الاختبار!

اندهش «أوزال» عندما استمع إلى أحد مساعديه وهو يروي له كلَّ ما جرى في كازينو «النجمة الحمراء».

قال: هذا غريب، لم يحدث شيء كهذا من قبل أبدًا.

قال المساعد: إن الأمر يبدو مدبَّرًا يا سيدي.

أوزال: هل تقصد أن ذلك الشاب الأسمر كان يعرف أن «صامو» سيذهب إلى الكازينو ليحصل على مليون دولار، فأرسل مَن يضربه وحلَّ هو محله.

المساعد: هذا لا شك فيه يا سيدي. «أوزال»: لو كان هذا صحيحًا فلا بد أن نعرف مَن هو هذا الشاب؟ أين يقيم؟

المساعد: إن المعلومات التي حصلنا عليها تقول إنه يحمل جواز سفر أفريقي، وإنه حصل على أكثر من بطولة في «الكاراتيه» و«الكونغ فو» وإنه يعيش حياة لاهية وتنقَّل في أكثر من دولة. وإن هناك أكثر من دولة تطالب بالقبض عليه بتهمة استعمال العنف والسرقة المسلحة.

ضاقَت عينَا «أوزال» وقال: إن هذا يعني أنه لا يعمل لحساب أية جهة حكومية … وأن الأمر ربما مصادفة في دخوله الكازينو تلك الليلة.

– لقد حطَّم رءوس وأذرع سبعة من رجالنا يا سيدي مرة واحدة فهل نقتله؟

– لا … لا … ونهض «أوزال» وفي عينَيه تفكيرٌ عميق … وأشعل سيجارًا، ثم قال: مثل هذا الشاب لا يستحق الموت بالعكس إنه قد يكون مفيدًا جدًّا؛ فطريقتُه في القتال رائعة، وحيث إنه مطارَدٌ من بعض الجهات فلا بد أنه سوف يرحِّب بالانضمام إلينا … فنحن سنوفر له الحماية والمال الكثير الذي يبحث عنه.

– ولكن يا سيدي.

– سوف يصير هذا الشابُّ الأسمر من رجالي … وسوف أختبره بنفسي وبعد الاختبار سأقرر إن كنت سأضمُّه إلى حرسي الخاص.

– لكن يا سيدي … أليس من الأفضل إجراء التحريات المكثفة عنه أولًا؟

– بالطبع سوف نقوم بإجراء هذه التحريات؛ فإن أصدقاءنا بارعون في هذا الأمر … ولكنني لن أنتظر نتيجتها … إنني أريدكم أن تُحضروا هذا الشاب لمقابلتي غدًا صباحًا.

– سنفعل يا سيدي.

واتجه المساعد خارجًا … في نفس اللحظة التي دخلَت فيها النجمة الفرنسية «صوفي مارسو» إلى الحجرة الوثيرة، فهبَّ «أوزال» واقفًا في سعادة وهو يقول: مرحبًا يا حسنائي … كيف حالك الآن؟

– ألم يَصِلْكَ ما حدث نهار ذلك اليوم؟!

لمعَت عينَا «أوزال» وقال: إنك بذلك تُقلِّلين من كفاءتي … لقد كان ذلك الشابُّ مُدهشًا في الطريقة التي أنقذكِ بها … ومَن شاهد الحادث يقول إن هذا الشاب قام بعمل إعجازي لإنقاذ حياتك.

بلهجة خاصة أضاف: وأنكِ قمتِ بدعوته إلى حفل الليلة.

صوفي: وهل لديكَ اعترض؟

أوزال: بالعكس … بل كنتُ سأوجِّه له الدعوة بنفسي إن لم تسبقيني … فإنني في شوق إلى التعرف على أمثال هذا الشاب الشجاع. هيَّا بنا يا عزيزتي. فلا بد أن أصدقاءَنا قد بدءوا يقلقون؛ لأننا تأخَّرنا على الحفل.

خرج الاثنان من الحجرة، وقد تأبَّطَت «صوفي» ذراع «أوزال» متجهين إلى قاعة الحفل الواسعة.

تقدَّم «أحمد» إلى داخل القاعة الفاخرة؛ كانت أشبهَ بقاعات القصور أو قاعات «ألف ليلة وليلة» بأضوائها الساطعة المنبعثة من الثريات الضخمة المدلاة من السقف، والحوائط المكسوة بالمرمر واللوحات الثمينة لأشهر الرسامين، والأرضية المغطاة بأفخم السجاد، والأثاث المحلَّى بنقوش ذهبية ومنافض السجائر الفضية الثمينة.

كان هناك عشرات من رجال الأعمال المشهورين والحِسان ممن يتحلَّون بجواهر ثمينة وعقود ماسية. ولمح «أحمد» عددًا من نجوم السينما والفن … وعددًا آخر من كبار المسئولين … ولم يكن خافيًا عليه أن هناك عددًا آخر من رجال الأمن والمخابرات قد اندسوا في المكان لحماية «أوزال» وتحسُّبًا لوقوعِ أيِّ طارئ … وتقدَّم «أوزال» و«صوفي» من الموجودين يُحيُّونهم ويرحبون بهم … واقتربت «صوفي» من «أحمد» وهي تقول باسمة: تعالَ لأعرفك على مستر «أوزال» إنه في شوق لأن يراك.

أحمد: وأنا كذلك يا سيدتي.

وقادَته «صوفي» إلى «أوزال» الذي رحَّب به قائلًا: مرحبًا ببطلنا الشاب … إن عزيزتي «صوفي» … معجبةٌ بك أشدَّ الإعجاب، ومن جانبي فأنا مَدين لك بالكثير لإنقاذك حياتها … ومن أجل ذلك أقول لك يا عزيزي: يمكنك أن تتمنَّى أيَّ شيء فأحققه لك.

أحمد: إنني لا أرغب في شيء سوى أن أعمل «دوبليرًا» في شركتك السينمائية يا سيدي، فهذا هو ما يناسب مواهبي.

تأمل «أوزال» «أحمد» بعينَين متفرستَين ثم قال: ربما يكون لي رأيٌ آخر بالنسبة لمواهبك؛ لأنني رجل يحب استغلال المواهب بطريقة جيدة.

وفي غموض قال: سوف يكون هناك اختبارٌ صغير … وبعدها يمكنني أن أُقرر ما يمكنني عمله بشأنك … والآن لقد حان أوان العشاء.

مرَّ الوقت ببطء … و«أحمد» يحاول أن يكون طبيعيًّا … وبدأ المدعوون ينصرفون، وعندما تهيَّأ «أحمد» للانصراف قال «أوزال»: إنني أريد أن أتحدَّث معك … تعالَ معي.

اتجه الاثنان خارجَين إلى الحدائق الواسعة التي تحيط بالقصر؛ والذي رُصفَت طُرقاته بالرخام الفاخر، وتألقت نافوراته تحت الأضواء الكهربائية.

قال «أوزال»: إن هناك بعض المعلومات التي يهمُّني أن أعرفها عنك.

أحمد: إنني تحت أمرك يا سيدي.

وفجأةً اندفع ستة رجال ملثَّمين مسلَّحين بالسيوف وهم يصرخون نحو «أوزال» … وتراجع «أوزال» إلى الخلف متظاهرًا بالخوف الشديد … ولم يكن «أحمد» في حاجة لأن يعرف أن خوف «أوزال» مصطنعٌ وأن ما يجري أمامه هو الاختبار الصغير الذي حدَّثه «أوزال» عنه؛ اختبار لقدرات «أحمد» وولائه، وبناء على نتيجة هذا الاختبار يتحدد مستقبل «أحمد» بالعمل مع «أوزال».

كان «أحمد» مستعدًّا للاختبار تمامًا … وهكذا اندفع «أحمد» بقبضته العارية نحو أول المهاجمين، وتحاشى ضربة سيفه القاتلة، وأمسك بذراع المقاتل، ثم دفعه بقوة فألقاه بعيدًا والتقطه «أحمد» منه … واندفع يصد ضربات الباقين … وتعالى صليل السيوف. ودار «أحمد» دورة كاملة، وبسرعة خاطفة كان سيفه يأخذ طريقَه إلى ذراعَي اثنين من المقاتلين المتَّشحين بالسواد فأطاح بسيوفهما بعيدًا، وجرح أذرعتهما.

وقفز «أحمد» في الهواء وبسيفه جرح اثنين آخرين … ثم اندفع مثل الفهد يكيل الضربات واللكمات للباقين مثل الفهد الثائر.

تراجع المقاتلون الستة إلى الوراء في ذُعر … ثم اندفعوا هاربين متعثِّرين في خطواتهم وإصاباتهم، وكاد «أحمد» يندفع خلفهم لولا أن أمسك «أوزال» بذراعه قائلًا: لا داعي للحاق بهم … يكفي ما نالهم من ضربات وإصابات … إنك بارع جدًّا في القتال.

أحمد: تعلَّمتُ كلَّ فنونه على يد مدرِّب صيني عندما سافرتُ إلى هناك منذ سنوات.

تأمله «أوزال» بإعجاب قائلًا: هذا رائع … إنك الشخص الذي كنت أحتاج إليه.

وربَّت فوق كتف «أحمد» قائلًا: لقد نجحتَ في الاختبار يا عزيزي … ومنذ الآن ستكون واحدًا ضمن أفراد حرسي الخاص.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤