تاريخ اشتراك بطليموس الثاني مع والده بطليموس الأول

وفي تاريخ ٢٥ أو ٢٦ من شهر «دبستروس» (المقدوني) أي حوالي مارس–أبريل من عام ٢٨٥ق.م أشرك «بطليموس سوتر» ابنه معه في عرش ملك مصر وبعد ذلك بنحو عامين مات «بطليموس سوتر» تاركًا لابنه العرش منفردًا.

هذا ولا نعلم على وجه التأكيد إلى أي حد جرد «بطليموس الأول» نفسه من سلطان الملك في عام ٢٨٥ق.م، فإنه إذا كانت كلمات المؤرخ «بروفيري»١ توحي بأن «بطليموس الأول» قد نزل عن ملك مصر نزولًا كليًّا؛ فإن كل الوثائق الإغريقية والديموطيقية توضح أن «بطليموس سوتر» حتى نهاية حياته كان الملك الوحيد على عرش مصر، وبعد وفاته عزم ابنه «بطليموس الثاني» على أن يؤرخ زمن حكمه منذ السنة التي اشترك فيها مع والده في الملك، ومن ثم نرى أن سني حكم الأخير قد أُرخت نهائيًّا على هذا الزعم، غير أن هذا النظام قد صادف في أول الأمر معارضة شديدة، وبخاصة في القرى وبين كُتاب الديموطيقية، ولدينا مثالان مؤكدان يثبتان ذلك أحدهما إغريقي والآخر ديموطيقي عن توليه الحقيقي لعرش الملك عند موت والده،٢ (حيث نجد مناقشة تأريخ السنة الثالثة عشرة ٢٥ أمشير على إحدى اللوحات الهيروغليفية)، ويميل المؤرخ «سكيت» Skeat إلى الرأي القائل أن عددًا عظيمًا من الأوراق الديموطيقية من العهد المبكر من حكم «بطليموس الثاني» قد أُرخ من زمن موت «بطليموس الأول» وبخاصة ورقة «فيلادلفيا» التي تحدث عنها الأثري «ريخ»،٣ وهذه الورقة مؤرخة بالسنة الثالثة شهر طوبة من عهد «فيلادلفس» «بطليموس الثاني»، وإذا حُسب أول اشتراكه مع والده «بطليموس الأول» فلا بد أن تكون قد كُتبت في مارس ٢٨٢ق.م، وذلك حينما كان من الجائز أن «بطليموس الأول» لا يزال على قيد الحياة، وعلى حسب النظام الآخر فإن التاريخ يرجع إلى مارس سنة ٢٨٠ق.م، ولكن في معظم الحالات يكون من المستحيل أن يقرر الإنسان أي النظامين قد استُعمل، ومن المحتمل أنه فيما يخص معظم الوثائق الإغريقية، وعلى وجه التأكيد كل الوثائق الرسمية كان تأريخها من أول اشتراك الملكين في الحكم هو النظام المتبع منذ البداية.

وهكذا نرى أنه على الرغم مما أوردناه من مناقشات في تاريخ تولي «بطليموس الأول» الحكم وتاريخ وفاته فإن المسألة لا تزال تحتاج إلى وثائق جديدة تُميط اللِّثام بصورة واضحة عن حقيقة الأمر.

ونعود بعد ذلك إلى عهد تولي «بطليموس الأول» عرش ملك أرض الكنانة بوصفه فرعونًا مستقلًّا في ملكه على غرار فراعنة مصر في عهودها القديمة.

والواقع أنه منذ عام ٣٠٤ق.م كان «بطليموس الأول» فرعونًا لمصر ويمثل السلطة الإلهية التي كان يتحلى بها الفراعنة القدامى، ولكن على الرغم من أن «بطليموس» لم يُتوج فعلًا فرعونًا لمصر في عام ٣٠٥ق.م فإنه كان كما ذكرنا قد أفهم الشعب أنه ملك مصر منذ موت «الإسكندر الأكبر» عام ٣٢٣ق.م.

والآن يتساءل المرء: كيف أصبح «بطليموس» فرعونًا شرعيًّا على مصر مع أنه كان لا يجري في عروقه الدم الإلهي بوصفه ابن «رع» أو ابن «آمون»؟ وكل ما نعرفه عنه في بداية حياته أنه وُلد حوالي عام ٣٦٧ق.م في مقدونيا وكان أبوه يُدعى «لاجوس» وأمه تدعى «أرسنوي» وقد نفاه الملك «فليب الثاني» ملك مقدونيا والد «الإسكندر الأكبر» عام ٣٣٧ق.م بسبب ما كان بينه وبين الإسكندر من وُدٍّ وصداقة، ولكن بعد موت «فليب» أسرع «الإسكندر» إلى إعادته إلى البلاط، ولا نعلم إذا كان قد رافق «الإسكندر» في حملته على مصر أو لا، كما لا نعرف إذا كان قد عرف أرض الكنانة قبل أن يعينه المجلس الحربي الذي عقده قواد «الإسكندر» بعد موت الأخير شطربة على مصر، وعلى أية حال فقد رأيناه في خلال حروب «الإسكندر» قد أظهر شجاعة عظيمة ومهارة فائقة كما أبدى مقدرة ممتازة في حكم البلاد المصرية من عام ٣٠٥ حتى عام ٣٢٣ق.م بوصفه شطربة.

والواقع أن ما لدينا من مصادر أصيلة قد أغفلت ذكر تتويج «بطليموس الأول» على الطريقة المصرية، غير أن شواهد الأحوال تدل دلالة واضحة لا لبس فيها ولا إبهام على أنه كان قد تُوج فرعونًا، ولا بد أن نعلم أن بطليموس الأول نفسه كان على علم تام أنْ لا سبيل لحكم البلاد المصرية دون أن يسير على نهج ملوكها القدامى وبخاصة عندما نتأكد أن مصر كانت تلفظ أي فاتح أجنبي لا يدين بدينها ويتعبد لآلهتها، وعلى فإن «بطليموس» لا بد كان قد تُوج في «منف» بمعبد الإله «بتاح» الذي كان يُتوَّج فيه كل ملوك مصر منذ فجر التاريخ، ومن ثم أصبح ملكًا شرعيًّا على أرض الكنانة غير أن بُنُوَّتَهُ لآمون لم تصل إلينا في عهده بل سنرى ذلك في عهد ابنه وخلفه «بطليموس الثاني» الذي جعله في صف الملوك الشرعيين على مصر على غرار «الإسكندر الأكبر».

١  راجع: Frag. 7, §. 1 Muller.
٢  راجع: P. Eleph. 5; Cf. Beloch. op. cit. IV, II, 170; C. C. Edgar in Mond & Meyers The Bucheum II, P. 29.
٣  راجع: Reich Mizraim II, P. 17, No. X.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤