عصور ما قبل التاريخ

في تلك العصور السحيقة في القدم لم يحاول الإنسان الأول أن يحفظ الجسم صناعيًّا؛ إذ إن الطبيعة كانت تقوم بنفسها بحفظ الأجسام المطمورة في الرمال، فكانوا يدفنون جثث موتاهم ملفوفة في الكتان، أو الجلد، أو الحصير في مقابر بسيطة جدًّا عبارة عن حفر بيضاوية، أو مستديرة قريبة من سطح الأرض، وتلعب الطبيعة دورها بعد ذلك في المحافظة على هذه الأجسام، وتجفيفها بعوامل الحرارة الجوية، وجفاف الطقس، وبذلك تمنع تحلُّل الأنسجة البشرية … وهذه الظاهرة قد عرفها المصريون في عصور ما قبل التاريخ، وحاول الفراعنة في عصور الأسرات تقليدها كيماويًّا معمليًّا بعد أن تطورت المقبرة، وبعد أن دَعَتْ ظروف المدينة إلى ذلك.

وقد عثر المنقِّبُون على الآلاف من جثث المصريين من عصور ما قبل التاريخ، ولكن العلماء لم يجدوا في واحدة منها أيَّ آثار لمحاولة التحنيط والمحافظة الصناعية، أو لأيِّ مادة حافظة في جميع الأجسام التي وجدت في شكل مضغوط كما يتبيَّن من الرسم رقم ١.
وقد قام الدكتور شمدت١ بكثير من الأبحاث الكيماوية، وخصص كثيرًا من وقته، وبحثه لدراسة موميات هذا العصر فلم يجد أيَّ أثر لأي مادة من مواد التحنيط … وقد جفَّت عضلات الجسم جفافًا تامًّا حتى خَلَطَ كثيرٌ من العلماء بينها وبين الراتنج لأول وهلة، وقد وجد داخل الجماجم قطعًا من مادة متفحمة دلَّ مظهرها الخارجي على أنها راتنجات، أو قار معدني، ولكنَّ البحث الكيماويَّ والتشريحيَّ لهذه البقايا أثبتا أنَّها من بقايا المخ٢ البشري.

وظلَّت هذه الطريقة شائعة بين المصريين حتى مطلع عصر الأسرات فيما قبل الأسرة الرابعة، فقد كانت بعضُ الجثث تشبه في كثيرٍ أو قليلٍ مومياتِ عصور ما قبل التاريخ مع محاولات علمية صناعية طفيفة سنذكرها بالتفصيل.

١  Schmidt: “Chimische und Biologische Unter Suchungen von agyptischen Mwmien Material” in the Zeit füs Allgemeine Physiologie, Band VII, 1907 P. 369–392.
٢  Journ. Anatomy & Physiology Vol 36, 1902, 375.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤