نبذة عن كل شاعر

(حسب ورود أسمائهم في النصوص)١

(١) جوته (يوهان فولفجانج: ١٧٤٩–١٨٣٢م)

شاعر الألمان الأكبر، صاحب «آلام فيرتر» و«فاوست» و«الديوان الشرقي للشاعر الغربي» وغيرها من الأعمال الأدبية التي تعكس ألوانُ طيفها كلَّ الأنواع والأشكال الأدبية، وذلك بجانب أعماله النقدية والفكرية والعلمية عن الفن ونظرية الألوان والبصريات والنبات والتشريح والمعادن بحثًا عن القوانين التي تتحكَّم في التطور العضوي الحي. يرجع لقاؤه الأول مع الموروث الشعبي والأغنية الشعبية إلى سنة ١٧٧١م، عندما سجَّل مجموعة من القصائد القصصية (البالادات) من منطقة الإلزاس، وذلك بتشجيع وتوجيه من الأديب وفيلسوف التاريخ هيردر (١٧٤٤–١٨٠٣م)، كما يُعَد عام ١٧٩٧م هو عام «البالاد»، الذي وصل فيه إنتاجه وإنتاج شيللر إلى ذروتهما الرفيعة، وتجلَّى فيه فضل صداقتهما على التعاون الوثيق بينهما.

(٢) برنتانو (كليمنس: ١٧٧٨–١٨٤٢م)

أثَّرت علاقته بجماعة الرومانتيكيين المبكرين في يينا (أثناء دراسته للطب في جامعتها من ١٧٩٨ إلى ١٨٠٠م)، وصداقته مع آخيم فون أرنيم (١٧٨١–١٨٣١م) الذي تعرَّف عليه خلال دراسته للفلسفة سنة ١٨٠١م في جوتنجن؛ على تطوُّره الأدبي تأثيرًا حاسمًا، وساعد تعرُّفه على عدد من الأدباء والعلماء الرومانتيكيين من سنة ١٨٠٤ إلى سنة ١٨٠٨م في مدينة هيدلبرج (مثل جوريس وكرويتسر)، مع تعاونه الوثيق في المدينة والفترة نفسها مع صديقه فون أرنيم؛ على بلورة اتجاهه الرومانسي والاشتراك معه في جمع وصياغة عدد كبير من القصائد القصصية والأغنيات الشعبية الألمانية القديمة التي نشرها تحت عنوان: «بوق الصبي العجيب» (١٨٠٦م)، وكان لها أثر كبير على انتشار «النغمة الشعبية» التي تميَّز بها الإنتاج الشعري في القرن التاسع عشر. ولبرنتانو أعمال روائية ومسرحية عديدة لم يكملها، بجانب أعمال شعرية أخرى في «الرومانسة»، والحكايات الشعبية التي لم يتمها أيضًا، وتكشف جميعها عن الصنعة الفنية والموسيقية واللغوية المُحكمة، والحس الغالب بالدعابة والسخرية، والاهتمام الشديد بالاغتراف من ينابيع الموروث الشعبي القديم في الشعر والأساطير والحكايات. وتشهد «بالاداته» — مثل «لورا لاي» التي تجدها في هذه المجموعة — على قدراته التعبيرية والعاطفية الفائقة.

(٣) هيبيل (فريدريش: ١٨١٣–١٨٦٣م)

نشأ في ظروف بائسة، وتولَّى تعليم نفسه بنفسه بعد عجزه عن إتمام تعليمه العالي. استقر سنة ١٩٤٥م — بعد أكثر من إقامةٍ في هامبورج وهيدلبرج وميونيخ وروما — في مدينة فيينا وعاش في علاقة مع مسرح «البرج» العريق الذي تزوَّج — أيضًا (سنة ١٨٤٦م) — إحدى ممثلاته. وهيبيل هو أعظم كاتب وشاعر مسرحي ألماني في القرن التاسع عشر، ويتناول مسرحه «التراجيدي» مشكلات الصراع بين الأنا والعالم، وبين الأجيال والعصور والحضارات. ومن أهم مسرحياته: «ماريا مجدالينا» و«هيروديس» و«ماريا منه» و«أجنيس بيرناور» و«أجينيس وخاتمه» و«النيبولنجن»، وتجمع مسرحياته وأشعاره بين العاطفة العميقة المؤثرة والتأمل الفكري الدقيق، وبين التعبير الشخصي والتحليق في الأجواء الرمزية، وبين المثالية والواقعية النفسية والجبرية. وقد تأثَّرت «بالاداته» و«رومانساته» التي نظمها في بداية حياته بالشاعر أولاند الذي اعتبره نموذجه ومَثَله الأعلى.

(٤) شيللر (فريدريش: ١٧٥٩–١٨٠٥م)

شاعر مسرحي كبير، ومؤرخ، وقاصٌّ، وصاحب رسائل فلسفية وجمالية مهمة (تأثر فيها بفلسفة كانط)، ومفكر مثالي انتصر بإرادته الحرة على ظروفه المادية والصحية البائسة.

ويُعتبَر عامُ ١٧٩٧م بالنسبة إليه — كما هو الحال مع صديقه جوته — هو عام «البالاد» أو القصيدة القصصية التي نشر معظم روائعه فيها حول هذا التاريخ، وفي المجلة التي أسَّسها وهي مجلة «ربَّات الفنون». وشعره في هذه القصائد يغلب عليه — كسائر أشعاره — الطابع الفكري المثالي الذي يصل أحيانًا إلى حد التحمس الخطابي، ﻓ «القفاز» دفاع عن فكرة الشرف أو الكبرياء التي تنتصر على عاطفة الحب، و«إبيكوس وأسراب الكركي» تصور من خلال الأمثولة الأخلاقية والتعليمية كيف يتم القصاص العادل من المجرمين القاتلين للمغني والشاعر إبيكوس، من خلال العرض الجمالي على خشبة المسرح لجوقة الممثلات اللائي يمثِّلن ربَّات الانتقام، وينطقن باسمهن. وغنيٌّ عن الذكر أن «بالادات» شيللر تحتفظ مَشاهِدها وشخصياتها بالطابع المسرحي الذي يشغل مكان القلب من إنتاجه الأدبي، ويعبِّر عن صميم روحه الفنية والإنسانية الشامخة.

(٥) شاميسو (أدالبير فون: ١٧٨١–١٨٣٨م)

ينحدر أصله من عائلة فرنسية نبيلة هربت سنة ١٧٩٢م من فظائع الثورة الفرنسية، واستقرت سنة ١٧٩٦م في برلين. عُرِف برحلته حول العالم ودراساته العلمية في النبات والحيوان التي أوصلته في سنة ١٨٣٥م إلى عضوية الأكاديمية العلمية، ولكنه اشتهر بقصته الخيالية البديعة التي تعبر عن حيرته بين وطنين — وهي الحكاية العجيبة لبيتر شليميل (١٨١٤م)، وتصوِّر رجلًا مسكينًا يتنازل عن ظله للشيطان، ويحاول عبثًا أن يعيش بلا ظل — واشتهر بأشعاره التي يتجلَّى فيها تحرره التدريجي من صور التعبير والتفكير الرومانسية واتجاهه إلى النقد الاجتماعي والواقعي، وتصوير حياة الناس العاديين مع الميل في بعض القصائد القصصية إلى الحكايات والأساطير الشمالية ذات الطابع المأساوي الفاجع (راجع بالاداته الواردة في هذه المجموعة مثل: «الحلَّاق المناسب»، و«الشحاذ وكلبه»، وكذلك «لعبة العمالقة» و«ملك من الشمال»)، ومما يُذكر أنه كتب في بداية حياته بالفرنسية، ثم اتجه بعد العشرين من عمره إلى الكتابة بالألمانية، وأن قصائده القصصية تأثَّرت بالشاعر الفرنسي بيرانجيه، الذي قام بترجمتها إلى الألمانية.

(٦) أولاند (لودفيج: ١٧٨٧–١٨٦٢م)

من أهم ممثلي الرومانتيكية المتأخرة في منطقة «شفابين»، وتُذكر له مشاركته الفعالة في السياسة وفي الكفاح من أجل قِيم الديمقراطية والليبرالية والحرية. تخلَّى في أواخر حياته عن معظم مناصبه الإدارية والسياسية والتعليمية، وتفرَّغ للأدب وللبحث العلمي في الأدب الشعبي والحكايات والأساطير الجرمانية الوسيطة، وشارك في تجميع وتحرير أول مجموعة علمية من الأغاني الشعبية، وذلك بجانب بحوثه في الأدب الألماني وإحياء تراث أكبر شاعر ألماني في العصر الوسيط، وهو فالتر فون دير فوجيلفيده، والتعاون مع الأخوَين جريم — المشهورَين بمجموعة الحكايات الشعبية للأطفال وبتأسيس المعجم الشامل للغة الألمانية — في وضع أُسس علم الأدب الشعبي. عُرف بقصائده الرومانسية، العاطفية والوطنية، وبقصائده القصصية التي استمد مادتها من التاريخ والأساطير والحكايات الشعبية الجرمانية والشمالية، وتميَّز بلغته البسيطة وتعبيره العاطفي، وقدرته على التشكيل المرِن لقصائده التي قام بتلحينها عدد كبير من كبار الموسيقيين مثل: شوبرت وشومان وليست وبرامز.

(راجِع بالاداته في هذه المجموعة مثل: «ابنة صاحبة الفندق»، و«لعنة المغنِّي»، و«قصر على البحر».)

(٧) هيني (هينريش: ١٧٩٧–١٨٥٦م)

نشأ في عائلة يهودية من التجار ورجال البنوك والأعمال. درس الحقوق والأدب في جامعات بون وجوتنجن (التي طُرِد منها بسبب تورُّطه في مبارزة)، وبرلين (حيث استمع إلى محاضرات هيجل، وزار جوته في شهر مايو سنة ١٨٢٥م زيارةً آلمته بسبب تجاهُل «إمبراطور الشعراء» وتَعاليه)، وفي العام نفسه تخلَّى عن اليهودية ودخل المسيحية البروتستنتية، وحصل على الدكتوراه في القانون من جامعة جوتنجن. تعدَّدت رحلاته وأسفاره بين لندن وإيطاليا وبعض المدن الألمانية إلى أن استقر منذ سنة ١٨٣١م نهائيًّا في باريس؛ حيث عمل مراسِلًا لجريدة ألمانية تصدر في أوجسبورج، ولبعض الصحف الفرنسية، واتصل بكبار الشعراء والأدباء الفرنسيين — مثل هيجو وديما وبلزاك وجورج صاند — كما انضم إلى جماعة السان سيمونيين. صُودِرت كتاباته وأعماله في ألمانيا — بسبب جرأته وسخريته الجارحة — بقرار من البرلمان الألماني في سنة ١٨٣٥م. بدأ يعاني منذ سنة ١٨٣٧م من مرض في عينيه، ومنذ سنة ١٨٤٨م من شلل في العمود الفقري ألزَمَه الفراش بقية حياته إلى أن وُورِي التراب في مقبرة مونمارتر بباريس.

من أهم وأعذب الشعراء الألمان في مرحلة الانتقال من الرومانتيكية إلى الواقعية، وقد انطبع إنتاجه بطابع التمزُّق بين المرحلتين، وبالاكتئاب مع الدعابة والسخرية والتهكم المُر من واقعٍ اختفت منه القِيَم المثالية والإنسانية السابقة، واقتضى منه الارتفاع فوقه، والتخلص من كل الأوهام التراثية والعاطفية. ظهر تفوُّقه في قصائده في «كتاب الحب»، وفي السوناتات والأغاني ذات الطابع الرومانسي والشعبي التي أكسبَتْه شهرة واسعة، والقصائد السياسية والنقدية الاجتماعية التي ارتفعت فيها نبرة السخرية العدائية الحادة، وتأثَّر فيها بالحركة الثورية المتمرِّدة التي أطلقت على نفسها اسم «ألمانيا الشابة» (لا سيما في ملحمته الشعرية: ألمانيا، أسطورة شتاء)، ولكن شعره الغني بالصور الفنية والألم الكوني والعذوبة والدعابة يتجلَّى في أروع أشكاله وأنغامه في قصائده القصصية (أو بالاداته) التي أثَّرت — مع مجمل إنتاجه الشعري والنثري المتنوع — تأثيرًا واسعًا على شعراء العصر الحاضر، لا سيما الشعراء من ذوي الاتجاه النقدي الساخر والمحتج (راجِع في هذه المجموعة بعض قصائده القصصية العامة مثل: «بنو عذرة»، و«أنثى»، و«وادي الآلام»، و«النسَّاجون»، و«شارل الأول»؛ وهو ملك إنجلترا واسكتلندا من ١٦٠٠ إلى ١٦٤٩م الذي تسبَّب في نشوب حربَيْن أهليتين، وحُوكِم في وستمنستر ورفض الدفاع عن نفسه، فاعتُبِر ذلك اعترافًا بجرائمه وأُدِين وحُكِم عليه بالإعدام في «وايتهول» بقطع رأسه).

(٨) كيستنر (إريش: ١٨٩٩–١٩٧٤م)

بعد خدمة عسكرية في الحرب العالمية الأولى حصل على الثانوية سنة ١٩١٩م، ثم درس الأدب الألماني والتاريخ والفلسفة وعلوم المسرح في روستوك وبرلين ولايبزيج؛ حيث قدَّم رسالته للدكتوراه سنة ١٩٢٥م، واشتغل بعدها محرِّرًا أدبيًّا في صحف عديدة. مُنِع في عهد النازيين من الكتابة، وحضر بنفسه حريق الكتب المشهور في برلين (ومن بينها كتبه)، وأخذ ينشر كتبه خارج بلده. كتب في سنة ١٩٤٢م سيناريو فيلم «منشهاوزن» تحت اسم مستعار، وأشرف على الصفحات الثقافية في «الجريدة الجديدة» من ١٩٤٥ إلى ١٩٤٧م في مدينة ميونيخ، التي استقر فيها متفرغًا للكتابة الحرة. اكتسب شهرته من الكتابة للأطفال (ومن أشهر كتبه: «إميل والمخبرون»، و«مؤتمر الحيوانات»، وغيرهما)، ومن أشعاره الساخرة التي يتجه فيها لرجل الشارع، ويعالج قضايا الحياة اليومية وأزماتها ومشكلاتها العينية بروح التهكُّم والدعابة الإنسانية الصافية. عُرِف كذلك برواياته التي تسجِّل ظواهرَ التدهور الأخلاقي والاجتماعي في الثلاثينيات، ومنذ عهد جمهورية فيمار (ومن أهمها روايته: «فابيان، تاريخ رجل أخلاقي»)، وحرصه على البُعد عن اتخاذ أي موقف سياسي. ومع ذلك فقد اتجه في محاضراته ومقالاته ومشاركته في الكباريه الغنائي والأدبي (الحرية الصغيرة، ١٩٥١م) إلى اتخاذ موقف الرفض لإعادة تسليح ألمانيا، ونقد ما سُمِّي آنذاك بالمعجزة الاقتصادية، وانتقاد الدعوة للتنكُّر للماضي والتراث. تألَّق كذلك في مسرحيته الشهيرة: «مدرسة الطغاة» (١٩٥٦م)، وفي مذكراته وإبيجراماته وقصائده التي تَشيع فيها روحُ السخرية العَذْبة، وتتسم بقدر كبير من البساطة والوعي والموضوعية والعمق أيضًا.

(راجِع البالاد الوحيدة التي اقتبسناها منه، وهي رومانسة موضوعية.)

(٩) فيمان (فرانز: ١٩٢٢–١٩٨٤م)

من كبار كُتَّاب ألمانيا الشرقية السابقة. جُنِّد في الحرب العالمية الثانية، وشارك في المعارك التي دارت في أوكرانيا واليونان، وأُسِر سنة ١٩٤٥م في الاتحاد السوفييتي السابق؛ حيث بقي في الأَسْر أربع سنوات. تخلَّى عن اتجاهاته الفاشية المبكرة، واتجه إلى الماركسية بعد عكوفه على دراستها، وانضمَّ إلى الحزب الديمقراطي الوطني الذي عُيِّن فيه سكرتيرًا مسئولًا عن الشئون الثقافية. تفرَّغ منذ ١٩٥٨م للكتابة الحرة، وأصبح قدوةً لشباب الأدباء الذين بذل كل جهده لتشجيعهم ورعايتهم. تسجِّل أشعاره وكتاباته القصصية والروائية ومذكرات رحلاته ومقالاته مدى اهتمامه بموضوع «الماضي» بكل أخطائه وفظائعه، وبقضايا الذنب والضمير والمسئولية، وبتسليط النقد على الحياة اليومية في ألمانيا الشرقية، ومعالجة التناقض الواضح في العلاقات بين الفرد والمجتمع في ظل التطبيق الاشتراكي الرديء، كل ذلك بجانب انشغاله في نثره وشعره بموضوعات ومواد مستمَدة من الأساطير، واهتمامه الشديد بالكتابة للأطفال، وتلخيص الأعمال الأدبية العالمية لهم، وبالترجمة عن عددٍ من اللغات السلافية (راجِع في هذه المجموعة قصيدتَيْه القصصيتين: «طوبى للعصيان»، و«صبيُّ الشيطان»).

(١٠) ريكرت (فريدريش: ١٧٨٨–١٨٦٦م)

درس علم اللغة في جامعتَي فيرتسبورج وهيدلبرج، ثم حصل في سنة ١٨١١م على الدكتوراه من جامعة يينا التي اشتغل فيها محاضرًا لفترة قصيرة. درس اللغات الشرقية في فيينا على يد المستشرق المعروف يوسف فون همر بورجشتال (الذي اعتمد جوته في ديوانه الشرقي على ترجماته العديدة عن الأدب الفارسي). وعلى الرغم من تفرُّغه لبحوثه الاستشراقية وترجماته المبدعة عن عدد كبير من اللغات الشرقية، ومنها العربية (التي ترجم عنها جزءًا كبيرًا من القرآن الكريم، وعشر مقامات للحريري، وديوان الحماسة وغيرها)، فقد شغل منصب الأستاذية للغات الشرقية في جامعة أرلانجن من سنة ١٨٢٦ إلى سنة ١٨٤١م، كما قام بالتدريس بين سنتَيْ ١٨٤١م و١٨٤٨م في جامعة برلين، ثم عاش متفرِّغًا لبحوثه وترجماته في ضيعته الصغيرة بالقرب من مدينة كوبرج. تميَّزَ ريكرت بإنتاجه الشعري الخصب، وبترجماته التي لا حصرَ لها عن لغاتٍ شرقية بلا حصر أيضًا. وقد لقي الظلم في حياته وبعد موته أيضًا من المستشرقين الذين لم يعتبروه علميًّا بما فيه الكفاية، ومن الشعراء الذين اعتبروه مستشرقًا وحسب (وذلك إلى أن أنصفته المستشرقة الكبيرة آن ماري شيميل، التي وضعت كتابًا عن حياته وأعماله، ونشرت وحقَّقت بعض ترجماته، ومنها ترجمته المسجوعة الرائعة لمقامات الحريري). يُقال إنه كتب ما يزيد على عشرة آلاف قصيدة، تميزت من بينها: «سوناتة أماريل» و«السوناتة المسلَّحة» (التي كتبها سنة ١٨١٤م متأثرًا بحرب التحرير الوطنية من قبضة نابليون)، وأغنيات موت الأطفال (١٨٣٣-١٨٣٤م)، التي بكى فيها اثنين من أصغر أبنائه، وقد نُشِرت بعد وفاته ولحَّنها الموسيقار جوستاف مالر. وتؤكد ترجماته — أو بالأحرى محاكاته الخلَّاقة للعديد من النصوص العربية والفارسية والهندية والصينية — تفرُّدَه وتفوُّقه كمستشرق شاعر أو كشاعر مستشرق، كما يعبر كتابه «حكمة البراهمة، قصيدة تعليمية في شذرات» — الذي أعاد فيه إنتاج مختارات متفرقة من أدب الشرق والغرب — عن شخصيته وأسلوبه في التفكير والعمل، وطموحه كشاعر لم يُقدَّر له النجاح دائمًا، خصوصًا في ثلاثيته عن حروب التحرير من احتلال نابليون، وفي مسرحياته العديدة التي لم يكد يذكرها أحد في حياته ولا بعد موته (راجِع عنه في العربية كتاب «ريكرت عاشق العربية»، للدكتور محمد عوني عبد الرءوف).

(١١) جرين (أنا ستازيوس: ١٨٠٦–١٨٧٦م)

فارس وسليل أسرة من النبلاء. درس الفلسفة والحقوق بجامعتَي جراتز وفيينا، وتفرَّغ منذ سنة ١٨٣١م لإدارة ضيعته وقصره في تورن على نهر الهارت. تقلَّد مناصب سياسية عديدة طبعت شعرَه بطابع سياسي وليبرالي ونقدي ملحوظ جعله قدوة لحركة «ألمانيا الشابة»، وساهم بترجماته للأغنيات والبالادات الإنجليزية القديمة والسلوفانية في نهضة الأدب الشعبي، كما سجَّل بمجموعته الشعرية «نزهات شاعر من فيينا» — التي نشرها تحت اسم مستعار وهاجَمَ فيها نظام «ميترنيخ» القمعي — بدايةَ الشعر السياسي لحركة «ما قبل مارس» الأدبية.

(راجِع قصيدته القصصية «مرسال» في هذه المجموعة.)

(١٢) بريشت (برتولت: ١٨٩٨–١٩٥٦م)

شاعر وكاتب مسرحي وروائي ومخرج ومنظِّر للمسرح الملحمي. احتفل العالم قبل خمس سنوات بمئوية ميلاده، فقُرِئت أشعاره في الندوات وعُرِضت مسرحياته على الخشبة المسرحية في أوروبا وأمريكا وآسيا والعالم كله — ربما باستثناء العالم العربي الذي اشتهر فيه في الستينيات، وتأثَّر به العديد من الشعراء وكُتَّاب المسرح والنقَّاد والدارسين، ثم نُسِي بعد ذلك نسيانًا يوشك أن يكون تامًّا — بدأ حياته بدراسة الآداب والطب، وجُنِّد في الحرب العالمية الأولى كممرِّض في مسقط رأسه «أوجسبرج» لفترة قصيرة أثَّرت على مسرحياته الثلاث المبكرة في المرحلة المعروفة بالمرحلة التعبيرية من إنتاجه المسرحي. توقَّف بعد الحرب عن دراسة الطب، وواصَلَ الكتابة ودراسة علوم المسرح، ثم تعاقَدَ معه مسرحُ الغرفة في ميونيخ على العمل كمسئول عن النصوص المسرحية (دراما تورج) بعد النجاح الساحق لثالثة مسرحياته سابقة الذكر، وهي «طبول في الليل» (١٩٢٢م)، وانتقل إلى برلين للعمل مع المخرج الشهير ماكس راينهارت، حيث عُرِضت بعض مسرحياته على «المسرح الألماني»، ولكن النجاح الأكبر سعى إليه مع عرض أوبراه الشهيرة: «أوبرا القروش الثلاثة» على مسرح «الشفباوردام» الذي كرَّسته له الدولة الاشتراكية السابقة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وفي سنة ١٩٢٨م. هاجر مع أسرته إلى الدنمارك سنة ١٩٣٣م بعد وصول هتلر وعصابته إلى السلطة، ثم انتقل منها إلى السويد (١٩٣٩م)، وفنلندا (١٩٤٠م)، إلى أن سافر للولايات المتحدة الأمريكية، واستقر في سانتا مونيكا بكاليفورنيا، حتى قُدِّم للمحاكَمة أمام لجنة النشاط المُعادِي لأمريكا في يوم الثلاثين من شهر أكتوبر سنة ١٩٤٧م. وقد سافر في اليوم التالي مباشَرةً إلى زيورخ عبر باريس، حتى انتهى به المطاف إلى الإقامة في القسم الشرقي من برلين عاصمة ألمانيا الديمقراطية السابقة، والتفرُّغ منذ سنة ١٩٤٩م ﻟ «فرقة برلين» المسرحية التي أسَّسها مع زوجته الممثِّلة الشهيرة هيلينا فايجيل، وتخصَّصت في عرض تجاربه المسرحية مع بعض المسرحيات القليلة لمؤلِّفين آخرين (مثل: شكسبير، ولنس، وموليير وغيرهم)، وقد حصل في أواخر حياته — على الرغم من العلاقة المتوترة بينه وبين الدولة الاشتراكية وحزبها الواحد — على العديد من جوائز التكريم، وذلك بعد أن لمع اسمه كواحد من أكبر كُتَّاب المسرح العالمي في النصف الأول من القرن العشرين.

ظل إنتاج بريشت المسرحي والقصصي والشعري مرتبطًا أشد الارتباط بعصره ومحنته الكبرى؛ وهي الحرب والحكم الأسود لقطعان النازية، ولذلك توجَّه هذا الإنتاج في المقام الأول إلى الإنسان العادي أو «الرجل الصغير» لتنويره وحثِّه على الوعي النقدي بتناقضات واقعة، والكشف عن زيف الأساطير والأوهام الفاشية التي خدعته وجرَّته مع الملايين إلى المذبحة الكبرى، والتحريض على ضرورة «التغيير» الذي يلخِّص بكلمة موجزة رسالتَه الأدبية والفنية.

وقد تميَّز شعر بريشت — الذي ارتبط في الجانب الأكبر منه بمحنة عصره وبكفاحه في سبيل التنوير والتغيير — ببساطته وسهولته الممتنعة، وموضوعيته التي يندر معها أن تجد له شعرًا ذاتيًّا (ربما باستثناء بكائياته على نفسه وعلى عصره في قصائد مثل: «برتولت بريشت المسكين»، و«إلى الأجيال المقبِلة»، و«مرثيات بوكو») ومعالجته لكل الأشكال الشعرية المعروفة، من البالاد ذات الوزن والقافية، إلى قصائد الشعر الحر، إلى السوناتة والإبيجرام والشعر التعليمي والملحمة والقصة الشعرية والأغنيات الشعبية والمعارضات لبعض عيون التراث الشعري الكلاسيكي (راجِع في هذه المجموعة قصيدتَيه القصصيتَين عن الجندي الميت، وعن نشأة كتاب الطريق والفضيلة تاو-تي-كنج للحكيم الصيني لاو-تزو. وراجِع إن شئتَ مجموعة أشعاره التي نقلها كاتبُ السطور إلى العربية، وظهرت تحت عنوان «هذا هو كل شيء، قصائد من بريشت» في دار شرقيات بالقاهرة، ١٩٩٩م، مشاركة في الاحتفال بذِكْراه المئوية).

(١٣) هيردر (يوهان جوتفريد: ١٧٤٤–١٨٠٣م)

هو فيلسوف التاريخ المشهور («فلسفة للتاريخ لتثقيف الإنسانية» (١٧٧٤م)، و«أفكار عن فلسفة تاريخ البشرية» (١٧٨٤–١٧٩١م) وغيرهما)، والأديب الملهم لحركة «العصف والدفع» الأدبية والحث على جمع واستلهام التراث الشعبي لدى الشعوب القديمة كافة، لا سيما في الأغنية الشعبية التي نقل منها بنفسه عددًا كبيرًا في كتابَيْه: «أغاني شعبية قديمة» (١٧٧٤م)، و«أصوات الشعوب في أغانيها» (١٨٠٧م)، وتوجيه أدباء الشباب في ذلك الحين (لا سيما جوته) إلى الاهتمام بالأدب الشعبي، وقراءة شكسبير. تميَّز بأسلوبه التأثيري والوجداني المجنَّح، وبنزعته المضادة للعقلانية والتنوير، ولفته أنظار معاصريه إلى فكرة التطوُّر التاريخي والعضوي الحي، وإلى فهم لغة وأدب وثقافة أي شعب من الشعوب اعتمادًا على ظروفه التاريخية السابقة والشروط المحددة لطبعه ومناخه وأرضه، بحيث يُعتبَر — بفكرته الخصبة عن التاريخ كعملية تطوُّر ونمو شبيه بالتطور العضوي في النبات والكائنات الحية — مؤسِّسَ فلسفة التاريخ الحديثة في ألمانيا. يُذكَر له تأثيره سابق الذكر وترجماته الجميلة عن الشعر الإغريقي والشعر الشرقي (راجِع قصيدته القصصية «إدوارد»، المترجمة عن الأدب الاسكتلندي القديم).

(١٤) موريكه (إدوارد: ١٨٠٤–١٨٧٥م)

تقلَّدَ منصب الواعظ والقسيس في عددٍ من القرى والمدن الصغيرة بالجنوب الألماني، ثم عمل أستاذًا للأدب في شتوتجارت التي عاش فيها منطويًا ومعتزلًا حتى وفاته. يُعَد بجانب «هيني» من أهم الشعراء الألمان في المرحلة الفاصلة بين الرومانتيكية والواقعية، وقد تأثَّر شعره العاطفي والموسيقي الرقيق بشعر جوته والرومانسيين، وبروح الأغنية الشعبية وأشكال وأوزان الشعر الكلاسيكي القديم، مع بساطة آسِرة في أغانيه المشبَّعة بالأنغام الشعبية، والاهتمام بتصوير رؤيته وتجربته للطبيعة في صور أسطورية وخيالية مثيرة تَشِي بالصفاء والبساطة والدعابة والمرح، مع الاحتفاظ بالروح الموضوعية والاهتمام بالملموس والمحسوس في «بالاداته» الطبيعية. تميَّز أيضًا بقصصه القصيرة المحكمة، لا سيما قصته الشهيرة عن «رحلة موتسارت إلى براغ»، وكذلك بروايته «ماره نولتن» التي وقع فيها تحت تأثير رواية جوته «فيلهلم ميستر»، وبترجماته المتواضعة عن الشعر الإغريقي والروماني «أناكريون وثيو كريت وكاتول»، وبرسائله المؤثرة المعبِّرة (راجِع في هذه المجموعة قصيدته القصصية «التتويج الحزين»).

(١٥) رنجلناتز (يواخيم: ١٨٨٣–١٩٣٤م)

وُلد لأبٍّ كان يعمل مؤلفًا لكتب الصبية والشباب، درس بعض الوقت في مدينة لايبنزيج، ثم عمل — بغير علم أبويه — على إحدى السفن، وتقلَّب بين أعمالٍ ومهن مختلفة في البر والبحر، منها الصحافة الفكاهية والأرشيف والمكتبات والمسرح، عانى مرارة البطالة والجوع بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، حتى اكتشفه صاحب مسرح «الصوت والدخان» في برلين، وكان يقرأ فيه أشعاره المَرِحة الفَكِهة والمأساوية الفاجعة في وقتٍ واحد، وبقي مواظبًا على العمل فيه حتى سنة ١٩٣٣م. وهو شاعر «الكاباريهات الأدبية» الساخر، يتجاور عنده المعقول مع اللامعقول، والعمق مع الحمق، والنكتة الصارخة مع الحس النقدي اللاذع لعصره وواقعه، والقصيدة الرائعة المؤثرة مع أغنيات «البحر» الساذجة الفجَّة المتخَمة بالجرائم المَهُولة (على طريقة الأغاني الشعبية التي عُرِفت باسم «الموريتات»)، وتكمن تحت السطح الضاحك المرِح لأشعاره أعماقٌ شديدةُ الكآبة والحساسية للألم والبؤس الإنساني. له إلى جانب أشعاره كتابات نثرية وذكريات عديدة عن حياته مع البحر والمغامرة (راجِع له في هذه المجموعة قصيدته عن «الطفلة الساحرة»).

(١٦) ميكيل (كارل: ١٩٣٥–٢٠٠٠م)

درس الاقتصاد وتاريخه في برلين الشرقية (سابقًا)، وعمل بعد ذلك صحفيًّا، فمعيدًا في المدرسة العليا للاقتصاد، ثم التحق في سنة ١٩٧٨م بفرقة برلين المسرحية (لبريشت وزوجته هيلينا فايجل) التي تولَّى فيها مسئوليةَ النصوص المسرحية، وقام بعدها بالتدريس في مدرسة التمثيل في برلين الشرقية، إلى أن انتقل إلى مدرسة «إرنست بوش» العليا لفن التمثيل التي شغل فيها منصب الأستاذية منذ سنة ١٩٩١م حتى وفاته.

يمتد قوس الكتابة الإبداعية عند ميكيل ليشمل الشعر والرواية والدراما، ولكن الشعر يحتل مركزَ القلب من نشاطه الأدبي والفني. اكتسب في الستينيات شهرتَه كشاعر مجدِّد يحاول أن يفتح للشعر في ألمانيا الشرقية السابقة آفاقًا جديدة، تشهد على ذلك مجموعة الأشعار المنتخبة التي جعل عنوانها: «في هذا البلد الأفضل، قصائد من ألمانيا الشرقية منذ سنة ١٩٤٥م»، كما تدل عليه أشعاره التحريضية المبكرة مثل مجموعة قصائده بعنوان «مدائح وشتائم»، بالإضافة إلى مجموعته التالية بعنوان «حياتي الجديدة» التي حاول فيها أن يقابل بين المأثور والجديد، والعامية والفصحى، ومواقف الحياة اليومية وأصحاب الجِباه العالية، مما أثار عليه النقاد الماركسيين المتزمتين (راجِع في هذه المجموعة قصيدتَه القصصية عن «الطفل الواقف أمام باب الجنة»).

(١٧) فيرتيل (برتولد: ١٨٨٥–١٩٥٣م)

شاعر وقاص وكاتب مسرحي نمسوي. درس الفلسفة والتاريخ في فيينا، وشارك مشاركة فعَّالة في الصحافة النقدية الفَكِهة (في المجلة الساخرة سمبليسيزموس ومجلة الشعلة التي كان يُصدِرها الكاتب الساخر كارل كراوس)، وفي العمل المسرحي بالمساهَمة في تأسيس عدد من المسارح (كالمسرح الشعبي في مدينة فيينا، والمسرح التجريبي «الفرقة»، وغيرهما)، وفي الإخراج للمسرح والسينما في هوليوود بعد هجرته إلى الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنة ١٩٣٨م، حتى عودته إلى فيينا سنة ١٩٤٧م لمعاودة نشاطه المسرحي والترجمي عن الأدب الأمريكي. قام بدور كبير في حملة الدعاية التي كانت تقوم بها إذاعة اﻟ «بي بي سي» البريطانية ضد النازية، وفي سنواته الأخيرة كرَّس شعره للهجوم على الفاشية (راجِع على سبيل المثال قصيدته القصصية في هذه المجموعة عن «أجراس إيرفورت»).

(١٨) فونتانه (تيودور: ١٨١٩–١٨٩٨م)

تقلَّب معظم حياته بين العمل بالصيدلة والصحافة (عمل مراسِلًا حربيًّا خلال الحملات العسكرية والحرب بين ألمانيا وفرنسا من عام ١٨٦٤ إلى عام ١٨٧١م)، والنقد المسرحي وسكرتارية أكاديمية الفنون في برلين. اتجه إلى الأدب متأخرًا، ولكن إنتاجه الروائي والشعري ظل متدفقًا في شيخوخته، وحتى وفاته. يمثل فونتانه برواياته وشعره القصصي مرحلةَ اكتمال الواقعية الألمانية، وقد بدأ حياته مع الشعر بكتابة قصائد يكسوها الأسى والحنين، ثم اكتسب شهرتَه كشاعر قصائد قصصية شعبية احتذى فيها نماذجَ «البالاد» الإنجليزية والاسكتلندية، مقتبِسًا مادتها من التاريخ الإنجليزي والاسكتلندي القديم، أو من الشخصيات البروسية في عصره، وتميَّز بأسلوبه المكثَّف المقتصد، والمعبِّر في الوقت نفسه عن القلق والتوتر النفسي. وقد اتجه إلى الكتابة الروائية بعد بلوغه الستين من عمره، فبدأ بالرواية التاريخية على طريقة الإنجليزي سكوت، ولكنه لم يجد طريقه الخاص في الرواية إلا بعد السبعين، عندما عالَج كتابة الرواية الواقعية من بيئته المحيطة به في برلين، ومنطقة المارك براندنبرج التي صوَّرها تصويرًا واقعيًّا وموضوعيًّا بلغ الغايةَ من دقة الملاحظة والبراعة في رسم الشخصيات والحوار الذكي المعبِّر مع ميلٍ شديدٍ إلى التأمل والحكمة الملائِمَين لكبر سنه ونضجه (راجِع في هذه المجموعة قصيدته القصصية «مأساة من أفغانستان»).

(١٩) جلاسبرنر (أدولف: ١٨١٠–١٨٧٦م)

وُلِد في برلين ومات بها. تفرَّغ منذ سنة ١٨٣٠م للكتابة الحرة والعمل الصحفي والسياسي، وعُرِف بأسلوبه الساخر — على طريقة أهل برلين وبلهجتهم وروحهم الشعبية بارعة الدعابة والنكتة — الذي وصل في سخريته السياسية والنقدية الاجتماعية إلى حد مُصادَرة كتاباته وطرده في الأربعينيات من برلين التي لم يرجع إليها إلا في أواخر الخمسينيات، وبعد فشل ثورة ١٨٤٨م لمتابعة كتاباته المرِحة، وأشعار في بعض الصحف التي أصدرها، ومنها صحيفة برلين الصباحية منذ سنة ١٨٦٨م حتى سنة وفاته.

(راجِع قصيدته القصصية المفعمة بالسخرية المؤلمة أو بالألم الساخر، وهي «حكاية الغنى والحاجة».)

(٢٠) ديميل (ريشارد: ١٨٦٣–١٩٢٠م)

بعد دراسة الاقتصاد والفلسفة والعلوم الطبيعية في برلين ولايبنزيج، حصل على الدكتوراه في سنة ١٨٨٧م، وعمل في إحدى شركات التأمين، ثم تفرَّغ للكتابة الحرة منذ سنة ١٩٠١م. تطوَّع في الحرب العالمية الأولى، شارك بعد انتهائها في تأسيس مجلة الفنون: «بان». وبدأ منذ سنة ١٨٩١م في نشر قصائده التي رحَّب بها القراء والنقاد، واعتبروه من أعظم الشعراء الألمان المعبِّرين عن حسٍّ جديدٍ وجريءٍ بالحياة والحب، ورؤية فنية متحررة من التقاليد الأخلاقية الدينية ومضادة لتصوُّرات أصحاب النزعة الطبيعية التي سادت في ذلك الحين، وتجلَّت هذه الرؤية المزعجة للأعراف البرجوازية في روايته «إنسانان»، وهي قصة حب مؤلَّفة من «رومانسات» تمجِّد الحب والجمال وقوة الإيروس (العشق)، وإرادة الحياة، متأثرًا في ذلك بفلسفة الحياة عند نيتشه إلى الحد الذي جعل التعبيريين يعتبرونه أحد رواد «صرختهم» في سبيل الحرية والحب والخلاص والإنسانية. وتتجلَّى أفكاره في الإصلاح الاجتماعي والأخلاقي والارتفاع بالحب إلى مستوى السر الكوني (راجِع في هذه المجموعة قصيدته «أغنية الحصاد»).

(٢١) فولف (فريدريش: ١٨٨٨–١٩٥٣م)

وُلِد في «نويفيد» على شط الراين لعائلة يهودية من الطبقة الوسطى، وهرب من بيت أبويه إلى ميونيخ، ثم إلى روما ليتعلَّم فن التصوير. عمل في صباه على البواخر التي تمخر نهر الراين، ثم درس الفلسفة والطب في برلين وبون، واشتغل طبيبًا على السفن البحرية، وفي الحرب العالمية الأولى، ثم انضم بعد انتهائها إلى حركة اليسار الاشتراكي وإلى الحزب الشيوعي. هاجر في سنة ١٩٣٣م إلى سويسرا وفرنسا هربًا من جحافل النازية، وشارَك في الحرب الأهلية الإسبانية في صفوف الشيوعيين، وبعد اعتقاله في فرنسا سنة ١٩٣٩م على أثر احتلالها، هرب إلى الاتحاد السوفييتي السابق، وعمل في الإذاعة وجبهات القتال في الدعاية ضد النازية، ثم رجع بعد انتهاء الحرب إلى برلين الشرقية، حيث عمل طبيبًا وسفيرًا لبلاده في وارسو، وشارك في الحياة المسرحية. عُرِف كقاصٍّ وكاتب مسرحي اشتراكي وشاعر عالي النبرة ومحرِّض على الكفاح ﺑ «سلاح الفن» في سبيل الثورة الاشتراكية والمسرح الاشتراكي الذي أعطاه معظمَ جهده واهتمامه (راجِع له في هذه المجموعة قصيدته الثورية عن «شجرة المانجو»).

(٢٢) فاينرت (إريش: ١٨٩٠–١٩٥٣م)

بعد سنواتٍ طويلة في تعلُّم السباكة والميكانيكا والرسم وتصوير الكتب، والمشاركة بأشعاره في «الكباريهات» الأدبية، أصبح من الدعاة للثورة الاشتراكية والمحرِّرين للصحف الشيوعية. بعد هجرته من بلاده سنة ١٩٣٣م إلى سويسرا وفرنسا، ثم موسكو، شارك في الحرب الأهلية الإسبانية في صفوف التقدُّميين، ثم استقر بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في برلين الشرقية؛ حيث تقلَّد مناصبَ قياديةً مهمة في العمل الثقافي في الدولة الاشتراكية السابقة. وتُعَد السخرية النقدية والنبرة الدعائية من أهم سمات شعره التحريضي المباشر (راجِع قصيدته القصصية «أم ألمانية» في هذه المجموعة).

(٢٣) بيشر (يوهانيس: ١٨٩١–١٩٥٨م)

من أهم شعراء ومثقفي الحركة الاشتراكية في جمهورية ألمانيا الشرقية السابقة. بدأ حياته شاعرًا تعبيريًّا صارخَ الانفعال واللغة والصور، ثم اتجه إلى الاشتراكية، حتى صار عَلَمًا من أعلام «الواقعية الاشتراكية»، وجعل نثره وشعره الغزير سلاحًا فعَّالًا لبناء مجتمع اشتراكي وديمقراطي عادل يبني ما خرَّبه الطاغوت النازي، ويبشِّر بالأخوة البشرية وإحياء قِيَم التراث الأدبي والأخلاقي والإنساني الأصيل، بعيدًا عن التزييف الفاشي والرأسمالي معًا. أصدر في سنة ١٩٥٢م ديوانه: «الجثة على العرش»، فأُلقِي القبض عليه واتُّهم بالخيانة العظمى. وأخذت القضية تجرجر أذيالها ثلاث سنوات، حتى أُفرِج عنه بعد تدخُّل عدد من أدباء العصر المرموقين مثل: جوركي وتوماس مان وبريشت. وقد ضاعَفَ هذا من تحمُّسه للشيوعية، ومن إيمانه بأن الأدب من أقوى أسلحة العمل الحزبي والثقافي المنظم لتحقيق الاشتراكية الإنسانية. هاجَرَ من بلاده إلى الاتحاد السوفييتي السابق على أثر استيلاء النازيين على السلطة في سنة ١٩٣٣م، ثم رجع إليها وأسَّس في برلين — الشرقية — سنة ١٩٤٥م مجموعةً من الأنشطة الثقافية، من أهمها: الاتحاد الثقافي للتجديد الديمقراطي لألمانيا، ودار النشر «أوفباو» (التعمير)، والمجلة الأدبية المرموقة «المعنى والشكل». وفي سنة ١٩٤٩م وضع النشيد الوطني لجمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة، ثم تولَّى رئاسة أكاديمية الفنون من سنة ١٩٥٢ إلى سنة ١٩٥٤م، وعُيِّن في هذه السنة الأخيرة أول وزير للثقافة، وظل يشغل المنصب حتى رحيله في سنة ١٩٥٨م.

لا شك في أن «بيشر» قد كافح كفاحًا شاقًّا لتحقيق طموحاته وتصوُّراته عن الثقافة الإنسانية والأدب التقدُّمي، ولكن لا شك أيضًا في أن حرصه على النزعة التعليمية والتحريضية وتبشيره ﺑ «اليوتوبيا» الاشتراكية قد أوقعه في سخف خطابي كثير، وإن كان هذا لا يمنع من القول بأن بعض أغانيه ذات النبرة الشعبية البسيطة قد شاعت على ألسنة الناس، وأن بعض قصائده التي تغنَّى فيها بالثورة وزعمائها كانت طاقة دافعة للحماس، ووقودًا لاشتعال الأمل والحلم الاشتراكي الذي لم يلبث أن اختنق في أكفان الروتين والفقر والقهر والتحجُّر والجمود.

يُذكَر له — إلى جانب شعره السياسي الملتزم، الذي تجد طرفًا منه في كتابي المتواضع عن ثورة الشعر الحديث، القاهرة، أبوللو سنة ١٩٩٨م — كتاباه النثريان: «دفاع عن الشعر» (١٩٥٣م)، و«المبدأ الشعري» (١٩٥٧م) (راجِع في هذه المجموعة قصيدته القصصية «أغنية الفلاحين»).

١  سقطت من هذا التعريف الموجز أسماء ثلاثة شعراء هم: رودي شترال، وماكس تسيمرنج، وإميل جيتكل، الذين لم أجدهم في المراجع التي بين يديَّ وأحدثُها هو معجم ركلام للأدباء الألمان المنشور سنة ٢٠٠١م في مدينة شتوتجارت. ولهذا أعتذر عن هذا الإغفال غير المقصود. (المترجم)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤