٨ أغسطس

قيل لنا إن المدينة ككثير من المدن الجاوية بها أمكنة خاصة للرهونات تشرف عليها الحكومة وتقع تحت إدارتها.

وقيل لنا إنه كثيرًا ما تجمع هذه الأمكنة أنواعًا من «الأنتيكات» القديمة فتُبتاع بأثمان زهيدة بخسة.

ولقد أردنا أن نتعرف إلى هذه الأمكنة ونجوس خلالها، ففي الساعة الثامنة والنصف صباحًا غادرنا الفندق على عربة يجرها جواد من نوع «السيسي» ووجهتنا محلات الرهون، وبعد كثير من التنقيب ذهب بحثنا عن «الأنتيكات» القديمة سدًى، فولَّينا وجهتنا إلى السوق.

و«السوق» في هذه المدينة مُسقَّف نظيف وأكثر سلعه في يد النساء، أما هذه السلع فأغلبها «فوط» من «الشيت» صُبِغت بنقوش ملونة من يد الأهالي الذين يدعونها Batik وهي ذات ثمن باهظ عن مثيلاتها في الحوانيت، ولقد تقدمت إلينا إحدى العجائز بواحدة منها، ولما استوضحتها الثمن كان ما قدَّرته لها مجحفًا وغاليًا، ولكني ألفيتها فقيرة مُعدِمة، فأفسحت لها من صدري الذي رقَّ لحالها ونقدتها الثمن دون أن أساومها في إعادته إلى قدره المعقول.

ثم أتينا على جولة يسيرة في سوق العصافير والدجاج، وسوق الزهور والفواكه والتوابل وعدنا إلى الفندق.

طلبت إلى رئيس الفندق أن يستقدم إلينا في الساعة السابعة مساء الراقصات والممثلين ومعهم «الطبل البلدي» الذي اختصوا بالتوقيع عليه، فقد سمعنا من كثيرين أن هذه المدينة تجمع فيها أحسن أنواع الطرب الخاصة بتلك البلاد، فأجابني رئيس الفندق بأنهم سيحضرون في الموعد الذي قررناه وأن جمعهم سيلتئم في صالة الفندق.

لقد تحدثت قبل اليوم أن حركة الناس تتعطل هنا في ساعات الظهيرة، وأن محلات التجارة تغلق من الظهر حتى الرابعة والنصف مساء، فكل الناس يريدون الفرار من وهج الشمس، وكلهم يريدون الراحة في هذه القيلولة المحرقة.

في الساعة الرابعة والنصف ذهبت إلى الفوتوغرافي لأخذ صور لمناظر المدينة.

وفي الساعة الخامسة توجَّهنا للنزهة وعدنا في السادسة مساءً فكانت آلات الموسيقى قد حضرت إلى الفندق.

وهذه الآلات تتكون من أوانٍ من النحاس ما بين صغيرة وكبيرة قد ارتبطت إلى بعضها بقطع من الخشب ووضعت على فوهتها قطعة من الحديد، فحين يبدءون التوقيع تراهم يضربون بقطعة من الخشب على تلك الحديدة فينبعث منها صوت يشبه رنين الأجراس.

وجلسنا في الساعة السابعة بين رهط من السائحين في صالة الفندق.

وبدأت الموسيقى …

ثم جاء دور الراقصات …

فإذا بنا أمام امرأتين ذوات أقدام عارية وقد صبغتا وجهيهما بالطلاء، فبدت حواجبهما على صورة لم يألفها النظر، وبدأتا الرقص والغناء، فإذا بنا نشهد حركات فاترة لا حس فيها ولا روح، تحريك للذراعين وجمود في أعضاء الجسم جميعها وتصلب في الأرجل، وغناء كأنه عويل ونحيب.

وأعقب التمثيل الرقص.

فإذا كل «مكياجهم» أن الرجل يحيط وجهه بذقن كبيرة ويجعل لرأسه قرونًا، وأن المرأة تتحدث في صوت خافت ضعيف، بينما يحدثها الرجل بلهجة تدل على الكبرياء والعنف، أما أدوارهم فكانت خليطًا من هذه الأسماء الطنانة والصور المرعبة: الشاب المجاهد، الحاكم، الشيطان، القاضي، وزير الملك، وما إلى ذلك من مسميات.

ثم لعبوا لعبة صغيرة.

ولكني في الحق لم أحفل بتهريجهم ولم أنشرح له لأنه كان عقيمًا تافهًا، لم تدفعني إلى رؤيته غير ظاهرته الوطنية التي حتمت عليَّ أن أشاهده.

أما الموسيقى فإنك تُسر لها أول ما تُعزف، ولكنها إذا استرسلت فقد حفل صدرك بالسأم وملأت نفسك بالضيق.

وهكذا لم تأخذ هذه المساخر في الفندق غير ساعة أعلنا بعدها شكرنا لهم فانصرفوا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤