علامة استفهام!

بعد ثلاث ساعاتٍ من هذا اللقاء السرِّيِّ الغامض بین رقم «صفر» و«أحمد»، تسلَّم الشيطان رقم «١» ملفًّا أسود اللون، عليه كتابةٌ باللون الذهبيِّ هو «ميكانيزم العمل الخارجي»، و«ميكانيزم» كلمةٌ إنجليزيَّةٌ تعني آليَّات العمل، أو كيف يتم العمل، أو أسلوب العمل.

كان «أحمد» في غاية الاشتياق لأن يعرف كيف تتمُّ آليَّات العمل الخارجيِّ، أو النَّسَق الذي تسير عليه العمليَّات الخارجيَّة … وقد كان مندهشًا؛ لأنَّ التقرير الذي كان بداخل الملف، كان بخطِّ رقم «صفر» نفسه، وهذا يعكس الحالة غير الطبيعيَّة التي يمرُّ بها العمل داخل «ش. ك. س»؛ أي عدم ثقة «صفر» في جميع العاملين في قسم العمليَّات الخارجيَّة!

میکانیزم العمل الخارجي

«يبدأ العمل في القسم الخارجيِّ — عادةً — بمعلوماتٍ تصل من العملاء في الخارج، أو لبعض الحكومات التي تطلب معاونة «ش. ك. س» … وتُحَوَّل هذه المعلومات إلى قسم التحليل، الذي يتولَّى تحليل هذه المعلومات؛ لضمان دقَّتها؛ مُستعينًا بالملفَّات التي تُوجَد في أرشيف مُنظَّمة الشياطين … وبعد التأكُّد من صحَّة هذه المعلومات، يُرسَل تقديرُ الموقف إلى قسم التخطيط؛ حيث يتمُّ وضع الخُطَّة الملائمة لمواجهة الموقف، ثمَّ يُرسَل إلى قسم التنفيذ؛ لاختيار العناصر المناسبة للتعامُل مع المشكلة.

وبعد ذلك، كان هناك كشف بأسماء العاملين في الأقسام المَعنيَّة … من قسم المعلومات، وقسم التحليل، وقسم الأرشيف، وقسم التخطيط، وقسم التنفيذ … معنى ذلك أنَّ هناك خمسة أقسامٍ تشترك في العمليَّات الخارجيَّة، وأيُّ واحدٍ في أيِّ قسمٍ من هذه الأقسام يستطيع أن يفضح أو يُسرِّب المعلومات عن العمليَّة إلى من يُهِمُّه الأمر … فمن هو الخائن داخل المقرِّ السرِّيِّ؟!

كانت المشكلة في غاية الخطورة … فأولى قواعد العمل في جميع المُنظَّمات السرِّيَّة، هي السرِّيَّة المُطلَقة، فإذا تسرَّبَت أيَّة معلوماتٍ إلى الجهة المُضادَّة، فمعنى ذلك فشل العملية، وتعريض القائمين عليها لخطر الموت؛ وهذا ما حدث … فقد سقط ثلاثةٌ من عملاء رقم «صفر» قتلى؛ نتيجة وجود خائنٍ في المقرِّ السرِّيِّ!»

واستلقى «أحمد» على فراشه يُفكِّر … فجأةً قفز واقفًا؛ فالحلُّ الأمثل هو التظاهر بوجود عمليَّةٍ وهميَّةٍ في الخارج … في نفس الوقت، يتمُّ تتبُّع العمليَّة داخل المقرِّ السرِّيِّ؛ حتى يتبيَّن مَن الخائن.

وسارع «أحمد» بالاتِّصال برقم «صفر»، وشرح خُطَّته بإيجازٍ … هناك عمليَّةٌ ما في الخارج، تُبلَّغ إلى المقرِّ السرِّيِّ، يتمُّ الإعداد لها في الأقسام الخمسة، ويسافر «أحمد» لإنجاز هذه المُهِمَّة، ونرى في أيِّ مرحلةٍ من مراحل العمل تمَّ تسرُّب المعلومات!

قال رقم «صفر»: خُطَّةٌ جيِّدةٌ، وسأُدير قضيَّةً عن طريق عميلنا في «لندن»؛ وهو يرأس مجموعات العملاء في الخارج بحكم أقدميَّته وكفاءته … وسنُتابع وصول المعلومات، وفي أيِّ نقطةٍ من سَير العمل تتسرَّب!

أحمد: إنَّني في انتظار تعليماتكم!

رقم «صفر»: خلال ٢٤ ساعة!

أحمد: هل يمكن أن أقرأ التحقيقات التي دارت بعد مصرع الرجال الثلاثة؟ لعلَّني أعثر فيها على أيِّ دليلٍ!

رقم «صفر»: سأرسلها لك فورًا!

بعد عشر دقائق، كانت ثلاثة ملفَّاتٍ سوداء على مكتب «أحمد» (المُلحَق بغرفة نومه)… وأسرع يفتح الملفَّ الأول، وطالعَتْه صورة رجلٍ يعرفه؛ إنَّه عميل «روما» الذي طالما ساعد الشياطين … وأخذ يقرأ:

س «جیاکومو.

من مواليد «نابولي»؛ كان يعمل بالبوليس السرِّيِّ الإيطاليِّ حتى قدَّم استقالته؛ بسبب خلافاتٍ بينه وبين الإدارة … افتتح مكتبًا للاتِّصالات والعلاقات العامة … حقَّقَ نجاحًا طيِّبًا.

طلبت منه «ش. ك. س» بعض المساعدات؛ قام بها على خير وجهٍ … تمَّ الاتِّفاق معه للعمل مع «ش. ك. س» … كان يُجيد الرماية، ومُتخصِّصًا في ضرب الطبنجة … وقد زوَّدته «ش. ك. س» بعددٍ من جوازات السفر؛ ليتمكَّن من السفر إلى جهاتٍ مختلفةٍ دون أن يتتبَّع أحدٌ أثره، وكانت تقاريره كلُّها ممتازةً.

كانت عمليته الأخيرة ضدَّ مجموعة «الخنجر الأسود»، التي حاولت التسلُّل إلى أجهزة «ش. ك. س» … استطاع أن يعرف معلوماتٍ كثيرةً عنها، وحصل على وثائق تكشف عن تسرُّب المعلومات من «ش. ك. س» … ولكن قبل أن تصِل هذه الوثائق إلينا تمَّ اغتياله وهو ينزل من سيَّارته أمام فندقٍ صغيرٍ في ضواحي «روما» … وقد استولى القاتل على الوثائق، وعلى جواز سفرٍ أمريكيٍّ كان يحمله … لم يكن يعلم أحدٌ بوجوده في هذا الفندق، وأنَّه يحمل جواز سفرٍ بديلًا إلَّا عددٌ محدودٌ من العاملين في «ش. ك. س».

يتَّضح من هذا أنَّ القاتل حصل على اسم ومكان «جياكومو» من قلب مُنظَّمة «ش. ك. س»، وأنَّ «جياكومو» قُتل عندما أوشك على فضح الشخص أو الأشخاص الذين يُسرِّبون المعلومات من «ش. ك. س»!

وقرأ «أحمد» تقريرًا عن رأي الشرطة الإيطاليَّة في الحادث ونوع الرصاص المستخدم، وعرف أنَّ «جياكومو» قد ترك أرملةً تعيش في «روما» مع ابنتها «مادونا جیاکومو».

وتوقَّف «أحمد» عند هذه النقطة … هل كانت زوجة «جياكومو» تعرف شيئًا عن عمله؟ هل عرفت بالعمليَّة الأخيرة ضدَّ عصابة «الخنجر الأسود»؟ إنَّ التقرير لا يُشير إلى شيءٍ من هذا؛ رغم أنَّ بعض المعلومات من الزوجة أو الابنة مسألةٌ في غاية الأهمِّيَّة!

وكتب «أحمد» ملاحظةً على الملف، ثمَّ أمسك بالملفَّين الأخيرَين … كانت المعلومات عن عميل «باريس» و«مدريد» صورةً تقديريَّةً من معلومات «جياكومو» … نفس طريقة الاغتيال … نفس المعلومات … نفس المهمة … هناك إذن من وَشَی بهؤلاء الرجال.

فمن هو الواشي؟!

كانت نقطة البداية في نظر «أحمد» هي زوجة «جیاکومو»، وقرَّر أن يُسافر إلى «روما».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤