الفصل الثاني

في ذكر وجود العشق في البسائط الغير الحية

البسائط الغير الحية على أقسام ثلاثة؛ أحدها: الهيولي الحقيقية، والثاني: الصورة التي لا يمكن لها القوام بانفراد ذاتها، والثالث: الأعراض. والفرق بين الأعراض وبين هذه الصورة أن هذه الصورة مقومة للجواهر؛ ولذلك استحقها الأوائل من الإلاهيين لأن يجعلوها من أقسام الجواهر؛ لكونها جزءًا للجواهر القائمة بذواتها، ولم يحرموها سِمَة الجوهرية لأجل امتناع وجودها بمفرد الذات، إذ الجوهر الهيولاني هذا حاله، ومع هذا لا يُستنكر اعتداده من جملة الجواهر لكونه في ذاته جزءًا للجواهر القائمة بذواتها، بل ولأن يخصوها — أعني الصورة — بمزية في الجوهرية على الهيولي، إذ هذه الصورة الجوهرية بها يقوم الجوهر بالفعل جوهرًا ومهما وجد أوجب وجود جوهر بالفعل، ولأجل ذلك قيل: إن الصورة جوهر بنوع فعل، وأما الهيولي فهي معدودة فيما يقبل الجوهرية بالقوة، إذ لا يلزم بوجود كل هيولي جوهر ما وجوده بالفعل، ولأجل ذلك قيل: إنه جوهر بنوع قوة، فقد تقرر من هذا القول حقيقة الصورة، ولا يحمل إطلاق هذه الحقيقة على العرض، إذ ليس هو بمقوِّم للجوهر ولا معدود بوجه من الوجوه جوهرًا.

فإذا تقرر هذا فنقول: إن كل واحد من هذه الهُويَّات البسيطة الغير الحية قرين عشق غريزي لا يتخلى عنه البتة، وهو سبب له في وجوده، فأما الهيولي فلديمومة نزاعها إلى الصورة مفقودة وولوعها بها موجودةً؛ ولذلك تلقاها متى عريت عن صورة، بادرت إلى الاستبدال عنها بصورة أخرى إشفاقًا عن ملابسة العدم المطلق، إذ من الحق أن كل واحد من الهُويَّات نافرٌ بطبعه عن العدم المطلق، فالهيولي مقر للعدم، فمهما كانت ذات صورة لم يقم فيها سوى العدم الإضافي، ولولا هذا للابسها العدم المطلق، ولا حاجة بنا ها هنا إلى الخوض في إيضاح لمئية ذلك، فإذن الهيولي كالمرأة الدميمة المشفقة عن استعلان دمامتها، فمهما انكشف قناعها غطت دمامتها بالكُم، فقد تقرر أن في الهيولي عشقًا غريزيًّا.

وأما هذه الصورة فالعشق الغريزي فيها ظاهر لوجهين؛ أحدهما: بالجد في ملازمتها موضوعها ومنافاتها انسلاخها عنه، والثاني: بالجد في ملازمتها كمالاتها ومواضعها الطبيعية متى حصلت فيها، وحركتها الشوقية إليها متى باينتها كصور الأجسام البسيطة الخمسة والمركبات عن الأربعة، ولا صورة ملازمة غير هذه الأقسام الستة.

وأما الأعراض فعشقها ظاهر بالجد في ملازمة الموضوع أيضًا، وذلك بيِّنٌ عند ملابستها الأضداد في الاستبدال بالموضوع.

فإذن ليس يعرى شيء من هذه البسائط عن عشق غريزي في طباعه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤