١٦ أغسطس

تسمَّعنا في الليل إلى صوت تمثلناه صوت عصفور البشروش أو البجعة، ولقد حسبه مختار كأنه نهيق الحمير، فلما تبينا حقيقته ألفيناه ضفدعة تقعقع في هذه الجلبة وهذا الضجيج.

ولقد كان الجو في الصباح جميلًا رقيقًا منعشًا، فبعد أن تناولنا طعام الفطور ذهبنا إلى البنك حتى نرسل منه «شِك» إلى ناظر حدائق «بيتانزورغ» ثمنًا للأشجار التي أوصيناه بها، ثم توجهنا بعدئذٍ إلى «الإكواريو».

إن الذي يشاهد «مكان السمك» من خارجه لا يكاد يعطيه من نفسه عناية أو اهتمامًا بل يعتقد أنه مكان صغير لن يجمع في داخله ما يُمتع، على أني حين دخلت إليه وشهدت ما يحويه، تحقَّق لدي أنه مكان نادر يُدهش العقول ويُحيِّر الألباب.

لقد شغفت طيلة حياتي بالكتب الخاصة بالحيوانات وصورها، ولكن الذي رأيته هنا من ألوان الأسماك حقيقة ماثلة لم تجمعها هذه الأسفار، ولم تصورها على الرغم من رونقها البهيج.

وأغرب ما شهدته من أنواع هذه الأسماك واحدة رفيعة تشبه الورقة ذات لون صدفي جميل، فإذا ما تحركت رأيت في لونها لمعان الصدف وألوانه جميعًا.

ولكم رغبت أن أشتري من تلك الأنواع النادرة العجيبة حتى يراها أصدقاؤنا في مصر.

بل لقد وددتُ أن أشتري الكتالوج الذي يضم صور هذه الأسماك لأحتفظ به كتحفة ذات أثر حافل ولكني علمت — وأنا شديد الأسف — أن آخر كتالوج قد بيع.

مررنا بعدئذٍ على سوق الفاكهة وأخذنا طريقنا منه إلى الفندق حيث ابتدأت حرارة الجو تصهر الوجوه، ومكثنا نكتب أشتات الرسائل والملحوظات حتى بلغنا تمام الساعة الحادية عشرة صباحًا.

في الساعة الثانية عشرة ونحن في حجرة المائدة مرَّ علينا أحد الإفرنج وقد برز على وضع يلفت النظر، فثمة عمامة كبيرة تنتصب على رأسه وذقن كثَّة تستدير في وجهه، وكان مشهده من الغرابة بحيث دفعنا إلى أن نستوضح رئيس السفرجية كامن أمره وحقيقته، فإذا به يخبرنا أنه أحد الهولنديين المسلمين، وأنه قنصل دولته في جدة، ووكيل لشركة البواخر الهولندية، وأنه أدَّى فريضة الحج إلى بيت الله الحرام.

رغبت حين تناولي طعام الغداء أن يكون من الطعام الوطني الخالص، وعلى هذا فقد استُبدِل «الطرشي» وما إليه من أنواع «السلاطة» التي يعرفها المصريون والإفرنج وبعض من بلدان الشرق، استُبدل هذا بما أحضره لنا السفرجي من طبق «أرز» يتلوه عشرون شخصًا، وكل منهم يحمل في يده طبقًا ملؤه لون من الخضار المتقن يفيض بالتوابل الحارة، إلى ذلك «قلب» شجرة البامبوز التي تعوَّد الصينيون أكلها وهي شديدة الشبه ﺑ «الكشك ألماظ» غير أني أفضله عليها كثيرًا، وكان بين الذي جمعته ألوان المائدة «كفتة السمك» و«سمك مملح» و«مستردا» وجميع هذه الألوان تمتزج بالأرز ثم تؤُكَل.

ولقد أكلنا على قصد منا أن نتعرفها فإذا بها معدومة اللذة لا تملأ النفس شهية إلى الطعام ولا حبًّا فيه، وقد هطلت سحب المطر غزيرة بينما كنا على المائدة، وكانت الشمس قد اختفت بين أردية السحاب فأصبح الجو رقيقًا وتمتعنا برخائه بينما كنا نتجنب لفحته البركانية طيلة الأمس.

الساعة الرابعة …

غادرنا الفندق بالسيارة للتنزه لشهود القسم الجديد الذي أُقيم في بتافيا، فإذا فيه يجمع إلى بهجته منازل ذات جمال ورونق وبهجة، وإذا بنا نعلم أن كثيرًا من هذه المنازل قد ابتناها أغنياء الهولنديين وسراتهم ممن تتَّصل أرزاقهم بالجزيرة، وأنها تظل خلوًا من أربابها طيلة العام إلا ثلاثة أشهر يأتون إليها لمراقبة مصالحهم وتحصيل إيرادهم ثم يئوبون إلى أوروبا على ألا يعاودوا تلك المنازل الجميلة إلا في العام القادم.

وفي الحق أن جميع منازل الأوروبيين موفورة النظافة تحوطها الحدائق المنسَّقة، حتى يُخيَّل لرائيها أنه يشاهد منظرًا من مناظر الخلاء والضواحي بينما هو في قلب المدينة يتمتع بهذا المنظر البهيج.

ولقد شهدنا في طريقنا أبنية أُقيمت للمدارس الإسلامية للإصلاح والإرشاد كما شهدنا مثيلاتها في اليابان، وإن منظر الفاقة والضَّعَة يبدو عليهما مجسمًا هائلًا يتحدث عن جسيم ما تعاني وبليغ ما تتألم.

يرى المسلم الشرقي ذلك المشهد المرير في المعاهد الإسلامية ويرى بجوارها مدارس الإرشاد المسيحية وقد أُنشئت لها قصور فخيمة تُفصح عن الثروة والتعضيد الجمِّ الذي يُؤاتيها من معضديها ومناصريها.

فأي أسف يشعر به المسلم وأي حزن عميق؟!

وحين عودتي إلى الفندق قيل لي إنه من حُسن حظي أن الباخرة التي سنسافر عليها إلى «سنغافور» هي أكبر باخرة موجودة لدى الشركة.

وفي الساعة الخامسة كنا نتناول الشاي، وقد تهيَّأت لنا فرصة سانحة تحدثنا فيها إلى «الهولندي المسلم» الذي أشرنا إليه آنفًا، ولما كنا نعلم أنه كرجل مسلم تُحبب إليه الأحاديث الدينية فقد بادرنا إلى سؤاله عن السبب الذي تعود إليه نُدرة المساجد الكبيرة المشيدة في جاوة، فأجابنا بأن المسلمين هنا وإن كانت أغلبيتهم قد أدت فريضة الحج إلى بيت الله الحرام واختلفت إلى ما يتجمع في المكان المقدس من أشتات المسلمين فإنهم على كثير من الجهالة بتعاليم الدين إلى ذلك ما عرفوا به من عدم التعصب، على أن الذين وجدوا منهم في الجزائر الأخرى التي تتبع هولندا قد أسَّسوا مساجد تربو في روائها ورونقها هذه المساجد التي نشهدها في جاوة.

وقد أخبرنا أنه يرأس شركة للبواخر تحمل الحجاج الصينيين والجاويين، وأن معدل ما تحمله يتراوح بين سبعة وأربعين ألف حاجٍّ وسبعين ألفًا من شبه جزيرة ملايو و«الفليبين» والصينيين، وأن أكثر أولئك الحجاج الأخيرين يركبون بواخر من ثغر «سنغافور».

ولما استوضحناه السر في كراهية الجاويين لعرب حضرموت أجابنا بإن أولئك العرب يعيش أكثرهم على النقود التي يمدون بها إلى الأهالي على طريقة الربا، وهذا سبب النفور والكراهية.

وقد عرفنا عن طريق ذلك «الهولندي المسلم» أن العائلات الكبيرة في جاوة تأبى أن تتصل برجال الحكومة الأجانب شأنها في ذلك كشأن كثير من بلاد الشرق التي أخذت نصيبها من هذه العوائد، وعلى هذا فإن الحكومات قد تركتهم وراءها ظِهريًّا.

غير أن الحكومة الهولندية قد مكنت بعض المتعلمين من أبناء البلاد من أن يشغلوا بعض وظائف الحكومة، ولكنا نأسف بالغ الأسف؛ لأنَّ أولئك الذين أخذوا هذه الحظوة في وظائف الحكومة حين تضعهم أقدارهم في منصب عالٍ لا يجعلون همهم الأكبر إلا خدمة الأجانب خدمة مطلقة باذلين فيها ألوانًا من الوقيعة بذويهم والدس لهم على صورة تتفهم الحكومة الأجنبية منها أنهم عضدها الأقوى وأن أولئك الذين يوقعون بهم إنما هم من نسيج الشيوعيين ومن عمل أيديهم.

ولا عجب في هذا فإنَّ الروح الوطنية متى خبت روحها في النفوس دفعت بمرضاها إلى العمل الخبيث، وإن الخير متى انعدم وجوده في القلوب فقد استحالت هذه القلوب إلى نواحٍ شريرة لا تعرف الصدق ولا تستوي على صفحة الحق.

وعلى هذا فإنَّك ترى رجال الحكومة من الوطنيين قومًا قُنَّعًا لا خير فيهم.

ثم استدرجنا بمحدثنا «الهولندي المسلم» إلى سؤاله عن جلالة الملك عبد العزيز بن السعود ملك الحجاز ما دامت له صفة خاصة ممتازة في جدة، فأجابنا بأنه يرى في ابن السعود رجلًا عظيمًا ذكيًّا مُحبًّا للخير عطوفًا، وأنه لو لم يؤدِّ إلى الحجازيين من فضل إلا ما وفَّر من أمنهم وأتى من رخائهم لكفاه ذلك فضلًا كبيرًا، على أنه يعقب على ذلك الإطراء بقوله إن الملك ابن السعود قد أحاط نفسه بحاشية من السوريين والأتراك الذين نزحوا من بلادهم لحالات خاصة واتَّخذوا الحجاز وطنًا، وإنه ليؤسفني أن أقول إن هذه الحاشية لا تؤدِّي إلا ما يجلب الرهبة في نفوس الناس، وإنَّها شر على الملك وإنها على الأمة الإسلامية بلاء كبير.

ثم قال محدثنا:

إنَّ خير فائدة تعود على المسلمين الجاويين والشرقيين في فترة الحج أنهم يمكثون في الحجاز ستة أشهر مُجبَرين على ذلك لتعطيل الملاحة، فيتسنَّى لهم في هذه الفترة المديدة أن يتعرفوا إلى شيء من اللغة العربية وإلى شيء آخر من تعاليم الدين، وفي الحق إن هذه مدة تكفي لتقوية عقيدتهم وتنزيه إيمانهم عن الصغائر والشوائب، وما دمت قد تحدثت عن العقائد فهي في جاوة أمر لا قيمة له وإن العناية ضئيلة من جانب الجاويين بالإيمان القوي المتين.

غير أنِّي لن أغمط أولئك الجاويين حقهم فإنهم يفاخرون الملأ العالمي بأن الدليل الحاسم على روحهم الإسلامية الأصيلة أنهم أكثر الشعوب الشرقية النائية نزوحًا إلى بيت الله الأقدس في موسم الحج، وهذا فخار لا شك أنه في موضعه.

وهنا شكرت الرجل على ما تحدث به وصافحته ممتنًّا.

أخذت السيارة في طريقي إلى الميناء فألفيت بها كثيرًا من العمارات التابعة لشركات أمريكية وإنجليزية وألمانية تشتغل في بحارة البن والدخان والمطاط.

وعدنا بعدئذٍ إلى الفندق.

التقسيم الطبيعي

تتكون جزائر الهند الهولندية من هذه الجزر المنبثة بين قارتي آسيا وأستراليا، وتؤلف تلك الجزائر الجزء الجنوبي الذي يمتد على الساحل الآسيوي من شرقه.

أما تقسيمها الطبيعي، فإنه يتألف من جزائر «سندا الكبرى» التي هي عبارة عن جزائر «سومطرة» و«جاوة» و«مادورا» و«بورنو» و«سيلبس» إلى ذلك الجُزُر الصغيرة التي تمتد بينها، أما جزائر «سندا الصغرى» فهي التي تقع بين «جاوة» وبين «تيمور» والتي عرفها الجغرافيون باسم «جزائر البهارات».

لقد تحدث علماء «الجغرافيا» أن الجزء الشرقي من الأرخبيل كان قطعة من قارة أستراليا، أما الجزء الغربي من آسيا، يتبعه بحر «بندا» العميق الغور؛ فقد كان كحد يفصل القارتين، وإنهم ليستدلون على تدعيم وجهة نظرهم وتقديرها بما يجدونه من سمك «الفلورا» و«الفونا» الذي لا يتواجد إلا في أستراليا وفي الناحية التي تُتاخمها من الجزائر.

نظام الحكم

تسيطر «هولندا» على الجزائر جميعًا سيطرة مباشرة وتحكمها على صفة استعمارية يكون كل شأن من شئونه عن طريق وزير المستعمرات الذي يُعتبر مسئولًا دون غيره عن تنفيذ هذا النظام والعمل على إقراره، أما الحاكم العام فإنه يُعيَّن من قِبَل التاج الهولندي، وله سلطة واسعة النطاق يستعملها مع خمسة من مستشاريه يؤلِّفون معًا مجلسًا عامًّا له سلطة الوزارة، وإن لم يكن هناك من برلمان يُسأل أمامه أولئك الخمسة ويُحاسبون على ما يبرمون من عمل وما ينفذون من إصلاح.

ولئن تكن هناك ولايات يحكمها فريق من الوطنيين على نظام يقرب من الاستقلال الذاتي فإن سلطة الحاكم العام وسيطرته تجعل ذلك الاستقلال هباءً وتُحوِّره إلى «حُكم مباشر» لا وجه للحرية فيه.

وأخطر رجل يعقب «الحاكم العام» في مركزه الممتاز هو «السكرتير العام» الذي يُنفذ مشيئة الحاكم ويقف منه موقف الظل من صاحبه، ويقيم السكرتير في «بيتانزورغ».

غير أن الحكومة الهولندية قد بدأت من عام ١٩١٦ تتدرج بالشعب الجاوي في سبيل الحكم التمثيلي؛ فأنشأت «مجلس الشعب – فولكسراد» وكوَّنته من تسعة وأربعين عضوًا انتخب الأهلون فريقًا منهم وعينت الحكومة فريقًا، ولكنه «مجلس استشاري» ليس له أبسط ما لغيره من المجالس الاستشارية من حقوق، فليس من حقه أن يستجوب الحكومة ولا أن يُقرِّر الثقة بها أو يبحث في الميزانية أو أن يعتبر رغباته مُلزِمة للحكومة أن تعمل في حدودها، فالحكومة لا تستشيره إلا في حالات ضئيلة لا تُؤثِّر، ولا تتقدم إليه إلا في أوقات مُحدَّدة لا تُجدي ولا تُفيد.

ولقد قُسِّمت الجزائر إلى مقاطعات يتولَّى الحكم فيها تحت إشراف الحاكم العام فئة من كبار الموظفين لهم مساعدوهم في العمل الذي يتعيَّن عليهم إجراؤه تنفيذًا لرغائب الحاكم وتخفيفًا لمشيئته، وذلك الحاكم يعتمد في تأدية حقوقه على العائلات القديمة الإقطاعية التي كانت تستمد قوتها من سلاطينها دون غيرهم.

وكانت لجماعة الأوروبيين حقوق شرعية يستعملونها تحت سيطرة مباشرة من قبل الإدارة الأوروبية الحديثة.

ولقد أُنشِئ في العهد الأخير إقليم جديد أُقيم مع ثلاثة أخرى غرب الجزيرة الجاوية ويسيطر عليه الحاكم.

وصفوة القول إن المجالس البلدية التي أُنشئت في جاوة قد خلقت ظاهرة جديدة هي إجراء التنقلات بين نواب الحاكم العام في الأقاليم وإعطاؤهم السلطة لإجراء حقوق الوطنيين وتنفيذها في المدن الكبيرة، وذلك يناقض ما عليه حال الوطنيين في البلدان الصغيرة؛ فإن تنفيذ حقوقهم لا يتأتَّى إلا عن طريق زعمائهم الذين يقومون في حكم «العُمَد» بالريف المصري.

وعلى الإدارة الهولندية أن تراقب سير الحالة في حكم الوطنيين دون سواهم.

وهذه الإدارة تتألف من الحاكم العام، ومن مستشاريه الذين يُمثِّلون المصالح التالية:

الإدارة المدنية – المالية – الحقَّانية – المعارف – الأشغال العمومية – التجارة – الصناعة – الزراعة – الحربية – البحرية.

المناخ

أول سؤال يتوارد على ذهن السائح هو تعرف مناخ البلد الذي يرتاده، فعلى الرغم من أن جاوة تقع في المنطقة الحارة فإن مناخها ممتع جميل، وخاصة في جوانب الشواطئ التي يلطف هواءها متاخمتها للجزائر، وذلك الطقس الجميل لا يعفينا من القول بأن الطقس في السهول قريب في اعتداله لطقس الصيف في جنوب أوروبا، وفي ذلك الوضع نضع بعضًا من جهاتها العليا التي تبدو باردة بعض الشيء، وهذا يحملنا على القول بأن حرارة الجو في المتوسط تهبط نصف درجة لكل مائة متر «٣٢٨ قدمًا» مختلفة الارتفاع. وصفوة القول: إنَّ اعتدال الحرارة اليومي يجعل سهلًا مقاومة التغيرات الفجائية في الجو، وإن حرارة الجو التي تذوب في وابل المطر تدع جاوة على الرغم من موقعها في المنطقة الحارة أجمل بلد يطمئن السائح ويرتاح إلى مناخه.

تلك الناحية الأولى في وجهة المناخ، أما الناحية الأخرى فتتلخص في أن جاوة قد مهَّدتها الطبيعة لتكون موطن «المونسون» فمن شهر مايو إلى أكتوبر يهب «المونسون» الجنوبي الشرقي على الجزيرة هبوبًا يعصف بهواء جاف، أما «المونسون» الآخر، فإنه يسبب الأمطار الغزيرة التي تنهمر على الجزيرة صيِّبًا واطفًا، وهذا لن يمنع نزول المطر رذاذًا فترة المونسون الأول، وينهمر المطر مدة «المونسون» الثاني إما بعد الظهر وإما في الليل، فلا يدفع الصباح نقاب الظلمة حتى يكون الجو قد تهيأ لحالة رائقة من الصفاء والشروق الذي ينبعث على السهول والروابي وإن يكن المطر قد أغدق على الأولى بعض مزنه وأفاض على الأخرى جميعها، غير أن «المونسون» حين يتحوَّر ترى أن الريح التي تُدعى Kenteringen قد هبت هبوبًا خفيفًا على صورة غير منتظمة بينما تتسمَّع إلى الرعد وبينما تبلغ الحرارة دور الغليان، وهذه الفترة في الحق أضأل فصول العام في جاوة تحبُّبًا إلى النفس وإمتاعًا لها.

وعلى أي حال فإننا نقرر بأن جاوة ليس فيها فصل خاص يجذب السائح أكثر من غيره؛ وذلك لأن الصيف يغمرها أكثر فصول السنة، وإن يكن جمهور السائحين قد فضلوا أن يجوبوا الجزيرة خلال «المونسون» المطري اتقاء من وهدة البرد القارس في بلادهم فإن السعادة الباقية لديهم أنهم يستطيعون التنقل من البلاد الساحلية إلى صميم السهول في وقت قصير «وطقس ممتع».

وعلى العموم فهي ليست ذات مناخ لافح، كما أنها ليست ذات مناخ معتدل، فإن الحرارة في المدن الساحلية قد تربو على «٨٠ف» بينما هي فوق التلال المنبسطة حيث تتوافر أسباب الراحة للسائحين لا تعدو مثيلها في أوروبا وأمريكا، غير أن هذا الطقس لن يكون إلا فصل الربيع، أما في الشتاء — وهو يبدأ عادة من أكتوبر وينتهي في إبريل — فإن الأمطار لا تنقطع كل يوم، ولكنها لا تستمر في هطولها يومًا بأسره بل ينزل صيِّبها إما في الصباح أو بعد الظهر، إلى ذلك ما فيها من نواح يغطيها الجليد فيكسبها طبيعة طقس جديد، فإذا انتهى الشتاء أصبحت جاوة في شبه جفاف وصارت حرارة الجو فيها على صورة تشقُّ على النفس وتضنيها.

ولقد عُنيت الحكومة بتوفير أسباب الراحة للسائحين حتى يتعرفوا حالة الجو وما فيها من تقلبات، فأقامت في «بتافيا» وفي مراكز السياحة الهامة «مراصد» خُصصت لتسجيل الحرارة والمطر، وهذا ولا شك صنيع موفق مشكور.

مساحتها

إن مساحة جزائر الهند الشرقية تبلغ ٥٨٧٣٧٠ ميل مربع، أما سكانها فإحصاؤهم قد بلغ ٤٠٥٠٠٠٠٠ نسمة.

تلك هي مساحة الجزائر بأسرها وذاك عدد سكانها جميعًا، أما جاوة وأما الجزائر الصغيرة التي تقع تحت سلطانها والتي تتبعها في نظام الحكم فإن مساحتها تبلغ ٥٠٧٩٨ ميلًا مربعًا، بينما يبلغ عدد سكانها ٣٠١٨٣٥٠٠ من الأنفس، وهذا يجعل لكل ٥٩٤ نفسًا ميلًا واحدًا من تلك المساحة، أما طول جاوة فإنه يبلغ ٦٦٨ ميلًا، وقلَّ أن يزيد اتساعها عن ١٢٥ ميلًا وربع ميل، وقل أن ينقص عن ٣٧ ميلًا وربع ميل.

أقسامها

تنقسم جاوة إلى سبع عشرة regency مديرية أسماؤها ما يلي:

بنتام، باتافيا، بريانجر، شريبون، بكالونجان، سمارانج، رمبانج، بانجوماس، كيدو، جوكجا كارتا، سورا كارتا، ماديون باسوروان، سورابايا، بسوكي، كديري، مادورا.

السكان

تجتمع في جاوة أشتات من أجناس البشر وأنواع منهم ألفوا لهم جاليات، أو اندمجوا مع الوطنيين دون أن تكون لهم ميزة إلا ميزة التاريخ البعيد، وكان اجتماعهم في هذه الجزر استجابة للدعوة الحارة التي فتح بها باب المهاجرة على مصراعيه، ففي طليعة المهاجرين طبقة الهندوس أولئك الذين أسَّسوا على سواعدهم إمبراطوريات قوية الشوكة مرهوبة الجانب «في جاوة وسومطرة» ثم انتشروا بعدئذٍ يبسطون سلطانهم على الجُزر الأخرى ويستعمرونها.

وهنا لا مناص من أن نقول بإن استعمار الهندوس لم يكن على الظاهرة التي عرفت بين المستعمرين، فقد كانوا يعاملون الوطنيين كإخوة بررة وكان لهذه الرعاية من جانبهم أثر فعال عند الجاويين، فقد مكث للهندوس في قلوبهم ذكر حسن، وحديث يتناقلونه بالخير، وقد أصبحوا يتذاكرون فيهم عهدًا رخيًّا رضيًّا رفع بهم عن مستوى القبائل المتوحشة التي كانت تملأ «بورنو» و«سيلبس».

ثم جاء العرب فنشروا على الجزيرة بساط الرحمة الإسلامية، وأدانوا بالإسلام طبقات الأهلين وأسَّسوا في المدن معاهد الدين.

وتبع العرب «الصينيون».

وينتهي أصل الجاويين إلى قبائل «الملايو»، على أنهم الآن ينتمون إلى الجنس المعروف بالإندونيسيين الذين شُطِروا إلى أقسام:
  • أولًا: السنديون الذين يقيمون في جاوة الغربية.
  • ثانيًا: الجاويون الذين يُقيمون في جاوة الوسطى والشرقية.
  • ثالثًا: المادوريون الذين يقيمون في جاوة الشرقية وجزيرة مادورا.

على أن الساحل يحفل بعدد قليل من الوطنيين الأصليين — الملايو — الذين كوَّنوا لهم صلة وُثقى بأولئك الذين يُقيمون في سومطرة وشبه جزيرة الملايو.

وإذا نحن اتَّجهنا إلى إحصاء السكان لألفينا أن عدد السكان الوطنيين يبلغ أربعين مليونًا، بينما نرى أن الأجانب قد اتَّصلوا بلُحمتين؛ اللُّحمة الأوروبية والأمريكية واليابانية، واللُّحمة الأخرى هي طبقات الشرقيين الذين يتألفون من العرب والصين والهند، فأما الصينيون فإنهم يزيدون عن الجاليات الأخرى نصف مليون من الأنفس، بينما يبلغ تعداد العرب ثلاثمائة ألف نسمة، وأما الجنس الأبيض فإنه يبلغ مائة ألف نفْس.

ويجدر بنا أن نُعدِّد الجاليات الأجنبية على ترتيب كثرتها وهي: الهولنديون – الألمانيون – الإنجليز – الدانماركيون – السويسريون – الفرنسيون – الإيطاليون – أجناس أخرى ضئيلة الشأن قليلة العديد

ويُؤلف الأوروبيون والأمريكيون واليابانيون الجبهة القوية في السكان الأجانب، بل إن لهم مكانة ممتازة، بينما يُعرف غيرهم «الأجانب الشرقيين» تمييزًا لهم عن الطبقات المتحضرة، ولكل من تلك الجاليات قانون خاص ترضخ لأحكامه وهو يناقض القانون الذي وُضِع للوطنيين في أكثر نصوصه ولوائحه.

ولعل أكثر «الأجانب الشرقيين» رفاهية في الجزائر الهولندية هم فئات «الصينيين»، فإنهم وحدة قوية تتعامل مع الأهليين وغيرهم بجد ودرابة، أما العرب فإن ميزتهم الخاصة أن الدين قد حبَّبهم إلى الأهلين، وقد تراهم يحصلون على نقودهم الكثيرة من طريقه.

وعلى وجه عام فإن جميع ما يُسن من قوانين وما يُنفَّذ من مشاريع إنما يُتوَّج بالصبغة الأجنبية في تلك الجزائر التي يسَّرت لها أسباب السعادة والتقدم الكبير.

إحصاء عام

قلنا إن تعداد جاوة يبلغ ٣٠٫١٨٣٫٥٠٠ من الأنفس، ونوزِّعه هنا على الأجناس التي تقطنها فيما يلي:

٢٩٨٠٠٠٠٠ وطنيون
٢٩٦٠٠٠ صيني
٦٥٠٠٠ أوروبي
١٩٥٠٠ عربي
٣٠٠٠ شعوب وأجناس أخرى

أما تعداد السكان في المدن الكبيرة فهو كما يلي:

المدينة وطنيون أوروبيون صينيون عرب أجناس أخرى
باتافيا ١٠٠٠٠٠ ٩٠٠٠ ٢٩٠٠٠ ٢٠٠٠ ٢٥٠
سيمارانج ١٠٠٠٠٠ ٥٢٠٠ ١٤٠٠٠ ٧٠٠ ٨٠٠
سورابايا ١٢٥٠٠٠ ٨٠٠٠ ١٥٠٠٠ ٢٥٠ ٣٥٠
جوكجه ٧٤٠٠٠ ١٥٠٠ ٥٣٠٠ ١٠٠ ١٠٠
سولو ١١٠٠٠ ١٦٠٠ ٦٦٠٠ ٣٥٠ ٤٥٠

الدين

يدين الوطنيون بالإسلام إلا فئة قليلة تقيم في جانبي جاوة الشرقي والغربي ما تزال تدين بالعقيدة الهندية، أما الكثرة الساحقة فإنها تتبع الشريعة السمحاء، فإذا شئنا أن نضع مقارنة بينها وبين المسيحيين في جاوة لكنا أمام مشكلة لا تُجدي؛ ذلك أن المسيحيين هناك قلة لا تحسها تلك المجموعة الهائلة من المسلمين.

إنَّ الإسلام قد بسط أول خيط من بُرده الموشَّى على جاوة من القرن الثالث عشر، ولم يتعاقب عليه قرنان حتى كان منتشرًا في كل فجٍّ ذائعًا على كل لسان، حتى لقد بلغ من تقدير الجاويين لشعيرة الحج أن عدد حجيجهم لا يقل عن مائة ألف، على أن الحكومة في العهد الأخير قد قررت «حرية العقائد» وأباحت لكل وطني أن يدين بما تطمئن إليه نفسه من شرائع، وكان صنيعها هذا باعثًا لوأد هذه الحزازات التي كانت تباعد بين المزارعين وبين البروتستانت والكاثوليك.

وعلى الرغم من أن الكثرة تعتنق الإسلام، فإن نفوذ القُسُس في الحكومة من الناحية الدينية ما يزال له أثره وله تقديره.

النهضة الاقتصادية

إنَّ جاوة لفي طليعة جزر الأرخبيل تقدُّمًا في وجهة الاقتصاديات، وإنها بما غذَّت به الأسواق من نتاجها قد اتَّجهت إليها الأنظار وخاصة في السنين العشرة الأخيرة، ويكفي أن نذكر من بين الجزر الهولندية جزيرة سومطرة وما أخذت به حياتها الاقتصادية من تقدم باهر ليتأكد لديك أن الناس لم يُخطِئوا حين أطلقوا عليها «جزيرة المستقبل» تسجيلًا للسرعة البالغة التي تخطو بها في سبيل الرقي والكمال خطوات واسعات!

الزراعة والصناعة

لقد عرفت الجُزُر الهولندية من زمن مديد أنَّها بلد زراعي خصب الصعيد جميل الإنتاج، ولكنها في المدة الأخيرة قد أضافت إلى تفوقها في الزراعة حركة صناعية تُبشِّر بمستقبل زاهر، وقد انتعشت تلك الحركة الصناعية لما تحفل به الجزيرة من المواد الأولية كالفحم، وما إليه من المواد المعدنية التي توجد بكثرة في جمع من الجُزر.

على أن أبرز ما في الناحية الزراعية بهذه الجزائر أنها قد شُطِرت إلى وجهتين:
  • أولًا: الزراعة الوطنية.
  • ثانيًا: الزراعة الأوروبية.

فأما الزراعة الوطنية فأكثرها الأرز الذي يزرع كثيرًا في «جاوة» و«بالي»، وزراعة «الفلفل» التي تشمل «استين – شمالي سومطرة» والتي يعمل فيها السكان كمادة أولى لثروتهم، كما يزرع البن والأثمار الشرقية جميعًا، إلى ذلك عنايتهم الخاصة بالغابات التي توجد بكثرة في «بورنو» و«سمطرة» و«سيلبس» والتي تجمع أخشابها عديدًا من الأجناس الخارجية ليمونوا بها الأسواق، وأجدر مزروعات الأرخبيل بالذكر هي:

الأرز – قصب السكر – البن – الكينا – الشاي – التبغ – القمح – النيلة – التابيوكا – الكاكاو – الفلفل – القطن – المطاط.

وأما الزراعة التي تخص الأسواق الأوروبية فأجدرها: المطاط – التبغ – الكينا – الشاي – البن – وما إلى ذلك من أثمار شرقية.

المحاصيل الرئيسية

يُعدُّ «الأرز» في جاوة في المرتبة الأولى بين المحاصيل، ولزراعته هناك طريقتان، إحداهما أن يزرعه السكان في حقول لم يغمرها الماء، وتلك هي طريقة الزُّراع في الجهات الجبلية المستوطنة في أجزاء الجزيرة المتفرقة، والأخرى أن يزرع في حقول مغمورة تشبه شرفات أُحيطت بأسوار ضيقة حتى تحتجز الماء فيها، ولكي تعلم مبلغ ما يعتمد الجاويون على الأرز نذكر أنَّهم في عام ١٩٢٢ قد زرعوا الأرز في أرض مغمورة تبلغ مساحتها ٣٠٠٠٠٠٠ هكتار أو ربع مساحة الجزيرة بأسرها، إلى ذلك ٣٥٠٠٠٠ هكتار زرعت على الطريقة الأولى، فأنبتت نباتًا رديئًا في قيمته، وإنه وإن تكن جاوة تنتج من الأرز ما زنته ٣٠٠٠٠٠٠ طنًّا من الأرز فإن هذا المقدار ما يزال بحاجة إلى التنمية حتى يكفي سكانها وحدهم، ففي عام ١٩٢٣ كانت قيمة الوارد إليهم من الأرز ٢٤٠٠٠ جلدر، على أن هذا لن يمنعنا من القول بأنهم قد صدروا منه ذلك العام أيضًا ما قيمته ٤٠٠٠٠٠ جلدر؛ ذلك أنهم يبيعون الأصناف الجيدة التي لا تنبت إلا في جاوة ويستعيضون عنها بما يقفوها في القيمة ويتلوها في النقاء.

ولكن «الأرز» لم يمكث له مكانه في طليعة المحصولات فقد اتجه الجاويون إلى التجديد في الزراعة والإكثار من أنواعها، حتى أجادوا زراعة «القمح الهندي» التي أصبحت مساحة ما يزرع منه في العام مليون ونصف مليون من الهكتارات، إلى هذا زراعتهم لشجر «الكاسافا» في مساحة قدرها ٧١٩٠٠ هكتار، إليهما البطاطس الحلو – اللفت – الفول السوداني إلخ، غير أنهم قد برعوا في «الكاسافا» حتى صار تصديرهم منها يعادل اثنين وعشرين مليونًا من الكيلو جرامات، أما الدقيق فإنهم يُصدِّرونه إلى الولايات المتحدة دون غيرها.

وتأتي زراعة «الشاي» في المرتبة الثانية بين المحاصيل الجاوية، وهو يزرع في مساحات تتراوح بين ٤٠٠ متر وبين ١٥٠٠ مترًا، وأجود نتاجه يأتي عن الأراضي العليا، أما الأراضي السفلى فإنها تعوض عن الجودة بكثرة المحصول ووفرته، ولقد كانت دراستي المستفيضة لزراعة الشاي حينما زرت حقل التجارب الذي أُقيم خاصًّا به في بيتانزورغ وكانت دراسة علمية عالية خرجنا منها بالكثير من خواصه ومحتوياته، فإذا نحن أردنا أن نحصر عدد الحقول التي تزرع الشاي لألفيناها مائة وستة وخمسين حقلًا، تقدر مساحتها جميعًا بمائة وإحدى وعشرين ألف هكتار، يبلغ نتاجها أربعين مليونًا من الكيلو جرامات، يخص الحقول السابقة منها ٩٠٪ بينما ينتج أصحاب الزراعات الصغيرة من الأهالي ما يتبقى، وعلى أي حال فإن جاوة تنتج ١٠٪ من محصول الشاي في العالم، وإذا استمر لأهلها ذلك الجهد في تنمية زراعته فإنهم دون شك سيرتفعون بهذه النسبة أرقامًا أخرى!

وقد يكون من المسلم به أن زراعةً ما في العالم لم تنمُ بسرعة مدهشة في وجه الإنتاج كما نمت زراعة المطاط في جاوة، فقد كانت عدد الحقول التي تزرعه في جاوة عام ١٩٢٢ أربعمائة وثمانية وثلاثين حقلًا مساحتها ١٦٤٠٠٠ هكتار يأتي منها ٦٠٪ بمحصول جيد وافر، أما المطاط فإنه يُزرع على مسافات بين مائة متر إلى سبعمائة، وأكثره يبدو على نسق المشاتل تُزرع من البن في شرقي جاوة أو مع الشاي في غربها.

وثمة محصول آخر لا يقل وفرة عما تقدم من محاصيل جاوية هو «جوز الهند» فقد بلغ تعداد أشجاره عام ١٩١٧م ثلاثة وستين مليونًا، وأكبر الظن أن ذلك العدد قد تضاعف في السنوات الأخيرة وبلغ إلى رقم هائل، وهناك إلى ذلك أنواع الفواكه التي تخص المنطقة الحارة على أن جاوة لا تُصدِّر منها غير «الموز».

ويُعادل محصول السكر في جاوة ما يعادله الشاي من نسبة؛ فإنه قُدِّر ﺑ ١٠٪ من مجموع ما يُنتج في العالم تزن ١٨٢٠٠٠٠ طنٍّ، يشتغل فيها ١٨٢ معملًا على ما قدره الإحصاء العام سنة ١٩٢٣، وعلى هذا فإنه يأخذ المكان الأول بين الصادرات، فإذا نحن استثنينا «كوبا» ألفينا جاوة مركزًا هامًّا لتصدير قصب السكر الذي يُزرع في السهول المنبسطة الطامية في قلب الجزيرة وشرقها، والذي تشبه حقوله مثيلتها في «كوبا» على أنه يندر أن تزيد مساحة الحقول التي تزرع قصب السكر؛ ذلك لأن الحكومة لا ترضى أن تقل المساحة المنزرعة أرزًا إلى ذلك استطرادًا لزيادة بين السكان ولكنها تسعى جهدها إلى تجويد محصوله مُذ أقامت له حقلًا خاصًّا بالتجارب في «باسوروان» أما طريقة الشركات في استغلاله فإنهم يُؤجِّرون الأرض ثلاث سنين ويقتصرون تلك المدة على زراعته دون غيره، وصفوة القول إن نتاج الهكتار الواحد يبلغ من ١١ إلى ١٨ طنًّا.

ويأخذ «الكاكاو» مكانه بين المحاصيل الممتازة فقد صُدِّر منه عام ١٩٢٣م ما زنته تسعمائة طن، وإنه وإن يكن محصوله قد انتقص في السنوات الأخيرة وقد أصابه كثير من الانحطاط، فإن الذي يُعوِّض ذلك النقص هو ارتفاع ثمنه ارتفاعًا كبيرًا.

أما «البن» فإنه من الوفرة بحيث قُدِّر له أن يكون بين الصادرات الهامة التي تبعثها جاوة إلى شتَّى الممالك، وقد بقيت له شهرة اسمه «مزروعات التل» من قرون حتى أصبح «البن العربي» أجدر المزروعات وأجزلها جودة، على أن الآفات الشديدة التي انبثت فيه قد اضطرت الحكومة إلى أن تزرع أصنافًا استوردتها من «ليبريا» و«روبستا».

ويبلغ تعداد المزارع التي تخصُّ البن ٢٧٨ مزرعة أكثرها في الجانب الشرقي من جاوة، يُزرع منها ٤٧٠٠ هكتارًا من البن فقط و٥٥٠٠٠ تمتزج بالمطاط، ويقدر محصوله ﺑ ٣٤٠٠٠٠٠٠ من الكيلو جرامات أو ما يعادل ٣٪ من محصول البن في العالم.

و «التبغ الجاوي» وخاصة ما كان منه من Djocjakarta وSurakarta قد امتدت له في الآفاق شهرة حسنة وإن لم يغالب بها تبغ سومطرة الشهير، وتتبع الشركات التي تنتجه طريقتها في تأجير الأرض لقصب السكر.
وعلى وجه العموم فإن جاوة تمد العالم بما تستخرجه من «الكينا» وذلك لأن الحكومة هي التي تملك مزارعها، وأكبر مزرعة حكومية هي Tjintiruan وتُعدُّ في نفس الوقت مركزًا للتجارب الخاصة ﺑ «السكنونا»، ومن ذلك المركز تصدر البذور لتُباع في مزارع أخرى كجنوب Bandung وفي Preanger وتقرب مساحة المزروع من ألف وثمانمائة متر.
تلك فذلكة عامة عن «المحصولات الرئيسية» في جاوة أثبتناها لنقرر أن الصناعة الجاوية لا تقوم إلا على دعائمها، فهذه الجزيرة خلو من الصناعات اللهم إلا تلك «القبعات المضفورة» وقبعات البامبوز التي صُدِّر منها ثلاثة من الملايين يبعث بثمانمائة وثمانين ألف جلدر، إلى ذلك اثني عشر مليونًا وسبعمائة ألف من Pandan hats بيعت بما يقرب من مليون ومائة واثنين وأربعين ألف جلدر، وهذه إن تكن صناعة فمن الحتم أن نضيف إليها مثيلاتها من الصناعات الصغيرة كالنحاس وما إليه من أعمال ذات فائدة عند الوطنيين وذات أثر لدى السائحين.

وأما الصناعات الأوروبية فإنَّها وإن تكن ما تزال في بداءة نهوضها تمد الأهلين بنصيب وافر من مطالبهم، وهذا ما يُبشِّر لها بمستقبل زاهر سعيد.

ويُستخرج من المحصولات الجاوية كل عام ما نقدره فيما يلي:

٣١٠٠٠٠٠٠٠٠ رطلًا من السكر
٣٥٦٥٠٠٠٠ رطلًا من البن
٢٢٥٠٠٠٠٠ رطلًا من Peruvian Park
٩٢٠٠٠٠٠٠ رطلًا من الدخان
٢٨٠٠٠٠٠٠ رطلًا من الشاي
٣٢٠٠٠٠٠ رطلًا من الكاكاو

إلى ذلك ما تبيعه جاوة من الخشب الذي تنتجه والذي يقرب ثمنه من مليوني دولار من الذهب.

كذلك ما تُنتجه من ذلك النوع الذي يدعونه «آراك» وهو مشروب مقطر من القصب والأرز، وما تنتجه من الغاب الهندي «الخيزران» والجلود والفلفل والنيلة وجوزة الطيبة وdamar وcoprah وcapoc والمطاط.

المعادن

يقدر إنتاج «جاوة» في العام من المعادن بما يلي:

٤٠٠٠٠٠٠٠ رطلًا من القصدير
٤٥٠٠٠٠ طنًّا من الفحم (الطن يساوي ٢٥٠٠ رطلًا إنجليزيًّا)
٣٠٠٠٠٠٠ جالونًا خام من البترول
٥٠٠٠ رطلًا من الذهب
٢٨٠٠٠ رطلًا من الفضة
١٠٠٠ قيراطًا من الماس

إلى ذلك كميات وافرة من المعادن العديدة.

الحيوانات

أما الحيوانات فإنَّ إحصاءها كما يلي:

٢٢٠٠٠٠٠ من فصيلة الجاموس
٢٧٠٠٠٠٠ من فصيلة البقر
٣٦٥٠٠٠ من فصيلة الخيل

إلى هذا آلاف من الحيوانات العديدة.

وأهم الإنتاجات عدا ما ذكرنا لك:

جلود البقر والأغنام، جلود السحالي، الحيَّات، خشب التك، الزيت، قبعات البامبوز، مشروب الأرز والقصب، شمع النحل، القرنفل، جوز الطيب، الأبنوس، خشب الصندل، القرون، عصافير الجنة.

حركة التجارة

بلغت الصادرات حدها الأقصى عام ١٩٢٠ حيث قُدِّرت به خمسمائة مليون جلدر؛ ذلك أن أثمان السكر كانت ذلك العام باهظة، غير أن هذه الطفرة في إنعاش التجارة قد أحدثت رد الفعل، ولقد كانت «جاوة» على أبواب نكبة اقتصادية لو لم تتداركها يد العناية التي أجزلت فيها عديدًا من المحاصيل إن خبا نجم واحد منها فبجواره نجوم أخرى تتألق، وعلى هذا فقد بلغت الصادرات لعام ١٩٢٣م إلى ٨١٩٠٠٠٠٠٠ جلدر يعادل ما يُصدَّر من السكر بين هذه القيمة ٦٪ وكذلك «المطاط» فإنه يبلغ ذلك الرقم، ثم يقفوه في وجهة التصدير، التبغ – البن – الكبرا – التابيوكا – السنكونا.

أما البلاد التي تُصدِّر إليها جاوة فهي اليابان والهند والولايات المتحدة، ونصيب كل من هذه الدول الثلاث من الصادرات الجاوية ما يعادل ١٢٪ من مجموعها، ثم إنجلترا وهولندا، ولا يزيد الصادر إليهما عن ١١٪ من المجموع.

غير أن التجارة الجاوية قد وجدت لها أسواقًا جديدة فقد طلبت «هنغ كنغ» الصينية ما يعادل ٩٪، كما طلبت «سنغافورة» ما يعادل ٦٪، وذلك دليل حاسم على أن المنتوجات الجاوية سوف تتغلغل في جوانب الأرض جميعًا.

أما الواردات فقد بلغت قيمتها عام ١٩٢٠م إلى ٨٠٠٠٠٠٠٠٠ جلدر، ثم نقصت هذه القيمة ما بين عامي ١٩٢٢ و١٩٢٣، وهي تجمع ما تحتاج إليه بلد زراعي تقع في المنطقة الحارة، وتريد أن تغذي سكانها بما لا قبل لهم في صنعه وإنتاجه.

وأوفر ما تستورده جاوة عن الولايات المتحدة هو الزيت، السيارات، السجاد، الورق، وخاصة منه ورق الصحف المكتوب الذي يُطلق عليه في مصر اسم «مرجوع الجرائد» حيث يستعمله الصينيون في حوانيتهم للف السلع التي يبيعونها، على أن تجارة الجزائر قد اعتصمت بأيدي الهولنديين أولئك الذين يبلغ نصيبهم منها ٨٠٪، ثم تعقبهم إنجلترا التي يبلغ قسطها ١٢٪، أما الباقي وهو ٨٪ فإنه بأيدي دول عديدة شتى.

طبيعة الجزيرة

تنعزل «جاوة» عن العالم بما يُتاخمها من بحار إلا من ناحية جنوب أمريكا، وبها عدد من الأنهار أطولها «سولو» الذي يبلغ طوله ٥٤٠ كيلومترًا، على أن هذه الأنهار لا تصلح بحال ما للملاحة؛ وذلك لضيق مجراها وقوة تيارها، ولكن قوارب السكان الصغيرة تغدو فيها وتروح، وفي صدد البحار والأنهار نذكر أن جاوة تُنتج سمك «فلورا» الذي يشبه أسماك المنطقة الحارة وأسماك «سيلان».

أما المناطق الجبلية فإنها تذخر بنباتات المنطقة المعتدلة حيث يكثر فيها النخيل وأخشاب البناء.

على أن الذي يدهشك هو ذلك النوع العجيب من الأشجار الذي يشبه شجر الشربين الأوروبي والذي يتفرع عاليًا على المقابر الأوروبية، بينما ترى نوع الشجر الآخر الذي ينبت على المقابر الإسلامية هو من هذه الفصيلة التي أُطلق عليها «شجرة الموت».

الطرق والمواصلات

إنَّ «الطُّرق» الجاوية على غاية من النظام والبهجة، وإن العناية بها جديرة بالإعجاب، فهي في جاوة متعددة تصل بعضها بعضًا وتجوبها السيارات دون عناء، ولقد اكتملت لبعض الجزر الأخرى تلك الميزة الخاصة بجاوة فأُنشئت في جزيرة «سمطرا» عدة طرق، على أنها في الجهات المحلية ما تزال في طريق الإنشاء والتعمير إلا إذا استثنينا الطريق التي تصل إلى سواحل «سمطرا» الشرقية والغربية التي يصلها طريق «سمطرا» الشهير.

أما خطوط السكك الحديدية فإن التقدم في مدها يدل على الرغبة الصادقة في تعمير الجزائر وإيصالها بعضها بعضًا، على أن تقدمها في الجزائر الخارجة عن جاوة يعبر عن بطء منتظم لا شك أنه سيصل إلى سرعة معقولة، فإنك ترى السكك الحديدية في جنوب «سمطرا» وفي شرقها وأطرافها، إلى ذلك خط حديدي صغير أُنشئ في «سيلبس».

وتُمد خطوط السكك الحديدية بواسطة الحكومة التي تعمل على إكثارها في الجزر.

ويبلغ طول السكة الحديدية الممتدة في جاوة ١٣٤٩ ميلًا؛ ولأنَّها أقيمت على منحدرات جبلية فإنَّ سرعة قطار الإكسبريس لا تزيد في الساعة عن خمسة وثلاثين ميلًا، أما في السهول المنبسطة فإن سرعته تبلغ خمسين ميلًا.

وستساير الشبكة الحديدية التي تخترق الآن جاوة سُنة التقدم وستتضاعف دون ريبة، وإن أكبر ما يخترقها من خطوط هذه الشبكة الحديدية هو خط البريد الطويل الذي أُنشئ بأمر المارشال Daendels الذي كان حاكمًا عامًّا في عهد نابليون، والذي ضاعت في صدد إنشائه أموال طائلة وذهبت في سبيله نفوس كثيرة، وهو يبدأ من Anger ويُوازي الجانب الغربي للجزيرة إلى سورابايا إلى أن يصل بطرفها الشرقي الأقصى إلى panaroekan وBanjoeuangi، وهناك خطوط أخرى كثيرة تخترق الجزيرة في اتجاهات مختلفة مارة بمدن وقرى مهمة، غير أنه على طول الطريق الذي يسبح فيه لا يمر على أماكن السياحة الهامة، وفي هذا ترى أن السائح يستعيض عنه بالسيارات التي تخترق الطرق الحديثة الجميلة الرواء، وإذا شئنا أن نُقسِّم السكك الحديدية إلى أقسامها التي عرفت بها لألفينا هناك:
  • أولًا: محطات السكك الحديدية للمستعمرات الهولندية التي تُعرف باسم سكة حديد حكومة جاوة.
  • ثانيًا: الخطوط التي استأجرتها شركة الترام ومركزها الرئيس في Semarang.
  • ثالثًا: شركة ترام Semaranggoana.
  • رابعًا: خطوط تخص إحدى عشرة شركة غير ما ذكرنا.

على أنَّ هناك فروقًا فنية أخرى، فشركات الترام لا تسير قطرها إلا على حالة بطيئة توفيرًا للمصاريف، وحتى لا تكون هناك ثمَّة أضرار تلحق نصيب الشركة، وهذا ما يقلق الجمهور ويُضنيه.

ولكنَّ النِّظام في السكك الحديدية يبدو على الصورة التي تُسعد الراكب وتبعث السرور إلى نفسه، فقطارات الإكسبريس تلحق بها المائدة على النظام الحديث، وإن يكن من المؤلم بمكان أن المسافر لا يمكن له أن يحجز مقعدًا خاصًّا ولا أن يجد قطارًا يسافر به في الليل.

عربة الطعام

تلحق «عربة الطعام» بإكسبريس – باتافيا – ماوس – سورابايا – وبإكسبريس – جاوة – باندنج – سورابايا – وقد اتَّخذوا موعد الغداء من الساعة الثانية عشرة إلى الساعة الثانية، أما المائدة فإنها تتألف عادة من لحم مشوي – كباب – شربة – بطاطس – خُضَر منوعة – أرز – بيض مقلي – لحم من فخذ الخنزير – لحم بقري – جبن – حلويات – خبز – مشروبات متعددة.

وقد جعلت أثمانها من القلة بحيث يتمكن منها كل من شاءها.

أما أثمان الطعام الحار – شربة – كباب – بطاطس – خُضَر – فاكهة – جبن فإنَّها تبلغ ١٫٥ فرنك.

أمَّا المواصلات الأخرى فهي سيارات الأمنيبوس، إلى هذا تلك الشركات القليلة التي تعنى بتسيير سبل المواصلات وعلى رأسها شركة السكة الحديدية الهولندية.

البريد والبرق

يبلغ تعداد مكاتب البريد والتلغرافات ٤٧٨ مكتبًا تخص جاوة وحدها، أما تعدادها في الجزائر الهولندية جميعها فإنه يبلغ ستمائة وثمانين مكتبًا.

وتمتد الخطوط التلغرافية في جاوة إلى ٢٥٠٠ ميل، بينما هي في الجزائر الهولندية ٥٧٨٣ ميل، وتمتد أسلاكها في الجزائر إلى ٩٠٠٠ بينما تمتد في جاوة إلى ٥٤١٧ ميل.

الفنادق

تشتمل كل مدينة هامة في جاوة على ما لا يقل عن ثلاثة فنادق من فنادق الدرجة الأولى، يناقض ذلك ما عليه المدن الصغيرة فإنها لا تشتمل غير فندق واحد، أما جوانب جاوة النائية فإنها تستعيض عن الفنادق بأماكن خصصتها الحكومة أول الأمر كاستراحة لموظفيها الذين يجوبون تلك الأماكن البعيدة، ثم تدرجت بها إلى أن سمحت للأهلين الركون إليها حيال أجر خاص تتقاضاه، وهي كالفنادق توفر الخدمة على ساكنها ويقضي خدمها حوائجه.

ويحتشد في جاوة عدد من الفنادق الأوروبية التي امتازت بغرفها العديدة وبهذه «الفرندة» التي جُعلت لكل غرفة لتكون مكانًا لاستراحة النازل بها أو لاستقبال ضيوفه وزائريه، أما الحمَّامات فإنها ليست على النظام الأوروبي في شيء؛ لأنها حمامات باردة اللهم في النواحي الجبلية فإنَّها خلو منها، غير أنَّ الذي يعوض السائح عن أوصابه أنَّ كثيرًا من خدم الفنادق يتكلمون اللغات الثلاث المنتشرة؛ وعلى هذا فإن التفاهم معهم ميسور لا يُحدث عناء.

ويعد خدم الفنادق الوطنيين على حالة ممتعة من رقة الشمائل والطواعية، فإنَّهم لا يأبقون أداء أي عمل ولا قضاء أيه حاجة، بل إنهم من السرعة بحيث يغسلون الثوب في أربعة وعشرين ساعة حيال أجر قدره عشرون سنت، فإن أظهروا الرغبة في تأخير الثوب إلى أبعد من ذلك الموعد نقص الأجر إلى نصفه، وفي كلتا الحالتين يأخذون أجرهم وهم جَدُّ مغتبطين.

ويمكن للسائح أن يستأجر السيارة التي يريد أن يتنزَّه بها بواسطة الموظف المسئول في الفندق، ويتفاوت أجرها بمقدار ما تتفاوت المسافات التي نجوبها، ففي الأماكن الصغيرة تبلغ التعريفة «سبعة جلدر» وفي الأماكن الكبيرة وخاصة منها ما كان مركزًا هامًّا للسياحة تبلغ من «عشرة جلدر» إلى «خمسة عشر جلدر».

غير أنَّ الفنادق تتبع الطريقة الأمريكية في وجهة البُعد عن تخفيض أي شيء من الأجر حينما يجدون السائح لم يضع في برنامج إقامته تناول الطعام بالفندق أو حينما تكون الرحلة قصيرة بحيث لا يتسنَّى له أن يُقيم في الفندق إلا بعض يوم، أما قيمة الأجر فإنه يدخل فيها أجرة الغرفة وقهوة الصباح والشاي أو الشكولاته، والإفطار والغداء والشاي الذي يعد بعد الظهر والعشاء، وقد استثنوا الحمام والماء المثلج فلم يتناولوا أجرًا عنهما.

ولكن «البقشيش» في الفنادق الجاوية له شأن البقشيش في كل فنادق العالم، فترى أن الصبي يتناول من السائح يوميًّا ما بين ٢٥ و٥٠ سنت إذا كان أداؤه لعمله مقرونًا بالنجاح، أما إذا امتدت مدة الإقامة فإن البقشيش يتراوح أسبوعيًّا ما بين «واحد جلدر ونصف إلى جلدرين ونصف»، ويتناول البقشيش غير خدم الفندق حامل الحقائب الذي يذهب بها إلى القطار عند السفر وسائق السيارة.

الصحة

تُؤدِّي «المصلحة الطبية» واجبها في تهيئة الصحة للشعب أداءً مكفولًا بالنجاح والخير، فإنَّها تضم إليها عددًا وافرًا من مشهوري الجراحين والأطباء، وقد استعدت لهم بأسباب العلاج على صورة تكفل العمل الإنساني بريئًا من كل شائبة، أمَّا المستشفيات التي أُنشئت بالمدن الكبيرة فإنها جُهِّزت بكل طريف، وقد ضمَّت جيشًا من الممرضات اللاتي أَصبن من المقدرة في عملهن نصيبًا جليلًا.

ويعجبك في نظمها أنها قد أباحت للمريض تخيُّر ممرضه بنفسه حتى يكون له من الاطمئنان ما يبعد عنه وساوس المرض وأعباء التفكير فيه، ويزيد في إعجابك أن ترى المستشفيات العسكرية التي توفرت عليها أسباب العناية قد اشتُهرت بمعاملتها الرحيمة السخية للمرضى من الأهالي والأوروبيين. وقد اشتُهرت إلى ذلك بأنها لا تتناول من المرضى الخصوصيين إلا أجرًا زهيدًا جدًّا حيال علاجهم الذي يأخذ منها أكثر الأمر جهودًا كبيرة.

وقد يكون من بواعث الخير للإنسانية أن الأطباء في جاوة قد تخيرتهم الحكومة ممن ألمُّوا باللغتين الهولندية والملايوية وباللغات الفرنسية والإنكليزية والألمانية، وفي هذا ما يسهل عليهم مهمة شاقة، هي تعرُّف الحديث إلى المرضى من أشتات الأجناس تعرُّفًا يصيبون به كبد الصواب فيما يُزاولون من علاج.

ثم تأتي «المصحَّات» الجاوية التي تفرَّدت بشهرتها الذائعة لمواقعها الجميلة في صميم الطقس البارد. ويمكننا أن نسرد لك الجهات التي اشتُهرت بمصحاتها، وهي: Sindanglaya & Garoet وWonosobo وSeloand وTosari.

ولكي تكون أمام صورة بارزة لهذه المصحَّات نذكر لك أنها أُقيمت على شاكلة الفنادق التي يستمر فيها وجود طبيب خاص على أُهبة العمل. وفي صددها نسجل محمدة جميلة لأصحاب الفنادق في جاوة، فإنها موفورة بالأدوات الصحية من وجهة المياه الساخنة التي يتمكن السائح من استعمالها دون أجر إلى ذلك دورات المياه التي تعهدتها النظافة تعهُّدًا أبعد عنها كل مكروب. وإنه إن تكن أماكن الاستراحة في النواحي الجبلية ما تزال تستعمل المياه الباردة على شاكلة المياه في حمامات الفنادق، فإن هذا لا يمنعنا من القول بإن العناية بالصحة العامة في جاوة وفي فنادقها قد بلغت إلى الغاية القصوى والشأو البعيد.

ولكيلا نُسهب في وصف الحالة الصحية بجاوة نذكر أن المرضى في الجهات الحارة الذين يتألمون من وفرة السكان في تلك الأماكن وما تجلبه من أمراض يمكنهم بقليلٍ من الأجر وزهيد من النفقات أن يقضوا في المصحَّات والمستشفيات مدة كافية لاسترداد قُواهم وللنقاهة من أمراضهم، وذلك في الحق عملٌ مشكور، وصنيعٌ مبرور.

العملة

سنت شلن بنس
الجلدر «روبية جاوية» يساوي ٨ ١ أو ١٠٠
اﻟ Kwartje يساوي ٥
اﻟ Dubbltje يساوي ٢

إجراءات السياحة

صدر قانون خاص للسياحة في المستعمرات الهولندية؛ ففي حدود الهند يُعفى السائح من تطبيق قانون المهاجرة عليه إلا أن يكون من أولئك الذين يُعَدُّون خطرًا على الأمن؛ فإن القانون لا يبيح لهم أن يقيموا في جزائر الأرخبيل.

وهناك «تصريح الإقامة» الذي يُعطى للسائحين وهم على الباخرة مقابل مائة جلدر، وهذا المبلغ يُحفظ للسائح ويُرد إليه إذا لم يقبل الإقامة أو إذا ترك المستعمرات خلال ستة شهور بعد دخوله إلى أرض الأرخبيل.

وذلك التصريح يشمل «قانونيًّا» عائلة السائح الشرعية، إلا أبناءه الذين جاوزوا سن الواحدة والعشرين فإنه يُحتِّم أن يكون لكل منهم تصريح خاص بنفسه.

وقبل أن يُعطى «تصريح الإقامة» يُكشف على طالبه كشفًا طبيًّا، فإن كان الطالب امرأة كشفت عليها دكتورة خاصة، وإذا لم يُبدِ الموظف الخاص بالتصريحات أية شروط فإن التصريح يستبدل في الحال بشهادة الدخول إلى المستعمرات، وهذه الشهادة تُطلب شخصيًّا من سكرتير لجنة المهاجرة في الموعد الذي ينزل فيه السائح من باخرته، فإذا كان السائح مصحوبًا بعائلته الشرعية فإن شهادة الدخول تُعطى في الحال إلى زوجته وأولاده الذين يبلغون ٢١ سنة، وتبلغ قيمة تلك الشهادة ١٥٠ جلدر.

تلك هي الإجراءات الخاصة بالإقامة التي تُنفذ حيال السائحين بدقة تشهد لكل موظف أنه يؤدي واجبه بالنزاهة والنشاط.

جوازات السفر

فيما يجب على السائح إلى جاوة استصدار جواز السفر من مكتب مساعد الوكيل السياسي الذي يُقيم في مكتب السياحة الرسمي وفي الفنادق الكبرى في باتافيا، وعليه أن يدفع ثمن الجواز ١٫٥ فرنك، ولكي تقف على لوائح السياحة في جاوة ننشر لك الإعلان التالي:

إعلان

نذيع إلى جمهور السائحين في جاوة إلى أنه يجدر بهم أن يمتنعوا عن إعطاء الوطنيين نقودًا على صورة «بقشيش» وألا يسمعوا إلى رغبتهم في طلبه إلا أن يكون ذلك عن محض سخاء وكرم، فإن أدَّى لهم أحد الوطنيين عملًا فإن أجرهم عليه يجب أن يكون أجرًا معقولًا، أما إعطاء البقشيش في الفنادق فإنها لضرورتها قد اعترفت بها الدول جميعًا وقد قُدِّر للصبي من البقشيش مبلغ خمسين سنتًا.

أما السائقون والحمَّالون فإن أجرهم يبدأ من خمسة وعشرين إلى خمسين سنتًا وذلك وفق ما يسيرون من مسافات، وأما الأدلَّاء والمرشدون فإن أجرهم خمسة وسبعون سنتًا.

مكتب السياحة الرسمي

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤