من قصائده الأولى١

عزيمتي٢ (١٧٨٧م)

أيها الأصدقاء! أيها الأصدقاء! يا مَن تخلصون لي الحب!
ما هذا الذي يكدِّر صفو نظراتي الوحيدة؟
ما الذي يكره قلبي المسكين
على هذا الهدوء المميت الذي تلفُّه سحب الليل؟
أهرب من ضغط أيديكم الرقيقة،
من القبلة الأخوية الطيبة الحنون.
ناشدتكم ألا تغضبوا عليَّ، لأني أهرب منها!
انظروا في أعماق نفسي! اختبروها ثم احكموا!
أهو العطش الحار إلى كمال الرجولة؟
أهو الحرص الخفي على مكافأة الأضاحي؟٣
أهو الطموح الضعيف إلى تحليق بندار؟
أهو الكفاح للوصول إلى عظمة كلوبشتوك؟٤
آه أيها الأصدقاء. أي ركن في الأرض
يمكنه أن يخفيني، حتى أبكي هناك
وقد لفَّني الليل إلى الأبد؟ أنا لن أقوى أبدًا
أن أطوف حول العالم وأحلق تحليق العظماء.٥
لكن لا! هيا اسلك درب المجد الرائع!
عاليًا! عاليًا! في الحلم المشبوب الجسور،
الذي يوصلك إليهم، وإذا يومًا كتب عليَّ
أن أتلعثم (في كلماتي) وأنا أحتضر، فانسوني أيها الصغار!

(MEIN VORSATZ) (1787)

O Freunde! Freunde! die ihr so treu mich liebt!
Was trübet meine einsame Blicke so?
Was zwingt mein armes Herz in diese
Wolkenumnachtete Totenstille?
Ich fliehe euren zärtlichen Händedruck,
Den seelenvollen, seligen Bruderkuss.
O zürnt mir nicht, dass ich ihn fliehe!
Schaut mir in's Innerste! Prüft und richtet!-
Ists heisser Durst nach Männervollkommenheit?
Ists leises Geizen um Hekatombenlohn?
Ists schwacher Schwung nach Pindars Flug? ists
Kämpfendes Streben nach Klopstocksgrösse?
Ach Freunde! Welcher Winkel der Erde kann
Mich decken, dass ich ewig in Nacht gehüllt
Dort weine? Ich erreich ihn nie den
Weltenumeilenden Flug der Grossen.
Doch nein, hinan den herrlichen Ehrenpfad!
Hinan! hinan! im glühenden kühnen Traum
Sie zu erreichen; muss ich einst auch
Sterbend noch stammeln; vergesst mich, Kinder!

كبلر٦ (١٧٨٩م)

روحي تسري بين النجوم،
تسبح فوق ساحات السماء٧
وتتفكر، دربي وحيد وجسور
يتطلب الخطوة الثابتة.٨
تجول بقوة كما يفعل البطل!
ارفع وجهك، لكن لا تسرف في الغرور،
فها هو ذا يقترب، انظر، ينحدر من الساحات العالية،
حيث يهلل الانتصار، ذلك الرجل
الذي قاد المفكر في ألبيون،٩
— رقيب السماء في منتصف الليل —
إلى ساحة التأمل العميق،
وتقدم بجسارة ليضيء (ظلمات) التيه،
حتى إن كبرياء «التيمز» الجليل،
نادته وهي تركع بالروح أمام قبره،
وتدعوه إلى ساحة الشرف العظيم:١٠
«بدأت يا بن سويفيا»
حيث زاغ البصر آلاف السنين،
وها أنا ذا أتمُّ ما بدأت،
فقد كنتَ، أيها (الرائد) المجيد، أول من أضاء المتاهة،
واستنزل الشعاع إلى (غياهب) الليل.
«لتلتهم الشعلة التي تتأجج في الصدر
نخاع الحياة .. فسوف ألحق بك وأتم ما بدأت!
لأن الطريق الذي سلكت عظيم، جاد وعظيم،
يزدري الذهب، ويكافئ نفسه بنفسه.»
يا لبركة القاعة التي تزدحم بأجداث الأبطال!١١
هل وطني هو الذي وهبه الحياة؟ وهو مَن أثنى عليه التيمز؟
وأول مَن أرسل الشعاع إلى (ظلمات المتاهة)
وهدى الكواكب إلى القطب (البعيد).
هكذا أنسى رعود «هيكلا»١٢
ولو كُتب عليَّ أن أسير على الأفاعي
لما هزتني الخيلاء لأنه نشأ على أرضك
يا سويفيا.١٣ ولنا الشكر من ألبيون.١٤
يا أم الأوفياء! يا سويفيا!
أنت أيتها الوديعة! الدهور تهلل لك،
ربيت رجالًا نورانيين لا يحصرهم عدٌّ،
وفم الأجيال القادمة يحييك ويلهج باسمك.

(KEPLER) (1789)

Unter den Sternen ergehet sich
Mein Geist, die Gefilde des Uranus
Uberhin schwebt er und sinnt; einsam ist
Und gewagt, ehernen Tritt heischet die Bahn.
Wandle mit Kraft, wie der Held, einher!
Erhebe die Miene! doch nicht zu stolz,
Denn es naht, siehe es naht, hoch herab
Von dem Gefild, wo der Triumph jubelt, der Mann,
Welcher den Denker in Albion,
Den Späher des Himmels um Mitternacht
Ins Gefild' tiefern Anschauns leitete,
Und voranleuchtend sich wagt' ins Labyrinth,
Dass der erhabenen Themse Stolz
Im Geiste sich beugend vor seinem Grab
Ins Gefild' würdigern Lohns nach ihm rief:
Du begannst, Suevias Sohn, wo es dem Blick
Aller Jahrtausende schwindelte;
Und ja! ich vollende, was du begannst,
Denn voran leuchtetest du, Herrlicher!
Im Labyrinth, Strahlen beschwurst du in die Nacht.
Möge verzehren des Lebens Mark
Die Flamm' in der Brust - ich ereile dich,
Ich vollend's! denn sie ist gross, ernst und gross,
Diene Bahn, höhnet des Golds, lohnet sich selbst.”
Wonne Walhallas! und ihn gebar
Mein Vaterland? ihn, den die Themse pries?
Der zuerst ins Labyrinth Strahlen schuf,
Und den Pfad, hin an den Pol, wies dem Gestirn.
Heklas Gedonner vergäss ich so,
Und, ging ich auf Ottern, ich bebte nicht
In dem Stolz, dass er aus dir, Suevia!
Sich erhub, unser der Dank Albions ist.
Mutter der Redlichen! Suevia!
Du stille! dir jaqchzen Äonen zu,
Du erzogst Männer des Lichts ohne Zahl,
Des Geschlechts Mund, das da kommt, huldiget dir!
١  كتب هذه القصيدة على البحر الألكايي، نسبةً إلى الشاعر ألكايوس المعاصر لسافو في القرن السادس قبل الميلاد، وقد كتب فيه هلدرلين بعد ذلك عددًا من قصائده الغنائية (أو الأود) والقصيدة ذات دلالةٍ بالغة على مشاعر هلدرلين وطموحه وشكوكه وألوان الصراع الذي عاناه في أواخر صباه.
٢  الكلمة الأصلية تفيد النية والقصد والقرار والوجهة والعزيمة. والقصيدة كلها تتحدث عن أحلام الشاعر وطموحه الأدبي في صباه، وهي كغيرها من قصائد الشباب تعتمد على السمع لا على البصر، وعلى البلاغة والإنشاء لا على الوصف والصور الحية الملموسة الموحية التي ظهرت في شِعره الناضج وكان لها أثرها الكبير على رواد الرمزية والتعبيرية والشِّعر العقلي المحض أو الشِّعر التجريدي الحديث.
٣  الكلمة الأصلية (هيكاتومب) يونانية تدلُّ على القربان الذي كان قدماء اليونان والرومان يضحون فيه بمائة ثور، كما تفيد المجزرة والتضحية بالجملة.
٤  راجع الفصل الثاني من الكتاب.
٥  حرفيًّا: أنا لن أبلغه أبدًا، لن أبلغ تحليق العظماء الذي يطوف مسرعًا حول العالم.
٦  هو عالم الفلك المشهور (١٥٧١–١٦٣٠م) وقد وُلد في بلدة «فايل» في منطقة شفابن أو سويفيا موطن هلدرلين الذي يعده أحد الأبطال القوميين الذين يعتز بهم، والمعروف أنه اكتشف قوانين حركة الكواكب. والقصيدة تدلنا على الروح الوطنية الواسعة الأفق التي ازدادت وضوحًا في إنتاج هلدرلين المتأخر، كما غلبت عليها روح المأساة والفجيعة للتباين الصارخ بين الواقع والمثال والفعل والأمل، وتعددت أبعادها الفلسفية والإنسانية، وظهر فيها تأثره بدراسة الشِّعر الكلاسيكي القديم وترجمته بعض روائعه، وبالأخص مجموعة من قصائد بندار ومسرحيتَي سوفوكليس الشهيرتَين أوديب وأنتيجونا.
٧  في الأصل أورانوس، وهي تطلق على سابع الكواكب الكبرى، كما تدل على السماء بوجهٍ عام، وقد كانت أقدم الآلهة في الأساطير اليونانية …
٨  حرفيًّا: يتطلب الخطوة الحديدية، بمعنى الرسوخ والصلابة والتصميم.
٩  أقدم الأسماء التي كانت تُطلق على الجزر البريطانية، والمقصود بمفكر ألبيون هو العالِم الرياضي الشهير إسحاق نيوتن الذي استفاد من بحوث كبلر وبخاصة ما اتصل منها بتطوير التلسكوب.
١٠  المعنى الحرفي هنا وفي مواضعَ كثيرة من شِعر هلدرلين يكاد يستعصي على الترجمة المفهومة، ولهذا عمدت إلى شيء من التصرف في الأصل الذي يقول: دعاه إلى حفل الجزاء الأجدر أو المكافأة الأشرف.
١١  الكلمة الأصلية (والهال) ترجع إلى الأساطير الشمالية وتدل على القاعة التي كانت تصفُّ فيها أجداث الأبطال الذين يسقطون في ميدان القتال.
١٢  هو أكبر براكين أيسلندا.
١٣  هو الاسم القديم الذي كان يُطلق على منطقة شفابن التي وُلد فيها الشاعر.
١٤  انظر التعليق السابق بالهامش …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤