارة بأنها حسنة أو قبيحة؛ «لأن الألفاظ لا تُراد لنفسها، وإنما تراد لتُجعل أدلة على المعاني.» يعني تراد للدلالة على المعنى، فلا يوصف اللفظ بالحُسن أو القبح.

وله أمثلة، هائلة جدًّا، إنه يأتي بأمثلة مثل كلمة «شيء» ويقول: إنها خارج السياق لا معنى لها، الكلمات تكتسب معانيها ودلالتها بالدخول في السياق، وفي علاقات تركيبية. بناءً على هذا تصبح (الوجود – الفكر – اللغة) مستويات الوجود: الوجود العيني والوجود الذهني (الفكر) — وهذا هو الترتيب — ثم الوجود اللغوي والتعبير. والذي يساوي (الوجود – الفكر – اللغة) في العصر الحديث.

اللغة أصبحت تعبيرًا عن الفكر الذي يتم تداوله أو رومه في النفس، وكلمة روم، يروم الفكرة في نفسه ليس معناه أن الفكرة واضحة لغويًّا، إنما يروم الفكرة في نفسه ثم يعبر عنها. ليس أمامنا بحسب عبد القاهر سبيل إلى الفكرة في عقل المتكلم، سبيلنا إلى الفكرة في عقل المتكلم هي العبارة التي تحدث بها. قد تكون هذه العبارة ناجحة في التعبير عما كان يروم في عقله، وقد لا تكون ناجحة.

عبد القاهر أقام هذه النقلة من الحديث عن اللغة باعتبارها مجموعة من الألفاظ في معجم، إلى الحديث عن اللغة من خلال علم التركيب، علم النحو. وهو syntax بالمعنى المعاصر، من النحو المعياري: ما هو النحو المعياري؟ هو معرفة المرفوع والمنصوب، والمجرور والعلامة الإعرابية. هذا هو النحو المعياري، إنما النحو التركيبي عند عبد القاهر يختلف اختلافًا كبيرًا، يعني مثلًا يرد على هؤلاء القائلين — وهذا شيء مسلٍّ جدًّا — أن يقولوا إن النحو في الكلام مثل الملح في الطعام؛ يعني إذا زاد الملح في الطعام لا تستسيغه النفس، وإذا قل لا تستسيغه النفس. عبد القاهر يسخر من هذه العبارة كما لو كان النحو هو زينة أو شيئًا مُضافًا إلى الكلام. لا يقوم كلام بغير النحو، وهنا معنى النحو عند عبد القاهر هو التركيب، وهو توخي معاني النحو فيما بين الكلمات كما سنرى فيما بعد. نقلة في الفكر اللغوي هامة، وطبعا نقلة مستفيد من إنجازات المعتزلة.

جعل مرة أخرى مفهوم الصياغة؛ الكلمات المفردة كلمات متناثرة، إذا أُتيح لشخص عنده ذاكرة قوية، — ونحن طبعًا ثقافتنا تفخر بالذاكرة — أن يحفظ لسان العرب، لا يستطيع أن يُقيم جملة عربية وهو يحفظ لسان العرب. عبد القاهر يقول إن واضع الكلام «مثل الصائغ يأخذ قطعة من الفضة، فيذيب بعضها في بعض حتى تصير قطعة واحدة»، كيف يتم ذلك؟ يتم ذلك بقوانين النحو. تصيغ المفردات؛ المفردات خارج هذا القانون لا قيمة لها «علاقات التفاعل بين المفردات تتم على مستويين، وهما علاقات التجاور وعلاقات الاستبدال».

أمر آخر يميز عبد القاهر تمييزًا هامًّا جدًّا ليس فقط بين المعنى والعبارة، إنما بين الغرض وهو المعنى الغُفل، وهنا فهمت عند عبد القاهر حين يقول: «يروم المعنى في نفسه»، المعنى في النفس ليس معنًى واضحًا وإنما هو غرض. معنى غُفل فكرة غامضة، لا يتحقق فهمها إلا أن يُعبَّر عنها في الجملة. وهنا يُعيد تفسير كلمة الجاحظ — المعاني مطروحة في الطريق — يعطي مثالًا للفرق بين الغرض وهو المعنى الغُفل وبين المعنى، أنت تريد غرضًا أن تشبه زيدًا بالأسد، هذا غرض. لكن تستطيع التعبير عن هذا الغرض بجُمل شتى، لا يمكن القول إن المعنى هنا هو المعنى في هذه الجملة: «زيد كالأسد»، «زيد كأنه الأسد». طبقًا لعبد القاهر هاتان جملتان تعكسان معنيين مختلفين، وإن بدا لك أنهما نفس الجملة. لا يمكن إعادة إنتاج نفس المعنى إلا بأن تعيد الجملة ذاتها. «زيد أسد» هذا مستوًى ثالث؛ لأنك حذفت الكاف، وحذفت كأن. «إذا لقيته لقيت الأسد» مستوًى رابع. إذن هناك فرق في المعنى بين الجملة الأولى والثانية والثالثة. لها غرض واحد أي معنًى غُفل واحد، وهو إرادة تشبيه زيد بالأسد، لكن ليس هذا هو المعنى. المعنى يتأتى من هذه العلاقات التفاعلية بين استخدام كاف أو استخدام كأن، أو استخدام عبارة أخرى لا يوجد فيها حرف التشبيه أو التقديم والتأخير.

يقول عبد القاهر: إذا قلت: «قُتل الخارجي» (الخارجي يعني في الحروب التي كانت قائمة في ذلك العصر)؛ فما معنى أن تُقيم الفعل للمجهول؟ لأن من يريد أن يسمع الخبر لا يهتم بمن قتله، إنما يهتم بأن هذا الذي كان يثير الفساد في الأرض قد قُتل. إذا أردت أن تقول: أنا كاتب هذا الكتاب. معناها أن الدكتور يوسف — يوسف زيدان — سرقه مني، إذن الدكتور يوسف أخرج كتابًا، وأنا قلت أنا كتبت هذا الكتاب. لا يصح تقديم أنا هنا إلا إذا كنت تدعي أن شخصًا آخر يدَّعي تأليف الكتاب. هذا معنى تقديم الأنا. إذا قلت كتبت الكتاب، فأنت تعطي خبرًا عاديًّا، لكن أنا كتبت الكتاب فيه إنكار لأن يكون غيرك هو الذي كتب الكتاب. التقديم والتأخير، هذه هي العلاقات. وهنا عبد القاهر مُعلم، وأنا تعلمت منه الكثير في تحليل اللغة؛ في النظر إلى الفروق الدقيقة في العبارات اللغوية، سواء نتحدث عن التركيب في التقديم والتأخير، وفي الحذف والوصل، كل هذا يعطي دلالات في الجمل.

هو مثلًا يتوقف أمام الاستعارة ويقول: الاستعارة ليس لها معنًى حقيقي إلا في تركيب، فحين يقول القرآن قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا (١٩/مريم: ٤)، الغرض هو تشبيه بياض الشعر وهو الشيب، بالنار. يقول إن هذا ليس صحيحًا، لماذا؟ لأنك لا تفهم الاستعارة إلا أن تفهم إسناد الفعل (اشْتَعَلَ) الرأس وجعل الشيب تمييزًا؛ تمييزًا نوعيًّا. اشتعل الرأس شيبًا، لو قلت: اشتعل شيب الرأس ليس هو نفس المعنى، اشتعل شيب الرأس أي وُجد الشيب في الرأس. اشتعل الرأس شيبًا يعني أصبح الشيب يغطي الرأس كلها، ولا يتأتى هذا إلا بالتمييز النوعي. دخول فيما يسمى تحليل العلاقات التركيبية والدلالية.

يتوقف أمام أمثلة كثيرة، وأنا أسف لا بد أن أكثر من الأمثلة؛ لأني لا أريد أن تكون المحاضرة تجريدية، يتكلم على استعارة أخرى، «وسالت بأعناق المطي الأباطح»، يُرجعنا للسياق، والسياق الشاعر يقول:

ولما قضينا من مِنًى كل حاجة
ومسَّح بالأركان مَن هو ماسح
وشُدت على ظهر المطايا رِحالُنا
ولم يعرفِ الغادي الذي هُو رائِح
أخَذْنا بأطراف الأحاديثِ بينَنا
وسالتْ بأعناقِ المطيِّ الأباطح

لا يمكن أن تفهم هذه الاستعارة دون أن تفهم كل هذا السياق، انتهاء الحج، طواف الوداع، وضع الحمولات على الركائب، تحرُّك الناس، لا يعرف الغادي من هو رائح، أخذنا بالأحاديث بيننا. ثم هذا، تشبيه حركة الإبل في الصحراء كأنها تسيل بأعناق المطي. هنا عبد القاهر يضع قضية المجاز في قلب البحث اللغوي، وإن كان هذا البحث اللغوي لم يتحرَّر، وليس من الممكن أن يتحرر من التأثير اللاهوتي.

علاقات التجاور، علاقات النحو: عبد القاهر يقول: «ضرب زيد عَمرًا يوم الجمعة ضربًا شديدًا تأديبًا له». يقول إذا فهمت ضرب وحدها، وزيد وحده، وعمرو وحده، ويوم وحده، فأنت لم تفهم الجملة. هناك علاقة «ضرب زيد» إسناد فاعلية، تخصيص أول عمرو مفعولية، وقوع الضرب ليس أي ضرب، وقوع الضرب من زيد على عمرو تخصيص ثانٍ، يوم الجمعة ظرفية زمانية توقيت، وقوع الضرب طوال الوقت تحتاج إلى أن تعود إلى الجملة من أولها، توقيت وقوع الضرب من زيد على عمرو تخصيص ثالث، ضربًا شديدًا: تأكيد بيان لنوع الضرب من زيد على عمرو يوم الجمعة، تأديبًا له: تعليل للضرب الشديد الواقع من زيد على عمرو يوم الجمعة. إذن لا تفهم معنًى تأديبًا له؛ لأنها تعيد تحديد معنى الضَّرب، تقيم تمييزًا بين الضرب للإيذاء والضرب للتأديب، فكلمة «ضرب» لا يكتمل معناها إلا أن نصل إلى آخر كلمة في العبارة. السبك، والصياغة والسبك.

التمييز بين المجاز اللغوي والمجاز العقلي: هنا نعود باللغة إلى بُعدها اللاهوتي، ما هو المجاز اللغوي إذا أسندت الفعل إلى غير فاعله؟ يقول عبد القاهر: هذا مجاز لغوي، طبعًا هذا يقوله في أسرار البلاغة، وقد طوره في دلائل الإعجاز، بحيث هذا التمييز بين المجاز اللغوي والمجاز العقلي. المجاز العقلي، ماذا؟ أن تنسب الفعل إلى غير فاعله، خاصة إذا كان الفعل لله، فتقول أشاب الكبير وأفنى الصغير، دوران الفلك مثلًا. يقول لك: إن الذي يُشيب ويُفني هو الله سبحانه وتعالى. كيف عرفنا ذلك؟ بالعقل، دليلنا بمجازية هذه العبارة الدليل العقلي، أن هناك أفعالًا تحت قدرة الإنسان، وأفعالًا لا تقع تحت قدرة الإنسان ولا تقع تحت قدرة الأفلاك. جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ أنت تعرف أن الجدار ليست له إرادة. إذن وسيلتنا إلى معرفة المجاز هنا العقل، والتمييز بين المجاز اللغوي هذا كلام عبد القاهر القديم الذي تخلَّى عنه بعد ذلك، على الأقل لم يعطها اهتمامًا في نظرية السبك والصياغة. المجاز اللغوي أحيانًا يقول إن المجاز ممكن أن يقع في المفرد، وهذا أيضًا قد تخلَّى عنه بعد ذلك.

ماذا يحدث في المجاز: يقول عبد القاهر إن في المجاز معنًى، لكن المعنى يشير إلى معنًى آخر، إلى معنى المعنى أو المعاني الثواني. والمهم في الاستعارة وفي المجاز بشكل عام هو المعنى الثاني. يعني بمعنًى آخر، قد يتحول المعنى الناتج عن العبارة اللغوية على مستوى المعنى، إلى معنًى في ذاته يشير إلى معنًى آخر. طبعًا الأمثلة من التراث حين نقول عن الفتاة أو عن المرأة: إنها «نئُوم الضحى»، المعنى في العبارة أنها تنام حتى الضحى. هل هذا هو المراد أن تُخبر عن امرأة معينة أنها نئُوم الضحى؟ لا المعنى: أن تقول إنها مُترفة تُخدَم، لا تحتاج إلى الصحو في الصباح للشقاء، وتركب المواصلات وتذهب إلى العمل. هنا العبارة اللغوية لها معنًى، لكن هذا المعنى يشير إلى معنًى آخر، هو معنى المعنى الذي سمَّاه عبد القاهر «المعاني الثواني». هذا إنجاز عبد القاهر، التمييز بين المعنى الناتج عن العلاقات التركيبية، ومعنى المعنى.

التمثيل على سبيل الاستعارة يدخل في المجاز: «أراك تقدم رِجلًا وتؤخر أخرى» تقوله للرجل المتردد. إذا قلت له أراك مترددًا في الأمر، كمن يقدم رِجلًا ويؤخر أخرى. إذا قلت العبارة بهذا الشكل، فهذه ليست مجازًا، هذا تشبيه، تمثيل على سبيل التشبيه. إنما إذا قلت لصديقك: أراك تقدم رجلًا وتؤخر أخرى. هذا مجاز؛ لأنك حذفت التمثيل. إذا قلت له أراك تضرب أخماسًا في أسداس، إذن العبارات المسكوكة يمكن أن تقع في المجاز.

المجاز والتأويل: كل هذا البحث في المجاز، والتمييز بين المجاز اللغوي والمجاز العقلي، المجاز على مستوى التركيب والمجاز على مستوى الاستبدال. كما رأينا في النص الأول لخدمة قضية التأويل. إن الجهل بالمجاز كما يقول عبد القاهر: إن معرفة المجاز ضرورية للدين، وإن الجهل بالمجاز يجعل مداخل للشيطان، لماذا؟ لأنه يحرمنا من فهم المعنى الديني يجعلنا نتوقف عند لزوم الظواهر، ونقيم حولها الخيام، وأن عبد القاهر حين ميَّز بين المفرطين والمفرطين ينطلق من موقفه كأشعري. العلاقة بين المجاز والتأويل علاقة حيوية، في الفكر الإسلامي أنا أتحدث، منذ المعتزلة حتى ابن رشد، الاستثناء على ذلك الصوفية والفكر الصوفي، كما سنتحدث في المحاضرة القادمة، والتي تأجل موعدها للخميس بدلًا من الأربعاء، وأنا سعيد بهذا؛ وهذا لِلقاء للدكتور يوسف؛ لأن هذا مجال الشقاق والمحبة بيننا في نفس الوقت؛ لأن الدكتور يوسف متخصص في التصوف وأنا لي في التصوف، فأعتقد أن الندوة تحتاج للدكتور يوسف، أن يكون موجودًا كمحاور. فهذا الجدل المحبي والتنازع أيضًا.

قام مبدأ التأويل، في مرحلة مبكرة حول قراءة الآية السابعة، سورة آل عمران هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا (٣/آل عمران: ٧)، قام الخلاف الكبير حول كيف نقرأ الآية، هل نقرؤها بالعطف فنقول: «لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم»، أو نقرؤها على القطع والاستئناف وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ وهذا خلاف. الذين يقولون لا يعلم تأويله إلا الله يقرءُون الآية على القطع والاستئناف. والذين يقولون بإمكانية معرفة المتشابه في قدرة العلماء يقرءُون الآية بالعطف.

«ونحن» في الشباب نتحمس طبعًا، بأنه يجب أن نؤمن بأن البشر يعرفون التأويل، لكن قرأت الآية من منظور الشيخ عبد القاهر. أنا سأطبق فكرة الصياغة والسبك؛ لأن الآية تقول: فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ، وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ. اللغة النفي والاستثناء التي نسميها القصر، القصر معناه أن الفعل لا يقع إلا من هذا الفاعل، وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلا اللهُ. الأمر الثاني لغويًّا، وأنا هنا تلميذ عبد القاهر. إذا قلنا إنها بالعطف وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ فتصبح جملة يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كأنها جملة منفصلة لا محل لها من الإعراب، هنا تفكك السبك تمامًا، فيه علاقة بنيوية بين وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ وهذه تؤكد أنهم من الخارجين عن الاختصاص. هذا معنى الآية، أحبَّ من أحبَّ وكرِهَ من كره.

هل الآية تضع قانونًا لتفسير القرآن؟ هذا سؤال ثانٍ، هنا خرجنا من الأزمة الكلاسيكية إلى سؤال أهم. خاصة وأن القرآن في صيغات أخرى يتحدث أن كله مُحكم وفي صياغات أخرى كله متشابه كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ. لكن هذه هي المشكلة التي أُثيرت، صار التأويل أداة للجمع بين المحكم والمتشابه، فَهم المتشابه في ضوء المحُكم. إذا تعارض المعنى يصبح التأويل مجالًا خصبًا لفك هذا التعارض بين المحكم وبين المتشابه، وهذا ما يقوله ابن رشد.

تركز الخلاف في التأويل في هذه القضايا. أما في قضايا التأويل فهناك خلاف بين الأشاعرة وبين المعتزلة في قضايا التوحيد والصفات بشكل عام. هناك اختلاف حول قضية رؤية الله عز وجل مثلًا يوم القيامة. يعني وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٧٥/القيامة: ٢٢، ٢٣) هذا دليل مُحكم عند أهل السنة، والأشاعرة على أن الإنسان يوم القيامة يرى الله بنظره بالعين المجردة. عند المعتزلة هذه قضية لاهوتية مستحيلة؛ لأن رؤية الله سبحانه وتعالى تعني أنه في جهة، وبالتالي يفرقون بين النظر والرؤية. يقول نظرت إليك ولم أرَك، نظر إلى الهلال ولم يرَه، فيه خلاف رهيب جدًّا جدًّا، لكنه متوقف عن هذه القضايا اللغوية الجزئية. هل نرى الله يوم القيامة أو لا نرى الله يوم القيامة؟ هذا هو السؤال. لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ عند المعتزلة هو المحكم، وتصبح وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ هي المتشابه الذي يجب أن يؤوَّل لكي تتفق مع المحكم، تَجزُّؤ القرآن هنا طبعًا خارج السياق تمامًا، وكلا الفريقين قد اعتمد على هذا، على انتزاع الآية من السياق، ومحاولة إخضاعها المعنى اللاهوتي المسبق، القناعة اللاهوتية المسبقة.

في قضايا التوحيد الأخرى، هناك المُنزِّهة المعتزلة والأشاعرة، والمُشبِّهة الذين يقولون إن لله يدًا ووجهًا ولكن ليست كأيدينا، والاستواء معروف والكيف مجهول، والحديث عنه بدعة، والإيمان به واجب. وأنا حتى الآن لست فاهمًا كيف يكون الشيء معروفًا أو مجهولًا في نفس الوقت، فإذا كانت الكيفية مجهولة فلا تتحقق المعرفة؛ لأنها معرفة بلا كيفية يعني. إنما العبارة أصبحت تُستخدم دون تفحص، ليست هذه قضيتنا على أي حال، لكن الخلاف في التوحيد تضاءل. وهنا عبد القاهر حينما يتكلم عن المعتزلة باعتبارهم «مُفرِّطين»؛ لأن الأشاعرة يتفقون مع المعتزلة في تأويل آيات التشبيه ويختلفون معهم في العدل، أي في خلق الأفعال، في نسبة الهدى والضلال إلى الله، وهذه قضية تطول، والمشيئة الإلهية.

ومرة أخرى خضع القرآن إلى هذا التجاذُب؛ نتيجة تقسيم القرآن إلى مُحكم وإلى متشابه، ودون النظر في حتى سياق هذه الآية. على من تتحدث هذه الآية؟ من هم الذين في قلوبهم زيغ؟ نحن نحتاج إلى دراسة القرآن مرة أخرى بعيدًا عن هذه الرؤية اللاهوتية، وبعيدًا عن هذه التقسيمات اللاهوتية.

يعني مثلًا فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ (٦/الأنعام: ١٢٥) طبعًا إرادة الله، المعتزلة يقولون لك يُضله يعني أطلق عليه اسم الضلالة، بمعنى أسماه، منحه الاسم. وندخل في: هل الاسم هو المسمى؟ فنعود مرة أخرى إلى قضايا لاهوتية تتزيَّا بالمصطلحات اللغوية.

مثلًا وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (١٧/الإسراء: ١٦) لا المعتزلة يعرفون حلها، ولا خصوم المعتزلة يعرفون حلها. الحلول اللاهوتية تفشل تمامًا؛ لأن هنا الإرادة والقصد، لكنهم يقفون عند «أمرنا» وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا يعني: هل الله سبحانه وتعالى يأمر الناس بالفسق؟ السؤال هنا يدخل في اللاهوت ويبتعد عن اللغة، يبتعد عن إذا وعن شرطيته، ويبتعد عن أي قرية يتحدث عنها القرآن، ويبتعد عن السياق. كل محاولات المعتزلة: «أمرنا» ليست بمعنى فرضنا، وإنما بمعنى أكثرنا عددهم من «أَمِرَ» يعني كثُرَ ومن هنا كلمات مؤتمر. في النهاية أكثرنا عددهم، وهذا هو السبب في الفسق. هذه كلها محاولات أعتقد أنها لاهوتية، وهذه المحاولات تفشل في رد القرآن إلى سياقه؛ سياق التهديد. هذه الآية في التهديد، تهديد القرية التي اضطهدت النبي ، واضطهدت المسلمين. وهذه هي الإرادة الإلهية تعلن عن نفسها وتعلن عن إرادتها وموقفها إزاء هؤلاء: وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً هذا كلام موجه لمن؟ موجه لمشركي مكة، وسوف نتكلم في المحاضرة الأخيرة عن هذه المسألة بالتفصيل؛ يعني السياق. ففي هذا الخطاب، من المخاطب؟ نمط الخطاب؟ نوع الخطاب؟ لغة الخطاب؟ كل هذا غاب بسبب، طبعًا، الخلاف اللاهوتي المتجذر في الخلافات السياسية، كما شرحته قبل ذلك في المحاضرة السابقة.

الوعد والوعيد هل يجوز على الله أو لا يجوز على الله … إلخ. كلها أسئلة من خارج سياق الخطاب، تفرض على الخطاب أن ينطق إجابات بعينها. التحليل الذي أعرضه هنا أنا مستفيد من عبد القاهر الجرجاني؛ لأن عبد القاهر لم يدخل في هذه القضايا؛ لأنه كان مفكرًا لغويًّا وبلاغيًّا وإن لم يكن بعيدًا تمامًا عن التأثر بالأبعاد اللاهوتية.

عبد القاهر والمدرسة الأدبية الحديثة: محمد عبده هو الذي اكتشف عبد القاهر وهو الذي درَّس عبد القاهر في مدرسة دار العلوم، ودرَّس كتب أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز. وأول طبعة للكتابين، طبعة دار المنار التي كان محمد رشيد رضا على رأسها. محمد عبده اكتشف هذا الثراء في تاريخ الفكر اللغوي. من هنا محمد عبده لا يستخدم المصطلحات اللغوية البلاغية المتأخرة في تاريخ الفكر الإسلامي، وإنما يعود مرة أخرى إلى عبد القاهر الجرجاني، كما يعود إلى الفكر الإسلامي فيما يسمى «الفكر الإسلامي في عصره الذهبي». طوَّر محمد عبده مفهوم التمثيل إلى أن القصص القرآني ليس مقصودًا به الإخبار بالتاريخ — هذا كلام محمد عبده — وإنما هو تمثيل للعِظة والعبرة، وقد توجد الواقعة التاريخية، ولكن القرآن ليس مشغولًا بالواقعة التاريخية ذاتها، وإنما مشغول بالعظة والعبرة، وهذا هو معنى التمثيل.

التأويل التمثيلي: يصل محمد عبده إلى استخدام مصطلح الأسلوب، وهو مصطلح معاصر لمحمد عبده، وهو أول من استخدم مصطلح الأسلوب في تفسير المنار في الجزء الذي كتبه رشيد رضا نقلًا عن محاضرات (دروس) محمد عبده. وهو الجزء الذي لم تكتمل فيه سورة النساء. ورشيد رضا كان أمينًا أمانة قُصوى في أن ينقل آراء الإمام، ويميز بين آراء الإمام وآرائه. سنجد تطورًا في منهج التفسير. محمد عبده لم يتوقَّف عند المحكم والمتشابه؛ لكي يجعله أساسًا للتأويل، وإنما توقَّف عند مفهوم عام «القرآن كتاب هداية وليس كتاب تاريخ». فالغرض الأساسي من النص القرآني هو الهداية. إذن كل الأغراض المختلفة تُفسَّر في سياق هذا الغرَض الأكبر. لكي نفهم القرآن، يقول محمد عبده «يجب أن نفهم العقل العربي قبل الإسلام؛ لأن القرآن جاء على كلامهم.» يعود محمد عبده إلى هذه؛ على كلام العرب وعلى عقل العرب السياق الاجتماعي، السياق الثقافي، والسياق الديني. هذا بالإضافة إلى تاريخ المجتمع الإسلامي الأول خلال نزول القرآن.

الشيخ أمين الخولي: وهو يتابع خُطى محمد عبده في هذا الطريق، صاحب نظرية التفسير الأدبي، وهي مقالة كتبها في الأصل تعليقًا على مقال التفسير في دائرة المعارف حين تُرجمت في الثلاثينيات من هذا القرن. تُرجمت مقالة التفسير في دائرة المعارف وعلق عليها الشيخ أمين الخولي ببحث أكبر من المقالة عدة مرات، وفيه طرح نظرية التفسير الأدبي. قال «الهدي هو غرض القرآن» هدف «لكن القرآن بيان» عمل تمييز بين الغرض، كعبد القاهر، والتعبير. فما اعتبره محمد عبده «قال هو الغرض من القرآن»، أما التحليل البياني للقرآن. وهنا المرحومة عائشة عبد الرحمن التي كتبت التفسير البياني للقرآن، هي تلميذة الشيخ أمين الخولي، قال يوسف زيدان هنا: وزوجته. فأكمل أبو زيد: أهم حاجة عندي تلميذته، أما زوجته هذا أمر أسري. حين يقول الشيخ أمين الخولي نصًّا أدبيًّا، فهم الناس في عصره أنه يعني خيالًا وروايات ورومانسية وهكذا. النص الأدبي هو عبارة يُقصد بها البنية اللغوية، وليس أنه قصة ورواية وحب، وأفلاطون خيال ووهم؛ ذلك لأننا أيضًا لا نفهم ما هو الأدب في ثقافتنا المعاصرة. التمييز بين ما هو أدبي وما هو قلة أدب، فيه هنا خلط كثير جدًّا، والتراث العربي القديم كان قادرًا على التمييز بين المعنى الشعري والمعنى الديني. إذن المقصود بأن القرآن نص أدبي أن بنيته بنية أدبية، والبنية الأدبية تمتد من القصيدة والقصة القصيرة إلى ما يسمى البنية السردية. إن بنيته السردية بينة أدبية.

طبعًا تلامذة أمين الخولي، عائشة عبد الرحمن، شكري عياد، محمد أحمد خلف الله حاولوا أن يطوروا نظرية الخولي، لكن للأسف الشديد هناك معوقات كثيرة أساسها عدم فهم الظاهرة الأدبية. فهم الظاهرة الأدبية باعتبارها تسلية وترفيهًا، باعتبار الأدب تسلية. هذا يخلق إحساسًا بأن القرآن نص أدبي يعني نصًّا للتسلية، أو نص فولكلور كما علق أحد الناس، وهذا جهل بالفلكلور قبل أن يكون جهلًا بالقرآن.

الشيخ أمين الخولي يقول في هذه النظرية إنه يميز بين علوم ما حول النص ولا يقصد بها علوم القرآن التقليدية فقط، كما نجدها عند السيوطي وعند الزركشي، ولكن يقصد معرفة العصر التي أشار إليها محمد عبده قبل ذلك، ومعرفة تاريخ الأديان. ثم بنية النص ثم ما بعد النص وهو تاريخ التفسير. هذه المدرسة الأدبية تطورت، ولكن تعرضت إلى ما تعرضت له. بين عبد القاهر والمدرسة الأدبية علاقة جدلية وعلاقة هامة جدًّا في تطوير الفكر حول القرآن.

النقلة من التفسير اللاهوتي، والمجاز والمحكم والمتشابه إلى التفسير الصوفي ستصبح نقلة نوعية، وهذا موعد لقائنا القادم إن شاء الله.

وشكرًا لكم.

(٤) هذه هي النقاط التي استخدمها أبو زيد في إعطاء المحاضرة

  • تأسيس التأويل لغويًّا وبلاغيًّا.

  • عبد القاهر الجرجاني (ت ٤٧١ﻫ).

  • ملاحظات منهجية قراءة عبد القاهر.
    • القراءة التتابعية (diachronic): التمييز بين «أسرار البلاغة» و«دلائل الإعجاز»، وتتبع تطور الفكر البلاغي عند المؤلف. بؤرة التركيز «عقل المؤلف».
    • القراءة المتزامنة (synchronous): التعامل مع الكتابين باعتبارهما نصًّا واحدًا. بؤرة التركيز «النص العبد القاهري».
    • الأشعرية المفتوحة لغويًّا وبلاغيًّا (تأثيرات المعتزلة: الجاحظ والقاضي عبد الجبار).

    • التمايز التأويلي: توظيف البحث اللغوي والبلاغي لاهوتيًّا (نقد المُفَرِّطين والمُفْرِطين).

  • إشكالية المجاز قبل عبد القاهر.
    • (أ)

      غموض الدلالة.

      سأل سائل عن قوله تعالى في شجرة الزقُّوم: طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ فقال: إنما يقع الوعد والإيعاد بما عُرِف مثلُه، وهذا لم يُعْرف. شرح أبو عبيدة معمر بن المثنَّى (ت ٢٠٧ﻫ): إنما كلم الله تعالى العرب على قدر كلامهم، أما سمعت قول امرئ القيس:
      أيقتلني والمشرفي مضاجعي
      ومسنونةٌ زُرْقٌ كأنياب أغوال؟

      وهم لم يروا الغول قَط، لكنهم لما كان أمر الغول يهُولهم أُوعدوا به (مجاز القرآن ١: ١٠٠–١٠١).

    • (ب)

      التجاوز في التركيب.

      أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (البقرة: ١٦) يقول الفرَّاء (ت ٢٠٩ﻫ): «ربما قال القائل: كيف تربح التجارة، وإنما يربح الرجل التاجر؟ وذلك من كلام العرب: ربِحَ بيعك وخسِر بيعك، فحسن القول بذلك؛ لأن الربح والخسارة إنما يكون في التجارة فعلم معناه. ومثله من كلام العرب: هذا ليل نائم. ومثله من كتاب الله: فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ، وإنما العزيمة للرجال. ولا يجوز الضمير إلا في مثل هذا، فلو قال قائل: قد خسر عبدك، لم يجز ذلك إن كنت تريد أن تجعل العبد تجارة يُربح فيه ويوضع؛ لأنه قد يكون العبد تاجرًا فيربح أو يوضع، فلا يعلم معناه إذا ربح من معناه إذا كان متجوزًا فيه. فلو قال قائل: قد ربحت دراهمك، ودنانيرك وخسر بَزُّك ورقيقك، كان جائزًا لدلالة بعضه على بعض.» (معاني القرآن: ١: ١٤–١٥).
    • (جـ)

      الطاعنون على القرآن بالمجاز.

      دفاع ابن قتيبة (ت ٢٧٦ﻫ) عن «المجاز»: وأما الطاعنون على القرآن بالمجاز فإنهم زعموا أنه كذب؛ لأن الجدار لا يريد والقرية لا تُسْأل، وهذا من أشنع جهالتهم، وأدلِّه على سوء نظرهم وقلة أفهامهم. ولو كان المجاز كذبًا، وكل فعل ينسب إلى غير الحيوان باطلًا كان أكثر كلامنا فاسدًا؛ لأننا نقول: نبت البقل، وطالت الشجرة، وأينعت الثمرة، وقام الجبل، ورخُص السعر. ونقول: «كان الفعل منك في وقت كذا وكذا» والفعل لم يكن وإنما كُوِّن، ونقول: «كان الله»، وكان بمعنى حدث. والله عز وجل قبل كل شيء بلا غاية لم يحدث فيكون بعد إن لم يكن … ولو قلنا للمنكر لقوله: جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ: كيف كنت أنت قائلًا في جدار رأيته على شفا انهيار، رأيت جدارًا ماذا؟ لم يجد بدًّا من أن يقول: جدارًا يريد أن ينقض، أو يقارب أن ينقض. وأيًّا ما كان؛ فقد جعله فاعلًا، ولا أحسبه يصل إلى هذا المعنى في شيء من لغات العجم إلا بمثل هذه الألفاظ. (تأويل مشكل القرآن: ١١٢–١١٥).

(٥) تأسيس المجاز لاهوتيًّا

«ومن قدح في المجاز وهمَّ أن يصفه بغير الصدق؛ فقد خبط خبطًا عظيمًا وتهدَّف لما لا يخفى، ولو لم يجب البحث عن حقيقة المجاز والعناية به حتى تحصل ضروبه وتضبط أقسامه إلا السلامة من هذه القالة، والخلاص مما نحا نحو هذه الشبهة، لكان من حق العاقل أن يتوفَّر عليه، ويصرف العناية إليه، فكيف وبطالب الدين حاجة ماسَّة إليه من جهات يطول عدها، وللشيطان من جانب الجهل به مداخل خفية يأتيهم منها، فيسرق دينهم من حيث لا يشعرون، ويلقيهم في الضلالة من حيث ظنوا أنهم يهتدون؟! وقد اقتسمه البلاء من جانبي الإفراط والتفريط، فمن مغرور مغرًى بنفيه دفعة والبراءة منه جملة، يَشمئز من ذكره، وينبو عن اسمه، يرى أن لزوم الظواهر فرض لازم، وضرب الخيام حولها حتم واجب، وآخر يغلو فيه ويُفْرط، ويتجاوز حده ويخبط، فيعدل عن الظاهر والمعنى عليه، ويسوم نفسه التعمق في التأويل ولا سبب يدعو إليه» (أسرار البلاغة: ٣١٢).

المُفرِطون (الظاهرية): ابن قيم الجوزية (ت ٧٥١ﻫ)

  • (١)

    إشكالية الكلام الإلهي.

    «قد علم بالاضطرار من دين الرسول أن الله تعالى تكلم حقيقة، وأنه تكلم بالكتب التي أنزلها على رسله كالتوراة والإنجيل والقرآن وغيرها، وكلامه لا ابتداء له ولا انتهاء؛ فهذه الألفاظ التي تكلم بها، وفهم عباده مراده منها، لم يضعها سبحانه لمعانٍ ثم نقلها في كلامه إلا على أصول الجهمية والمُعطِّلة الذين يقولون كلامه مخلوق من جملة المخلوقات» (الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة: ٢٦٧).

  • (٢)

    إشكالية المواضعة والاصطلاح.

    لا يُعْقَل «أن قومًا من العقلاء اجتمعوا فاصطلحوا على أن يُسموا هذا بكذا وهذا بكذا، ثم استعملوا تلك الألفاظ في تلك المعاني، ثم بعد ذلك اجتمعوا وتواطئُوا على أن يستعملوا تلك الألفاظ بعينها في معانٍ أُخر غير المعنى الأوَل لعلاقة بينها وبينها» هكذا يصير القول بالمواضعة في أصل اللغة «مجاهرة بالكذب، وقول بلا علم، والذي يعرفه الناس استعمال هذه الألفاظ في معانيها المفهومة منها … ولا يعرف تجرد هذه الألفاظ عن الاستعمال، بل تجردها عن الاستعمال محال، وهو متجرد الحركة عن المتحرك. نعم إنما تتجرد في الذهن، وهي حينئذ ليست ألفاظًا.» (الصواعق المرسلة: ٢٤٣-٢٤٤).

الوجود/الفكر/اللغة

  • العالم/الوجود سلسلة من العلامات الدالة في فضاء الفكر الإسلامي كله.

  • الاستدلال نظر في الأدلة/العالم يفضي إلى المعرفة (الفكر).

  • اللغة تعبير عن المعرفة.

    • (١)

      كسر ثنائية اللفظ والمعنى (تأويل عبارة الجاحظ).

    • (٢)

      اللغة نظام من العلامات، والعلامة لا توصف بالحسن أو القبح.

      «الألفاظ لا تراد لأنفسها، وإنما تراد لتُجعل أدلة على المعاني، فإذا عَدِمت الذي تُراد له أو اختلَّ أمرها فيه لم يعتد بالأوصاف التي تكون في أنفسها عليها، وكانت السهولة وغير السهولة فيها واحدًا.» (دلائل الإعجاز ٥٢٢).

  • مستويات الوجود: العيني – والذهني – واللغوي.

من اللغة/المعجم إلى الكلام/النظم

  • من النحو المعياري إلى علم التركيب Syntax.
  • مفهوم «الصياغة»: مَثَلُ واضع الكلام مثل الصائغ «يأخذ قطعًا من الذهب أو الفضة، فيذيب بعضها في بعض حتى تصير قطعة واحدة» (الدلائل: ٤١٢).

  • معاني النحو: علاقات التفاعل بين المفردات على مستويين: التجاور (syntagmatic) والاستبدال (paradigmatic).

التمييز بين الغرض (القصد) والمعنى (الدلالة)

  • الغرض هو المعنى الغُفل (المعنى خارج النظم): المعاني مطروحة في الطريق (الجاحظ): تشبيه زيد بالأسد.

  • المعنى هو حاصل تفاعل علاقات معاني النحو في الكلام (النظم).

    • (١)

      زيد كالأسد، كأنه الأسد (مستوًى أول).

    • (٢)

      زيد أسد (مستوًى ثانٍ).

    • (٣)

      إذا لقيته لقيت الأسد (مستوًى ثالث).

علاقات التجاور (علاقات النحو)

  • ضرب زيد عمرًا يوم الجمعة ضربًا شديدًا تأديبًا له:
    • (١)

      ضرب زيد (إسناد فاعلية الضرب لزيد) تخصيص ١.

    • (٢)

      عمرًا (مفعولية: وقوع الضرب من زيد على عمرو) تخصيص ٢.

    • (٣)

      يوم الجمعة (ظرفية زمانية: توقيت وقوع الضرب من زيد على عمرو) تخصيص ٣.

    • (٤)

      ضربًا شديدًا (تأكيد بياني لنوع الضرب الواقع من زيد على عمرو يوم الجمعة) تخصيص ٤.

    • (٥)

      تأديبًا له (تعليل للضرب الشديد الواقع من عمر على زيد يوم الجمعة) تخصيص ٥.

علاقات الاستبدال (المجاز)

  • التمييز بين المجاز اللغوي والمجاز العقلي.

  • المجاز اللغوي:
    • (١)

      من «المعنى» إلى «معنى المعنى»: الكناية.

    • (٢)

      النقل/الاتساع الاستعارة بأنواعها: تصريحية، ومكنية.

    • (٣)

      التمثيل على سبيل الاستعارة: أراك تقدم رجلًا وتؤخر أخرى.

  • لا مجاز إلا في التركيب: واشتعل الرأس شيبًا.

    ولما قضينا من مِنًى كل حاجة
    ومسَّح بالأركان من هو ماسح
    وشُدَّت على ظهر المطايا رِحالُنا
    ولم يَعرف الغادي الذي هو رائح
    أخَذْنا بأطرافِ الأحاديث بيننا
    وسالتْ بأعناقِ المَطيِّ الأباطح

المجاز والتأويل

  • المحكم والمتشابه كمبدأ تأويلي (قراءتا العطف والاستئناف).

  • قضايا التوحيد بين التنزيه والتشبيه والتفويض.

رؤية الله عز وجل يوم القيامة

  • قضايا العدل:
    • (١)

      خلق الأفعال: الخلق والفري «ولأنت تفري ما خلقت».

    • (٢)

      الهدى والضلال «ومن يشأ الله أن يهديه … ومن يشأ أن يضله».

    • (٣)

      الوعد والوعيد «الخلق للعبادة وما ذرأ للنار».

عبد القاهر والتفسير الأدبي الحديث: قراءة قبل لاهوتية

  • إعادة اكتشاف عبد القاهر: محمد عبده (١٨٤٩–١٩٠٥م).

  • التأويل التمثيلي للقصص القرآني:
    • (١)

      كتاب هداية وليس كتاب تاريخ.

    • (٢)

      السياق الاجتماعي/الثقافي/الديني (الذهن العربي).

  • الشيخ أمين الخولي: من «الهدي» إلى «البيان»: النص الأدبي.

    • (١)

      ما حول النص.

    • (٢)

      بنية النص.

١  محاضرة أبو زيد الثانية (برنامج الباحث المقيم) في مكتبة الإسكندرية ٢١ ديسمبر ٢٠٠٨م.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤