رسالة من رجل ميت!

كانت المفاجأة التي قدَّمتها «مادونا» بعد ذلك، فوقَ كلِّ تصوُّرٍ … قالت «مادونا»: لقد حرص أبي في الفترة الأخيرة على تسجيل المكالمات التليفونيَّة التي كانت تصِله، وكان يستمع إلى هذه التسجيلات مرارًا وتَكرارًا، ويُردِّدُ باستمرارٍ: هناك شيءٌ ما في هذه المحادثات … هناك شيءٌ خاطئٌ … هناك رائحةٌ كريهةٌ!

قال «أحمد»: هل هذه التسجيلات موجودةٌ؟

مادونا: نعم.

أحمد: أرجو أن أسمعها.

مادونا: هناك شيءٌ آخر.

أحمد: ما هو؟

مادونا: لقد ترك لي أبي رسالةً؛ لعلَّها تُهِمُّك!

أحمد: خاصَّةٌ بنفس الموضوع؟

مادونا: نعم.

أحمد: إنَّها بالطبع تُهِمُّني جدًّا.

في هذه اللحظة، رنَّ جرس التليفون، وأسرعت «مادونا» تردُّ عليه … ثمَّ نظرت إلى «أحمد»، وقالت: إنَّه لك!

أحمد: لي أنا؟!

مادونا: نعم … هل أنت رقم واحد؟!

أحمد: نعم؛ أنا رقم واحد.

أسرع «أحمد» إلى التليفون … كان المُتحدِّث هو «هوليس» رئيس القسم الخارجيِّ للشياطين اﻟ «١٣» في «أوروبا».

قال «هوليس»: رقم واحد؟

أحمد: نعم.

هوليس: أنت تعرفني؟!

أحمد: نعم … مستر «هوليس».

هولیس: عظيم … لقد أخطرني رقم «صفر» بمُهِمَّتك، وأردت أن أعرف خطواتك.

أحمد: لم أقُم بأيِّ شيءٍ حتى الآن.

هوليس: من المُهِمِّ أن تُخطِرَني بما ستفعل؛ خطوةً بخطوةٍ … إنَّ رقم «صفر» قلقٌ جدًّا بشأن مُهِمَّتك.

أحمد: بالطبع، سوف أُخطِرُك بكلِّ ما أفعل.

هوليس: هل انتهت زيارتك لأسرة «جیاکومو»؟

أحمد: ليس بعد.

هوليس: هل هناك جديدٌ؟

أحمد: ربَّما أحصل على بعض المعلومات بعد قليلٍ.

هوليس: هل معك رقم تليفوني؟

أحمد: نعم … أخطرَني به رقم «صفر» قبل سفري؛ لقد تغيَّر بعد الأحداث الأخيرة.

هوليس: صحيحٌ … لا تنسَ أن تتَّصل بي؛ لأُخطِرَ رقم «صفر» بما يستجِدُّ.

أحمد: طبعًا.

وضع «أحمد» سمَّاعة التليفون، وعاد إلى «مادونا»، التي أشارت له أن يتبعها؛ حيث دخلا غرفةً صغيرةً … كانت آيةً في الفخامة، وقد امتلات بأرفُف الكتب، والتُّحَف، وجهازٍ للتسجيل من أحدث طِراز.

قالت «مادونا»: هذه غرفة مكتب أبي، وكانت مكانه المُفضَّل؛ حيث يقضي الوقت في القراءة وإعداد التقارير.

أحمد: هل كان له أصدقاء يزُورونه هنا؟

مادونا: أقاربنا فقط … ولكنَّه كان يُقابل العملاء في مكتبه عند طرَف المدينة.

أحمد: أريد أن أقرأ الرسالة التي تركها والدُك؛ إنَّها شديدة الأهمِّيَّة.

مادونا: لهذا أخفيتُها.

وانحنت «مادونا»، وزحزحت المكتب الصغير الموضوع في طرَف الغرفة، ثمَّ رفعت السجَّادة، وأخرجت مظروفًا أزرق اللون.

وقالت «مادونا»: منذ مات أبي، وأنا أُحِسُّ بالخوف، ولكنِّي أخفيتُ ذلك عن أُمِّي؛ لأنَّها مريضةٌ، وأيُّ انفعالٍ قد يُودِي بحياتها؛ خاصَّةً بعد ما حدث لأبي!

وفتحت «مادونا» المظروف لتُناول «أحمد» الخطاب، ولكنَّه طلب منها أن تقرأه هي.

وأخذت «مادونا» تقرأ: ابنتي العزيزة …

أكتب لك هذه الرسالة لأنَّني أعرف شجاعتك، وقُدرتك على التصرُّف … إنَّني أُحِسُّ في الأيام الأخيرة بخطرٍ يُهدِّدُ حیاتي … لقد سقط اثنان من زملائي قَتلی، وأظنُّ أنَّني سوف ألقى نفس المصير … لقد عملتُ من أجل العدالة طوال عمري، ولكن بعض الناس يعملون ضدَّ العدالة؛ ولهذا فإنَّ بيني وبينهم عداءً مُستحكمًا … إنَّك قد لا تعرفين أنَّني مُنضمٌّ إلى مُنظَّمةٍ عظيمةٍ تُقاوم الشرَّ في كلِّ مكانٍ، ولعلَّك أحسستِ أحيانًا أنَّني أعيش حياةً مُزدوجةً؛ وهذا صحيح … قصدي عملي العادي في مكتبي … ولكن الأهمَّ كان عملي السرِّي في مُحاربة الجريمة المُنظَّمة في «إيطاليا»، وفي غيرها من بلدان العالم … وكما قلتُ في سطوري السابقة؛ إنَّني أشعر بخطرٍ يُهدِّدُ حياتي، وقد كانت الأخطار تُهدِّدُ حياتي دائمًا في عملي السرِّيِّ … ولكن هذه المرة اقترب الخطر! وبحُكم عملي الطويل في مكافحة الجريمة والمجرمين، أُدرك أنَّ أيَّامي باتت معدودةً.

ابنتي الوحيدة الغالية …

للأسف هناك خائنٌ بين زملائنا في العمل السرِّيِّ … هذا الخائن يُبلِّغ أعداءنا بخُطَطنا بدِقَّةٍ، وقد استطاع هؤلاء الأعداء — ومنهم عصابة «الخنجر الأسود» — أن يُوقِعوا بزملاء من أكفأ الزملاء؛ هم زملائي في «باريس» و«مدريد» و«روما» … لقد كلَّفَت المُنظَّمة هؤلاء الزملاء بأعمالٍ دقيقةٍ، وذهبوا لأدائها وهم مُستعدُّون، ولكنَّ الخائن أوقع بهم؛ فقد أبلغ العصابات المُعادِية بتحرُّكاتهم، وعندما وصلوا أُطلِق عليهم الرصاص، وماتوا في أماكنهم!

إنَّني أكتب لك هذه السطور المُرعبة لأُحذِّرَك؛ فإذا حدث لي شيءٌ، فيجب أن تتركي المنزل أنت وأمُّك العزيزة فورًا … لقد اشتريتُ لكما شقَّةً جميلةً في مدينة «فينسيا»، وأترك لك مع هذا عقد الشراء، وتركت لك كلَّ أموالي في البنك باسمك …

لا تتردَّدِي لحظةً واحدةً في تنفيذ هذه التعليمات؛ فأنا أخشى عليكما من أعدائي!

«مادونا» …

إنَّني أُقبِّلك يا حبيبتي الصغيرة، ولا تُخبري «ماما» بشيءٍ من كلِّ هذا؛ حتى لا تضطرب صحَّتُها، وحافظي على نفسك من أجل «بابا»!

وعندما انتهت «مادونا» من قراءة الرسالة، كانت دموعها تنساب ببطءٍ على خدَّيها!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤