خيال الظل

كان للناس شغف بالخيال — خيال الظل — في مصر حتى أوائل القرن الرابع عشر الهجري، فكانت له سوق نافقة في الأعراس، قلَّ أن يقام عرس لا يلعب الخيال في إحدى لياليه، وكانت له قهاوٍ يُلعب فيها، إلى أن اخترع الإفرنج «الصور المتحركة»، وكثرت أماكن عرضها في مصر، فأكبَّ الناس عليها وهجروا أماكن الخيال فأُبطلت، واقتُصر على اللعب به في الأعراس على قلة، حتى قلَّ المشتغلون به، وكاد يدرس فيما درس من الأشياء القديمة، وآخر من أدركناه قيِّمًا بالفن على الطريقة القديمة مع الإجادة في تحرير الأزجال وإتقان صور الشخوص «الحاج حسن القشاش»، ثم قام من بعده ولده الأسطى درويش.

صفة اللَّعب بالخيال

يتخذون له بيتًا مربعًا يُقام بروافد من الخشب، ويُكسى بالخيش أو نحوه من الجهات الثلاث، ويُسدل على الوجه الرابع ستر أبيض، يُشدُّ من جهاته الأربع شدًّا محكمًا على الأخشاب، وفيه يكون ظهور الشخوص. فإذا أظلم الليل دخل اللاعبون هذا البيت، ويكونون خمسة في العادة؛ منهم غلام يقلد النساء، وآخر حسن الصوت للغناء. فإذا أرادوا اللعب أشعلوا نارًا قوامها القطن والزيت تكون بين أيدي اللاعبين، أي بينهم وبين الشخوص، ويُحرَّك الشخص بعودين دقيقين من خشب الزان، يمسك اللاعب كلَّ واحد بيد، فيحرك بهما الشخص على ما يريد.

وتُتَّخذ الشخوص من جلود البقر، وهي في الغالب جلود تُعمل منها أعكام للعشبة التي تأتي من السودان ليُتَدَاوى بها، فيشتري بعضها لاعبو الخيال من التجار، ويصورون منها ما يشاءون من الشخوص، ثم يصبغونها بالأصباغ على ما تقتضيه ألوان الوجوه والثياب، وأجسام الحيوان وجذوع الأشجار وأوراقها وثمارها وأحجار المباني وغير ذلك، بحيث إذا عُرضت «الصور» أمام ضوء النار المشتعلة ظهرت زاهية بهيَّة لشفوف تلك الجلود.

ولنشرع ببيان اللُّعب المعروفة في هذا العهد،١ لعبة لعبة على سبيل الإجمال، مبتدئين بما يُقال ويُفعل في الاستفتاح.

الاستفتاح

الاستفتاح: يظهر فيه شبه عقد على أعمدة، دقيق الصنعة، معلَّق به قناديل وثريَّات، يسمونه «القوصَرَة»، ويظهر به من الشخوص الشخص المسمَّى ﺑ «المقدِّم»؛ فيستفتح اللعب بإنشاد رجل فيه مديح نبوي وتحيَّة للحاضرين، ووصف للقوصرة، وما فيها من الثريات ودقيق الصناعة. وأشهر أزجال الاستفتاح زجل اعتادوا إنشاده في ليالي الأعراس، أوله: قبل ما نبدي …

ولهم استفتاحات غير ذلك.

مراجع قديمة وحديثة

وقد ورد حديث خيال الظل في كثير من الكتب والمراجع القديمة والحديثة، نذكر منها:
  • مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق، ج٢ ص٣٣ بالحاشية.

  • نسبة خيال الظل لجعفر الراقص والكلام في ذلك.

  • المقتبس، ج١ ص٤٣٥، ٤٣٦: خيال جعفر الراقص … إلخ.

  • رسملي عثمانلي تاريخي، ج٢ ص٣٣ بالحاشية: خيال الظل عند العثمانيين.

  • المغرب، ٤١٨ تاريخ، ص١٢١: بيتان في «خيالي».

  • ابن رابية، حرف (الراء): «رئيس المجنبظين».

  • المجموع، رقم ٧٧٦ شعر أول، ص١٨٤: دور من زجل «تعادير في البيمارستان».

  • فض الختام عن التورية والاستخدام، للصفدي آخر، ص٢٤، ٢٥: بيتان فيهما جعفر، وبعدهما للمؤلف أنَّه مخترع الخيال الراقص.

  • وفي ديوان سبط ابن التعاويذيِّ قصيدة، قيل إنه حضر مع جماعة في بستان جعفر الراقص بالجانب الغربي ببغداد، فلمَّا خرج كتبها على حائط بركة في البستان، وهذه القصيدة للعلامة صلاح الدين بن أيبك الصفدي، ننقلها فيما يلي عن كتاب «الحسن الصريح في مئة مليح»، الذي كتبه بخطه سنة ٧٣٨ﻫ، وهو محفوظ بدار الكتب المصرية:

    بُستَانُ جَعْفَرَ مِثْلُهُ
    في ظرفِهِ وشمائِلِهْ
    والْبِركةُ الفَيْحاءُ تخـ
    ـجَلُ مِنْ نَدَاه ونائِلِهْ
    فيه الأنابيبُ الَّتي
    تَنْهلُّ مثلَ أَنَاملِهْ
    يَا حَبَّذَا وَلَعُ النَّسِيـ
    ـمِ ببانِهِ وخَمَائِلِهْ
    وتَرَسُّمُ الدُّولَابِ فِي
    غَدَواتِهِ وأَصَائِلِهْ
    والماءُ كالْحَيَّاتِ بَيـ
    ـنَ مُرُوجِهِ وجَدَاولِهْ
    والغيمُ قد صَدَقَتْ كَوَا
    ذبُ برْقهِ ومَخَايِلِهْ
    والرَّوْضُ قد جَاءَتْكَ أنـ
    ـفاسُ الصَّبا برسائِلِهْ
    والغصنُ كالنَّشْوَانِ يعـ
    ـثُرُ في فُضُول غَلَائِلِهْ
    ولَرُبَّ يومٍ قَدْ وَهَبـ
    ـتُ الحقَّ فيه لبَاطِلِهْ
    وشَرَيْتُ عَاجِل مَا احتَضَرْ
    تُ من الشُّرورِ بآجِلِهْ
    فتشابَهتْ حُسْنًا أَوَا
    خِرُ يومِنا بأوائلِهْ

    وقال في مليح مخايل:

    هَوِيتُ خَيَالِيًّا حَكَى الغُصْنَ قَدُّه
    إذا ما انْثَنى هاجت عليه البلابلُ
    أرَاق دمَ العشَّاقِ سيفُ جُفُونِهِ
    ومِن بعد ذا أَضْحى عليهم يُخَايِلُ

    وقال فيه أيضًا:

    مَخَايِلٌ قد بَدَتْ عَلَيه
    مخايل البدر في الكمالِ
    تُرِيكَ بَابَاتُهُ فنونًا
    تروقُ في الحُسنِ والجمالِ
    فقَدْ غدا وصلُه يقينًا
    أحسنَ ما كان في الخَيَالِ
  • وفي كتاب «سلك الدرر» بيتان في خيال الظل وما قيل في معناه، نسبهما إلى الإمام الشافعي، وهما:

    رأيتُ خيال الظل أكبر عبرة
    لمن هو في علم الحقيقة راقي
    شُخُوصٌ وأشباحٌ تمرُّ وتنقضي
    وتفْنَى جميعًا والمُحرِّك باقي

السلطان شعبان وخيال الظل

يقال إن خيال الظل لعبة هندية قديمة، وأقدم ما وصل إليه علمنا عن اشتغال العرب بها أنها كانت من ملاهي القصر بمصر مدة الفاطميين. وكان لسلاطين مصر ولع بخيال الظل حتى حمله السلطان شعبان معه لمَّا حجَّ سنة ٧٧٨ﻫ مع ما حمله من الملاهي، فأنكر الناس عليه ذلك كما في «درر الفرائد المنظمة» للجزيري.

القاضي الفاضل يصف خيال الظل

أخرج السلطان الملك الناصر صلاح الدين من قصور الفاطميين من يعاني «خيال الظل» ليريه للقاضي الفاضل، فقام عند الشروع فيه، فقال له الملك: «إن كان حرامًا فما نحضره»، وكان حديث عهد بخدمته قبل أن يلي السلطنة، فما أراد أن يكدر عليه، فقعد إلى آخره فلما انقضى قال له الملك: كيف رأيت ذلك؟ فقال: رأيت موعظةً عظيمةً؛ رأيت دولًا تمضي، ودولًا تأتي، ولما طوى الإزار طيَّ السجل للكتب إذا المحرك واحدٌ.

الظاهر جقمق يحرق شخوص خيال الظل

ذكر السخاوي في «التبر المسبوك» أن الظاهر جقمق أمر سنة ٨٥٥ﻫ بإبطال اللعب بخيال الظل، وإحراق شخوصه، وكتب على اللاعبين العهود بألا يعودوا إليه. ولعله فعل ذلك لما كان بلغه مما يقع في مجتمعاته من المفاسد.

وورد هذا الخبر في «ابن إياس»، ج٢ ص٣٣.

إنعام السلطان سليم على مُخَايِل

ذكر ابن إياس في حوادث سنة ٩٢٣ﻫ ما نصه:
وفيه أُشيع أنَّ السلطان سليم٢ شاه لما كان بالمقياس، أحضر في بعض الليالي «خيال الظل»، فلما جلس للفرجة قيل إنَّ المخايل صنع صفة باب زويلة وصفة السلطان طومان باي لما شُنِق عليه وقُطِع به الحبل مرتين، فانشرح ابن عثمان لذلك، وأنعم على المُخَايل في تلك الليلة بثمانين دينارًا، وخلع عليه قُفطانًا مُخَمَّلًا٣ مذهَّبًا، وقال له: «إذا سافرنا إلى إسطنبول فامضِ معنا حتى يتفرج ابني على ذلك.»

لعبة عَلم وتعادير

هي أشهر اللعب وأطولها، وكانوا يلعبونها في القهاوي، مقسَّمة على سبع ليالٍ، فتستغرق الأسبوع، ولكنهم يختصرونها في الأعراس بحذف الأزجال والألعاب، فيلعبونها في ليلة واحدة، وفيها الشخوص نحو ١٦٠ قطعة من إنسان وحيوان وأشجار وأثمار ومبانٍ. وملخصها أن تاجرًا من بغداد يسمَّى «تَعَادير» يسافر إلى الشام فيصادف بها «عَلَم»، وهي فتاة قبطية بنت الراهب «مِنَجَّى» تسكن مع أبيها وأخيها في دَيْر، فيشغف بها حبًّا ويحتال حتى يجتمع بها، ويظهر لها وَلَهه، عارضًا عليها الإسلام ليتزوَّج بها، فتأبى فيشرع في الاحتيال عليها، وتأخذ هي في مكايدته ومعاكسته فيما يحاوله من الاتِّجار، وتدخله مرة الدير وتدعي عليه السرقة، فيُحكم بقطع يده ثم يُبرَّأ، وينشئ بستانًا قبالة الدير تقربًا إليها، ثم يحرقه من إغاظته منها، فيُحكم عليه بالجنون، ويؤخذ إلى البيمارستان فيمكث فيه سبع سنوات حتى يعيي داؤه الأطباء، فيستحضرون له طبيبًا من بغداد اسمه الحكيم «كامل»، فيعالجه ويشفى على يديه. وبعد خروجه يعود إلى مغازلة «عَلَم»، فيجد أباها مات. وينتهي أمرهما إلى أن تسلم ويتزوج بها، بعد أن يهدم الدير ويبني لها قصرًا مكانه، وينقل إليه الجهاز قطعة قطعة.

و«للمقَدِّم والرِّخِم» ألاعيب في هذه اللعبة، وفيها عرض ما يباع في مصر من بطيخ على جمل، وقفص دجاج على رأس امرأة أو على ظهر حمار، وفيها صورة الدير والقصر والبستان. ويزعم اللاعبون أن التاجر كان اسمه في اللعب القديم عمر فغيره المصريون إلى «تَعَادير».

ولهذين الشخصين شأن كبير في كثير من الألعاب الأخرى، ويكون الجِدُّ غالبًا من شأن المقدم والهزل للرخم. ولذلك يصورونه محدودب الأنف، معقوف اللحية إلى الأعلى، عظيم المؤخر.

لعبة التمساح

تحتوي على اثني عشر شخصًا: المقدِّم، والرِّخِم، والزبرقاش، ورئيسه، وزوجته، وولده، وبربريَّان، ومغربيَّان، والتمساح، والسمك.

وخلاصة القصة أن الزِّبْرِقاش كان رجلًا فلاحًا غير مفلح، يطرده أبوه فيعالج الارتزاق بصيد السمك، ولكن لجهله بالصناعة يضيع منه سِنَّارتان، فيظهر له المقدِّم ويتناشدان الأزجال، ثم يرشده للمعلم منصور — ويلقِّبونه بشيخ المعاش — ليعلمه الصيد، فيذهب إليه، ويشرع في تعليمه، ثم يصادف الزبرقاش تمساحًا فيبلعه إلى نصفه، ويظهر الرِّخِم للبحث عنه لأنه صاحبه، فيتناشدان الأزجال، ثم يُحْضِر له بربريَّين يساومهما على إخراجه من فم التمساح فيشرعان في ذلك، فيلتهم التمساح أحدهما ويبقى الآخر يبكي صاحبه، وقبل ذلك تكون زوجة الزبرقاش حضرت بولده، وأخذت في البكاء عليه. ثم يظهر مغربيَّان فينهيان المشكل بأن يصيدا التمساح ويخرجا الزبرقاش والبربري، وتنتهي اللعبة.

ولهذه اللعبة قيمة عند عشاق الخيال والمشتغلين به؛ لقدم عهدها وجزالة ما يقال فيها من الأزجال في تحاور شخوصها.

لعبة أبو جعفر

تحتوي على نحو خمسين قطعة، أهمها جميعًا شخصان؛ شخص طويل وهو أبو جعفر ويلقب ﺑ «عَمْرُوس»، وآخر قصير وهو «الإبْس» أو «القِبْس» ويُلقَّب ﺑ «زُعْرُب»، وهما عدوَّان يكيد كل واحد منهما للآخر، وتقع بينهما منازعات إلى أن يقتل الإبس أبا جعفر، فيصنعون له جنازة، كما يفعل بمصر، فيها الكفَّارة والقراء.

وللمقدِّم والرِّخِم فيها ألعاب، وتُنْشَد فيها أزجال جميلة.

لعبة الشوني٤

فيها من الشخوص: الريِّس، وشُولَح؛ وهو النُّوتيُّ، وخمسة ركاب: فلاح اسمه الكَتاتْني، وابنه النِّتِن، وزوجته خَمْرَانة، وتركي يقال له «الجندي»، و«بربري»، و«مغربي».

وتبدأ اللعبة بصورة المركب وغناء الملاحين، وينشد شولح النوتي زجلًا طويلًا، ثم يحضر الركاب واحدًا فواحدًا بالشاطئ الآخر يطلبون الركوب، فيأمر الريس شولح بحملهم، فيحملهم الواحد بعد الآخر سباحة، وكلما انتهى من واحد ظهر الآخر على الشاطئ. وتكون لهم مع الريس وشولح محاورات مضحكة، يتكلمون فيها بلهجاتهم المعروفة؛ فالفلاح وزوجته ينطقان كما ينطق أهل الريف، و«الجندي» يرتضخ لكنة أعجمية، وكذلك البربري والمغربي لكل منهما لهجة خاصة. ثم تقع بين الجمع بعد ركوبهم في المركب محاورات ومنازعات، وتظهر براعة اللاعبين في تقلُّب تلك اللهجات.

لعبة الأوَّلاني

يظهر فيها مركب صغير للصيد، ويظهر المقدم ثم يأتيه تركي يطلب منه خفارة النيل من صيادي السمك لأنهم يسرقون سمكه، فيعتذر إليه بأن الخفارة ليست صناعته، ولكنه يحضر له بربريًّا حاذقًا فيها فيتولى الخفارة، ثم يتفق مع الصيادين ويبيح لهم الصيد، فيستاء «الجندي» ويغضب منه، ويبطل الخفارة، ويأخذه إلى داره، وينتهي أمرهما بأن يلعبا «الضامة»، فيغلب البربري سيده، فيضربه من غيظه، فيمسك البربري كرسيًّا على كرسي ويضعهما على خوان، ويرفع الجميع ويضرب بها التركي فيخمد أنفاسه.

لعبة الحجِّيَّة٥

تحتوي على نحو ٨٠ قطعة مما يكون في الحج؛ من ضويَّة، وطبَّالين، وجمال، وتختروانات، وغير ذلك مما يلزم من الأدوات والشخوص، ويكون بين المسافرين رجل مصاب بعلة بين فخذيه، يخرج عليه بدويَّان فيظنان علته مالًا يخفيه؛ اسم أحدهما «عَجْوَة» والآخر «بزابيز»، وتقع لهما مضحكات، ثم ينكشف أمره لهما فيطلقانه.

ومن شخوص هذه اللعبة رجل مغربي، يغني أزجالًا جميلة على الرباب.

لعبة الحَمَّام

تنكشف عن صورة حَمَّام على بابه «بلَّانة» تنتظر قدوم «عَلَم» للاستحمام، فيظهر رجل مغربي يأخذ في مغازلتها، وتقع بينهما منازعات ينشدان فيها الأزجال، ثم تحضر «علم» في موكب زفاف فتستحم استعدادًا للزواج، ثم تعود بالموكب وتنتهي اللعبة.

لعبة التياترو

من اللعب المستحدثة في العهد الأخير، وفيها شكل بهلوان يلعب على الحبال، وغير ذلك في عرس «تَعادير وعَلم».

وقد يفردونها باللعب لمن يريد، والأكثر إدماجها والتي سبقتها في لعبة «عَلَم» عند إطالتها ولعبها على ليالٍ في القهاوي.

لعبة القهوة

تبدأ بمنظر قهوة يجتمع فيها رجلان: أحدهما زير نساء اسمه «حردان»، والآخر يميل إلى الأحداث اسمه «قَرَاميط».

ويشرع قراميط في مغازلة صبي القهوة، بينما يغازل حِرْدَان خليلة تحضر له. ثم تقع بين الرجلين منازعات ينشدان فيها الأزجال، وينتصر كل واحد منهما لطريقته، وتنتهي بأن يهتدي قراميط ويعدل عن طريقته ويأخذ في مغازلة النساء، فتوقعه المصادفات في زوجة صاحبه حردان فيخاللها، وتلبسه من ثياب زوجها، فيراها عليه المقدم، ويعرف أنها ثياب حردان، فينصح له بأن يراقب زوجته، وتنتهي المراقبة بأن يمسكه عندها وهو متنكر، ويزعم قراميط أنه فرَّان أتى لحمل العجين إلى الفرن، ثم يخرج من غير أن يعرفه حردان، ويستاء هذا من زوجته، فيحملها إلى أهلها. وبعد ذلك يُدْعَى الثلاثة؛ المقدم وحردان وقراميط، إلى دار أبي المرأة لمعرفة سبب خصام الزوجين، ويشرع كل واحد يقص قصة غريبة وقعت له، إلى أن تنتهي النوبة أخيرًا إلى قراميط فيقص قصته مع المرأة دون ذكر الأسماء، وتنتهي اللعبة بالفراق.

وهذه اللعبة مما يتحاشوْن لعبها في الأعراس، لما فيها من المجون والألفاظ المخلَّة بالآداب.

لعبة الشيخ سميسِمْ

وهو رجل من أصحاب الطريق، اعتاد نصب خيمته كل عام في مكان، فتظهر امرأة اسمها «جازية حَرِير» تشتري هذا المكان وتمنع الشيخ من نصب خيمته، فيسترضيها فلا ترضى إلا أن يتزوجها، ويكون لها ولد اسمه «عبد الله» فتدعي أن أباه قد مات، وتحضر الشهود بذلك، فيأبى هو أولًا لقبحها، ثم يرضى أخيرًا لأجل المصلحة فيتزوجها، ويكون وسيطه في ذلك المقدم، والرِّخِم فراش العرس الذي يُقام لهما، ثم يظهر زوجها أبو عبد الله ويشكوهما. ويكون في هذه اللعبة شيخ حارة، وجند من الشرطة، وضابط ترفع إليه الشكوى. وهي مبنية على الزجل.

لعبة العجائب

وكانت قديمًا تسمى لعبة «الغرَّاف»؛ لأن مبناها على رجل صيَّاد اسمه «الغرَّاف» يصيد السمك من البحر، وينشد في ذلك الأزجال نادبًا سوء حظه في الصيد تارة، ومثنيًا تارة. ثم يظهر له من عجائب البحر، وأصناف السمك شيء كثير، ويظهر المقدم لمعاكسته في الصيد، فيسلط عليه غلامًا يسرق منه السمك، إلى أن يصطاد سمكة كبيرة يريد المقدم مشاركته فيها فيأبى، فيغري به جماعة من الأوباش يضربونه حتى يموت، وتنتهي اللعبة. ومبناها في الأكثر على الأزجال.

لعبة حرب السودان

وهي مما أُحدث بعد فتح السودان عقب دولة المهدي والتعايشي، وفيها تمثل وقائع هذا الفتح.

١  في هذا العهد: أي في حياة المغفور له أحمد تيمور باشا.
٢  لم ينوِّنه إما تساهلًا أو لعده من المركبات المزجية، والكلام في إعراب مثله ليس هنا موضع تفصيله.
٣  «القفطان» محرف عن لفظه التركي «قفتان»، وهو في الفارسية «خفتان» بالخاء المعجمة. والمخمل: ذو الوبر المعروف الآن بالقطيفة.
٤  الشوني: المركب.
٥  الحجِّيَّة: السفر إلى الحج.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤