ثوب الإمبراطور

مسرحية من ثلاثة مشاهد

الشخصيات

  • المنادي.
  • المهرج.
  • الخياط الأول.
  • الخياط الثاني.
  • الإمبراطور.
  • الحارس.
  • الفلاح.
  • العامل.
  • الشاعر.
  • المؤرخ.
  • البطل.
  • الجلاد.
  • الطفل.
  • الأم.
مجموعة من الفلاحين والعمال والشعراء والمفكِّرين والعلماء والفرسان والحراس وأفراد الحاشية.

عنوان المسرحية يُشير بنفسه إلى القصة المشهورة لكاتب الأطفال الدنماركي العظيم «هانز كرستيان إندرسون»، وإن كان لا يُشير إلى التصرف فيها عند كتابتها تحت تأثير أحزان النكسة. أذيعت من البرنامج الثاني بإذاعة القاهرة من إخراج الأستاذ هلال أبو عامر، وعرضتها فرقة المنتدى الثقافي بالبصرة، ونُشرَت لأول مرة سنة ١٩٧١م في مجلة الآداب البيروتية.

المشهد الأول

(المهرِّج يترنَّح على المسرح، يجرب ثيابًا مختلفة يخرجها قطعة بعد قطعة من كيس أمامه، يَسمع صوت المنادي بين الحين والحين آتيًا من بعيد.)

المهرج : هذا هو المهرج وإلا فلا، رقع في كل مكان، حمراء وخضراء وزرقاء ومن كل الألوان … طرطور أحمر على الرأس، سروال يصلح قميصًا وقميص يصلح سروالًا، ولم لا؟ كل شيءٍ جائز، ما دمت قد قرَّرت أن أكون بهلوانًا، إذا ضحكت ضحك الناس، وإذا بكيت ضحكوا أيضًا. يكفي أن أسير أمامهم على قدمي أو على رأسي لا يهمُّ، المهم أن ضحكاتهم ستصل إليَّ كأمواج البحر، وأن أيديهم ستُصفِّق لي، أيديهم التي تعودت على السلام والنفاق وعدِّ النقود. الآن تنطلق هذه الأيدي الخشنة، هذه الأيدي المتوحِّشة. الآن تعرف اللعب والبراءة والضحك فكرة رائعة، لا أدري لماذا لم تهطر لي قبل الآن! هل هناك أسهل من هذه المهنة؟ يكفي أن تنظر إلى الناس من أعلى أو من أسفل، أن تتحوَّل إلى عصفور فوق رءوسهم أو نملة تحت أقدامهم، هم يسيرون على قدمين، جرب أن تسير على رأسك، هم يسلمون بالأيدي. جرب أن تسلم بقدميك، هم يخرجون الكلام من أفواههم. جرب أن تخرجه من بطنك أو من … معذرة.
(للجمهور) لم أكن أدري أنكم تسمعونني، لكن ماذا أفعل وقد ضقتُ بحرفتي، أو في الحقيقة ضاق بها الإمبراطور، نعم نعم عندنا إمبراطور، أراكم لا تُصدقون، لكن انسوا ما قلتُه الآن. لحظة واحدة فقط، انسوا المهرج والبهلوان، وتذكروا … تذكروا، لا … الأفضل أن أُذكِّركم أنا، حرفتي هي الخياطة. دكان في حارة ضيقة، لا يدخلها نور الشمس ولا نور القمر والنجوم، ولم تطأها قدم عبد عبيد الإمبراطور، لكن الأيام ليس لها أمان، فقد خفت أن يدخلها سيف الإمبراطور، ويبحث عن رأسي هذه التي تَختفي تحت الطرطور (يرفع الطرطور قليلًا في يده) ومن يقطع الرأس يقطع معها الأنف والعيون والخدود التي تكسُوها المَساحيق (يُخرِج مرآةً من صدره) بذمتكم، أليست هذه خسارة، وكل هذا التعب يروح على الأرض … الأبيض على الوجه، والأحمر على الرقبة (يُمسك رقبته ويصرخ) آه، والكحل في العينين (يفتح عينَيه مُمسكًا إياها بيديه) ثم التحسينات الأخرى التي تستجدُّ، ريشة في الأذن أو على الرأس، قرنان على الجانبين، قناع وقت الضرورة، كل هذا بضربة سياف، آه … لكنَّني نفدتُ بجلدي، طبعًا فهمتم ما أريد، فالإمبراطور قد أمر بذبحنا جميعًا، أقصد الخياطين في الإمبراطورية … لماذا؟ وهل هذا سؤال؟ بالطبع لأنَّنا فاشلون، لأننا لا نصنع الثياب التي ترضيه، لا ثياب الرعية بالطبع، فهؤلاء يَرضون بأي شيءٍ يستر العري؛ لأن العري كما تعلمون ممنوع في الإمبراطورية … لماذا؟ وهل هذا سؤال؟ (في لهجة خطابية) لأنَّ البلد فيها قانون، فيها محاكم، فيها حراس، فيها إمبراطور، فيها … فيها … أعود لحكايتي، الإمبراطور لا يُعجبه العجب، في كل يوم يلبس ثوبًا، وفي كل يومٍ يذبح خياطًا، طبعًا تعرفون الملك شهريار، إمبراطورنا شهريار من نوعٍ آخر، ترك العذارى والتفت للخياطين، الثوب الضيق لا يُعجبه … الواسع لا يعجبه، نقدم له الطويل المجرجر فيقول: لا … وتسقط رأس … والقصير فوق الركبتَين فيصرخ لا … وتسقط رأس، نقدم له بذلة الأبطال الشجعان فيقول: ما هذا السخف؟ أين ثوب الحكماء؟ ونقدم له عباءة الحكماء. فيقول: ما هذا الملل؟ أين سلطان الإمبراطور؟ وعندما خفت أن يأتي الدور عليَّ، مع أنني كما قلت لكم خياط الرعايا والرعية الذين لا يَطلُبون إلا الستر. قلت أفصِّل لنفسي هذا الثوب، طبعًا ترون أنني كنت من أمهر الخياطين (يسمع صوت المنادي يقترب) اللهمَّ اجعله خيرًا، قلت لكم كنت … في الماضي والله، وحق رءوسكم ورءوس أجدادكم، لا تقولوا شيئًا لهذا الشيخ الملعون وإلا فضحني في طول البلاد وعرضها (يدخل المنادي الأعمى يسبقه صوته الجهور).
المنادي : يا أهالي الإمبراطورية، من الرعايا والرعية، الحاضر يُعلم الغائب، والماشي يقول للراكب، عظمة الإمبراطور، الذي وجهه كالنور، وطلعته كبدر البدور، وعطاياه بالذهب والبللور، أمر وأمره مطاع، واجب على الأعيان والرعاع، أن يُجهَّز له ثوب لطيف، يَليق بجسده الشريف، ليس له مثيل في البلاد، ولم تلبس مثله العباد، إن أرضاه رفع صاحبه إلى أعلى مقام، وإن أغضبه قطع رأسه بالسيف ومزق جسمه بالسهام، يا أهالي الإمبراطورية، من الرعايا والرعية، الحاضر يُعلم الغائب، والماشي يقول للراكب … إلخ.
المهرج : أعوذ بالله، لو كانت عينه مثل صوته، لرحتُ في ألف داهية.
المنادي (يقترب منه) : أنت يا من هناك … أنت …
المهرج : لا … لا أحد هناك.
المنادي : لماذا لا ترد؟ إنسان أنت أم حيوان؟
المهرج : أنا يا عمِّ كما تشاء، المهم دعني في حالي.
المنادي : هذا الصوت ليس غريبًا عليَّ، لماذا تقف هناك كالثور، ألم تسمع أن الإمبراطور …
المهرج (مكملًا) : الذي وجهه كالنور، وطلعته كبدر البدور.
المنادي : ألم تسمع أن الحاضر عليه أن يبلغ الغائب.
المهرج : سمعت.
المنادي : ولماذا لم تتحرك؟
المهرج : ومن قال لك أنني حاضر؟
المنادي : صوتك.
المهرج : ألم يقل لك إنني حاضر كالغائب، وغائب كالحاضر.
المنادي (متشككًا) : بل قال إنني سمعته قبل هذا.
المهرج (منزعجًا) : إما أنه قال لك ولم تفهم، أو أنك لم تفهم ما قال.
المنادي : هذا يؤكد أنني سمعته من قبل، أين؟ أين؟ أين؟
المهرج : في السيرك؟
المنادي (متفكرًا) : لا.
المهرج : في السوق؟
المنادي : لا … لا.
المهرج : من سابع أرض؟
المنادي : لم أتعلَّم لغة الشياطين.
المهرج : من سابع سما؟
المنادي : لم أتشرف بصحبة الملائكة والقديسين.
المهرج : إذن فأنت لا تراني.
المنادي : أنا أسمعك ولا أراك.
المهرج : لو رأيت ثيابي.
المنادي : تمام … الثوب.
المهرج : ما هذا؟ إن لم ترَ بعينَيك فاطلب من صوتك أن يريك.
المنادي : صوتك أنت يريني.
المهرج : وماذا رأيت؟
المنادي : الحارة التي لا يدخلها النور.
المهرج : إذن فاذهب إليها واتركني في حالي.
المنادي : دكان الخياط اللئيم.
المهرج : خياط؟ ما هذه المصيبة؟
المنادي : إذن المنادي هي عينه، الآن عرفتك.
المهرج : يا سيد … المهرجون يُعرَفون من ثيابهم.
المنادي : والخياطون أيضًا.
المهرج : رجعنا للخياطين؟ يا عم دعني في حالي، ألم تَسمع بمذبحتهم؟ ألم يكفِكَ ما جرى لهم؟ ألم يبقَ إلا المهرجون؟
المنادي : تعال يا كذاب … يا كافر، ثوبي أو فلوسي؟ أين الثوب؟
المهرج : رحمتك يا رب، رجعنا للثوب، يا عم أنا لا أعرفك.
المنادي : عرفتَ فلوسي؟
المهرج : ولا عمري رأيتك.
المنادي : وقست مقاسي بيديك.
المهرج : ألم أتزوج بنتك أيضًا؟ ألم أخطف منك زوجتك؟ ألم؟
المنادي : فلوسي … ثوبي … فلوسي … ثوبي (يتحسس ويبحث عنه حتى يمسك بخناقه).

(يدخل رجلان أحدهما طويل ضخم والآخر صغير ضئيل، يلبسان ثيابًا غريبة، ويسيران كأنهما يحملان حملًا ثقيلًا جدًّا، ولكنه لا يُرى.)

الرجل الأول : ما هذا؟ أليس في هذه البلاد قانون؟
الرجل الثاني : أليس فيها محاكم؟
الرجل الأول : أليس فيها حراس؟
الرجل الثاني : أليس فيها أقفاص؟ (يفرقان بينهما بعد أن يضعا حملهما الوهمي على الأرض.)
المنادي : فلوسي يا محترم.
الرجل الأول : أين فلوسه يا رجل؟
المهرج : في عرضك، هل مثلي معه فلوس؟
الرجل الثاني (يمدُّ يده، ويرفع طرطوره من على رأسه ويهزه) : لا ليس معه فلوس.
المنادي : ثوبي يا محترم.
المهرج : في طولك، هل مثلي يعرف الثياب؟
الرجل الثاني (يَركع على الأرض، وينظر إليه من أسفل إلى أعلى) : لا … ليس عليه ثياب.
المهرج : يحيا العدل.
المنادي (يصرخ) : يا ناس … فلوسي … ثوبي … فلوسي.
المهرج : عرفت الآن أن البلد فيها قانون.
الرجل الأول : وفيها محاكم.
الرجل الثاني : وفيها حراس.
الرجل الأول : وفيها أقفاص.
الرجل الثاني (يشبُّ على قدميه ويقلد عمل السياف على رأس المنادي) : وفيها سيَّاف.
المنادي : سياف … لا … لا، وقعت من مهرج في سياف، ما هذا اليوم الأسود!
(يُنادي) النداء أسلم، يا أهلي الإمبراطورية، من الرعايا والرعية … إلخ.

(يواصل نداءه ويخرج من المسرح مذعورًا.)

الرجل الأول : وفيها إمبراطور؟
الرجل الثاني : وفيها إمبراطور؟
المهرج : وفيها إمبراطور، والإمبراطور له إمبراطورية، والإمبراطورية فيها رعية، والرعية …
الرجل الأول : والرعية فيها خياطون.
الرجل الثاني : والخياطون يصنعون الثياب؟
المهرج : رجعنا للخياطين والثياب؟
الرجل الأول : وهل يمشي الناس عرايا؟
المهرج : الغالبية، نعم … أنا مثلًا.
الرجل الأول : وهذه الملابس التي عليك؟
المهرج : وهل تُسمِّي هذه ملابس؟
الرجل الثاني : أنا أسميها ملابس يمكن بشيءٍ من الصبر أن تُصبح ثيابًا.
المهرج : ما هذا اليوم الأسود؟ هل كل من أقابلهم اليوم عميان؟ لم يبقَ إلا أن تقولا: أنت الإمبراطور.
الرجل الأول (ضاحكًا) : لطيف جدًّا.
الرجل الثاني (يشب ليربت على كتفه) : ذكي جدًّا.
المهرج (يربت عليه أيضًا) : قصير جدًّا جدًّا.
الرجلان (يضحكان) : هذا من نعتمد عليه … هذا من نبحث عنه.
المهرج (منزعجًا) : أنتما أيضًا تبحثان عني؟ أأكون صنعت لكما ثوبًا ونسيت؟
الرجل الأول (معًا) : هذا من يملك عينين.
الرجل الثاني : ولسانًا وذراعين.
المهرج : وطرطورًا ذا قرنين.
الرجل الأول : ويرى اللحم وراء الثوب.
الرجل الثاني : ويرى العظم وما في القلب.
المهرج : ويرى أنكما بغلان … وسخيفان ومجنونان.
الرجل الأول : هذا المبصر في بلد العمى.
الرجل الثاني : والمتكلم في بلد الصم.
المهرج : كفى شِعرًا.
الرجلان (يضحكان) : والشاعر في بلد الخرس.
المهرج : قلت كفى شعرًا، هل تظنان أن البلد بلا حكومة؟
الرجل الأول : سمعنا أنها إمبراطورية.
المهرج : طبعًا وللإمبراطورية إمبراطور.
الرجل الثاني : وله قصر؟
المهرج : وهل ينام في كوخ؟
الرجل الأول : والقصر له حراس؟
المهرج : والحراس عندهم سيوف، والسيوف تقطع الرقاب، والرقاب تستحق القطع، ماذا تريدان إذن؟
الرجل الأول : نريد أن نتفق معك.
الرجل الثاني : على الخير والشر.
الرجل الأول : والمكسب بالنصف.
المهرِّج : والأجر على الله (يريد أن ينصرف).
الرجل الأول : تعال هنا.
الرجل الثاني : هل تظن البلد بلا قانون؟
الرجل الأول : ولا محاكم.
الرجل الثاني : ولا حراس؟
الرجل الأول (مشيرًا إلى رأسه) : ولا سياف؟
المهرج : في عرضكم، من أنتم؟ من أين أتيتم؟ ماذا تريدان؟
الرجل الأول : أنا أجيب على السؤال الأول.
الرجل الثاني : وأنا على الثاني.
الرجل الأول : وأنت على الثالث.
المهرج : نبدأ بالسؤال الأول، من أنتما؟
الرجل الأول : هل لك عينان؟
المهرج : أنا الذي أسأل … من أﻧ…ﺘ…ﻤﺎ؟
الرجل الأول : انظر إلى هذا الصندوق.
الرجل الثاني : ارفع غطاءه أولًا.
المهرج (يتلفت حوله) : وهل هناك صندوق حتى أرى غطاءه؟
الرجل الأول (يصفعه فجأة) : رجعنا للفِّ والدوران، قلنا لك انظر الصندوق، فلا بد أن ترى الصندوق.
الرجل الثاني (يصفعُه على خده الآخر) : وترفع الغطاء، يعني لا بد أن ترفع الغطاء.
المهرج : آه … لا داعي للضرب، أنا تحت أمركم، ماذا تُريدان منِّي؟
الرجل الأول (يُهدِّده بيده الضخمة) : أن ترى الصندوق.
المهرج : طبعًا أراه كالشمس، أستطيع أيضًا أن أحضر لكما ما بداخله.
الرجل الثاني : بداخله ثوب.
المهرج (لنفسه) : رجعنا للثياب (ثم لهما) ثوب واحد؟ ولماذا لا يكون عدة ثياب؟ وهل سأدفع شيئًا من جيبي؟
الرجل الأول (يصفعه بشدة) : قلت لك ثوب واحد.
الرجل الثاني (يشبُّ ليصفعه فيهرب المهرج منه) : ثوب واحد يعني ثوبًا واحدًا.
المهرج : طبعًا ثوب واحد، وجميل جدًّا.
الرجل الأول : نسجته أيدي العذارى.
المهرج : يا سلام.
الرجل الثاني : اخرس.
الرجل الأول : وباركه الكاهن الأعظم.
المهرج : واضح … واضح.
الرجل الثاني (يحاول أن يصفعه فيتلافاه المهرج) : قلت لك: اخرس.
الرجل الأول : مرصَّع بالذهب والجواهر.
المهرج : وحريره من الهند والصين.
الرجل الثاني : رأيت؟
المهرج : تَقصد … فهمت.
الرجل الأول : يُهمنا أن نجد رجلًا مثلك.
الرجل الثاني : يرى في بلاد العميان.
المهرج : ويَسمع في بلاد الصم.
الرجل الأول : ويخرس عندما نقول له اخرس (يصفعه مرةً أخرى).
المهرج : رأيت وسمعت وفهمت وخرست.
الرجل الأول : اتفقنا؟
الرجل الثاني (مهددًا) : قل نعم.
المهرج : نعم نعم (بعد لحظة) على أي شيء؟
الرجل الأول : على أن نذهب للإمبراطور.
الرجل الثاني : وتقدمنا إليه.
المهرج : لكن …
الرجل الأول (مهددًا) : وتصيح، هذا هو الخياط يا مولاي.
الرجل الثاني (مهددًا) : وهذا هو مساعده.
المهرج : وهذا هو الصندوق.
الرجل الأول : والثوب النادر بداخله.
المهرج (صائحًا) : الثوب النادر، الثوب العجيب … الثمين … النفيس.
الرجل الثاني : نسجتْه أيدي العذارى.
المهرج : من حرير الهند والصين.
الرجل الأول : بالذهب والجواهر.
الرجل الثاني : ملمسه كالمخمل الناعم.
المهرج : لا يليق إلا بالإمبراطور.
الرجل الثاني : اتفقنا.
الرجل الأول : هيا بنا.
المهرج : إلى قصر الإمبراطور (ينظر إليه فيتقدمهما ويسيران وراءه).
المهرج (ملتفتًا بعد أن يسير خطوات) : وغدًا نعود لنحمل الصندوق.
الرجل الأول : حقًّا … الصندوق.
الرجل الثاني : الصندوق … الصندوق.

(يعود الجميع ويتعاونون على حمل الصندوق الوهمي، ويخرجون من المسرح بينما يرن صوت المنادي من بعيد: يا أهالي الإمبراطورية، من الرعايا والرعية … إلخ.)

المشهد الثاني

(حجرة في قصر الإمبراطور، الخياطان مُنهمكان في العمل الوهمي، حارس غليظ يغطُّ في النوم، المهرِّج يتقدم من المسرح ويخاطب الجمهور.)

المهرج : مضى علينا الآن شهران، في هذا المنفى الذي يسمونه الآن جناح خياط الإمبراطور، لا أحد يرانا، ولا نرى أحدًا، حتى العصافير حرمتنا من غنائها، لا صوت نسمعه، لا أحد يسمع صوتنا، لا شيء يربطنا بالعالم إلا فتحة في الجدار نرى منها السحب، وهي تعبر كالخيول البيضاء، لا بل ترف كثوب الإمبراطور، شفافة وبيضاء وشاحبة، في بعض الأحيان أناديها: أيتها السحب المسافِرة، قولي لأهلي: أنا هنا في قصر الإمبراطور، قولي للناس: نحن نصنع ثوب الإمبراطور، الثوب الذي سيرونه ويهتفون: يا للمعجزة، يا للروعة. الآن استراح قلب الإمبراطور … الآن اطمأنت الإمبراطورية، ها هو الثوب الذي ذبح من أجله كل الخياطين، الثوب الذي يجعله أعظم إمبراطور كما يجعله الإمبراطور أعظم الثياب. بوركت أيها الخياط السعيد! من أي بلدٍ جئت أيها الساحر المجيد؟ أكنت تُفصِّل الأثواب لحوريات الفردوس؟ أم تعلمت الفن على يد إبليس، لكن هل يا ترى سيَذكرني أحد؟ هل سيسمعون عن المهرج الذي قاد الخياطين إلى قصر الإمبراطور؟ هل سيتحدَّثون عن الرجل الذي سيعلمهم أن يسيئوا الظن بعيونهم، بل يَلعنوا أمهاتهم التي ولدتهم بهذه العيون القديمة البالية، فيروا بعيونهم الجديدة ما لا يوجد، ويجدوا ما لا يرون؟ غدًا يظهر إلى الشعب في ثوبه الجديد، نعم غدًا فكل شيءٍ الآن على ما يرام، وسيتعلم الناس ما جهلوه من آلاف السنين، أن يغمضوا العيون ليروا جيدًا، أو يفتحوها لكي لا يروا شيئًا، إلا ما يراه الإمبراطور، أعني خياط الإمبراطور، أعني الخياط ومساعده، أعني مهرجه.
(يشير إلى نفسه، ينحني انحناءة بسيطة) وحارسه الغبي الغليظ (يشير إلى الحارس الذي يغط في نومه) هل تعرفون ما ضايقني حتى الآن؟ شيئان اثنان، هذا الحارس الذي لا يَصحو من النوم إلا لينام، ولا يُريد أن يفهم أنه على عتبة عصر جديد، عصر العيون الجديدة، عصر الثوب الجديد. وهؤلاء الخياطون الذين يَلتهمون خير الطعام على صينية طباخ الإمبراطور، ويتركُون لي العظام ويقولون: كُلْ هذا الديك، كُلْ هذه الدجاجة، هل ألومهما أم ألوم عيني التي لم تتعلَّم أن ترى اللحم مكان العظام؟ المهم، لا يُمكن بالطبع أن أقضيَ الوقت في الكلام، لا بدَّ من عمل شيء، انظروا الآن بعيونكم القديمة لحظة واحدة (يصفع الحارس على وجهه، فيصحو مذعورًا من نومه).
الحارس : هه … هه … من … من؟
المهرج : ألم أقل لك ألف مرة افتح عينيك؟
الحارس (يفرك عينيه) : ومن قال لك إنَّني أغلقتهما؟
المهرج : شخيرك العالي.
الحارس : هذا نوع جديد من الحراسة، تمامًا مثل الفن الذي تعلمته منك.
المهرج : وما هو هذا الفن؟
الحارس : هل نسيت؟ الرؤية بعيون مغمضة.
المهرج : آه تذكَّرت، أنت تحفظ الدروس بنصِّها، نعم قلت لك: تعلم كيف تفتح عينيك فلا ترى أي شيء، وكيف تُغمضها فترى كل شيء.
الحارس : وهذا ما فعلته يا مولاي.
المهرج : وماذا رأيت؟
الحارس : رأيت كأنني أطير في الهواء.
المهرج : علامة سيئة.
الحارس : والثوب الإمبراطوري ملفوف حول جسدي يرفعني إلى السماء بجناحين.
المهرج : بجناحَين؟
الحارس : والإمبراطور فوق عربته يُصيح وتصيح معه جماهير الشعب الإمبراطوري: أعد إلينا الثوب يا مجنون.
المهرج : طبعًا مجنون، وهل جُننت في عقلك حتى تسرقه وتطير به في الهواء؟
الحارس : هل نسيت؟ الرؤية بعيون مغمضة إليهم خصوصًا وأنهم كانوا يتوسَّلون ويبكُون وينتظرون، ولكنَّني …
المهرج : حذار أن تقول أنك كنتَ عاريًا.
الحارس : ابن حلال، ولكن هل كنت معي في المنام؟
المهرج : وأنا الذي سأُوقظك منه (يصفعه).
الحارس : ما هذا؟
المهرج : وأُعيدُك إلى الأرض يا عريان (يصفعه مرةً أخرى).
الحارس : والله مظلومٌ مظلوم مظلوم.
المهرج : افهم الآن نحن في عصرٍ جديد (يدخل الخياطان يتلمظان).
الخياط الأول : تمام، عصر يحتاج لتفكيرٍ جديد.
الخياط الثاني : ونظر جديد.
المهرج (يتلمَّظ مثلهما) : وطعام جديد.
الحارس (يتلمَّظ مثلهما) : خصوصًا الطعام.
الخياط الأول : ومن جاء الآن بسيرة الطعام؟ إلى العمل يا كسالى.
الخياط الثاني : لم يبقَ إلا القليل وتَنتهي المعجزة.
المهرج : ويبدأ عصرٌ جديد.
الخياط الأول : قلت هيا للعمل.
المهرج : أمرك … المقص؟
الخياط الأول : وماذا أفعل به؟ ألم نَنته من قص الثوب من شهرين؟ هل نسيت أن الإمبراطور سيشرفنا اليوم؟
المهرج : طبعًا طبعًا، إذن بقي العمل في الرقبة (الحارس يُتابعه بعينَيه) هنا …
الخياط الأول : بل في الذيل … يا للغباء.
المهرج : طبعًا طبعًا، هنا أيضًا (الحارس يُتابعه).
الخياط الأول : إلى متى أُعلِّمك فن الرؤية الجديد؟
المهرج : معك حق، والتفكير الجديد، والعصر الجديد.
الخياط الثاني : قلنا إلى العمل، كفى ثرثرة، أين الإبرة الجديدة؟
المهرج : لم نتَّفق على أنها جديدة.
الخياط الأول (صارخًا) : الإبرة العجيبة.
المهرج (مُسرعًا كأنه يبحث في مكان ويُحضرها ويُناولها له) : أما العجيبة فنعم … ها هي.
الخياط الأول : من هنا، نحن الآن في اللمسات الأخيرة … في ماذا؟
المهرج : اللمسات الأخيرة، يا لك من فنان!
الخياط الأول : لا تنسَ أن تُضيف: فنان جديد.
المهرج : طبعًا طبعًا، كل شيء الآن جديد.
الخياط الأول : وأنت يا حمار، عندما يحضر الإمبراطور.
الحارس (يَضرب سلامًا) : مولانا الإمبراطور …

(الخياطان مُنهمكان في العمل، لا يَلتفتان إلى دخول الإمبراطور ومعه اثنان من الحاشية.)

الخياط الأول : هذا هو الثوب (مُشيرًا إلى شيءٍ وهمي). وهذا هو النول الجديد، وهذه هي الخيوط الجديدة.

(الحارس يُتابعه بعينَيه ويضرب السلام.)

الإمبراطور : هل رأيتما النول الجديد؟
الرجل الأول (من الحاشية) : يا له من نَول عظيم.
الإمبراطور : والخُيوط الجديدة.
الرجل الأول : يا لها من خيوطٍ رائعة!
الإمبراطور : ما أسعدني … أنا الإمبراطور السعيد.
الرجل الأول : الإمبراطور السعيد.
الرجل الثاني : الإمبراطور السعيد.
الخياط الأول : شرفتنا يا مولاي.
الخياط الثاني (وهو يعمل) : لم تبق إلا اللمسات الأخيرة.
الإمبراطور (يلفُّ حولهما) : ألم أقل لكما أنا الإمبراطور السعيد.
الرجل الأول : السعيد.
الرجل الثاني : السعيد.
الخياط الأول : وبعد قليل تصبح الإمبراطور الجديد.
الرجل الأول : الجديد.
الرجل الثاني : الجديد.
الإمبراطور : ألم أقل لكما؟ الإمبراطور السعيد الجديد (يَضحك).
الرجل الأول (جانبًا) : ما يُحيِّرني … أين هو الثوب؟
الرجل الثاني (جانبًا) : وما يُحيرني أن تسأل هذا السؤال؟
الرجل الأول : إذا كنتُ لا أرى شيئًا.
الرجل الثاني : لأنك لم تتعلَّم كيف ترى.
الرجل الأول : وهل هناك ما أراه؟
الرجل الثاني : ليس المُهم ما تراه، المهم ما يراه الإمبراطور.
الرجل الأول : وهل يرى شيئًا؟
الرجل الثاني : هل جُننت؟ أم تُريد أن تجد رأسك أمام قدميك؟
الإمبراطور : أنا سعيد يا أبنائي … أنا سعيد … ألم أقل لكم إنني سمعت العصافير تُغنِّي.
الرجل الأول : وتقول صو … صو، الإمبراطور السعيد.
الرجل الثاني (يُقلد العصافير) : السعيد … السعيد.
الإمبراطور : والبقر في المراعي.
الرجل الأول (يقلد البقر) : الإمبراطور الجميل … الإمبراطور الجميل.
الرجل الثاني : الجميل … الجميل.
المهرج : والحمير أيضًا يا مولاي، لا تنسَ الحمير.
الإمبراطور : هي أيضًا؟ وماذا تقول يا ولدي؟
المهرج (يُقلد الحمير) : الإمبراطور العظيم … الإمبراطور العظيم.
الرجل الثاني : العظيم … العظيم.
الإمبراطور : أنا لا أخاف الآن شيئًا يا أولادي.
الرجل الأول : الإمبراطور لا يخاف … لا يخاف.
الإمبراطور (حزينًا) : بل أخاف من شيءٍ واحدٍ يا أولادي.
الرجل الثاني : الإمبراطور يخاف … يخاف.
الإمبراطور : أخاف على شعبي من هذه السعادة. ماذا يقول التاريخ عن هذا اليوم؟ هل يقول الإمبراطور قتل الناس من السعادة؟
الرجل الأول : هذا ما تتمنَّاه كل الشعوب يا مولاي.
الرجل الثاني : أن تموت من السعادة يا مولاي.
الخياط الأول : الآن …
الإمبراطور : آه … أخشى أن أكون أول من يموت من السعادة يا أبنائي.
الرجل الثاني : هذه خرافة أعداء الوطن يا مولاي.
الإمبراطور : صحيح يا أبنائي، إنها الغيرة … الحسد.
الخياط الأول (يضع ثوبًا وهميًّا على كتفيه، الثاني يُساعده) : لا … لا تتحرك يا مولاي. أهم شيء أن تبدو طبيعيًّا، تمامًا كما لو كنت تلبس أقدم الثياب.
الخياط الثاني : الثوب العجيب.
المهرج : الذي نسجتْه أيدي العذارى (الإمبراطور يضحك).
الخياط الأول : من حرير الهند والصين (الإمبراطور يضحك).
المهرج : وعبير بلاد العرب ومسك الشام (الإمبراطور يضحك).
الخياط الأول : وجواهر الأرض ولآلئ البحار (الإمبراطور يضحك).
الخياط الثاني : وكل من يراه يخر على قدميه.
المهرج : ومن لا يراه يخرُّ أيضًا على قدميه.
الإمبراطور : حتى العصافير والبهائم يا أولادي.
المهرج : والحمير أيضًا يا مولاي (يُقلد صوت الحمير).
الإمبراطور (يضحك) : وكلُّ هذا غدًا؟
الرجل الأول : غدًا يبدأ عصر جديد.
الرجل الثاني : كما قال الفلكيُّون يا مولاي.
الإمبراطور : قالوا هذا؟ حقًّا إنهم فلكيون.
الرجل الأول : والشعراء والمؤرخون.
الرجل الثاني : والكُتَّاب والصحفيون.
الرجل الأول : ورجال السينما والتليفزيون.
الرجل الثاني : وروَّاد الفضاء والنجوم.
المهرج : والمجانين والمهرجون.
الإمبراطور : حتى هؤلاء؟ ما أخلصَكم يا أبنائي!
المهرج : وأرواح الخياطين المقتولين.
الإمبراطور (غاضبًا) : لا لا … امنعوهم من الحضور، لا أريد إثارة الأحزان.
المهرج : باستثناء أرواح الخياطين.
الإمبراطور : لا داعي لهم أبدًا … لا أحياء ولا ميتين.
الخياط الأول (للمهرج) : يا وجه الشوم.
المهرج : لا أحياء ولا ميتين.
الإمبراطور (يبكي) : هل تُريدون أن أبكي يا أبنائي، مع أنني الإمبراطور السعيد؟
الرجل الأول : السعيد.
الرجل الثاني : السعيد.
الإمبراطور : غدًا يحضر الجميع. (للخياطين) هل انتهيتما؟ الرقبة ضيقة قليلًا، يمكنكم أن تُوسِّعوا الأكمام … ماذا قلت؟
الرجل الأول : توسعوا الأكمام … توسعوا الأكمام.
الإمبراطور : قبل هذا.
الرجل الثاني : الرقبة ضيقة قليلًا.
الإمبراطور : قلت قبل هذا … قبل هذا.
المهرِّج : غدًا يحضر الجميع.
الإمبراطور : تمام … الشعراء والمفكِّرون.
الرجل الأول : والمؤرخون والفلكيُّون.
المهرج : والمهرجون والمجانين.
الرجل الأول : والأحرار والمساجين.
الرجل الثاني : ورجال السينما والتلفزيون.
المهرج : والعصافير والحمير.
الإمبراطور : ادعوهم أيضًا، أريد أن يحضر الجميع.
الرجل الأول والثاني : الجميع … الجميع … الجميع.
الإمبراطور : أشكركم يا أبنائي، أنا …
الرجل الأول : الإمبراطور السعيد … الإمبراطور السعيد (جانبًا لصاحبه) هل خلع الإمبراطور الثوب؟
الرجل الثاني (جانبًا) : وهل رأيته حين لبسَه حتى أراه حين خلعه؟
الرجل الأول (جانبًا) : اسكت … اسكت، يظهر أن رأسك …
الرجل الثاني (جانبًا) : لا تخف، لم تسقط حتى الآن رأس مُنافق أمام قدمَيه.
الإمبراطور : والآن يا أبنائي … ماذا تطلبون؟
الخياط الأول (وهو يَخلع الثوب عنه بعناية ويضعه بعناية) : راحتك يا مولاي.
الخياط الثاني : ورضاك عنَّا يا مولاي.
الإمبراطور : بالطبع يا أولادي، لكن ألا أسمع ما تَطلُبون؟
المهرج : نحن نطلب رضاكم، لكن ما تطلبه البطون.
الإمبراطور (ضاحكًا) : حالًا … حالًا … لك ما تشاء يا ملعون.
الخياط الأول : طلب واحد.
الخياط الثاني : واحد وبسيط.
الإمبراطور : تكلَّما … تكلَّما.
الخياط الأول : تطلب أن تأمروا المنادي.
الإمبراطور : بماذا آمره فيستجيب؟
الخياط الأول : أن ينادي ويقول:
المهرج : الحاضر يعلم الغائب، والماشي يقول للراكب …
الخياط الأول (ينظر للمهرج مهددًا) : ليحضر الجميع … ليحضر الجميع.
الخياط الثاني : الشيخ والرضيع … والكريم والوضيع.
الخياط الأول : ويأتوا معهم بعيونٍ جديدة.
الخياط الثاني : ترى الأشياء القريبة بعيدة.
الخياط الأول : والأشياء المعدومة موجودة.
الإمبراطور (لرجلَي الحاشية) : سجِّلا يا أبنائي … عيون جديدة.
الرجل الأول (يكتب في دفتر) : عيون جديدة.
الرجل الثاني (يكتب في دفتر) : ترى الأشياء القريبة بعيدة.
الرجل الأول (يكتب) : والمعدومة موجودة.
الرجل الثاني : وتترك العيون القديمة البليدة.
الرجل الأول : لتنظر بعيونٍ جديدة.
الرجل الثاني : عيون جديدة وسعيدة.
الإمبراطور (وهو ينصرف) : جديدة وسعيدة، غدًا يا أولادي. ها ها الإمبراطور سعيد، والرعية أيضًا سعيدة (ينصرف رجلا الحاشية وراء الإمبراطور وهما يكرران المقاطع الأخيرة من كلماته، يدخل خادم يَحمل صينية عليها طعام فاخر، فيتلقاه المهرج في حماس).
المهرج : وأصحاب العيون الجديدة، لا يرون الأشياء غير الموجودة، مثل هذه الصينية الفريدة.
الحارس (متوسلًا) : أنا عيوني ما زالت قديمة.
المهرج : يا ضيعة تعليمي فيك، أرني (ينظر في عينيه) أبدًا، أنت أذكى مما كنتُ أظن، أنت لا ترى الآن أي شيء.
الخياط الأول : ما هذه الصينية العجيبة؟
الخياط الثاني : ما هذه الصينية الفريدة؟
المهرج : صينية؟ من قال لكما إن هناك صينية؟
الحارس : بطني نبتت لها عيون.
المهرج : عيون أثرية قديمة، ابعد. (يذهب بالصينية في ركن بعيد ويأكُل مُتلمِّظًا) كل واحد في مكانه، شهرين وأنا أرى الثوب العجيب بعيوني الجديدة. ألا يحق لي أن أرى شيئًا واحدًا بعيوني القديمة؟ خذوا.
الحارس والخياطان : عظم؟
المهرج : هل عميتما؟ من قال إنه عظم؟ من ينكر أنه لحم مثل من ينكر أن الهواء ثوب، إنه لا يستحقُّ أن يدخل العصر الجديد.
الحارس والخياطان : في عرضك، نريد أن ندخل العصر الجديد شبعانين.
المهرج : ادخلوه وحدكم، أما أنا فلا أدخله حتى آتي على هذه الصينية خذوا … خذوا … لحم … لحم … لحم.
الحارس (باكيًا) : والله عظم … عظم … عظم.

المشهد الثالث

(منصَّة كبيرة عليها كرسي العرش، أفواج من رجال الحاشية والحراس والفرسان تتوافَد على المكان، وتتخذ مكانها على جانبَي المنصة، تدخل أفواج أخرى من الشعب، فلاحون وعمال وأمهات مع أطفالهن، وشحَّاذون … إلخ ينظمهم الحراس على الجانبين، المهرج في مقدمة المسرح يواجه الجمهور، يمر المنادي الأعمى ويقول):

المنادي : الآن يا سادة يا كرام، تبدأ الحفلة وفصل الختام، الناس جاءت من الفلاحين، والمدن ازدحمت بالملايين، نادَيت في كل مكان، تعالوا إلى أكبر ميدان، فملئوا الشوارع بالفرح والسرور، كأنَّهم بعثوا من القبور، ترون الرجال والنساء والأطفال، والقواد والفرسان الأبطال، وعلية القوم النابهين، مع الصعاليك والشحاذين، وجميعهم يا سادة يا كرام، ينتظر طلعة الإمبراطور من الحمام.
المهرج (مُقلدًا المنادي) : لم يبقَ إلا القليل، وتروا الثوب الذي ليس له مثيل؛ فهو قد تمَّ على ما يرام، وسيحمله إلى هنا جيش من الفرسان؛ لأنه أطول وأعرض مما تتصوَّرون، والذهب الذي عليه يزن من الأطنان مليون، معجزة العصر والأوان، سترونها بأنفسكم الآن، فافتحوا عيونكم يا كرام، ليتم كل شيءٍ على ما يرام، عظمة الإمبراطور خرج من الحمام، وأراه الآن يتقدم إلى الأمام، يشق طريقه وسط الجماهير، ويحيي العظيم فيهم والحقير، ووراءه سار الخياطان، ومعهما جمع من الفرسان، يَحملون العجب العجاب، ثوبًا ولا كل الثياب، عظمة الإمبراطور المهاب.
الإمبراطور : هيا يا أولادي.
حاجب : مولانا الإمبراطور يقول: هيا يا أولادي.
الإمبراطور : هيا … هيا.
الحاجب : مولانا يقول: هيا … هيا.
الإمبراطور : تعسًا لك، أبعدوا هذا الحاجب، إنه يُفسد سعادتي، اقتلوه … اقتلوه.
الحاجب : مولانا يقول: أنا أفسد سعادته، اقتُلوني اقتُلوني (الحاشية تُحيط به).
الإمبراطور : بل اتركوه … اتركوه.
الحاجب : مولانا يقول: اتركوه … اتركوه (يضع رجال الحاشية أيديَهم على فمه، ويُخرجونه من المسرح).
الإمبراطور : لا داعي للقتل والانتقام، منظر الدم يفسد الحمام (يُصفِّق بيديه) قلت: هيا … هيا.
أحد رجال الحاشية : هل نبدأ يا مولانا بشاعر البلاط؟
الإمبراطور : أنا أتشاءم من الشعر القديم.
رجال الحاشية : أم بالخطيب المحنَّك العظيم؟
الإمبراطور : قلت: لا داعيَ للمُقدمات.
رجل الحاشية : إذن نترك المؤرِّخين والمنجِّمين.
الإمبراطور : لا داعيَ للمُقدمات، أين الخياط؟
الخياط الأول : أمر مولانا مُطاع، هل يأمر مولاي …؟
الإمبراطور : مولاي … مولاي، أين الثوب العجيب؟
الخياط الأول : لا بد من كلمة تُقال، إن اليوم …
الإمبراطور : اليوم والغد والأمس.
الخياط الأول : اسمح يا مولاي لعبدِكَ الأمين.
الإمبراطور : ضع الثوب أولًا على جسدي، ألا تراني أرتعش من البرد؟
الخياط الأول : أمر مولاي مطاع، هذا الثوب العجيب.
الإمبراطور : هيا … هيا (يُشير إلى الفرسان أن يحملوا الثوب إليه).
الخياط الأول : ليسعد مولاي الإمبراطور، ولتُهلِّل معه الجماهير (وهو يلبسه الثوب الوهمي هو ومساعده) الرقبة أولًا يا مولاي، نعم هكذا … اليوم يبدأ عهد جديد … عهد مجيد وسعيد، الذراع اليمنى من هنا، والذراع اليسرى أيضًا، بشرى للإمبراطور العظيم، بهذا الثوب الرائع الثمين، الذي نسجته أيدي العذارى.
الخياط الثاني (وهو يساعده بحركاتٍ وهمية) : من حرير الهند والصين.
الإمبراطور : حقًّا حقًّا … إنه ناعم ورقيق.
الخياط الأول : ومرصَّع بالذهب والماس.
الخياط الثاني : ولائق على القد والمقاس.
الإمبراطور : تمامًا يا أولادي (يدور حول نفسه)، لكن يظهر أنه شفاف.
الخياط الأول : بالطبع يا مولاي، شفاف وهفهاف.
الخياط الثاني : انظروا كيف يبهر العيون.
الخياط الأول : لأنه كما ينبغي أن يكون.
الخياط الأول : مناسب في العرض والطول.
الخياط الثاني : لكل الأوقات والفصول.
الإمبراطور (يتمشى على المنصة) : هكذا تكون ثياب الملوك.
الخياط الأول : اهتفوا وقولوا مبروك.
رجل من الحاشية : أيها الشعب اهتف معي: مبروك.
أصوات الشعب : مبروك … مبروك … مبروك.
الخياط الأول : اسمع الآن لعبدك يا مولاي، أن يُبيِّن مزايا هذا الثوب العجيب، ويشرح لشعبك الطيب الأمين. لماذا وهبت حياتي لهذا العمل الثمين؟ كنت أنا وزميلي المسكين، نتجوَّل في الأسواق والميادين، فسمعنا عن رغبة الإمبراطور، في ثوبٍ ليس له نظير، يدخل على قلبه السرور، ويُريحه من الضيق والنفور، ويحل الأمن والنظام، محل الفوضى والخصام، وينشر العدل بين العباد، ويقضي على الظلم والفساد.
الإمبراطور : قلت لكم أنا أتشاءم من الشِّعر.
الخياط الثاني : ليس هذا شِعرًا، إنه سجع يا مولاي.
الإمبراطور : شِعر أو سجع، ادخلوا في الموضوع.
الخياط الأول : أمرك مطاع بالطبع، فلا داعيَ للشِّعر ولا السجع.
الإمبراطور (صائحًا) : قلت لك ادخل في الموضوع.
الخياط الأول : لجأت أيامًا طويلة إلى الجبل، مثل كل الأنبياء والملهمين، ثم رجعت إلى زميلي وقلت له: أنا اكتشفت سرَّ السعادة البشرية، إنها في كلمةٍ واحدة: الثياب … الثياب تصنع العدل والظلم. تخلق اليأس والأمل، تجعل الحيوان ملاكًا والملاك حيوانًا. أعطِني الإبرة والمقص وأنا أعطيك سر الحياة والوجود. تعجب صديقي وقال: كيف هذا يا مجنون؟ قلت له: الثوب هو الإنسان، والإنسان هو الثوب، يخلق الجلادين والقديسين، ويُميِّز السلاطين من الشحاذين، يفرق البيض عن السود، والأرانب من الأسود، الثياب هي سبب البلاء، ومصدر الضحك والبكاء، قال صديقي: ماذا نفعل؟
الخياط الثاني (مزهوًا) : لم أقل هذا فقط، قلت: هيا نَقضي على الثياب.
الخياط الأول : لكنَّك لم تعرف الدواء الوحيد، الذي يأتي بالشفاء الأكيد.
الإمبراطور (ضاحكًا) : أرجوك ابتعد عن الشعر، وصف لنا الدواء بالنثر.
الخياط الأول : الثوب الواحد يا مولاي.
الإمبراطور : أي ثوب؟
الخياط الأول : الثوب الذي تلبسه الآن يا مولاي.
الإمبراطور : ثوبي أنا … ماذا تقصد؟
الخياط الأول : إنه الخيمة التي تُغطِّي على شعبك كله.
الإمبراطور : أنا … ألبس خيمة؟
الخياط الثاني : إنه يتكلَّم بالرمز يا مولاي.
الإمبراطور : هل تترك الشِّعر لتذهب للرمز، قلت: ماذا تقصد؟
الخياط الأول : هل يذكر مولاي ما طلبته منه؟
رجل من الحاشية : صينية باللحم، لكن المهرِّج أكلها.
الخياط الأول : شيئًا آخر، طلبت أن يحضر الناس اليوم.
الإمبراطور : تذكرت طلبك الغريب، بعيونٍ جديدة.
الخياط الأول : لأن هذا الثوب فيه صفة عجيبة.
الخياط الثاني : تضم إلى بقية صفاته الغريبة.
الخياط الأول : كل مَن يراه ينسى نفسه.
الخياط الثاني : لجماله وسِحره.
الخياط الأول : ولأنَّ الإمبراطور هو الذي يلبسه، ألم أقل إنه خيمة، كل من تضمه تحتها عرايا.
الإمبراطور : لكن شعبي ليس عريانًا.
رجل من الحاشية : هذا كذب يا مولاي.
رجل آخر : هذا كلام الخونة والأعداء.
الخياط الأول : انتظروا … انتظروا.
الخياط الثاني : في عرضك، ابعد عن الشعر والرموز.
الخياط الأول : هم عرايا؛ لأنك وحدك تلبس يا مولاي. هم أغبياء؛ لأنك وحدك تُفكِّر. هم مشلولون؛ لأنك وحدك تعمل. هم خرس؛ لأنك وحدك تتكلَّم.
الإمبراطور (للخياط الثاني) : قل لصاحبك يَبتعد عن الرموز.
الخياط الثاني (لصاحبه) : في عرضك.
الخياط الأول : لنسأل الحاضرين يا مولاي، أنت يا وزير البلاط.
رجل من الحاشية : أجل يا سيدي.
الخياط الأول : افتح عينَيك، لا … لا عينَيك الجديدتَين.
الرجل : فتحتهما … فتحتهما.
الخياط الأول : هل ترى ثوب الإمبراطور؟
الرجل : بالطبع.
الخياط الأول : أليس جميلًا؟
الرجل : جميل؟ يا له من لفظٍ حقير إلى جانب جماله الباهر المنير.
الخياط الأول : وهل يُمكن أن يكون هناك أجمل منه؟
الرجل : أجمل منه، أنت تطلب المستحيل، ولا أعظم ولا أكمل ولا أشجع، ولا أنبل ولا أحكم ولا أبدع.
الخياط الأول : وأنت … نعم أنت.
الإمبراطور : أنت تشير إلى مؤرخي وفيلسوفي الحكيم.
المؤرخ : أمر مولاي مطاع.
الخياط الأول : ألم يبدأ اليوم عهد جديد؟
المؤرخ : هذا أقل ما يقال يا ولدي، الحمد للآلهة أنني عشت لأؤرخ له.
الإمبراطور : ماذا ستقول يا مؤرخي الحكيم؟
المؤرخ : سيَرتعش القلم قليلًا في يدي، لكنَّني سأقول ما لا بد من قوله، في الساعة العاشرة من صباح هذا اليوم السعيد، وبحُضور الوزراء والأعيان.
المهرج (صائحًا من مكانِه بين الجمهور) : لا تنسَ المهرج أيها المؤرخ الحكيم.
المؤرخ : وعلى مشهد من الفرسان والشجعان.
فلاح : والفلاحين.
شحاذ : والشحاذين.
جلاد : والجلادين.
المؤرخ : اطمئنُّوا … المؤرخون لا ينسون، جلس الإمبراطور العظيم على العرش الرائع المكين.
الإمبراطور : أعرف البقية … غيره.
الخياط الأول : لنسأل شاعر البلاط.
الإمبراطور : أرجوك، إلا الشعر.
الشاعر : العصافير تُغني، والأزاهير التي …
الإمبراطور : يا سياف.
السياف : وأنا يا مولاي أراك في ثوبك الجديد، وسيفك يهتزُّ فوق رقاب العابثين.
فارس : ويهزم أعداء الوطن الغادِرين.
حارس : ويُعيد الأمن للخائفين.
فلاح : وأراك في جلبابك الأزرق الثمين، وفي يدك الفأس يَنغرز في الطين.
عامل : وفي يدك المطرقة والمنشار، والعرق يسيل من الجسد والجبين كالأنهار.
شحاذ : ويدك تمتدُّ وتقول لله يا محسنين.
المهرج : وبذلتك المرقعة تضحك المتفرجين.
أب : ويدك تمسح على الآباء والبنين.
الإمبراطور : الفضل لهذا الثوب الجميل، الفضل لهذا الثوب الثمين.
الخياط الأول : أرأيت يا مولاي؟ إنه ليس ثوبًا ككل الثياب، وليست مثله كل الثياب.
الإمبراطور (يدور حول نفسه) : حقًّا، وإن كنت أرتعش من البرد.
الخياط الثاني : البرد؟ لا بدَّ أن مولاي يمزح.
الإمبراطور : هو جميل حقًّا، ولكنَّني أرتعش.
الخياط الأول : تَرتعش وعليك كل هذا الصوف.
الإمبراطور : ألم تقل إنه من حرير … نسجته أيدي العذارى.
الخياط الأول : من الحرير والصوف والوبر وكل ما تشاء، إنه ثوب الثياب يا مولاي.
الطفل : ماما … ماما.
الأم : اسكت يا ولدي، اسكت.
الطفل : انظري يا ماما … انظري يا ماما.
الأم : اسكت وإلا سمعك الإمبراطور.
الإمبراطور : لنسمع ما يقوله الأطفال … تعال يا ولدي.
الطفل : الإمبراطور عريان … الإمبراطور عريان.
أصوات : عريان … عريان.
الإمبراطور (يقف وينظر لنفسه) : هل صحيح أنني عريان؟ هل هذا صحيح يا وزير البلاط؟
الوزير : معاذ الله يا مولاي، عريان؟
الإمبراطور : ما دمت أرتعش من البرد.
الوزراء : رعشة الثوب الجديد.
الخياط الأول : الثوب الثمين.
الخياط الثاني : الجميل.
فارس : الذي نسجتْه أيدي العذارى.
السياف : من حرير الهند والصين.
الشاعر : وزينته الأنامل الرقيقة.
عامل : بالذهب والجواهر والماس.
الطفل : ماما … ماما.
الإمبراطور : أنا أرتعش حقًّا، هل سمعتم هذا الطفل؟
رجل من الحاشية : أبعِدُوا هذا الطفل.
رجل آخر : إنه يفسد الحفل.
السياف : سأقطع رقبته يا مولاي.
الأم (صائحة) : ولدي … ولدي (تهرب بولدها).
الإمبراطور : هل صحيح أنني عريان؟
الشاعر : أنا الشاعر، سأعلمه أن يصرخ بالشعر.
رجل : وأنا الطبيب، سأعلمه كيف ينظر بعيونٍ جديدة.
المؤرخ : وأنا المؤرخ، سأحرمه من دخول التاريخ.
الخياط الأول : شكرًا يا أصحابي، لا يمكن أن نترك الأطفال الصغار، يُزعجون احتفال الكبار.
المهرج : والمهرجون مثل الأطفال، اسمعوا … اسمعوا.
الإمبراطور : ماذا يريد المهرج أن يقول؟ هيا يا ولدي.
المهرج : مولاي، صدِّق عيون المهرجين والأطفال.
الخياط الأول : ويكذب الفرسان والأبطال؟ والشاعر والمؤرخ الحكيم؟ والفلاح الطيب والعامل الأمين؟ والأب الذي يخاف على أولاده والموظف الذي يريد أن يضمن المرتب والمعاش؟ والجلاد الذي يعاقب الخونة والحاقدين … والتَّقي الورع الذي يقول آمين.
لا … لا يا مولاي، لا تُصدِّق الطفل الصغير، ولا الرجل المجنون.
المهرج : يا ناس … يا هوه … مولانا عريان.
أصوات : عريان … عريان … عريان؟
السياف : يا خائن البلاد.
الفارس : يا عدو يا جبان.
فلاح : يا كافر النعمة.
عامل : يا جاحد اللقمة.
المؤرخ : يا جاهل يا متأخر.
صوت : يا عدو التطور.
صوت : أمسِكُوه.
صوت : اطردوه.
صوت : انفوه.
صوت : اشنقوه (تختلط الأصوات، ويهرب المهرج).
صوت : اقتلوه.
صوت : اصلبوه.
الإمبراطور : أرجوكم، قولوا يا أطفال، صوت واحد يُريحني، هل أنا عريان؟ هل أنا عريان؟ لا صوت يجيب، ألم يبق هنا طفل واحد؟ هل كل عيونكم جديدة؟ ألا يذكر أحد كيف ينظر الأطفال؟ هل بعتم عيونكم القديمة؟ هل رميتموها للكلاب؟ أم سقطت منكم في البحار؟ قل لي يا مؤرخ، هل ضاعت تحت عجلة التاريخ؟ وأنت يا شاعر؟ هل تاهت في الكنايات والاستعارات؟ وأنت يا جلاد؟ هل قطعت رقبتها؟ أم وقعت منك في الساقية يا فلاح، وسقطت في الطين؟ أريد صوتًا واحدًا … صوتًا واحدًا يقول لي: هل أنا حقًّا عريان؟ أين ذهب الطفل؟ قطعت رأسه يا سياف؟ اتهمتَه بالخيانة يا وزير؟ علمته الحكمة يا حكيم؟ أيها الطفل المسكين … أيها المهرج الحزين، أين أنتما؟ من بعدكما يقول لي إن كنت مستورًا أو عريان؟ من … من؟ من … من؟

(يبكي وينزل ستار الوسط.)

المهرج (يُزيح الستار ويتقدم للجمهور) : الآن يا سادة يا كرام، تَنتهي حكايتنا المعروفة بالتمام. كان بودي أن أنهيها بالضحك والمزاح، لكن المؤلف يحبُّ الكآبة والنواح … المهم لا أريد أن أطيل عليكم، فيكفي أننا أتعبناكم وضيعنا سهرتكم، لكن قبل أن تتركوا هذا المكان، وتعودوا إلى البيوت لتناموا في أمان، نرجوكم أن تنظروا مرة في عيون الأطفال؛ لتتذكروا عيونكم القديمة التي تلفت من كثرة الاستعمال، وتعرفوا أن الدهشة والبراءة، هي منبع الصدق والجراءة، وأن كلمة آمين جنت على جنس البني آدمين، وجعلتهم يرون العريان في حلل الحرير والطيلسان، والضعيف والجبان، كأنه أشجع الشجعان، وقبل أن أقول لكم مساء الخير أذكركم بأن الثياب أمر خطير، ومن يتخلَّ عن ثوبه أو يَبِعْه في المزاد. فلا يغضب لهوان شأنه بين العباد، ولا يحزن إذا رآه طفل أو بهلوان، وصاح شوفوا الرجل الذي يمشي في الشارع عريان، يا ما ثياب تتباهى، لكنها أكفان، وراها جثة ريحتها تفوح بكل مكان، بيعيش صاحبها وبيموت كما اتولد عريان، يا رب سترك وطلعنا من الدنيا على خير، والسامعين يا رب يمسوا ويصبحوا على خير.
١٩٦٨م

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤