تمهيد

دخلت أرض الكنانة في طور جديد من أطوار حياتها الطويلة عندما فتحها الإسكندر وحكمها بعده ملوك البطالمة الذين دام ملكهم بالإضافة إلى ملك الإسكندر ثلاثة قرون كاملة (٣٣٢–٣١ق.م)، غير أن عهد هؤلاء الملوك لم يؤثر في حالة أهل البلاد التأثير الذي ظن بعض المؤرخين أنه كان عظيمًا عميقًا لدرجة كبيرة، والواقع أنه من أعجب الظواهر التي تلفت النظر وتنبه الفكر في تاريخ أرض الكنانة منذ فجر تاريخ حضارتها حتى يومنا هذا، إن الأمم التي حاولت استيطان أرضها سواء أكان ذلك بالغزو أم بالهجرة لم تصل واحدة منها إلى انتزاع شخصيتها أو تؤثر على سكانها بصورة مُحَسَّة تمكن المؤرخ المدقق الواسع الاطِّلاع على ماضيها أن يلمسه أو يحسه بصورة جلية، لا لبس فيها ولا إبهام، وهذه الحالة قد بقيت على مر الأيام وتعاقُب الأجيال إلى أن جاء الفتح الإسلامي فكان أثره ظاهرًا بعض الشيء في تغير حياة الشعب المصري من حيث اللغة والدين، ومع ذلك فإنا نجد أن بعض المعتقدات الدينية والعادات المصرية القديمة قد أثرت بدورها في المعتقدات الإسلامية فصبغتها بالصبغة المصرية القديمة، ولولا قوة تأثير القرآن وهو شريعة الإسلام وحافظ اللغة التي أُنزِل بها لظلت مصر على ما كانت عليه من تقاليد ومعتقدات متوارثة إلى يومنا هذا.

ولعمر الحق فإن معظم العادات والتقاليد المصرية القديمة التي تضرب بأعراقها إلى عهود ما قبل الأسرات، لا يزال بعضها باقيًا يتوارثه الأبناء عن الآباء جيلًا بعد جيل، وذلك على الرغم من محاربتها بشتى الطرق والإمكانيات، وعلى الرغم من تسلط المدنية الحديثة وانتشارها في أرجاء البلاد، ومن أجل ذلك نجد أنه مما يلفت النظر بصورة واضحة جلية أن أولئك الذين يتصفحون تاريخ مصر في عهد البطالمة دون أن يكون لهم دراية تامة بماضي تاريخ مصر قبل هذه الفترة يرون أن كل شيء قد تغير منذ فتح الإسكندر لمصر وحكم البطالمة ومن بعدهم الرومان فالعرب، فيرى القارئ العادي أن مصر كانت تنتقل من مرحلة لمرحلة أخرى من مراحل تاريخها وأنه قد أصبح في بيئة أخرى غير التي كان يعيش فيها قدماء المصريين. والواقع أن مثل هذا القارئ يُعَدُّ واهمًا في زعمه، خاطئًا في حكمه بعيدًا عن الحقيقة كل البعد، حقًّا نجد تغيرًا في أحوال البلاد عند الانتقال من يد حكومة إلى أخرى، ولكنه كان تغيرًا سطحيًّا لا يمس جوهر كنه البلاد وطبائع أهلها، وأظهر ما يكون هذا التغير عادة في مسميات المؤسسات والبلدان، وذلك تمشيًا مع الأحوال السياسية والدينية والاجتماعية فقد تجد تبعًا لميول الحكام أن اسم البلدة الواحدة قد تغير مرات عدة، ولكن سكانها وما فُطِروا عليه من عادات وأخلاق ولغة قد ظلوا على ما كانوا عليه منذ فجر التاريخ، ولنضرب لذلك مثلًا بمدينة الفيوم فقد تسمت بأسماء مختلفة في خلال العهد المصري القديم والعهد المتأخر تمشيًا مع ميول الحكام ورغباتهم وسياستهم، وكما حدث تغير في أسماء البلدان نَجِدُ كذلك تغيرًا في مسائل الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فقد اختفى بعضها وحل محلها غيرها، ومن ثم نرى أن القوى التي كانت تسيطر على تطور المجمع على حسب مقتضيات الأحوال عامة تندمج في عناصر جديدة وتلبس ثوبًا قشيبًا يتناسب مع مجرى الأمور؛ مثال ذلك أننا نشاهد أنه بعد دخول الإسكندر الأكبر البلاد المصرية والسيطرة عليها بأعوانه وحكومته الجديدة قد اختفى من البلاد عنصر طبقة الأشراف وهم عظماء رجال الإقطاع الذين كان في قبضتهم معظم الثروة في البلاد في عهد الفراعنة، والمُطَّلِع على تاريخ مصر القديمة يعلم تمام العلم مما جاء في تراجم هؤلاء الأشراف أنهم كانوا يلعبون الدور الأول في بناء المجتمع المصري في معظم فترات التاريخ الفرعوني منذ نهاية الدولة القديمة.

وعلى أية حال نجد بعد فتح الإسكندر لمصر أن طبقة الأشراف وحكام المقاطعات قد أُخْرِسَ لسانهم واختفوا عن الأنظار مدة إلى أن سنحت لهم الفرصة فظهروا ثانية لمدة وهكذا دَوَالَيْك، والآن يتساءل المرء بعد هذه الإيضاحات التي أوردناها هنا، أحقًّا أن كل شيء قد تغير في مصر على إثر دخول الإسكندر وأتباعه؟ وهل فقدت مثلًا المعابد المصرية سلطانها ونفوذها على أهل البلاد، وبخاصة عندما نعلم أن هذا النفوذ كان أمضى سلاح في يد الكهنة المصريين في كل عصور التاريخ المصري القديم؟ والواقع على أية حال أن كل ما نفهمه مما لدينا من وثائق إغريقية أن عامة الشعب المصري كان يؤلف كتلة نكرة من البشر ليس لديهم ما يميزهم وذلك على حسب ما تركه الإغريق الأقدمون في كتاباتهم أو فيما كشف عنه من أوراق بردية إلى أن كشف عن سجلات «زينون» منذ زمن قريب، فقدمت لنا صفحة جديدة منقطعة القرين بالنسبة لحالة الشعب المصري وبخاصة الطبقة الدنيا منه وعلاقتها بالحكام الإغريق كما سنفصل القول في ذلك في مكانه.

وعلى أية حال فإنه مع كل ما لدينا من معلومات تاريخية مما كتبه الأقدمون وما استنبط من أوراق البردي عن الفترة التي تلت فتح الإسكندر تعتبر إلى حد ما غامضة لدرجة أن الباحث قد أصبح في مقدوره أن يتعرف على الكثير من أحوال المصريين الذين عاشوا في القرن الخامس قبل الميلاد مما كتبه «هردوت» وغيره ممن زاروا مصر في هذه الفترة واتصلوا بأهلها، أكثر مما في استطاعته أن يعرفه عن أرض الكنانة من أولئك الكُتَّاب الذي عاشوا في أواخر القرن الرابع والقرن الثالث قبل الميلاد، وذلك على الرغم من أن الوثائق التي جادت بها تربة مصر خاصة بهذا العهد الأخير كثيرة العدد ومما يدهش الباحث أن المؤرخ «ديودور الصقلي» قد نقل لنا عن غيره الكثير مما هو ثمين أو غثٌّ من تاريخ العهد الفرعوني، غير أنه بكل أسف لم يذكر لنا شيئًا له قيمة على وجه التقريب عن مؤلفي عصره؛ أي عصر البطالمة في مصر بوجه عام، والمفهوم إذن أنه منذ بداية القرن الثالث قبل الميلاد كان رجال الاحتلال الإغريقي وغيرهم في مصر لا يكتبون ولا يفكرون إلا بالإغريقية، ومن ثم نجد أن طبقات الشعب من فلاحين وصناع وتجار لم يُعرَف لهم تاريخ قائم بذاته في هذا العهد بالذات، ومن أجل ذلك تفرض المصادر التي في متناولنا عن تاريخ الشعب المصري الأصيل على المؤرخ الذي يريد أن يكتب عن شعب مصر في عهد البطالمة أن يلقي بقلمه ويفسح المجال لمن يريد الكتابة في هذه الفترة من تاريخ البلاد لمؤرخ غيره متخصص في العصر الهيلانستيكي، والواقع أن تغيير المؤلف يكاد يزيد في حقيقة وجهة النظر التي يحتملها هذا التغير المفاجئ في طبيعة المصادر التي بين أيدينا عن تاريخ مصر، فمما لا جدال فيه أن المؤرخين الذين كتبوا عن مصر في هذه الفترة قد ميزوا بين مراحل الحياة في الديار المصرية التي امتازت بالانقلابات العجيبة، غير أن هؤلاء المؤرخين لم يروا حقيقة الأمر قط بعين فاحصة بما فيه الكفاية الموصول إلى كنه هذه الانقلابات التي لا تلبث أن تتكشف للمؤرخ المدقق بأنها ليست إلا خدعة أو سرابًا خلابًا لا يرتكز على حقائق عميقة تضرب بأصولها في صميم تاريخ أرض الكنانة، وقد كتب في هذا الموضوع بعض المؤرخين فأصروا في بحوثهم على أن نظم الحكم الإداري في عهد البطالمة قد استمر بحالة واحدة حتى العهد الروماني، ولكن نرى لزامًا علينا أن نلفت النظر هنا أن المؤرخ إذا حاول أن يكتب تاريخ أية بلاد محتلة بلغة القوم المحتلين، وتجاهل ما كُتِب عن تلك البلاد بلغتها الأصلية فإنه لا محالة يضل السبيل وبذلك ينتقل في كتابة تاريخ هذه البلاد من مرحلة إلى الأخرى دون أن يصل إلى الحقائق الجوهرية التي تنطوي عليها أحوال أهل هذه البلاد، وبذلك يكون ما كتبه هذا المؤرخ لا يمس كنه أحوال هذه البلاد من حيث الاجتماع والدين والأخلاق، والثقافة الوطنية.

هذا، وقد دلت كل البحوث العميقة على أن المدنية المصرية على الرغم من تعاقب الفاتحين والمحتلين لها كانت سلسلة مستمرة الحلقات لم يَعْتَوِرْها تغير جوهري، ومن ثم يمكن التعرف عليها وتصورها في خطوطها العريضة، وإن كانت تفاصيلها بكل أسف مجهولة لدينا كلية، وعلى أية حال يُخَيَّل للفرد الذي لا يعرف تاريخ مصر القديمة معرفة أكيدة قبل عهد الإسكندر أن تلك البلاد كانت تعيش تحت الأرض منذ أن دخلها الإسكندر فاتحًا، لدرجة أنه أصبح من الصعب الكشف عن أصول هذه المدنية القديمة، وبخاصة عندما نعلم أنه حتى في اللغة الديموطيقية التي كان يتحدث بها الشعب المصري وقتئذ لم يكن في إمكان الباحثين أن يصلوا في بحوثهم إلى أصل كل المسيحيات التي نقرؤها الآن في اللغة القبطية التي حلت محلها لامتزاج الواحدة بالأخرى، وعلى أية حال فإن هذا المظهر الخداع لا يمكن أن يكون عائقًا في أن مصر كانت مستمرة في مصريتها وأنه لا ينبغي أن تنقطع أسبابها عن أصولها بسبب هذه التغيرات السطحية التي طرأت عليها دون أن تمس جوهرها، والواقع أنه لدينا أدلة وحجج كثيرة قوية متينة تبرهن على أنه لم يطرأ أي طارئ سياسي هدم مدنية البلاد الأصلية بدخول الإغريق فاتحين، وبذلك غيَّرها تغييرًا أساسيًّا عميقًا، وآية ذلك أن التطور المحتوم الذي كان لا بد من حدوثه في المدنية المصرية تحت ظل النفوذ الإغريقي كان يسير أحيانًا حثيثًا وأحيانًا أخرى على مهل، وذلك على حسب ما كان لهؤلاء الغزاة الجدد من سيادة وسلطان تبعًا لممتلكاتهم، فنجد أن هذه المدنية لم يعترضها عائق كما أنها لم تتوقف عن سيرها الطبيعي الخاص بها، ومن ثم نجد أن الحقوق الشخصية قد دخلت في بداية العهد الساوي في طور تكوين الشخصية الفردية وهو الطور الثالث في التاريخ الذي خطه الإنسان لنفسه بكفاحه في سبيل تطوره منذ نهاية عصر ما قبل الأسرات في مصر، وعلى أية حال فإن هذا التطور لم يكتمل في مصر إلا بعد أن دخل العرب واستتب حكمهم في وادي النيل.

وربما كان من الأمور المصطنعة المتكلفة أن نضع خطًّا فاصلًا أو علامة بارزة لتمييز دخول الإغريق مصر، والواقع أن الأحداث التاريخية لا توحي بذلك، فانتصار الرومان في موقعة أكتيوم عام ٣١ق.م وسياسة أباطرة الرومان القوية قد أوقفت تقدم التطور اللامركزي الذي وضعه أحد ملوك البطالمة في القرن الثاني قبل الميلاد، ولكن الرومان في خلال حكمهم للبلاد المصرية لم يتعمقوا في تغيير نظم القوى الاجتماعية مما أدى بعد مضي ثلاثة قرون على حكمهم إلى رجوع البلاد إلى نظام الحكم الإقطاعي، وهكذا نرى في نظام السياسة الخارجية أن اشتراك مصر في مجتمع دول البحر الأبيض المتوسط، وهو بلا نزاع كان يعد أعظم نتيجة مُحَسَّة لفتوح الإسكندر، كان يعتبر فعلًا مع عدة تغيرات وقعت الغرض الذي كان يرمي إليه أواخر فراعنة مصر الوطنيين، وهو قيام دولة مصرية صاحبة سيادة، ولكن إذا كان أباطرة الرومان قد وضعوا حدًّا لسياسة التوازن الدولي المخزية التي ابتدعها قواد الإسكندر الذين خلفوه في حكم الإمبراطورية؛ لأنه كان أمرًا لا مناص منه؛ إذ كانت قد أصبحت سياسة عديمة الجدوى في إمبراطوريتهم فإن ضعفهم المالي من جهة أخرى قد امتص دماء المصريين على غرار ما كان يفعله البطالمة، وذلك لما كان لهم من سيطرة تامة على العالم المتمدين، وقد كان هذا الضغط المالي مستمرًّا في مدة حكمهم، ومع كل ذلك لم نجد من جهة أخرى أي تغيير في السير قُدُمًا في بناء المعابد الضخمة في أنحاء القطر المصري كما أنه لم يُحدِث أي تغيير في أسلوب حياة الشعب المصري الأصيل ينبئ بحلول العهد الإغريقي، بل تدل كل شواهد الأحوال على أن البطالمة قد خلفوا نقطانب الثاني في حكم مصر دون أن يحدثوا أي تصادم مع الأهلين، وبعد ذلك حل الرومان محل الإغريق وحالة الشعب المصري كما هي لم تتغير، فنجد أن كِلَا الحالتين مثلًا، أن الكتبة الذين كانوا في خدمة المعابد لا يزالون متشبعين بنفس روح التعاليم التي ورثوها عن أجدادهم منذ عهد «مينا» عام ٣٢٠ق.م، وكذلك نرى أن الحياة بين المصريين أنفسهم رتيبة لا تَغَيُّرَ فيها قط.

وقبل أن نشرع في ترتيب الخيوط التي في متناولنا خاصة بحياة الشعب المصري، وهو التي ستقودنا وترشدنا خلال عهد المدنية الهيلانستيكية في مصر منذ نهاية العهد الفرعوني حتى نهاية العهد الروماني، وذلك بما نعلمه من تقاليد سياسية عن الحياة المصرية التي ظلت ثابتة لم يصبها أي تغير، يجدر بنا أن نقف متسائلين أولًا: كيف حدث أن قومًا قد استمروا يمارسون حياتهم القومية في ظل قانونهم الخاص بهم ويقيمون معابدهم على حسب قواعد وعاداتهم وتقاليدهم، ظلوا قادرين بعد مرور نحو من ألف سنة تحت ظل الحكم الإغريقي الروماني على المحافظة على مدنيتهم القومية؟ والواقع أن الباحثين في تاريخ مصر لم يقدموا لنا جوابًا شافيًا على هذا السؤال اللهم إلا عناصر قليلة جدًّا لا تشفي غلة، وعلى الرغم من تتبع المؤرخين هذا الموضوع بكل دقة، وعلى الرغم من وجود نقص بيِّن في المصادر التي في متناولنا عن حياة المصريين الأصليين في العهد الهيلانستيكي، فإنه لا بد من وجود تفسير شافٍ لهذه المسألة من صميم حياة المصريين أنفسهم وما يحيط بها من مظاهر خاصة تميزهم.

وأول ما يجب ملاحظته في تبرير قلة المعلومات التي كانت لدى المؤرخين القدامى الذين كتبوا في تاريخ أرض الكنانة في عهد البطالمة هو أن مصر لم يكن لديها أداة إيضاح صالحة تهيئ لها مخاطبة العالم خارج حدودها مباشرة، والسبب في ذلك يرجع إلى أن الكتابة المصرية القديمة وبخاصة اللغة الديموطيقية لم تكن بالبساطة التي تسمح لها أن تكون لغة عالمية، ومن ثم نرى أنه على الرغم من أن كثيرًا من الآراء المصرية وبخاصة الدينية بالإضافة إلى المؤسسات العدة التي كان لها علاقة بالأوامر الملكية التي كان لها مكانة في العالم، فإنها لم تصل إلينا في صورتها الأصلية التي دونت بها قط، ومن ثم نجد أن مصير المدنية المصرية كان متوقعًا على عدم كفاية اللغة المصرية في أن تُفْهَم دون ترجمان، وقد يرجع السبب في ذلك إلى الصورة المغلقة التي امتازت بها لغة مصر وكتابتها، ومما لا جدال فيه أنه لو كان الإصلاح الذي أُدخِل على الكتابة القبطية قد تم قبل التاريخ الذي حدث فيه بنحو ستمائة سنة لكان لصوت الفكر المصري رنين أكبر وانتشار أعظم وعمر أطول مما وصل إليه، ولكن مما يلفت النظر هنا أن مصر كانت على جانب عظيم من المدنية بالنسبة لما يحيطها من الممالك الأخرى في هذه العصور يضاف إلى ذلك أن أهلها كانوا يعرفون أكثر مما يجب عن ماضي بلادهم بالنسبة لغيرهم من الأمم ومن ثم حافظوا على قديمهم كعادتهم اعتزازًا بقوميتهم، وبذلك بَقُوا في معزل عن العالم.

وإذا كان صمت مصر منذ القِدَم سببه إلى حد كبير صعوبة لغتها فإن هذه الحقيقة نفسها هي التي حَدَتْ في أيامنا التي نعيش فيها الآن إلى دفن حضارتها حتى كادت تكون في عالم النسيان فيما يخص العهدين الإغريقي والروماني.

وعندما نقول إن موضوع تاريخ مصر في هذه الفترة لا يمثل تاريخ الشعب المصري في المدة التي رسخت فيها أقدام الإغريق والمقدونيين في وادي النيل، فإن ذلك يرجع سببه إلى أن المصادر التي في متناول المؤرخ لا تتكلم قط عن الشعب المصري العريق في القِدَم، بل يرجع إلى المؤرخين ليس بين أيديهم إلا عدد قليل من الوثائق المصرية البحتة تقدم لهم معلومات عن حياة هذا الشعب وحضارته، وتفسير ذلك أن المصادر التي في متناولنا تنحصر في الأوراق الديموطيقية وهي كثيرة العدد وإن كانت تتضاءل في عددها بالنسبة للأوراق الإغريقية التي كشف عنها في هذه الفترة، وعلى ذلك فإن المعضلة الكبرى في عدم الوصول إلى درس تاريخ مصر هو النقص الفاحش في مصر في عدد العلماء الذين في استطاعتهم الآن حل رموز اللغة الديموطيقية وهي التي كانت تعتبر لغة الشعب المصري وقتئذ، وقد كانت اللغة الديموطيقية لغة الشعب كما يدل على ذلك اسمها، كما كانت اللغة الهيروغليفية هي اللغة المقدسة التي كانت تُستَعْمَل بوجه خاص في نقوش المعابد واللوحات التذكارية والكتب المقدسة والصلوات، وبعبارة أخرى كانت اللغة المصرية القديمة تقابل عندنا اللغة العربية الفصحى، واللغة الديموطيقية تقابل اللغة العامية، ومما لا جدال فيه أن حل رموز اللغة الديموطيقية (لغة الشعب) يعد في عصرنا الحالي من أعقد الأمور وأصعبها عند علماء الآثار المصرية، ومن أجل ذلك لم يصل إلينا مترجَمًا من وثائقها حتى الآن مما كُشِفَ عنه في تربة أرض الكنانة إلا عدد محدود جدًّا، وذلك كما قلنا لصعوبة حل رموزها وقلة المشتغلين بها في مصر بوجه خاص، فقد يحدث غالبًا أثناء عمليات الحفر التي يُكْشَف فيها عن أوراق بردي إغريقية وأخرى ديموطيقية في وقت واحد فيتخطف العلماء الأوراق الإغريقية ويحلون رموزها ويعلقون على محتوياتها بأسرع ما يمكن وذلك لسهولة حلها، في حين أن الأوراق الديموطيقية التي كُشِفَ عنها في نفس الحفائر توضع جانبًا وتبقى منبوذة في زوايا النسيان، وذلك لأنه ليس هناك من يحل رموزها ويقف على أسرار محتوياتها.

وهكذا نجد أنه قد مر ما يقرب من مائة سنة على طبع أول بردية إغريقية من أوراق «سربيوم منف» في حين أنه كان علينا أن ننتظر بعد ذلك حتى عام ١٩٤١م حتى نُظْهِر ترجمة بعض الوثائق الديموطيقية من هذا الكنز العلمي العظيم؛ إذ الواقع أننا عرفنا من هذه الأوراق شيئًا كثيرًا عن الحياة المصرية البحتة لا الحياة الهيلانستيكية في السربيوم، يضاف إلى ذلك أنه توجد بالمتحف البريطاني أوراق ديموطيقية اشتُرِيَتْ في مصر عام ١٨٤٣م وظلت في مستودعاتها لم تُترجَمْ بعدُ، والحقيقة هي أننا لو استثنينا بعض المتون الديموطيقية التي قام بفحصها وحل رموزها الرعيل الأول من الأثريين الذي وهبوا حياتهم لدرس اللغة المصرية وآثارها أمثال بركش وجرفت وريخ وسبيجلبرج وهربرت تومسون فإنه كان لزامًا علينا أن ننتظر بعدهم حتى عام ١٩٣٩ ميلادية لنرى أو مؤلَّف علمي جمع تراجم عدة أوراق ديموطيقية من الطراز الأول وضعه العالم الإنجليزي جلانفيل، ومتون هذا المؤلَّف محفوظة بالمتحف البريطاني، ولحسن الحظ نجد نهضة جديدة في دراسة هذه اللغة وحل نصوصها مما يزيد الأمل في كشف النقاب عن أسرار تاريخ المصريين في عهد البطالمة بوجه خاص من بين هؤلاء العلماء المشتغلين بالديموطيقية بصورة جدِّية في عصرنا الحالي الأثري أدجرتون الذي حل كثيرًا من النصوص وكذلك الأثري زيدل الذي أخد في جمع كل النصوص القانونية في خلال العهد البطلمي وقد ظهر المجلد الأول من أعماله، ولكن مما يؤسف له جِدَّ الأسف أنه في حفائر «تونه الجبل» التي بدأت منذ عام ١٩٣٠ قد عُثِر على عدد من البرديات الديموطيقية، ونخص بالذكر من بينها بردية عن القانون المصري الأهلي غير أنها لم تُنشَر بعدُ على الرغم من أنه قد مضى أكثر من ربع قرن على الكشف عنها وليس هناك أمل كبير في الفراغ من حل رموزها لأسباب مادية، وإنا نأمل أن ننصف هذه البردية ويُفَكَّ عقالها بإغداق المال على المشتغل بحلها إذا كان المال هو السبب الحقيقي في تأخر ظهورها، ومن كل ما سبق نرى أن صعوبة حل الرموز الديموطيقية وقلة عدد المشتغلين بهذه اللغة قد أصبح من أخطر العقبات التي تحول بيننا وبين الوصول إلى معرفة تاريخ الشعب المصري في عهد البطالمة بوجه خاص، ومن ثم نرى مما سبق أن تاريخ الشعب المصري قد ظل مجهولًا للعالم بصورة بينة إذا ما قرن بما نعرفه عن تاريخ مصر الهيلانستيكية.

ولا غرابة في ذلك؛ فقد أصبح في أيدي الباحثين في تاريخ مصر الهيلانستيكية أكثر من ثلاثين ألف بردية إغريقية خاصة بتاريخ الإغريق في الديار المصرية في تلك الفترة في حين أن ما لدينا من الأوراق الديموطيقية المكشوفة حتى الآن لا يتعدى ألفين وخمسمائة بردية، وهذا العدد وإن كان في ظاهره قليلًا بالنسبة لعدد الأوراق الإغريقية إلا أنه في الواقع يعتبر متناسبًا مع ما كان للحكام الإغريق من قوة وسلطان في البلاد، وما كان عليه أهل البلاد من ضعف واستكانة وانزواء وعدم مشاركتهم الإغريق في حكم البلاد بصورة قوية، ولكن لحسن الحظ لم تكن الأوراق الديموطيقية هي المصدر الوحيد الذي تُستَقَى منه المعلومات عن مصر التقليدية في العهدين البطلمي والروماني؛ إذ لدينا على الأقل ثلاثة مصادر أخرى استمر فيها تمثيل المؤسسات المصرية القديمة والمثل العليا التي كانت سائدة في العهد الفرعوني، وهذه المصادر تنحصر في ثلاثة عناصر بارزة في حياة البلاد المصرية وهي؛ أولًا: الحياة المصرية التي حُفِظَت في المعابد المصرية وما حولها، وثانيًا: علاقة نظام الحكم الملكي البطلمي بالحكم الفرعوني القديم، وثالثًا: تربة مصر بوصفها مأوى الفلاحين زراع الأرض منذ أقدم العهود، أما عن العنصر الأول وهو مصر ذات المعابد فليس من المستطاع معرفة شيء يُذكَر عنها إلا ما ورد في المتون الديموطيقية وما نُقِشَ على جدران المعابد من متون دينية ترجع بأصولها إلى أقدم العهود، أما المصدران الآخران وهما نظم الحكم وحياة الفلاح المصري وأعماله فقد جاء عنهما الكثير في الأوراق الإغريقية وذلك لاتصالهما بمصلحة البطالمة مباشرة من حيث نظام الحكم وثروة البلاد الزراعية التي كانت ترتكز عليها قوة البطالمة طوال مدة حكمهم.

وتدل شواهد الأحوال على أن مصر صاحبة المعابد هي التي جاء إلينا منها الأوراق البردية الديموطيقية التي نستنبط منها شيئًا عن أحوال البلاد الاجتماعية والدينية في عهد البطالمة، هذا فضلًا عن النقوش الدينية التي وُجِدَت على جدران هذه المعابد وهي التي تضع أمامنا صورة واضحة عن الحياة الدينية في داخل المعابد، وهذه الصورة متوارثة عن أقدم العهود وتمتاز بأنها كاملة، وقد وصلت إلينا سليمة، ولذلك تعتبر منقطعة النظير في كل التاريخ المصري، والواقع أن الكهنة قد عمدوا أن تكون كاملة وغير مفهومة في نقوشها إلا لأنفسهم ليحفظوا بذلك مكانتهم الدينية في أعين الشعب والحكام في وقت واحد.

أما الأوراق البردية الديموطيقية التي كُشِفَ عنها حتى الآن حول هذه المعابد فيتألف معظمها من سجلات أسر مصرية متصلة بخدمة المعابد وإقامة الشعائر الدينية فيها، ولحسن الحظ وُجِدَ أن هذه السجلات ترجع أحيانًا إلى أجيال في تاريخ الأسرة، وأبرز مثال لدينا في هذا الصدد مجموعة الأوراق الديموطيقية المحفوظ منها جزء الآن بالمتحف البريطاني والجزء الآخر بمتحف فيلادلفيا بالولايات المتحدة، وقد نشر منها الأستاذ جلانفيل الأثري المعروف الجزء الموجود بالمتحف البريطاني، أما الجزء المحفوظ بمتحف فيلادلفيا فقد تناول بالبحث جزءًا منه الأستاذ «ريخ» وفحص الجزء الباقي الأستاذ مصطفى الأمير بجامعة الإسكندرية، وهو الآن تحت الطبع وهو عمل مشرف لمصر، ويتساءل الإنسان هل وصلت إلينا هذه المتون الديموطيقية الكهنية عن طريق الصدفة أثناء أعمال الحفر العلمي التي كانت تجري بوجه خاص في حرم المعابد وفي الجبانات الأثرية؟ نعم، كان معظم هذه الأوراق يُعثَر عليها في حرم المعابد وفي الجبانات غير أننا وجدنا في أماكن أخرى غير تلك كتابات ديموطيقية ممثَّلة في إضمامات تحتوي على إيصالات كانت تدوَّن باللغتين الإغريقية والديموطيقية خاصة بالعمال والحرفيين والمزارعين كالتي وُجِدَت بين أوراق زينون الذي كان يدير ضيعة الوزير أبوللونيوس في فيلادلفيا من أعمال الفيوم، وهذا الوزير عاصر كلًّا من بطليموس الثاني والثالث كما سنرى بعدُ.

ولا غرابة في أن نجد هذه الإضمامات مدونة باللغتين الإغريقية والديموطيقية، وذلك لأن المصريين كانوا يتكلمون الديموطيقية؛ أي اللغة العامية في غير الأوساط الكهنية، ولكن مع ذلك كانت الأغلبية العظمي بينهم لا يعرفون الكتابة الإغريقية كما يجهلون كتابة لغتهم الأصلية التي كانت على جانب عظيم من الصعوبة والتعقيد، وبخاصة عندما نعلم أن تكاليف الحياة القاسية في ظل الحكم البطلمي لم تكن تسمح للطبقة الدنيا من المصريين أن يتعلموا القراءة والكتابة، والواقع أننا وجدنا في حالة واحدة فردًا مصريًّا لا يعرف الإغريقية قد وقَّع باسمه في أسفل ترجمة بالديموطيقية على عقد بيع أجراه مع آخر بالإغريقية.

وتدل الظواهر مما سبق على أن المعابد المصرية كانت تعتبر الأماكن الوحيدة لحفظ تراث المدنية المصرية كما كانت في الوقت نفسه الأماكن المختارة الممتازة التي استمر فيها تعليم الكتابة الوطنية والعلوم المصرية المتوارثة منذ أقدم العهود، ومن ثم يمكن القول مع التجاوز عن بعض الاستثناءات أن الأوراق البردية الديموطيقية هي المنبع الأصلي الممتاز لمعرفة التاريخ المصري القومي في عهد البطالمة، وهذه الأوراق كما ذكرنا وُجِدَت حول المعابد وفي الجبانات المجاورة لها والواقع أن المعابد وحرمها كانت تؤلف دنيا مصرية مصغرة تمثل مصر الكبرى في أوْجِ عظمتها وسلطانها في العهود الفرعونية، وتدل شواهد الأحوال على أنه عندما سيطر الغزاة الفاتحون على مصر العظمى بقيت الحياة في المعابد بعيدة عن أيدي الفاتحين وحافظت على كل مظاهرها وممتلكاتها وبقيت سليمة لم تدنسها أيدٍ أجنبية كما أنه لم يتعدَّ على حقوقها وتقاليدها أي فاتح أجنبي بوجه عام، حتى جاءت المسيحية ومحت الديانة المصرية أو الوثنية كما زعم المسيحيون.

وتدل البحوث على أن الأوراق البردية الديموطيقية التي حُلَّت رموزها حتى الآن، على أنها قد وصلت إلينا من سجلات أسرية مما يدل على أن هذه الأسرات قد ظلت أمينة على المحافظة على نمط معيشتها وتقاليدها المصرية العتيقة من جيل إلى جيل كما كانت تحافظ على حقوق ملكياتها، ومن ثم كانت تعتني بالمحافظة والحرص على الوثائق التي لها علاقة بهذه الحقوق والملكيات، ومن الجائز كذلك أن هذه الوثائق أو بعبارة أخرى السجلات الأسرية كانت من مخلفات الأزمان الغابرة عندما كانت لم تُنظَّم بعدُ كما نُظِّمَت في عهد البطالمة بطرق شتى، ومن ثم نجد أن معظم العقود الإغريقية التي وصلت إلينا من عهد البطالمة كان عبارة عن مسودات لعقود أصلية أو نسخ من سجلات محفوظة في إدارة التسجيل هذا، وكانت الملفات الأسرية النادرة التي كُتِبَت بالإغريقية قد عُثِر عليها في بيوت مصرية غير أنها كانت تُكتَب باللغتين الديموطيقية والإغريقية.

ولا نزاع في أن هذه السجلات الأسرية تعد شاهدًا عادلًا على استمرار لتقليد قديم لم يضايق مجيء الإغريق في شيء، هذا وكان الإغريق يعرفون تمام المعرفة ما كان للكهنة من نفوذ على الشعب المصري، ولذلك نجد أنهم لم يمسوا ممتلكاتهم وحياتهم الخاصة إلا بقدر معلوم، ومن ثم كانت كل حرياتهم وتصرفاتهم في أملاكهم محفوظة لهم، وقد دل الفحص على أنَّ صِيَغًا بأجور رجال الدين، وهي التي كان يتكون منها نوع من الدخل الوراثي، لا نعرف عنها شيئًا إلا من الوثائق الديموطيقية بالإضافة إلى بعض وثائق إغريقية خاصة بذلك، ولكن تدل شواهد الأحوال مع ذلك على أنها مترجمة من الديموطيقية؛ أي ترجع إلى أصل مصري، هذا ويمكن أن نضرب مثالًا آخر بالوثائق الخاصة بالعبادات والولائم الدينية والشعائر التي كانت تؤدَّى على شرف الآلهة؛ فقد وُجِدَت كلها مدونة بالديموطيقية إلا وثيقة واحدة بالإغريقية، ومن ثم نفهم أن الوثائق الديموطيقية هي التي حفظت لنا هذه العبادات وهذه الشعائر، وأخيرًا نجد أن نظام القضاء الأهلي قد بقي حيًّا تمامًا في عهد التسلط البطلمي، وقد كان من الجائز ألا نعرف عنه شيئًا قط لولا عثور الباحثين على وثيقتين ديموطيقيتين، فقد عرفنا منهما بعض إجراءات كانت تُتَّبَع في هذه المحاكم، يضاف إلى ذلك أنه قبل حلول العهد الروماني كانت الإدارة المالية تحتم فرض برنامج سنوي على إدارة المعابد، ونحن لا نعرف ذلك إلا من بعض الأوراق الديموطيقية.

ولا نزاع في أن هذه المؤسسات القضائية كانت مرتبطة بحياة المعابد التي كانت تؤلف في ذاتها عالمًا منفردًا، قائمًا بذاته، والواقع أن مصر التي تتمثل في المعابد هي الوحيدة التي حدثنا عنها «هردوت»، ومن ثم عرف عنها الإغريق الذين وفدوا على مصر مثل الإسكندر بعض المعلومات فقد مثل هذا المؤرخ للإغريق حضارة الشعب المصري بكل ما فيها من سمو وعظمة، ومع ذلك نجد أن الإغريق الذين وفدوا على أرض الكنانة مع البطالمة لم يكتبوا لنا عنها إلا أشياء قليلة جِدًّا، ومن ذلك نفهم أن المصادر التي يجب أن يُعتمَد عليها بعد «هردوت» هي المصادر الديموطيقية لا الوثائق الإغريقية التي من أوساط غير الأوساط المصرية البحتة، ولا نزاع في أن قلة الأوراق البردية الإغريقية الخاصة بالأوساط الكهنية قد ظهرت في الحقيقة التالية؛ وذلك أن الحقائق التي قدمها لنا المشتغلون بعلوم النجوم في عهد الإمبراطورية المتأخر ترجع في أصولها إلى ما دُوِّنَ في المعابد المصرية، هذا ولا تجد في معظم الأحيان وثائق إغريقية مماثلة تعززها، وعلى أية حال فإن المعابد المصرية تتمثل أمامنا في الواقع في صورة مستودع مدنية سليم لم يكد الإغريق يمسونه، وذلك أنه حتى عندما يُعَبَّر عن هذه المدنية بالإغريقية في وثائق مترجمة عن المصرية أو منقولة عن نموذج مصري فإنها مع ذلك تبقى مصرية لحمًا ودمًا، غير أن محافظة هذه المدنية على عبقريتها وتقاليدها كانت سببًا في القضاء عليها شيئًا فشيئًا، والواقع أن ما بقي من هذه المدنية هو الذي قد أخذ يتغير بالاستعمال ويتمثل فيما نقله الإغريق عن المصريين، ونخص بالذكر هنا الرموز الفلسفية ذات الصبغة العالمية من جهة، وكل ما كان يدخل تحت الحكم الملكي ونظمه من جهة أخرى.

والمفهوم أن ما حملته المدنية المصرية للمدنية الهيلانستيكية في وادي النيل عظيم جدًّا، ولكن المؤرخ يعتمد في هذا الباب على المصادر الإغريقية لإضاءة السبيل أمامه، والمحصول العلمي الذي أخذ عن مصر ظاهر جدًّا وأساسي جدًّا، ويكفي أن نشير هنا إلى بعض سماته المميزة، وأول ما يبتدر إلى الذهن هو الفلسفات المؤسَّسة على فكرة نظام العالم التي نسقها المفكرون في الإسكندرية مقتفين في ذلك خطوات فلسفة أفلاطون، وهي الفلسفة التي كانت تعتمد في أصولها على أسس دينية مصرية الأصل يضاف إلى ذلك أن الصلوات التي كان يتقرب بها القوم إلى الآلهة إزيس والإله سيرابيس والأحفال السرية الخاصة بهذين الإلهين وهي التي كانت تسحر خيال الأتقياء وتنشر حتى أقاصي الإمبراطورية المصرية المثل الأعلى للرحمة والنظام والعدل، وكانت منذ أجيال طويلة قد نشأت في مصر ثم أخذوها وصبغوها بالصبغة الهيلانستيكية، هذا ولا يغيب عن ذهننا في هذا الصدد أن اهتمام مؤرخ مثل «بلوتارخ» بالعبادة المصرية القديمة وما بذله من مجهودات في تأويل تعاليمها لَبُرهانٌ على سلطان هذه الديانة بين العلماء الإغريق، ولا أدل على ذلك من القربات التي كان يقربها للآلهة المصريين الوافدون الأُول من الإغريق الذين استوطنوا وادي النيل، فهي تكشف لنا عن نفوذ هذه الديانة وعلو شأنها بين الخاشعين الأتقياء.

هذا ونجد أن كل ما في المدنية الهيلانستيكية المصرية من نظم ملكية يرجع في أصوله إلى مصر القديمة إلا شواذَّ قليلة وذلك لأن سمات الحكم المقدوني الملكي لم يظهر منها إلا النزر اليسير في النظام الملكي البطلمي، غير أن كل النظم المصرية قد عبر عنها جميعًا بالإغريقية ولم يدوَّنْ منها شيء بالديموطيقية، ويكفي للبرهنة على أنها مصرية ما نجده من أوجه شبه كبيرة بين التعاليم التي كان يصدرها الملك البطلمي لوزيره عند توليه إدارة البلاد وما كان يصدره الفرعون لوزيره من تعاليم عند اعتلاء عرش الملك في عهد الدولة الحديثة بل وما قبلها، فالأشياء في كليهما واحدة كما أن الاعتبارات الخلقية والقضائية لهذه الإدارة متشابهة أيضًا، يضاف إلى ذلك أن عمليات مسح الأراضي وتقويم ثمنها وهي المعروفة تمامًا في الأوراق البردية وبخاصة الأوراق التي عُثِر عليها في تبتنيس، نجد فيها بصورة واضحة نفس طرق تحديد الأراضي ومساحتها التي اتَّبعت في الإدارة الملكية الفرعونية كما يدل على ذلك الكشوف الحديثة، وفي الزراعة نشاهد كذلك أن الطرق الأصلية قد بقيت مصرية، وذلك على الرغم من أن الاعتبارات الخلقية والقضائية لهذه الإدارة كانت متشابهة أيضًا، يضاف من الفلاح المصري مجهود أكثر يتفق مع مشروعاتهم الجبارة لتنمية ثروة البلاد على حسب نظام موضوع، هذا ونجد أن نظام زرع الضياع الشاسعة التي كان يهبها الملك لصاحب الحظوة لديه كانت تسير على نمط الضِّياع التي كان يهبها فراعنة مصر للمقربين منه، وعلى الرغم من أن هذه الضياع البطلمية كانت تدار بطرق علمية وذوق سليم اختص به الإغريق فإن ضيعة أبو للونيوس التي وهبها إياه «بطليموس الثاني» في الفيوم كانت ضيعة مصرية؛ إذ كانت في الواقع مثل الضياع التي تقرأ عنها في المتون الفرعونية من صنع الملك وكانت تشمل عدة قرى ومساحتها مثل مساحة الضياع الفرعونية في العهد الذي كان يهب فيه الفراعنة للمقربين منهم عن سخاء، وَضَيْعَةُ «أبوللونيوس» كانت مثل الضياع المصرية القديمة مستقلة في إدارتها، وإذا كان الإغريق الذي يديرون هذه الضيعة ينظرون إليها بأنها مصدر كسب كبير، فإن المصريين الذين كانوا يزرعونها كانوا يفهمون جيدًا أنهم يسبغون عليها صبغة مصرية تقليدية ويصرحون بذلك، وذلك أنه في هذه الضيعة التي ليس لدينا عنها مصادر إلا ما جاء من سجلات زينون الإغريقية، ومن أجل ذلك تميل الآراء إلى اعتبارها موطنًا للهيلانستيكية، نجد أن اللغة التي كان يتحدث بها الناس في ربوعها بصفة أعم هي المصرية لا الإغريقية، وذلك لأن آلاف المصريين كانوا يشتغلون فيها بفلاحة الأرض، ولا نزاع في ذلك فإن الأسماء المصرية البحتة في أوراق «زينون» كانت تفوق في العدد الأسماء الإغريقية هذا فضلًا عن أن فلاحة الأرض كانت وقفًا على المصريين، وأخيرًا يجب أن نذكر هنا أن مصر صاحبة المعابد ومصر الملكية ليستا بالعنصرين الوحيدين اللذين يجب أن نبحث فيهما عن التأثير على المدنية الهيلانستيكية؛ إذ الواقع أن هناك عنصرًا آخر هامًّا، ولكن ما قدمه هذا العنصر للمدنية الهيلانستيكية كان أقل ظهورًا من العنصرين السابقين، ولكنه في الواقع عنصر يؤلف الأساس الثابت لكل الحضارة في وادي النيل، وأعني بهذا العنصر طبقة الفلاحين الكادحين الذين يطلق عليهم الإغريق اسم «لاوي» أي الطبقة الدنيا أو الطبقة الكادحة.

وهذه الطبقة المغلوبة على أمرها من المصريين كان لا يعرف أفرادها الكتابة، حقًّا كانوا يتكلمون المصرية ولكنهم كانوا لا يعرفون الديموطيقية ولا الإغريقية كما تشهد بذلك المواقف العدة التي تدل على أنهم على جهل تام حتى بتوقيع أسمائهم على العقود، وعندما كان هؤلاء الفلاحون يُضطرون إلى من يكتب بدلًا عنهم، فإن ذلك كان في معظم الأحيان بالإغريقية، وقد كانوا مجبرين على ذلك على حسب قواعد إدارية موضوعة أو عندما كان الفرد منهم له مصلحة مُلِحَّة تضطره للاتصال بأصحاب السلطة في البلاد، وهكذا يظهر أمامنا رجل الحقل فقط عندما كان يناضل عن حقه كتابة، وعندئذ كان يلجأ لكاتب إغريقي عليم بالأحوال الإدارية وكتابة العرائض والشكاوى لذوي الشأن ليشرح لهم فيها ظُلامات أصحاب الحاجات وليعرض عليهم سوء الإدارة الإغريقية في معاملة الفلاحين.

والآن يتساءل الإنسان: هل كان هذا التذمر الذي يرجع أصله إلى سخط الفلاحين وسوء معاملتهم، والذي كان في الواقع يتألف منه نسيج التاريخ المصري في عهد البطالمة ثم الرومان من بعدهم يعتبر مصدرًا من مصادر تاريخ المدنية المصرية؟ والجواب على ذلك سهل ميسور، حقًّا كان هذا مصدرًا وموردًا نستقي منه بعض المعلومات ولكنه ليس موردًا إيجابيًّا، ومع ذلك فإن القوم الذين نسعى لسماع أصواتهم ونتعرف على أحوالهم قد عرفنا عنهم مما خلفوه لنا من الوثائق التي بثوا فيها شكاياهم وظُلاماتهم أنهم كانوا لا يزالون محافظين على طرق حياتهم التقليدية وما فُطِروا عليه من طباع وأخلاق، وبخاصة عندما نجد في هذه الوثائق من جديد تلك السمات التي عرفناها في الفلاح المصري منذ أقدم العهود التاريخية، وهكذا نرى أنه منذ أقدم عهود مصر الفرعونية حتى العهد القبطي أنه على الرغم من صبغة البلاد بالصبغة الأجنبية على حسب مقتضات الأحوال وعلى حسب الميل إليها عند غير المصريين، يوجد في البلاد حلقات اتصال مستمرة منذ الماضي السحيق تربط أبناء الشعب بعضهم ببعض من حيث العادات والأخلاق والمحافظة على القديم ومن ثم يجب على المؤرخ الذي يريد أن يكتب تاريخ الشعب المصري الحقيقي أن يبحث عنها قبل كل شيء ويضع يده عليها في وسط تلك الكتلة المظلمة المتراكمة من هذه الوثائق التي في متناولنا كما يتحمس الطبيب في وسط أنسجة الجسم المتماسكة مكان الوريد المختفي عن النظر.

هذا ما كان من شأن تاريخ مصر في عهد البطالمة والصعوبات التي يصادفها المؤرخ الذي يريد أن يكتب عنه من الوجهة المصرية، أما تاريخ البلاد المصرية من الوجهة الإغريقية فالبحث فيه ينقلنا إلى ميدان آخر غربي لا شرقي وإن كان هذا الميدان الغربي قد استقى معلوماته الأولى من الشرق وبخاصة من مصر، والمصادر لدينا عنه كثيرة غزيرة كشف عنها في تربة مصر، ولكن منبعها يرجع إلى أصل إغريقي، وبخاصة في العلوم والمعارف والآداب والفلسفة وما إلى ذلك، فكيف حدث ذلك؟

الواقع أن تاريخ العلوم الإغريقية على الرغم من أنه يُكَوِّن نهضة مستمرة فإنه يمكن تقسيمه بسهولة أربع مراحل كل منها منفصلة عن الأخرى؛ المرحلة الأولى: هي الأيونية، والثانية: هي المرحلة الأثينية، والمرحلة الثالثة: هي المرحلة الإسكندرية والهيلانستيكية، وأخيرًا المرحلة الرومانية.

تشغل المرحلة الأيونية القرن السادس قبل الميلاد وما قبله بقليل، وفي هذه المرحلة وُلِد العلم الإغريقي في الأماكن التي كانت تتأثر بالمدنيات القديمة بدرجة عظيمة جدًّا، وبخاصة عن طريق طلاب العلم من الإغريق الذين زاروا مصر في تلك الفترة أمثال «تاليس» وفيثاغور وغيرهما وتعلموا هناك في المدارس المصرية ونقلوا علوم مصر إلى بلادهم وبخاصة العلوم الكونية مما سنفصل فيه القول بعض الشيء في هذا المؤلَّف.

والمرحلة الثانية تشغل ما بين عامي ٤٨٠ إلى ٣٣٠ق.م، وفي خلال هذه المدة وصلت الثقافة الإغريقية قمتها في السمو من حيث الديمقراطية الأثينية غير أن هذا السمو كان بداية السقوط؛ إذ أخذ الإغريق بعد ذلك يهدمون ما بنوه بالحروب الداخلية فيما بينهم، وفي هذا العهد أخذ اهتمام الفلاسفة ينتقل من تفسير العالم المادي إلى تفسير طبيعة الإنسان وواجباته الاجتماعية وهذا العهد هو المعروف بعهد سقراط وأفلاطون وأرسطو، ويعد في نظر الباحثين أعلى نقطة وصلت إليها الحكمة الإغريقية، أما المرحلة الثالثة وهي التي تدخل في صميم موضوعنا من حيث الثقافة الإغريقية فقد أطلق عليها العلماء المرحلة الهيلانستيكية وقد بدأت على إثر انحطاط المدن الإغريقية وحكوماتها، وفقدها استقلالها على يد الإمبراطوريات القارية الجديدة التي تألفت من إمبراطورية الإسكندر الأكبر بعد مماته، ومما لا نزاع فيه أن إمبراطورية الإسكندر الأكبر قد ربطت العالم الإغريقي مرة أخرى برباط مباشر مع مصادر الثقافات الشرقية القديمة حتى بلاد الهند، ومنذ ذلك العهد أصبحت الإسكندرية موطنًا جديدًا للعلوم؛ حيث نجد للمرة الأولى في تاريخ العالم أنه قد أُسِّست دار للعلم على أساس مكين، وأعني بذلك تأسيس الميوزيون أو بعبارة أخرى أكاديمية العلوم التي أسسها بطليموس الأول، وقد كان من نتائج ذلك النمو العظيم في علوم الرياضة والميكانيكا والفلك والطب، وهي العلوم التي يقرن بها أسماء عظماء الرجال أمثال إقليدس وأرشميدس و«هباركوس»، هذا ولا بد أن نلحظ أنه في تاريخ العلوم بوصفه مميَّزًا عن تاريخ الفلسفة كانت هذه المرحلة الثالثة هي أهم من المراحل السابقة، وذلك لأنه في خلالها كان قد أقيم في مصر للمرة الأولى هيكل العلم الصحيح بوصفه وحدة متماسكة ترتكز على حقائق ثابتة، وعلى الرغم من ضياع أشياء كثيرة منه في القرون المظلمة التي تلت فإنه قد بقي لنا من هذا العلم ما كان كافيًا للنهوض بالعلوم كَرَّةً أخرى بعد تلك المرحلة بألف سنة، وهكذا يرى القارئ أن الدور الذي لعبته مصر في تاريخ علوم العالم كان هو الأساس الذي بنى عليه الإغريق علومهم التي مرجعها المنطق والعقل، وعلى أساس ما بقي من هذه العلوم والمعارف بنى العالم الحديث علومه ومدنيته، هذا ولم يكن نشاط البطالمة قاصرًا على تنمية العلوم والمعارف في مصر، أو بعبارة أخرى في مصر الهيلانستيكية بل تخطاه إلى الاقتصاد والتجارة والزراعة، ولكن كل ذلك كان على حساب الفلاحين والصناع المصريين، والواقع أنهم ابتكروا طرق اقتصاد وتجارة جعلتهم في الصف الأول بين رجال الاقتصاد في العالم فهم الذين أصلحوا الأراضي البور وجلبوا الأنواع العدة من النباتات المثمرة إلى الأراضي المصرية، أما في ميدان الاقتصاد فقد ضرب فيه بطليموس الثاني بسهم صائب حتى أصبح مضرب الأمثال، وبخاصة في الاحتكارات وتأسيس المصارف وضرب العملة والتجارة الخارجية والداخلية مما جعل بلاده أغنى بلاد العالم في زمنه، أما في ميدان السياسة فسنرى أن كلًّا من بطليموس الأول والثاني قد حاول تأسيس إمبراطورية مترامية الأطراف يبسط سلطانه على البلاد المجاورة لمصر التي كان لا بد من الاستيلاء عليها لحفظ حدود بلاده وعدم الإغارة عليها وذلك وَفقًا للسياسة التي كان يسير عليها فراعنة مصر من قبل، وقد كان هذا يستلزم بناء أسطول ضخم وتكوين جيش عظيم مقاومة مناهضيه من الممالك العظيمة التي نشأت على سواحل البحر الأبيض المتوسط في زمنه، وقد كانت كل هذه الأعمال توجب قيام الطمأنينة والسكينة في داخل البلاد وقد عمل كل من هذين العاهلين للوصول إلى هذا الهدف، وسنرى أن بطليموس الأول حاول إرضاء الشعب المصري الأصيل وبخاصة رجال الدين فوحد بين المعبود المصري «أوزير أبيس» والمعبود الإغريقي «سيرابيس» (بلوتو الإغريقي) كما اتبع ابنه بطليموس الثاني سُنَّة الفراعنة عند تولي عرش المُلك بأن جعل نفسه ابن آمون وتزوج من أخته على سنة الفراعنة ليحفظ الدم الملكي، ولكن مع كل ذلك نجد أن الناحية الاقتصادية قد طغت على ملوك البطالمة، فقد كان جُلُّ هَمِّ المَلِك أن يجمع المال لتنفيذ مشروعاته الاستعمارية والصرف منها على شهواته التي كانت تنطوي على مظاهر الأبهة والعظمة أمام ملوك العالم الهيلانستيكي، وقد كان ذلك يستلزم إرهاق الشعب المصري نفسه بفرض الضرائب العدة بما لم يُسمَع عنه في تاريخ العالم.

هذا مع العلم أن المستعمرين من الإغريق سواء أكانوا مدنيين أو جنودًا مرتزقة قد تمتعوا برغد العيش والطمأنينة وحتى الجاليات غير الإغريق كانوا في بحبوحة من العيش لاختلاطهم بالإغريق والتحدث بلغتهم ومسايرتهم في طريق حياتهم، وبخاصة اليهود الذين كانوا يلبسون لكل حالة لبوسها، أما المصريين كما سنرى في هذا المؤلَّف فكانوا بعيدين عن كل مظاهر الغنى والنعيم لأنهم كانوا يُعَدُّون في نظر الإغريق الفئة التي عليها أن تقوم بفلاحة الأرض وزرعها وبالصناعات الحقيرة التي لا تكاد تجلب لهم ما يسد رمقهم، ومن أجل ذلك قد خصصت هنا ثلاثة فصول عن حالة الطبقة الدنيا من المصريين في عهد البطالمة، وعلاقاتهم برجال الإدارة الإغريق الذين كانوا يقبضون على زمام الحكم في البلاد، وقد جادت الكشوف الحديثة بعدد عظيم من الأوراق البردية تُعرَف «بسجلات زينون» يَرْبَى عددها على ألفي بردية عُثِر عليها في خرابة جرزة من أعمال الفيوم وهي تلقي ضوءًا ساطعًا على حالة الفلَّاح في خلال القرن الثالث قبل الميلاد، ولولا العثور على هذه السجلات لبقينا في ظلام دامس بالنسبة لما كانت تنطوي عليه حال الفلاح والصانع المصري في هذه الفترة من تاريخ البلاد، أما الفصل الثاني فقد خصصته لمعاملة الإغريقي لزميله الإغريقي وما كان يظهره نحوه من سماحة ومجاملة ومن ثم يمكن القارئ الموازنة بين معاملة الإغريقي الحاكم للمصري الفلاح وبين معاملته لمواطنه الإغريقي.

والفصل الثالث خصصته للجالية اليهودية في مصر في تلك الفترة من حكم البطالمة وما بعدها حتى نهاية عهدهم، وسيرى القارئ كيف أمكنهم أن يتدخلوا في شئون البلاد الحيوية بطرقهم الخاصة التي امتازوا بها.

وسيكون هذا الفصل هو آخر المطاف في هذا المؤلَّف وستكون بداية الجزء الذي يليه إن شاء الله التحدث عن الآثار التي خلفها بطليموس الثاني في طول البلاد وعرضها من معابد وتماثيل ولوحات وأوراق بردية دُوِّنَت في عهده ثم نتناولها بالبحث والتحليل من الوجهة المصرية البحتة، والله الموفق لما فيه خير مصر وعزتها.

ولا يفوتني هنا أن أقدم عظيم شكري للأستاذ محمد النجار مدير مكتب السيد وكيل وزارة التربية والتعليم على ما بذله من قراءة جزء عظيم من فصول هذا المؤلَّف كما أقدم وافر شكري لتلميذي النشط كمال فهمي المفتش بمصلحة الآثار على ما بذله من مجهود جبار في نسخ أصول هذا الكتاب وقراءة تجاربه ومباشرة طبعه بكل همة لا تعرف الكلل، وكذلك أشكره على عمل المصورات الجغرافية التي يحتويها هذا المؤلف، ولا يفوتني أن أشكر الأستاذ محمد نصر المدرس بالمدارس الثانوية بالخرطوم على قراءته بعض فصول هذا الكتاب ومراجعة بعض التجارب، وأخيرًا أرى لزامًا عليَّ أن أذكر أن ابني الدكتور محمد صلاح الدين المدرس بكلية طب عين شمس قد راجع معي التجارب الأخيرة بكل دقة وعناية وبعين فاحصة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤